تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
سخن موسس فقید
سخن موسس فقید
مسند سهل بن زياد الآدمى (جلد دوم)

(369)

وقال الجوهري: مضى قدما بضمّ الدال: لم يعرج ولم ينتن. وقال: ساوره، أي واثبه. قال حجمته فأحجم: أي كففته فكفّ. وقال: التباب: الخسران والهلاك.[1]

الحديث 819: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله‌ عليه‌السلام قال: إنّ أرض الجزية لا ترفع عنها[2] الجزية وإنّما الجزية عطاء المهاجرين، والصدقة لأهلها الذين سمّى الله‌ في كتابه وليس لهم من الجزية شيء، ثمّ قال: ما أوسع [الله‌][4] العدل، ثمّ قال: إنّ الناس يستغنون إذا عدل بينهم وتنزل السّماء رزقها، وتخرج الأرض بركتها بإذن الله‌ تعالى.

المصادر: الكافي 3: 568، كتاب الزكاة، باب صدقة أهل الجزية، ح6، تهذيب الأحكام 4: 136، ب39 باب الزيادات، ح136، وسائل الشيعة 15: 153، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، ب69 ح1، جامع أحاديث الشيعة 13: 222، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، ب78 باب من يستحقّ الجزية، ح1.

أبواب جهاد النفس وما يناسبه

الحديث 820: وعنهم، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: إنّ شيعة عليّ عليه‌السلام كانوا خمص البطون، ذبل الشفاه، أهل رأفة وعلم وحلم يعرفون بالرهبانيّة، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع والإجتهاد.

المصادر: وسائل الشيعة 15: 189، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب4 ح 16، وأورده في الحديث 8 من الباب 20 من أبواب مقدّمة العبادات من مجلّد الأوّل.

مرّ الحديث في الصحفة 99 من المجلّد الأوّل، رقم الحديث 14.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 18: 384، وراجع كتاب الوافي 15:116.

2. في التهذيب والوسائل: «عنهم» بدل «عنها».

3. في التهذيب: «سمّاهم» بدل «سمّى».

4. ليس في التهذيب والوسائل والجامع: «الله‌».


(370)

الحديث 821: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن أورمة، عن [أبي] إبراهيم الأعجميّ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: المؤمن حليم لا يجهل، وإن جهل عليه يحلم، ولا يظلم، وإن ظلم غفر، ولا يبخل، وإن بخل عليه صبر.

المصادر: الكافي 2: 235، كتاب الإيمان والكفر، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح17،وسائل الشيعة 15: 189، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب4 ح17، جامع أحاديث الشيعة 27: 526، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و...، ب64 باب مكارم الأخلاق و...، ح41.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

(ولا ينجل) في بعض النسخ بالنون والجيم، وهو الطعن والشقّ، ونجل الناس: شارّهم.

وتناجلوا: تنازعوا، أي: إن طعنه أحد وسفّه عليه صبر ولم يقابله بمثله.[1]

الحديث 822: حدّثنا أبي رضى‌الله‌عنه قال: حدّثني أحمد بن إدريس قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري[2] قال: حدّثني سهل بن زياد، عن الحارث بن الدلهاث مولى الرضا عليه‌السلام قال: سمعت أبا الحسن صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه، فالسنّة من ربّه كتمان سرّه، قال الله‌ عزّوجلّ: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»[3].

وأمّا السنّة من نبيّه: فمداراة الناس، فإنّ الله‌ عزّوجلّ أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌و‌آله بمداراة


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 9: 245 .

2. في الوسائل: «محمّد بن أحمد بن يحيى» بدل «محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري».

3. الجنّ 72: 26 ـ 27.


(371)

الناس فقال: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ»[1] وأمّا السنّة من وليّه: فالصبر في البأساء والضرّاء، فإنّ الله‌ عزّوجلّ يقول: «وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ»[2].

المصادر: عيون أخبار الرضا1: 256، ب26 باب ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار النادرة...، ح9، وأورد صدره في وسائل الشيعة 15: 193، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب4 ذيل ح30، جامع أحاديث الشيعة 17:520، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و...، ب64 باب مكارم الاخلاق و...، ح31.

الشرح: قال المازندراني:

قوله «وأمر بالعرف» العرف الجود وكلّ ما يبذله ويعطيه. «فالصبر في البأساء والضرّاء» كالفقر والفاقة والمرض والصعوبة والقحط وأمثالها، وهما متقاربان، وقيل: البأساء ما يتعلّق بالمال كالفقر والتلف وغيرهما، والضرّاء ما يتعلّق بالبدن كالمرض والعمى ونحوهما.[3]

قال العلاّمة المجلسي:

«عَالِمُ الْغَيْبِ» قال الطبرسي رحمه‌الله: أي هو عالم الغيب يعلم متى تكون القيامة «فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا»[4] أي لا يطلع على الغيب أحدا من عباده، ثمّ إستثنى فقال: «إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»[5] يعني الرسل، فإنّه يستدلّ على نبوّتهم بأن يخبروا بالغيب ليكون آية معجزة لهم، ومعناه إلاّ من إرتضاه وإختاره للنبوّة والرسالة، فإنّه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه من


--------------------------------------------------

1. الأعراف 7: 199.

2. البقرة 2: 177.

3. شرح اُصول الكافي 9: 173 .

4. الجن 72: 26.

5. الجن 72: 27.


(372)

المصلحة، انتهى.

وقد مرّ عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: كان والله‌ محمّد ممّن إرتضاه.

وفي الخرائج عن الرضا عليه‌السلام في قوله تعالى: «إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ» قال: فرسول الله‌ عند الله‌ مرتضى، ونحن ورثة ذلك الرسول الّذي إطلعه الله‌ على ما يشاء من غيبه، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم «إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ» يعني عليّا المرتضى من الرّسول وهو منه.

ثمّ إعلم أنّ الاستشهاد بالآية الكريمة يدلّ على أنّ المراد بكتمان السرّ الكتمان من غير أهله، وعمّن لا يكتمه.

«خُذِ الْعَفْوَ»[1] قال في المجمع: أي خذ يا محمّد ما عفا من أموال النّاس، أي ما فضل من النفقة، فكان رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شيء موقّت، ثمّ نزلت آية الزكاة، فصار منسوخا بها.

وقيل: معناه خذ العفو من أخلاق الناس، واقبل الميسور منها، ومعناه أنّه أمره بالتساهل، وترك الاستقصاء في القضاء والاقتضاء، وهذا يكون في الحقوق الواجبة لله‌ وللناس وفي غيرها.

وقيل: هو العفو في قبول العذر عن المتعذّر وترك المؤاخذة بالإساءة.

وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله سأل جبرئيل عن ذلك فقال: يا محمّد إنّ الله‌ يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك، «وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ»، يعني بالمعروف وهوما حسن في العقل فعله أو في الشرع ولم يكن منكرا ولا قبيحا عند العقلاء.


--------------------------------------------------

1. الأعراف 7:199.


(373)

وقيل: بكلّ خصلة حميدة «وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ»[1] معناه وأعرض عنهم عند قيام الحجّة عليهم والإياس من قبولهم ولا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك، فإنّ مجاوبة السفيه تضع عن القدر. ولا يقال هذه الآية منسوخة بآية القتال، لأنّها عامّة خصّ عنها الكافر الّذي يجب قتله بدليل.

وأقول: روى الصدوق قدس‌سره في العيون هذا الخبر عن هذا الراوي، وأعرض عن الجاهلين موجود فيه، وزاد في آخره أيضا قال الله‌ عزّ وجلّ: «وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ» وكأنـّه سقط من النسّاخ والآية هكذا: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله‌ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ»[2] والأكثر على أنّ نصب الصابرين على المدح.

وقال البيضاوي عن الأزهري: البأساء في الأموال كالفقر، والضرّاء في الأنفس كالمرض، وحين البأس وقت مجاهدة العدو، ويدلّ الخبر على أنّ هذه الآية نزلت في الأئمّة عليهم‌السلام فهم الصادقون الّذين أمر الله‌ بالكون معهم، حيث قال: «وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»[3].[4]

الحديث 823: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و[5] عليّ بن إبراهيم، عن


--------------------------------------------------

1. الأعراف 7:199.

2. البقرة 2: 177.

3. التوبة 9: 119.

4. مرآة العقول 9: 283 .

5. في الوسائل زيادة: «عن».


(374)

أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي حمزة، عن جابر بن عبدالله‌ قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: ألا اُخبركم بخير رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله‌، قال: إنّ من خير رجالكم التقيّ النقيّ، السّمح الكفّين، النقيّ الطرفين، البرّ بوالديه، ولا يلجئ عياله إلى غيره.

المصادر: الكافي 2: 57، كتاب الإيمان والكفر، باب المكارم، ح7، وسائل الشيعة 15: 198، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب6 ح2، جامع أحاديث الشيعة 15: 518، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و...، ب64 باب مكارم الاخلاق و...، ح22. الشرح: قال المازندراني:

قوله: (ألا اُخبركم بخير رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله‌، قال: إنّ من خير رجالكم) لا يقال: أوّل هذا الكلام ينافي آخره في الجملة لأنّ قوله (خير رجالكم) يفيد أنّه الخير مطلقا، وقوله «من خير رجالكم» يفيد أنّه من جملة خير الرجال وبعضهم، لأنّا نقول: لعلّ المراد بالأوّل الصنف، وبالاخر كلّ فرد من هذا الصنف، أو نقول: الأخير قرينة على أنّ المراد بالأول الخير الإضافي بالنسبة إلى من لم توجد فيه الصفات المذكورة دون الخير الحقيقي، وعلى الإطلاق.

«التقي النقيّ، السّمح الكفّين» «التقي» المحترز عن كلّ ما يؤثم خوفا من الله‌ تعالى، وتبعيدا لنفسه عن مخالفته و«النقي» النظيف الظاهر والباطن من الوسخ النفساني والدنس الجسماني «والسمح» الجواد المعطي.

وإسناد الجود والاعطاء إلى الكفين لظهورهما منهما، وفي ذكر الكفين مبالغة في كمالهما. (النقي الطرفين) أي الفرجين، أو الفرج واللّسان، أو الفرج والبطن.

وقيل: الوالدين (والبر بوالديه) أي المحسن إليهما، والمطيع لهما والرفيق بهما، والمتحري لمحابهما، والمتوقي عن مكارههما. (ولا يلجيء عياله إلى غيره) مع القدرة على إنفاق ما يكفيهم يقال: ألجأته إليه ولجّأته بالهمزة والتضعيف، أي


(375)

إضطررته وأكرهته.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

الحديث حسن كالصحيح. «بخير رجالكم» ربما يتوهّم التنافي بين هذا وبين قوله: من خير رجالكم.

واُجيب: بأنّ المراد بالأوّل الصنف، وبالثاني كلّ فرد من هذا الصنف، أو الحصر في الأوّل إضافيّ بالنسبة إلى من لم يوجد فيه الصفات المذكورة، دون الخير على الإطلاق.

وأقول: يحتمل أن يكون عليه‌السلام أراد ذكر الكلّ ثمّ اكتفى بذكر البعض، أو المراد أنّ المتّصف بكلّ من الصفات المذكورة من جملة الخير، أو المراد بقوله بخير رجالكم، ببعضهم بقرينة الأخير، ومرجعه إلى بعض الوجوه المتقدّمة.

«النقيّ» أي من الشرك وما يوجب الخروج من الإيمان، أو من سائر المعاصي أيضا.

فقوله: «النقيّ الطرفين»، تخصيص بعد التعميم، أو المراد به الإحتراز عن الشبهات، «والنقيّ» النظيف الطاهر من الأوساخ الجسمانيّة، والأدناس النفسانيّة من رذائل العقائد والأخلاق.

«السمح الكفّين» قال في النهاية: سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء، إنتهى. والإسناد إلى الكفّين لظهور العطاء منهما، والتثنية للمبالغة أو إشارة إلى عطاء الواجبات والمندوبات.

«النقيّ الطرفين» أي الفرج عن الحرام والشبهة، واللّسان عن الكذب والخناء والإفتراء والفحش والغيبة وسائر المعاصي، وما لا يفيد من الكلام، أو الفرجين، أو الفرج والفم عن أكل الحرام والشبهة، أو المراد كريم الأبوين، والأوّل أظهر.


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 8: 179 .


(376)

قال في النهاية: طرفا الإنسان لسانه وذكره، ومنه قولهم: لا يدري أيّ طرفيه أطول، وفيه: وما أدري أىّ طرفيه أسرع، أراد حلقه ودبره، أي أصابه القيء والإسهال، فلم أدر أيّهما أسرع خروجا من كثرته، انتهى.

والمعنى الثالث أيضا حسن، لما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «أنّ أكثر ما يدخل النار الأجوفان، قالوا: يا رسول الله‌ وما الأجوفان؟ قال: الفرج والفم».

وأيضا قرنوا في أخبار كثيرة في بيان المهلكات بين شهوة البطن والفرج. وروي في معانى الأخبار عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله أنّه قال: من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنّة، وحمله الأكثر على المعنى الأوّل. قال الصدوق رحمه‌الله: يعني من ضمن لي لسانه وفرجه، وأسباب البلايا تنفتح من هذين العضوين، إنتهى.

«البرّ بوالديه» أي المحسن إليهما والمطيع لهما والمتحرّي لمحابّهما «ولا يلجئ عياله إلى غيره» أي لم يضطرّهم لعدم الإنفاق عليهم مع القدرة عليه إلى السؤال عن غيره، يقال: ألجأته إليه ولجّأته بالهمزة والتضعيف، أي إضطررته وأكرهته.[1]

الحديث 824: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن مفضّل بن صالح، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ عليه‌السلام قال: هبط جبرئيل[2] على آدم عليه‌السلام فقال: يا آدم إنّي اُمرت أن اُخيّرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع إثنين، فقال له آدم: يا جبرئيل وما الثلاث؟ فقال: العقل والحياء والدّين، فقال آدم: إنّي قد إخترت العقل، فقال جبرئيل للحياء والدّين: إنصرفا ودعاه، فقالا: يا جبرئيل إنّا اُمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، قال:


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 7: 352، وراجع كتاب الوافي 4: 267.

2. في الوسائل والجامع زيادة: «عليه السلام».


(377)

فشأنكما، وعرج.

المصادر: اُصول الكافي 1: 10، كتاب العقل والجهل، ح2، وسائل الشيعة 15: 204، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب 8 ح2، جامع أحاديث الشيعة 13: 290، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب6 باب ماورد في فضل العقل و...، ح14.

الشرح: قال المازندراني:

«عن عليّ عليه‌السلام قال: هبط جبرئيل عليه‌السلام على آدم عليه‌السلام » الظاهر أنّ ذلك كان بعد هبوط آدم من الجنّة وبعد قبول توبته «فقال: يا آدم إنّي اُمرت أن اُخيّرك واحدة من ثلاث»، أي خصلة واحدة من ثلاث خصال «فاخترها ودع اثنتين فقال له آدم: يا جبرئيل وما الثلاث»؟

الظاهر أنّ الواو لمجرّد حسن الارتباط وزيادة الاتّصال لا للعطف، «فقال: العقل والحياء والدّين».

العقل: هنا قوّة نفسانيّة وحالة نورانيّة بها يدرك الإنسان حقائق الأشياء، ويميّز بين الخير والشر، وبين الحقّ والباطل، ويعرف أحوال المبدء والمعاد، وبالجملة: هو نور إذا لمع في آفاق النفوس يكشف عنها غواشي الحُجب، فتتجلّى فيها صور المعقولات كما يتجلّى في العين صور المحسوسات.

والحياء: خلق يمنع من ارتكاب القبيح، وتقصير في الحقوق.

وقال الزمشخريّ: هو تغيّر وانكسار يلحق من فعل ما يمدح به، أو ترك ما يذمّ به وهو غريزة وقد يتخلّق به من يجبل عليه، فيلتزم منه ما يوافق الشرع.

وسيجئتحقيقه وتحقيق أنّ ما في بعض الإنسان من الكيفيّة المانعة له عن القيام بحقوق الله‌ تعالى من الحياء إن شاء الله‌ تعالى.

والدّين: هو الصراط المستقيم الّذي يكون سالكه قريبا من الخيرات، بعيدا عن المنهيّات، وهو عبارة عن معرفة مجموع ما يوجب القرب من الربّ، والعمل


(378)

بما يتعلّق به الأمر، ومعرفة مجموع ما يوجب البُعد عنه، وترك العمل بما يتعلّق به النهي.

«فقال آدم إنّي إخترت العقل» لا يقال: إختياره للعقل لم يكن إلاّ لملاحظة أنّ حسن عواقب أُموره في الدّارين يتوقّف عليه، وإنّ نظام أحواله في النشأتين لا يتمّ إلاّ به، ولا يكون ذلك إلاّ لكونه عاقلاً متفكّرا متأمّلاً فيما ينفعه عاجلاً وآجلاً.

لأنّا نقول: المراد بهذا العقل، العقل الكامل الّذي يكون للأنبياء والأوصياء، واختياره يتوقّف على عقل سابق يكون درجته دون هذا، وللعقل درجات ومراتب.

وقد يقال: هذه الاُمور الثلاثة كانت حاصلة له عليه‌السلام على وجه الكمال، والتخيير فيها لا ينافي حصولها، والغرض منه إظهار قدر نعمة العقل والحثّ على الشكر عليها «فقال جبرئيل للحياء والدّين: إنصرفا ودعاه» أي إنصرفا عن آدم ودعاه مع العقل معه «فقالا: يا جبرئيل» الظاهر أنّ هذا القول حقيقة بلسان المقال بحياة خلقها الله‌ تعالى فيهما، ولا يبعد ذلك عن القدرة الكاملة، وقد ثبت نطق اليد والرجل على صاحبهما، ونطق الكعبة والحجر وغيرهما.

ويحتمل أن يكون ذلك مجازا بلسان الحال أو يخلق الله‌ سبحانه فيهما كلاما أسمعه جبرئيل وآدم عليهماالسلام كما قد خلق ذلك في بعض الأجسام الجماديّة، وأسمعه من شاء من خلقه «إنّا اُمرنا أن نكون مع العقل حيث كان» أي حيث وجد، أو حيث كان موجودا، يفهم منه أنّ العقل مستلزم لهما، وهما تابعان له، والأمر كذلك؛ لأنّ بالعقل يعرف الله‌ سبحانه وجلاله وجماله وكماله، وتنزّهه عن النقائص، وإحسانه وإنعامه وقهره وغلبته، بحيث يرى كلّ جلال وجمال وكمال وإحسان وإنعام، وقهر وغلبة مقهورا تحت قدرته، مغلوبا تحت قهره وغلبته، بل لا يرى في الوجود إلاّ هو فيحصل له بذلك خوف وخشية يرتعد به جوانحه، كما


(379)

قال سبحانه: «إِنَّمَا يَخْشَى الله‌ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»[1] ويحصل له بذلك قوّة وملكة تمنعه عن مخالفته طرفة عين، وهذه القوّة هي المسمّاة بالحياء، ثمّ بتلك القوّة يسلك الصراط المستقيم، وهو الدين قويم.

ومن هاهنا ظهر أنّ الحياء مستلزم للدّين، والدّين تابع له، ثمّ جبرئيل عليه‌السلام إن كان عالما بكونهما مأمورين بذلك كان قوله: «إنصرفا ودعاه» محمولاً على نوع من الإمتحان؛ لإظهار شرف العقل ونباهة قدره، وإن لم يكن عالما كان ذلك القول محمولاً على الطلب «قال: فشأنكما وعرج» الشأن بالهمزة، الأمر والحال والقصد، أي فشأنكما معكما أو ألزما شأنكما.

وهذا الحديث وإن كان ضعيفا بحسب السند لكن صحيح المضمون، وكذا الحديث الآتي مع ضعفه بالإرسال أيضا، لاعتماده بالبرهان العقلي، وكذلك كثير من الأحاديث الواردة في الأحكام العقليّة من اُصول المعارف ومسائل التوحيد.[2]

وقال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «هبط جبرئيل»: الظاهر أنّ آدم عليه‌السلام حين هبوط جبرئيل عليه كان ذا حياء وعقل ودين، والأمر بإختيار واحدة لا ينافي حصولها على أنّه يحتمل أن يكون المراد كمال تلك الخلال بحسب قابليّة آدم عليه‌السلام.

وقول جبرئيل عليه‌السلام للحياء والدين بعد إختيار العقل: إنصرفا لإظهار ملازمتها للعقل، بقولهما: إنّا اُمرنا أن نكون مع العقل، ولعلّ الغرض من ذلك أن ينبّه آدم عليه‌السلام على عظمة نعمة العقل، ويحثّه على شكر الله‌ على إنعامه.

