تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
سخن موسس فقید
سخن موسس فقید
تفصيل الشريعه ـ ج7 (کتاب الصلوة / 2)
( صفحه 305 )

للصلاة التي هي عبادة، لا يوجب أن يكون نفسه عبادة، فعلى تقدير الحرمة، وترجيح جانب النهي أيضاً لا يلزم أن تكون الصلاة باطلة، كما هو محلّ الكلام.

وربما(1) يستدلّ على البطلان أيضاً بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ; نظراً إلى أنّ المقام من صغرياته; لأنّ النهي عن اللبس عين الأمر بعدمه،والصلاة تكون ضدّاً لما تعلّق به الأمر الجائي من قبل النهي عن اللبس; إذ نزع الثوب يستلزم تحقّق الفعل الكثير المبطل للصلاة، فهي مع عدم تحقّق ذلك فيها تضادّ عدم اللبس والنزع المتعلّق للأمر، وهو يقتضي النهي عنها، فالصلاة باطلة; لتعلّق النهي بها.

وفيه ـ مضافاً إلى أنّ نزع الثوب قد لا يكون مستلزماً لتحقّق الفعل الكثير، فلا تتحقّق المضادّة بينهما في هذه الصورة، ومضافاً إلى أنّ المفروض في الاستدلال من لبس الذهب قبل الشروع في الصلاة، مع أنّ الكلام في أنّه هل يجوز للمصلّي لبس الذهب في حال الصلاة، أو لا يجوز حتّى لا يلبس؟ ـ : أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ، كما حقّق في محلّه(2).

  • (1) جواهر الكلام 8 : 182.

  • (2) دراسات في الاُصول 1: 691 وما بعدها.

( صفحه 306 )

[حرمة لبس الحرير للرجال]

الخامس: أن لا يكون حريراً محضاً للرجال، بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً; وإن كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً، كالتكّة والقلنسوة ونحوهما على الأحوط. والمراد به ما يشمل القزّ، ويجوز للنساء ولو في الصلاة، وللرجال في الضرورة وفي الحرب 1 .

حكم الحرير

1 ـ يقع الكلام في هذا الأمر أيضاً في مقامين; لأنّه قد يبحث فيه عن التكليف النفسي المتعلّق بلبسه مطلقاً من غير اختصاص بحال الصلاة، وقد يبحث فيه عن التكليف الغيري المتعلّق به، الراجع إلى منعه عن الصلاة وصحّتها.

أمّا الكلام في المقام الأوّل: فقد ادّعي الإجماع ـ كما عن جماعة(1) ـ على ثبوته على الرجال، بل عن كثير دعوى إجماع علماء الإسلام عليه(2)، بل قيل: إنّه من ضروريّات الدين(3)، والظاهر أنّ المراد به هو ضروريّ الفقه لا الإسلام بحيث يكون منكره محكوماً بالكفر، ويدلّ عليه النصوص المتكثّرة:

مثل رواية إسماعيل بن الفضل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يصلح للرجل
أن يلبس الحرير إلاّ في الحرب(4).

  • (1) الانتصار: 134، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 375، جواهر الكلام 8 : 187 ـ 188، مستمسك العروة الوثقى 5: 367.

  • (2) المعتبر 2: 87 ، تذكرة الفقهاء 2: 470 مسألة 124، تحرير الأحكام الشرعيّة 1: 195، الرقم 621، منتهى المطلب 4: 219، ذكرى الشيعة 3: 40، جامع المقاصد 2: 82 ـ 83 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 554، مدارك الأحكام 3: 173، كشف اللثام 3: 215، رياض المسائل 3: 175، مفتاح الكرامة 5: 497.

  • (3) مصابيح الظلام 6: 305، مستند الشيعة 4: 342، مستمسك العروة 5: 367.

  • (4) الكافي 6: 453 ح1، وعنه وسائل الشيعة 4: 371، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب12 ح1.

( صفحه 307 )

ومرسلة ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلاّ في الحرب(1).

وقد ذكر المحقّق النائيني (قدس سره) على ما في تقريراته أنّ موضوع الديباج منتف في هذه الأعصار، وكان من نبات شبيه بالقطن، أرقّ من الحرير وأغلى منه، يعمل منه الثياب سابقاً، قد انقطع بذره. وقال: كان لانقطاعه تاريخ عجيب من حيل الإفرنج(2).

وأورد عليه المقرّر الفاضل بقوله: لم نطّلع على هذا التاريخ العجيب، وما ذكره أهل اللغة مخالف مع ما أفاده، فعن المغرب: الديباج: الثوب الذي سداه أو لُحمته إبريسم، وعندهم اسم للمنقّش(3)، وعن مجمع البحرين بعد
أن ذكر أنّ الديباج ثوب سداه أو لُحمته إبريسم قال: وفي الخبر: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج(4)، يريد به الاستبرق; وهو الديباج الغليظ(5). وقال في الوافي: الديباج يقال للحرير المنقوش، فارسيّ معرّب، وكان الحرير يطلق على ما لا نقش فيه، ويقابله الديباج(6)،(7).

وموثّقة سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لباس الحرير

  • (1) الكافي 6: 453 ح1، وعنه وسائل الشيعة 4: 372، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب12 ح2.

  • (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 276.

  • (3) المُغرِب في ترتيب المُعرب: 95.

  • (4) صحيح البخاري 6: 255 ح5426، صحيح مسلم 3: 1302 ح2067، السنن الكبرى للبيهقي 1: 43 ح100، مستدرك الوسائل 3: 206، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح3376.

  • (5) مجمع البحرين 1: 573.

  • (6) الوافي 7: 423.

  • (7) كتاب الصلاة، تقريراب بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 276.

( صفحه 308 )

والديباج؟ فقال: أمّا في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل(1).

وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه(2).

وبالجملة: فأصل ثبوت الحكم بالإضافة إلى الرجال ممّا لا إشكال فيه، وقد استثني منه حالتا الضرورة، والحرب.

أمّا الاُولى: فمضافاً إلى الإجماع المحكّي عن جماعة كثيرة(3)، يدلّ عليه مثل قولهم (عليهم السلام) : ليس شيء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه. وقولهم (عليهم السلام) : كلّما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر. وقوله (صلى الله عليه وآله) : رفع عن اُمّتي الخطأ، والنسيان، وما اُكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وقد أوردها في الوسائل في أبواب متعدّدة، كأبواب لباس المصلّي، والقيام، وقضاء المغمى عليه، وكتاب الأطعمة، وغيرها(4)، والمراد من الاضطرار هو العرفي منه، كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام في الكتاب والسنّة.

وأمّا الثانية: فلدلالة مرسلة ابن بكير، وموثّقة سماعة المتقدّمتين وغيرهما على استثنائها، وهل الوجه في الاستثناء تقوية القلب، أو إظهار شوكة

  • (1) تهذيب الأحكام 2: 208 ح806 ، الاستبصار 1: 386 ح1466، الكافي 6: 453 ح3، الفقيه 1: 171 ح807 ، وعنها وسائل الشيعة 4: 372، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب12 ح3.

  • (2) وسائل الشيعة 4: 367 ـ 373، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 و 12.

  • (3) المعتبر 2: 88 ، تذكرة الفقهاء 2: 471، ذكرى الشيعة 3: 46، جامع المقاصد 2: 84 ـ 85 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 554، مدارك الأحكام 3: 174.

  • (4) وسائل الشيعة 4: 373، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب12 ح6 ـ 8 ، وج5: 482 ـ 483، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب1 ح6 و 7، وج8 : 258 ـ 263، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات ب3 ح3، 7، 8 ، 13، 16 و 24، وج24: 214 ـ 217، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب56، وج15: 369 ـ 370، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب56.

( صفحه 309 )

الإسلام والمسلمين، أو غيرهما؟ فغير معلوم.

ثمّ إنّه قد ادّعي الإجماع، بل إجماع أهل العلم كافّة، كما عن بعض كتب المحقّق، والعلاّمة، وصاحب جامع المقاصد، على اختصاص الحكم بالرجال، وأنّه يجوز لبس الحرير للنساء(1)، ويدلّ عليه غير واحد من النصوص:

مثل مرسلة ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النساء يلبسن الحرير والديباج إلاّ في الإحرام(2).

وفي حديث المناهي قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لبس الحرير والديباج والقزّ للرجال، فأمّا النساء فلا بأس(3).

ورواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء؟ قال: لا بأس(4).

ورواية ليث المرادي قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كسا أُسامة بن زيد حلّة حرير، فخرج فيها فقال: مهلا يا اُسامة، إنّما يلبسها من
لا خلاق له، فاقسمها بين نسائك(5).

وغير ذلك من الروايات الدالّة على الجواز(6).

  • (1) المعتبر 2: 89 ، تحرير الأحكام الشرعيّة 1: 195، الرقم 121، تذكرة الفقهاء 2: 471، منتهى المطلب 4: 224، جامع المقاصد 2: 84 ، مستمسك العروة الوثقى 5: 369.

  • (2) الكافي 6: 454 ح8 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح3.

  • (3) الفقيه 4: 4 قطعة من ح1، وعنه وسائل الشيعة 4: 380، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح5.

  • (4) قرب الإسناد: 226 ح882 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 380، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح9.

  • (5) الكافي 6: 453 ح2، وعنه وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح2.

  • (6) وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16.

( صفحه 310 )

وبهذه الروايات يقيّد إطلاق موثّقة سماعة بن مهران المتقدّمة، الشامل للنساء; فإنّ الحكم وإن كان يستفاد من مفهوم الجواب، إلاّ أنّه حيث كان الجواب مسوقاً لبيان المفهوم، فلابدّ من الالتزام به، ولم يفرق فيه بين الرجل والمرأة، كما في السؤال، ولكن لا مانع من تقييد إطلاقه بها.

وأمّا رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ، أو كتّان،
أو قطن، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء(1). فالجمع بينها، وبين الروايات المتقدّمة يقتضي حمل النهي فيها على الكراهة بقرينة الذيل، وحمل الكراهة على الأعمّ من الحرمة والكراهة المصطلحة; بمعنى ثبوت التحريم في حقّ الرجال، والكراهة في حقّ النساء، ولا مانع من الالتزام بها.

المقام الثاني: في الحكم الغيري المتعلّق بلبس الحرير في الصلاة، وقد ادّعي الإجماع على بطلان صلاة الرجل فيه(2)، والظاهر أنّه لا إشكال ولا خلاف بين الإماميّة في ذلك(3). نعم، المسألة خلافيّة بين العامّة، حيث إنّه ذهب بعضهم إلى الجواز، وبعض آخر إلى المنع(4)، والظاهر أنّه لا مستند لهم من

  • (1) تهذيب الأحكام 2: 367 ح1524، الاستبصار 1: 386 ح1468، وعنهما وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح5.

  • (2) الخلاف 1: 504 مسألة 245، المعتبر 2: 87 ، تذكرة الفقهاء 2: 470 مسألة 124، منتهى المطلب 4: 220، مدارك الأحكام 3: 173، رياض المسائل 3: 174 ـ 175.

  • (3) الانتصار: 134، مجمع الفائدة والبرهان 2: 82 ، الحدائق الناضرة 7: 87 .

  • (4) الاُمّ: 91، بداية المجتهد 1: 119، المجموع 3: 182، المغني لابن قدامة 1: 626، تذكرة الفقهاء 2: 470 مسألة 124.

( صفحه 311 )

النصوص، حيث إنّ المسألة مبتنية عندهم على أنّ النهي عن لبس الحرير هل يستلزم بطلان الصلاة الواقعة فيه، أم لا؟

وأمّا الأخبار الواردة من طرقنا، الدالّة على البطلان فكثيرة:

كرواية إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال: لا(1).

ورواية أبي الحارث قال: سألت الرضا (عليه السلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال: لا(2).

ويحتمل اتّحاد الروايتين وأن يكون أبو الحارث كنية إسماعيل بن سعد الأحوص، ودلالتهما على البطلان واضحة; لظهور كون محطّ السؤال إنّما هو الحكم الوضعي، والجواب منطبق عليه، فاحتمال كون المراد هي الحرمة التكليفيّة منتف.

ومكاتبة محمد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض(3).

والظاهر أنّ المراد من الحلّية المنفيّة هي الحلّية الغيريّة، الراجعة إلى الصحّة التي هي حكم وضعيّ، والاقتصار في الجواب على بيان حكم الحرير المحض

  • (1) الكافي 3: 400 ح12، تهذيب الأحكام 2: 205 ح801 ، وص207 ح813 ، الاستبصار 1: 385 ح1463، وعنها وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح1.

  • (2) تهذيب الأحكام 2: 208 ح814 ، الاستبصار 1: 386 ح1464، وعنهما وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح7.

  • (3) تقدّمت في ص186.

( صفحه 312 )

ـ مع كون السؤال إنّما هو عنه وعن الديباج ـ هل يظهر منه أنّ الديباج لا يكون مقابلا للحرير بل قسم منه، أو يظهر منه انتفاء وصف المحوضة في الديباج، كما يدلّ عليه تفسيره بثوب يكون خصوص سداه أو لحمته من إبريسم، أو لا يظهر منه شيء؟ وجوه واحتمالات. وغير ذلك من الروايات(1)الظاهرة في البطلان.

لكن في مقابلها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في ثوب ديباج؟ فقال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس(2).

وقد حمل على حال الضرورة أو الحرب(3)، ولكنّه بعيد; لعدم الفرق حينئذ بين ما إذا كان فيه التماثيل، وما إذا لم يكن، والمحتمل حمله على التقيّة، وعلى تقدير خلافه فاللاّزم الطرح، إمّا لأجل الإعراض، وإمّا لأجل ثبوت الترجيح مع الروايات المتقدّمة بعد المعارضة; لموافقتها للشهرة الفتوائيّة.

ثمّ إنّ الأكثر(4) ذهبوا إلى اختصاص الحكم في هذا المقام أيضاً بالرجال، وأنّه يجوز للنساء الصلاة في الحرير، لكنّ الصدوق في محكيّ الفقيه ذهب

  • (1) وسائل الشيعة 4: 367 ـ 371، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11.

  • (2) تهذيب الأحكام 2: 208 ح815 ، الاستبصار 1: 386 ح1465، وعنهما وسائل الشيعة 4: 370، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح10.

  • (3) راجع التهذيب والاستبصار في التعليقة السابقة.

  • (4) ذكرى الشيعة 3: 43، التنقيح الرائع 1: 180، المهذّب البارع 1: 323، المقتصر: 71، جامع المقاصد 2: 84 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 556، مدارك الأحكام 3: 176، ذخيرة المعاد: 228 س18، كشف اللثام 3: 218 ـ 219، الحاشية على مدارك الأحكام 2: 362، مفتاح الكرامة 5: 513 ـ 515.

( صفحه 313 )

إلى المنع، حيث قال: قد وردت الأخبار بجواز لبس النساء الحرير، ولم ترد بجواز صلاتهنّ فيه(1). وعن مجمع البرهان أنّه أولى(2). وعن البهائي أنّه أوجه(3)، وعن جماعة التوقّف(4).

واللاّزم للقائل بالمنع إقامة الدليل عليه، ولا يكفي مجرّد عدم ورود الرواية الدالّة على الجواز، كما يستفاد من عبارة الصدوق، وما يمكن الاستدلال به عليه من الروايات عمدته إطلاق مكاتبة ابن عبد الجبّار المتقدّمة، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض»، ومكاتبته الاُخرى(5) بهذه العبارة، ويحتمل قويّاً أن تكونا رواية واحدة، ومجرّد ذكر القلنسوة
في السؤال مع كونها من ألبسة الرجال لا يوجب تقييد دائرة إطلاق الجواب مع كونه بصدد إفادة قاعدة كلّية، ولذا لا تختصّ بالقلنسوة، بل تشمل سائر ألبسة الرجال.

وأمّا صحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص، فلا دلالة فيها على اختصاص الحكم بالرجال; لأنّ تخصيص السؤال به يحتمل أن يكون لأجل كونه محلّ نظره ومورد ابتلائه، كما أنّه يحتمل أن يكون من باب المثال، بحيث كان السؤال عامّاً، وكما أنّه يحتمل أن يكون لأجل كون حكم المرأة مفروغاً عنه عند السائل، ولا محالة يكون ذلك الحكم هو الجواز لا العدم، ولا مرجّح

  • (1) الفقيه 1: 171 ذ ح807 .

  • (2) مجمع الفائدة والبرهان 2: 84 .

  • (3) حبل المتين 2: 210، وفيه: «فالأولى اجتناب النساء للحرير حال الصلاة».

  • (4) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 370، ومنهم العلاّمة في منتهى المطلب 4: 224.

  • (5) تقدّمت في ص181.

( صفحه 314 )

للاحتمال الثالث على أحد الأوّلين، فالرواية لا يستفاد منها حكم المرأة بوجه.

كما أنّ خبر زرارة المتقدّم في المقام الأوّل، الظاهر في التسوية
بين الرجال والنساء، لا تعرّض فيه لهذا المقام، بل هو ظاهر في حكم المقام الأوّل، وقد عرفت(1) أنّ مقتضى الجمع حملها على ما ينافي التسوية في ذلك المقام أيضاً.

وكذلك رواية جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ليس على النساء أذان ـ إلى أن قال ـ : ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام، وحرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد، ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه، وحرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد(2). لا تصلح للاستناد إليها; فإنّها وإن كانت ظاهرة في المنع، إلاّ أنّها ضعيفة السند.

فالعمدة هو إطلاق المكاتبة، ويؤيّده ما في التوقيع المروي عن صاحب الزمان (عليه السلام) من قوله: لا تجوز الصلاة إلاّ في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان(3).

وقد ذكر المحقّق النائيني (قدس سره) أنّ هذا الإطلاق معارض بإطلاق ما يدلّ على جواز لبسهنّ للحرير الشامل لحال الصلاة; فإنّ مقتضى هذا الإطلاق جواز صلاتهنّ فيه، وإلاّ كان على المتكلّم استثناء حال الصلاة، وبعد التعارض يكون الترجيح مع إطلاقات الجواز; لإعراض القدماء عن العمل بالمطلق

  • (1) في ص310.

  • (2) الخصال: 588 ح12، وعنه وسائل الشيعة 4: 380، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح6.

  • (3) الاحتجاج 2: 589، وعنه وسائل الشيعة 4: 375، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح8 .

( صفحه 315 )

الدالّ على المنع(1).

وربما يقال ـ بعد فرض المعارضة ـ : إنّ الترجيح مع إطلاقات الجواز; لفهم الأصحاب، ومع فرض التساوي فالحكم التساقط والرجوع إلى أصالة عدم المانعيّة(2).

والظاهر أنّه لا معارضة بين الإطلاقين أصلا; ضرورة أنّ الإطلاق المتعرّض للحكم الوضعيّ الغيري لا ينافي الإطلاق المتعرّض للحكم النفسي بوجه; فإنّ بطلان الصلاة وعدمه لا يرتبط بالجواز التكليفي، فلا معارضة بين الإطلاقين.

وبعبارة اُخرى: شمول إطلاق الجواز لحال الصلاة مرجعه إلى ثبوت الجواز الذي هو الحكم التكليفي، ومتعلّقه اللبس. ومن الواضح: أنّه لا منافاة بين هذا الجواز، وبين المنع الراجع إلى بطلان الصلاة فيه.

نعم، في مقابل إطلاق المنع روايتان:

إحداهما: مرسلة ابن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة(3) قال: النساء يلبسن الحرير والديباج إلاّ في الإحرام; فإنّ استثناء الإحرام يدلّ على عدم اختصاص الحكم في المستثنى منه بخصوص الحكم التكليفي، بل أعمّ منه ومن الحكم الوضعي، فمقتضى الرواية حينئذ بطلان صلاتهنّ في الحرير.

  • (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 281.

  • (2) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 371، والمستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئى 12: 352.

  • (3) في ص309.

( صفحه 316 )

ثانيتهما: موثقة سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي مُحْرمة، فأمّا في الحرّ والبرد فلا بأس(1). بناءً على أنّ المراد من الحرّ والبرد غير حال الإحرام، وتكون الجملة الأخيرة مبيّنة لمفهوم الجملة الاُولى.

نعم، يحتمل أن تكون الجملة الأخيرة استثناء من حال الإحرام. وعليه: فلا ترتبط الرواية بالمقام إلاّ على تقدير ثبوت الملازمة بين حال الإحرام والصلاة، كما ربما تدّعى.

والظاهر أنّ الترجيح مع هاتين الروايتين; لموافقتهما للشهرة من حيث الفتوى، ولا يقدح الإرسال في رواية ابن بكير بعد كونه من أصحاب الإجماع، وانجبرت في هذا المقام بالعمل، فالنساء لا مانع من صلاتهنّ في الحرير.

تتمّة

قد عرفت(2) أنّ بطلان صلاة الرجال في الحرير المحض مورد لاتّفاق علماء الإماميّة في الجملة، وذلك في الثوب الذي تجوز الصلاة فيه منفرداً.

وأمّا ما لا تتمّ فيه الصلاة وحده، كالقلنسوة والتكّة ونحوهما، ففي بطلان الصلاة فيه إذا كان حريراً محضاً، وعدمه ـ نظير ما إذا كان الساتر متنجّساً،

  • (1) الكافي 6: 455 ح12، وعنه وسائل الشيعة 4: 380، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح4.

  • (2) في ص310، ويلاحظ نهاية التقرير 1: 417.

( صفحه 317 )

حيث يكون الحكم فيه التفصيل بين ما تتمّ، وما لا تتمّ من دون خلاف ـ وجهان بل قولان، فالمحكيّ عن جماعة، منهم: المفيد(1)، والشيخ،
والحلّي(2)، بل المنسوب إلى الأشهر(3)، وإلى المتأخّرين(4)، وإلى أجلاّء الأصحاب(5) هو الجواز، والمحكي عن الفقيه والمنتهى والبيان والموجز وغيرها المنع(6)، بل هو المشهور بين المتأخّرين(7)، ويظهر من بعض التوقّف والتردّد في المسألة(8).

ومستند المنع مكاتبتا محمد بن عبد الجبّار، ففي إحداهما قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟

  • (1) راجع المقنعة: 72 و 150، ولكن استظهر منه المنع في مختلف الشيعة 2: 98 مسألة 38، والمقتصر: 71، ومدارك الأحكام 3: 179، ومجمع الفائدة والبرهان 2: 84 ، وبحار الأنوار 83 : 241، ومفتاح الكرامة 5: 499. نعم، حكى في جواهر الكلام 8 : 203، عن اُستاذه استظهار الجواز عنه، ولكن لم نعثر عليه في شرح اُستاذه.

  • (2) النهاية: 98، المبسوط 1: 83 ، السرائر 1: 269.

  • (3) ذخيرة المعاد: 227 س40، الوافي 7: 425 ذ ح6252.

  • (4) مفاتيح الشرائع 1: 110 مفتاح 125.

  • (5) حكاه عن حاشية الإرشاد لولد العلي في جواهر الكلام 8 : 202.

  • (6) الفقيه 1: 172، منتهى المطلب 4: 225، البيان: 120، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 69، الجامع للشرائع: 67، مجمع الفائدة والبرهان 2: 83 ـ 84 ، مدارك الأحكام 3: 179، كفاية الفقه المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 81 ، الحدائق الناضرة 7: 97، رياض المسائل 3: 185.

  • (7) راجع نهاية التقرير 1: 417، ولم نعثر على من ادّعى الشهرة على المنع، بل في بحار الأنوار 83 : 241، والحدائق الناضرة 7: 97، ومصباح الفقيه 10: 331، أنّ المشهور الجواز، وفي مصابيح الظلام 6: 307: المشهور عند المتأخرين الجواز.

  • (8) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 376، تحرير الأحكام 1: 195، الرقم 620، المقتصر: 71، غاية المرام 1: 133، منتقى الجمان 1: 478.

( صفحه 318 )

فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض(1).

وفي الاُخرى قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكّة حرير محض، أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب: لاتحلّ الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى(2).

والظاهر اتّحاد المكاتبتين; بمعنى وقوع المكاتبة مرّة واحدة، وكون الرواية واحدة وإن جعلها في الوسائل روايتين ونقلهما في باب واحد.

واللاّزم التكلّم في مفاد الرواية ومدلولها، فنقول:

لا تنبغي المناقشة في ظهور السؤال فيها، في كون المجهول للسائل هو حكم الصلاة في قلنسوة حرير محض. وبعبارة اُخرى: المجهول له هو الحكم الوضعيّ المرتبط بالصلاة، وذكر القلنسوة يحتمل أن يكون من جهة وضوح الحكم الوضعي في غيرها ممّا تتمّ فيه الصلاة منفرداً عند السائل.

وعليه: يكون ذكرها من باب المثال لما لا تتمّ فيه الصلاة فقط، ويحتمل أن يكون من جهة جهله بأصل الحكم الوضعيّ المتعلّق بالحرير، وتخصيص القلنسوة إنّما هو من جهة تعارف استعماله في بلده، وكونه مورداً لابتلائه مثلا.

وعليه: فيكون محطّ السؤال هو الحكم الوضعي مطلقاً بعد وضوح الحكم النفسي لدى السائل، وتقييد الحرير بالمحوضة، لا يصلح لترجيح أحد

  • (1) تقدّمت في ص186.

  • (2) تقدّمت في ص181.

( صفحه 319 )

الاحتمالين على الآخر. نعم، لا تبعد دعوى كون الظاهر من السؤال هو الاحتمال الأوّل.

وأمّا الجواب، فالظاهر بلحاظ إسناد عدم الحلّية إلى الصلاة في الحرير أنّ نفي الحلّية إرشاد إلى البطلان وفساد الصلاة فيه، كما هو الشأن في مثله من النواهي المتعلّقة بالعبادات والمعاملات مع الخصوصيّات المأخوذة فيها، والحكم في الجواب وإن كان مطلقاً، إلاّ أنّ شموله لمورد السؤال بلحاظ كونه جواباً عنه إنّما هو بالنصوصيّة والصراحة، وعلى ما ذكرنا فالجواب منطبق على السؤال.

ولا وجه لما يقال: من احتمال إرادة الثوب من الحرير لو لم نقل بأنّه المنساق منه، كما عن المختلف والشهيد الاعتراف به(1)، بل قيل: إنّ الحرير المحض لغة هو الثوب المتّخذ من الإبريسم(2). وعليه: يكون الجواب عن السؤال متروكاً، ولعلّ ذلك لإشعار الحكم بالصحّة فيه بالبطلان في غيره، وهو مخالف للتقيّة; لصحّة الصلاة عندهم(3) وإن حرم اللبس، من غير فرق بين ما تتمّ الصلاة فيه وغيره، فعدل الإمام (عليه السلام) إلى بيان حرمة الصلاة المسلّمة عندهم وإن اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم، بل في التعبير بنفي الحلّ دون نفي الصحّة إيماء إلى ذلك.

  • (1) مختلف الشيعة 2: 104، وراجع ذكرى الشيعة 3: 44، ولم نعثر على تصريح منه عاجلاً. نعم، حكى عنهما في مفتاح الكرامة 5: 503، وجواهر الكلام 8 : 206.

  • (2) لسان العرب 2: 58، معجم تهذيب اللغة 1: 780، مصابيح الظلام 6: 310.

  • (3) تقدّم في ص310.

( صفحه 320 )

والوجه في بطلان هذا الاحتمال ـ مضافاً إلى حمل الجواب على كونه عدولا، وجعل السؤال متروكاً لا ينطبق عليه الجواب، ممّا لا وجه له ـ أنّ إسناد نفي الحلّية إلى الصلاة ظاهر عند العامّة أيضاً في الإرشاد إلى البطلان ونفي الصحّة، وما هو الثابت عندهم إنّما هي الحرمة المتعلّقة باللبس(1)، ولا ترتبط بالصلاة بوجه، فكيف يتحقّق معه رعاية التقيّة؟ والبطلان عندنا أيضاً ليس لأجل الملازمة، بل لظهور مثل المكاتبتين في البطلان ابتداءً.