قوله: «فشأنكما» الشأن بالهمزة: الأمر والحال، أي ألزما شأنكما أو شأنكما


--------------------------------------------------

1. فاطر 35: 28.

2. شرح اُصول الكافي 1: 78 .


(380)

معكما، ثمّ إنّه يحتمل أن يكون ذلك إستعارة تمثيليّة كما مرّ، أو أنّ الله‌ تعالى خلق صورة مناسبة لكلّ واحد منها، وبعثها مع جبرئيل عليه‌السلام، والحياء صفة تنبعث عنها ترك القبيح عقلاً مخافة الذمّ.

والمراد بالدّين: التصديق بما يجب التصديق به والعمل بالشرائع، والنواميس الإلهيّة. والمراد بالعقل، هنا ما يشمل الثلاثة الاُول.[1]

الحديث 825: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، رفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: العقل غطاء ستير، والفضل جمال ظاهر، فاسترخُلل خلقك بفضلك، وقاتل هواك بعقلك، تسلم لك المودّة، وتظهر لك المحبّة.

المصادر: الكافي 1: 20، كتاب العقل والجهل، ح13، وسائل الشيعة 15: 207، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب8 ح7، جامع أحاديث الشيعة 13: 284، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب6 باب ماورد في فضل العقل و...، ح11.

الشرح: قال المازندراني:

«عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، رفعه قال: قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام: العقل غطاء ستير» العقل جوهر مجرّد له مراتب متفاوتة في النقص والكمال، باعتبار التفاوت في العلم والعمل والكشف حتّى يبلغ غاية الكمال الّتي تختصّ بعقول الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام. والمراد بالعقل هنا، نوعه في ضمن أيّ صنف وجد غير الصنف الّذي هو في غاية الكمال، سواء كان من جهة المكاشفة، أو من جهة الإكتساب، بقرينة أنّ هذا الصنف لا يحصل إلاّ بعد قتل مشتهيات النفس وهواها. والغطاء كالكساء ما يغطّى ويستر به مثل الثوب ونحوه، وسمّي العقل غطاء على سبيل التشبيه؛ لأنّه يستر المقابح الظاهرة والمفاسد الفاضحة والعيوب الباطنة بالمدافعة والممانعة، ووصفه بستير، بمعنى ساتر على سبيل الكشف والإيضاح،


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 1: 32، وراجع كتاب الوافي 1: 81 .


(381)

أو بمعنى مستور، لأنّ العقل جوهر مجرّد مستور عن الحواس لا يدرك إلاّ بشئ من آثاره وأحواله، كما أشار إليه بقوله: «والفضل جمال ظاهر».

والمراد بالفضل إمّا جنوده الآتية مثل الرأفة والرحمة والعفّة وأمثالها، ووجه ظهورها ظاهر، وإمّا ما حصل له من العلوم الحقيقيّة والمعارف اليقينيّة والأخلاق النفسانيّة، وظهوره إمّا لأنّه يظهر في بعض الأوقات بالتعليم والتفهيم، أو لأنّ أكثره حصل من طرق الحواس، ولمّا كان مقتضى العقل والقرب من الخالق وتحصيل المحبّة والإلف بالمخلوق، وتكميل المودّة ليتمّ له سعادة الدّارين، ونظام النشأتين، ومقتضى النفس ضدّه أعني الميل إلى أنواع المشتهيات وأنواع المستلذّات، ولو بالغلبة الموجبة لعداوة الخالق والمخلوق، وكان بينهما تدافع وتعارض، وكان لكلّ منهما مُمدّ ومُعين.

أمّا مُعين العقل: فهو العلوم والمعارف وما أعطى له من الأخلاق والأعمال المرضيّة وهي جنوده الآتية.

وأمّا مُعين النفس: فهو ما قدّر لها من الأخلاق الرذيلة وهي جنودها الآتية، واشتغال الحواس والقوى بتحصيل متمنّياتها، وتكميل مهوياتها.

أراد عليه‌السلام أن يبيّن لنا طريقاً به يقطع التنازع بينهما، ويحصل القوّة على النفس ويصل إلى مقصوده، فقال: «فاستر خلل خلقك بفضلك» إن كان «خلقك» بضمّ الخاء.

فالمراد بخلله رذائل الأخلاق النفسانيّة كالغضب والحسد والجور ونحوها، وإن كان بفتحها فالمراد بها هذه، والطرق الموصلة للصورة الشهيّة المحسوسة إلى النفس أعني الحواس أيضا، يعني اُستر رذائل أخلاقك النفسانيّة وصور المحسوسات الشهوانيّة بعلمك، وفضائل صفاتك العقليّة. والمراد بسترها دفعها بلطائف السياسات، وطرائف التدبيرات فيتقوّى العقل حينئذٍ بالفضل، وتبقى


(382)

النفس مع المتمنّيات وميلها إلى اللذّات بلا مُعين من خارج وداخل فتصير ضعيفة مغلوبة بحيث تقدر على قتلها بسيف العقل، ولذلك أمر عليه‌السلام به حيث قال: «وقاتل» بعدما صيّرت عقلك قويّا ونفسك ضعيفة.

«هواك بعقلك» أي متمنّياتها ومهويّاتها، وذلك إنّما يتحقّق بقتل النفس، ويمكن أن يراد بالهوى: النفس مجازا من باب تسمية السبب باسم المسبّب «تسلم لك المودّة وتظهر لك المحبّة» الفعلان مجزومان بالشرط المقدّر بعد الأمر، أي إن سترت وقتلت تسلم لك مودّتك للخلق أو مودّة الخلق لك، لخلوصك عمّا يوجب التباغض والتحاسد والتفارق وغيرها من منافرات التودّد والالتيام، وتظهر لك محبّة الله‌ تعالى إيّاك أو محبّتك إيّاه، لعروجك بالعقل والفضل بلا معارض من النفس وهواها، ومن رذائل الأخلاق ورداها إلى ساحة قدسه ومقام اُنسه، وفي بعض النسخ وتظهر لك الحجّة، يعني وتظهر لك الحجّة والغلبة بذلك على الخلائق، فهم يقتفون آثارك وأطوارك لحقّ رياستك، ويتّبعون أفعالك وأقوالك لحسن سياستك فيكمل لك منقبة الدّنيا وسعادة الآخرة، هذا ما وصل إليه الفكر الفاتر، والله‌ أعلم بحقيقة كلام وليّه.[1]

قال الفيض الكاشاني:

بيان: «العقل» أي النظري «ستير» ساتر للعيوب الباطنة، وغافر للذنوب الإمكانيّة أو مستور عن الحواس.

«والفضل» أي الزائد على العقل النظري من حسن الخلق والكرم واللّطف والمودّة وسائر الأخلاق الحميدة، والعلوم المتعلّقة بها الّتي هي كمالات للقوّة العمليّة. «جمال ظاهر» لظهور آثارها.

«فاستر خُلل خلقك» بضمّ الخاء، أي فاجبر مساوي أخلاقك «بفضلك» أي


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 1: 252.


(383)

بفضائلها وكمالاتها، فإنّ من الأخلاق الرذيلة ما لا يمكن إزالته بالكليّة؛ لكونه معجونا في جبلّة صاحبه. وخلقه «بفتح الخاء» فالمجبول على صفة الجبن مثلاً لا يصير شجاعا مقداما في الحروب، سيّما إذا تأكّدت في نفسه بالنّشو عليها مدّة من العمر فغاية سعيه في معالجتها أن يمنعها من [عن ـ خ] الظهور بمقتضاها، ولا يمهلها أن يمضي أفعالها، ولهذا أمر بالستر.

«وقاتل هواك» جهلك وجحودك الحقّ «بعقلك» بعلمك وحكمتك، وإدراكك ما من شأنك أن تدركه، وتركك الجحود لما لم تدركه بعد، ودفعك العناد واللّجاج والإستكبار، وهذا كلّه مقدور لمن سبقت له العناية بالحسنى، ولهذا أمر بالمقاتلة.

«تسلم لك» أي بالستر «المودّة» يعني مودّة الناس ومحبّتهم لك، «وتظهر لك» أي بالمقاتلة.

«الحجّة» يعني حجّتك على الناس وفضلك عليهم، فيطيعوك في الحقّ ويتّبعوك فتفوز بسعادتي الصلاح والإصلاح، والرشاد والإرشاد.

وفي نهج البلاغة هكذا: «الحلم غطاء ساتر والعقل حسام باتر، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك» وهو أوضح.

وفي بعض النسخ «المحبّة» بدل الحجّة، يعني محبّتك للناس ويحتمل أن يراد بـ «العقل» ما يشمل النظري والعملي جميعا، وبـ «الفضل» ما يعدّه الناس من المحاسن والمحامد، وإن لم يكن كمالاً أخرويّا، كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آلهفي حديث قسمة العلم الآتي: «وما خلاهنّ فهو فضل» وقس عليه شرح تمام الحديث.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

قوله: «غطاء» الغطاء ما يستتر به، والستير: إمّا بمعنى الساتر، أو بمعنى المستور، والفضل ما يعدّ من المحاسن والمحامد، أو خصوص الإحسان إلى


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 1: 106.


(384)

الخلق، والجمال يطلق على حسن الخَلق والخُلق والفعل، والمعنى: أنّ العقل يستر مقابح المرء، فإنّ حسن العقل يغلب كلّ قبيح، ولكنّه من المستورات الّتي يعسر الاطّلاع عليها، والفضل جمال ظاهر، فينبغي أن يستر خلل الخلق بالفضل، وأن يستر مقابح ما يهوى بمدافعة العقل للهوى، فلا تظهر وتبقى مستورة.

قوله عليه‌السلام: «تسلم لك المودّة»، أي مودّتك للناس، أو مودّة الناس لك، أو مودّتك لله‌ أو مودّة الله‌ لك، أو الأعمّ منهما.

وكذا المحبّة تحتمل الوجوه، والاُولى تخصيص إحداهما بالله‌، والاُخرى بالناس، أو إحداهما بحبّه للنّاس، والاُخرى بحبّ الناس له، فإنّ التأسيس أولى من التأكيد.[1]

الحديث 826: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد[2]، عن إسماعيل بن مهران، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: العقل دليل المؤمن.

المصادر: الكافي 1: 25، كتاب العقل والجهل، ح24، وسائل الشيعة 15: 207، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب8 ح8، جامع أحاديث الشيعة 13: 283، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب6 باب ماورد في فضل العقل و...، ح4.

الشرح: قال المازندراني:

إذ بدلالة نوره يخرج المؤمن من المرتبة الهيولانيّة إلى إستكمال القوّة النظريّة والعمليّة، ومن مرقد الطبيعة البشريّة إلى التفطّن بالمقاصد اللاّهوتيّة، والمواعظ الربانيّة، ومن مهد الغفلة الناسوتيّة، إلى إستماع نداء الحقّ إلى منهج السّداد في كلّ آن، ودعاء الربّ إلى مسلك الرشاد في كلّ زمان، فلا يزلّ بعد هذه الدلالة أقدام بصيرته، ولا يضلّ بعد هذه الهداية أنظار فكرته، وهكذا يسير ويسعى نور العقل


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 1: 65 .

2. في الوسائل: «سهل» بدل «سهل بن زياد».


(385)

بين يديه إلى أن يصل إلى أقصى منازل العرفان، وأعلى مراتب الإيقان فيتخلّص عند ذلك من ألم الفراق، وينظر إلى جمال الحقّ نظر الحبيب المشتاق.[1]

الحديث 827: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله‌ عليه‌السلام قال: إنّ الغنى والعزّ يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكّل أوطنا.

المصادر: الكافي 2: 64، كتاب الإيمان والكفر، باب التفويض إلى الله‌ والتوكّل عليه، ح3، وسائل الشيعة 15: 212، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب11 ح2، جامع أحاديث الشيعة 27: 415، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب59 باب وجوب الاعتصام بالله‌ تعالى و...، ح15.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «قال إنّ الغنى والعزّ يجولان» أي يقطعان النواحي ويمرّان في الأطراف، كالطير طلبا للمسكن «فإذا ظفرا بموضع التوكّل أوطنا» فالمتوكّل في غنى وعزّ دائما.

أمّا الأوّل: فلأنّ الله‌ يكفيه ويأتى بمهمّاته فهو أغنى الأغنياء.

وأمّا الثاني: فلإعتزاله عن الذلّ المطلق، وهو الالتجاء إلى الخلق وتمسّكه بالعزّ الأوفر وهو اللجأ إلى الله‌.

ومعنى التوكّل على الله‌ هو الرجوع إليه والاعتماد عليه والثقة بكفايته.

ويمكن أن يقال: توكّل العبد فيما ينبغي أن يفعله أو يتركه من أمر الدّنيا والآخرة هو الاعتماد على الله‌ والثقة بكفايته، والتمسّك بحوله وقوّته وترقّب التوفيق والإعانة منه، دون الاعتماد على نفسه وحوله وقوّته وقدرته وعلمه، وما يظنّه من الأسباب الضروريّة والعاديّة وغيرها، لا ترك وظائفه وعمله، وأسبابه


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 1: 411.


(386)

في جلب المنافع ودفع المضار، ومن ثمّ إشتهر أنّ التمسّك بالأسباب لا ينافي التوكّل، وفيما يجري عليه من غيره سواء كان من قبل الله‌ أو من قبل غيره هو تفويض نفسه وأمره إلى الله‌ توقّعا من أن يرد عليه ما هو خير له، والمعلوم أنـّه لا يرد عليه بعد ذلك إلاّ ما هو خير له في الدّنيا والآخرة، فعليه حينئذٍ القيام بمقام الرضا بالقضاء، وهذا أقصى مراتب الكمال.

وقال المحقّق الطوسي: المراد بالتوكّل أن يوكل العبد جميع ما يصدر عنه ويرد عليه إلى الله‌ تعالى، لعلمه بأنّه أقوى وأقدر ويفعل ما قدر عليه على وجه أحسن وأكمل، ثمّ يرضى بما فعل وهو مع ذلك يسعى ويجتهد فيما وكله إليه، ويعدّ نفسه وعلمه وقدرته وإرادته من الأسباب والشروط المخصّصة؛ لتعلّق قدرته تعالى وأرادته لما صنعه بالنسبة إليه.

ومن ذلك يظهر سرّ «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين». وإن أردت زيادة التوضيح فارجع إلى كلامه في أوصاف الأشراف.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

«يجولان» من الجولان، أي يسيران ويتحرّكان لطلب موطن ومنزل يقيمان فيه، فإذا وجدا موضع التوكّل أي المتوكّل «أوطنا» عنده ولزماه وكأنّه إستعارة تمثيليّة لبيان أنّ الغنا والعزّ يلزمان التوكّل، فإنّ المتوكّل يعتمد على الله‌ ولا يلتجئ إلى المخلوقين فينجو من ذلّ الطلب، ويستغني عنهم، فإنّ الغنا غنى النفس لا الغنا بالمال، مع أنّه سبحانه يغنيه عن التوسّل إليهم على كلّ حال.

ثمّ إنّ التوكّل ليس معناه ترك السعي في الاُمور الضروريّة وعدم الحذر عن الاُمور المحذورة بالكليّة، بل لابدّ من التوسّل بالوسائل والأسباب على ما ورد في الشريعة من غير حرص ومبالغة فيه، ومع ذلك لا يعتمد على سعيه وما يحصّله


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 8: 199 .


(387)

من الأسباب بل يعتمد على مسبّب الأسباب.

قال المحقّق الطوسي رحمه‌الله في أوصاف الأشراف: المراد بالتوكّل أن يكل العبد جميع ما يصدر عنه ويردّ عليه إلى الله‌ تعالى، لعلمه بأنّه أقوى وأقدر ويصنع ما قدر عليه على وجه أحسن وأكمل، ثمّ يرضى بما فعل وهو مع ذلك يسعى ويجتهد فيما وكّله الله‌ إليه، ويعدّ نفسه وعمله وقدرته وإرادته من الأسباب والشروط المخصّصة لتعلّق قدرته تعالى وإرادته بما صنعه بالنسبة إليه، ومن ذلك يظهر معنى: لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين.[1]

الحديث 828: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم[2]، عن أبيه جميعا،[3] عن يحيى بن المبارك، عن عبدالله‌ بن جبلة، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: من اُعطي ثلاثا لم يمنع ثلاثا: من اُعطي الدّعاء اُعطي الإجابة[4]، ومن اُعطي الشكر اُعطي الزيادة، ومن اُعطي التوكّل اُعطي الكفاية، ثمّ قال: أتلوت كتاب الله‌ عزّوجلّ: «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله‌ فَهُوَ حَسْبُهُ»[5]؟ وقال: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»[6]؟ وقال: «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»[7].

المصادر: الكافي 2: 65، كتاب الإيمان والكفر، باب التفويض إلى الله‌ والتوكّل عليه، ح6، وسائل الشيعة 15: 213، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب11 ح4، وأورد قطعة منه في جامع أحاديث الشيعة 17: 108، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و...، ب35 باب وجوب شكر نعم الله‌ و...، ح21.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 8: 20.

2. في الوسائل: «وعن عليّ بن ابراهيم» بدل «وعليّ بن ابراهيم».

3. ليس في الوسائل: «جميعاً».

4. في هامش الكافي: في بعض النسخ: «لم يمنع الإجابة».

5. الطلاق 65: 3.

6. إبراهيم 14: 7.

7. غافر 40: 60.


(388)

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «ومن اُعطي التوكّل اُعطي الكفاية» نقل أنّ خليل الرحمن حين وضع في المنجنيق قال: حسبي الله‌ ونعم الوكيل، فلمّا رُمي لاقاه جبرئيل عليه‌السلام في الهواء وقال: ألك حاجة؟ قال: أمّا إليك فلا. قال: ذلك إبقاءً لتوكّله الّذي أظهره أوّلاً، فكفاه الله‌ عن النار.

«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله‌ فَهُوَ حَسْبُهُ»[1] النّشر على غير ترتيب اللّف، فالأوّل للآخر، وهكذا إلى الأوّل، والشكر: الاعتراف بالإحسان والتحدّث به والانقياد للمشكور، وهو بالفعل أظهر منه بالقول.[2]

قال العلاّمة المجلسي:

والنشر في الآيات على عكس ترتيب اللّفّ، والمراد بالإعطاء توفيق الإتيان به في الكلّ والتخلّف المتوهّم في بعض الموارد لعدم تحقّق بعض الشرائط، فإنّ كلاًّ منها مشروط بعدم كون المصلحة في خلافها، وعدم صدور ما يمنع الاستحقاق عن فاعله، وقد قال تعالى: «وَ أَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ»[3] وسيأتي مزيد تحقيق لذلك إن شاء الله‌ تعالى.[4]

الحديث 829: محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبدالله‌ بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: يا إسحاق، خفِ الله‌ كأنّك تراه، وإن كنت لا تراه فإنّه يراك، فإن[5] كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت،


--------------------------------------------------

1. الطلاق 65: 3.

2. شرح اُصول الكافي 8: 201.

3. البقرة 2: 40.

4. مرآة العقول 8: 24.

5. في الوسائل: «وإن» بدل «فإن».


(389)

وإن كنت تعلم أنّه يراك ثمّ برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك.[1]

المصادر: الكافي 2: 67، كتاب الإيمان والكفر، باب الخوف والرجاء، ح2، وسائل الشيعة 15: 220، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب14 ح6، جامع أحاديث الشيعة 17: 437، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب60 باب وجوب الخوف والرجاء من الله‌ تعالى و...، ح1.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «يا إسحاق خف الله‌ كأنّك تراه وان كنت لا تراه فإنّه يراك» وشبّه الرؤية القلبيّة بالرؤية العينيّة قصدا للظهور والإيضاح.

والأوّل: إشارة إلى مقام المشاهدة وهي مرتبة عين اليقين، أو حقّ اليقين وهو أعلى مراتب السالكين، وفي تلك المرتبة يتّصل الطالب بالمطلوب إتّصالاً معنويّا بحيث لا يشاهد إلاّ جماله وكماله.

الثاني: إشارة إلى مقام المراقبة وهي ثمرة الإيمان ومرتبة عظيمة من مراتب السالكين. روي عن رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله أنّه قال: «اُعبد الله‌ كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» وقال جلّ شأنه: «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ»[2].

«إِنَّ الله‌ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا»[3].

والمراقبة مراعاة القلب للرقيب وإشتغاله به، والمثمر لها هو العلم بأنّ الله‌ تعالى مطّلع على كلّ نفس بما كسبت، وأنّه تعالى عالم بسرائر القلوب وخطراتها كما هو عالم بظواهر الأشياء وجليّاتها، وهذا العلم إذا استقرّ في القلب ولم يبق فيه شبهة يجذبه إلى مراعاة الرقيب.


--------------------------------------------------

1. هامش الكافي والجامع: «إليك» بدل «عليك».

2. الرعد 13: 33.

3. النساء 4: 1.


(390)

والمتّصفون بها على صنفين: منهم الصدّيقون: ومراقبتهم إستغراق القلب بملاحظة العظمة والجلال، وإنكساره تحت الهيبة واستعمال الجوارح بوظائف الطاعات بحيث لا يلتفت القلب إلى الغير أصلاً، والجوارح إلى المباحات فضلاً عن المحظورات.

ومنهم الورعون: وهم قوم لم تدهشهم ملاحظة العظمة والجلال بل بقيت قلوبهم على الاعتدال يتّسعها التلفّت إلى الأقوال والأعمال، ومراقبتهم أن ينظروا إلى جميع حركاتهم وسكناتهم ولحظاتهم وإختياراتهم ويرصدوا كلّ خاطر يسنح لهم فإن كانت إلهيّة عملوا بمقتضاها، وإن كانت شيطانيّة رفضوها إستحياء من الرقيب، وإن كانت مبهمة توقّفوا حتّى يظهر لهم أمرها.

«فإن كنت‌ترى أنّه لا يراك فقد كفرت» رؤيته تعالى نوع من العلم وهو العلم بالمبصرات ظاهرها وباطنها كما هي والمنكر له كافر بالله‌ العظيم.

«وإن كنت تعلم أنّه يراك ثمّ برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك» حيث تترك المعصية عند مشاهدة غيره، خوفا من اللّوم وحياء ولا تترك عند مشاهدته مع علمك بأنّه شاهد حاضر، وليس ذلك إلاّ لأنّه أهون عندك من ذلك الغير وهو لازم عليك، وإن لم تقصده، وأنا أستغفر الله‌ وأقول: يا ربّ فعلنا كذلك لا لذلك بل لأجل أنّا نأمن منك ونرجو رحمتك، ولا نأمن غيرك.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

وإعلم أنّ الرؤية تطلق على الرؤية بالبصر وعلى الرؤية القلبيّة، وهي كناية عن غاية الانكشاف والظهور، والمعنى الأوّل هنا أنسب، أي خف الله‌ خوف من يشاهده بعينه وإن كان محالاً، ويحتمل الثاني أيضا فإنّ المخاطب لمّا لم يكن من


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 8: 207 .


(391)

أهل الرؤية القلبيّة ولم يرتق إلى تلك الدرجة العليّة فإنّها مخصوصة بالأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام. قال: «كأنّك تراه» وهذه مرتبة عين اليقين وأعلى مراتب السالكين. وقوله: «فإن لم تكن تراه» أي إن لم تحصل لك هذه المرتبة من الانكشاف والعيان، فكن بحيث تتذكّر دائما أنّه يراك.

وهذه مقام المراقبة كما قال تعالى: «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ»[1] «إِنَّ الله‌ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا»[2].

والمراقبة مراعاة القلب للرقيب واشتغاله به، والمثمر لها هو تذكّر أنّ الله‌ تعالى مطّلع على كلّ نفس بما كسبت، وأنّه سبحانه عالم بسرائر القلوب وخطراتها، فإذا إستقرّ هذا العلم في القلب جذبه إلى مراقبة الله‌ سبحانه دائما وترك معاصيه خوفا وحياءا، والمواظبة على طاعته وخدمته دائما.

وقوله: «وإن كنت‌ترى»، تعليم لطريق جعل المراقبة ملكة للنفس فتصير سببا لترك المعاصي. والحقّ أنّ هذه شبهة عظيمة للحكم بكفر أرباب المعاصي، ولا يمكن التفصّي عنها إلاّ بالاتّكال على عفوه وكرمه سبحانه، ومن هنا يظهر أنّه لا يجتمع الإيمان الحقيقيّ مع الإصرار على المعاصي، كما مرّت الإشارة إليه.

«ثمّ برزت له بالمعصية» أي أظهرت له المعصية، أو من البراز للمقاتلة كأنّك عاديته وحاربته، و«عليك» متعلّق بأهون.[3]

الحديث 830: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة ومنصور بن يونس، عن محمّد بن مروان، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: ما من عين إلاّ وهي باكية يوم القيامة إلاّ عينا بكت من خوف الله‌، وما إغرورقت عين


--------------------------------------------------

1. الرعد 13: 33.

2. النساء 4: 1.

3. مرآة العقول 8: 32 .


(392)

بمائها من خشية الله‌ عزّ وجلّ إلاّ حرّم الله‌ عزّوجلّ سائر جسده على النار، ولا فاضت على خدّه فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلّة، وما من شيء إلاّ وله كيل ووزن إلاّ الدمعة، فإنّ الله‌ عزّوجلّ يطفيء باليسير منها البحار من النّار، فلو أنّ عبدا بكى في اُمّة لرحم الله‌ عزّوجلّ تلك الاُمّة ببكاء ذلك العبد.

المصادر: الكافي 2: 482، كتاب الدُّعاء، باب البكاء، ح2، وأورد صدره في وسائل الشيعة 15: 227، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب15 ح12، جامع أحاديث الشيعة 17: 464، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب60 باب وجوب الخوف والرجاء...، ح107.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

مضمونه قريب من الخبر السابق، والتفاوت بينهما في شيئين:

أحدهما: التقييد بالخشية من الله‌ في هذا الخبر دون السابق، وهذا هيّن.

وثانيهما: ترتّب عدم الرهق على الاغريراق والتحريم على الفيضان، فيدلّ على أنّ التحريم أعلى وأكثر نفعا من عدم الرهق، وهنا بالعكس، والاختلاف الأوّل أي التقييدبالخشية لا يؤثّر في ذلك ولا ينفع كما توهّم، إلاّ أن يقال: لمّا كان في الأخير مقيّدا بخوف الله‌ يترتّب الأنفع على الأدنى، وإكتفي في الأعلى بثواب الأدنى إختصارا وتفنّنا في الكلام، وظهور أنّ الأعلى أكثر ثوابا، ولمّا كان الراوي واحدا وكذا المرويّ عنه، الظاهر أنّ الاختلاف من وهم بعض الرواة.

وهذا الخبر بحسب ظاهر النظر أوفق بما مرّ، إذ عدم الرهق يستلزم التحريم بدون العكس، كما لا يخفى.[1]

الحديث 831: عدّة من أصحابنا، ـ معلّق ـ عنه [أي سهل]، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: ما من قطرة


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 52 .


(393)

أحبّ إلى الله‌ عزّوجلّ من قطرة دموع في سواد اللّيل مخافة من الله‌ لا يراد بها غيره.

المصادر: الكافي 2: 482، كتاب الدُّعاء، باب البكاء، ح3، وسائل الشيعة 15: 227، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب15 ح13، جامع أحاديث الشيعة 17: 472، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب 60 باب وجوب الخوف والرجاء من الله‌ تعالى و...، ح133.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

«لا يراد بها غيره» أي غير الله‌، أو غير الاحتراز من عذابه.[1]

الحديث 832: عدّة من أصحابنا، عن سهل،[2] عن عبيد الله‌[3]، عن أحمد بن عمر، قال: دخلت على أبي الحسن الرّضا عليه‌السلام أنا وحسين بن ثوير بن أبي فاختة فقلت له: جعلت فداك إنّا كنّا في سعة من الرّزق وغضارة من العيش، فتغيّرت الحال بعض التّغيير، فادع الله‌ عزّوجلّ أن يردّ ذلك إلينا، فقال: أيّ شيء تريدون تكونون ملوكا؟ أ يسرّك أن تكون مثل طاهر وهرثمة، وإنّك على خلاف ما أنت عليه؟ قلت: لا والله‌، ما يسرّني أنّ لي الدّنيا بما فيها ذهباً وفضّة وإنّي على خلاف ما أنا عليه، قال: فقال: فمن أيسر منكم فليشكر الله‌، إنّ الله‌ عزّوجلّ يقول: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»[4] وقال سبحانه وتعالى: «اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ»[5] وأحسنوا الظّنّ بالله‌، فإنّ أبا عبد الله‌ عليه‌السلام كان يقول: من حسن ظنّه بالله‌ كان الله‌ عند ظنّه به، ومن رضي بالقليل من الرّزق قبل الله‌ منه اليسير من


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 52 .

2. في الوسائل زيادة: «بن زياد».

3. ليس في الوسائل: «عن عبيد الله‌».

4. ابراهيم 14: 7.

5. سباء 34: 13.


(394)

العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته وتنعّم أهله، وبصّره الله‌ داء الدّنيا ودواءها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السّلام.

قال: ثمّ قال: ما فعل ابن قياما؟ قال: قلت: والله‌ إنّه ليلقانا فيحسن اللّقاء، فقال: وأيّ شيء يمنعه من ذلك، ثمّ تلا هذه الآية «لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِى بَنَوْا رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ»[1].

قال: ثمّ قال: تدري لأيّ شيء تحيّر ابن قياما؟ قال: قلت: لا، قال: إنّه تبع أبا الحسن عليه‌السلام فأتاه عن يمينه وعن شماله وهو يريد مسجد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آلهفالتفت إليه أبو الحسن عليه‌السلام فقال: ما تريد حيّرك الله‌؟ قال: ثمّ قال: أرأيت لو رجع إليهم موسى فقالوا لو نصبته لنا فاتّبعناه واقتصصنا أثره، أهم كانوا أصوب قولاً أو من قال: «لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى»[2] قال: قلت: لا بل من قال: نصبته لنا فاتّبعناه واقتصصنا أثره، قال: فقال: من هاهنا اُتي ابن قياما ومن قال بقوله.

قال: ثمّ ذكر ابن السّرّاج فقال: إنّه قد أقرّ بموت أبي الحسن عليه‌السلام، وذلك أنّه أوصى عند موته فقال: كلّ ما خلّفت من شيء حتّى قميصي هذا الّذي في عنقي لورثة أبي الحسن عليه‌السلام، ولم يقل هو لأبي الحسن عليه‌السلام وهذا إقرار ولكن أيّ شيء ينفعه من ذلك و ممّا قال، ثمّ أمسك.

المصادر: الكافي 8: 346، كتاب الروضة، ح546، واورد قطعة منه في وسائل الشيعة 15: 229، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب16 ح2، وأورد صدره في جامع أحاديث الشيعة 17: 456، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب 60 باب وجوب الخوف والرجاء من الله‌ تعالى و...، ح77.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «أيسرّك أن تكون مثل طاهر وهرثمه» هما من اُمراء المأمون وفي غاية


--------------------------------------------------

1. التوبة 9: 110 .

2. طه 20: 91.


(395)

العداوة لأهل البيت عليهم‌السلام.

«قال: فمن أيسر منكم»؟ اليسر: ليس بالمال والجاه فقط بل هو في الحقيقة بصحّة المذهب وكمال الإيمان، وبهما يتحقّق غناء الأبد وبضدّهما يتحقّق فقره، ومن ثمّ قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام: «الغناء والفقر يظهران بعد العرض» إنّ الله‌ عزّوجلّ يقول: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»[1] تعليل للأمر بالشكر على نعمة الإيمان وغيرها من النعماء، لأنّ الشكر يوجب الزيادة في كليهما بحكم الوعد الصادق. وقال سبحانه وتعالى: «اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرا»[2] أي يا داود، وهذا تعليل آخر «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِى الشَّكُورُ»[3] أي كثير الشكر، لأنّ الشكر صرف العبد جميع جوارحه فيما خلقت لأجله دائما أو غالبا، والشكور بهذا المعنى نادر.

«وأحسنوا الظنّ بالله‌» مرّ تفسير حسن الظنّ في هذا الكتاب إجمالاً، وفي كتاب الكفر والإيمان تفصيلاً.

«ومن رضي بالقليل من الرزق قبل الله‌ منه اليسير من العمل» هذا من حسن المعاملة بين الربّ والعبد؛ لأنّ الرزق حقّ العبد على الله‌ تعالى، والعمل حق الله‌ على العبد، فحسن المعاملة يقتضي قبول اليسير مع القليل. «ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته» لعلّ المراد باليسير من الحلال قدر الكفاف منه والرضاء به وترك الطلب للزائد سبب لخفّة المؤونة والمشقّة في الدّنيا والآخرة، ولتنعّم أهله وترفّههم؛ لأنّ الكفاف كاف في التنعّم وهو الترفّه.

والمراد بداء الدّنيا كلّ ما يمنعه من السير إلى الله‌ والميل إلى الآخرة والعمل لها كالغضب والحسد والبغي وغيرها من أنواع المعاصي، وبدواءها كلّ ما يدفع به


--------------------------------------------------

1. إبراهيم 14: 7.

2. سبأ 34: 13.

3. سبأ 34: 13 .


(396)

تلك الأمراض من الكمالات النفسانيّة والعقائد الحقّة القلبيّة والأعمال الصالحة البدنيّة.

«ثمّ قال: ما فعل ابن قياما» الحسين بن قياما واقفيّ وقف على موسى بن جعفر عليهماالسلام، وكأنّه عليه‌السلام يسأل: عن كيفيّة ملاقاته مع الشيعة ومخالطته إيّاهم، فقال: «أي شيء يمنعه من ذلك» الأمر والإقرار بالإءمام بعد موسى بن جعفر عليه‌السلام، «ثمّ تلا هذه الآية».

الريبة بالكسر: الشكّ والتهمة وهي خبر لا يزال، وتلاوة الآية إمّا لتشبيه حاله بحالهم، أو لأنّه مندرج فيها، ومراد منها أيضا، ودعا أبو الحسن الأوّل عليه‌السلام عليه بالتحيّر لعلمه بمآل حاله «قال: ثمّ قال» لذمّ ابن قياما ومن تبعه، ومدح من لم يتّبعه من الشيعة «أرأيت» أي أخبرني «لو رجع اليهم موسى».

الظاهر أنّ المراد به أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام، «فقالوا»: أي الذين لم يتّبعوه «لو نصبته لنا فاتّبعناه واقتصصنا أثره»، ولكن لم تنصبه لنا فلم نتّبعه، والضمائر لابن قياما «أهم كانوا أصوب قولاً» أم من تبعه واقتفى أثره؟

«وقال: «لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى»[1] قال: قلت: لا، بل من‌قال: لو نصبته لنا فاتّبعناه واقتصصنا أثره» أصوب قولاً لظهور أنّ متابعة رجل بعد معصوم والاقتداء به لا يجوز إلاّ أن يكون منصوبا من قبله.

«قال: فقال: من هاهنا أتى ابن قياما ومن قال بقوله»، أي هلك هو ومن تبعه حيث لم ينصبه عليه‌السلام للاقتداء وتبليغ ما ذهب إليه.

وإنّما قلنا: الظاهر ذلك لاحتمال أن يكون المراد بموسى كليم الله‌ بتشبيه حال ابن قياما، وأتباعه بحال السامري وأتباعه في عدم نصب المعصوم لهما لما ذهبا


--------------------------------------------------

1. طه 20: 91.


(397)

إليه، فضمير قالوا حينئذٍ لمن يتبع السامري، والضمائر الباقية للسامري بقرينة السياق، والله‌ أعلم.

«قال: ثمّ ذكر ابن السرّاج» كأنّه أحمد بن أبي بشر السرّاج الكوفي الواقفي الضالّ المضلّ، وإقراره بموت أبي الحسن موسى عليه‌السلام عند موته لا ينفعه، إمّا لأنّ توبة العالم بالشيء المنكر له في هذا الوقت لا ينفعه، أو لأنّه لم يقرّ بإمامة أبي الحسن الرضا عليه‌السلام، أو لأنّه أضلّ كثيرا، وتوبة المضلّ أن يعيد من أضلّه إلى الحقّ، وهو أشدّ من خرط القتاد.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

قوله: «وغضارة» غضارة العيش: طيبه. وطاهر وهرثمة كانا من اُمراء المأمون.

قوله عليه‌السلام: «فليشكر الله‌» في بعض النسخ بصيغة الغيبة فهو خبر للموصول، وفي بعضها بصيغة الخطاب. فقوله عليه‌السلام: «فمن أيسر منكم»؟ إستفهام إنكار، أي ليس أحد أيسر وأغنى منكم من جهة الدين الّذي أعطاكم الله‌، ثمّ أمره بالشكر عليه.

قوله عليه‌السلام: «كان الله‌ عند ظنّه به» أي يعامل معه بحسب ظنّه.

قوله عليه‌السلام: «ما فعل ابن قياما» هو الحسين بن قياما وكان واقفيّا خبيثا.

قوله عليه‌السلام: «وأيّ شيء يمنعه من ذلك» أي يفعل هذا لينتفع منكم ولا يتضرّر بكم، ثمّ إستشهد عليه‌السلام لحاله بما ذكره الله‌ في شأن المنافقين.

قال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله: أي لا يزال بناء المبنى الّذي بنوه شكّاً في قلوبهم فيما كان من إظهار إسلامهم وثباتا على النفاق، وقيل: إنّ معناه حزازة في قلوبهم،


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 12: 467، وراجع كتاب الوافي 4: 407.


(398)

وقيل: حسرة في قلوبهم يتردّدون فيها «إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ»[1] معناه إلاّ أن يموتوا، والمراد بالآية أنّهم لا ينزعون عن الخطيئات، ولا يتوبون حتّى يموتوا على نفاقهم وكفرهم، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوه من الإيمان وأخذوا به من الكفر.

وقيل: معناه إلاّ أن يتوبوا توبة تتقطّع بها قلوبهم ندماً وأسفاً على تفريطهم.

قوله عليه‌السلام: «إنّه تبع أبا الحسن» أي الكاظم عليه‌السلام، وإنّما دعى عليه بالحيرة وأعرض عنه لما علم في قلبه من الشكّ والنفاق، فاستجيب فيه دعاؤه عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام: «ورجع إليهم موسى» شبّه عليه‌السلام قصّة الواقفيّة بقصّة من عبد العجل حيث ترك موسى عليه‌السلام هارون بينهم، فلم يطيعوه وعبدوا العجل، ولم يرجعوا بقوله عن ذلك، وقالوا: «قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى»[2].

وكذا موسى بن جعفر عليه‌السلام خلّف الرضا عليه‌السلام بينهم، عند ذهابه إلى العراق، ونصّ عليه فلما توفّي عليه‌السلام تركوا وصيّه ولم يطيعوه، وإختاروا الوقف عليه، و «قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى»[3] فإنّه غاب ولم يمت، ويحتمل أن يكون المراد بموسى الكاظم عليه‌السلام إقتباسا من الآية، لكنّه بعيد.

قوله عليه‌السلام: «من هاهنا اُتي» على بناء المجهول أي هلك.

قوله: «ثمّ ذكر ابن السرّاج» هو أحمد بن أبي بشر من الواقفة.

قوله عليه‌السلام: «وهذا إقرار» أي بموت موسى بن جعفر عليه‌السلام حيث لم يقل أنّ المال له بل قال: لورثته.

قوله عليه‌السلام: «وأيّ شيء ينفعه» إمّا لعدم إقراره بإمامة الرضا عليه‌السلام، أو لإضلاله


--------------------------------------------------

1. التوبة 9: 110.

2. طه 20: 91.

3. طه 20: 91.


(399)

كثيرا من الناس.[1]

الحديث 833: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبدالله‌ بن ميمون القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: كان أميرالمؤمنين (صلوات الله‌ عليه)[2] يقول: أفضل العبادة العفاف.

المصادر: الكافي 2: 79، كتاب الإيمان والكفر، باب العفّة، ح3، وسائل الشيعة 15: 250، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب22 ح7، وأورده في الحديث 4 من الباب 3 من أبواب الدعاء، جامع أحاديث الشيعة 18: 86، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب68 باب وجوب عفّة البطن والفرج و...، ح7.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

ويمكن حمل العفاف هنا على ما يشمل ترك جميع المحرّمات.[3]

الحديث 834: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم[4]، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال عليّ بن الحسين (صلوات الله‌ عليهما): من عمل بما إفترض الله‌ عليه فهو من خير الناس.

المصادر: الكافي 2: 81، كتاب الإيمان والكفر، باب أداء الفرائض، ح1، وسائل الشيعة 15: 259، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب24 ح1، جامع أحاديث الشيعة 17: 347، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب55 باب وجوب أداء الفرائض والصبر عليها، ح5.

الشرح: قال المازندراني:

قوله «من عمل بما إفترض الله‌ عليه فهو من خير الناس» الظاهر أنّ لفظ «ما»


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 26: 509 .

2. في الوسائل: «عليه السلام» بدل «صلوات الله‌ عليه».

3. مرآة العقول 8: 67 .

4. في الوسائل: «وعن عليّ بن ابراهيم» بدل «وعليّ بن ابراهيم».