ودعوى كون الحرير هو الثوب المتّخذ من الإبريسم احتمالا، أو انصرافاً، أو لغة، مدفوعة بأنّ توصيف القلنسوة في السؤال بالحرير المحض، أو إضافتها إليه ينافي ذلك جدّاً.

ومستند الجواز، ما رواه الشيخ بإسناده، عن سعد، عن موسى بن الحسن، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكّة الإبريسم، والقلنسوة، والخفّ، والزنّار يكون في السراويل ويصلّى فيه(2).

ونوقش في السند باعتبار أحمد بن هلال المذموم الملعون، كما عن الكشي(3)، الغالي المتّهم في دينه كما عن الفهرست(4)، الذي رجع عن التشيّع

  • (1) الاُمّ 1: 91، المغني لابن قدامة 1: 626، الشرح الكبير 1: 471، المجموع 3: 181، وج4: 377، بداية المجتهد 1: 119.

  • (2) تقدّمت في ص184.

  • (3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 535، الرقم 1020.

  • (4) الفهرست للشيخ الطوسي: 83 ، الرقم 107.

( صفحه 321 )

إلى النصب، كما عن سعد بن عبدالله(1)، الذي لا نعمل على ما يختصّ بروايته، كما عن التهذيب(2)، أو روايته غير مقبولة، كما عن الخلاصة(3)، وقد ورد التوقيع عن العسكري (عليه السلام) في مذمّته بقوله (عليه السلام) : احذروا الصوفيّ المتصنّع(4)،(5).

ولكنّ المناقشة مندفعة ـ مضافاً إلى ما حكي عن ابن الغضائري مع كونه مسارعاً في التضعيف; من أنّه لم يتوقّف في حديثه عن ابن أبي عمير، والحسن بن محبوب; لأنّه قد سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث(6); وإن كان يمكن أن يقال باختصاص ذلك بخصوص نوادر الأوّل، ومشيخة الثاني، مع أنّه لا يفيد ذلك بالنسبة إلينا; حيث لا يحضرنا كتاباهما.

ومضافاً إلى أنّ الرجل في أوّل أمره كان مستقيماً(7)، بل كان من أعيان الطائفة ووجوهها وثقاتها(8)، وظاهر أنّ رواية مثل موسى بن الحسن عنه إنّما كان في حال استقامته; لبعد الرواية عنه مع ورود ذموم هائلة في حقّه ـ :

باعتماد الطرفين في المقام على الرواية; لأنّ القائل بالمنع إنّما يرجّح دليله عليها، لا أنّه يقول بعدم حجّيتها، وكذا المتوقّف في المسألة; فإنّه لم يحك عن

  • (1) حكى عنه في كمال الدين: 76.

  • (2) تهذيب الأحكام 9: 204 ذ ح812 .

  • (3) خلاصة الأقوال: 320، الرقم 1256.

  • (4) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 535، الرقم 1020.

  • (5) ذكر المناقشة في مستمسك العروة الوثقى 5: 365، ثمّ أجاب عنها.

  • (6) حكى عنه في خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: 320، الرقم 1256.

  • (7) كمال الدين: 204 ح13، العُدّة في اُصول الفقه 1: 151.

  • (8) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 535، الرقم 1020، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 332 ـ 336، معجم رجال الحديث 2: 358، الرقم 1005.

( صفحه 322 )

أحد طرح الرواية باعتبار السند، فهي تامّة من جهة السند والدلالة.

ولابدّ أوّلا من ملاحظة أنّه هل يمكن الجمع بينها، وبين رواية المنع، وعلى تقدير عدم الإمكان ولزوم الرجوع إلى المرجّحات أنّ المرجح مع أيّهما.

فنقول: الذي يستفاد من الكلمات في مقام الجمع وجوه ثلاثة، وقبل التعرّض لها نقول:

لا إشكال في الجمع إذا حمل مستند المنع على كون السؤال فيه إنّما هو عن الحكم الوضعيّ المتعلّق بالحرير مطلقاً; من دون فرق بين القلنسوة وغيرها ممّا تتمّ فيه الصلاة وحده; فإنّه على هذا التقدير يكون السؤال والجواب فيه كلاهما مطلقين شاملين لما تتمّ فيه الصلاة أيضاً; فإنّه حينئذ تكون رواية الحلبي مقيّدة لإطلاق دليل المنع، ويكون الجمع حينئذ من الجمع بين المطلق والمقيّد، فالإشكال إنّما هو على غير هذا الفرض، وهو الظاهر كما عرفت.

الأوّل: ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي ـ قدّس سرّه الشريف ـ من أنّه لمّـا كان بطلان الصلاة في الحرير غير معروف عند العامّة، وإنّما ذهب إليه بعضهم(1) استناداً إلى أنّ حرمة لبسه تقتضي بطلان الصلاة فيه، وإنّما المعروف بينهم حرمة لبس الحرير مطلقاً(2). ومن المعلوم عدم الفرق عندهم بين ما لا تتمّ وغيره أصلا، كما أنّهم لا يفرّقون في بعض الموانع الذي يقولون به بينهما، كالنجاسة وغيرها.

وحينئذ فيمكن أن يقال: إنّ الجواب عن السؤال بالجواز فيما لا تتمّ

  • (1) تقدّم تخريجه في ص310.

  • (2) تقدّم تخريجه في ص320.

( صفحه 323 )

ـ حيث يشعر ببطلان الصلاة في غيره ـ لم يذكر فيهما; لأنّه مناف للتقيّة، فعدل الإمام (عليه السلام) عنه إلى بيان حرمة الصلاة في الحرير المحض المسلّمة عندهم; وإن كانت لا تقتضي الفساد بنظرهم.

هذا، مضافاً إلى أنّ السؤال باعتبار كونه سؤالا عن حكم خصوص ما لا تتمّ فيه الصلاة، كما هو المفروض ـ وهو يشعر باعتقاده بطلان الصلاة في غيره ـ لعلّه كان سبباً لالتجائه (عليه السلام) إلى ذلك(1).

ويرد عليه ما عرفت من أنّ حمل الجواب على العدول مناف للظاهر جدّاً، ولا يسوّغه الجمع بوجه، مضافاً إلى أنّ إسناد عدم الحلّية إلى الصلاة ظاهر في الحكم الوضعيّ الذي لا يقولون به، فكيف يتحقّق معه رعاية التقيّة؟! وما هو المسلّم بينهم إنّما هو حرمة لبس الحرير لا الصلاة فيه، فهذا النحو من الجمع غير تامّ.

الثاني: ما في المستمسك من أنّ تقييد إطلاق المكاتبتين بسبب رواية الحلبي هو مقتضى الجمع العرفي، قال: ودعوى أنّه من قبيل تخصيص المورد، وهو مستهجن، ممتنعة; فإنّ الاستهجان إنّما يسلّم لو كان بحيث لو ضمّ هذا المقيّد إلى المطلق لكان الكلام متدافعاً، ولو قيل: لا تحلّ الصلاة في حرير محض إلاّ في القلنسوة ونحوها لم يكن كذلك، فالتقييد هو مقتضى الجمع العرفي(2).

ويرد عليه: وضوح التدافع; فإنّ مرجع الجمع بهذا النحو بعد فرض كون

  • (1) نهاية التقرير 1: 420 ـ 421.

  • (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 364 ـ 365.

( صفحه 324 )

الإطلاق نصّاً في المورد، إلى قوله: «لا تحلّ الصلاة في حرير محض حتّى في القلنسوة ونحوها، إلاّ في القلنسوة ونحوها» كما لا يخفى، فهذا الوجه أيضاً غير تامّ.

الثالث: ما عن جامع المقاصد من أنّ حمل المكاتبة على الكراهة وجه جمع بين الأخبار(1).

ويرد عليه: أنّ ما يجري فيه احتمال الحمل على الكراهة هو النهي المولوي الظاهر في التحريم، لا النهي الإرشادي الظاهر في الإرشاد إلى الحكم الوضعي، مع أنّ مقتضاه ثبوت الكراهة في غير ما لا تتمّ أيضاً، إلاّ أن يقال بحمل النهي على الأعمّ، والقدر المشترك بين الحرمة والكراهة.

وكيف كان، فالظاهر أنّه لا وجه للجمع أصلا، بل لابدّ من ملاحظة المرجّحات، فنقول:

الظاهر أنّه لو كانت الشهرة على الجواز محقّقة لكان اللاّزم الرجوع
إليها; لأنّ الشهرة في الفتوى أوّل المرجّحات الخبريّة، وإلاّ تصل النوبة إلى مخالفة العامّة، والذي يظهر من كلماتهم ثبوت هذا المرجّح في المقام وإن اختلفوا في تعيين الرواية المخالفة، فعن بعضهم كصاحب الحدائق وجماعة(2) أنّها هي المكاتبتان، وعن بعض آخر كصاحبي الجواهر والمصباح(3) أنّها هي رواية الحلبيّ.

  • (1) جامع المقاصد 2: 86 .

  • (2) الحدائق الناضرة 7: 97، مجمع الفائدة والبرهان 2: 83 ـ 84 ، مدارك الأحكام 3: 179.

  • (3) جواهر الكلام 8 : 208، مستند الشيعة 4: 347، مصباح الفقيه 10: 330 ـ 332.

( صفحه 325 )

وقد اختاره سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) ; نظراً إلى أنّ التفصيل بين ما تتمّ، وما لا تتمّ مخالف لفتاوي جميعهم; لأنّ المسلّم بينهم إنّما هي الحرمة التكليفيّة المطلقة(1). وأمّا بطلان الصلاة، فالمعروف بينهم العدم.

نعم، ذهب إليه بعضهم(2) استناداً إلى اقتضاء النهي التكليفي له عقلا، من غير فرق بين ما تتمّ وغيره، فالتفصيل الذي يدلّ عليه الرواية مناف لكلا القولين، وهذا بخلاف المكاتبتين; فإنّ عدم حلّية الصلاة في الحرير المحض لا ينافي فتاواهم; لأنّهم أيضاً يقولون بذلك، غاية الأمر أنّ النهي لا يقتضي الفساد عند كثير منهم، فهما موافقتان لمذهبهم(3).

أقول: بناءً على ما ذكرنا في مفاد المكاتبتين يكون مدلولهما أيضاً مخالفاً لمذهبهم، غاية الأمر أنّ رواية الحلبي مخالفة لجميع الفتاوي، والمكاتبتان مخالفتان لفتوى الأكثر القائل بعدم البطلان، فإن اُريد من مخالفة العامّة ـ التي هي من المرجّحات المذكورة في مثل مقبولة ابن حنظلة المعروفة(4) ـ مخالفة الجميع، فالترجيح مع رواية الحلبي، وإن اُريد منها المخالفة للفتوى الشائعة الرائجة، فالمكاتبتان أيضاً متّصفتان بذلك، وعلى ما ذكر فالمسألة غير خالية عن الإشكال، ومقتضى الاحتياط الاجتناب عمّا لا تتمّ أيضاً إذا كان حريراً.

  • (1) تقدّم تخريجه في ص320.

  • (2) تقدّم تخريجه في ص310.

  • (3) نهاية التقرير 1: 422.

  • (4) الكافي 1: 67 ح10، الاحتجاج 2: 260 ح232، وعنهما وسائل الشيعة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب11 ح1.

( صفحه 326 )

[عدم البأس بمثل افتراش الحرير والركوب عليه]

مسألة 15: الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير، فلا بأس بالافتراش والركوب عليه والتدثّر به ـ أي التغطّي به عند النوم ـ ولا بزرّ الثياب وأعلامها، والسفائف والقياطين الموضوعة عليها، كما لا بأس بعصابة الجروح والقروح وحفيظة المسلوس، بل ولا بأس بأن يرقع الثوب به، ولا الكفّ به لو لم يكونا بمقدار يصدق معه لبس الحرير; وإن كان الأحوط في الكفّ
أن لا يزيد على مقدار أربع أصابع مضمومة، بل الأحوط ملاحظة التقدير المزبور في الرقاع أيضاً 1 .

1 ـ أمّا جواز الافتراش وكذا الركوب; فلاختصاص أدلّة المنع باللبس، وهو مغاير لهما، فلا دليل على المنع بالإضافة إليه، مضافاً إلى صحيح علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفراش الحرير ومثله من الديباج والمصلّى الحرير، هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال: يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه(1).

ورواية مسمع بن عبد الملك البصري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف، أو يجعله مصلّى يصلّي عليه(2).

وأمّا التدثّر به، فإن كان المراد به ما في المتن من التغطّي به عند النوم;

  • (1) الكافي 6: 477 ح8 ، تهذيب الأحكام 2: 374 قطعة من ح1553، مسائل عليّ بن جعفر: 180 ح342، قرب الإسناد: 185 ح687، وعنها وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب15 ح1.

  • (2) الفقيه 1: 172 ح809 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب15 ح2.

( صفحه 327 )

فالوجه في جوازه عدم صدق اللبس عليه، وإن كان المراد به التغطّي به في سائر الأحوال من جلوس وقيام ومشي، فالظاهر صدق اللبس عليه، ويكون حينئذ محرّماً، ولعلّ ذلك منشأ اختلافهم في صدق اللبس عليه وعدمه.

وأمّا زرّ الثياب وأعلامها وما عطف عليه; فالوجه في الجواز في الجميع ما ذكر من عدم صدق اللبس عليه. نعم، في خصوص الكفّ حكي المنع عن السيّد في بعض رسائله(1)، والميل إليه عند الأردبيلي وكاشف اللثام(2)، والتردّد فيه عن المدارك والكفاية والمفاتيح(3).

ولعلّ منشؤه موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: وعن الثوب يكون علمه ديباجاً؟ قال: لا يصلّي فيه(4).

وخبر جرّاح المدائني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، ويكره لباس الحرير، ولباس الوشي، ويكره الميثرة(5)الحمراء; فإنّها ميثرة إبليس(6).

  • (1) حكى عنه في بعض نسخ مدارك الأحكام، فراجع هامش ج3: 181، ومفتاح الكرامة 5: 523 ـ 524، وجواهر الكلام 8 : 213، وقال في الجواهر 8 : 214، لم يثبت النقل عنه.

  • (2) مجمع الفائدة والبرهان 2: 85 ، كشف اللثام 3: 221 ـ 223.

  • (3) مدارك الأحكام 3: 181، كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 81 ، مفاتيح الشرائع 1: 110.

  • (4) تهذيب الأحكام 2: 372 ح1548، وعنه وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح8 .

  • (5) الميثرة ـ بالكسر غير مهمورة ـ : شيء يُحشى بقطن أو صوف ويجعله الراكب تحته، والجمع مياثر ومواثر، مجمع البحرين 3: 1903.

  • (6) تهذيب الأحكام 2: 364 ح1510، الكافي 3: 403 ح27، وج6: 454 ح6، وعنهما وسائل الشيعة 4: 370، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح9.

( صفحه 328 )

وفي مقابلهما خبر يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعَلَمه حريراً، وإنّما كره الحرير المبهم للرجال(1).

فإنّ إطلاق نفي البأس فيه يشمل الصلاة وغيرها، كما أنّ الملازمة المستفادة من الروايات بين الحكم الوضعي والتكليفي مؤيّدة للإطلاق.

وخبر أبي داود يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: طيلساني هذا خزّ، قال: وما بال الخزّ؟ قلت: وسداه إبريسم، قال: وما بال الإبريسم؟ قال: لا يكره أن يكون سدا الثوب إبريسم ولا زرّه ولا عَلَمه، إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال، ولا يكره للنساء(2).

ورواية صفوان، عن يوسف تكفي في جبر الضعف بعد النصّ عليه بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة، بل هو من أصحاب الإجماع(3).

والجمع يقتضي حمل النهي على الكراهة، وإن أبيت إلاّ عن اختصاص الموثّقة بالصلاة، فهي مقيّدة للإطلاق في هاتين الروايتين، فنقول:

إنّ إعراض المشهور(4) عن ظاهرها يكفي في وهنها، مضافاً إلى لزوم

  • (1) تهذيب الأحكام 2: 208 ح817 ، الاستبصار 1: 386 ح1467، الفقيه 1: 171 ح808 ، وعنها وسائل الشيعة 4: 375، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح6.

  • (2) الكافي 6: 451 ح5، وعنه وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح1.

  • (3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 556، الرقم 1050، العُدّة في اُصول الفقه 1: 154.

  • (4) مجمع الفائدة والبرهان 2: 85 ـ 86 ، الحدائق الناضرة 7: 99 ـ 100، وفي مدارك الأحكام 3: 180، أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام المتأخّرين، وفي مفاتيح الشرائع 1: 110 مفتاح 125، جوّزها ـ أي الصلاة ـ في المكفوف به المتأخّرون.

( صفحه 329 )

التفكيك المنافي للملازمة التي أشرنا إليها، كما لا يخفى.

وأمّا ما في المتن من الاحتياط بترك ما زاد على أربع أصابع مضمومة، فالظاهر خلوّ كلام الأكثر عن هذا التقييد، ولا يكون له مستند في رواياتنا. نعم، روى العامّة عن عمر: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نهى عن الحرير إلاّ في موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع(1)، والظاهر أنّه لا يجوز الاعتماد عليها; لعدم الجابر لها.

نعم، يمكن أن يقال بأنّ منشأ الاحتياط الاقتصار على القدر المتيقّن في الخروج عن دليل المنع، فتدبّر.

  • (1) صحيح مسلم 3: 1307 ح15، سنن أبي داود: 613 ح4042، سنن الترمذي 4: 217 ح725.

( صفحه 330 )

[كون المحرّم هو الحرير الخالص]

مسألة 16: قد عرفت أنّ المحرّم لبس الحرير المحض; أي الخالص الذي لم يمتزج بغيره، فلا بأس بالممتزج، والمدار على صدق مسمّى الامتزاج، الذي يخرج به عن المحوضة ولو كان الخليط بقدر العشر. ويشترط في الخليط من جهة صحّة الصلاة فيه كونه من جنس ما تصحّ الصلاة فيه، فلا يكفي مزجه بصوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه وإن كان كافياً في رفع حرمة اللبس. نعم، الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يحرم لبسه، كما لا تصحّ الصلاة فيه 1 .

1 ـ قد عرفت(1) أنّ المأخوذ في الروايات المتعرّضة لحكم الحرير ـ تكليفاً أو وضعاً ـ هو الحرير المحض، أو المبهم، أو المصمت، أو شبهها، ومرجع ذلك إلى مدخليّة قيد المحوضة والخلوص في متعلّق الحكم، وقد وقع الإشكال في أنّه هل يخرج بهذا التقييد خصوص ما إذا كان الثوب منسوجاً من الإبريسم مخلوطاً بغيره; كأن يكون سداه منه ولحمته من غيره، أو يخرج بسببه صور اُخرى أيضاً؟

لا إشكال في خروج صورة الامتزاج المذكورة، لكن لابدّ من ملاحظة أنّ المدار على صدق مسمّى الامتزاج ـ ولو كان الخليط بقدر العشر أو أقلّ ـ ما لم يبلغ حدّ الاستهلاك الذي لا يكون ملحوظاً بنظر العرف بوجه، ولا يكون محكوماً عنده إلاّ بالمحوضة والخلوص، أو أنّ المدار على أمر آخر؟

ربما يقال بأنّه يمكن أن يستفاد من بعض الروايات أنّه لابدّ أن يكون سدا الثوب بتمامه أو لحمته بتمامها من غير الحرير:

  • (1) في ص306 ـ 307.

( صفحه 331 )

كرواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتّان(1).

فإنّ القطن والكتّان وإن لم يكن لهما خصوصيّة بشهادة الفتاوى وبعض الروايات(2)، إلاّ أنّ ظهور الرواية في اعتبار كون مجموع السدا أو اللحمة من غير الحرير لا مناقشة فيه; لأنّ مفهومها ثبوت البأس مع عدم كونه كذلك.

وكذا رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته، أو سداه خزّ أو كتّان أو قطن، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء(3).

فإنّ مقابلة الحرير المحض بما إذا كان سداه أو لحمته من غيره ظاهرة في ذلك، ولكنّ الظاهر خلاف ذلك; فإنّه لا شبهة في أنّ الحرير المحض له معنى ومفهوم بحسب نظر العرف، وليس للشارع اصطلاح خاصّ في ذلك.

وعليه: فالمقابلة في الرواية الأخيرة لا تكون ظاهرة في أنّ المقابل للوصف هو خصوص ما كان السدا أو اللحمة بتمامهما من غير الحرير، بل ذكر هذه الصورة إنّما هو من باب كونه أحد المصاديق، ومن الأفراد الظاهرة، كما أنّ الظاهر أنّ المفهوم في الرواية الاُولى ما إذا لم يكن هناك اختلاط وامتزاج; لأنّ ما ذكر في المنطوق ليس له خصوصيّة، كما لا يخفى.

  • (1) الكافي 6: 454 ح10، وعنه وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح2.

  • (2) كما في جواهر الكلام 8 : 227.

  • (3) تهذيب الأحكام 2: 367 ح1524، الاستبصار 1: 386 ح1468، وعنهما وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح5.

( صفحه 332 )

ثمّ إنّ ظاهر الجواهر والمصباح(1) أنّ الوصف يوجب خروج ما إذا كان بعض الثوب بسداه ولحمته من الإبريسم، وبعضه من غيره، كالمنسوج على الطرائق. نعم، لو كان بعضه المنسوج من الإبريسم بمقدار يصلح لأن يكون تمام الثوب ـ كما إذا كانت ظهارته أو بطانته أو حشوه من الإبريسم ـ يشكل الحكم بعدم التحريم، مستندين في ذلك إلى أنّ بعض الثوب لا يكون ثوباً، بل جزء منه.

ويرد عليهما ـ مضافاً إلى أنّه لم يرد لفظ الثوب في متعلّق النهي، وتفسير الحرير به غير ظاهر ـ : أنّ الثوب في اللغة عبارة عن الشيء المنسوج، ولا يكون مساوقاً للقميص وأمثاله من الألبسة، ويدلّ عليه ملاحظة موارد إطلاقه، كما يقال في كفن الميّت: إنّه عبارة عن ثلاثة أثواب، وكما يقال: ثوبا الإحرام، مع أنّه يعتبر أن لا يكونا مخيطين للرجال، وكغيرهما من الموارد، فالاستناد المذكور غير تامّ.

مع أنّ مقتضاه عدم ثبوت الحكم بالتحريم في مثل الظهارة والبطانة والحشو; لأنّ المفروض كون كلّ واحد منها بالفعل بعض الثوب لا تمامه، وصلاحيّته لأن يصير تمام الثوب لا يوجب خروجه عن الحكم الثابت له بالفعل باعتبار كونه جزءاً منه.

والظاهر ثبوت التحريم في جميع الصور، وكون المقابل للوصف هو خصوص الصورة المذكورة; وهي صورة الاختلاط والامتزاج.

ثمّ إنّه يشترط في الجواز من جهة الحكم الوضعي في صورة الاختلاط،

  • (1) جواهر الكلام 8 : 229 ـ 232، مصباح الفقيه 10: 341 ـ 343.

( صفحه 333 )

أن يكون الخليط من جنس ما تصحّ الصلاة فيه، فلا يكفي مزجه بصوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه; ضرورة أنّ الخلط بمثله يوجب بطلان الصلاة، إمّا لأجل كون المفروض أنّه ممّا لا تصحّ الصلاة فيه، وإمّا لأجل انصراف دليل خروج صورة الاختلاط عن مثل هذا الاختلاط أيضاً، وعلى أيّ فالحكم يختصّ بالجواز الوضعي. وأمّا الجواز التكليفي، فلا مانع منه إلاّ على القول بالانصراف فيه أيضاً، وهو بعيد; لأنّه لا وجه له فيه، كما لا يخفى.

نعم، الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يجري فيه كلا الحكمين: التكليفي، والوضعي; لصدق لبس الذهب والصلاة فيه، ولم يرد قيد المحوضة والخلوص في أدلّة حرمة لبس الذهب والصلاة فيه، فيتحقّق فيه الحكمان.

( صفحه 334 )

[لبس لباس الشهرة، ولبس الرجال مايختصّ بالنساء، وبالعكس]

مسألة 17: لبس لباس الشهرة وإن كان حراماً على الأحوط، وكذا ما يختصّ بالنساء للرجال وبالعكس على الأحوط، لكن لا يضرّ لبسهما بالصلاة 1 .

بعض أحكام اللباس في الصلاة وغيرها

1 ـ أمّا عدم إضرار لباس الشهرة، وكذا ما عطف عليه بصحّة الصلاة; فلعدم الدليل على ثبوت الحكم الوضعي في مثله، كما قام في الذهب والحرير، ومجرّد ثبوت الحرمة التكليفيّة ـ على تقديرها ـ لا يوجب ثبوت البطلان; لعدم كون النهي متعلّقاً بالعبادة، وعدم كون اجتماع الأمر والنهي ـ على تقديره ـ موجباً لفساد المجمع على تقدير كونه عبادة، وعلى تقديره لا يكون المجمع في المقام عبادة، بل هو شرط لها، وشرط العبادة يغاير جزءها، حيث إنّه لا يلزم أن يكون عبادة، بخلاف الجزء، وقد مرّ(1) الكلام في ذلك في بحث الذهب.

وأمّا الحكم التكليفي، فالكلام فيه يقع في أمرين:

الأوّل: لبس لباس الشهرة، والمراد منه ـ كما في العروة ـ أن يلبس خلاف زيّه من حيث جنس اللباس، أو من حيث لونه، أو من حيث وضعه وتفصيله وخياطته(2). والدليل على الحرمة فيه روايات كثيرة:

مثل صحيحة أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ الله يبغض شهرة اللباس(3). ولا تبعد دعوى ظهور «يبغض» في المبغوضيّة الثابتة

  • (1) في ص303 ـ 305.

  • (2) العروة الوثقى 1: 405 مسألة 1310.

  • (3) الكافي 6: 444 ح1، وعنه وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب12 ح1.

( صفحه 335 )

في المحرّمات.

ومرسلة ابن مسكان، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره، أو يركب دابّة تشهره(1).

والظاهر أنّ دلالتها كسندها في الضعف; لظهورها في بيان الحكم الأخلاقيّ الراجع إلى انحطاط المقام الإنساني بطلب الشهرة من اللباس، أو المركب، ومثله من الجماد والحيوان.

ومرسلة عثمان بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الشهرة خيرها وشرّها في النار(2).

ورواية أبي سعيد، عن الحسين (عليه السلام) قال: من لبس ثوباً يشهره كساه الله يوم القيامة ثوباً من النار(3).

وغير ذلك من الروايات(4)، والعمدة هي الرواية الاُولى، والمستفاد من صاحب الوسائل عدم دلالتها على الحرمة أيضاً; حيث إنّه ذكر في عنوان الباب «كراهة الشهرة في الملابس وغيرها»، وحمل الرواية الأخيرة على بعض الأقسام المحرّمة(5). والمحكيّ عن ظاهر الرياض ومفتاح الكرامة(6) ـ في مسألة تزيين الرجل بما يحرم عليه ـ عدم الخلاف في ذلك.

  • (1) الكافي 6: 445 ح2، وعنه وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب12 ح2.

  • (2) الكافي 6: 445 ح3، وعنه وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب12 ح3.

  • (3) الكافي 6: 445 ح4، وعنه وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب12 ح4.

  • (4) مستدرك الوسائل 3: 245، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب8 .

  • (5) وسائل الشيعة 5: 24 ـ 25 ب12.

  • (6) رياض المسائل 8 : 77 ـ 78، مفتاح الكرامة 12: 197 ـ 198.