(400)

شامل للأعمال القلبيّة والبدنيّة والماليّة، والخيريّة تتفاوت بحسب تفاوت مراتب هذه الأعمال كمّا وكيفا، والخير المطلق من وصل إلى المرتبة العليا منها.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

الحديث حسن كالصحيح. «فهو من خير الناس» ليس «مِن» في بعض النسخ، فالخيريّة إضافيّة بالنسبة إلى من يأتي بالمستحبّات، ويترك بعض الفرائض.[2]

الحديث 835: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي السفاتج، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام في قول الله‌ عزّ وجلّ: «اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا»[3] قال: إصبروا على الفرائض، وصابروا على المصائب، ورابطوا على الأئمّة عليهم‌السلام.

المصادر: الكافي 2: 81، كتاب الإيمان والكفر، باب أداء الفرائض، ح3، وسائل الشيعة 15: 259، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب24 ح2، جامع أحاديث الشيعة 17: 346، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب55 باب وجوب أداء الفرائض والصبر عليها، ح1.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «قال إصبروا على الفرائض» لم يرد قصر الصبر عليها بل ذكرها؛ لأنّ الصبر عليها أعظم، والظاهر أنّ ترك الحرام داخل فيها؛ لأنّه أيضا فرض.

«ورابطوا على الأئمّة عليهم‌السلام»: بالنفس والمال والخدمة والانقياد لهم والانتظار لفرجهم.[4]


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 8: 245.

2. مرآة العقول 8: 78 .

3. آل عمران 3: 200.

4. شرح اُصول الكافي 8: 246.


(401)

قال العلاّمة المجلسي:

«إصبروا» قال الطبرسي رحمه‌الله: إختلف في معناها على وجوه:

أحدها: أنّ المعنى فاصبروا على دينكم أي أثبتوا عليه وصابروا الكفّار ورابطوهم في سبيل الله‌، فالمعنى إصبروا على طاعة الله‌ سبحانه وعن معاصيه، وقاتلوا العدو.

«وصابروا» على قتالهم في الحقّ كما يصبرون على قتالكم في الباطل؛ لأنّ الرباط هو المرابطة فيكون بين إثنين يعني أعدوّا لهم من الخيل ما يعدّونه لكم.

وثانيها: أنّ المراد إصبروا على دينكم وصابروا وعدي إيّاكم، ورابطوا عدوّي وعدوّكم.

وثالثها: أنّ المراد إصبروا على الجهاد، وقيل: إنّ معنى رابطوا: رابطوا الصلوات، ومعناه انتظروها واحدة بعد واحدة، لأنّ المرابطة لم تكن حينئذٍ.

روي ذلك عن عليّ عليه‌السلام، وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: أنّه سئل عن أفضل الأعمال؟ فقال: إسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط.

وروي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال: معناه إصبروا على المصائب وصابروا على عدوّكم، ورابطوا عدوّكم، وهو قريب من الأوّل، انتهى.

«على الفرائض» يحتمل شمولها لترك المحرّمات أيضا.

«وصابروا على المصائب» لعلّ صيغة المفاعلة على هذا الوجه للمبالغة؛ لأنّ ما يكون بين الاثنين يكون الاهتمام فيه أشدّ، أو لأنّ فيه معارضة النفس والشيطان، وكذا قوله: «رابطوا» يحتمل الوجهين؛ لأنّ المراد به ربط النفس على طاعتهم وانقيادهم وانتظار فرجهم مع أنّ في ذلك معارضة لعدوّهم «فيما إفترض


(402)

عليكم» من فعل الواجبات وترك المحرّمات.[1]

الحديث 836: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن حسّان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام[2] قال: الرّفق نصف العيش.

المصادر: الكافي2:120، كتاب الإيمان والكفر، باب الرفق، ح11، صدر الحديث وأورد بتمامه في ج4: 54، كتاب الزكاة، باب فضل القصد، ح13، وسائل الشيعة 15: 270، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب27 ح7، صدر الحديث، وأورد بتمامه في ج21: 553، كتاب النكاح، أبواب النفقات، ب25ح10، جامع أحاديث الشيعة18: 18، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب65 باب إستحباب الحلم والرفق و...، ح31.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «الرفق نصف العيش» العيش الطيّب يحصل بالكفاف والرفق الموجب للتودّد والتّآلف، فالرفق نصف العيش خصوصا مع الخدمة والعبيد والأهل، ومن الرفق بهم أن يصفح عن زلاّتهم، وأن يكلّفهم دون طاقتهم، وأن يطعمهم ويُلبسهم ما يطعمه ويلبسه.[3]

قال العلاّمة المجلسي:

«نصف العيش» أي نصف أسباب العيش الطيّب، لأنّ رفاهية العيش إمّا بكثرة المال والجاه وحصول أسباب الغلبة، أو بالرفق في المعيشة والمعاشرة، بل هذا أحسن، كما مرّ، واذا تأمّلت ذلك علمت أنّه شامل لجميع الاُمور حتّى التعيّش في الدّار والمعاملة مع أهلها، فإنّ تحصيل رضاهم إمّا بالتوسعة عليهم في المال، أو بالرفق معهم في كلّ حال، وبكلّ منهما يحصل رضاهم، والغالب أنّهم بالثاني أرضى.[4]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 8: 79 .

2. في الوسائل: «أبي الحسن عليه‌السلام» بدل «أبي الحسن موسى عليه‌السلام».

3. شرح اُصول الكافي 8: 329 .

4. مرآة العقول 8: 240.


(403)

الحديث 837: عدّة من أصحابنا، عن ـ معلّق ـ سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن إسماعيل بن قتيبة[1]، عن حفص بن عمر، عن إسماعيل بن محمّد، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: إنّ الله‌ عزّوجلّ يقول: إنّي لستُ كلّ كلام الحكيم[2] أتقبّل، إنّما أتقبّل هواه وهمّه، فإن كان هواه وهمّه في رضاي جعلت همّه تقديسا وتسبيحا.

المصادر: الكافي 8: 166، كتاب الروضة، ح180، وسائل الشيعة 15: 279، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب32 ح4، جامع أحاديث الشيعة 13: 273، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب4 باب من آثر رضى الله‌ تعالى...، ح5.

الشرح: قال المازندراني:

قوله «إنّ الله‌ عزّوجلّ يقول: لست كلّ كلام الحكمة أتقبّل، إنّما أتقبّل هواه وهمّه» ضمير (هواه وهمّه) راجع إلى المتكلّم المفهوم من الكلام، والهمّ العزم، والقصد الإرادة، والمراد أنّ التكلّم بالحكمة والقوانين الشرعيّة والأقوال الصحيحة الثابتة لا ينفع المتكلّم ما لم تكن نيّته خالصة صادقة وقصده صحيحا، وإرادته متعلّقة بمراد الله‌ تعالى ورضاه، فإنّه تعالى لا ينظر إلى الصورة الظاهرة، وإنّما ينظر إلى الصورة الباطنة ويجزي عليها ويثيب بها، كما أشار إليه بقوله «فان كان هواه وهمّه في رضاي جعلت همّه تسبيحا وتقديسا» واُثيب به ثوابا جزيلاً مضافا على ثواب ما صدر منه ظاهرا، وإلاّ فلا ثواب له، وعليه عقوبة النفاق، وفيه تنبيه على أنّه ينبغي لكلّ عاقل من تصحيح قلبه أو لا، وجعل ظاهره موافقا لباطنه.[3]

وقال العلاّمة المجلسي:

قوله تعالى: «إنّما أتقبّل هواه وهمّه» أي ما يحبّه ويعزم عليه من النيّات


--------------------------------------------------

1. في الوسائل: «عتيبة» بدل «قتيبة».

2. في الوسائل: «كلام الحكمة» بدل «كلام الحكيم».

3. شرح اُصول الكافي 12: 184، وراجع كتاب الوافي 1: 162.


(404)

الحسنة. والحاصل إنّ الله‌ تعالى لا يقبل كلام حكيم لا يعقد قلبه على نيّة صادقة في العمل بما يتكلّم به، وأمّا مع النيّة الحسنة واليقين الكامل فيكتب له ثواب التسبيح والتقديس وإن لم يأت بهما.[1]

الحديث 838: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن الحسن بن السريّ، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: سمعت جابر بن عبدالله‌[2] يقول: إنّ رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آلهمرّ بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته، وذلك حين رجع من حجّة الوداع[3] فوقف علينا فسلّم فرددنا عليه‌السلام، ثمّ قال: ما لي أرى حبّ الدّنيا قد غلب على كثير من الناس حتّى كأنّ الموت في هذه الدّنيا على غيرهم كتب، وكأنّ الحقّ في هذه الدّنيا على غيرهم وجب، وحتّى كأن لم يسمعوا ويروا من خبر الأموات قبلهم، سبيلهم سبيل قوم سفر عمّا قليل إليهم راجعون، بيوتهم أجداثهم، ويأكلون تراثهم، فيظنّون أنّهم مخلّدون بعدهم، هيهات هيهات [أ] ما يتّعظ آخرهم بأوّلهم، لقد جهلوا ونسوا كلّ واعظ في كتاب الله‌، وأمنوا شرّ كُلّ عاقبة سوء، ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق حادثة.

طوبى لمن شغله خوف الله‌ عزّوجلّ عن خوف الناس.

طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه.

طوبى لمَن تواضع لله‌ عزّ ذكره وزهد فيما أحلّ الله‌ له من غير رغبة عن سيرتي، ورفض زهرة الدّنيا من غير تحوّل عن سُنّتي[4]، واتّبع الأخيار من عترتي من بعدي، وجانب أهل الخيلاء والتّفاخر والرّغبة في الدّنيا، المبتدعين خلاف سُنّتي،


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 26: 34.

2. في الوسائل: «جابر بن عبد الله‌ الأنصاري» بدل «جابر بن عبد الله‌».

3. ليس في الوسائل: «ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من حجة الوداع».

4. هامش الكافي: في بعض النسخ: «عن نفسي».


(405)

العاملين بغير سيرتي.

طوبى لمن إكتسب من المؤمنين مالاً من غير معصية فأنفقه في غير معصية، وعاد به على أهل المسكنة.

طوبى لمن حسن مع الناس خلقُهُ وبذل لهم معونته، وعدل عنهم شرّه.

طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل وأمسك قوله عن الفضول وقبيح الفعل.

المصادر: الكافي 8: 168، كتاب الروضة، ح190، وأورد شطرين من الحديث في وسائل الشيعة 15: 289، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب36 ح2، جامع أحاديث الشيعة 17: 223، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب44، باب ما ورد في ذمّ حبّ الدُّنيا و...، ح24.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «مالي أرى حبّ الدّنيا قد غلب على كثير من الناس».

هذا حال أكثر كلّ عصر، لغموض أمر الآخرة وخفاء أحوالها مع إغماضهم عين البصيرة عنها، وظهور أمر الدّنيا ونعيمها، مع ميل طبائعهم إليها، وضعف عقولهم عن إدراك قبائحها وكشف مفاسدها، فصار ذلك سببا لحبّ الدنيا وترك الآخرة. «حتى كأنّ الموت في هذه الدّنيا على غيرهم كتب»، لكون حالهم شبيهة بحال من يظنّ ذلك. وفيه تنبيه على أنّ تذكّر الموت الباعث على فراق الدّنيا والورود في الآخرة موجب لهوان الدّنيا وما فيها، ولذلك ورد في روايات كثيرة الحثّ على تذكّره.

«وكأنّ الحقّ في هذه الدّنيا على غيرهم وجب» الظاهر أنّ المراد بالحقّ: حقّ الله‌ تعالى وآدابه وأحكامه الدينية المتعلّقة بكيفيّة العلم والعمل، وتخصيصه بالموت بعيد «وحتّى كأن لم يسمعوا ويروا من خبر الأموات قبلهم» السماع بالنسبة إلى من مات من السابقين والغائبين، والرؤية بالنسبة إلى من مات من


(406)

الحاضرين، وفيه توبيخ بترك العبرة بحالهم حيث كانوا في الدّنيا فماتوا وتركوا ما في أيديهم إضطرارا، وسكنوا قبورهم معذّبين بعذاب أليم إلاّ من أتى الله‌ بقلب سليم.

«سبيلهم سبيل قوم سفر عمّا قليل إليهم راجعون» سفر الرجل سفرا من باب طلب، خرج للإرتحال فهو مسافر، والجمع سفر، مثل راكب وركب، وصاحب وصحب، وفيه تنبيه على سرعة زوال العمر ورجوع الباقين إلى الماضين، وترغيب في العمل لما بعد الموت، وترك حبّ الدّنيا وزهراتها المانعة عن الاستعداد لما ينفع بعده، «بيوتهم أجداثهم ويأكلون تراثهم، فيظنّون أنّهم مخلّدون بعدهم هيهات هيهات» أي بعد هذا الظن عن الصواب، والتكرير للمبالغة، والجدث القبر، والجمع أجداث مثل سبب وأسباب، وفيه تنفير عن الدّنيا وتزيين البيوت فيها؛ لأنّ من علم أنّه يسكن هذا البيت الضيّق المظلم وهو القبر في زمان طويل لا يعلم طوله إلاّ الله‌ يسهل عليه ترك الدنيا الفانية بحذافيرها، فضلاً عن بيت وصرف العمر في تحصيل ما يحتاج إليه البيت.

«أما يتّعظ آخرهم بأوّلهم» فليقدّر الآخر نفسه كالأوّل، في أنّه سكن الدّنيا لحظة وارتحل إلى الآخرة دفعة.

«ونسوا كلّ واعظ في كتاب الله‌ تعالى» واعظ بليغ يعظهم بفناء الدّنيا وخساسة متاعها، وإهلاكها السابقين بالركون إليها، ويدعوهم إلى التذكّر للموت، والعمل لما بعده وغير ذلك من المنفّرات عن الدّنيا والمرغّبات للآخرة.

«وأمنوا شرّ كلّ عاقبة سوء» لاحقة بهم في الدّنيا للرّكون إليها، وفي الآخرة بالإعراض عنها وترك العمل لها، وفيه ترغيب في الأعمال الصالحة وترك لوازم حبّ الدّنيا لتحصيل النجاة من سوء العاقبة.

«ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق حادثة» الفادحة: النازلة الثقلية، وفوادح


(407)

الدّهر: خطوبه، فدح، كمنع ثقل، والظاهر أنّ بوائق عطف على نزول، لا على فادحة؛ لأنّ ذكر حادثة يتأبّى عنه، والبائقة: النازلة، وهي: الداهية والشرّ الشديد، يقال: باقت الداهية إذا نزلت، والجمع البوائق، وفي ذكر عدم الخوف ممّا ذكر ترغيب في الخوف منه، وتنفير عن تركه المستلزم للميل إلى الدّنيا والمعاصي التابعة لها.

«طوبى لمن شغله خوف الله‌ عزّوجلّ عن خوف الناس»، أي الجنّة، أو طيب العيش في الدّنيا والآخرة له، وفيه حثّ على الخوف من عذاب الله‌؛ لأنّه الموجب للامتثال بأوامره، والاجتناب عن نواهيه، وزجر عن خوف الناس، لأنّه يوجب التشبّث بأطوارهم والتباعد عن خوف الله‌ تعالى.

«طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه»، حرّض المكلّف على الاشتغال بعيوب نفسه وإصلاحها والإعراض عن ذكر عيب غيره من المؤمنين خلقيّة كانت أو كسبيّة إلاّ ما استثني، وخصّ ذلك بالمؤمن إذ لا حرمة للكافر.

«طوبى لمن تواضع لله‌ عزّوجلّ» بالعبادة مع التذلّل والخشوع له.

«وزهد فيما أحلّ الله‌ له» من متاع الدّنيا لعلمه بأنّه يشغله عن الله‌ تعالى وعن أمر الآخرة، والزهد في الشيء خلاف الرغبة فيه، وفعله من باب منع وسمع وكرم.

«من غير رغبة عن سيرتي» أي طريقتي وهيئتي والرغبة عنها، إمّا بإنكارها، أو بترك التمسّك بها والبلوغ إليها وإن لم يكن لأحد، لكن ينبغي طلب التشبّه به، وعدم ترك الميسور بالمعسور.

«ورفض زهرة الدّنيا» أي زينتها ومتاعها مطلقا، سواء أحلّ له أم لا «من غير تحوّل عن سنّتي»، وهي الشريعة التي جاءته من عند الله‌ تعالى.

وإنّما خص البشارة بغير الراغب عن سيرته وغير المتحوّل عن سنّته؛ إذ الزهد ورفض الدّنيا لا ينفعان لهما بل يلحق بهما خسران الدّنيا والآخرة.


(408)

«واتّبع الأخيار من عترتي من بعدي» في سيرتهم ودينهم وعقائدهم وأقوالهم وأعمالهم.

والعترة بالكسر: نسل الرجل ورهطه وعشيرته، وأشرف عترته علي عليه‌السلام. «وجانب أهل الخيلاء» المتكبّرين «والتفاخر» بالحسب والنسب والجاه والمال وغيرها «والرغبة في الدّنيا» بطلبها زائدة عن قدر الكفاف وإن كانت مباحة «المبتدعين خلاف سنّتي» كأصحاب الرأي والقياس والأهواء النفسانيّة «العاملين بغير سنّتي» إن إبتدعه غيرهم كاتباع المبتدعين، ومن إبتدعه وعمل به جامع للرذيلتين، وفي بعض النسخ «بغير سيرتي».

وإنّما بشر من جانب هؤلاء، لأنّ صحبتهم شوم وأمراضهم مسرية مهلكة، قلّما يتخلّص جليسهم عن صفاتهم وآدابهم.

«طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالاً من غير معصية فأنفقه في غير معصيته وعاد به على أهل المسكنة» عاد معروفه عودا أفضل وأعطى، والاسم العائدة، وذكر أهل المسكنة من باب ذكر الخاصّ بعد العامّ للاهتمام والترغيب في إعطاء المساكين، وفيه وعدٌ لمن اكتسب حلالاً وأنفقه في وجوه البرّ بالأجر الجميل، والثواب الجزيل.

«طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شرّه».

رغّب في ثلاث خصال بها نظام الدّنيا وكمال الدين:

الاولى: حسن الخلق مع الناس أن يخالطهم بالجميل والتودّد والرأفة واللطف،وحسن الصحبة والعشرة والمراعات والرفق والصبر والاحتمال لهم والإشفاق عليهم، وبالجملة حسن الخلق تابع لإستقامة جميع الأعضاء الظاهرة والباطنة.

الثانية: بذل المعونة لهم في أمر الدين والدّنيا، وهي إسم من أعانه إذا أمدّه


(409)

ونصره، ووزنها مفعلة بضمّ العين، وبعضهم يجعل الميم زائدة ويقول هي فعولة.

الثالثة: دفع شرّه وشرّ غيره عنهم، ولهذه الخصال فوائد لا تحصى.

«طوبى لمن أنفق القصد»: وهو التوسّط بين الإسراف والتبذير وبذل الفضل وهو الزائد على قدر الكفاف، وإنفاقه ينشأ من العلم بأنّ الزائد لا يحتاج إليه في البقاء مع ترتّب الثواب الجزيل على إنفاقه في دار الجزاء.

«وأمسك قوله عن الفضول» وهو ما لا ينفع سواء ضرّ أم لا، لأنّ المؤمن لا يلوّث لسانه بما لا ينفع، فكيف ما يضرّ «وقبيح الفعل» كأنّه عطف على أمسك بتقدير فعل يدلّ عليه المذكور، أي أمسك عن قبيح الفعل وهو ما يذمّ به عقلاً وشرعا، وعطفه على الفضول بحمل الفعل على فعل اللّسان يأباه ظهور عموم الفعل ولزوم التكرار، وتخصيص الفضول بالمباح خلاف الظاهر.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

وقد ذكر السيّد في نهج البلاغة بعض فقرات هذا الخبر، ونسبها إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام أنّه قالها حين تبع جنازة فسمع رجلاً يضحك، ثمّ قال: ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، ورواها عليّ بن إبراهيم أيضا عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

قوله: «ونحن في نادينا» النادي مجتمع القوم.

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «وكأنّ الحقّ»، أي أوامر الله‌ ونواهيه، ويحتمل أن يكون المراد الموت أيضا.

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «سبيلهم سبيل قوم سفر» السفر جمع سافر، فيحتمل إرجاع الضمير في قوله «سبيلهم» إلى الأحياء، وفي قوله «إليهم» إلى الأموات، أي هؤلاء الأحياء مسافرون يقطعون منازل أعمارهم من السنين والشهور، حتّى يلحقوا


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 12: 190 ـ 193 .


(410)

بهؤلاء الاموات، ويحتمل العكس في إرجاع الضميرين.

فالمراد أنّ سبيل هؤلاء الأموات عند هؤلاء الأحياء لعدم إتّعاظهم بموتهم، وعدم مبالاتهم كانوا ذهبوا إلى سفر وعن قريب يرجعون إليهم، ويؤيّده ما في النهج والتفسير «وكأن الّذي نرى من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون».

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «بيوتهم أجداثهم» الأجداث جمع الجدث، وهو القبر، أي يرون أنّ بيوت هؤلاء الأموات أجداثهم، ومع ذلك يأكلون تراثهم، أو يرون أنّ تراث هؤلاء قد زالت عنهم وبقي في أيديهم، ومع ذلك لا يتّعظون ويظنّون أنّهم مخلّدون بعدهم، والتراث ما يخلّفه الرجل لورثته.

والظاهر أنّه وقع في نسخ الكتاب تصحيف، والأظهر ما في النهج «نبوّئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم»، وفي التفسير «تنزلهم أجداثهم».

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «نزول فادحة» أي بليّة يثقل حملها، يقال: فدحه الدين، أي أثقله، وأمر فادح: إذا غاله وبهظه، ذكره الجوهري. وفي النهج «ثمّ قد نسينا كلّ واعظ، وواعظة، ورمينا بكل فادح وجائحة».

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «وبوائق حادثة» البوائق: الدّواهي.

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «من غير رغبة عن سيرتي» أي من غير أن يترك ما كان يتمتّع به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آلهمن النساء والطّيب والنوم وغيرها، بل يزهد في الشبهات، وزوائد المحلّلات الّتي تمنع الطاعات.

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «من غير تحوّل عن سنّتي» بأن يحرّم على نفسه المباحات، ويترك السنن، ويبتدع في الدين كما هو الشائع بين أهل البدعة من الصوفيّة.

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «وعاد به» من العائدة بمعنى الفضل والإحسان.

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «لمن أنفق القصد» أي الوسط من غير إسراف وتقتير.[1]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 26: 41 ـ 43.


(411)

الحديث 839: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبدالله‌ بن عبدالرحمن الأصمّ، عن مسمع بن عبدالملك، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: إنّ العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام، وانه لينظر إلى أزواجه في الجنّة يتنعّمن.

المصادر: الكافي 2: 272، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح19، وسائل الشيعة 15: 299، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب40 ح4، «بتفاوت في السند» جامع أحاديث الشيعة 13: 329، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب9 باب وجوب إجتناب المحارم والمعاصي و...، ح45.

الشرح: قال المازندراني:

قوله «إنّ العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام» نظيره ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال: (لا تتّكلوا بشفاعتنا فإنّ شفاعتنا لا تلحق بأحدكم إلاّ بعد ثلاثمائة سنة). وفيه دلالة على أنّ الذنب يمنع من الدخول في الجنّة في تلك المدّة، ولا دلالة فيه على أنّه في تلك المدّة في النار أو في شدائد القيامة، وأمّا من لا ذنب له فلا يحبس في القيامة ويدخل الجنّة بغير حساب.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

وفي المصباح: النَعمة، بالفتح اسم من التنعّم والتمتّع، وهو النعيم، ونَعِم عيشه كتعِب: اتّسع ولان، ونعّمه الله‌ تنعيما، جعله ذارفاهيّة.[2]

الحديث 840: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد[3]، عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا[4] عليه‌السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام: لا تبدينّ عن واضحة وقد


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 236 .

2. مرآة العقول 9: 417 .

3. في الوسائل: «سهل» بدل «سهل بن زياد».

4. في الوسائل: «أبي الحسن» بدل «أبي الحسن الرضا».


(412)

عملت الأعمال الفاضحة، ولا تأمن البيات وقد عملت السّيئات.

المصادر: الكافي 2: 273، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح21، وسائل الشيعة 15: 300، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب40 ح5، جامع أحاديث الشيعة 13: 330، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب9 باب وجوب اجتناب المحارم والمعاصي و...، ح47.

الشرح: قال المازندراني:

قوله «لا تبدينّ عن واضحة وقد عملت الأعمال الفاضحة» الإبداء: الإظهار، وتقول: أبديته إذا أظهرته، وتعديته بـ «عن» لتضمّنه معنى الكشف.

والوضوح: الانجلاء والانكشاف. يقال: وضح من باب وعد، أي إنجلى وإنكشف.

وفي المصباح: الواضحة: الأسنان تبدو عند الضحك.

وفيه ردع عن الضحك وزجر عن الأعمال القبيحة وحثّ على محاسبة النفس، فإنّ من حاسبها وعرف قبح أفعالها وشناعة أعمالها وإستولت عليه الخشية والهيبة، وإنقطعت عنه الراحة واللّذة، وداس في قلبه عساكر الهموم، فاستحقّ أن يبكي بحاله دون أن يضحك.

ويؤيّده ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌و‌آله «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا» إشارة إلى علمه بما في عالم الغيب من أحوال البرزخ، وأهوال القيامة والنار ودركاتها وشدائدها، فإن عرفها حقّ المعرفة بنور الإيمان لابدّ من أن يبكي على نفسه.

«ولا يأمن البيات من عمل السيّئات» البيات: الإغارة ليلا، وهو اسم من بيّته تبييتا إذا دبّره في اللّيل، وتبييت العدوّ هو أن يقصد في اللّيل من غير أن يعلم فيؤخذ، وهو بالفارسيّة «شبيخون كردن وبشب كار ساختن»، وفيه وعيد للمذنب


(413)

بالعقوبات العاجلة.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

«لا تبدينّ عن واضحة» الإبداء الإظهار وتعديته بـ «عن» لتضمين معنى الكشف، وفي الصحاح والقاموس والمصباح: الواضحة: الأسنان تبدو عند الضحك، وفي القاموس: فضحه كمنعه كشح مساويه، أي لا تضحك ضحكا يبدو به أسنانك، ويكشف عن سرور قلبك، وقد علمت أعمالاً قبيحة إفتضحت بها عند الله‌ وعند ملائكته وعند الرسول والأئمّة صلوات الله‌ عليهم، ولا تدري أغفر الله‌ لك أم يعذّبك عليها، ولذا كان من علامة المؤمنين أنّ ضحكهم التبسّم، ويؤيّده ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً وبكيتم كثيرا» لكن البشر في الجملة مطلوب كما مرّ، أنّ بشره في وجهه وحزنه في قلبه.

وقوله: «وقد عملت» جملة حاليّة.

«ولا يأمن البيات» بكسر النون ليكون نهيا، والكسرة لالتقاء الساكنين، أو بالرفع خبرا بمعنى النهي، وما قيل: إنّه معطوف على الجملة الحاليّة بعيد.

والمراد بالبيات نزول الحوادث عليه ليلاً، أو غفلة وإن كان بالنهار، في المصباح: البيات بالفتح الإغارة ليلاً، وهو اسم من بيّته تبييتا، وبيّت الأمر دبّره ليلاً.[2]

الحديث 841: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن ابن عرفة، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال: إنّ لله‌ عزّوجلّ في كلّ يوم وليلة مناديا ينادي: مهلاً مهلاً عباد الله‌ عن معاصي الله‌، فلو لا بهائم[3] رُتّع، وصبية رُضّع، وشيوخ رُكّع،


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 229 .

2. مرآة العقول 9: 401 .

3. في الجامع: «بهائهم» بدل «بهائم».


(414)

لصبّ عليكم العذاب صبّا، ترضّون به رضّا.

المصادر: الكافي 2: 276، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح31، وسائل الشيعة 15: 307، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب41 ح6، جامع أحاديث الشيعة 13: 325، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب9 باب وجوب اجتناب المحارم والمعاصي و...، ح24.

الشرح: قال المازندراني:

قوله «مهلاً مهلاً عباد الله‌» المهل، بالتسكين والتحريك لغة: الرفق والتأنّي والتأخّر، أي: رفقا رفقا يا عباد الله‌ عن معاصي الله‌، يعني تأنّ فيها ولا تعجل، أو تأخّر عنها ولا تقربها، وهو للواحد والاثنين والجماعة والمؤنّث بلفظ واحد.

و «رتّع» و «رضّع» و «ركّع» بضمّ الأوّل وفتح الثاني مع الشدّ، جمع راتع وراضع وراكع، كُطلّب جمع طالب، والرضّ: الكسر، والدق الجريش، وفعله من باب قتل. والمراد بالعذاب العذاب الدنيوي، وأمّا العذاب الاُخروي فلا دافع له إلاّ التوبة أو العفو أو الشفاعة.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

ومهلاً اسم فعل بمعنى أمهل، وقيل: مصدر، والنصب على الإغراء، أي ألزموا مهلاً، والمهل بالتسكين والتحريك، الرفق والتأنّي والتأخّر، أي تأنّ في المعاصي ولا تعجل، أو تأخّر عنها ولا تقربها.

قال في النهاية: في حديث علي عليه‌السلام: إذا سرتم إلى العدوّ فمهلاً مهلاً، فإذا وقعت العين على العين فمهلاً مهلاً، الساكن الرفق، والمتحرّك التقدّم، أي إذا سرتم فتأنّوا واذا لقيتم فاحملوا، كذا قال الأزهري وغيره.

قال الجوهري: المهل بالتحريك التؤدة والتباطي، والاسم المهلة، وفلان ذو


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 242.


(415)

مهل بالتحريك، أي ذو تقدّم في الخير، ولا يقال في الشرّ، يقال: مهّلته أي سكنته وأخّرته، ويقال: مهلاً للواحد والاثنين، والجمع والمؤنّث بلفظ واحد بمعنى أمهل.

والرتّع والرضّع والركّع بالضمّ والتشديد في الجميع، جمع راتع وراضع وراكع، في القاموس: رتع كمنع رتعا ورتوعا ورتاعا بالكسر، أكل وشرب ما شاء في خصب وسعة، أو هو الأكل والشرب رغدا في الريف أو بشره، وجمل راتع من إبل رتاع، كنائم ونيام، ورتّع كركّع ورتّع بضمّتين، وقال: رضع أُمّه، كسمع وضرب فهو راضع، والجمع كركّع، ورضع ككرم، ومنع رضاعة فهو راضع، ورضيع من رضّع كركّع، وقال: ركع إنحنى كبراً، أو كبا على وجهه، وإفتقر بعد غنى، وإنحطّت حاله وكلّ شيء يخفض رأسه فهو راكع.

وقال: الصبيّ من لم يفطم بعد، والجمع صبية ويضمّ، وفي الصحاح: الصبيّ الغلام، والجمع صبية وصبيان وهو من الواو، وفي النهاية: الرضّ، الدقّ الجريش، ومنه الحديث: لصُبّ عليكم العذاب صبّا، ثمّ لرضّ رضا هكذا جاء في رواية، والصحيح بالصاد المهملة، وقال في المهملة: فيه تراصّوا في الصفوف، أي تلاصقوا حتّى لا يكون بينكم فرج، وأصله تراصصوا من رصّ البناء يرصّه رصّا إذا لصق بعضه ببعض فأدغم، ومنه الحديث: «لصبّ عليكم العذاب صبّاً ثمّ لرصّ رصّاً»، انتهى.

ولا يخفى أنّ ما في روايتنا أبلغ وأظهر. والظاهر أنّ المراد بالعذاب العذاب الدنيوي، وكفى بنا عجزاً وذلاًّ بسوء فعالنا أن يرحمنا ربّنا الكريم ببركة بهائمنا وأطفالنا.[1]

الحديث 842: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه، عن عبدالله‌ بن سنان، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: ثلاث من كنّ فيه


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 9: 429.


(416)

كان منافقا وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم: من إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، إنّ الله‌ عزّوجلّ قال في كتابه: «إِنَّ الله‌ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ»[1] وقال: «أَنَّ لَعْنَةَ الله‌ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ»[2] وفي قوله عزّوجلّ: «وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّا»[3].

المصادر: الكافي 2: 290، كتاب الإيمان والكفر، باب في أُصول الكفر وأركانه، ح8، وسائل الشيعة 15: 339، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب49 ح4، جامع أحاديث الشيعة 13: 399، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب14 باب ماورد في علامات المنافق، ح1.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

واعلم أنّه كما يطلق المؤمن والمسلم على معان كما عرفت، فكذلك يطلق المنافق على معان:

منها: أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهو المعنى المشهور، ومنها: الرياء.

ومنها: أن يظهر الحُبّ ويكون في الباطن عدوّا، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقا.

وقد يُطلق على من يدّعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه، ولم يتّصف بالصفات الّتي ينبغيأن يكون المؤمن عليها، فكان باطنه مخالفا لظاهره، فكأنّه المراد هنا، وسيأتي معاني النفاق في بابه إن شاء الله‌.

والمراد بالمسلم هنا: المؤمن الكامل المسلّم لأوامر الله‌ ونواهيه، ولذا عبّر بلفظ الزعم المشعر بأنّه غير صادق في دعوى الإسلام.


--------------------------------------------------

1. الأنفال 8: 58.

2. النور 24: 7.

3. مريم 19: 54.


(417)

«من إذا إئتمن» أي على مال أو عرض أو سرٍّ خان صاحبه، وقيل: المراد به من أصرّ على الخيانة كما يدلّ عليه قوله تعالى: «إِنَّ الله‌ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ»[1] حيث لم يقل إنّ الله‌ لا يحب الخيانة، ويدلّ على أنّه كبيرة لا يقبل منه معها عمل، وإلاّ كان محبوبا في الجملة.

وأمّا الاستدلال بآية اللّعان فلأنّه علّق اللعنة بمطلق الكذب وإن كان مورده الكذب في القذف، ولو لم يكن مستحقا للّعن لم يأمره الله‌ بهذا القول.

وأما قوله عليه‌السلام: «وفي قوله عزّوجلّ» فلعلّه عليه‌السلام إنّما غيّر الأسلوب لعدم صراحة الآية في ذمّه بل إنّما يدلّ على مدح ضدّه وبتوسّطه يشعر بقبحه، وإنّما لم يذكر عليه‌السلام الآية الّتي هي أدلّ على ذلك حيث قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ الله‌ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ»[2].

وسيأتي الاستدلال به في خبر آخر، إما لظهوره وإشتهاره، أو لاحتمال معنى آخر، كما سيأتي.

وقيل: كلمة «في» في قوله: «في قوله» بمعنى مع، أي قال في سورة الصف ما هو مشهور في ذلك، مع قوله في سورة مريم «وَاذْكُرْ» لدلالته على مدح ضدّه.[3]

الحديث 843: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و[4] عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي حمزة، عن جابر بن عبدالله‌ قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: ألا اُخبركم بشرار رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله‌، فقال: إنّ من[5] شرار رجالكم البهّات الجرئ الفحّاش، الآكِل وحده، والمانع رفده،


--------------------------------------------------

1. الأنفال 8: 58.

2. الصفّ 61: 2 ـ 1.

3. مرآة العقول 10: 78، وراجع كتاب الوافى 4: 239.

4. في الوسائل زيادة: «عن».

5. في الوسائل: «قال» بدل «فقال: إنّ من».


(418)

والضارب عبده، والملجئعياله إلى غيره.

المصادر: الكافي 2: 292، كتاب الإيمان والكفر، باب في اُصول الكفر وأركانه، ح13، وسائل الشيعة 15: 340، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب49 ح5، جامع أحاديث الشيعة 13: 396، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب13 باب ماورد في أوصاف شرار الناس، ح1.

الشرح: قال المازندراني:

قوله «البهّات الجرئالفحّاش» البهّات الّذي يبهت غيره، أي يقذفه بالباطل ويفتري عليه الكذب، والاسم البهتان.

والجريّ بالياء المشدّدة وبالهمزة أيضا على فعيل، وهو المقدام على القبيح من غير توقّف، والاسم الجرأة.

والفحّاش ذو الفحش، وهو كلّ ما يشتدّ قبحه من الأقوال والأفعال، وكثيرا ما يراد به الزنا.

«والمانع رفده» يفهم منه وممّا سبقه أنّ ترك المندوب وما هو خلاف المروّة شرٌّ، فالمراد بشرار الرجال، فاقد الكمال، سواء كان فقده موجبا للعقوبة أم لا.

«والملجيء عياله إلى غيره» بترك الإنفاق عليهم وعدم القيام بحوائجهم.

وقد روي «أنّ الكدّ للعيال أفضل من الزهد في الدّنيا».[1]

قال الفيض الكاشاني:

بيان: البهّات المفتري والقائل على الرجل ما ليس فيه، ويقال للمجادل المحيّر المسكت.[2]

قال العلاّمة المجلسي:

الحديث حسن كالصحيح.


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 275.

2. كتاب الوافي 5: 841 .


(419)

والبهّات مبالغة من البهتان، وهو أن يقول في الناس ما ليس فيهم.

قال الجوهري: بهته بهتا أخذه بغتة، قال الله‌ تعالى: «بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ»[1] وتقول أيضا: بهته بهتا وبَهَتا وبهتانا، فهو بهّات، أي قال عليه ما لم يفعله فهو مبهوت، انتهى.

والجريّ بالياء المشددة وبالهمز أيضا على فعيل، وهو المقدام على القبيح من غير توقف والاسم الجرأة، والفحّاش ذو الفحش، وهو كلّما يشتدّ قبحه من الأقوال والأفعال، وكثيرا ما يراد به الزنا، وقد مرّ الكلام فيه.

«الآكل وحده» أقول: لعلّ النكتة في إيراد العاطف في الأخيرات وتركها في الأوّل الإشعار بأنّ البهت والجرأة والفحش صارت لازمة له كالذاتيّات فصرن كالذات الّتي أجريت عليها الصفات، فناسب إيراد العاطف بين الصفات لتغايرها، ويحتمل أن تكون العلّة الفصل بالمعمول أي «وحده» و«رفده» و«عبده» بين الفقرات الأخيرة وعدمها في الأوّل، فتأمّل.

«والمانع رفده» قد مرّ الكلام فيه، وعدم حرمة هذه الخصلة لا ينافي كون المتّصف بجميع تلك الصفات من شرار النّاس، فإنّه الظاهر من الخبر، لا كون المتّصف بكلّ منها من شرار الناس.

وقيل: يفهم منه وممّا سبقه أنّ ترك المندوب وما هو خلاف المروّة شرّ، فالمراد بشرار الرجال فاقد الكمال، سواء كان فقده موجبا للعقوبة أم لا، انتهى.

«والملجيء عياله إلى غيره». أي لا يُنفق عليهم ولا يقوم بحوائجهم.[2]

الحديث 844: عدّة من أصحابنا، ـ معلّق ـ عن سهل بن زياد، عن داود بن مهران، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي، عن رجل، عن جويرية بن مسهر قال: إشتددت


--------------------------------------------------

1. الأنبياء 21: 40.

2. مرآة العقول 10: 85 .


(420)

خلف أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال لي:[1] يا جويرية إنّه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلاّ بخفق النعال خلفهم، ما جاء بك؟ قلت: جئت أسألك عن ثلاث: عن الشرف وعن المروءة وعن العقل، قال: أمّا الشرف فمن شرّفه السلطان شرف، وأمّا المروءة فإصلاح المعيشة، وأمّا العقل فمن إتّقى الله‌ عقل.

المصادر: الكافي 8: 241، كتاب الروضة، ح331، وأورد صدره في وسائل الشيعة 15: 351، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب50 ح5، جامع أحاديث الشيعة 17: 15، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب26 باب تحريم طلب الرئاسة...، ح21.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «إشتددت خلف أميرالمؤمنين إلى آخره»، أشدّ العدو اشتدّ عدوا، و«هؤلاء» إشارة إلى الخلفاء وأضرابهم.

والأحمق: قليل العقل، وقوم ونسوة حمقى بالفتح والقصر.

والخفق: صوت النعال. والشرف محركة: القدر والمنزلة والعلوّ والمجد، وشرف الآخرة لمن شرّفه السلطان الأعظم بالهدايات الخاصة إلى الأعمال الصالحة، وشرف الدّنيا لمن شرّفه هؤلاء السلاطين.

والمعيشة: ما يعاش به، وإصلاحها تحصيلها من حلال وصرفها في حلال والتحرّز عن الإسراف والتقتير، والعقل ما يقتضي القيام بطاعة الله‌ والاتقاء عن عقوبته.[2]

قال الفيض الكاشاني:

بيان: «إشتددت» عدوت و«الخفق» صوت النعل، أراد بـ «الحمقى» الجهّال


--------------------------------------------------

1. ليس في الوسائل: «لي».

2. شرح اُصول الكافي 12: 312 .


(421)

المتسمّين بالعلم يحسبهم الجاهل علماء، وبهلاكهم هلاكهم الاُخرويّ بصدّهم الناس عن أهل العلم وصرفهم إيّاهم عن سبيل الحق.

كأنّ غرضه عليه‌السلام من هذا الكلام إرشاد جويرية لوجوب تعرّف أهل العلم أوّلاً، ثمّ الأخذ منه والمشي خلفه لئلاّ يضلّ عن الهدى، ثمّ تنبيهه على عرفان قدره عليه‌السلام وشكره على إمكان الوُصول إليه وتيسّر الأخذ عنه عليه‌السلام.