( صفحه 336 )

الثاني: لبس الرجال ما يختصّ بالنساء، وكذا العكس، وفي محكيّ الرياض نسب الحرمة إلى الأشهر الأظهر المحتمل فيه الإجماع(1)، والعمدة في دليله ما حكي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ففي رواية عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث: لعن الله المحلّل والمحلّل له، ومن تولّى غير مواليه، ومن ادّعى نسباً لا يعرف، والمتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال، ومن أحدث حدثاً في الإسلام، أو آوى محدثاً، ومن قتل غير قاتله، أو ضرب غير ضاربه(2).

ولكن في دلالتها قصور; لأنّ الظاهر من التشبّه تأنّث الذكر وتذكّر الاُنثى، لا مجرّد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبّه.

ويؤيّده ما عن العلل، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (عليه السلام)
أنّه رأى رجلا به تأنيث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال له: اخرج من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا من لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ قال علي (عليه السلام) : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال(3).

وفي بعض الروايات أنّ المراد بالتشبّه معنى آخر، كرواية يعقوب بن جعفر، الواردة في المساحقة، الدالّة على أنّه فيهنّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لعن الله

  • (1) رياض المسائل 8 : 77.

  • (2) الكافي 8 : 69 ح27، وعنه وسائل الشيعة 17: 284، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب87 ح1.

  • (3) علل الشرائع: 602 ح63، وعنه وسائل الشيعة 17: 284، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب87 ح2، وج20: 337، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم وما يناسبه ب18 ح9.

( صفحه 337 )

المتشبّهات بالرجال من النساء، الحديث(1).

ورواية أبي خديجة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال، وهم المخنّثون، واللاّتيّ ينكحن بعضهنّ بعضاً(2).

هذا، ولكن لا يستفاد من مثلها الانحصار، بل يمكن أن يكون للتشبّه معنى عامّ يشمل هذا المعنى أيضاً.

ويؤيّده رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبدالله أو أبي الحسن (عليهما السلام) في الرجل يجرّ ثيابه، قال: إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء(3).

وعن أبي عبدالله (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء، وينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها(4).

وذكر السيّد صاحب العروة في حاشية المكاسب في مسألة تزيين الرجل بما يحرم عليه عند الإشكال على الاستدلال بالنبويّ المشهور، أنّ الرواية فيها أربع احتمالات:

الأوّل: أن يكون المراد ما هو محلّ الكلام مع كون الحكم إلزاميّاً.

الثاني: أن يكون المراد خصوص تأنّث الذكر وتذكّر الاُنثى; سواء كان

  • (1) الكافي 5: 552 ح4، وعنه وسائل الشيعة 20: 346، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم وما يناسبه ب24 ح5.

  • (2) الكافي 5: 550 ح4، وعنه وسائل الشيعة 20: 346، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم وما يناسبه ب24 ح6.

  • (3 ، 4) مكارم الأخلاق: 256 ح767 و 768، وعنه وسائل الشيعة 5: 25، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب13 ح1 و 2.

( صفحه 338 )

باللباس أو بغيره; بأن يدخل نفسه في عدادهنّ، أو تدخل نفسها في عدادهم، ويشهد له المحكيّ عن العلل.

الثالث: كون المراد خصوص اللواط والمساحقة، ويشهد له روايتا يعقوب وأبي خديجة.

الرابع: أن يكون المراد المعنى الأوّل، لكن مع كون الحكم غير إلزاميّ، ويكون اللعن من جهة شدّة الكراهة، ويشهد له الروايتان الأخيرتان.

ثمّ قوّى الحكم بالحرمة; لظهور النبويّ في حدّ نفسه فيها، وانجبار قصور سندها بالشهرة(1)، والمحامل المذكورة تأويلات بلا شاهد، والشواهد لها الأخبار المذكورة التي كلّها ضعاف(2).

ويمكن الإيراد عليه بعدم انطباق النبوي على المدّعى; لأنّه عبارة عن مجرّد لبس أحد الجنسين ما يختصّ بالآخر، والمأخوذ في النبوي هو عنوان التشبّه، وهو من العناوين المتقوّمة بالقصد; لأنّ ظاهره فعل ما به تكون المشابهة بقصد حصولها، فمجرّد اللبس من دون القصد لا يشمله الحديث، هذا، ولكن مع ذلك كلّه، فالأحوط هي الحرمة كما في المتن.

  • (1) مفتاح الكرامة 12: 198، رياض المسائل 8 : 77 ـ 78.

  • (2) حاشية المكاسب 1: 96 ـ 97.

( صفحه 339 )

[الشكّ في كون اللباس أو الخاتم ذهباً أو حريراً أو غيره]

مسألة 18: لو شكّ في أنّ اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره، يجوز لبسه
والصلاة فيه. وكذا ما شكّ أنّه حرير أو غيره ـ ومنه ما يسمّى بالشعري ـ لمن
لا يعرف حقيقته. وكذا لو شكّ في أنّه حرير محض أو مهتزج وإن كان الأحوط الاجتناب عنه 1 .

1 ـ قد تقدّم(1) البحث عن اللباس المشكوك في مسألة مانعيّة غير المأكول، وقد مرّ(2) أنّ مقتضى القاعدة جواز الصلاة وصحّتها في صورة الشكّ. وعليه: فلو شكّ في كون اللباس ذهباً أو حريراً، وكذا في كون الخاتم ذهباً لا مانع من الصلاة فيهما.

نعم، في الخاتم تداول لبس ما يسمّى بـ «پلاتين»، والشائع في تفسيره أنّه الذهب الأبيض، فإن كان هذا التفسير صحيحاً مورداً للاعتماد، فمقتضى القاعدة حينئذ عدم جواز الصلاة فيه، وكذا حرمة التختّم به; لأنّه من مصاديق الذهب، والحكم التكليفي وكذا الوضعي إنّما تعلّق باللبس والصلاة في الذهب مطلقاً، من دون فرق بين الأصفر والأبيض، وإن كانت صحّة هذا التفسير محلاًّ للشكّ والترديد، فالحكم حينئذ الجواز تكليفاً ووضعاً.

ولو علم بكون اللباس حريراً ولكنّه شكّ في المحوضة والامتزاج، فربما يقال: إنّ المرجع أصالة عدم الحرير ممزوجاً; لأنّ المزج طارئ على الحرير فيستصحب عدمه(3).

  • (1 ، 2) في ص196 وما بعدها.

  • (3) ذكره في مستمسك العروة الوثقى 5: 386 بعنوان نعم، يمكن أن يقال.

( صفحه 340 )

ولكن يرد عليه: أنّ الحرير عبارة عن المنسوج من الإبريسم ومثله، والثوب المنسوج يكون من أوّل نسجه مردّداً بين المحوضة والامتزاج; لأنّه من ذلك الحين إمّا أن يكون محضاً، وإمّا أن يكون ممزوجاً، فاستصحاب عدم المزج ـ مضافاً إلى معارضته باستصحاب عدم المحوضة ـ يكون من قبيل استصحاب عدم قرشيّة المرأة، وقد حقّقنا في الاُصول عدم جريان مثله(1); لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقّنة، وانّه لا مجال لاستصحاب القضيّة السالبة بانتفاء الموضوع لإثبات السالبة بانتفاء المحمول.

وعليه: فالأقوى في هذه الصورة أيضاً جواز اللبس والصلاة وإن كان الأحوط الاجتناب.

  • (1) سيرى كامل در اُصول فقه 8 : 239 ـ 248.

( صفحه 341 )

[لبس الصبيّ الحرير، وإلباسه، وصلاته فيه]

مسألة 19: لا بأس بلبس الصبيّ الحرير، فلا يحرم على الوليّ إلباسه، ولا يبعد صحّة صلاته فيه أيضاً 1 .

1 ـ أمّا عدم حرمة اللبس على الصبيّ فواضح. وأمّا عدم حرمة الإلباس على الوليّ، فيستفاد من المتن أنّه يتفرّع على عدم حرمة اللبس عليه; بمعنى أنّ ثمرة عدم حرمة اللبس عدم حرمة الإلباس، مع أنّ الظاهر أنّه ليس كذلك; لأنّه ربما يعلم من مذاق الشرع أنّه لا يرضى بوجود بعض المحرّمات حتّى من الصبيّ، بل يكره وجوده منهم أيضاً.

غاية الأمر أنّ خروجهم عن دائرة التكليف منع عن توجّه الخطاب والحكم إليهم، وفي مثله يكون الوليّ مأموراً بأن يمنعهم عن إيجاده، فضلا عن أن يوجب بنفسه ويتسبّب إلى إيجاده، وذلك مثل شرب الخمر واللواط.

وعليه: فمجرّد عدم الحرمة على الصبيّ لا يقتضي نفي التكليف عن الوليّ. نعم، لابدّ من إحراز كون المبغوض كذلك، وأنّه يكره الشارع وجوده في الخارج من الصبيان، ولم يتحقّق ذلك في الحرير، خصوصاً بعد ملاحظة ثبوت الجواز للنساء مطلقاً، وللرجال في جملة من الموارد.

وأمّا صلاة الصبيّ في الحرير، فبناءً على كون عباداته شرعيّة لا تمرينيّة لابدّ من ملاحظة دليل المانعيّة، فنقول:

يمكن أن يقال بأنّ مقتضى قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة(1): «لاتحلّ الصلاة في حرير محض» بطلان الصلاة في الحرير مطلقاً; من دون فرق بين

  • (1) في ص181، 186، 311، 313 و 317 ـ 318.

( صفحه 342 )

البالغ وغيره; لما عرفت(1) من عدم كون المراد من نفي الحلّية هو الحكم المولوي، بل هو إرشاد إلى الفساد والبطلان الذي هو حكم وضعيّ. وعليه: تكون صلاة الصبيّ في الحرير باطلة، كثبوت سائر الأحكام الوضعيّة في حقّه، كالضمان الثابت بسبب اتلافه مال الغير، واعتبار سائر الشرائط والموانع للصلاة في حقّه.

ولكنّ الظاهر أنّه ليس كذلك; فإنّ المستفاد من الروايات الواردة في حكم الحرير تكليفاً ووضعاً ثبوت الملازمة بين الحكمين; بمعنى ثبوت البطلان في موضع ثبوت التحريم، وعدم ثبوت الأوّل مع عدم ثبوت الثاني، وبملاحظة هذه الملازمة لا تبعد دعوى صحّة صلاة الصبيّ في الحرير أيضاً، كعدم حرمة لبسه كما في المتن.

  • (1) في ص311 ـ 312.

( صفحه 343 )

كيفيّة صلاة العاري

مسألة 20: لو لم يجد المصلّي ساتراً حتّى الحشيش والورق، يصلّي عرياناً قائماً على الأقوى إن كان يأمن من ناظر محترم، وإن لم يأمن منه صلّى جالساً، وفي الحالين يومىء للركوع والسجود، ويجعل إيماءه للسجود أخفض، فإن صلّى قائماً يستر قبله بيده، وإن صلّى جالساً يستره بفخذيه 1 .

1 ـ لو كان المصلّي فاقداً للساتر الذي يعتبر في الصلاة من جهة الحكم الوضعي ـ وقد مرّ البحث عنه مفصّلا(1) ـ أو كان ثوبه منحصراً في النجس، وقلنا بأنّه يجب عليه الصلاة عارياً، فقد وقع الاختلاف في كيفيّة صلاته من حيث القيام والقعود، ومن جهة الركوع والسجود، أو الإيماء بدلهما، ولابدّ من التكلّم في كلّ واحدة من الجهتين مستقلاًّ.

فنقول: أمّا من الجهة الاُولى: فالمشهور(2) هو التفصيل بين صورة الأمن من المطّلع فيصلّي قائماً، وصورة عدم الأمن فيصلّي جالساً، وعن السرائر(3)، تعيّن القيام مطلقاً، وعن الصدوق في الفقيه والمقنع(4) والسيّد في الجمل والمصباح(5) والشيخين في المقنعة والتهذيب(6) تعيّن الجلوس مطلقاً، واحتمل

  • (1) في ص60 وما بعدها.

  • (2) مختلف الشيعة 2: 116 مسألة 57، التنقيح الرائع 1: 183 ـ 184، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 579 ـ 580، مجمع الفائدة والبرهان 2: 107، مدارك الأحكام 3: 194 ـ 195، كشف اللثام 3: 245، مفتاح الكرامة 6: 52، جواهر الكلام 8 : 330، مستمسك العروة الوثقى 5: 396.

  • (3) السرائر 1: 260.

  • (4) الفقيه 1: 296 ذ ح1352، المقنع: 122.

  • (5) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 49، وحكى عن المصباح في المعتبر 2: 104.

  • (6) المقنعة: 216، تهذيب الأحكام 3: 178.

( صفحه 344 )

في المعتبر(1) ـ على ما حكي عنه ـ التخيير بين القيام والقعود حاكياً له عن ابن جريج، ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب:

فطائفة منها ظاهرة في تعيّن الجلوس:

كموثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : قوم قطع عليهم الطريق واُخذت ثيابهم، فبقوا عراةً وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال: يتقدّمهم إمامهم، فيجلس ويجلسون خلفه، فيومىء إيماءً بالركوع والسجود، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم(2).

ورواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة؟ قال: يتقدّمهم الإمام بركبتيه، ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس(3).

وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه، فقال: يصلّي إيماءً وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما، الحديث(4).

  • (1) المعتبر 2: 105.

  • (2) تهذيب الأحكام 2: 365 ح1514، وعنه وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب51 ح2.

  • (3) تهذيب الأحكام 2: 365 ح1513، وج3: 178 ح404، وعنه وسائل الشيعة 4: 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب51 ح1.

  • (4) الكافي 3: 396 ح16، تهذيب الأحكام 2: 364 ح1512، وج3: 178 ح403، وعنهما وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب50 ح6.

( صفحه 345 )

ورواية محمد بن عليّ الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلاّ ثوب واحد، وأصاب ثوبه منيّ؟ قال: يتيمّم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعاً، فيصلّي ويومىء إيماءً(1).

ورواية سماعة ـ الموثّقة ـ قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلاّ ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: يتيمّم ويصلّي عرياناً قاعداً يومىء إيماءً(2).

هذا على ما رواه في الكافي، ورواه الشيخ عن الكليني مثله، ولكنّ الشيخ رواه بنفسه وذكر بدل «قاعداً» قائماً(3).

وغير ذلك من الروايات الظاهرة في تعيّن الجلوس، كرواية أبي البختري الآتية(4) في كيفيّة صلاتهم من حيث الركوع والسجود.

وطائفة ثانية ظاهرة في تعيّن القيام، مثل:

صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة، كيف يصلّي؟ قال: إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود،

  • (1) تهذيب الأحكام 1: 406 ح1278، وج2: 223 ح882 ، الاستبصار 1: 168 ح583، وعنهما وسائل الشيعة 3: 487، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب46 ح4.

  • (2) الكافي 3: 396 ح15، تهذيب الأحكام 2: 223 ح881 ، وعنهما وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب46 ح1.

  • (3) تهذيب الأحكام 1: 405 ح1271، الاستبصار 1: 168 ح582، وعنهما وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب46 ح2.

  • (4) في ص349.

( صفحه 346 )

وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم(1).

ورواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في حديث: وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائماً(2).

وموثقة سماعة المتقدّمة بناء على نقل الشيخ (قدس سره) ، كما عرفت.

وطائفة ثالثة ظاهرة في التفصيل، مثل:

مرسلة ابن مسكان، عن بعض أصحابه ـ التي رواها عنه ابن أبي عمير ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة، قال: يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً(3).

ومرسلة الصدوق قال: وروي في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة: أنّه يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً(4).

ولكنّ الظاهر أنّها لا تكون رواية مستقلّة، بل هي رواية ابن مسكان المتقدّمة، ولكنّ الصدوق رواها بنحو الإرسال المحض.

ورواية عبدالله بن مسكان، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائماً(5). ولكن صاحب

  • (1) تقدّمت في ص61.

  • (2) تهذيب الأحكام 2: 366 ح1519، الفقيه 1: 166 ح782، وعنهما وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب50 ح4.

  • (3) تهذيب الأحكام 2: 365 ح1516، وعنه وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب50 ح3.

  • (4) الفقيه 1: 168 ح793، وعنه وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب50 ح5.

  • (5) المحاسن 2: 122 ح1338، وعنه وسائل الشيعة 4: 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب50 ح7.

( صفحه 347 )

الوسائل روى هذه الرواية بعينها عن ابن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (1) في أبواب النجاسات.

والظاهر أنّ ابن مسكان لا يمكن له النقل عن أبي جعفر (عليه السلام) بدون الواسطة. وأمّا النقل عن أبي عبدالله (عليه السلام) فقد ذكر في ترجمته أنّه قليل الرواية عنه، وأنّه من أصحاب الكاظم (عليه السلام) ، بل عن يونس أنّه لم يسمع عن أبي عبدالله (عليه السلام) إلاّ حديث: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ»(2).

وعليه: فيقوى في النظر أنّه لا يكون هنا إلاّ رواية واحدة مرسلة رواها ابن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) كذلك، ولكن حيث إنّ الراوي عنه هو ابن أبي عمير، الذي اشتهر اعتبار مراسيله(3)، مضافاً إلى كون مضمون الرواية
مفتى به للمشهور(4)، فالظاهر حينئذ اعتبارها وصيرورتها شاهدة للجمع بين الطائفتين، بحمل الاُولى على صورة وجود الناظر، وعدم الأمن من المطّلع، وحمل الثانية على صورة الأمن منه، ولعلّ انحصار هذه الطائفة الثالثة بخصوص المرسلة صار منشأ للأقوال الاُخر، فتدبّر.

وأمّامن الجهة الثانية: وهي الركوعوالسجود،أوالإيماءبدلاعنهما، فالمشهور (5)

  • (1) كذا في وسائل الشيعة 2: 68، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب46 ح2، طبع مكتبة الإسلاميّة بطهران سنة 1376، ولكن في الطبعة الأخيرة 3: 486، وكلا طبعتي المحاسن رواها عن أبي جعفر (عليه السلام) .

  • (2) رجال النجاشي: 214، الرقم 559، اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 383، الرقم 716، خلاصة الأقوال: 194، الرقم 607، معجم رجال الحديث 10: 324، الرقم 7161.

  • (3) العُدّة في اُصول الفقه 1: 154.

  • (4) تقدّم في ص343.

  • (5) تقدّم تخريجه في ص343.

( صفحه 348 )

فيها هو الإيماء مطلقاً; سواء صلّى جالساً أو قائماً، واختاره أكثر(1) من اختار تعيّن القيام، أو الجلوس في الجهة الاُولى، وحكي عن بعض القول بوجوب الركوع والسجود مطلقاً(2).

ولكن ابن زهرة ذكر أنّ العريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلّى قائماً وركع وسجد، وإلاّ صلّى جالساً مومئاً، مدّعياً عليه الإجماع(3)، واحتاط في العروة في الصورة الاُولى بتكرار الصلاة، والجمع بين صلاة المختار تارة، ومومئاً للركوع والسجود اُخرى(4).

وقوّى صاحب الجواهر ما اختاره ابن زهرة; نظراً إلى الأصل، وخبر الحفيرة(5)، وموثّقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : قوم قُطع عليهم الطريق واُخذت ثيابهم، فبقوا عراةً وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال (عليه السلام) : يتقدّمهم إمامهم، فيجلس ويجلسون خلفه، فيومىء إيماءً للركوع والسجود، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم(6).

وللإجماع المنقول، ولأنّ الذي يسوّغ له القيام ـ المقتضي لانكشاف قُبُله ـ الأمن من المطّلع، فليقتض أيضاً وجوب الركوع والسجود وإن استلزم أيضاً

  • (1) كالصدوق في الفقيه 1: 296، والمقنع: 122، والمفيد في المقنعة: 216، والسيّد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 49، وابن إدريس في السرائر 1: 260.

  • (2) راجع مفتاح الكرامة 6: 56، ورياض المسائل 3: 249، ونهاية التقرير 1: 310، ولم نعثر على القائل به عاجلاً.

  • (3) غنية النزوع: 92.

  • (4) العروة الوثقى 1: 406 مسألة 1311.

  • (5) يأتي في ص352.

  • (6) تقدّمت في ص344.

( صفحه 349 )

انكشاف العورة، ولا سيّما وظاهر نصوص التفصيل بين الأمن من المطّلع وغيره جواز كشف العورة من جهة الصلاة، وبذلك يظهر وهن الصحيح والموثّق، لاسيّما وكان الثاني مرويّاً في الكافي «قاعداً» بدل «قائماً» كما عرفت.

والأوّل موهون بعدم العمل بإطلاقه من حيث الأمن من المطّلع وعدمه، وباحتمال إرادة أوّل مراتب الركوع من الإيماء فيه، وبظهوره في لزوم التشهّد
والتسليم قائماً، ولم يعرف دليل عليه ولا مصرّح به، وفي المنع من الإيماء جالساً بدل السجود ولو مع عدم بدو العورة، مع أنّه أقرب إلى هيئة الساجد، ولذا حكى في الذكرى(1) عن السيّد العميدي وجوب الإيماء جالساً(2).

أقول: يظهر ما في هذا المقال من الإشكال من التعرّض لذكر أدلّة المشهور; وهي عبارة عن:

صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة(3)، الدالّة على أنّه إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم. وصحيحة زرارة المتقدّمة(4) أيضاً.

ورواية أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) أنّه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يومىء إيماء، يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس، ثمّ صلّوا كذلك فرادى(5).

  • (1) ذكرى الشيعة 3: 23.

  • (2) جواهر الكلام 8 : 351 ـ 358، وما هنا مأخوذ من مستمسك العروة الوثقى 5: 399.

  • (3) في ص345 ـ 346.

  • (4) في ص344.

  • (5) قرب الإسناد: 142 ح511، وعنه وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب52 ح1.

( صفحه 350 )

وموثقة سماعة المتقدّمة(1) التي اختلف نقلها من جهة القيام والقعود.

وبمثلها يرد على صاحب الجواهر بأنّه لا مجال للأصل مع وجود الرواية المصرّحة بالإيماء مع القيام; لأنّ إطلاقات أدلّة الركوع والسجود بالكيفيّة المتعارفة تقيّد بها، وعدم العمل بإطلاقها من جهة الأمن من المطّلع وغيره لا يوجب الوهن فيها بعد كون مقتضى الجمع على ما عرفت(2) هو الحمل على خصوص الصورة المذكورة.

واحتمال كون المراد من الإيماء هو أوّل مراتب الركوع ـ بعد ظهور الرواية في مقابلة الإيماء في الشرطيّة الثانية لإتمام الصلاة بالركوع والسجود الواقع في الشرطيّة الاُولى ـ بعيد جدّاً، خصوصاً مع كون الإيماء بدلا عن السجود أيضاً، ولا مجال لأن يراد به أوّل مراتب الركوع فقط، كما هو ظاهر عبارة الجواهر، وظهورها في لزوم كون التشهّد والتسليم قائماً ممنوع أيضاً; لظهور كون المراد من لزوم القيام هو عدم تبدّل وظيفته من هذه الجهة بسبب كونه عارياً، لا تبدّل وظيفته في الحالتين إلى القيام، كما لا يخفى.

وعلى تقديره لا مانع من الالتزام به بعد دلالة رواية معتبرة عليه، وكون المسوّغ للقيام هو المقتضي لوجوب الركوع والسجود ممنوع أوّلا: بمنع كون القيام مستلزماً لانكشاف القبل بعد احتمال لزوم ستره في هذا الحال باليدين، كما ربما يقال(3)، ويأتي(4) البحث عنه إن شاء الله تعالى، وبمنع المقايسة بين

  • (1) في ص345.

  • (2) في ص347.

  • (3) الفقيه 1: 296 ذ ح1352.

  • (4) في ص353 ـ 354.

( صفحه 351 )

القبل الظاهر في حال القيام على فرضه، والدبر الظاهر في حال الركوع والسجود ثانياً; إذ لا ملازمة بين الأمرين.

والحقّ في المقام أن يقال: إنّه لابدّ من ملاحظة الستر الواجب من جهة الحكم التكليفي، والمعتبر من جهة الحكم الوضعي مستقلاًّ، وكذا لابدّ من ملاحظة ستر الدبر وستر القبل كذلك، فنقول:

مقتضى التفصيل الذي ذكره المشهور في الجهة الاُولى(1) ـ وهي القيام والقعود ـ أنّه مع وجود الناظر المحترم الذي تكون وظيفته الجلوس، تقع
المزاحمة بين القيام المعتبر في الصلاة، والستر الواجب النفسي، ويتقدّم الثاني على الأوّل من جهة ستر القبل; لأنّ الدبر مستور في حال القيام أيضاً بأجزاء البدن، فالمزاحمة بين ستر القبل والقيام، والشارع حكم بتقدّم الأوّل على الثاني، ومع عدم وجود الناظر المحترم يتقدّم القيام على ستر القبل، الذي هو حكم وضعيّ; لعدم ثبوت الحكم التكليفي في هذه الصورة.

وأمّا ستر الدبر، فالمستفاد من صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة(2) الدالّة على وجوب الإيماء، وكذا غيرها من أدلّة الإيماء، هو المزاحمة بينه، وبين الركوع والسجود، وتقدّم الأوّل على الثاني، من دون فرق بين صورة ثبوت التكليف النفسي وعدمه; لأنّه مع وجوب الإيماء مطلقاً يكون طرف المزاحمة هو الستر الصلوتي في خصوص الدبر; لأنّه يظهر بسبب الركوع والسجود.

ولا يعارضها في ذلك إلاّ خبر حفيرة; وهي مرسلة أيّوب بن نوح، عن

  • (1) تقدّم في ص343.

  • (2) في ص345 ـ 346.

( صفحه 352 )

بعض أصحابه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها ويسجد فيها ويركع(1).

وهو مع وجود الإرسال في سندها وعدم الجابر مخصوص بصورة وجود الحفيرة، ورواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة(2) الظاهرة في وجوب الركوع والسجود على المأمومين دون الإمام، ولكنّها موهونة من حيث السند أيضاً; لغرابة نقل محمد بن الحسين، عن عبدالله بن جبلة بدون واسطة، وهي على فرضها هو ابن مبارك، ولم يحرز وثاقته.

ودعوى الوهن فيها من جهة الدلالة أيضاً; نظراً إلى أنّه لو كان موردها صورة الأمن من المطّلع، فلا وجه لوجوب الجلوس عليهم، وإن كان موردها صورة عدم الأمن منه، فلا وجه لوجوب الركوع والسجود عليهم.

مدفوعة بأنّ موردها صورة الأمن من الغير، ولكن وجوب الجلوس إنّما هو بلحاظ أنّه مع القيام تصير أقبالهم مكشوفة لأنفسهم، بخلاف الركوع والسجود الذي لا يوجب إلاّ الإخلال بالستر الصلوتي للدبر فقط، فتدبّر.

فانقدح من جميع ما ذكرنا وجوب الإيماء في حالتي القيام والجلوس للركوع والسجود; لما يستفاد من مثل صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) (3).

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد بالإيماء هو الإيماء بالرأس; لأنّه المتفاهم من إطلاقه

  • (1) تهذيب الأحكام 3: 179 ح405، وج2: 365 ح1517، وعنه وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب50 ح2.

  • (2) في ص344 و 348.

  • (3) تقدّمت في ص345 ـ 346.

( صفحه 353 )

في مقام البدليّة عن الركوع والسجود، مضافاً إلى دلالة صحيحة زرارة المتقدّمة(1) عليه، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما»، ومع عدم الإمكان يكون بالعين، كما يظهر ممّا ورد في المريض الذي يصلّي مستلقياً; من قوله (عليه السلام) : فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، الحديث(2).