وأراد بالشرف: الشرف عند الناس وإنّما يكون ذلك بتشريف السلطان، وما كان منه بالعلم وغيره فلا يتمّ أيضا عند الناس إلاّ بذلك.

و «المروءة»: هي الإنسانيّة باصطناع المعروف من المرء ـ تهمز وتشدّد ـ ولا يتمّ إلاّ بإصلاح المعيشة، إذ بدونه لا يتمكّن من ذلك. وتفسير العقل بالتقوى يتبيّن ممّا سبق.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله: «اشتددّت» الإشتداد، والشدّ: العدوّ.

قوله عليه‌السلام: «إلاّ بخفق النعال» أي صوتها، والغرض أنّ خفق النعال سبب للفخر والكبر، فيكون الغرض تعليم الناس بترك ذلك وإن كان في شأنه عليه‌السلام لا تحتمل هذه المفسدة، أو أنّ أئمّة الضّلال إنّما هلكوا بحبّهم الفخر والعلو، وكثرة الأتّباع وخفق النعال خلفهم، وأمّا أنا فلا اُحبّ ذلك فلِمَ تمشي خلفي.

قوله عليه‌السلام: «فمن شرّفه السلطان» أي الإمام بالحقّ أو الأعمّ منه ومن سلطان الجور، فإنّ شرف الدّنيا لمن شرّفته ملوك الدّنيا، والآخرة لمن شرّفه سلطان الحقّ.[2]

الحديث 845: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن منصور بن العباس، عن


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 1: 80 .

2. مرآة العقول 26: 202.


(422)

ابن ميّاح[1]، عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد الله‌ عليه‌السلام يقول: من أراد الرئاسة هلك.

المصادر: الكافي 2: 298، كتاب الايمان والكفر، باب طلب الرئاسة، ح 7، وسائل الشيعة 15: 351، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب50 ح7، جامع أحاديث الشيعة 26: 9، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب26 باب تحريم طلب الرئاسة مع عدم الوثوق بالعدل و... ح3.

الحديث 846: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عمّن رواه، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال له رجل: جعلت فداك رجل عرف هذا الأمر، لزم بيته ولم يتعرّف إلى أحد من إخوانه؟ قال: فقال[2]: كيف يتفقّه هذا في دينه؟!

المصادر: الكافي 1: 31، كتاب فضل العلم، باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه، ح9، وسائل الشيعة 15: 354، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب51 ح2، جامع أحاديث الشيعة 17: 498، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب61 باب استحباب إعتزال أهل الدنيا و... ح46.

الشرح: قال المازندراني:

«عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عمّن رواه، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال له رجل: جعلت فداك، رجل عرف هذا الأمر» أي أمر الإمامة وأعتقد به إعتقادا صحيحا، والجملة صفة لرجل عند من لم يجوّز الابتداء بالنكرة المحضة أو خبر عند من جوّزه.

وقوله: «لزم بيته» إما خبر، أو خبر بعد خبر. «ولم يتعرّف إلى أحد من إخوانه» أي لم يصر معروفا عنده، لعدم تردّده إليه حتّى يعرفه من قولهم: إئت فلانا واستعرف إليه حتّى يعرفك، أو لم يتطلّب ما عند أحد حتّى يعرفه من قولهم: تعرّفت ما عند فلان، أي تطلّبت حتّى عرفت.


--------------------------------------------------

1. في هامش الكافي والجامع: «فى بعض النسخ: أبي ميّاح».

2. ليس في الوسائل: «فقال».


(423)

«قال: فقال: كيف يتفقّه هذا في دينه؟»

والسرّ فيه: أنّ التفقّه مطلوب من كلّ أحد وأنـّه لا يمكن إلاّ بالتعلّم، لأنّ العلم بالدين متوقّف على السماع من صاحبه وواضعه بواسطة أو بغيرها، والتعلّم لا يمكن إلاّ بالتردّد إلى من هو من أهل العلم وطول ملازمته وتكرّر مصاحبته والسؤال عنه، فمن لزم بيته وترك التردّد أورد نفسه مورد الهلاك كمريض لم يعرض مرضه على طبيب حاذق بل ذاك أشدّ؛ لأنّ طبيعة المريض قد تعالج المرض وتدفعه بخلاف طبيعة الجاهل، فإنّ آثارها وأفعالها تعاضد الجهل وتزيده.

لا يقال: هذا ينافي ما روي عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال: «يا أيها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، فطوبى لمن لزم بيته وأكل قوته وإشتغل بطاعة ربّه وبكى على خطيئة».

لأنّا نقول: المراد به المنع من الدخول في مجالس يذكر فيها عيوب الناس كما يشعر به صدر الحديث، أو المنع من التوغّل في طلب الدّنيا وزهراتها، كما يشعر به قوله: «وأكل قوته» يعني قوته المقدّر له.

أو نقول: هذا الحكم يعني المدح بلزوم البيت مختص بالعالم المستغني عن التعلّم، كما يشعر به قوله: «وإشتغل بطاعة ربّه»؛ لأنّ الاشتغال بالطاعة فرع العلم بها وبشرائطها وأحكامها.

أو نقول: المراد به الحثّ على الفرار من شرار الناس وفسّاقهم كما يشعر به قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله حين سئل عن أفضل الناس؟ قال: «رجل في شعب من الشعاب يعبد ربّه ويدع الناس من شرّه». وبالجملة كلّ من المصاحبة والمخالطة والاعتزال والمفارقة مطلوب في الجملة، والروايات فيها متكاثرة.

ولعلّ السرّ في ذلك إختلاف الحكم والمصالح بحسب الأزمان والأشخاص،


(424)

بل بحسب إختلاف حال شخص واحد بحسب الأوقات، فربّ زمان يحسن فيه الاُلفة، وفي زمان آخر يحسن فيه الفرقة، ولذلك كان الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام مع كونهم مأمورين بإرشاد الناس ربما كانوا يفارقونهم ويعتزلونهم لمصلحة، وإن شئت زيادة توضيح فارجع إلى ما ذكرنا في شرح بعض الأحاديث السابقة، فإنّا قد بسّطنا الكلام هناك بما لا مزيد عليه.[1]

قال الفيض الكاشاني:

بيان: المراد بهذا الأمر التشيّع ومعرفة حجّية أهل البيت عليهم‌السلام، وفي الحديث دلالة على أنّ إعتزال العامي الجاهل بأمر الدين لا خير له، بل هو حرام لاستلزامه فوت الفريضة الّتي هي التعلّم والتفقّه.[2]

وقال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «ولم يتعرّف» أي إعتزل الناس ولم يخالطهم أو لم يسأل عنهم.

قال الجوهري: تعرّفت ما عند فلان أي تطلّبت حتّى عرفت.[3]

الحديث 847: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و[4] عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم[5]، وإنّ أحدكم إذا غضب إحمرّت عيناه، وإنتفخت أوداجه، ودخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض، فإنّ رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك.


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 2: 22.

2. كتاب الوافي 1: 130 .

3. مرآة العقول 1: 102.

4. في الوسائل زيادة: «عن».

5. هامش الكافي والجامع: «في بعض النسخ: جوف ابن آدم».


(425)

المصادر: الكافي 2: 304، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح12، وسائل الشيعة 15: 360، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب53 ح12، جامع أحاديث الشيعة 17: 18، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب27 باب ما ورد في ذمّ الغضب لغير الله‌ و...، ح5.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

الحديث حسنٌ كالصحيح. والجمرة القطعة الملتهبة من النار شبّه بها الغضب في الإحراق والإهلاك، ونسبها إلى الشيطان؛ لأنّ بنفخ نزعاته ووساوسه تحدث وتشتدّ وتوقد في قلب ابن آدم، وتلتهب إلتهابا عظيما، ويغلي بها دم القلب غليانا شديدا كغلي الحميم، فيحدث منه دخان بتحليل الرطوبات، وينتشر في العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن والدماغ والوجه، كما يرتفع الماء والدخان في القدر، فلذلك تحمرّ العين والوجه والبشرة، وتنتفخ الأوداج والعروق، وحينئذٍ يتسلّط عليه الشيطان كمال التسلّط، ويدخل فيه ويحمله على ما يريد، فيصدر منه أفعال شبيهة بأفعال المجانين، ولزوم الأرض يشمل الجلوس والاضطجاع والسجود كما عرفت.[1]

الحديث 848: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد[2]، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: من كفّ غضبه عن الناس كفّ الله‌[3] عنه عذاب يوم القيامة.

المصادر: الكافي 2: 305، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب ح15، وسائل الشيعة 15: 361، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب53 ح13، جامع أحاديث الشيعة


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 10: 153.

2. ليس في الوسائل: «بن زياد».

3. في الجامع زيادة: «تبارك وتعالى».


(426)

17: 22، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب27 باب ما ورد في ذمّ الغضب لغير الله‌ و...، ذيل ح18.

الحديث 849: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبدالحميد، عن يحيى بن عمرو، عن عبدالله‌ بن سنان قال: قال أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: أوحى الله‌ عزّوجلّ إلى بعض أنبيائه، يا بن آدم اُذكرني في غضبك أذكرك في غضبي، لا أمحقك فيمن أمحق، وارضَ بي منتصرا، فإنّ إنتصاري لك خيرٌ من إنتصارك لنفسك.

المصادر: الكافي 2: 303، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح8، وسائل الشيعة 15: 364، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب54 ح1، جامع أحاديث الشيعة 17: 23، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب27 باب ما ورد في ذمّ الغضب لغير الله‌ و...، ح26.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «وارض بي منتصرا، فإنّ إنتصاري لك خير من إنتصارك لنفسك».

لمّا كان الغرض من إمضاء الغضب غالبا هو الانتصار أي الانتقام من الظالم رغّب في تركه بأنّه تعالى منتقم من الظالم لك، وعلّله بأنّ إنتقامه خير من إنتقامك، لأنّ انتقامه على قدر الظلم وإنتقامك قد يتعدّى. وأيضا إنتقامك قد يؤدّي إلى المفاسد الكلّية والجزئيّة بانتهاض الخصم للمعاداة، بخلاف إنتقامه تعالى.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

والمراد بذكره له تعالى ذكر قدرته سبحانه عليه وعقابه، وبذكر الله‌ له ذكر عفوه عن أخيه فيعفو عن زلاّته ومعاصيه جزاءا بما صنع.

وقوله: «لا أمحقك»، بالجزم بدل من أذكرك، والمحق هنا إبطال عمله


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 296 .


(427)

وتعذيبه، ومحو ذكره أو إحراقه. في القاموس: محقه، كمنعه أبطله، ومحاه كمحّقه فتمحّق وامتحق، وأمحق كافتعل، والله‌ الشيء: ذهب ببركته، والحرّ الشيء: أحرقه.

وفي النهاية: المحق، النقص والمحو والإبطال. والانتصار: الانتقام، ولمّا كان الغرض من إمضاء الغضب غالبا هو الانتقام من الظالم، رغّب سبحانه في تركه بأنّي منتقم من الظالم لك، وإنتقامي خير من إنتقامك.

والخيريّة من وجوه شتّى:

الأوّل: أنّ إنتقامه على قدر قدرته وإنتقامه سبحانه أشدّ وأبقى.

الثاني: أنّ إنتقامه يفوت ثوابه وإنتقامه تعالى لا يفوته.

الثالث: أنّ إنتقامه يمكن أن يتعدّى إلى ما لا يستحقّه فيعاقب عليه.

الرابع: أنّ إنتقامه يؤدّي غالبا إلى المفاسد الكليّة والجزئيّة بانتهاض الخصم للمعاداة بخلاف إنتقامه تعالى.[1]

الحديث 850: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن سيّابة بن أيّوب، ومحمّد بن الوليد، وعليّ بن أسباط يرفعونه إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال: إنّ الله‌ يعذّب الستّة بالستّة: العرب بالعصبيّة، والدهاقين بالكبر، والاُمراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجّار بالخيانة، وأهل الرساتيق بالجهل.

المصادر: الكافي 8: 162، كتاب الروضة، ح170، وسائل الشيعة 15: 372، كتاب الجهاد، أبواب جهادالنفس وما يناسبه، ب 57 ح6، جامع أحاديث الشيعة 13: 440، كتاب الجهاد، أبواب جهادالنفس وتهذيبها و...، ب23 باب تحريم التعصب والحميّة على غير الحق و...، ح6.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 10: 151 .


(428)

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «إنّ الله‌ تعالى يعذّب الستّة بالستّة» أي ستّة أصناف بستّة أوصاف واحدا بواحد «العرب بالعصبيّة» قيل: العصبيّة من لوازم الكبر وكانت حقيقتها تعود إلى العصب عن تصور المؤذي مع الترفّع على فاعله، واعتقاد الشرف عليه، وكانوا قبائل متعدّدة، وكان الرجل يخرج من منازل قبيلة فيمرّ بمنازل قبيلة اُخرى، فيقع أدنى مكروه من أحدهم فينسب إليه وإلى قبيلته ما لا يليق، فينادي هذا نداء عاليا يا آل فلان فيثور عليه فسّاق القبيلة ويضربونه، فمضى هو إلى قبيلته، ويستصرخ بها يقصد به الفتنة وإثارة الشرّ، فتسلّ بينهم السيوف وتثور الفتنة ويُقتل جمٌّ غفير، ولا يكون لها أصل في الحقيقة ولا سبب يعرف.

«والدهاقين بالكبر» قيل: دهقان: معرّب دهبان، وفي المغرب الدهقان: معرّب يطلق على رئيس القرية وعلى التاجر، وعلى من له مال وعقار، وداله مكسورة، وفي لغة تضمّ، والجمع دهاقين ودهقن الرجل وتدهقن: كثر ماله.

«والاُمراء بالجور» الاُمراء لمشاهدة قوّتهم الفانية في نفوسهم الخسيسة المائلة عن الحقّ، كثيرا ما يجورون الضعفاء، والعجزة ويظلمونهم في النفس والمال والعرض، والله‌ يعذّبهم وينتقم منهم.

«والفقهاء بالحسد» الحسد وهو: تمنّي رجل زوال نعمة الغير بالوُصول إليه أو مطلقا، وإن كان قد يتحقّق في غير الفقهاء أيضا إلاّ أنّه في الفقهاء أكثر وأقبح، أمّا أنّه أكثر، فلأنّ المحسود به هنا وهو الكمال والشرف أعظم وهو أولى بالحسد من المال فيكون أكثر، وأمّا أنّه أقبح، فلأنّ العالم الفقيه أعلم بقبح الحسد من غيره فالحسد منه أقبح، وإذا كان كذلك فهو أولى بالتعذيب لأجل الحسد من غيره. «والتجّار بالخيانة» في كنز اللّغة: «خيانت با كسى دغلى وناراستى كردن» وهي وإن كانت توجد في غير التجّار أيضا لكنّها فيهم أكثر كما ورد «ألا إنّ التجّار


(429)

فجّار، والفجّار في النار» فهم أولى وأقدم بالتعذيب من غيرهم لأجلها.

«وأهل الرساتيق بالجهل» في المصباح الرستاق: معرّب ويستعمل في الناحية الّتي هي طرف الإقليم والرزداق مثله، والجمع رساتيق ورزاديق، وقال بعضهم: الرستاق، وصوابه رزدان.

والمراد بالجهل: الجهل بالأحكام الشرعيّة، سيّما الواجبات العينيّة، فإنّه فيهم أظهر وأكثر وأشدّ من السواد الأعظم، وهذه الفقرات في اللفظ إخبارٌ ووعيد، وفي المعنى أمر لكلّ صنف بترك ما تلبس به من المعصية.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «بالعصبيّة» أي التعصّب بالباطل.[2]

الحديث 851: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبدالحميد، عن يحيى بن عمرو، عن عبدالله‌ بن سنان، قال: قال أبو عبدالله‌[3] عليه‌السلام: أوحى الله‌ عزّوجلّ إلى بعض أنبيائه: الخلق السيّئيفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل.

المصادر: الكافي 2: 322، كتاب الإيمان والكفر، باب سوء الخلق، ح5، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 2: 37، ب31، باب فيما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار المجموعة، ح96، وسائل الشيعة 16: 28، كتاب جهاد النفس ومايناسبه، أبواب جهاد النفس، ب69 ح5، وأورده في الحديث 18 من الباب 104 من أبواب العشرة، جامع أحاديث الشيعة 13: 510، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب32، باب ما ورد في ذمّ سوء الخلق و...، ح3.

الحديث 852: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن صفوان، عن عيص بن القاسم، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: إنّ أبغض خلق الله‌ عبد إتّقى النّاس لسانه.


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 12: 178.

2. مرآة العقول 26: 27.

3. في الوسائل والجامع: «عن أبي عبد الله‌» بدل «قال: قال أبو عبد الله‌».


(430)

المصادر: الكافي 2: 322، كتاب الإيمان والكفر، باب السفه، ح4، وسائل الشيعة 16: 30، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب70 ح6، جامع أحاديث الشيعة 13: 433، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب21، باب تحريم السبّ والفحش والبذاء و...، ح23.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

وكأنـّه بالبابين الآتيين لا سيّما الثاني أنسب، وإنّما ذكره هنا؛ لأنّ مبدأ ذلك السّفه.[1]

الحديث 853: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن إبن رئاب، عن أبي حمزة، عن جابر بن عبدالله‌ قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: شرّ الناس يوم القيامة الذين يكرمون إتّقاء شرّهم.

المصادر: الكافي 2: 327، كتاب الإيمان والكفر، باب من يتّقى شرّه، ح4، وسائل الشيعة 16: 31، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب70 ح7، جامع أحاديث الشيعة 13: 397، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب13، باب ما ورد في أوصاف شرار النّاس، ح9.

الحديث 854: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن إبن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: البذاء من الجفاء، والجفاء في النّار.

المصادر: الكافي 2: 325، كتاب الإيمان والكفر، باب البذاء، ح9، وسائل الشيعة 16: 35، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب72 ح3، جامع أحاديث الشيعة 13: 434، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب21، باب تحريم السبّ والفحش والبذاء و...، ح31.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 10: 269.


(431)

الشرح: قال المازندراني:

قوله «البذاء من الجفاء» «من» إمّا تبعيضية أو إبتدائية، أي: البذاء ناش من الجفاء، والجفاء في الأصل الجهل، ثمّ اُطلق على الغلظة والفظاظة والإعراض عن الحقّ وطرده.[1]

قال الفيض الكاشاني:

بيان: «الجفاء» الغلظ في العشرة، والخرق في المعاملة وترك الرفق.[2]

قال العلاّمة المجلسي:

الحديث صحيح عندي.

وفي الصحّاح: الجفاء ممدود خلاف البرّ، وفي القاموس: رجل جافي الخلقة كزّ غليظ، انتهى.

والحاصل: أنّ البذى والفحش في القول من الجفا، أي خلاف الآداب أو خلاف البرّ والصّلة. و«من» إمّا للتبعيض أو الإبتداء، أي ناش من الجفاء وغلظة الطّبع والإعراض عن الحقّ.

«والجفاء في النّار» أي يوجب إستحقاق النّار، وروي في الشّهاب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: البذاء من الجفاء.

وقال الراوندي رحمه‌الله في الضوء: البذاء الفحش وخبث اللّسان، وقد بذؤ الرجل يبذؤ بذوا، وأصله بذاوة، فحذفت الهاء، كما قالوا جمل جمالاً، وفلان بذيّ اللّسان، وإمرأة بذيّة.

والجفاء ضدّ البرّ، وأصله من البعد، يقول صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: إنّ الإفحاش وإسماع المكروه والإجراء إلى أعراض النّاس بقبيح المقال من الجفاء المولم، وما كلّ جفاء بضمّ


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 342 .

2. كتاب الوافي 5: 955.


(432)

الجيوب وإيلام الجنوب، فربما كان جفاء اللّسان أوجع ومضضه أفجع.

وقد قيل:

جراحات السّيوف لها التيام

ولا يلتام ما جرح اللّسان

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: الحياء من الإيمان والإيمان في الجنّة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النّار.

وفائدة الحديث الأمر بحفظ اللّسان، والنّهي عن التسرّع إلى أعراض النّاس، وبيان أنّ الكلام في ذلك نظير الكلام، ويوشك أن يثبت إسمه في ديوان الجفاة.[1]

الحديث 855: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن إبن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله[2]: إنّ أعجل الشرّ عقوبة البغي.

المصادر: الكافي 2: 327، كتاب الإيمان والكفر، باب البغي، ح1، وسائل الشيعة 16: 39، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب74 ح4، جامع أحاديث الشيعة 13: 409، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب17، باب تحريم البغي والظلم والركون إلى الظالم وعلامته، ح4.