بناءً على اتّحاد كيفيّة الإيماء في جميع الموارد، أو أولويّة المقام من المريض، كما في محكيّ الذكرى(3).

وقد ذكر في المتن أنّه يجعل إيماءه للسجود أخفض من ركوعه، ولا شاهد لهذا الحكم إلاّ رواية أبي البختري المتقدّمة(4) المشتملة على قوله (عليه السلام) : «يجعل سجوده أخفض من ركوعه»، ولكنّه مع ضعف سندها لا تصلح لإثبات حكم إلزاميّ، ولم يعلم استناد الأصحاب إليها بنحو يكون جابراً لضعفها، وحصول الافتراق بذلك وإن كان متحقّقاً إلاّ أنّه لا دليل على وجوبه، خصوصاً مع عدم تعرّض الإطلاقات المتكثّرة الواردة في الإيماء لذلك، فالأحوط حينئذ الرعاية.

ثمّ إنّه هل يجب على العاري أن يستر قُبُله في حال القيام بيده بمقدار يمكن التستّر به، أو لا؟ فيه وجهان، ظاهر الإطلاقات الدالّة على وجوب القيام

  • (1) في ص344.

  • (2) الفقيه 1: 235 ح1033، تهذيب الأحكام 3: 176 ح393، وج2: 169 ح671، الكافي 3: 411 ح12، وعنها وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب1 ح13.

  • (3) ذكرى الشيعة 3: 23.

  • (4) في ص349.

( صفحه 354 )

ـ بعد حملها على صورة الأمن ـ عدم لزوم ستره من جهة الصلاة، ولكن في رواية زرارة المتقدّمة(1) المشتملة على قوله (عليه السلام) : «إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته» دلالة على الوجوب.

ولكن عطف قوله (عليه السلام) : «يجلسان» بـ «ثمّ» يوجب ظهوره في كون الفرض قُبُله ما إذا لم يدخل في الصلاة، لأنّ التفكيك بين الجلوس والقيام من جهة وجوب الثاني في حال التكبير والقراءة، ووجوب الأوّل في حال الجلوس ممّا لا قائل به أصلا، فالمعطوف عليه إنّما يكون متعرّضاً لحكم الستر النفسي، والمعطوف لحكم الستر الغيري.

وعليه: فلا دلالة لها على الوجوب في المقام، إلاّ أن يقال: إنّ الستر باليد إنّما هو من مراتب الستر الصلاتي، كما أنّ ستر الدبر بالأليتين إنّما يكون كذلك، ولا حاجة إلى إقامة الدليل عليه، وقد تقدّم(2) البحث عن مراتب الستر الواجب في الصلاة، فراجع.

  • (1) في ص344.

  • (2) في ص92 ـ 100.

( صفحه 355 )

مسألة 21: يجب على الأحوط تأخير الصلاة عن أوّل الوقت إن لم يكن عنده ساتر واحتمل وجوده في آخره، ولكن عدم الوجوب لا يخلو من قوّة 1 .

1 ـ حكي عن السيّد وسلاّر(1) لزوم التأخير عن أوّل الوقت مع احتمال وجود الساتر في وسطه أو آخره، وعن المعتبر الميل إليه(2). لكنّ
المحكي عن الشيخ (قدس سره) (3) في النهاية جواز الصلاة في سعة الوقت. وقد وردت
في المسألة رواية أبي البختري المتقدّمة(4)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) أنّه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب
الوقت يبتغي ثياباً، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يومىء إيماءً، يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس، ثمّ صلّوا كذلك فرادى.

ولكنّها مضافاً إلى ضعف سندها قاصرة من حيث الدلالة; لعدم ظهور كلمة «لا ينبغي» في الإلزام وإن كان يمكن منعه بالظهور في مثل الرواية فيه، وفي الرواية إشكال آخر من جهة دلالتها على المنع عن صلاة الجماعة للعراة، مع صراحة روايات اُخر في جوازها، بل في بعضها كما عرفت(5) بيان كيفيّة صلاة الجماعة لهم.

وعلى أيّ فالاستدلال بها على عدم جواز البدار، خصوصاً لو قيل

  • (1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 49، المراسم: 76.

  • (2) المعتبر 2: 108.

  • (3) النهاية: 58.

  • (4) في ص349.

  • (5) في ص348.

( صفحه 356 )

باقتضاء القاعدة له ـ كما مرّ(1) البحث عنه في باب التيمّم ـ غير خال عن الإشكال، فالأحوط حينئذ هو التأخير كما في المتن. هذا تمام الكلام
في لباس المصلّي.

  • (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، غسل الجنابة، التيمّم، المطهّرات: 471 ـ 481.

( صفحه 357 )

المقدّمة الرابعة في المكان

[بطلان

الصلاة في المكان المغصوب

]

مسألة 1: كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلاّ المغصوب عيناً أو منفعة، وفي حكمه ما تعلّق به حقّ الغير، كالمرهون، وحقّ الميّت إذا أوصى بالثلث ولم يُخرج بعد، بل ما تعلّق به حقّ السبق; بأن سبق شخص إلى مكان من المسجد أو غيره للصلاة مثلا ولم يعرض عنه على الأحوط، وإنّما تبطل الصلاة في المغصوب إن كان عالماً بالغصبيّة وكان مختاراً; من غير فرق بين الفريضة والنافلة.

أمّا الجاهل بها والمضطرّ والمحبوس بباطل، فصلاتهم ـ والحالة هذه ـ صحيحة. وكذا الناسي لها إلاّ الغاصب نفسه; فإنّ الأحوط بطلان صلاته، وصلاة المضطرّ كصلاة غيره بقيام وركوع وسجود 1 .(1)

1 ـ في محكيّ الجواهر الإجماع على بطلان الصلاة في المكان المغصوب محكيّه ومحصّله، صريحاً وظاهراً، مستفيضاً إن لم يكن متواتراً (1) . وفي محكيّ

  • (1) جواهر الكلام 8 : 473.

( صفحه 358 )

مفتاح الكرامة حكاية الإجماع عليه ظاهراً عن نهاية الإحكام، والناصريّة، والمنتهى، والتذكرة، والمدارك، والدروس، والبيان، وجامع المقاصد والغريّة(1). وفي محكيّ جامع المقاصد: تحرم الصلاة في المكان المغصوب بإجماع العلماء إلاّ من شذّ، وتبطل عندنا وعند بعض العامّة(2)،(3).

وقد نقل الخلاف عن الفضل بن شاذان(4)، بل استظهر من كلامه، أنّ القول بالصحّة كان مشهوراً بين الشيعة، كما اعترف به في محكيّ البحار(5).

أقول: لابدّ من ملاحظة أنّ الدليل في المسألة هل هو الإجماع، بحيث يكون له أصالة، ويستكشف منه موافقة المعصوم (عليه السلام) ، أو أنّه يكون مستنداً إلى الدليل العقلي القائم في المسألة; وهو مسألة اجتماع الأمر والنهي؟ وربما يستظهر الثاني من المدارك، حيث استدلّ بقوله: لأنّ الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهيّ عنها، كما هو المفروض، فلا تكون مأموراً بها; ضرورة استحالة كون الشيء الواحد مأموراً به ومنهيّاً عنه(6).

ومقتضى التحقيق هو الأوّل; لأمرين:

  • (1) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 340، مسائل الناصريات: 205، منتهى المطلب 4: 297، تذكرة الفقهاء 2: 397 مسألة 83 ، مدارك الأحكام 3: 217، الدروس الشرعيّة 1: 152، البيان: 128، جامع المقاصد 2: 116، مفتاح الكرامة 6: 130.

  • (2) المغني لابن قدامة 1: 63 و 626، الشرح الكبير 1: 479 ـ 480، المجموع 3: 165 ـ 166، جامع المقاصد 2: 116.

  • (3) إلى هنا مأخوذ من مستمسك العروة الوثقى 1: 416.

  • (4) حكى عنه في الكافي 6: 94 ـ 95، ومفاتيح الشرائع 1: 99 مفتاح 111.

  • (5) بحار الأنوار 83 : 279.

  • (6) مدارك الأحكام 3: 217.

( صفحه 359 )

الأوّل: وجود المناقشة في كون المقام من صغريات مسألة الاجتماع بلحاظ الصلاة أو أجزائها; لعدم اتّحادها مع الغصب في الخارج حتّى تكون محرّمة، لا لأنّ الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدواناً، والاستيلاء لا يكون متّحداً مع الصلاة، بل لأنّه لو اُبدل الغصب بالتصرّف كما نبّهنا عليه مراراً(1) لا يتحقّق الاتّحاد أيضاً; وذلك لأنّ الصلاة مركّبة من الأقوال المخصوصة والأفعال المعيّنة.

والأقوال منها ـ مثل تكبيرة الافتتاح، والقراءة، والتسبيح، والتشهّد، والتسليم ـ تكون من قبيل الكيفيّات القائمة بالصوت، وتحدث بسبب حركات اللسان، والكيفيّة لا تكون من التصرّف، وعلى تقدير كونها منه لا تكون محرّمة; لعدم شمول أدلّة الحرمة لها.

وأمّا القيام والجلوس والركوع; فلأنّها هيئات قائمة بالبدن، نظير الاستقامة والانحناء، وليست عبارة عن النهوض والهويّ لتكون من التصرّف في المغصوب المحرّم.

وأمّا السجود، فهو الانحناء الخاصّ مع مماسّة الجبهة للأرض، والانحناء من قبيل الهيئة، وقد عرفت(2) أنّها ليست متّحدة مع التصرّف المحرّم. وأمّا المماسّة، فإنّما هي تصرّف في المتماسّين، فإذا كانا مباحين تكون مباحة، ولا مدخليّة لمقدار من الهويّ في حقيقة السجود التي هي الوضع، ولذا يصدق على البقاء بعين صدقه على الحدوث.

  • (1) في ص114.

  • (2) في ص119 ـ 122.

( صفحه 360 )

ومنه يظهر أنّ من سجد على أرض مغصوبة بطل سجوده وإن كان الفضاء مباحاً له، ومن سجد على أرض مباحة صحّ سجوده وإن كان الفضاء مغصوباً، فمن صلّى في الدار المغصوبة لا تفسد صلاته، إلاّ إذا كان وضع جبهته ومساجده على مواضعها تصرّفاً في المغصوب.

ودعوى أنّه يعتبر في الصلاة القرار على شيء ولو كان مثل الطيّارة في هذه الأعصار، فمن صلّى في الهواء بين السماء والأرض لا تصحّ صلاته; لفقد القرار، وحينئذ فالصلاة في الدار المغصوبة باطلة; لاتّحاد القرار على الأرض في القيام، والجلوس والركوع مع التصرّف في المغصوب.

مدفوعة بأنّه على تقدير الاعتبار لا دليل على كونه بنحو الجزئيّة، بل يمكن أن يكون بنحو الشرطيّة، وشروط العبادة من حيث هي شروط عبادة لا يعتبر فيها التقرّب.

وعلى ما ذكرنا ينحصر الحكم ببطلان العبادة في المغصوب بما لو كان وضع المساجد على محالّها تصرّفاً فيه، فلو اتّفق عدم كونه كذلك لم يكن وجه للفساد، مع أنّ ظاهرهم الحكم بالبطلان مطلقاً.

الثاني: وجود الاختلاف في مسألة اجتماع الأمر والنهي، وثبوت الاتّفاق على البطلان في المقام.

ودعوى(1) أنّ القائل بالاجتماع أيضاً يقول ببطلان العبادة; نظراً إلى أنّ المقرّب لا يمكن أن يكون مبعّداً وبالعكس، فثبوت النهي مانع عن التقرّب بالمجمع.

مدفوعة بأنّ الظاهر وفاقاً لأكثر القائلين به صحّة العبادة في هذه الصورة،

  • (1) راجع نهاية التقرير 1: 491.

( صفحه 361 )

والمقرّب إنّما هو الوجود الخارجي بلحاظ كونه مصداقاً لعنوانه، ولا ينافي أن يكون مبعّداً بلحاظ كونه مصداقاً لعنوان آخر.

وبعبارة اُخرى: كما أنّه لا مانع من اجتماع الأمر والنهي، كذلك لا مانع من اجتماع القرب والبعد بلحاظ العنوانين; لعدم كون الوجود الخارجي مع قطع النظر عن العنوانين مبعّداً ولا مقرّباً.

بل يمكن القول بالصحّة على فرض الامتناع، وتقديم جانب النهي; نظراً إلى ثبوت الملاك وكفايته في الصحّة، كما في مورد الترتّب بناءً على عدم صحّته، فتدبّر.

وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الدليل في المقام هو الإجماع(1) وله أصالة، ولا يكون مستنداً إلى الدليل العقلي.

ثمّ إنّه لا فرق في البطلان لأجل فقدان هذا الشرط ـ وهو اعتبار إباحة المكان ـ بين أن يصلّي في المغصوب الذي تعلّق الغصب بعينه، وبين أن يصلّي في المغصوب الذي تعلّق الغصب بمنافعه، كما إذا صلّى في الأرض المستأجرة للغير بدون إذن المستأجر، وإن كان مأذوناً من قبل المالك.

كما أنّه لا فرق بين المغصوب، وبين ما لو تعلّق به حقّ، كحقّ الرهن; لقيام الدليل من النصّ(2) والإجماع(3) على حرمة تصرّف الراهن في العين المرهونة

  • (1) تقدّم تخريجه في ص357.

  • (2) مختلف الشيعة 5: 439 مسألة 70، مستدرك الوسائل 13: 426، كتاب الرهن ب17 ح15803، عن دُرر اللآلي 1: 368.

  • (3) الخلاف 3: 253 مسألة 59، مفاتيح الشرائع 3: 139، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 153.

( صفحه 362 )

بدون إذن المرتهن، كما هو المحقّق في كتاب الرهن(1).

وكحقّ الميّت إذا أوصى بالثلث بنحو الكسر المشاع ـ الظاهر في الإشاعة ـ ولم يفرز بعد; فإنّه حينئذ لا يجوز التصرّف في شيء من أجزاء التركة; لتعلّق حقّ الميّت به الثابت بالوصيّة، بل ربما يقال ببقاء المال الموصى به على ملك الميّت، وكونه شريكاً حقيقة، كالمال المشترك بين الشريكين أو الشركاء، والتحقيق في محلّه(2).

وأمّا إذا أوصى بمقدار الثلث لا بنحو الكسر المشاع، بل بنحو الكلّي في المعيّن; فإنّه لا مانع من التصرّف، كما في نظائره، مثل بيع الصاع من الصبرة إذا كان بهذا النحو.

وأمّا حقّ السبق في المشتركات، كالمسجد ونحوه، فقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) ثبوت القولين فيه من جهة بطلان الصلاة وعدمه، حيث قال: أمّا حقّ السبق في المشتركات ـ كالمسجد ونحوه ـ ففي بطلان الصلاة بغصبه وعدمه وجهان، بل قولان، أقواهما الثاني، وفاقاً للعلاّمة الطباطبائي في
منظومته(3); لأصالة عدم تعلّق الحقّ للسابق على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه; سواء كان هو الدافع أم غيره وإن أثم بالدفع المزبور لأولويته; إذ هي أعمّ من ذلك قطعاً، وربما يؤيّده عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة، مضافاً إلى ما دلّ على الاشتراك الذي لم يثبت ارتفاعه بالسبق

  • (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الرهن: 256.

  • (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الوصيّة: 171.

  • (3) الدُرّة النجفيّة: 95.

( صفحه 363 )

المزبور; إذ عدم جواز المزاحمة أعمّ من ذلك، فتأمّل(1).

وقد اختار البطلان في العروة(2)، واحتاط في المتن.

والعمدة فيه وجود روايتين في المقام:

إحداهما: مرسلة محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: نكون بمكّة أو بالمدينة أو الحيرة، أو المواضع التي يرجى فيها الفضل، فربما خرج الرجل يتوضّأ فيجيء آخر فيصير مكانه، قال: من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته(3).

وثانيتهما: رواية طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل، وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراء(4).

وقد نوقش في الروايتين بإرسال الاُولى، وضعف الثانية لأجل طلحة(5). ولكنّ الظاهر اندفاع المناقشة بأنّ الظاهر أنّ المراد من محمد بن إسماعيل هو ابن بزيع المعروف، الذي هو من أعيان الطبقة السادسة، والراوي عنه هو

  • (1) جواهر الكلام 8 : 475 ـ 476.

  • (2) العروة الوثقى 1: 411 ـ 412.

  • (3) الكافي 4: 546 ح33، تهذيب الأحكام 6: 110 ح195، كامل الزيارات: 547 ح839 ، وعنها وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب56 ح1، وج14: 592، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه ب102 ح1.

  • (4) الكافي 2: 662 ح7، وج5: 55 ح1، تهذيب الأحكام 7: 9 ح31، الفقيه 3: 124 ح540، وعنها وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب56 ح2، وج17: 405، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب17 ح1.

  • (5) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 15.

( صفحه 364 )

أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري المعروف، الذي أخرج البرقي من قم(1); لأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، فكيف تكون روايته هذه غير معتبرة. وأمّا طلحة، فهو ممّن يروي عنه صفوان بن يحيى المعروف بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة(2)، وقد روى عنه هذه الرواية أحمد بن محمد بن عيسى المذكور، فالمناقشة في السند غير تامّة.

وأمّا الدلالة، فربما يقال(3) بأنّ التعبير بالأحقّية ظاهر في أنّ المراد مجرّد الأولويّة الموجبة لعدم جواز المزاحمة فقط; نظراً إلى ظهور صيغة التفضيل في ثبوت المبدأ في المفضل عليه، وثبوت الحقّين راجع إلى الاشتراك الذي هو مفاد أدلّته، فالقدر الثابت بالروايتين هو مجرّد الأولويّة الثابت بالإجماع المحصّل، بل الضرورة كما في مفتاح الكرامة(4)، فلا تنهض الروايتان لإثبات أمر زائد أصلا.

ولكنّ الظاهر أنّ المراد بالأحقّية ليس ما هو مفاد صيغة التفضيل، بل أصل ثبوت الحقّ، كما في الموارد الكثيرة التي تستعمل الصيغة كذلك، كما في مثل: «الزوج أحقّ بزوجته»، و«الوليّ أولى بالميّت»، وأشباههما. ومن الظاهر أنّ ثبوت الحقّ خصوصاً مع إضافته إلى المكان الذي سبق إليه ظاهر في تعلّق الحقّ بالمكان، وثبوته بعد المزاحمة ودفعه عنه أيضاً.

  • (1) خلاصة الأقوال: 63، الرقم 72، معجم رجال الحديث 2: 261 ـ 265، الرقم 858 .

  • (2) تقدّم تخريجه في ص328.

  • (3) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 422 ـ 423.

  • (4) مفتاح الكرامة 19: 114 ـ 115.

( صفحه 365 )

نعم، ربما(1) استشكل فيهما من جهة التحديد المذكور فيهما; نظراً إلى عدم ظهور العمل به، وثبوت المعارضة بينهما من هذه الجهة; لظهور الاُولى في التحديد إلى اليوم والليلة، والثانية في التحديد إلى اليوم فقط، ويمكن دفع المعارضة بورود الاُولى في المسجد ومثله، والثانية في السوق، ومن الممكن ثبوت الفرق بينهما من هذه الجهة، فتدبّر.

كما أنّه ربما(2) يستشكل فيهما من جهة عدم ظهور القول بإطلاقهما من حيث وجود الرجل وعدمه، بل والإطلاق من جهة نيّة العود وعدمها، بل قال في الجواهر: «لا خلاف في سقوط حقّه مع عدم الرحل; وإن نوى العود وكان قيامه لضرورة من تجديد طهارة ونحوها»(3). ويستفاد منه أنّه إذا كان القيام لغير ضرورة فلا ريب في سقوط حقّه، وقد قال في الجواهر أيضاً: لا خلاف ولا إشكال في سقوط الحقّ لو قام مفارقاً رافعاً يده عنه(4).

ولكن ذلك لا يوجب الوهن في الروايتين مع ظهورهما في ثبوت الحقّ بالإضافة إلى المكان بنحو لو دفع عنه عدواناً يكون غصباً.

وأمّا ما أفاده في الجواهر من أنّ عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة ربما يؤيّد عدم كونه حقّاً كذلك(5)، فيدفعه ـ مضافاً إلى منع عدم الجواز كذلك، بل يمكن دعوى تعارفه في مثل السوق الذي مبناه على التجارة

  • (1 ، 2) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 422.

  • (3) جواهر الكلام 38: 91 (ط.ق).

  • (4) جواهر الكلام 38: 89 (ط.ق).

  • (5) جواهر الكلام 8 : 476.

( صفحه 366 )

والمعاوضة ـ أنّ من لوازم الحقّ ليس جواز المعاوضة عليه والانتقال إلى الغير، بل من لوازمه جواز الإسقاط ورفع اليد عنه، وهو ثابت في المقام.

وقد انقدح ممّا ذكرنا، أنّ الأحوط لو لم يكن أقوى بطلان الصلاة في الفرض المذكور.

ثمّ إنّه يعتبر في بطلان الصلاة في المغصوب أن يكون عالماً بالغصبيّة، وكذا عالماً بحكم الغصب الذي هي الحرمة; ضرورة أنّ الجاهل بالموضوع أو الحكم لا يتنجّز في حقّه الحكم. نعم، يعتبر في الجهل بالحكم أن لا يكون عن تقصير. وأمّا العلم بالحكم الوضعيّ الذي هو عبارة عن فساد الصلاة، فلا يعتبر في البطلان، بل الحكم ثابت مطلقاً; سواء كان عالماً بالفساد، أم لم يكن كذلك.

وكذا يعتبر في البطلان أن يكون المصلّي مختاراً، فلو اضطرّ إلى الصلاة في المكان المغصوب تكون صلاته صحيحة بمقتضى رفع الحرمة بسبب الاضطرار، ومن مصاديق المضطرّ المحبوس بباطل; فإنّ صلاته في المحبس صحيحة، وتقييد المحبوس بالباطل ـ كما في المتن ـ إنّما هو لإخراج المحبوس بحقّ; والوجه فيه إن كان هو عدم اجتماع الحبس بحقّ ـ الذي يكون الحابس فيه لا محالة هو الحاكم، أو المأذون من قبله، مع كون المحلّ مغصوباً; لأنّ الحاكم مثلا لا يصدر منه الغصب بوجه ـ فهو صحيح، ولكنّه يمكن الإيراد عليه باجتماع الحبس بحقّ، مع كون المحبس مغصوباً، وذلك كما فيما إذا اعتقد الحاكم عدم الغصبيّة، مع كونه مغصوباً واقعاً، وعلى اعتقاد المحبوس.

وإن كان الوجه هو البطلان ولو مع الاجتماع المذكور، فالظاهر أنّه لا وجه

( صفحه 367 )

له; لأنّ الحبس بحقّ لا يلازم بطلان الصلاة مع الاضطرار إلى إيجادها في المكان المغصوب.

ثمّ إنّ كيفيّة صلاة المضطرّ إنّما هي كصلاة المختار، فيصلّي فيه قائماً مع الركوع والسجود; لأنّ المحبوس مضطرّ إلى أن يشغل مقداراً من الفراغ يساوي بدنه، ولا يقدر على الزيادة ولا النقص منه; من دون فرق بين الحالات من حيث القيام والقعود، والاضطجاع والاستلقاء، وغيرها من الحالات، وحيث إنّه لا ترجيح لواحد من هذه الحالات على غيره، فلا محالة يكون مخيّراً بينها عقلا، فلا مجال لتغيير الكيفيّة المأمور بها في الصلاة.

نعم، ذكر في «العروة»(1) أنّه إذا استلزم صلاته بكيفيّة المختار تصرّفاً زائداً على الكون فيه على الوجه المتعارف، يجب ترك ذلك الزائد والصلاة بما أمكن من غير استلزام، وذلك كما لو كان المكان ضيّقاً يتوقّف القيام فيه أو الركوع أو السجود على هدم موضع منه، أو حفره أو نحوهما.

ثمّ إنّ الناسي للغصبيّة يكون بحكم الجاهل بها، فلا وجه لبطلان صلاته مع عدم تنجّز الحرمة بسبب النسيان. نعم، في الغاصب نفسه لا يكون النسيان عذراً; وذلك لتوجّه التكليف إليه، وتنجّز الحرمة في حقّه بسبب الغصب والالتفات إليه، والنسيان الطارئ لا يوجب رفع الحكم المتنجّز في حقّه أصلا، وإلاّ فاللاّزم أن لا يكون الغاصب في أكثر حالاته مرتكباً للحرام وفاعلا للمبغوض، وهو كما ترى.

ثمّ إنّه ذكر في المتن أنّه لا فرق في بطلان الصلاة في المغصوب بين الفريضة

  • (1) العروة الوثقى 1: 413 مسألة 1326.

( صفحه 368 )

والنافلة، وظاهر إطلاق الأصحاب(1) اعتبار الإباحة في الصلاة، وعن المحقّق صحّة النافلة في المغصوب; معلّلا بأن الكون ليس جزءاً منها ولا شرطاً فيها(2). وفي محكيّ كشف اللثام: صحّة النافلة في المغصوب ماشياً مومئاً للركوع والسجود، وبطلانها مع الركوع والسجود(3).

ويمكن دعوى رجوع كلام المحقّق إليه; نظراً إلى التعليل المذكور فيه; فإنّ عدم جزئيّة الكون وشرطيّته في النافلة إنّما يقتضي الصحّة مع عدم تحقّقه، كما في الصلاة ماشياً. وأمّا مع تحقّقه كما في الصلاة مستقرّاً، فالاتّحاد الموجب للبطلان يتقحّق بسببه، كما هو واضح.

والتحقيق ـ بعد ملاحظة ما عرفت(4) في أوّل البحث من أنّ الاتّحاد إنّما يتحقّق في حال السجود، والكون لا يكون جزءاً من الفريضة، والشرطيّة لا يقدح في صحّتها ـ أنّه لابدّ من ملاحظة شمول دليل أصل المسألة للنافلة وعدمه، وقد مرّ(5) أنّ الدليل هو الإجماع، وأنّ له أصالة في المقام، فلابدّ من النظر في شموله للنافلة وعدمه، وفيه وجهان: من إطلاق الأصحاب اعتبار الإباحة في الصلاة من دون تقييد بالفريضة، ومن مخالفة المحقّق وكاشف اللثام، الكاشفة عن عدم تحقّق الإجماع في المسألة، وبعد ذلك فالمسألة
مشكلة.

  • (1) رياض المسائل 3: 255، مستمسك العروة الوثقى 5: 423.

  • (2) حكى عنه في كشف اللثام 3: 274، ورياض المسائل 3: 255، ولم نعثر عليه في كتب المحقّق عاجلاً.

  • (3) كشف اللثام 3: 274.

  • (4) في ص359 ـ 360.

  • (5) في ص361.

( صفحه 369 )

[عدم جواز الصلاة في المغصوبة المجهول المالك]

مسألة 2: الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي، ولا تجوز أيضاً في الأرض المشتركة إلاّ بإذن جميع الشركاء 1 .

1 ـ أمّا عدم جواز الصلاة في المغصوبة المجهول مالكها; فلأنّ الجهل بالملك لا يوجب ارتفاع حكم الغصب; وهي الحرمة، والمناط في صحّة الصلاة هي إباحة المكان، غاية الأمر لزوم الرجوع في أمرها إلى الحاكم الشرعي; لثبوت الولاية له على مثل ذلك، كما قرّر في محلّه(1).

وأمّا عدم جوازها في الأرض المشتركة بدون إذن جميع الشركاء، فلما ذكر من تحقّق الحكم بالحرمة بعد كون الملكيّة بنحو الشركة والإشاعة، فما دام لم يتحقّق الإفراز أو الإذن لا ترتفع الحرمة، كما هو ظاهر.