الشرح: قال المازندراني:

قوله «قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: إنّ أعجل الشرّ عقوبة البغي» بغى في مشيته إختال، وبغى على النّاس ظلم وإعتدى، وعدل عن الحقّ وإستطال وكذب وافترى، وهو باغ. والجمع بغاة، وبغى سعى في الفساد، ومنه الفرقة الباغية؛ لأنّها عدلت عن القصد.

وبغت المرأة تبغي بغاء، وبالكسر والمدّ: فجرت وزنت فهي بغيّ، والجمع


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 10: 276.

2. ليس في الوسائل: «قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله».


(433)

البغايا، وهو وصف مختصّ بالمرأة، فلا يقال للرّجل بغيّ.

قال الأزهري: وقال بعضهم: البغي طلب تجاوز الإقتصاد، وهو على ضربين: محمود: وهو تجاوز العدل إلى الإحسان، والفرض إلى التطوّع.

ومذموم: وهو تجاوز الحقّ إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشبه، كما ورد: الحقّ بيّن والباطل بيّن، وبين ذلك أُمور مشتبهات ومن رتع حول الحمى، أو شك أن يقع فيه، والثاني هو المعروف عند الإطلاق بين أرباب الأحاديث، وممّا يدلّ على تعجيل عقوبته ما روي عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله‌ لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم، إنّ الباطل كان زهوقا»، وما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام: «من سلّ سيف البغي قتل به»، وسرّ ذلك أنّ الناس لا يتركونه بل ينالونه بمثل ما نالهم، أو بأشدّ وتلك عقوبة حاضرة جلبها إلى نفسه من وجوهٍ متكثّرة.[1]

الحديث 856: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه[2]؛ وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: إنّ أسرع الخير ثوابا البرّ، وإن أسرع الشرّ عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه، أو يعيّر الناس بما لا يستطيع تركه، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

المصادر: الكافي 2: 459، كتاب الإيمان والكفر، باب من يعيب النّاس، ح1، وسائل الشيعة 16: 39، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب74 ح5، جامع أحاديث الشيعة 13: 409، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب17، باب تحريم البغي والظلم و...، ح6.


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 346، وراجع كتاب الوافي 5: 883، ومرآة العقول 10: 282.

2. في الوسائل زيادة: «جميعا».


(434)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

الحديث حسن كالصحيح.

والظّاهر أنّ المراد بالبرّ الإحسان إلى الغير، وقد يطلق على مطلق أعمال الخير، وبالبغي الظلم والتطاول على النّاس، وقد يطلق على الزّنا، والظاهر هنا الأوّل.

ويحتمل أن يكون المراد الخروج على الإمام، وسرعة الثّواب والعقاب فيهما بإعتبار أنّ نفع الأوّل وضرر الثاني يلحقهم في الدّنيا.

و«عيبا» تميز، وتعدية العمى بـ «عن» كأنّه لتضمين معنى التغافل والإعراض، والتعدية بـ «على»، كما في سائر الأخبار أظهر وأشهر، كقوله تعالى: «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ»[1] وعلى ما هنا المستتر في «يعمى» راجع إلى المرء، والبارز في «عنه» إلى الموُصول، وعلى ما في سائر الروايات بالعكس، وكأنّ نسبة العمى إلى الأمر والنبأ من قبيل المجاز في الإسناد.

وقال الجوهري: العمى ذهاب البصر، وقد عمي فهو أعمى، وتعامى الرجل أرى من نفسه ذلك، وعمي عليه الأمر إذا إلتبس، ومنه قوله: «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ»[2] ورجل عمى القلب، أي جاهل، إنتهى.

«أو يعيّر الناس» إعلم أنّ تعيير الغير من أعظم العيوب، ويوجب إبتلائه بذلك العيب، كما مرّ في الأخبار، فينبغي أن يرجع إلى نفسه، فإن وجد فيها عيبا إشتغل به وبإصلاحه ورفعه، ولا يترك نفسه ويذمّ غيره، وإن عجز عن إصلاحه فينبغي أن يعذر غيره، وإن لم يجد في نفسه عيبا فهو من أعظم عيوبه، فإنّ تبرئة النّفس من العيب جهل، وهو ينشأ من عمى القلب، قال تعالى حاكيا عن يوسف الصّديق:


--------------------------------------------------

1. القصص 28: 66.

2. القصص 28: 66 .


(435)

«وَ مَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّى»[1]

ثمّ الظاهر أنّ المراد بما يعمى عنه من نفسه وما لا يستطيع تركه أعمّ من أن يكون من جنس ما في الغير أو لم يكن، مع إحتمال المماثلة، وعلى التقديرين لا ينبغي أن يعيب صاحبه؛ لأنّ عيبه إمّا أن يكون مثل عيب صاحبه، أو أكبر منه، أو أصغر، فإن كان أحد الأوّلين فينبغي أن يكون له في عيبه لنفسه شغل عن عيب صاحبه، وإن كان الأخير فيضيف إلى عيبه الأصغر عيبا آخر أكبر وهو التعيير والغيبة، وما كان المراد بعدم الإستطاعة هنا ما يصعب عليه تركه، ولذلك لا يتركه لا أنّه ليس له قدرة على الترك أصلاً، فإنّه حينئذٍ لا يكون مكلّفا به.

«أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه» أي لا يهمّه ولا ينفعه، والضمير المنصُوب إمّا راجع إلى المرء أو الجليس، والأوّل أظهر، أي يؤذيه بشيء لا فائدة له فيه، فإنّ هذا أشدّ وأقبح، أو لا فائدة للجليس فيه، فإنّه إن كان لنفعه كالنّهي عن المنكر، أو الأمر بالخيرات فهو حسنٌ، ويحتمل أن يكون المراد كثرة الكلام بما ليس فيه طائل، فإنّ ذلك يؤذي الجليس العاقل.

قال في النهاية: يقال هذا الأمر لا يعنيني، أي لا يشغلني ويهمّني، ومنه الحديث «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، أي ما لا يهمّه.[2]

الحديث 857: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله[3]: من خاف القصاص كفّ عن ظلم النّاس.

المصادر: الكافي 2: 335، كتاب الإيمان والكفر، باب الظلم، ح23، وسائل الشيعة 16:


--------------------------------------------------

1. يوسف 12: 53 .

2. مرآة العقول 11: 380.

3. في الوسائل: «قال امير المؤمنين عليه‌السلام» بدل «قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله».


(436)

48، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب77 ذيل ح7، جامع أحاديث الشيعة 13: 413، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب17، باب تحريم البغي والظلم و...، ح27.

الحديث 858: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبدالله‌ بن عبدالرحمن الأصمّ، عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: قال لي أبو الحسن عليه‌السلام: اتّق المرتقى السهل إذا كان منحدره وعرا.

قال: وكان أبو عبدالله‌ عليه‌السلام[1] يقول: لا تدع النّفس وهواها، فإنّ هواها [في] رداها، وترك النفس وما تهوى أذاها، وكفّ النفس عمّا تهوى دواها.[2]

المصادر: الكافي 2: 336، كتاب الإيمان والكفر، باب اتباع الهوى، ح4، وسائل الشيعة 16: 58، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب81 ح3، جامع أحاديث الشيعة 13: 251، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها، و...، ب1، باب وجوب جهاد النفس ومخالفة الهوى، ح36.

الشرح: قال المازندراني:

قوله (اتّق المرتقى السهل إذا كان منحدره وعرا) المرقى والمرتقى والمرقاة موضع الرقي والصّعود من رقيت السلّم والسطح والجبل علوته.

والمنحدر والحدور ـ وزان رسول ـ المكان الّذي ينحدر منه، أي ينزل من الإنحدار، وهو النّزول، تقول: حدرت الشيء حدورا، من باب قعد، فانحدر أي أنزلته فنزل.

والوعر: الصعب وزنا ومعنى، وهذا الكلام البليغ تمثيل لمتابعة النفس في أهوائها، والترقي من بعضها إلى بعض وإن كانت صغائر وسهولة ذلك عليها،


--------------------------------------------------

1. ليس في الوسائل: «ابو عبد الله‌».

2. في الوسائل: «دواؤها» بدل «دواها».


(437)

وصعوبة عاقبتها، والخروج من عهدتها، وأولها بالآخرة إلى الهلاك بمن يصعد الجبل، ويسهل عليه الصعود ثمّ يصعب عليه النزول بل قد يهلك، والغرض أيضا حينئذٍ سوء العاقبة.

قوله (لا تدع النّفس وهواها فإنّ هواها [في] رداها، وترك النفس وما تهوى أذاها، وكفّ النفس عمّا تهوى دواها) النفس مائلة إلى هواها، وهي منافع حاضرة ولذّات ظاهرة تقتضيها القوّتان الشهويّة والغضبيّة مثل الشره والحرص، وحبّ المال والجاه والرئاسة، والغلبة والنهب والفخر والكبر إلى غير ذلك من الأخلاق الذّميمة والأعمال القبيحة، وهي وإن كانت لذّات بحسب الظّاهر، لكنّها حيّات مؤذية وأمراض رديّة مهلكة بحسب الباطن، وحجبٌ مانعة للنفس ممّا هو المقصود منها، وهو إتّصافها بالصفات الملكيّة، والأخلاق الرّوحانية، والأعمال الحسنة الجسمانيّة، وسيرها إلى الحضرة الربوبيّة، ومشاهدتها جمال الأسرار الإلهيّة.

ودواء تلك الأمراض كفّ النّفس عنها بالمعالجة المقرّرة عند أطبّاء النفوس، بأن يدفع كلّ صفة من الصفات الذميمة، وكلّ عمل من الأعمال القبيحة بتحصيل ضدّها، ولا يمكن ذلك إلاّ بالعلم المحيط بالمضارّ والمنافع، والصبر على الشدائد، وكسر القوّتين المذكورتين، وإعطاء كلّ واحدة منهما ما هو المجوّز لها عقلاً وشرعا، فإذا تحقّقت هذه المعالجة صحّت هاتان القوّتان، وصحّت بصحّتهما سائر القوى والأعضاء، واشتغل كلّ شيء بما هو المقصود منه، وتمّت إمارة النفس في هذا البدن ووصلت إلى سعادتها الأبديّة، وهي التقرّب إلى الحضرة الربوبيّة.[1]


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 370 .


(438)

قال الفيض الكاشاني:

بيان: «الوعر» ضدّ السهل، ولعلّ المراد بصدر الحديث النهي عن طلب الجاه والرئاسة، وسائر شهوات الدّنيا ومرتفعاتها، فإنّها وإن كانت مواتيةً على اليسر والخفض إلاّ أنّ عاقبتها عاقبة سوء، والتخلّص من غوائلها وتبعاتها في غاية الصّعوبة، أعاذنا الله‌ وسائر المؤمنين من شرور الدّنيا وغرورها.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

«اتّق المرتقى السّهل» الخ، المرقى والمرتقى والمرقاة، موضع الرقي والصّعود من رقيت السلّم والسطح والجبل علوته، والمنحدر الموضع الّذي ينحدر منه أي ينزل، من الإنحدار وهو النزول. والوعر ضدّ السهل، قال الجوهري: جبل وعر بالتسكين، ومطلب وعر. قال الأصمعي: ولا تقل وعر.

أقول: ولعلّ المراد به النهي عن طلب الجاه والرئاسة وسائر شهوات الدّنيا ومرتفعاتها، فإنّها وإن كانت مواتية على اليسر والخفض إلاّ أنّ عاقبتها عاقبة سوء، والتخلّص من غوائلها وتبعاتها في غاية الصّعوبة.

والحاصل: أنّ متابعة النفس في أهوائها والترقي من بعضها إلى بعض، وإن كانت كلّ واحدة منها في نظره حقيرة، وتحصل له بسهولة، لكن عند الموت يصعب عليه ترك جميعها، والمحاسبة عليها، فهو كمن صعد جبلا بحيل شتّى، فإذا إنتهى إلى ذروته تحيّر في تدبير النّزول عنها.

وأيضا تلك المنازل الدنيّة تحصل له في الدّنيا بالتدريج، وعندالموت لابدّ من تركها دفعة، ولذا تشقّ عليه سكرات الموت بقطع تلك العلائق، فهو كمن صعد سلّما درجة درجة ثمّ سقط في آخر درجة منه دفعة، فكلّما كانت الدرجات في الصّعود أكثر كان السقوط منها أشدّ ضررا، وأعظم خطرا، فلابدّ للعاقل أن يتفكّر


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 5: 903 .


(439)

عند الصعود على درجات الدّنيا في شدّة النزول عنها فلا يرقى كثيرا، ويكتفي بقدر الضرورة والحاجة، فهذا التشبيه البليغ على كلّ من الوجهين من أبلغ الإستعارات وأحسن التشبيهات.

وفي بعض النسخ: إتّقي بالياء، وكأنّه من تصحيف النّساخ، ولذا قرء بعض الشارحين أتقى بصيغة التفضيل على البناء للمفعول، وقرأ السّهل مرفوعا ليكون خبرا للمبتداء وهو أتقى، أو يكون أتّقي بتشديد التّاء بصيغة المتكلّم من باب الإفتعال. فالسّهل منصوب صفة للمرتقى، وكلّ منهما لا يخلو من بُعد.

«لا تدع النفس وهواها» أي لا تتركها مع هواها وما تهواه وتحبّه من الشهوات المردية، «فإنّ هواها في رداها» أي هلاكها في الآخرة بالهلاك المعنويّ.

في القاموس: ردى في البئر: سقط كتردّى، وأرداه غيره، وردّاه، وردي كرضي، ردى هلك، وأرداه، ورجل رد: ها لك.

قوله عليه‌السلام: أذاها، الأذى ما يؤذي الإنسان من مرض أو مكروه، والشيء القذر، وفي بعض النسخ داؤها، أي مرضها، وهو أنسب، بقوله: دواءها لفظا ومعنى.

في القاموس: الدّواء مثلّثة ما داويت به، وبالقصر، المرض.[1]

الحديث 859: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: إنّ الله‌ عزّوجلّ يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالّته إذا وجدها.

المصادر: الكافي 2: 436، كتاب الإيمان والكفر، باب التوبة، ح13، وسائل الشيعة 16: 73، كتاب جهاد النّفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب86 ح7، جامع أحاديث الشيعة 18: 150، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب77 باب وجوب التوبة من الذنوب و...، ح12.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 10: 316.


(440)

الحديث 860: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و[1] عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن بعض أصحابه قال: سئل أبو عبدالله‌ عليه‌السلام عن الاستدراج؟ فقال: هو العبد يذنب الذّنب فيملي له ويجدّد له عندها النعم فتلهيه[2] عن الإستغفار من الذّنوب[3] فهو مستدرج من حيث لا يعلم.

المصادر: الكافي 2: 452، كتاب الإيمان والكفر، باب الإستدراج، ح2، وسائل الشيعة 16: 82، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب90 ح4. جامع أحاديث الشيعة 18: 206، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب85، باب أنّ المؤمن يذكر ذنبه فيستغفر الله‌ فيغفر له و...، ح8.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: (فقال هو العبد يذنب الذنب فيملي له) الإملاء الإمهال.

قال الله‌ تعالى: «وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ»[4] واشتقاقه من أمليت بمعنى أمهلت، وأخّرت، وأطلت له مدّة وزمانا، والإملاء أعظم الإبتلاء؛ إذ بسببه يصدر عن المبتلى جرائم غير محصورة، ومعاصي غير معدودة.[5]

وقال العلاّمة المجلسي:

«هو العبد» أي حال العبد، والإملاء: الإمهال، قال تعالى: «وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ».

وقال في مجمع البيان في قوله تعالى: «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ»[6]


--------------------------------------------------

1. في الوسائل زيادة: «عن».

2. في الوسائل: «فيلهيه» بدل «فتلهيه».

3. ليس في الوسائل: «من الذنوب»، وفي الجامع: «الذنب» بدل «الذنوب».

4. القلم: 68: 45.

5. شرح اُصول الكافي 10: 180.

6. الأعراف 7: 182.


(441)

أي إلى الهلكة حتّى يقعوا فيه بغتة.

وقيل: يجوز أن يريد عذاب الآخرة، أي نقرّبهم إليه درجة درجة حتّى يقعوا فيه.

وقيل: هو من المدرجة، وهي الطريق، ودرج أي مشى سريعا، أي سنأخذهم من حيث لا يعلمون أيّ طريق سلكوا، فإنّ الطرق كلّها عليّ، ومرجع الجميع إليّ، ولا يغلبني غالب، ولا يسبقني سابق، ولا يفوتني هارب.

وقيل: إنّه من الدّرج، أي سنطويهم في الهلاك ونرفهم عن وجه الأرض، يقال: طويت أمر فلان إذا تركته وهجرته.

وقيل: معناه كلّما جدّدوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة، ولا يصحّ قول من قال: إنّ معناه يستدرجهم إلى الكفر والضّلال؛ لأنّ الآية وردت في الكفّار، وتضمّنت أنّه يستدرجهم في المستقبل، لأنّ السّين يختصّ المستقبل، ولأنّه جعل الإستدراج جزاءا على كفرهم وعقوبة، فلابدّ أن يريد معنى آخر غير الكفر.

وقال: «واُملي لهم» معناه واُمهلهم ولا اُعاجلهم بالعقوبة فإنّهم لا يفوتوني، ولا يفوتني عذابهم، «إنّ كيدي متين» أي عذابي قويّ منيع لا يدفعه دافع، وسمّاه كيدا؛ لنزوله بهم من حيث لا يشعرون. وقيل: أراد أنّ جزاء كيدهم متين.[1]

الحديث 861: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد؛ و[2] عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب[3] قال: سألت أبا عبدالله‌ عليه‌السلام[4] عن قول الله‌ عزّوجلّ: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ»[5] أرأيت


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 11: 353، وراجع كتاب الوافي 5: 1043 .

2. في الوسائل زيادة: «عن».

3. في الوسائل: «ابن رئاب» بدل «عليّ بن رئاب».

4. في الوسائل: «عن أبي عبد الله‌» بدل «قال: سألت أبا عبد الله‌».

5. الشورى 42: 30 .


(442)

ما أصاب عليّا وأهل بيته عليهم‌السلام من بعده هو بما كسبت أيديهم وهُم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: إنّ رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله كان يتوب إلى الله‌ ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة مرّة من غير ذنب، إنّ الله‌ يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب.

المصادر: الكافي 2: 450، كتاب الإيمان والكفر، باب نادر أيضا، ح2، وأورد ذيله في وسائل الشيعة 16: 85، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب92 ح5، جامع أحاديث الشيعة 18: 208، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب86، باب إستحباب تكرار التوبة و...، ح3.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

الحديث حسن كالصحيح، بل أعلى من الصحيح[1].

والجمع بين المائة والسّبعين أنّه قد كان يفعل هكذا، وقد كان يفعل هكذا. وقيل: المراد بالسبعين العدد الكثير،كما قيل في قوله تعالى: «إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً»[2] أو كان يفعل الثلثين في اللّيل.[3]

الحديث 862: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و[4] عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام[5] قال: كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام يقول: إنّما الدّهر ثلاثة أيّام أنت فيما بينهنّ، مضى أمس بما فيه فلا يرجع أبدا، فإن كنت عملت


--------------------------------------------------

1. ويلاحظ ان الحديث الذي في سنده سهل بن زياد يعبّر عنه العلامة المجلسي بأنّه أعلى من الصحيح.

2. الحديد 57: 22.

3. مرآة العقول 11: 347 .

4. في الوسائل زيادة: «عن».

5. في الوسائل: «عليه السلام» بدل «عليهما السلام».


(443)

فيه خيرا لم تحزن لذهابه، وفرحت بما إستقبلته[1] منه، وإن كنت قد[2] فرّطت فيه فحسرتك شديدة لذهابه وتفريطك فيه، وأنت في يومك الّذي أصبحت فيه[3] من غد في غرّة، ولا تدري لعلّك لا تبلغه، وإن بلغته لعلّ حظّك فيه في التفريط مثل حظّك في الأمس الماضي عنك.

فيوم من الثلاثة قد مضى أنت فيه مفرّط، ويوم تنتظره لست أنت منه على يقين من ترك التفريط، وإنّما هو يومك الّذي أصبحت فيه.

وقد ينبغي لك إن عقلت وفكّرت فيما فرّطت في الأمس الماضي ممّا فاتك فيه من حسنات أن لا تكون اكتسبتها، ومن سيئات أن لا تكون أقصرت عنها، وأنت مع هذا مع إستقبال غد على غير ثقة من أن تبلغه، وعلى غير يقين من إكتساب حسنة، أو مرتدع عن سيّئة محبطة، فأنت من يومك الّذي تستقبل على مثل يومك الّذي إستدبرت، فاعمل عمل رجل ليس يأمل من الأيّام إلاّ يومه الّذي أصبح فيه وليلته، فأعمل أودع والله‌ المعين على ذلك.