  • (1) مسالك الأفهام 12: 402، جواهر الكلام 38: 27 (ط.ق)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب إحياء الموات: 186 ـ 187، وكتاب اللقطة: 305 ـ 306.

( صفحه 370 )

[عدم بطلان الصلاة تحت السقف المغصوب وأمثاله]

مسألة 3: لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب، وفي الخيمة المغصوبة، والصهوة، والدار التي غصب بعض سورها إذا كان ما يصلّى فيه مباحاً; وإن كان الأحوط الاجتناب في الجميع 1 .

1 ـ قد فصّل في العروة فيما إذا كان المكان مباحاً وكان عليه سقف مغصوب، بين ما إذا كان التصرّف في ذلك المكان يعدّ تصرّفاً في السقف، فالصلاة فيه باطلة، وإلاّ فلا، فقال: لو صلّى في قبّة سقفها أو جدرانها مغصوب، وكان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها إن لم يكن سقف أو جدار، أو كان عسراً وحرجاً، كما في شدّة الحرّ أو شدّة البرد بطلت الصلاة، وإن لم يعدّ تصرفاً فيه فلا.

ثمّ قال: وممّا ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة; فإنّها تبطل إذا عدّت تصرّفاً في الخيمة، بل تبطل على هذا إذا كانت أطنابها أو مساميرها غصباً، كما هو الغالب; إذ في الغالب يعدّ تصرّفاً فيها، وإلاّ فلا(1).

أقول: الظاهر هو الفرق بين عنوان التصرّف وعنوان الانتفاع; ضرورة أنّ الانتفاع بالسقف والجدران في المثال من جهة شدّة الحرّ أو البرد لا يكون محرّماً; لأنّه من قبيل الاصطلاء بنار الغير، والاستضاءة بنوره، ولا يعدّ مثل ذلك تصرّفاً في مال الغير حتّى يكون محرّماً، ومجرّد الانتفاع من دون صدق التصرّف لا دليل على حرمته، فالظاهر هو الجواز بنحو الإطلاق كما في المتن; وإن كان الأحوط هو الاجتناب فيه وفي مثله.

  • (1) العروة الوثقى 1: 412 مسألة 1320.

( صفحه 371 )

[اشتراء دار بعين مال الخمس، أو الزكاة]

مسألة 4: لو اشترى داراً بعين المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة تبطل الصلاة فيها، إلاّ إذا جعل الحقّ في ذمّته بوجه شرعيّ، كالمصالحة مع المجتهد. وكذا لا يجوز التصرّف مطلقاً في تركة الميّت، المتعلّقة للزكاة والخمس وحقوق الناس، كالمظالم قبل أداء ما عليه. وكذا إذا كان عليه دين مستغرق للتركة، بل وغير المستغرق، إلاّ مع رضا الديّان، أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين، والأحوط الاسترضاء من وليّ الميّت أيضاً 1 .

1 ـ أمّا مسألة الاشتراء، فالمفروض فيها اشتراء الدار بعين المال المتعلّق للخمس أو الزكاة، بحيث كان الثمن نفس تلك العين. وأمّا لو كان الثمن كليّاً ثابتاً على العهدة وفي ذمّة المشتري، غاية الأمر أنّه في مقام التسليم والتعيين قد عيّن الفرد المتعلّق للخمس أو الزكاة، فلا يجري فيه هذا الحكم; لعدم إيجابه الإخلال في المعاملة بوجه.

وأمّا في الفرض الذي هو محلّ البحث، فمنشأ البطلان هو كون المعاملة بالإضافة إلى مقدار الزكاة أو الخمس فضوليّاً. أمّا في الزكاة; فلأنّ الظاهر ثبوت الإجماع(1) على تعلّقها بالعين وإضافتها إليها; وإن وقع الاختلاف في كونه بنحو الشركة والإشاعة، أو بنحو الكلّي في المعين، أو من قبيل حقّ الرهانة، أو على نحو آخر.

وعلى أيّ حال، فالتصرّف في تمام المال بالبيع أو غيره تصرّف في مال

  • (1) الانتصار: 212، الخلاف 2: 30 مسألة 29، منتهى المطلب 8 : 244، تذكرة الفقهاء 5: 186 مسألة 123، إيضاح الفوائد 1: 207، مفتاح الكرامة 11: 365، المغني لابن قدامة 2: 463.

( صفحه 372 )

الغير بغير إذنه، أو في مال متعلّق لحقّ الغير كذلك، وهو يتوقّف نفوذه على إجازته اللاّحقة إن لم يكن سبق إذن في البين; لكونه فضوليّاً أو بحكمه، فإن أمضاه الحاكم ولايةً على الأصناف الثمانية يكون لهم، فيجب عليه أن يشتري هذا المقدار من الحاكم، ويمكن أن يجعل الحقّ في ذمّته بوجه شرعيّ، كالمصالحة معه، ومع عدم الإمضاء والاشتراء، وعدم جعل الحقّ في ذمّته بالوجه المذكور، تكون صلاته فيه باطلة.

وأمّا في الخمس، فظاهر أدلّته، خصوصاً الآية الشريفة(1) ـ بلحاظ التعبير بالخمس، الظاهر في الكسر المشاع، والتعبير باللام، الظاهر في الملكيّة ـ الإشاعة والاشتراك، ومقتضاه كون المعاملة بالإضافة إلى مقداره فضوليّاً يجري فيه ما ذكر في الزكاة، إلاّ أنّه يظهر من بعض الروايات المفروغيّة عن صحّة البيع، وعدم افتقاره إلى الإجازة.

كرواية الحارث بن حصيرة الأزدي المرسلة قال: وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فأبتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع، فلامته اُمّي وقالت: أخذت هذه بثلاثمائة شاة، أولادها مائة، وأنفسها مائة، وما في بطونها مائة، قال: فندم أبي فانطلق ليستقيله، فأبى عليه الرجل، فقال: خذ منّي عشر شياه، خذ منّي عشرين شاة، فأعياه، فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر فقال: خذ غنمك، وآتني ما شئت، فأبى فعالجه فأعياه، فقال: لأضرّنّ بك، فاستعدى أمير المؤمنين (عليه السلام) على أبي، فلمّا قصّ أبي على أمير المؤمنين (عليه السلام) أمره قال لصاحب الركاز: أدّ خمس

  • (1) سورة الأنفال 8 : 41.

( صفحه 373 )

ما أخذت; فإنّ الخمس عليك فإنّك أنت الذي وجدت الركاز، وليس على الآخر شيء; ولأنّه إنمّا أخذ ثمن غنمه(1).

ورواية ريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) : ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمّة هذه القطيعة؟ فكتب (عليه السلام) : يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى(2).

ورواية أبي بصير ـ المرويّة في آخر السرائر ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (عليه السلام) : الخمس في ذلك، وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال، إنّما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: أمّا ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع(3).

لكنّ الاُولى في كمال الضعف من حيث السند، والأخيرتان لا تكونان ظاهرتين في محلّ البحث الذي هو البيع بعد استقرار الخمس بسبب كمال السنة، والتمسّك بالإطلاق غير تامّ بعد عدم ورودهما في مقام البيان من هذه

  • (1) الكافي 5: 315 ح48، تهذيب الأحكام 7: 225 ح986، وعنهما وسائل الشيعة 9: 497 ـ 498، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس ب6 ح1.

  • (2) تهذيب الأحكام 4: 139 ح394، وعنه وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح9.

  • (3) مستطرفات السرائر: 100 ح28، وعنه وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح10.

( صفحه 374 )

الجهة، فلا مجال للخروج بهما عمّا هو مقتضى القواعد وظاهر الأدلّة.

ثمّ إنّه ممّا ذكرنا في مسألة الاشتراء يظهر أنّه لا يجوز التصرّف مطلقاً في التركة المتعلّقة للزكاة والخمس وحقوق الناس، كالمظالم قبل أداء ما عليه; لأنّه تصرّف في ملك الغير أو متعلّق حقّه، فلا يجوز بدون إذنه، فالصلاة فيه باطلة.

وعطف عليه في المتن ما إذا كان عليه دين مستغرق للتركة، بل وكذا غير المستغرق إلخ. وقد وقع الاختلاف في الدين المستوعب في انتقال التركة معه إلى الوارث، وفي الدين غير المستوعب في انتقال تمامها إليه على قولين:

أحدهما: الانتقال، كما هو المحكيّ عن كثير من كتب العلاّمة، وجامع المقاصد، واختاره في محكيّ الجواهر(1).

ثانيهما: عدم الانتقال، كما هو المنسوب إلى الحلّي، والمحقّق(2)، وعن المسالك والمفاتيح نسبته إلى الأكثر(3).

وظاهر الكتاب والسنّة هو الثاني، قال الله ـ تعالى ـ في ذيل آية الإرث وذكر بعض الفرائض: ( مِن م بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْن )(4)، وفي ذيل آيته الاُخرى بعده أيضاً: ( مِن م بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْن )(5).

  • (1) قواعد الأحكام 3: 354، تحرير الأحكام 5: 67، الرقم 6386، وراجع جامع المقاصد 3: 12ـ13، وج5: 148 و 216 و 221، جواهر الكلام 26: 84 ـ 85 (ط.ق).

  • (2) السرائر 2: 47، وج3: 202 ـ 203، شرائع الإسلام 4: 16.

  • (3) مسالك الأفهام 13: 61، مفاتيح الشرائع 3: 317 مفتاح 1214.

  • (4) سورة النساء 4: 11.

  • (5) سورة النساء 4: 12.

( صفحه 375 )

وروى السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أوّل شيء يبدأ به من المال الكفن، ثمّ الدين، ثمّ الوصيّة، ثمّ الميراث(1).

وروى محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّ الدين قبل الوصيّة، ثمّ الوصيّة على أثر الدين، ثمّ الميراث بعد الوصيّة; فإنّ أوّل (أولى ـ خ ل) القضاء كتاب الله(2).

وروى عباد بن صهيب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته، فلمّا حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه ممّا لزمه من الزكاة، ثمّ أوصى أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له، قال: فقال: جائز يخرج ذلك من جميع المال، إنّما هو بمنزلة الدين لو كان عليه ليس للورثة شيء حتّى يؤدّى ما أوصى به من الزكاة، قيل له: فإن كان أوصى بحجّة الإسلام؟ قال: جائز يحجّ عنه من جميع المال(3).

وذكر في محكيّ الجواهر أنّ الإجماع على ملك الوارث للزائد على المقدار المساوي للوصيّة أو الدين يوجب التصرّف فيها بحملها على إرادة بيان أنّ سهام الوارث ليس مخرجها أصل المال، بل مخرجها المقدار الزائد على الدين والوصيّة، فلا تدلّ على حكم المقدار المساوي لهما، وأنّه باق على ملك الميّت، أو موروث للوارث، فإذا خلت عن التعرّض لذلك وجب الرجوع في تعيين

  • (1) الكافي 7: 23 ح3، الفقيه 4: 143 ح488، تهذيب الأحكام 9: 171 ح698، وعنها وسائل الشيعة 19: 329، كتاب الوصايا ب28 ح1.

  • (2) الكافي 7: 23 ح1، الفقيه 4: 143 ح489، تهذيب الأحكام 9: 165 ح675، الاستبصار 4: 116 ح441، وعنها وسائل الشيعة 19: 330، كتاب الوصايا ب28 ح2.

  • (3) تهذيب الأحكام 9: 170 ح693، وعنه وسائل الشيعة 19: 357، كتاب الوصايا ب40 ح1.

( صفحه 376 )

حكمه إلى عموم «ما ترك الميّت فهو لورثته(1).

ولكنّه ذكر في «المستمسك» أنّه لا منافاة بين الإجماع المذكور، وبين ظهورها في نفي أصل الميراث في المقدار المساوي للدين والوصية; لأنّ ظاهر النصوص المذكورة ليس هو الترتيب الزماني; ضرورة بطلانه، بل الترتيب بمعنى الترجيح والأهمّية، فيختصّ بصورة التزاحم، وهو إنّما يكون في خصوص المقدار المساوي للدين أو الوصيّة، فتدلّ على أنّ مقدار الدين لا مجال للعمل بالوصيّة فيه، كما أنّ مقدار الوصيّة لا توارث فيه، فلا تنافي ثبوت التوارث في الزائد عليه.

وبالجملة: لمّـا كان مفاد النصوص هو الترجيح يختصّ نفي التوارث فيها بما كان فيه تزاحم، وهو خصوص ما كان مساوياً للدين، وبخصوص الثلث الذي هو مورد وجوب العمل بالوصيّة، ولا تعرّض فيها لنفي الإرث في الزائد على الدين والوصيّة(2).

ويرد على ما أفاده في الجواهر ـ مضافاً إلى أنّ الحمل على إرادة بيان مخرج السهام إنّما يختصّ بما كان فيه التعرّض للسهام كالآيتين، ولا يجري في الروايات الظاهرة في تأخّر الميراث بنحو كلّي، من دون النظر إلى خصوص السهام المقدّرة ـ : أنّ دعوى الانتقال بالإضافة إلى جميع التركة لا تجتمع مع دعوى كون مخرج السهام ما هو الزائد على مقدار الدين والوصيّة; فإنّ ثبوت الانتقال في مقدارهما إنّما هو بنحو السهام لا بنحو آخر،

  • (1) جواهر الكلام 26: 84 ـ 93.

  • (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 434 ـ 435.

( صفحه 377 )

كما هو الظاهر.

فكيف يكون المخرج ما هو الزائد عليهما؟ فإذا كان الثلث الثابت لصاحبه مخرجه الزائد، والمفروض ثبوت الثلث له في المقدار المساوي، فتكون النتيجة ثبوته بالإضافة إلى جميع المال، ولا مجال لدعوى كون مخرج الثلث هو خصوص الزائد، كما لا يخفى، هذا في الدين المستغرق.

وأمّا الدين غير المستغرق فعن جامع المقاصد وغيره(1) الفرق بينه وبين الأوّل، ويشهد له صحيح ابن أبي نصر أنّه سئل عن رجل يموت ويترك عيالا وعليه دين، أينفق عليهم من ماله؟ قال: إن استيقن أنّ الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، وإن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال(2).

فإنّ الظاهر أنّ الحكم بالإنفاق في الصورة الثانية ليس لأجل كونه (عليه السلام) وليّ الميّت، بل لأجل أنّ جوازه مقتضى الحكم الثابت في جميع الموارد.

ثمّ إنّه بناءً على القول بعدم الانتقال، يكون عدم جواز الصلاة فيما تركه لأجل كونه تصرّفاً في مال الغير بغير إذنه، أو تصرّفاً في المال المشترك بدون اذن الشريك. وأمّا على القول بالانتقال، فلا إشكال في تعلّق الدين بالتركة في الجملة، وفي الجواهر: الإجماع بقسميه عليه(3)، ولازمه عدم جواز التصرّف المتلف ونحوه ممّا يوجب انتفاء موضوع الحقّ ومتعلّقه. وأمّا التصرّف الناقل

  • (1) جامع المقاصد 3: 13، السرائر 2: 47، شرائع الإسلام 4: 16.

  • (2) تهذيب الأحكام 9: 164 ح672، الاستبصار 4: 115 ح438، الكافي 7: 43 ح1، الفقيه 4: 171 ح599، وعنها وسائل الشيعة 19: 332، كتاب الوصايا ب29 ح1.

  • (3) جواهر الكلام 26: 84 وما بعدها.

( صفحه 378 )

ففيه إشكال، كما أنّ التصرّف بمثل الصلاة ونحوها ممّا لا يكون له قيمة معتدّ به عند العقلاء، فيمكن أن يقال بجوازه.

هذا في المستغرق. وأمّا في غيره، فالحكم بالإنفاق الذي هو من التصرّف المتلف، يدلّ على جواز التصرّف الناقل، وبطريق أوضح جواز الصلاة.

ثمّ إنّ استثناء صورة رضا الديّان من الدين غير المستغرق، أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين ـ على تقدير كون العطف بأو لا بالواو ـ يدلّ على ثبوت الجواز في موردين، وهو إنّما يتمّ على تقدير الانتقال; ضرورة أنّه مع عدمه لا مدخليّة لرضا الديّان بعد بقائه على ملك الميّت، وعدم انتقاله إلى الوارث، وظاهر الرواية المتقدّمة الجواز ولو مع عدم الرضا.

نعم ظاهر موردها البناء على الأداء من دون التسامح; لأنّ السؤال عن الإنفاق مع وجود الحاجة إليه ـ كما هو الظاهر ـ ظاهر في البناء على رعاية الوظيفة الشرعيّة المقتضية للبناء على الأداء في أوّل أوقات الإمكان، كما لا يخفى.

والاحتياط بالاسترضاء من وليّ الميّت إنّما ينشأ من احتمال عدم الانتقال وبقائه على ملك الميّت.

هذا، ويمكن إرجاع الاستثناء في المتن إلى الدين المستغرق أيضاً، كما أنّه يمكن أن يكون الاستثناء على نحو اللف والنشر المرتّب; بأن يكون رضا الديّان راجعاً إلى الدين المستغرق، والبناء على الأداء من دون التسامح إلى الدين غير المستغرق، وتحقيق الكلام في هذا المقام موكول إلى محلّه(1).

  • (1) لم نعثر على تعرّضه (قدس سره) لهذه المسألة في كتابى الإرث والدين.

( صفحه 379 )

[المدار إحراز رضا المالك]

مسألة 5: المدار في جواز التصرّف والصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه وطيب نفسه وإن لم يأذن صريحاً; بأن علم ذلك بالقرائن وشاهد الحال وظواهر تكشف عن رضاه كشفاً اطمئنانيّاً لا يُعتنى باحتمال خلافه، وذلك كالمضايف المفتوحة الأبواب، والحمّامات، والخانات، ونحو ذلك 1 .

1 ـ ظاهر مثل التوقيع الشريف المعروف المرويّ في الاحتجاج ـ وهو قوله عجّل الله تعالى فرجه الشريف: لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه(1) ـ اعتبار الإذن الظاهر في انشائه في جواز التصرّف في مال الغير.

وظاهر مثل موثّقة سماعة ـ وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : لا يحلّ دم امرء مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه(2) ـ الاكتفاء بطيب النفس والرضا الباطني، من دون حاجة إلى الإنشاء.

ولكنّ العرف يرى أنّه لا تعارض بينهما، وأنّ مقتضى الجمع حمل الأوّل على الحكم الظاهري، والثاني على الحكم الواقعي; نظراً إلى أنّ الإذن طريق إلى الرضا، ولا موضوعيّة له بوجه، فالملاك حينئذ بعد الجمع المذكور هو الرضا. ومن الواضح: لزوم إحرازه، كما هو الشأن في جميع العناوين المتعلّقة للأحكام الواقعيّة، فبدون إحراز الرضا لا مسوّغ للتصرّف في مال الغير.

  • (1) الاحتجاج 2: 559، الرقم 351، كمال الدين: 520 ـ 521 ح49، وعنهما وسائل الشيعة 9: 540 ـ 541، كتاب الخمس، أبواب الأنفال ب3 ح7.

  • (2) الكافي 7: 273 ح12، الفقيه 4: 66 ح195، وعنهما وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب3 ح1.

( صفحه 380 )

ولكنّ المحكيّ عن الذخيرة والبحار جواز الصلاة في كلّ موضع لا يتضرّر المالك بالكون فيه، وكان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله وإن فرض عدم العلم برضا المالك، إلاّ أن تكون أمارة على الكراهة(1).

وربما يؤيّد أو يستدلّ له بما دلّ على جعل الأرض مسجداً له (صلى الله عليه وآله) ولاُمّته(2); لمناسبة الامتنان للاكتفاء بالظنّ، وبأصالة جواز التصرّف في كلّ شيء، والإجماع على المنع غير ثابت في صورة الظنّ، والتوقيع ضعيف السند، والموثّقة ظاهرة في خصوص التصرّف المتلف.

ويرد عليه: وضوح أنّ الحكم بحرمة التصرّف في مال الغير بغير رضاه ممّا أجمع عليه جميع الأديان والملل، ولا حاجة في إثباته إلى مثل التوقيع والموثّقة، مع أنّه قد وقع الخلط بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري; فانّه تارة: يبحث عن حرمة التصرّف في مال الغير واقعاً، ومن الواضح: ثبوتها بنحو العموم، ولا يكون دليلها منحصراً بمثل الروايتين، واُخرى: يبحث عن الاكتفاء بالظنّ في مقام الإحراز; بمعنى أنّه لا حاجة في مقام إحراز الرضا الواقعي إلى العلم بثبوته، بل يكفي فيه الظنّ، ومن المعلوم أنّ ما ذكر لا يصلح لإثبات جعل الظنّ مطلقاً حجّة في هذا المقام.

ثمّ إنّ الرضا إن اُحرز بنحو العلم القطعي، أو الاطمئنان الذي يعامل معه

  • (1) ذخيرة المعاد: 238 س12، بحار الأنوار 83 : 281.

  • (2) الخصال: 425 ـ 426 ح1، علل الشرائع: 127 ـ 128 ح3، معاني الأخبار: 51 ح1، وعنها بحار الأنوار 80 : 147 ـ 148 ح2، وج81 : 147 ح5، وج83 : 277 ح2، ومستدرك الوسائل 2: 529، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم ب5 ح2634، وص530 ح2638، وج3: 329، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب1 ح3705.

( صفحه 381 )

معاملة العلم بنظر العرف وإن لم يكن علماً عقلا، فلا إشكال في الاكتفاء به، وإن اُحرز بغيره، فسيأتي الكلام فيه.

كما أنّ ظاهر أخذ الرضا في الدليل هو اعتبار الرضا الفعلي المتوقّف على التوجّه والالتفات إلى المرضيّ. وأمّا الرضا التقديري، فإن كان لأجل عدم الالتفات ـ ومرجعه إلى ثبوته على تقدير تحقّقه، ولازمه عدم الكراهة أيضاً; لأجل ما ذكر من عدم الالتفات; فإنّ الكراهة كالرضا في هذه الجهة ـ فظاهر الأصحاب الاكتفاء به في هذه الصورة والتسالم عليه(1)، ولعلّ وجهه عدم منافاته لسلطنة المالك بوجه; فإنّ المفروض تحقّق رضاه على تقدير الالتفات، وأنّ عدم تحقّقه لأجل عدمه.

وإن كان لأجل الجهل بالواقع، ومثله من الاُمور الموجبة لعدم تحقّق الرضا فعلا مع تحقّق الالتفات، فالظاهر عدم الاكتفاء به; وذلك لوجود الكراهة فعلا، ومجرّد الرضا على تقدير زوال جهله وعلمه بالواقع لا يوجب تحقّقه بوجه، وهذا كما في المعاملات المتوقّفة على الرضا; فإنّه لو فرض إكراهه على بيع داره مع كون البيع مصلحة للمكرَه ـ بالفتح ـ، بحيث لو توجّه إليها لرضي به، لا يوجب ذلك صحّة المعاملة لوجود الرضا على تقدير العلم، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه مع عدم إحراز الرضا بالعلم أو الاطمئنان، بل بالظنّ، نقول:

إن كان منشؤه هو الإذن الصريح; كأن يقول: أذنت لك بالتصرّف في داري بالصلاة، فالظاهر الاكتفاء به; لأنّ ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء،

  • (1) اُنظر مستمسك العروة الوثقى 5: 439.

( صفحه 382 )

والظنّ الحاصل منها حجّة عندهم.

وإن كان منشؤه هو الفحوى; كأن يأذن في التصرّف بالقيام والقعود والنوم والأكل، فبالصلاة يكون راضياً بالأولى، فالظاهر عدم حجّيته; لأنّ الظنّ بالرضا بالصلاة لا يكون مستنداً إلى اللفظ; لأنّ المفروض اختصاص مفاده بمثل القيام والقعود ونحوهما، والأولويّة لا تستدعي إيقاعها في مفاد اللفظ، والظنّ المعتبر إنّما هو ما يكون مستنداً إلى اللفظ ومرتبطاً بمدلوله.

نعم، ربما يكون ذكر القيام ونحوه في الكلام على سبيل المثال، والمقصود إفادة مطلق التصرّفات المشابهة، وما يكون أولى من المذكور; فإنّه حينئذ تقع الصلاة كالمذكور، والمفروض غير هذه الصورة.

وفيه: أنّه لا دليل على اعتبار الظنّ بعد عدم كونه مدلولا للكلام ولو عرفاً، وعدم دخوله في إحدى الدلالات الثلاثة اللفظيّة: المطابقة، والتضمّن، والالتزام; لتوقّف الثالثة على كون اللزوم بيّناً بالمعنى الأخصّ، كما قرّر في محلّه(1).

وإن كان منشؤه هو شاهد الحال والقرائن غير اللفظيّة، فالظاهر عدم اعتباره أيضاً; لعدم استناده إلى اللفظ، ولا دليل على حجّية الظنّ غير المستند إليه، إلاّ أن يكون الفعل كاللفظ ممّا جرى بناء العقلاء على الاعتماد عليه، كما إذا فتح باب داره لإقامة العزاء فيه مثلا مع وجود أمارات اُخرى عليه، كما هو المعمول في زماننا هذا في بلادنا; فإنّه لا يبعد جواز الاعتماد على الظنّ الحاصل من ذلك، لبناء العقلاء على الاعتماد عليه كالاعتماد على اللفظ.

  • (1) المنطق للمظفّر: 40، وراجع فوائد الاُصول 1 ـ 2: 303، واُصول فقه شيعه 5: 54 ـ 57.

( صفحه 383 )

[جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة]

مسألة 6: يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة، كالصحاري والمزارع والبساتين التي لم يبن عليها الحيطان، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة، كالاستطراقات العادية غير المضرّة، والجلوس والنوم فيها، وغير ذلك، ولا يجب التفحّص عن ملاّكها; من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين، كالصغار والمجانين.

نعم، مع ظهور الكراهة والمنع عن ملاّكها ولو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها، يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلاّ في الأراضي المتّسعة جدّاً، كالصحاري التي من مرافق القرى وتوابعها العرفيّة، ومراتع دوابّها ومواشيها; فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع 1 .

1 ـ الوجه في جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة، بل مطلق التصرّفات اليسيرة ممّا هو مذكور في المتن وشبهه، هي السيرة القطعيّة(1) العمليّة من المتشرّعة المتّصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) ، لا أدلّة نفي الحرج والضرر; لأنّ دليل نفي الضرر ـ على ما هو التحقيق ـ راجع إلى مقام الحكومة والسلطنة لا التشريع(2)، ودليل نفي الحرج واقع في مقام الامتنان(3)، وهو لا يجري فيما إذا لزم من جريانه خلاف الامتنان في حقّ الغير، مضافاً إلى دورانه مدار الحرج الشخصي، مع أنّ المدّعى كلّي، فالدليل المنحصر هي السيرة المذكورة.

  • (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 442، المستند في شرح العروة الوثقى، الموسوعة الإمام الخوئي 13: 57.

  • (2) ثلاث رسائل: 111 ـ 112، بدائع الدّرر في قاعدة نفي الضرر: 105 ـ 121.

  • (3) ثلاث رسائل: 41 ـ 42 و 167 ـ 169.

( صفحه 384 )

ثمّ إنّ الظاهر اختصاص السيرة بما إذا لم يكن هناك أمارة دالّة على
ظهور الكراهة والمنع من المالك، كبناء الحيطان، ووضع ما يمنع المارّة
عن الدخول فيها.

نعم، في الأراضي المتّسعة جدّاً مثل ما ذكر في المتن، الظاهر ثبوت الجواز حتّى مع المنع وظهور الكراهة; فإنّه لم يعهد الترك مع ظهورها، بل جرت سيرة المتشرّعة على التصرّفات المذكورة في تلك الأراضي مع الوصف المذكور أيضاً، فاللاّزم في المقام ملاحظة السيرة وتشخيص موارد ثبوتها عن غيرها، كما لا يخفى.