المصادر: الكافي 2: 453، كتاب الإيمان والكفر، باب محاسبة العمل، ح1، وأورد شطرات من الحديث في وسائل الشيعة 16: 92، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب95 ح1، جامع أحاديث الشيعة 13: 260، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وتهذيبها و...، ب2 باب ماورد في ذمّ النفس وتأديبها و...، ح23.

الشرح: قال المازندراني:

قوله (قال: كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول: إنّما الدّهر ثلاثة أيّام أنت فيما بينهنّ) هي اليوم الّذي أصبحت فيه، وهو يومك الّذي ينبغي لك أن تعمل فيه، واليوم الّذي


--------------------------------------------------

1. في بعض النسخ: [اسلفته] هامش الكافي.

2. ليس في الوسائل: «قد».

3. ليس في الوسائل: «في يومك الّذي أصبحت فيه».


(444)

قبل هذا اليوم، وهو يشمل كلّ يوم قبله، وهو المراد بالأمس الماضي لا خصوص يوم واحد قبله، واليوم الآتي بعد هذا اليوم كذلك، وهو المراد بالمستقبل (مضى أمس بما فيه فلا يرجع أبدا فإن كنت عملت فيه خيرا لم تحزن لذهابه، وفرحت بما استقبلته منه ـ الخ).

يتحقّق الفرح والحسرة بالعمل والتفريط، ويتّضح حقّ الوضوح وقت كشف الأستار، وهو وقت الموت وما بعده، وبالجملة الحسرة هي الحزن بفوات المحبوب، والفرح هو السرور بحصوله، وأحبّ الأشياء هو أنفعها، وأنفعها عند المؤمن هو الطّاعات والخيرات؛ لأنّها معه دائما وثوابها يعود إليه أبدا، فإذا أتى بها فرح ويزداد الفرح عند كشف الغطاء، وإذا فرّط فيها مع علمه بقدرها ومنافعها إشتدّت حسرته؛ لذهاب وقتها وحرمانه عن منافعها. وفيه تحريص على محافظتها واداءها في أوقاتها، ورعاية حقوقها.

(وأنت في يومك الّذي أصبحت فيه من غد في غرّة) من للإبتداء.

والغد أوّل النّهار، والغرّة بالكسر الغفلة، أي أنت في اليوم الّذي أصبحت فيه في غفلة من غد لا تدري تبلغه أم لا؟ وعلى تقدير البلوغ لا تدري ما حظّك فيه، فاغتنم الوقت الّذي أنت فيه كما أشار إليه بقوله (وإنّما هو يومك الّذي أصبحت فيه) الضمير راجع إلى الدّهر، أو إلى اليوم على إحتمال.

وفيه ترغيب في حفظ النّفس فيه عن الأعمال الفاسدة، وحبسها على الأعمال الصالحة كما أشار إليه بقوله: (وقد ينبغي لك إن عقلت وفكّرت فيما فرّطت ـ إلى آخره). والظاهر أنّ مضمون الشرط والجزاء وهو «فاعمل عمل رجل» فاعل ينبغي يعني: ينبغي لك التفكّر فيما فرّطت في الماضي بترك الحسنات وفعل السيئات مع عدم الوثوق بإدراك المستقبل، وعدم اليقين بفعل الحسنة وترك السيّئة فيه على تقدير إدراكه، فإنّ هذا يوجب العمل في يومك الّذي أصبحت فيه


(445)

تداركا لما فات، وتلافيا لما هو آت.

وأنت أيّها اللّبيب إذا اعتبرت وتفكّرت فيما ذكر بعين البصيرة، وتيقّنت أنّك قد سهوت في صرف ما مضى من عمرك في قنيات الدّنيا وشهوات النفس حفظت ما بقي من عمرك في صرفه في الفاسد المفسد.

ولا يخفى أنّ ذلك يحصل للمستيقظ الناظر إلى النّفس في جميع حركاتها وسكناتها المتمسّك بذيل العناية الأزليّة، وحبل رجائها، العارف بأنّ عمره في هذا اليوم رأس ماله، وهو ينقص وينقضي بالتدريج، وربحه فيه ذكر الحقّ بأنحاء الطّاعات وأنواع العبادات، فيحذر أن يفوته الرّبح ورأس المال جميعا، والله‌ وليّ التوفيق.[1]

الحديث 863: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، و[2] عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر؛ والحسن بن عليّ جميعا، عن أبي جميلة مفضّل بن صالح[3]، عن جابر، عن عبدالأعلى، و[4] عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن إبراهيم، عن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة قال: قال أميرالمؤمنين صلوات الله‌ عليه: إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدّنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة مثّل له ماله وولده وعمله، فيلتفت إلى ماله فيقول: والله‌ إنّي كنت عليك حريصا شحيحا، فما لي عندك؟ فيقول: خُذ منّي كفنك، قال: فيلتفت إلى ولده فيقول: والله‌ إني كنت لك[5] محبّا وإنّي كنت عليكم محاميا فماذا لي عندكم؟


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 10: 180، وراجع كتاب الوافي 4: 318، ومرآة العقول 11: 355.

2. في الوسائل زيادة: «عن».

3. ليس في الوسائل: «مفضّل بن صالح».

4. في الوسائل زيادة: «عن».

5. في الوسائل: «لكم» بدل «لك».


(446)

فيقولون: نؤدّيك إلى حفرتك نواريك فيها، قال: فيلتفت إلى عمله فيقول: والله‌ إنّي كنت فيك لزاهدا، وإن كنت عليّ لثقيلاً،[1] فماذا[2] عندك؟[3] فيقول: أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك حتّى أعرض أنا وأنت على ربّك.

قال: فإن كان لله‌ وليّا أتاه أطيب الناس ريحا، واحسنهم منظرا، واحسنهم رياشا، فقال: أبشر بروح وريحان وجنّة نعيم، ومقدمك خير مقدم.

فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح إرتحل من الدّنيا إلى الجنّة، وإنّه ليعرف غاسله، ويناشد حامله أن يعجّله، فإذ اُدخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان أشعارهما ويخدّان الأرض بأقدامهما، أصواتهما كالرّعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، فيقولان له: من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول: الله‌ ربيّ، وديني الإسلام، ونبييّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، فيقولان له: ثبّتك الله‌ فيما تحبّ وترضى؛ وهو قول الله‌ عزّوجلّ: «يُثَبِّتُ الله‌ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الاْخِرَةِ»[4].

ثمّ يفسحان له في قبره مدّ بصره، ثمّ يفتحان[5] له بابا إلى الجنّة، ثمّ يقولان له: نم قرير العين، نوم الشابّ النّاعم، فإنّ الله‌ عزّوجلّ يقول: «أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً»[6].

قال: وإن كان لربّه عدوّا فإنّه يأتيه أقبح من خلق الله‌ زيّا ورؤيا وأنته[7] ريحا


--------------------------------------------------

1. في الوسائل: «وإن كنت لثقيلا» بدل «وإن كنت عليّ لثقيلا»

2. في الجامع زيادة: «لي».

3. ليس في الوسائل: «فماذا عندك؟».

4. إبراهيم 14: 26.

5. في الجامع: «يفسحان» بدل «يفتحان».

6. الفرقان 25: 26.

7. في الجامع: «أنتنه» بدل «أنته».


(447)

فيقول له: أبشر بنزل من حميم وتصلية جحيم، وإنّه ليعرف غاسله، ويناشد حملته أن يحبسوه، فإذا اُدخل القبر أتاه ممتحنا القبر فألقيا عنه أكفانه، ثمّ يقولان له: من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول: لا أدري، فيقولان: لادريت ولا هديت، فيضربان يا فوخه بمرزبة معهما ضربة ما خلق الله‌ عزّوجلّ من دابّة إلاّ وتذعر لها ما خلا الثقلين، ثمّ يفتحان له بابا إلى النّار، ثمّ يقولان له: نم بشرّ حال فيه من الضيق مثل ما فيه القنا من الزّج حتّى أنّ دماغه ليخرج من بين ظفره ولحمه ويسلّط الله‌ عليه حيّات الأرض وعقاربها، وهوامّها فتنهشه حتّى يبعثه الله‌ من قبره وإنّه ليتمنّى قيام الساعة فيما هو فيه من الشرّ.

وقال جابر: قال أبو جعفر عليه‌السلام، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: إنّي كنت أنظر إلى الإبل والغنم وأنا ارعاها وليس من نبيّ إلاّ وقد رعى الغنم، وكنت أنظر إليها قبل النبوّة، وهي متمكّنة في المكينة ما حولها شيء يهيّجها حتّى تذعر فتطير، فأقول: ما هذا؟ وأعجب حتّى حدّثني جبرئيل عليه‌السلام أنّ الكافر يضرب ضربة ما خلق الله‌ شيئا إلاّ سمعها، ويذعر لها إلاّ الثقلين، فقلت: ذلك لضربة الكافر، فنعوذ بالله‌ من عذاب القبر.

المصادر: الكافي 3: 231، كتاب الجنائز، باب إنّ الميّت يمثّل له ماله وولده وعمله قبل موته، ح1، وأورد صدره في وسائل الشيعة 16: 105، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النّفس وما يناسبه، ب100، ح1، جامع أحاديث الشيعة 17: 240، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبها و...، ب46، باب ما ورد في أنّ ما ينفع الناس بعد الموت هو العمل الصالح، ح1، «ليس فيه الشطر الآخر من الحديث».

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «مثّل له» أي صوّر له كلّ من الثلاثة كصورة مثاليّة يخاطبها وتخاطبه، أو شبّه حاله بحال من كان كذلك في تحسّره وتألّمه، وتفكّره في


(448)

أحواله السالفة فيكون إستعارة تمثيلية، أو يراد بالتمثيل خطور هذه الثلاثة بالبال، وحضور صورها في الخيال فالمخاطبة بلسان الحال لا بالمقال.

والشحّ: البخل، فالحرص في الجمع، والشح في الضبط وعدم البذل، والزهد في الشيء عند الرغبة فيه. والرياش: اللّباس الفاخر.

قوله عليه‌السلام: «فيقال أبشر بروح». إشارة إلى قوله سبحانه «فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَ جَنَّتُ نَعِيمٍ»[1] والمشهور في قراءة الروح الفتح، وقرى‌ء بالضمّ أيضا ـ ورواه في الكشاف عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله. وفي مجمع البيان عن الباقر عليه‌السلام.

وفسّر الروح بالفتح، بالراحة من تكاليف الدّنيا ومشاقّها.

وقيل: هو الهواء الّذي يستلذّه النفس ويزيل عنها الهمّ، وبالضمّ بالرحمة أو الحياة الدائمة، والريحان بالرزق في الجنّة.

وقيل: هو الريحان المشموم من ريحان الجنّة يؤتى به عند الموت فيشمّه.

وقيل: الروح الرحمة، والريحان كلّ نباهة وشرف.

وقيل: الروح النجاة من النار، والريحان الدخول في دار القرار.

وقيل: روح في القبر وريحان في الجنّة.

وقيل: روح في القبر وريحان في القيامة.

والظاهر هنا أنّ الروح والريحان عند الموت أو في القبر، والجنّة تحتمل جنّة الدّنيا وجنّة الآخرة، والأوّل أظهر.

ويحتمل كون الريحان أيضا في الآخرة، والمقدم مصدر ميمي في الموضعين، ويحتمل إسم المكان، لكنّه بعيد.

وقوله «إرتحل» بصيغة الأمر.


--------------------------------------------------

1. الواقعة 56: 88 ـ 89 .


(449)

وفي قوله «وإنّه ليعرف غاسله» فعل مقدّر، ويدلّ عليه السياق، والواو حالية والتقدير فيرتحل والحال أنّه ليعرف غاسله.

ويحتمل أن تكون عاطفة على أتاه فلا تقدير.

«ويناشد حامله» في الصحاح: نشدت فلانا أنشده نشداً إذا قلت له نشدتك الله‌ أي سألتك بالله‌.

و «ملكا القبر» مبشّر وبشير، و«يخدّان الأرض» بضمّ الخاء المعجمة، أي يشقّانها، وترك السؤال عن الإمام لعلّه للتقيّة، والأخبار المستفيضة تدلّ على السؤال عن الإمام أيضا، وقد مرّ وسيأتي بعضها. وقولهما «ثبّتك الله‌» دعاء، ويحتمل الخبر.

قوله عليه‌السلام: «وهو قول الله‌» الضمير عائد إلى قول الملكين ثبّتك الله‌ والمضاف محذوف، والتقدير هو مدلول قول الله‌.

وقد مرّ تفسير الآية في باب الصلاة على المؤمن. ويظهر من هذا الخبر وجه آخر غير ما مرّ، وهو أن يكون «بِالْقَولِ الثَّابِتِ» صلة للإيمان، أي يثبت الله‌ الذين آمنوا بقول وإعتقاد ثابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة لا يتبدّل في النشأتين، وهي العقائد الحقّة فإنّ العقائد الباطلة تتبع شهوات الدّنيا وأهواءها فإذا زالت إرتفعت، والمثبّت فيه محذوف، أي النعيم والكرامة، كما يدلّ عليه قولهما «فيما تحب وترضى».

ولو فسّرت الآية على بعض الوجوه السابقة يمكن أن يكون المراد بما يحبّ ويرضى العقائد الحقّة، أو يكون فيما يحبّ حالاً، أي ثبّتك الله‌ في العقائد حال كونك في نعيم تحبّه وترضاه، وهو بعيد.

قال الطبرسى رحمه‌الله: أي يثبّتهم في كرامته وثوابه بقولهم الثابت الّذي وجد منهم وهو كلمة الإيمان؛ لأنّه ثابت بالحجج والأدلّة.


(450)

وقيل: معناه يثبّت الله‌ المؤمنين بسبب كلمة التوحيد وحرمتها في الحياة الدّنيا حتّى لا يزالوا ولا يضلّوا عن طريق الحقّ ويثبّتهم بها في الآخرة حتّى لا يزلوا ولا يضلّوا عن طريق الجنّة.

وقيل: معناه يثبّتهم بالتمكين في الأرض، والنصرة والفتح في الدّنيا، وبإسكانهم الجنّة في الآخرة.

وقال أكثر المفسّرين: إنّ المراد بقوله في الآخرة في القبر، والآية وردت فى سؤال القبر، وهو قول ابن عباس وابن مسعود، وهو المروي عن أئمّتنا عليهم‌السلام.

قوله عليه‌السلام: «في قبره» لعلّ المراد بالقبر عالم البرزخ كما مرّ، ويقال: فسح له يفسح بالفتح فيهما، أي وسّع له، والفسحة بالضمّ السعة.

والمراد بمدّ البصر مداه وغايته الّتي ينتهي إليها.

قوله عليه‌السلام: «إلى الجنّة» أي جنّة الدّنيا كما سيأتي، ويحتمل الآخرة.

قوله عليه‌السلام: «نم قرير العين». قرّة العين برودتها وإنقطاع بكائها ورؤيتها ما كانت مشتاقة إليه. والقرّ بالضمّ ضدّ الحَرّ، والعرب تزعم أنّ دمع الباكي من شدّة السرور بارد، ودمع الباكي من الحزن حارّ، فقرّة العين كناية عن الفرح والسرور والظفر بالمطلوب، يقال: قرّت عينه تقرّ بالفتح والكسر قرّة بالفتح.

والضمّ نوم الشاب الناعم من النعمة بالكسر، وهي ما يتنعّم به من المال ونحوه، أو بالفتح وهي نفس التنعّم، ولعلّ الثاني أولى، فقد قيل: كم من ذي نعمة لا نعمة له.

كذا ذكره الشيخ البهائي قدس‌سره وقال: قوله «فإنّ الله‌ يقول»: يحتمل أن يكون من كلام الإمام عليه‌السلام ويكون كالمؤيّد لما تضمّنه الكلام السابق من الفسحة وفتح الباب إلى الجنّة ونومه قرير العين، وأن يكون من مقول قول الملكين «أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً»[1].


--------------------------------------------------

1. الفرقان 25: 24.


(451)

المراد اليوم المذكور في قوله سبحانه قبل هذه الآية «يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُورً»[1] وهذا الخبر يدلّ على أنّ المراد بذلك اليوم: يوم الموت، وبالملائكة: ملائكة الموت، وهو قول كثير من المفسّرين، وفسّر بعضهم ذلك اليوم بيوم القيامة، والملائكة: بملائكة النار.

والمراد بالمستقرّ: المكان الّذي يستقرّ فيه، وبالمقيل مكان الاستراحة، مأخوذ من مكان القيلولة.

ويحتمل أن يراد بأحدهما الزمان. أي أنّ مكانهم وزمانهم أطيب ممّا يتخيّل من الأمكنة والأزمنة، ويحتمل المصدريّة فيهما أو في أحدهما.

ولا يبعد أن يكون المراد بالمستقرّ الجنّة، وبالمقيل القبر، تشبيهاً بالمسافر الّذي يقيل في وسط الطريق ثمّ يروح إلى منزله ومستقرّه.

وإذا كان لربّه عدوّا لعلّه عليه‌السلام إنّما خصّ الحكمين بالعدوّ والولي؛ لأنّ المستضعفين ملهوّ عنهم، كما سيأتي.

والفسّاق من الشيعة يحتمل دخولهم في الوليّ وفي الملهو عنهم.

والزيّ بكسر الزاي وتشديد الياء الهيئة.

«أبشر بنزل من حميم» البشارة هنا على التهكّم كقوله تعالى: «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»[2] والنزل بضمّتين ما يُعدّ للضّيف النازل على الإنسان من الطعام والشراب، وفيه أيضا تهكّم.

«والحميم» الماء الشديد الحرارة يسقى منه أهل النار، أو يصبّ على أبدانهم، والأوّل أنسب بالنزل وبسائر الآيات و«التصلية» التلويح على النار «أتاه ممتحنا القبر» إضافة إسم الفاعل إمّا إلى معموله على حذف المضاف، أي ممتحنا صاحب


--------------------------------------------------

1. الفرقان 25: 22.

2. التوبة 9: 34.


(452)

القبر، أو إلى غير معموله كمصارع مصر، وهذا أولى، وتخصيص إلقاء الأكفان بعيد، والله‌ ظاهر لما فيه من الشفاعة المناسبة لحاله.

«واليافوخ» هو الموضع الّذي يتحرّك من رأس الطفل إذا كان قريب عهد بالولادة.

وقال الجوهريّ: الأرزبة الّتي يكسر بها المدر فإن قلتها بالميم خفّفت قلت المرزبة. وقال البيضاوي في شرح المصابيح: إنّ المحدّثين يشدّدون الباء من المرزبة، والصواب تخفيفه، وإنّما يشدّد الباء إذا أبدلت الميم همزة، انتهى.

ولكن كلام صاحب القاموس صريح في مجيء التشديد في مرزبة أيضا.

و «تذعر» أي تفزع، وإنّما سمّي الإنس والجنّ بالثقلين؛ لعظم شأنهما بالنسبة إلى ما في الأرض من الحيوانات، والعرب تطلق على ما له نفاسة، وشأن اسم الثقل، ولعلّ الحكمة في عدم سماع الثقلين ذلك إنّهم لو سمعوه لصار الإيمان ضروريّاً فيرتفع التكليف.

و «القنا» جمع قناة، وهي الرمح. و«الزج» الحديدة الّتي في أسفل الرمح، وفي تفسير عليّ بن إبراهيم فهو من الضيق، وهو أصوب.

والحيّات والعقارب إمّا مثاليّة تلدغ الأجساد المثالية، أو هي المتولّدة من القبر تلدغ الجسد الأصلي، وتتألّم الروح بذلك، وسيأتي بسط القول فيه إن شاء الله‌.

قوله عليه‌السلام: «في المكينة» أي في مكان تمكّنت فيها.

قال في القاموس: مضيت مكانتي ومكينتي، أي طيني ولا يبعد أن يكون في الأصل المكنة بدون الياء.

قال في النهاية: فيه أقرّوا الطير على مكناتها، المكناة في الأصل بيض الضباب، واحدها مكنة بكسر الكاف، وقد تفتح، يقال: مكنت الضبّة وأمكنت.

قال أبو عبيد: جائز في الكلام أن يستعار مكن الضباب فيجعل للطّير.


(453)

وقيل: المكنات بمعنى الأمكنة، يقال: الناس على مكناتهم وسكناتهم أي: على أمكنتهم ومساكنهم.

وقيل: المكنة التمكّن، كالطلبة من التطلّب، وإنّ فلانا لذو مكنة من السلطان أي: ذو تمكن، انتهى.[1]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 198، وراجع كتاب الوافي 25: 602 .