( صفحه 385 )

[المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه]

مسألة 7: المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها، فقد يجتمعان، كالصلاة في الأرض المغصوبة، وقد يفترقان، كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح، وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة 1 .

1 ـ المكان تارة: يستعمل في مقام اعتبار الطهارة، واُخرى: في مقام اعتبار الإباحة، كما أنّه ربما يستعمل في مسألة اشتراط عدم تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة وعدم محاذاتها له، وفي مسألة اشتراط عدم التقدّم على قبر المعصوم (عليه السلام) ، أو مساواته له.

أمّا ما يستعمل في مقام اعتبار الطهارة، فالمراد به إمّا خصوص موضع الجبهة، أو مطلق محلّ قرار المصلّي، وهو سطحه الظاهر، كما أنّه سيأتي(1)المراد بالأخيرين.

وأمّا ما يستعمل في مقام اعتبار الإباحة، الذي هو محلّ البحث في المقام، فالمراد به كما عن جامع المقاصد الفراغ الذي يشغله بدن المصلّي، أو يستقرّ عليه ولو بوسائط(2).

وعن الإيضاح أنّه في نظر الفقهاء ما يستقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط، وما يلاقي بدنه وثوبه، وما يتخلّل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة،

  • (1) في ص389 ـ 429.

  • (2) جامع المقاصد 2: 114.

( صفحه 386 )

كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره(1).

وقد اُورد على كلّ من التعريفين ببعض الإيرادات(2)، ولكنّ التحقيق أنّ لفظ «المكان» لم يقع في لسان دليل معتبر، بل هو مذكور في معقد الإجماع على اشتراط الإباحة الذي قد عرفت(3) أنّه هو الدليل على الاشتراط، لا الدليل العقلي من ناحية اجتماع الأمر والنهي.

وعليه: فاللاّزم ملاحظة أنّ مراد المجمعين منه ماذا؟ والظاهر بلحاظ وقوع الاستناد إلى الدليل العقلي المذكور في كلمات جماعة منهم، أنّ مرادهم ما يكون التصرّف فيه متّحداً مع الصلاة ولو بلحاظ بعض أجزائها.

وعليه: فلا إشكال في البطلان فيما إذا كان ما استقرّ عليه المصلّي غصباً. نعم، إذا كان هناك وسائط، فالظاهر أنّ الموارد مختلفة، فتارة: يتحقّق التصرّف مع وجودها، كما إذا صلّى على فرش مغصوب مع الاستقرار عليه بواسطة فرش أو فرشين أو أكثر; فإنّه هناك يتحقّق صدق التصرّف في المغصوب والاستقرار عليه.

واُخرى: لا يصدق، كما إذا صلّى على سقف مباح معتمد على جدار مغصوبة; فإنّه في مثله لا يتحقّق عنوان التصرّف في المغضوب; فإنّ التصرّف في السقف غير التصرّف في الجدار وإن كان لا يثبت بدونه، وكما إذا كان في ذيل الجدار بعض الأجزاء المغصوب; فإنّ الصلاة فوق الجدار لا يكون

  • (1) ايضاح الفوائد 1: 86 .

  • (2) جامع المقاصد 3: 115، مدارك الأحكام 3: 215.

  • (3) ص358 ـ 361.

( صفحه 387 )

تصرّفاً في ذلك البعض عرفاً، هذا بالنسبة إلى الاستقرار.

وأمّا بالإضافة إلى الفراغ والفضاء الذي يشغله المصلّي في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها، فالبحث فيها يتوقّف على تحقّق عنوان الغصب فيه، وهو يتوقّف على ثبوت الملكيّة بالنسبة إليه، وقد ذكر فيه أقوال ثلاثة:

الأوّل: أنّ كلّ من يملك أرضاً فهو مالك لفضائها إلى عنان السماء، ولقرارها إلى تخوم الأرضين، كما هو الحال في الكعبة المشرّفة التي يعتبر استقبالها في الصلاة، التي قد ورد في شأنها أنّها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء(1).

الثاني: أنّه مالك لمقدار من الفراغ الذي يتوقّف عليه تصرّفاته في أرضه بعين ملكيّته للأرض، ولمقدار آخر منه بتبعيّة الأرض بمنزلة الحريم لها.

الثالث: القول الثاني مع الافتراق في القول بأولويّة مالك الأرض بالإضافة إلى المقدار التابع، لا الملكيّة.

والظاهر أنّه لا دليل على القول الأوّل، ولا يساعده العقلاء بوجه. وأمّا الأخيران، فالتحقيق في تعيين ما هو الحقّ منهما موكول إلى محلّه(2)، ولكنّه لا يترتّب عليه ثمرة مهمّة في المقام; لأنّه كما لا يجوز التصرّف في ملك الغير، كذلك لا يجوز التصرّف في متعلّق حقّ الغير إلاّ مع إذنه.

ثمّ إنّ الصلاة تحت السقف المغصوب لا تكون تصرّفاً في المغصوب بوجه، بل إنّما هو انتفاع به في بعض الموارد، ولا دليل على حرمة مجرّد الانتفاع من

  • (1) هذا اصطياد من الروايات، مثل ما وردت في وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب18.

  • (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب إحياء الموات: 206.

( صفحه 388 )

دون تصرّف، كما تقدّم(1) في مثل الاصطلاء بنار الغير، والاستضاءة بنوره، والنظر إلى بستانه أو عمارته، ولا وجه لما هو المحكيّ عن ظاهر الجواهر من حرمة الانتفاع بمال الغير، كحرمة التصرّف فيه، وإن حكم بصحّة الصلاة في الفرض المزبور; نظراً إلى عدم اتّحاد الانتفاع بمال الغير مع الأجزاء الصلاتيّة، بخلاف التصرّف فيه، قال: للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة، وبين كون الصلاة نفسها تصرّفاً منهيّاً عنه، والمتحقّق في الفرض الأوّل; إذ الأكوان من الحركات والسكنات في الفضاء المحلّل، ويقارنها الانتفاع حالها بالمحرّم، وهو أمر خارج عن تلك الأكوان، لا أنّها أفراده; ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلّي في أفراده، كما هو واضح بأدنى تأمّل(2).

والظاهر أنّ عدم حرمة الانتفاع من دون التصرّف كاد أن يكون من ضروريّات الفقه والعقلاء(3)، فلا يبقى مجال لما أفاده (قدس سره) ، كما أنّك عرفت(4) أنّ الدليل على البطلان في أصل المسألة ليس هو اتّحاد التصرّف مع الأجزاء الصلاتيّة، بل الدليل هو الإجماع، وإلاّ فالقاعدة لا تقتضي البطلان.

  • (1) في ص370.

  • (2) جواهر الكلام 8 : 483.

  • (3) مستمسك العروة الوثقى 5: 425.

  • (4) في ص358 ـ 361.

( صفحه 389 )

صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة، أو تقدّم المرأة

مسألة 8 : الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة، أو تقدّم المرأة، لكن على كراهية بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع، وبالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما، لكنّ الأحوط ترك ذلك. ولا فرق فيه بين المحارم وغيرهم، ولا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين، بل يعمّ الحكم الزوج والزوجة أيضاً، وترتفع الكراهة بوجود الحائل، وبالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد، والأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة، كما أنّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه، وإن لا تبعد كفاية مطلقهما 1 .

1 ـ المشهور(1) بين المتقدّمين من الأصحاب بطلان صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة; وإن كانوا بين من يكون البطلان ظاهر تعبيره; لتعبيره بعدم الجواز الظاهر فيه(2)، وبين من يكون البطلان صريح كلامه; لتصريحه(3) به، ولكنّ الشهرة(4) انقلبت بين المتأخّرين إلى الكراهة، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الكثيرة الواردة في الباب، واللاّزم ملاحظتها، فنقول:

  • (1) حكاه عن تخليص التلخيص والشيخ نجيب الدين في مفتاح الكرامة 6: 148 ـ 149، الحدائق الناضرة 7: 177، جواهر الكلام 8 : 503، مستمسك العروة الوثقى 5: 468، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 105.

  • (2) الكافي في الفقه: 120، غنية النزوع: 82 ، المهذّب 1: 98.

  • (3) المقنعة: 152، النهاية: 100 ـ 101، الوسيلة: 89 ، تلخيص المرام: 22.

  • (4) الحدائق الناضرة 7: 177، مستمسك العروة الوثقى 5: 473، مستند العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 108.

( صفحه 390 )

أمّا ما ظاهره الجواز فروايات:

منها: مصحّحة جميل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي; فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتّى يسجد(1).

والتعليل المذكور في الرواية ـ مضافاً إلى غرابته في نفسه، المشعرة بصدورها تقيّة ـ لا يصلح علّة للحكم المذكور في الرواية; لأنّ مورد الحكم صلاة المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي.

وبعبارة اُخرى: مورده ما إذا صلّى كلاهما معاً، ومقتضى التعليل جواز صلاة الرجل والمرأة بين يديه وهي لا تصلّي.

ودعوى استقامة التعليل، بتقريب أنّ تقدّمها مضطجعة في حال الحيض إذا لم يكن مانعاً عن صلاة الرجل، فتقدّمها في حال الصلاة أولى بعدم المانعيّة(2).

مدفوعة بأنّ مثل هذا التعليل لو كان صالحاً للعلّية لكان الحكم في أصل المسألة واضحاً بعد ظهور جواز تقدّم المرأة في غير حال الصلاة على الرجل المصلّي، فالتعليل غير مستقيم، ولأجله احتمل(3) التصحيف في الرواية، وأنّ الصحيح: «أن تضطجع المرأة» بدل «تصلّي»، كما أنّه احتمل(4) بل استظهر

  • (1) الفقيه 1: 159 ح749، وعنه وسائل الشيعة 5: 122، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب4 ح4.

  • (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني (رحمه الله) للآملي 1: 331.

  • (3) الوافي 7: 480 ح6399.

  • (4) لم نعثر عليه عاجلاً.

( صفحه 391 )

أن يكون بدله «لا تصلّي»، بحيث كانت كلمة «لا» ساقطة، لكن لا مجال لشيء من الاحتمالين; لأنّهما يرفعان الوثوق بالأخبار المضبوطة في الكتب المدوّنة.

وفي التعليل إشكال آخر; وهو عدم انطباقه على الصدر; من جهة أنّ الحكم بعدم البأس فيه إنّما يكون محمولا على صلاة المرأة بحذاء الرجل، والتعليل يدلّ على جواز صلاة الرجل ولو كانت بحذائه امرأة.

هذا، مضافاً إلى أنّ طريق الصدوق إلى الجميل وحده ممّا لا تعلم صحّته.

ومنها: مرسلة جميل بن دراج، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه، قال: لا بأس(1).

وهذه الرواية وإن كانت دليلا على الجواز مطلقاً، إلاّ أنّ الظاهر اتّحادها مع مرسلته الاُخرى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبيه، قال: إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس(2).

بمعنى أنّ الراوي ـ وهو جميل ـ سأل الإمام (عليه السلام) عن حكم المسألة مرّة واحدة، وأجابه بجواب واحد، وهو مردّد بين أن يكون هو الحكم بعدم البأس مطلقاً، أو مقيّداً بما إذا كان سجودها مع ركوعه، والظاهر هو الثاني; لأنّه إذا دار الأمر بين الزيادة السهويّة والنقيصة كذلك يكون الترجيح

  • (1) تهذيب الأحكام 2: 232 ح912، وعنه وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح6.

  • (2) تهذيب الأحكام 2: 379 ح1581، الاستبصار 1: 399 ح1524، وعنهما وسائل الشيعة 5: 127، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب6 ح3.

( صفحه 392 )

ـ بمقتضى حكم العرف ـ مع الثاني.

ويؤيّد كونهما رواية واحدة اشتراك الروايتين من حيث السند من ابن فضّال إلى الآخر، حيث إنّه روى في كلتيهما عمّن أخبره، عن جميل.

كما أنّه يؤيّد كون الحكم مقيّداً ما رواه ابن فضّال، عن ابن بكير، عمّن رواه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه، أو إلى جانبه، فقال: إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس(1).

بل يحتمل قويّاً اتّحادها معهما أيضاً; نظراً إلى أنّ المراد ممّن روى عنه ابن بكير في سند هذه الرواية هو جميل المذكور في الروايتين، والمراد ممّن أخبره فيهما هو ابن بكير المذكور في هذه الرواية، فيرفع كلّ واحد إجمال الآخر، ويرتفع الإشكال عن جميع الروايات الثلاثة من جهة الإرسال، ولكن لا يمكن الاتّكاء على هذا الاحتمال وإن كان قويّاً، كما عرفت.

والمراد من كون سجودها مع ركوعه، يحتمل أن يكون تساوي رأس المرأة في حال السجود مع رأس الرجل في حال الركوع; أي كانت متأخّرة عنه بهذا المقدار، ويحتمل أن يكون المراد وقوع رأسها في حال السجود محاذياً لأوّل جزء من بدن الرجل; أي يجب التأخّر بهذا المقدار، ويبعّد هذا الاحتمال أنّه لا فرق حينئذ بين حال الركوع وحال القيام; لعدم الفرق في أوّل الجزء بينهما، فيكون ذكر الركوع بلا فائدة.

ويقرّبه رواية هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: الرجل

  • (1) الكافي 3: 299 ح7، وعنه وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب6 ح5.

( صفحه 393 )

إذا أَمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه، سجودها مع ركبتيه(1).

ومنها: صحيحة الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال والنساء، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك، وإنّما يكره في سائر البلدان(2).

ولا دلالة فيها على فرض صلاة الرجل أيضاً، وليس قوله (عليه السلام) : «معك» ظاهراً فيه. وعليه: فيمكن أن يكون المراد صلاة المرأة في وسط الرجال
بحيث كانت بين أيديهم إلخ، من دون فرض صلاتهم، ولا دليل على عدم الكراهة في سائر البلدان في هذه الصورة، كما لا يخفى.

ومنها: خبر عيسى بن عبدالله القمي، حيث إنّه سأل الصادق (عليه السلام) عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف، وقدّامها صفوف قال (عليه السلام) : مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد. ولكنّه لم ينقل في الكتب المعدّة لنقل الأحاديث، بل مذكور في بعض الكتب الفقهية(3).

وأمّا ما ظاهره المنع، فروايات أيضاً:

منها: صحيحة إدريس بن عبدالله القمّي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنباً، فقال: إن كانت قاعدة

  • (1) الفقيه 1: 259 ح1178، وعنه وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح9.

  • (2) علل الشرائع: 397 ب137 ح4، وعنه وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح10.

  • (3) لم نقف عليه في المصادر المتقدّمة على الشهيد. نعم، رواه الشهيد في غاية المراد 1: 135، والفاضل الهندي في كشف اللثام 3: 280، والسيّد عليّ الطباطبائي في رياض المسائل 3: 259، وصاحب الجواهر في جواهر الكلام 8 : 508.

( صفحه 394 )

فلا يضرّك، وإن كانت تصلّي فلا(1).

والمراد بكونها قاعدة عدم الاشتغال بالصلاة، كما هو ظاهر.

ومنها: رواية عبد الرحمان بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه عن يمينه، أو عن يساره؟ فقال: لا بأس به إذا كانت لا تصلّي(2).

ومنها: صحيحة محمّد، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصلّيان جميعاً؟ قال: لا، ولكن يصلّي الرجل، فإذا فرغ صلّت المرأة(3).

وبهذا المضمون روايات اُخر أيضاً(4).

ومنها: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن إمام كان في الظهر، فقامت امرأة بحياله تصلّي وهي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلّت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة(5).

والوجه في عدم الإفساد على القوم يمكن أن يكون هو عدم قدح التقدّم

  • (1) الكافي 3: 298 ح5، تهذيب الأحكام 2: 231 ح910، وعنهما وسائل الشيعة 5: 121، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب4 ح1.

  • (2) الكافي 3: 298 ح2، وعنه وسائل الشيعة 5: 121، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب4 ح2.

  • (3) تهذيب الأحكام 2: 231 ح907، الاستبصار 1: 399 ح1522، الكافي 3: 298 ح4، وعنها وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب كان المصلّي ب5 ح2، وص131 ب10 ح1.

  • (4) وسائل الشيعة 5: 123 ـ 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5.

  • (5) تهذيب الأحكام 2: 232 ح913، وص379 ح1583، وعنه وسائل الشيعة 5: 131، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب9 ح1.

( صفحه 395 )

والمحاذاة مع الرجل، ويمكن أن يكون هو تأخّر المرأة في الشروع في الصلاة الموجب لبطلان صلاتها فقط مع اعتبار عدم التقدّم والمحاذاة.

كما أنّ الوجه في لزوم إعادة المرأة صلاتها يحتمل أن يكون هو إخلالها بما هو المعتبر من عدم التقدّم والمحاذاة; لفرض وقوعها بحذاء الإمام ومتقدّمة على المأمومين. وعليه: فتكون الرواية من أدلّة المنع في المقام، ويحتمل أن يكون هو الإخلال بما هو المعتبر في صلاة الجماعة من جهة الموقف; وهو تأخّر المأموم عن الإمام، وعدم وقوعه بحذائه; من دون فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.

ويحتمل أن يكون هو راجعاً إلى النيّة; نظراً إلى حسبانها أنّ الإمام يصلّي العصر، وقد كان يصلّي الظهر، واقتداء صلاة العصر بالظهر وإن كان ممّا لا مانع منه، إلاّ أنّ تقييد النيّة بما نواه الإمام بتخيّل المطابقة ربما يمنع عن الصحّة بعد كشف الخلاف، فتدبّر. ولعلّ عبارة السؤال تكون ظاهرة في هذا الاحتمال. وكيف كان، فلم يظهر من الرواية دلالتها على المنع فيما هو محلّ الكلام.

ومنها: موثقة عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ فقال: إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة، فلا بأس حيث كانت(1).

والظاهر اتّحادها مع موثّقته الاُخرى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال: إن كانت تصلّي

  • (1) وسائل الشيعة 5: 122، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب4 ح6، وتأتي تمامها في ص399 ـ 400.

( صفحه 396 )

خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه(1).

ومنها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل؟ فقال: لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره(2).

ولكنّه لا ظهور لها في فرض صلاة الرجل أيضاً، بل يمكن أن يكون مورد السؤال هو نفس صلاة المرأة مع وجود الرجل، ولا مجال لدعوى وضوح ثبوت الجواز في هذا الفرض; فإنّ التتبّع في الروايات يقضي بكونه مورداً للشكّ ومسؤولا عنه.

وأمّا الروايات الظاهرة في التفصيل فكثيرة أيضاً:

منها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى؟ قال: لا ينبغي ذلك، فإن كان بينهما شبر أجزأه; يعني إذا كان الرجل متقدّماً للمرأة بشبر(3).

والظاهر أنّ المراد بـ «لا ينبغي» في الرواية هو البطلان لا الكراهة، وتفسير المراد من الشبر وإن وقع من الراوي، إلاّ أنّ الظاهر أنّ لفظ «شبر» بالشين المعجمة والباء الموحّدة تصحيف «الستر» بالسين المهملة والتاء المثنّاة

  • (1) وسائل الشيعة 5: 127، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب6 ح4، وتأتي تمامها في ص399 ـ 400.

  • (2) تهذيب الأحكام 2: 379 ح1582، الاستبصار 1: 399 ح1525، وعنهما وسائل الشيعة 5: 127، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب6 ح2.

  • (3) تهذيب الأحكام 2: 230 ح905، الكافي 3: 298 ح4، وعنهما وسائل الشيعة 5: 123، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح1.

( صفحه 397 )

من فوق; إذ من البعيد أن تكون الحجرة بالغة في الضيق إلى حدّ يكون الفاصل بين الشخصين الواقعين في زاويتيها مع التحاذي مقدار شبر واحد.

ويؤيّده رواية محمد الحلبي قال: سألته ـ يعني أبا عبدالله (عليه السلام)  ـ عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الاُخرى؟ قال: لا ينبغي ذلك إلاّ أن يكون بينهما ستر، فإن كان بينهما ستر أجزأه(1).

وقد عرفت أنّ تفسير الراوي لا يساعد ذلك، وقد ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين أنّه يمكن صحّتهما(2).

ومنها: رواية أبي بصير هو ليث المرادي قال: سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع، ثمّ قال: كان طول رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذراعاً، وكان يضعه بين يديه إذا صلّى، يستره ممّن يمرّ بين يديه(3).

قال في الوافي: اُريد بـ «الرّحل» رحل البعير، واُريد بطوله ارتفاعه من الأرض; أعني السّمك(4). ويحتمل قريباً بقرينة الذيل أن يكون المراد بقوله: «إلاّ أن يكون...» وجود حائل بينهما كان طوله شبراً أو ذراعاً، كما أنّه يحتمل أن يكون المراد تقدّم الرجل على المرأة بهذا المقدار.

والظاهر اتّحادها مع روايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن

  • (1) مستطرفات السرائر: 27 ح7، وعنه وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب8 ح3.

  • (2) وسائل الشيعة 5: 130 ذ ح3.

  • (3) تهذيب الأحكام 2: 230 ح906، وعنه وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح3.

  • (4) الوافي 7: 481 ذ ح6400.

( صفحه 398 )

الرجل والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، حتّى يكون بينهما شبر، أو ذراع، أو نحوه(1).

وعليه فيرتفع إشكال الإضمار عن روايته الاُولى.

ومنها: رواية عبدالله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : اُصلّي والمرأة إلى جنبي وهي تصلّي؟ قال: لا، إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت، ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة(2).

فإن كان المراد بقوله (عليه السلام) : «إلاّ أن تتقدّم...» هو التقدّم في الموقف مع التقارن في الصلاة، فالظاهر أنّ الرواية معرض عنها; لأنّ التقدّم أولى بالمنع من الجنب المفروض في سؤال الرواية، وإن كان المراد هو التقدّم في أصل إيقاع الصلاة; بمعنى كون صلاة واحد منهما قبل الآخر، فالرواية تصير من أدلّة مطلق المنع، ويصير الاستثناء منقطعاً; لأنّ المفروض في السؤال هو التقارن في الصلاة.

ومنها: رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سأله عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد؟ قال: إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها، وهو وحده لا بأس(3).

ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا كان بينها وبينه

  • (1) تهذيب الأحكام 2: 231 ح908، الكافي 3: 298 ح3، وعنهما وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح4.

  • (2) تهذيب الأحكام 2: 231 ح909، وعنه وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح5.

  • (3) الفقيه 1: 159 ح747، وعنه وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح7.

( صفحه 399 )

ما لا يتخطّى، أو قدر عظم الذراع فصاعداً، فلا بأس(1).

ومنها: رواية حريز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه، فقال: إذا كان بينهما موضع رجل (رحل خ ل) فلا بأس(2).

والمراد بموضع الرجل يحتمل أن يكون هي الخطوة، ويحتمل أن يكون مقدار باطن القدم الذي هو مقدار الشبر.

ومنها: رواية اُخرى لزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: المرأة والرجل يصلّي كلّ واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال: نعم، إذا كان بينهما قدر موضع رحل(3).

ومنها: رواية ثالثة لزرارة قال: قلت له: المرأة تصلّي حيال زوجها؟ قال: تصلّي بازاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطّى، أو قدر عظم الذراع فصاعداً(4).

ومنها: موثقة عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال: لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه، وإن كانت المرأة

  • (1) الفقيه 1: 159 ح748، وعنه وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح8 .

  • (2) الكافي 3: 298 ح1، وعنه وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح11.

  • (3) مستطرفات السرائر: 73 ح10، وعنه وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح12.

  • (4) مستطرفات السرائر: 74 ح15، وعنه وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح13.

( صفحه 400 )

قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة، فلا بأس حيث كانت(1).

والظاهر اتّحادها مع الموثّقتين المتقدّمتين(2) فيما ظاهره المنع; بمعنى أنّ هذه تمام الرواية، وما تقدّم مشتمل على بعضها، كما لا يخفى.

ومنها: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي الضحى وأمامه امرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع؟ قال: لا بأس ليمض في صلاته(3).

ولكنّها لا تبلغ من الظهور في اعتبار العشرة مرتبة الموثّقة، كما هو ظاهر.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في المرأة تصلّي عند الرجل، قال: إذا كان بينهما حاجز فلا بأس(4).

ومقتضى إطلاقها ـ لولا أنّه المنصرف إليه ـ الشمول لحال صلاة الرجل أيضاً، ويؤيّد الانصراف ظهور الجواب في اعتبار الحاجز، مع أنّه لا يعتبر مع عدم صلاة واحد منهما.

ومنها: صحيحة اُخرى لعليّ بن جعفر، عن أخيه (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال: إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس(5).

  • (1) تهذيب الأحكام 2: 231 ح911، الاستبصار 1: 399 ح1526، وعنهما وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب7 ح1.

  • (2) في ص395 ـ 396.

  • (3) قرب الإسناد: 204 ح788، وعنه وسائل الشيعة 5: 129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب7 ح2.

  • (4) تهذيب الأحكام 2:379ح1580، وعنهوسائل الشيعة 5:129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب8ح2.

  • (5) قرب الإسناد: 207 ح805 ، وعنه وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب8 ح4.

( صفحه 401 )

والظاهر أنّ المراد صلاة المرأة خارج المسجد، وإلاّ لا يبقى وجه لذكر الحائط القصير، والمراد بوجود الحائط يمكن أن يكون هو اعتباره من جهة الحيلولة والحجب ولو في الجملة، كما في الحائط القصير، ويحتمل أن يكون لأجل ملازمته مع الفصل بين الموقفين بمقدار ذراع أو أزيد، كما هو المعمول في الحيطان في الأزمنة السابقة.

ومثلها روايته الاُخرى، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) في حديث قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه؟ قال: لا بأس(1).

قال في الوافي: «الكواء» ممدوداً ومقصوراً جمع الكوّة بالتشديد; وهي الروزنة(2).

إذا عرفت ما أوردناه من الروايات الواردة في المسألة التي هي طوائف ثلاثة: طائفة تدلّ على الجواز مطلقاً، واُخرى: على المنع كذلك، وثالثة: على التفصيل مع الاختلاف الكثير بين روايات هذه الطائفة أيضاً، فاعلم أنّ روايات الجواز أكثرها بل جميعها مخدوشة من حيث السند، حتى رواية جميل(3) التي رواها عنه الصدوق باسناده; لما مرّ(4) من أنّ سند الصدوق إلى جميل وحده ممّا لم تعلم صحّته، مضافاً إلى اشتمالها على التعليل الذي

  • (1) تهذيب الأحكام 2: 373 ح1553، مسائل عليّ بن جعفر: 140 ح159، وعنهما وسائل الشيعة 5: 129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب8 ح1.

  • (2) الوافي 7: 478.

  • (3) تقدّمت في ص390.

  • (4) في ص391.

( صفحه 402 )

مرّ(1) أنّه لا ملائمة بينه، وبين الحكم المذكور في الرواية; وإن كان يمكن أن يقال بأنّ غرابة التعليل لا توجب الخدشة في الحكم المذكور في الرواية.

وبالجملة: روايات الجواز غير قابلة للاستناد إليها له، فلم تبق في المسألة إلاّ الطائفتان الأخيرتان.

وليعلم أنّ ما دلّ من الطائفة الثالثة على اعتبار وجود الحاجز بين الرجل والمرأة لا ينافي ما دلّ على المنع مطلقاً; لأنّ مورد هذه الطائفة صورة عدم وجود الحاجز، كما لا يخفى، فمدلولهما من حيث إطلاق المنع واحد.

ثمّ إنّ الجمع بين الطائفتين يمكن على أحد وجهين:

الأوّل: حمل النهي في الطائفة المانعة على الكراهة، والتصرّف في ظهورها في إطلاق النهي; نظراً إلى صراحة الطائفة المفصّلة في الحكم بالجواز وعدم المنع مقيّداً بالقيود المذكورة فيها، فيحمل ظهور الاُولى في الحكم بالتحريم على الإطلاق، على الكراهة في مورد تلك القيود، ويقال بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر، أو ذراع، أو موضع رحل، أو عشرة أذرع، ويحمل اختلاف القيود على اختلاف الكراهة، فهي في الشبر أشدّ وأقوى، وفي عشرة أذرع أضعف وأنقص من سائر المراتب.

الثاني: إبقاء الطائفة المانعة على حالها من إطلاق النهي،
والتصرّف في الروايات المفصّلة، بكون مورد التفاصيل المذكورة فيها
ليس صورة التحاذي أو تقدّم المرأة، بل موردها فرض تقدّم الرجل
على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها; بحمل العناوين المذكورة فيها

  • (1) في ص390.

( صفحه 403 )

ـ من الحذاء والحيال والجنب واليمين واليسار ـ على العرفي منها غير المنافي لتقدّمه عليها في الجملة.

ربما يؤيّد الثاني تفسير الشبر في إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة(1)ـ التي وقع فيها السؤال عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى ـ بما إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة بشبر; فإنّه يظهر منه أنّه لا منافاة بين تحقّق المحاذاة، ووقوع البينيّة بهذا المعنى. وعليه: تكون المحاذاة بمعناها العرفي غير المنافي للتأخّر بهذا المقدار، كما أنّه لا ينافي ذلك مع ظهور مثل التعبير في كون المراد بها هي البينيّة في جميع الأحوال; فإنّ لازم التأخّر بهذا المقدار هو التأخّر في جميع حالات الصلاة; فإنّ المتأخّر بشبر يكون في ركوعه وسجوده أيضاً متأخّراً بهذا المقدار،
كما لا يخفى.

ويؤيّد الثاني أيضاً الاستثناء الواقع في إحدى روايات زرارة المتقدّمة(2)من قوله (عليه السلام) : «لا تصلّي المرأة بحيال الرجل»، بقوله (عليه السلام) : «إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره»; فإنّ الظاهر كون الاستثناء متّصلا، ولازمه كون التقدّم على المرأة أيضاً في الجملة من مصاديق الحيال.

ويؤيّده أيضاً روايتا محمد بن مسلم وأبي بصير المتقدّمتان(3) الواردتان في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين، وأنّه لا يجوز ذلك، بل يصلّي الرجل

  • (1 ، 2) في ص396.

  • (3) تقدّم رواية محمّد بن مسلم في ص394، وأمّا رواية أبي بصير فلم يتقدّم ذكره، تهذيب الأحكام 5: 403 ح1404، وعنه وسائل الشيعة 5: 132، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب10 ح2.

( صفحه 404 )

أوّلا ثمّ المرأة; فإنّ هذا لا يناسب الكراهة، مع أنّه في السفر يرخّص ما لا يرخّص في غيره. ومن الواضح: ثبوت مقدار الشبر بين طرفي المحمل، فتدلاّن على المنع في مورد الشبر، ودعوى عدم وقوعهما في هذا المقام، كما في تقريرات النائيني (قدس سره) (1)، مدفوعة جدّاً.

ويؤيّده أيضاً إحدى روايات جميل المتقدّمة(2)، المشتملة على قوله (عليه السلام) في مقام الجواب عن السؤال عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبيه: «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس»; فإنّ الظاهر من الجواب انقسام مورد السؤال إلى قسمين، والحكم بعدم البأس في قسم واحد منهما. وعليه: فيكون التأخّر بهذا المقدار غير مناف للجنب والحذاء، وإلاّ يلزم أن يكون حكم مورد السؤال مستفاداً من المفهوم، وهو خلاف الظاهر.

ويضعّف ظهور قوله (عليه السلام) : «بينهما شبر أو ذراع» في كون الفصل بين الموقفين مع وقوعهما في خطّ مستقيم، كذا ما يستفاد من إحدى روايات أبي بصير المتقدّمة(3); من احتمال كون المراد هو الحجب بهذا المقدار; بأن كان الشبر أو الذراع طول ارتفاع الحائل، كما مرّ(4).

فهذه كلّه ممّا يوجب تضعيف الظهور المذكور، بحيث لا يأبى عن الحمل على التأخّر بهذا المقدار، كما هو مقتضى الوجه الثاني من وجهي الجمع.

ويمكن الإيراد على الوجه الأوّل; بأنّ حمل النهي على الكراهة إنّما هو

  • (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني (رحمه الله) للآملي 1: 329.

  • (2) في ص391.

  • (3 ، 4) في ص397.

( صفحه 405 )

فيما إذا كان النهي نهياً مولويّاً ظاهراً في التحريم. وأمّا إذا كان النهي للإرشاد إلى الفساد والبطلان، كما هو الظاهر من النواهي الواردة في مثل المقام من العبادات والمعاملات، فلا وجه للحمل على الكراهة.

ودعوى(1) إمكان التقييد بموارد الروايات المفصّلة، وإبقاء النهي على حاله من الإرشاد إلى الفساد في غير تلك الموارد، مدفوعة بأنّ لازمه عدم تحقّق المورد للإطلاقات المانعة; لأنّ الفصل بأقلّ من الشبر مع المحاذاة الحقيقيّة قلّما يتّفق لو لم نقل بعدم اتّفاقه، بناءً على أن يكون المراد بقوله (عليه السلام) : «بينهما شبر» هو الفصل بين الموقفين; فإنّ الفصل بهذا المقدار بينهما يلازم اتّصال البدنين من ناحية الأيدي.

هذا، مضافاً إلى أنّ الاختلاف في التقييد من سنخ واحد بما يرجع إلى الاختلاف بين الشبر وعشرين شبراً ـ الذي هو عبارة عن عشرة أذرع ـ في غاية البعد; فإنّ الاختلاف إذا لم يكن من سنخ واحد فلا استبعاد فيه. وأمّا في السنخ الواحد كما في المقام، فبعيد جدّاً.

وبذلك كلّه يظهر صحّة ما قرّبه صاحب الحدائق (قدس سره) (2) من حمل نصوص التقدير بما دون العشرة على صورة تقدّم الرجل على المرأة، لا المحاذاة، والتقييد بما دون العشرة إنّما هو لأجل أنّ موثقة عمّار المتقدّمة(3) الدالّة عليها صريحة في أنّ اعتبارها إنّما هو بالنسبة إلى الأمام واليمين واليسار. وأمّا

  • (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 330.

  • (2) الحدائق الناضرة 7: 179 ـ 184.

  • (3) في ص399 ـ 400.

( صفحه 406 )

الخلف، فيكفي تحقّقه بالإضافة إلى المرأة وإن كانت تصيب ثوبه.

ثمّ إنّ هاهنا اُموراً لابدّ من التنبيه عليها:

أحدها: فيما ترتفع به الحرمة الوضعيّة، أو الكراهة التي يقول بها المتأخّرون على ما هو المشهور بينهم(1)، وهي اُمور مستفادة من الروايات المتقدّمة:

الأوّل: تأخّر المرأة عن الرجل في الجملة، وإليه ينظر جمع من الأخبار المفصّلة المتقدّمة، بل كلّها سوى ما دلّ على اعتبار عشرة أذرع، بناءً على ما اخترناه في معناها. وأمّا بناءً على الكراهة، فالدالّ على هذا الأمر جملة من تلك الأخبار.

ولكن مقتضى الروايات من حيث اعتبار مقدار التأخّر مختلف: فإنّ مقتضى بعض روايات محمد بن مسلم المتقدّمة(2) أن يكون بينهما شبر، بناءً على أن يكون الشبر بالشين المعجمة والباء الموحّدة، وكان المراد التأخّر بهذا المقدار، كما وقع التفسير به في نفس هذه الرواية، ويجري فيه احتمالان; لأنّه يمكن أن يكون المراد وجود الفصل بهذا المقدار بين رؤوس أصابع رجل المرأة، وبين خلف رجل الرجل، ويمكن أن يكون المراد وجود هذا الفصل بين رؤوسي الأصابع منهما.

ومقتضى مرسلتي جميل وابن بكير المتقدّمتين(3) اعتبار أن يكون
سجودها مع ركوعه، وقد تقدّم (4) الاحتمالان في معنى هذا القيد، وترجيح

  • (1) تقدّم تخريجه في ص389.

  • (2) في ص396.

  • (3 ، 4) في ص391 ـ 392.

( صفحه 407 )

أحدهما على الآخر.

ومقتضى بعض روايات زرارة(1) اعتبار كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره، والظاهر أنّه أقلّ مراتب التأخّر، وينطبق عليه رواية «الشبر» بناءً على الاحتمال الثاني في معناها، ورواية «كون سجودها مع ركوعه» بناءً على أحد الاحتمالين; وهو الاحتمال الراجح الذي يرجع إلى أنّ المراد كون رأس المرأة في حال السجود محاذياً لرأس الرجل في حال الركوع، كما لا يخفى.

ومقتضى بعض الروايات المتقدّمة(2) اعتبار كون التأخّر بمقدار موضع الرجل بالجيم، والمراد منه يحتمل أن يكون مقدار باطن القدم الذي هو شبر، فينطبق على روايته، ويحتمل أن يكون مقدار ما بين الرجلين في حال المشي، الذي هو عبارة عن الخطوة، فيدلّ على اعتبارها.

ومقتضى البعض(3) كفاية أن يكون التأخّر بمقدار موضع الرحل الذي هو ذراع، أو قدر عظم الذراع فصاعداً، أو كان بينه وبينها ما لا يتخطّى، بناءً على ما ذكرنا في معنى هذا البعض من كون المراد التأخّر بهذا المقدار.

ومقتضى رواية عمّار المتقدّمة(4) كفاية كون المرأة خلف الرجل وإن كانت تصيب ثوبه، والمراد بإصابتها ثوبه يحتمل أن يكون إصابتها ثوب الرجل

  • (1) تقدّم في ص396.

  • (2) في ص399.

  • (3) تقدّم في ص399.

  • (4) في ص395 ـ 396.

( صفحه 408 )

ولو في حال القيام، فيقرب مع ما دلّ على كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره، ويحتمل أن يكون هي إصابتها ثوبه في حال الجلوس، أو السجود المنفصل بعضه عن البدن الواقع جزؤه على الأرض، ولازمه كون مسجدها وراء موقفه.

والجمع بين الأخبار يقتضي الحمل على مراتب الكراهة; بمعنى أنّ صدق أقلّ مراتب التأخّر يوجب ارتفاع الحرمة الوضعيّة أو الكراهة، ولكن ارتفاع أصل الكراهة موقوف على تأخّر المرأة عن الرجل في جميع حالات الصلاة، فالأولى بل الأحوط التأخّر بهذا المقدار الذي يرجع إلى ما ذكرنا من كون مسجدها وراء موقفه.

الأمر الثاني: أن يكون بينهما عشرة أذرع أو أزيد، والدليل عليه موثّقة عمّار المتقدّمة(1)، الظاهرة في اعتبار هذا المقدار فيما إذا كانت المرأة متقدّمة على الرجل، أو محاذية له، وكذا إحدى روايات عليّ بن جعفر المتقدّمة(2)، أيضاً، والتعبير بأكثر من عشرة أذرع في رواية عمّار ليس لأجل اعتبار الأكثر، بل لأجل أن تحقّق العشرة عرفاً يتوقّف على ضمّ مقدار زائد ليتحقّق العلم بها، كما في موارد المقدّمات العلميّة.

ودعوى(3) تفرّد رواية عمّار بهذا الأمر; لعدم ظهور رواية علي بن جعفر في ذلك، مدفوعة بأنّ استناد الأصحاب إليها يكفي في جبرها; من دون فرق بين القائل بالبطلان، وبين القائل بالكراهة، لأنّ الطائفة الاُولى جعلوا العشرة

  • (1 ، 2) في ص399 ـ 400.

  • (3) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 332.

( صفحه 409 )

رافعة للبطلان، والثانية للكراهة.

الأمر الثالث: أن يكون بينهما حاجز، ويدلّ عليه إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة(1)، وكذا رواية محمد الحلبي المتقدّمة(2)، الدالّة على اعتبار الستر; ومنصرف إطلاقها هو اعتبار أن يكون الساتر مانعاً عن المشاهدة في جميع حالات الصلاة حتّى حالة القيام.

ولكن مقتضى صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه (عليهما السلام) المتقدّمة(3) أيضاً ـ قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال: إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس ـ كفاية وجود الحائط ولو كان قصيراً غير مانع عن
المشاهدة، بناءً على كون المراد مدخليّة الحائط من جهة كونه حائلا، لا من جهة اقتضائه للفصل بين الرجل والمرأة بمقدار عرضه.

كما أنّ مقتضى صحيحته الاُخرى، عن أخيه (عليهما السلام) المتقدّمة أيضاً(4) ـ قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه؟ قال: لا بأس ـ أنّه لا مانع من كون الجدار مشتملا على الروزنة والشبّاك غير المانع من المشاهدة.

ومقتضى رواية أبي بصير ليث المرادي المتقدّمة أيضاً(5) الاكتفاء بكون

  • (1) في ص400.

  • (2) في ص397.

  • (3 ، 4) في ص400.

  • (5) في ص397.

( صفحه 410 )

الحائل شبراً أو ذراعاً، بناءً على أن يكون ذيلها قرينة على كون المراد هي الحيلولة بهذا المقدار، ولكنّ الظاهر عدم صلاحيّته للقرينيّة، بحيث يوجب انعقاد ظهور للصدر مخالف لظهوره الثابت له مع قطع النظر عن الذيل، والتناسب لا يقتضي ذلك، خصوصاً مع اختلال التناسب من جهة كون المفروض في السؤال صلاة المرأة عن يمين الرجل بحذاه، ومقتضى الذيل أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يضع رحله بين يديه يستره ممّن يمرّ بين يديه; من دون فرق بين الرجل والمرأة، وفرض المرور ينافي الاشتغال بالصلاة.

فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا عدم الاكتفاء من جهة الحائل بمقدار الشبر أو الذراع، بل لابدّ من صدق الحاجز والستر، وصدق الحائط وإن كان قصيراً، أو كان مشبّكاً، ولكنّ الأحوط كونه بحيث يمنع عن المشاهدة في جميع حالات الصلاة.

ثانيها: أنّه هل يشترط في مانعيّة صلاة أحدهما لصلاة الآخر، الصحّة مع قطع النظر عن التقدّم أو المحاذاة، أو يكفي الأعمّ، فيشمل ما لو كانت صلاة أحدهما فاسدة من جهة فقد شرط، أو جزء، أو وجود مانع بشرط صدق الصلاة عليه، وجهان:

حكى في الجواهر عن جامع المقاصد(1) احتمال الثاني; نظراً إلى أنّ الصلاة تطلق على الصور غالباً، وإلى استحالة تحقّق الشرط; يعني الصلاة الصحيحة عند بطلان الصلاتين على ما هو المفروض، ولا ينفع التخصيص بقيد «لو لا المحاذاة أو التقدّم»; لأنّ المراد بالصلاة الواردة في أخبار الباب إمّا

  • (1) جامع المقاصد 2: 123، جواهر الكلام 8 : 518.

( صفحه 411 )

الصلاة الصحيحة أو الفاسدة، والأوّل يمتنع تحقّقها لفقد شرطها، والثاني لا فرق فيه بين أن تكون فاسدة من جهة المحاذاة، أو من سائر الجهات الموجبة للفساد.

وقد أيّد ذلك بأنّ المأخوذ في الأخبار هو عنوان «الصلاة» فقط، من دون أخذ قيد «الصحّة» كي يقال: إنّ الصحّة المطلقة ممتنعة، فالواجب تقييدها بقيد «لولا المحاذاة»، وعنوان الصلاة إمّا أن يطلق على الصحيح المطلق الموجب لفراغ الذمّة، وقد عرفت امتناع تحقّقها في المقام، فلم يبق إلاّ أن يكون المراد بها الأعمّ، وهي صورة الصلاة، سواء كانت صحيحة من غير هذه الجهة، أو فاسدة كذلك أيضاً.

ومن هنا ربما يخدش في أصل الحكم بالتحريم في المسألة; لأنّ المانع إمّا صورة الصلاة، أو الصلاة الصحيحة، وكلاهما فاسد. أمّا صورة الصلاة، فلعدم اعتبارها عند الشارع، ومن البعيد جعله الفاسد موجباً لبطلان اُخرى مع عدم اعتباره لها، كما لا يخفى. وأمّا الصلاة الصحيحة; فلأنّه موجب لاجتماع الضدّين لو قيل بكونها فاسدة وصحيحة معاً، ولترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجّح لو اختير أحدهما دون الآخر.

وتنظّر في الجواهر(1) فيما حكاه عن جامع المقاصد بأنّ المراد هي الصلاة الصحيحة، ويكون مدلول الأخبار بطلان صلاة كلّ من الرجل والمرأة بحذاء الآخر، أو تقدّمها عليه بعد انعقادهما صحيحة، فالمانع هي الصلاة الصحيحة الواقعة كذلك من غير جهة المحاذاة; لأنّ الفاسدة من غير تلك الجهة لا تنعقد

  • (1) جواهر الكلام 8 : 518.

( صفحه 412 )

من رأس حتّى تبطل بالمحاذاة.

ويرد عليه: أنّ ما أفاده من الانعقاد ثمّ البطلان خلاف ما يستفاد من ظاهر أخبار الباب; لأنّ مدلولها عدم إمكان اجتماع صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر مثلا، ومرجعه إلى أنّهما لا تنعقدان من رأس، فتدلّ على اعتبار أن لا يكون الرجل محاذياً للمرأة وهي تصلّي، وكذا العكس.

والتحقيق أنّ المقام مثل سائر الأخبار الواردة في بيان الشرائط والموانع، وأنّه لا فرق بينه، وبين مثل قوله: لا تصلِّ في وبر ما لا يؤكل لحمه. وقوله: لا تصلِّ في النجس. ولا معنى لتخصيص الإشكال بالمقام; فإنّه يجري مثله في سائر الموارد; لأنّه يمكن أن يقال إنّ الصلاة المنهيّ عنها في وبر ما لا يؤكل لحمه إن كان المراد بها هي الصلاة الصحيحة، فمن المعلوم أنّه لا تجتمع الصحّة مع وقوعها في وبره، وإن كان المراد بها هي الأعمّ، فاللاّزم أن تكون الصلاة الفاسدة من بعض الجهات الاُخر منهيّاً عنها إذا وقعت في وبر ما لا يؤكل لحمه، كما لا يخفى.

والحلّ بعد وضوح كون تلك الأوامر والنواهي للإرشاد إلى الشرطيّة والمانعيّة، أنّها تكون للإرشاد إلى أنّ العمل الذي يأتي به المكلّف بعنوان الإطاعة والامتثال للتكليف المتوجّه إليه، لا يجدي في تحقّق هذا الغرض والوصول إلى هذا المقصود إذا كان خالياً عن المأمور به في هذه الروايات، أو واجداً لما هو المنهيّ عنه فيها، ومن المعلوم: أنّ العمل الكذائي يتّصف بالصحّة مع قطع النظر عن المكلّف به في هذه الأخبار; ضرورة أنّه بدونه لا يمكن أن يأتي به المكلّف بالعنوان المذكور، فالصحّة اللّولائيّة مستفادة

( صفحه 413 )

من هذا الطريق، فتدبّر.

ثالثها: أنّه لا إشكال ـ بناءً على القول بالبطلان ـ في بطلان صلاتهما إذا وجدت من كلّ منهما مقارنة لوجودها من الآخر; لأنّه إمّا أن تكون صلاة كلّ واحد منهما صحيحة، فهو خلاف مقتضى الأخبار المتقدّمة(1) الدالّة على اعتبار عدم المحاذاة، أو تقدّم المرأة على الرجل، ودعوى عدم شمولها لصورة الاقتران مدفوعة جدّاً. وإمّا أن تكون باطلة، فهو المطلوب. وإمّا أن تكون إحداهما صحيحة دون الاُخرى.

فالصحيحة وكذا الفاسدة إن كانت إحداهما لا على التعيين، فهو غير معقول، وقياس المقام بباب الواجب التخييري بناءً على كون الوجوب متعلّقاً بأحدهما، أو أحدها لا على سبيل التعيين غير صحيح; لأنّ باب التكليف المتعلّق بالأمر الكلّي يغاير باب الصحّة والبطلان مع كونهما وصفين للفرد الخارجي; لأنّ الصلاة الموجودة في الخارج إمّا أن تكون صحيحة، وإمّا أن تكون فاسدة، ولا يعقل أن يكون المتّصف بأحدهما هو الفرد غير المعيّن بحسب الواقع أيضاً، كما هو ظاهر.

وإن كانت إحداهما معيّنة، فالمفروض عدم ما يدلّ على التعيين، ولا وجه له أصلا; لكونه ترجيحاً بلا مرجّح; لأنّ المفروض عدم ثبوت مزيّة لإحداهما على الاُخرى، هذا كلّه مع الاقتران.

وأمّا مع تقدّم أحدهما على الآخر في الشروع في الصلاة، كما إذا شرع الرجل مثلا في الصلاة، ثمّ شرعت المرأة في الصلاة بحذاه، أو إلى أحد جانبيه،

  • (1) في ص393 ـ 401.

( صفحه 414 )

فلا إشكال أيضاً في بطلان صلاة المتأخّر منهما; لعدم كونها واجدة لشرطها من حين الشروع فيها.

وبعبارة اُخرى: لا إشكال في شمول أخبار الباب لهذا الفرض أيضاً، ومقتضى الشمول بطلان صلاة المتأخّر لا محالة وإن قلنا بصحّة صلاة المتقدّم; إذ لا مجال لتوهّم العكس كما هو ظاهر، فبطلان صلاة المتأخّر ـ بناءً على القول بالبطلان ـ ممّا لا ريب فيه.

إنّما الإشكال في بطلان صلاة المتقدّم أيضاً، كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) مستنداً إلى معلوميّة قاعدة أنّ مانع صحّة الجميع مانع للبعض، واستظهر ذلك من ذيل صحيحتي ابن مسلم وابن أبي يعفور، وخبر أبي بصير، بل بالغ في ذلك فقال: لعلّه يظهر من باقي النصوص أيضاً(1).

أقول: إن كان مراده من صحيحة ابن مسلم(2) ما ورد فيها السؤال عن صحّة صلاة الرجل في زاوية الحجرة، والحال أنّ امرأته أو ابنته تصلّي في زاويتها الاُخرى، فمورد السؤال فيها وإن كان فرض تأخّر صلاة الرجل عن صلاة المرأة، كما يظهر بعد التدبّر فيه، إلاّ أنّ الجواب بما ظاهره بطلانها لا دلالة له على حكم صلاة المرأة المتقدّمة في الشروع، ولكنّ الظاهر عدم كون هذه الرواية مقصودة لصاحب الجواهر، خصوصاً مع تصريحه باستظهاره من الذيل.

وإن كان مراده منها، ما ورد في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين

  • (1) جواهر الكلام 8 : 525.

  • (2) تقدّمت في ص396.

( صفحه 415 )

اللذين يصلّيان جميعاً في المحمل(1)، كما هو الظاهر، فالفرض فيها وإن كان مطلق الصلاة جميعاً، الشامل لصورة الاقتران والتقدّم والتأخّر في الشروع، إلاّ أنّ الجواب بقوله (عليه السلام) : «لا»، مرجعه إلى أنّه لا يمكن صحّة صلاتهما معاً، بل يتوقّف ذلك على أن يصلّي أحدهما أوّلا، ثمّ يصلّي الآخر بعد فراغ الأوّل، إلاّ أنّ نفي صحّة الصلاتين معاً لا ينحصر فرضه ببطلان كلّ واحدة منهما، بل يجتمع مع بطلان خصوص المتأخّر، وصحّة المتقدّم أيضاً.

ومنه يظهر الجواب عن الاستظهار من خبر أبي بصير المتقدّم(2)، الوارد في حكم المتزاملين أيضاً، وكذا رواية عبدالله بن أبي يعفور المتقدّمة(3).

واستدلّ لاختصاص البطلان بخصوص المتأخّرة بوجوه:

منها: استبعاد(4) بطلان الصلاة المنعقدة صحيحة بفعل الغير الخارج عن الاختيار، كما لا يخفى.

ويدفعه أنّ مجرّد الاستبعاد لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي، ولا يقتضي رفع اليد عمّا هو مقتضى الدليل على فرضه.

ومنها: انّ المتأخّرة ليست بصلاة; لبطلانها بالمحاذاة، فلا تصلح لإبطال السابقة(5)، والصحّة لولا المحاذاة إنّما يصار إليه فيما إذا لم يمكن الصحّة المطلقة، كما في صورة الاقتران; لقيام القرينة على أنّه لا يمكن أن يكون المراد هي

  • (1) تقدّمت في ص394.

  • (2) لم يتقدّم ذكره قبلاً. نعم، أشار إليه في ص403، وذكرنا هناك تخريجه.

  • (3) في ص398.

  • (4) المهذّب البارع 1: 337، العروة الوثقى 1: 420، الأمر العاشر.

  • (5) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 476.

( صفحه 416 )

الصحّة كذلك. وأمّا بالنسبة إلى الصلاة اللاّحقة، فلا مانع من أن يراد منه الصحّة المطلقة; لفرض وقوع المتقدّمة متّصفة بهذه الصفة.

وبعبارة اُخرى: بعد وقوع الاُولى وتحقّقها يمتنع تحقّق الاُخرى; لأنّهما متضادّتان، والثانية لا تصلح لأن تقاوم الاُولى; لأنّها بوجودها توجب بطلانها، وهذا بخلاف صورة التقارن، أو تحقّق المحاذاة الموجبة للبطلان في أثناء صلاتهما; فإنّه وإن لم يكن للحدوث بما هو حدوث، وكذا للبقاء بما هو بقاء مدخليّة في البطلان، بل المناط تحقّق الصلاة منهما، إلاّ أنّه تتزاحم العلّتان في مقام الثبوت، وهو يوجب البطلان; فإنّه كما تكون المبائنة ثابتة بين معلوليهما، كذلك تسري إلى علّيتهما، فكلّ منهما موجب لعدم الآخر ومضادّ له، وهذا بخلاف صورة التقدّم والتأخّر; فإنّه قد تحقّقت علّة إحداهما بلا مزاحمة، والاُخرى يمتنع تحقّقها للمضادّة، فهي الفاسدة غير المفسدة.

ويمكن الإيراد على هذا الوجه; بأنّ التفكيك بين صورتي التقارن والتقدّم والتأخّر ـ من جهة حمل الأدلّة بالإضافة إلى الاُولى على الصحّة اللولائيّة، وبالإضافة إلى الثانية على الصحّة المطلقة، مع دلالتها على الحكم فيهما بعبارة واحدة ـ ممّا لا مجال للالتزام به، خصوصاً مع كون شمولها لهما بنحو الإطلاق، كما لا يخفى.

وحيث إنّ مدلول الأخبار ليس امتناع حدوث الصلاتين بما هو حدوث; لما مرّ(1) من شمولها لما إذا تحقّقت المحاذاة بينهما في أثناء صلاتهما، فالمناط هو تحقّق المحاذاة ولو في بعض أجزاء الصلاة، ففي صورة التقدّم والتأخّر يكون

  • (1) في ص413.

( صفحه 417 )

الجزء المقارن لحدوث الاُخرى، لا ترجيح بينه وبين ما يحدث من الآخر من حيث الصحّة والبطلان، فإذا كانت الصحّة مخالفة لما هو المفروض من امتناع الاجتماع، فاللاّزم أن لا يقع شيء منهما صحيحة.

وبعبارة اُخرى: الصحّة المدّعاة بالإضافة إلى المتقدّمة إن كان المراد بها هي الصحّة بالنسبة إلى جميع أجزائها، فالمفروض أنّه محلّ الكلام; لأنّه يحتمل بطلانها بسبب المتأخّرة أيضاً، وإن كان المراد بها هي الصحّة بالنسبة إلى الأجزاء الماضية، فهي تجتمع مع البطلان بلحاظ المحاذاة في بعض الأجزاء الاُخر، ولم يثبت كون هذه الصحّة مانعة عن انعقاد المتأخّرة دون العكس، كما هو ظاهر.

ومنها: صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة(1)، الواردة في إمام كان في الظهر، فقامت امرأته بحياله، المشتملة على قوله (عليه السلام) : لا يفسد ذلك على القوم، وتعيد المرأة»; فإنّ الظاهر أنّ التفصيل بين المرأة، وبين القوم إنّما هو من جهة التأخّر والتقدّم.

وفيه: ما عرفت(2) من عدم ظهور الرواية في كونها واردة في المقام، بل يجري فيها احتمالات متعدّدة، فهي مجملة لا تصلح للاستناد إليها.

ومنها: ما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره) من أنّ مناسبة الحكم والموضوع وإن لم تكن دليلا برأسها، إلاّ أنّها قد تصلح لانصراف الدليل كما في المقام; فإنّ الأدلّة الدالّة على النهي عن المحاذاة والتقدّم إمّا تحريماً أو تنزيهاً منصرفة

  • (1) في ص394.

  • (2) في ص394 ـ 395.

( صفحه 418 )

إلى حال الاختيار; لظهور الأسئلة فيها في تعمّد ذلك، ولا يكفي إطلاق الأخبار لو سلّم(1).

وفيه: منع كون المناسبة المذكورة صالحة للانصراف، خصوصاً مع اقتضائه حمل الأخبار المطلقة على المورد النادر، وهي صورة الاقتران كما يأتي.

والتحقيق في المقام أن يقال: إنّه لابدّ في استفادة حكم هذا الفرض كأصل المسألة من ملاحظة الأخبار الواردة في الباب، ولا مجال لإيراد الوجه العقلي في المسألة التعبّدية; ضرورة أنّ الحكم ببطلان المتقدّم أيضاً لا يستلزم محالا عقليّاً حتى يوجب التصرّف في الدليل على فرض دلالته عليه، كما أنّ الظاهر أنّ استفادة الحكم بالبطلان بالإضافة إلى كلتا الصلاتين في صورة التقارن ليس مستنداً إلى وجه عقليّ مذكور فيما تقدّم، بل مستند إلى ظهور الدليل في ذلك، وهي الروايات الظاهرة في بطلان كلتيهما.

وأيضاً لا مجال لحمل الإطلاقات على خصوص صورة التقارن بعد ندرة وجودها ولو كان التقارن بمعناه العرفي; ضرورة أنّ أكثر موارد المحاذاة أو التقدّم إنّما هو مع التقدّم والتأخّر في الشروع.

وحينئذ لابدّ من ملاحظة ثبوت الإطلاق وعدمه، فنقول:

ما يظهر منه الإطلاق من الروايات المتقدّمة روايات:

منها: رواية أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، حتّى يكون

  • (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 336 ـ 337.

( صفحه 419 )

بينهما شبر، أو ذراع، أو نحوه(1).

ومن الواضح: إطلاق مورد السؤال وشموله لكلا الفرضين، كما أنّ الظاهر أنّ قوله (عليه السلام) : «لا» الظاهر في البطلان، كما يكون ظاهراً في بطلان كلتا الصلاتين في صورة التقارن، كذلك لا ينبغي إنكار ظهوره في بطلان كلتيهما في صورة التقدّم والتأخّر أيضاً، ولا مجال للتفكيك.

كما أنّه لا مجال لدعوى أنّ مرجع قوله (عليه السلام) : «لا» إلى عدم اتّصاف كلتا الصلاتين بالصحّة المجامع مع بطلانهما ومع بطلان أحدهما، بحيث يكون الجواب غير تامّ، ولم يكن متعرّضاً لحكم هذه الجهة وتعيين أحد الاحتمالين،
بل كان اللاّزم الرجوع في التعيين إلى دليل آخر; فإنّ مثل ذلك ممّا لا يقبله العرف، ولا ينطبق على المتفاهم عنده، بل الظاهر أنّ الفهم العرفي يساعد البطلان بالإضافة إلى كلتا الصلاتين في كلّ واحد من الفرضين، كما لا يخفى.

ومنها: رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سأله عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد؟ قال: إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها، وهو وحده ولا بأس(2).

ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: المرأة والرجل يصلّي كلّ واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال: نعم، إذا كان بينهما قدر موضع رحل(3).

ومنها: روايتا محمد بن مسلم، وأبي بصير(4)، الواردتان في المرأة والرجل

  • (1) تقدّمت في ص397 ـ 398.

  • (2 ، 3) تقدّمتا في ص398 و 399.

  • (4) تقدّمتا في ص394، 403 و 415.

( صفحه 420 )

المتزاملين، الظاهرتان في الإطلاق، خصوصاً بقرينة ذيلهما الدالّ على صلاة المرأة بعد فراغ الرجل من الصلاة، كما لا يخفى.

وبعد ذلك كلّه لا ينبغي الخدشة في ظهور هذه الطائفة في البطلان بالإضافة إلى كلتا الصلاتين، وليس غير هذه الطائفة ظاهراً في بطلان خصوص المتأخّرة على فرض وروده في هذا الفرض حتّى يتصرّف بسببه في الإطلاق، بل غايته عدم التعرّض لحكم المتقدّمة لو لم نقل بظهوره في بطلانها أيضاً، فالأظهر بملاحظة ما ذكر ما اختاره صاحب الجواهر، كما تقدّم(1).

رابعها: لا فرق فيما ذكر بين المحارم وغيرهم، وكذا لا فرق بين الزوج والزوجة وغيرهما، وذلك مضافاً إلى إطلاق كلمتي «الرجل» و«المرأة»
الواردتين في كثير من الروايات المتقدّمة، وعدم اختصاصهما بغير المحارم والزوجين; لورود بعض الروايات في المحارم، كرواية محمد الحلبي المتقدّمة(2)، الواردة في الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الاُخرى.

وبعضها في الزوجين، كهذه الرواية، ورواية زرارة، قال: قلت له: المرأة تصلّي حيال زوجها؟ قال: تصلّي بازاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطّى، أو قدر عظم الذراع فصاعداً(3). وبعض الروايات الاُخر.

  • (1) في ص414.

  • (2) في ص397.

  • (3) تقدّمت في ص399.

( صفحه 421 )

خامسها: لا فرق بين كونهما بالغين، أو غير بالغين، أو مختلفين، وذلك لإطلاق الكلمتين المذكورتين في كثير من الأخبار(1)، مضافاً إلى إطلاق لفظ «البنت» في رواية الحلبي المتقدّمة(2)، ولا مجال لدعوى الانصراف فيهما، فتدبّر.

  • (1) وسائل الشيعة 5: 121 ـ 132، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب4 ـ 10.

  • (2) في ص397، وفيها: ابنته، وكذا في صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة في ص396.

( صفحه 422 )

الصلاة مساوياً لقبر المعصوم(ع)، أو مقدّماً عليه

مسألة 9: الظاهر جواز الصلاة مساوياً لقبر المعصوم(عليه السلام)، بل ومقدّماً عليه، ولكن هو من سوء الأدب، والأحوط الاحتراز منهما، ويرتفع الحكم بالبعد المفرط، على وجه لا يصدق معه التقدّم والمحاذاة، ويخرج عن صدق وحدة المكان، وكذا بالحائل الرافع لسوء الأدب، والظاهر أنّه ليس منه الشبّاك والصندوق الشريف وثوبه 1 .

1 ـ المشهور(1) جواز التقدّم على قبر المعصوم (عليه السلام) في حال الصلاة على كراهة، أو مساواته، والمحكي عن البهائي والمجلسي والكاشاني وبعض المتأخّرين عنهم المنع من التقدّم(2)، وعن بعض متأخّري المتأخّرين المنع عن المساواة أيضاً(3)، والكلام يقع في مقامين:

الأوّل: في التقدّم، ومستند المنع فيه روايتان للحميري:

إحداهما: ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن محمد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن محمد بن عبدالله الحميري قال: كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمـّة (عليهم السلام) ، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعله خلفه، أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة،

  • (1) الحدائق الناضرة 7: 219، مستند الشيعة 4: 438، مستمسك العروة الوثقى 5: 463.

  • (2) الحبل المتين 2: 110، بحار الأنوار 83 : 315 ـ 316، ملاذ الأخيار 4: 240، مفاتيح الشرائع 1: 102، الحدائق الناضرة 7: 220، رياض المسائل 3: 275.

  • (3) بداية الهداية 1: 70.

( صفحه 423 )

ولا فريضة، ولا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر، وأمّا الصلاة; فإنّها خلفه يجعله الامام، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه; لأنّ الإمام لا يُتقدّم، ويصلّي عن يمينه وشماله(1).

والاُخرى: ما رواه الطبرسي في الاحتجاج، عن محمد بن عبدالله الحميري، عن صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهي مثل الاُولى، إلاّ أنّه قال: ولا يجوز أن يصلّي بين يديه، ولا عن يمينه، ولا عن يساره; لأنّ الإمام لا يُتقدّم عليه، ولا يساوى(2).

والظاهر أنّهما رواية واحدة; بمعنى أنّ الحميري سأل عن حكم المسألة مرّة واحدة، واُجيب كذلك، غاية الأمر أنّ الجواب مردّد بين أن يكون مثل ما في الرواية الاُولى، وبين أن يكون مثل ما في الثانية، وعليه: فالمراد من الفقيه الذي كتب إليه في الاُولى، هو صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف; نظراً إلى أنّه من جملة ألقابه الشريفة، أو إلى المعنى الوصفي.

ولا مجال لدعوى(3) أنّ الظاهر منه عند الإطلاق هو الكاظم (عليه السلام) ; لكثرة استعماله فيه، وحيث إنّ الحميري متأخّر عن زمانه (عليه السلام) ، فالسند فيه سقط، فتكون الرواية مقطوعة; فإنّه لو سلّم هذا الظهور فإنّما هو مع عدم القرينة

  • (1) تهذيب الأحكام 2: 228 ح898 ، وعنه وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب26 ح1 و 2.

  • (2) الاحتجاج 2: 583، الرقم 357، وعنه وسائل الشيعة 5: 161، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب26 ذ ح1 و 2.

  • (3) مصباح الفقيه 11: 136، مستمسك العروة الوثقى 5: 463، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 101 ـ 102.

( صفحه 424 )

على الخلاف، وهي في المقام موجودة; لرواية الحميري عنه (عليه السلام) ، مضافاً إلى ما عرفت من التصريح بالصاحب (عليه السلام) في الرواية الاُخرى، التي هي متّحدة مع هذه الرواية، كما مرّ.

كما أنّ الإشكال(1) في سند الاُولى بأنّه رواها الشيخ عن محمد بن أحمد بن داود مع أنّه لم يذكر طريقه إليه في المشيخة، وفي سند الثانية بالإرسال; لأنّه لا يمكن للطبرسي النقل عن الحميري من دون واسطة.

مدفوع بأنّه ذكر الشيخ في محكيّ الفهرست في ترجمة الرجل أنّه أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة، منهم: محمد بن محمد بن النعمان، والحسين بن عبيدالله، وأحمد بن عبدون، كلّهم(2)، ولا ينافيه عدم التعرّض له في المشيخة.

ولا دليل على كون رواية الاحتجاج مرسلة بعد احتمال كون الطبرسي قد نقلها عن كتاب الحميري، وكون كتابه معلوم الإسناد إليه، كما لا يخفى، فاللاّزم التكلّم في مفاد الرواية ومدلولها، فنقول:

أمّا «الامام» في قوله (عليه السلام) : «ويجعله الامام» فيمكن أن يكون بفتح الهمزة; بمعنى القدّام، وعليه: فيكون هذه الجملة مؤكّدة لقوله (عليه السلام) : «فإنّها خلفه»، من دون أن تكون مفيدة لأمر آخر، ويمكن أن يكون بكسر الهمزة، ويكون المراد منه إمام الجماعة. وعليه: فالمراد منه هو جعل القبر بمنزلة إمام الجماعة في كونه متقدّماً، ولا يتقدّم عليه.

وأمّا احتمال كون المراد منه على هذا التقدير هو الإمام المعصوم (عليه السلام)

  • (1) راجع هامش الصفحة السابقة، الرقم 3.

  • (2) الفهرست: 211، الرقم 603.

( صفحه 425 )

كما في المستمسك(1); نظراً إلى أنّ قرينيّة مورد السؤال تعيّن الحمل عليه، فبعيد جدّاً; لأنّ مرجعه إلى جعل قبر الإمام (عليه السلام) إماماً، ولا يتوقّف حمل «الامام» على الإمام المعصوم (عليه السلام) في التعليل بقوله (عليه السلام) : «لأنّ الإمام لا يُتقدّم عليه» على كون المراد بهذا «الامام» هو الإمام المعصوم (عليه السلام) ; لأنّه جملة اُخرى متعرّضة لبيان حكم آخر معلّل بذلك التعليل، والضمير فيها يرجع إلى الإمام المعصوم (عليه السلام) ، كما هو واضح.

وأمّا قوله (عليه السلام) : «ولا يجوز أن يصلّي بين يديه» مع التعليل بقوله (عليه السلام) : «لأنّ الإمام لا يُتقدّم»، فلا إشكال في أنّ الإمام فيه يراد به الإمام المعصوم (عليه السلام) ، إمّا بالخصوص، أو بحيث يشمل إمام الجماعة، كما حكي(2) الاستدلال به عن الأصحاب في مسألة عدم جواز تقدّم المأموم على الإمام في صلاة الجماعة، والمراد من عدم جواز التقدّم على الإمام ليس هو التقدّم المعنوي بإنكار إمامته وعدم متابعته، بل هو التقدّم في الموقف بالمشي أو الجلوس، أو الوقوف مقدّماً عليه، والمراد منه هو مطلق التقدّم، لا في خصوص الصلاة.

وحينئذ ربما يقال(3):

حيث إنّ التقدّم على المعصوم (عليه السلام) في الموقف ليس حكماً إلزاميّاً، بل أدبيّاً قطعاً، يكون التعليل قرينة على الكراهة، كسائر ما ورد عنهم (عليه السلام) في آداب زيارتهم.

  • (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 464.

  • (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 352.

  • (3) مستمسك العروة الوثقى 5: 464.

( صفحه 426 )

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ مجرّد كون الحكم وارداً في مقام الأدب، لا يستلزم عدم كونه إلزاميّاً; فإنّ من الأحكام الأدبيّة ما تجب مراعاته، كحرمة رفع الصوت على صوت النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وحرمة الجهر له بالقول كجهر البعض بالبعض(1)، بل وحرمة مسّ القرآن الشريف من دون طهارة(2)، التي لا تكون ناشئة إلاّ من جهة الأدب، ورعاية احترام القرآن بجميع شؤونه حتّى نقوشه وخطوطه ـ :

أنّه لو كان بيان الحكم بصورة النهي لأمكن حمله على الكراهة; لشيوع استعمال النواهي فيها. وأمّا لو كان بيانه بمثل قوله: «لا يجوز» الظاهر في نفي الجواز، لما كان وجه للحمل على الكراهة; لعدم المناسبة بينها، وبين نفي الجواز، كما لا يخفى.

وعلى ما ذكرنا فلا محيص عن الالتزام بعدم الجواز الوضعي، كما هو الظاهر في مثله، وذهاب المشهور(3) إلى خلافه لا يوجب الوهن في الرواية من جهة الإعراض عنها; لعدم ثبوت الإعراض; لأنّه يحتمل قويّاً أنّهم حملوها على الحكم الأدبي الملائم مع عدم اللزوم، بل الظاهر هو ذلك، كما يشهد به الفتوى بالكراهة الكاشفة عن حمل الرواية عليها، وإلاّ لا دليل على الكراهة أيضاً، فتدبّر.

المقام الثاني: في اليمين واليسار، وعن بعض متأخّري المتأخّرين (4) المنع

  • (1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الحجرات 49: 2.

  • (2) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الواقعة 56: 79.

  • (3 ، 4) تقدّم تخريجهما في ص422.

( صفحه 427 )

فيه أيضاً، وهو ظاهر رواية الطبرسي المتقدّمة، المشتملة على التعليل بقوله (عليه السلام) : «ولا يساوى» بعد التعليل لحكم التقدّم بقوله (عليه السلام) : «لأنّ الإمام لا يُتقدّم عليه»، ويؤيّده الحصر المستفاد من رواية الشيخ (قدس سره) (1) من قوله (عليه السلام) : «أمّا الصلاة; فإنّها خلفه يجعله الامام»; فإنّ ظاهره انحصار الجواز من الجوانب الأربعة بالخلف، لكن وقع في ذيلها قوله (عليه السلام) : «ويصلّي عن يمينه وشماله»، وفيه احتمالات ثلاثة:

أحدها: أن يكون جملة مستقلّة مستأنفة متعرّضة لبيان حكم الجانبين، ومفادها حينئذ جواز الصلاة عن يمينه وشماله، ويقع التعارض حينئذ بينها، وبين رواية الطبرسي الظاهرة في المنع كما مرّ، وهذا الاحتمال هو الظاهر من الرواية.

ثانيها: أن يكون معطوفاً على قوله (عليه السلام) : «يصلّي بين يديه». وعليه: يكون منصوباً، ومرجعه إلى أنّه كما لا يجوز أن يصلّي بين يديه، كذلك لا يجوز أن يصلّي عن يمينه وشماله. ويبعّده الفصل بينه، وبين حكم التقدّم بالتعليل، مضافاً إلى خلوّه عن التعليل، مع أنّه أحوج إليه من التقدّم، فتدبّر.

ثالثها: أن يكون قوله (عليه السلام) : «يصلّي» مبنيّاً للمفعول معطوفاً على قوله (عليه السلام) : «يُتقدّم»، فيكون من تتمّة التعليل، ومرجعه إلى أنّ الإمام كما لا يُتقدّم عليه، كذلك لا يصلّى عن يمينه وشماله. ويبعّده عدم المناسبة بين كونه من تتمّة التعليل، وبين كون الحكم المعلّل عدم جواز خصوص الصلاة بين يديه، فانقدح أنّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل المعارض لرواية الطبرسي.

  • (1) تقدّمت في ص423.

( صفحه 428 )

ثمّ إنّه لو قلنا بكونهما روايتين وقع بينهما التعارض، فالظاهر رجحان رواية الشيخ لصحّة سندها، ونحن وإن نفينا الإرسال في رواية الطبرسي، إلاّ أنّها لا تبلغ مرتبة الصحيحة بحيث يمكن أن تكون معارضة لها، مع أنّ رواية الشيخ يمكن أن تصير قرينة على حمل الاُخرى على الكراهة، فتدبّر.

وإن قلنا: بكونهما رواية واحدة، كما استظهرناه في أوّل المسألة، فاللاّزم الالتزام بتردّد ما هو الصادر من الإمام (عليه السلام) بين أن يكون هو الجواز، أو العدم، وحيث لا معيّن للثاني. يبقى إطلاق ما دلّ على الصلاة في كلّ مكان بلا معارض، خصوصاً مع كون الرواية الدالّة على الجواز صحيحة من حيث السند، كما عرفت.

وأمّا الحصر في قوله (عليه السلام) : «فإنّها خلفه»، فالظاهر أنّه حصر إضافيّ في مقابل التقدّم، ويمكن أن يكون المراد منه هو الفضل والكمال بالإضافة إلى سائر الجهات الثلاثة.

وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ الظاهر هو الجواز في اليمين واليسار، ويؤيّده الروايات الكثيرة(1) الدالّة على استحباب الصلاة عند رأس الإمام (عليه السلام) ، الظاهرة في جواز الصلاة مع التساوي، ولا مجال لحملها على التأخّر بمقدار لا يصدق المحاذاة والمساواة بعد عدم الدليل على المنع فيها.

ثمّ إنّ الظاهر صدق عنوان القبر على الصندوق المنصوب عليه; فإنّه بمنزلة

  • (1) كامل الزيارات: 424 ب80 ح640، وص417 ب79 ح639، وعنه وسائل الشيعة 14: 519، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه ب69 ح5، ومستدرك الوسائل 10: 327، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه ب52 ح12105.

( صفحه 429 )

الحجر المنصوب عليه، الذي يصدق على وضع اليد عليه أنّه وضع اليد على القبر، وعلى تقبيله أنّه تقبيله. وأمّا الشبّاك المنصوب عليه، فالظاهر أنّه لا يصدق عليه القبر، وقيام السيرة على معاملتهم معه معاملة القبر في آداب الزيارة ـ كوضع الخدّ عليه ـ ليس لأجل كونه قبراً، بل إنّما هو لأجل المجاورة القريبة معه مع عدم تمكّنهم من الوصول إليه نوعاً.

ثمّ إنّ الحائل والبعد المفرط المخرج عن صدق التقدّم والمحاذاة عرفاً يكفي في رفع المنع والكراهة، والظاهر أنّ الشبّاك على تقدير عدم كونه قبراً لا يعدّ حائلا أيضاً عرفاً، كما لا يخفى.

( صفحه 430 )

لبّه ولو بالعلاج لا بأس بالسجود عليه مطلقاً، كما لا بأس بغير المأكول كالحنظل
]

ما يعتبر فيما يسجد عليه

]

مسألة 10: لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي إلاّ مع تعدّي النجاسة غير المعفوّ عنها إلى الثوب أو البدن. نعم، تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ، كما يعتبر فيه أيضاً مع الاختيار كونه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً، والأفضل التربة الحسينيّة التي تخرق الحجب السبع، وتنوّر إلى الأرضين السبعة على ما في الحديث(1).

ولا يصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن، كالذهب والفضّة والزجاج والقير ونحو ذلك. وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد. والأقوى جوازه على الخزف والآجر والنورة والجصّ ولو بعد الطبخ، وكذا الفحم، وكذا يجوز على طين الأرمني وحجر الرحى، وجميع أصناف المرمر إلاّ ما هو مصنوع ولم يعلم أنّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها.

ويعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول والملبوس، فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل والملابس، كالمخبوز والمطبوخ والحبوب المعتاد أكلها من الحنطة والشعير ونحوهما، والفواكه والبقول المأكولة، والثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل.

ولا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها دون المتّصل بها إلاّ مثل قشر التفّاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعاً، أو يؤكل أحياناً، أو يأكله بعض الناس. وكذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعاً على الأحوط.

نعم، لا بأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللبّ المأكول، ومع عدم مأكوليّة

  • (1) الفقيه 1: 174 ح745، مصباح المتهجّد: 734، وسائل الشيعة 5: 366، كتاب الصلاة، أبواب ما يُسجد عليه ب16 ح 1 و 3.

( صفحه 431 )

والخرنوب ونحوهما، وكذلك لا بأس بالتبن والقصيل ونحوهما، ولا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه، والأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة والشعير، وكذا على قشر البطّيخ ونحوه، ولا يبعد الجواز على قشر الأرُز والرمّان بعد الانفصال.

والكلام في الملبوس كالكلام في المأكول، فلا يجوز على القطن والكتّان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغزل. نعم، لا بأس على خشبتهما وغيرها، كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتّخاذ الملابس المعتادة منها، فلا بأس حينئذ بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص مثلا، فضلا عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها، والأحوط ترك السجود على القُنّب، كما أنّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات، كالمتّخذ من الحرير والإبريسم; وإن كان الأقوى الجواز مطلقاً 1 .

1 ـ أمّا عدم اعتبار الطهارة في مكان المصلّي غير مسجد الجبهة فسيأتي البحث فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ في باب السجود.

وأمّا اعتبار كون ما يسجد عليه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً، فهو المقصود بالبحث هنا، وتفصيل الكلام فيه: أنّ اعتبار هذا الشرط فيما يسجد عليه المصلّي يكون ممّا تفرّدت به علمائنا الإماميّة من غير خلاف بينهم(1)، خلافاً لسائر فرق المسلمين(2)، حيث لم يعتبروا فيما يسجد عليه شيئاً، ومقتضى ذلك

  • (1) الأمالي للصدوق: 738 و 741، الانتصار: 136 مسألة 34، الخلاف 1: 357 مسألة 112، غنية النزوع: 66، المعتبر 2: 117، منتهى المطلب 4: 351، تذكرة الفقهاء 2: 434، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 590 ـ 591، المقاصد العليّة: 186، كشف اللثام 3: 340، جواهر الكلام 8 : 681.

  • (2) الاُمّ 1: 113، المغني لابن قدامة 1: 553، الشرح الكبير 1: 553 وما بعدها، المجموع 3: 379 وما بعدها، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 232.

( صفحه 432 )

جواز السجود على كلّ شيء ولو كان من الأعيان النجسة.

ومنشأ الاعتبار الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب، الدالّة عليه عموماً أو خصوصاً; بمعنى النهي عن السجود على بعض ما ليس من الأرض، وكذا عن بعض المأكولات والملبوسات.

وممّا يدلّ على ذلك بنحو العموم صحيحة هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز، قال: السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لبس، فقال له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال: لأنّ السجود خضوع لله عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس; لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا، الذين اغترّوا بغرورها، الحديث(1).

وصحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: السجود على ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لبس(2).

وعدم التعرّض لنفس الأرض إمّا لأجل كونها مستفادة من طريق الأولويّة، وإمّا لأجل كون الرواية مسوقة لبيان الاستثناء المتحقّق في خصوص النبات دون الأرض; لعدم استثناء شيء منه، ويحتمل أن يكون

  • (1) الفقيه 1: 177 ح840 ، علل الشرائع: 341 ب42 ح1، تهذيب الأحكام 2: 234 ح925، وعنها وسائل الشيعة 5: 343، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح1.

  • (2) الفقيه 1: 174 ح826 ، علل الشرائع: 341 ب42 ح3، تهذيب الأحكام 2: 234 ح924، وص313 ح1274، وعنها وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح2.

( صفحه 433 )

«ما أنبتت الأرض» كناية عن الأرض ونباتها، وتؤيّده الرواية الآتية الواردة في الزجاج.

ورواية الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال: لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان(1).

وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب، الدالّة على اعتبار ما ذكر فيما يسجد عليه، المذكورة في «الوسائل»، فلا إشكال في الحكم في الجملة. نعم، لابدّ من التكلّم في الفروع في ضمن اُمور:

الأوّل: لا خفاء في أنّ المراد بالأرض التي يجوز السجدة عليها ليس هو الأرض في مقابل السماء الذي هو عبارة عن مجموع هذه الكرة من بسائطها ومركّباتها، بل المراد بها هي الأرض بمعنى المواد الأوّليّة، القابلة للتغيير إلى المعادن والنباتات والحيوانات; وهي عبارة عن التراب والحجر والرمل والحصى، فيجوز السجود على التراب من دون فرق بين أن يكون تراباً خالصاً، أو تراباً معدنيّاً مشتملا على ذرّات الذهب أو الفضّة، أو غيرهما من المعدنيّات; لعدم خروجه عن صدق التراب وإن خرج بعض أجزائه عن صدقه بعد التصفية والتجزئة، ولذا لا يجوز السجود على مثل الذهب والفضّة وغيرهما من المعادن الخارجة عن صدق الأرض.

وكذا يجوز السجود على الحجر من دون فرق بين أنواعه. نعم، بعض الأحجار خارج عن صدق الأرض، كالأحجار الكريمة، كالياقوت

  • (1) الخصال: 604 قطعة من ح9، وعنه وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح3.