تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
سخن موسس فقید
سخن موسس فقید
تفصيل الشريعه ـ ج7 (کتاب الصلوة / 2)
( صفحه 4 )

(شكر و تقدير)

بسم الله الرحمن الرحيم

ألحمد لله الّذي خلق الجنّ والإنس ليعبدون، وما أمرهم بالعبادة إلاّ ليعرفون، وما يعرفونه إلاّ الّذين هم على صلواتهم يحافظون وفيها خاشعون، اُولئك هم المفلحون، الّذين هم عن الفحشاء والمنكر ينتهون، واُصلّي على محمّد صلّى الله عليه وآله أجمعين، والسّلام على الإمام المنتظر حين يصلّى ويقنت، والسّلام عليه حين يركع ويسجد، والسّلام عليه حين يهلّل ويكبّر، والسّلام عليه حين يحمد ويستغفر.

أمّا بعد; فإنّ هذا المشروع الّذي بين يديك هي الطبعة الثانية من كتاب الصلوة من الموسوعة القيّمة المسمّاة بـ «تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة» من تأليفات المرجع الدينيّ المجاهد الفقيد آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (قدس سره) ، نسأل الله تعالى أن يجعله ذخراً لآخرته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.

ثمّ اعلم إنّ أصل الكتاب كان مضبوطاً ومكتوباً في ثلاثة دفاتر مرتّبةً على حسب ترتيب المتن; وهو تحرير الوسيلة وكان من اللازم وقوع الطبع على هذا الترتيب، ومع الأسف تبدّل مكان الدفتر الثاني إلى الثالث وبالعكس، وتحقّق الاختلال لا محالة في الترتيب في الطبعة الاُولى من أوّل مبحث اللباس المشكوك، وحيث مضى من الطبعة الاُولى سنين عديدة، ولم يكن هذا المجلّد من الكتاب بأيدي الفضلاء، رأينا من الواجب إجابةً لإخواننا الأعزّاء نشره ثانياً باُسلوب جديد مع تخريج المصادر، وإصلاح النواقص الّتي تحقّق في الطبعة الاُولى، وممّا تمايز به هذه الطبعة عمّا سبقها أنّ كلّ ما ألّفه من مباحث الصلاة في الطبعة الاُولى طبع في مجلّد واحد، وفي هذه الطبعة حيث أضيفت إليها تحقيقات وتخريجات، طبع في مجلّدين.

وقد تمّ هذا المشروع بجهود جماعة من الفضلاء الأماجد في المركز:

الإشراف المباشر: سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد رضا الفاضل الكاشاني، مدير المركز.

تخريج المصادر: حجج الإسلام والمسلمين الشيخ إبراهيم الأميرى، والسيّد محمّد على
المير صانع.

مراجعة التخريجات وتنظيم الفهارس: حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رضا علي المهدوي.

المقابلة: حجج الإسلام والمسلمين الشيخ رضا علي المهدوي، والسيّد حسن يونسي.

المراجعة النهائيّة وتقويم النصّ وإبداء الملاحظات الفنيّة: حجة الإسلام والمسلمين الشيخ عباد الله سرشار الطهراني الميانجي. شكّر الله مساعيهم ويجزيهم بأحسن ما كانوا يعلمون.

مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)

محمّد جواد الفاضل اللنكراني

( صفحه 5 )

( صفحه 6 )

( صفحه 7 )

المقدّمة الثالثة في الستر والساتر

وجوب ستر العورة

مسألة 1: يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة وتوابعها، كالركعة الاحتياطيّة، وقضاء الأجزاء المنسيّة على الأقوى، وسجدتي السهو على الأحوط. وكذا في النوافل، دون صلاة الجنازة وإن كان الأحوط فيها أيضاً، ولا يترك الاحتياط في الطواف 1 .

1 ـ الكلام في الستر من جهتين:

الاُولى: في الوجوب النفسيّ الذي يتعلّق به مطلقاً في حال الصلاة وغيرها.

الثانية: في الوجوب الشرطيّ الذي يتعلّق به في حال الصلاة ومثلها، والفرق بين الجهتين يرجع إلى اُمور:

منها: أنّ الأوّل يتعلّق بالرجل بالنسبة إلى عورته، وبالمرأة بالإضافة إلى جميع بدنها عدا ما استثني على القول به فيما إذا كانا معرضين لنظر الغير،

( صفحه 8 )

كما يأتي(1) إن شاء الله تعالى.

والثاني يكون ثابتاً عليهما مطلقاً ولو لم يكونا معرضين لنظر الغير.

ومنها: أنّ الأوّل أعمّ من حيث الساتر; أي لا يجب أن يكون هو الثوب، بل يكفي ورق الشجر، أو الطين، أو غيرها، بل لا يلزم الساتر; لأنّ الملاك عدم تعلّق الرؤية به، فيكفي التستّر بمثل الظلمة والغبار، وهذا بخلاف الثاني; فإنّه يلزم فيه الساتر، ويكون له مراتب، بل لا يكفي بعض مراتبه أصلا، وتسقط شرطيّة الستر مع عدم التمكّن من غيره، كما سيجيء(2).

ومنها: أنّه لا يعتبر في الأوّل أن يكونا لابسين له، بل يكفي أن يكون الساتر بحيث يكون حائلا بينه، وبين الغير وإن كان منفصلا عنه، بخلاف الثاني; فإنّه يجب أن يكون المصلّي لابساً له.

ومنها: أنّه لا يعتبر في الأوّل صفة في الساتر، فيجوز أن يكون
حريراً للرجل من جهة التستّر به وإن كان يحرم عليه من جهة اللبس،
كما أنّه يجوز أن يكون نجساً، أو ميتة، أو من أجزاء غير مأكول اللحم.
وأمّا الثاني: فيعتبر فيه أوصاف وخصوصيّات يأتي(3) التعرّض لها
إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّ الكلام في الجهة الاُولى يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في حكم الرجال، والواجب عليهم ستر العورة فقط، كما هو

  • (1) في ص22 ـ 59.

  • (2) في ص92 وما بعدها.

  • (3) في ص101 وما بعدها.

( صفحه 9 )

الاستدلال بالآيات

المتّفق عليه بين المسلمين(1) والمشهور بين العامّة وجوب التستّر من السرّة إلى الركبتين(2) ويستحبّ ذلك عند الخاصّة(3).

ويدلّ على وجوب ستر العورة قوله ـ تعالى ـ : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ْ مِنْ أَبْصَـرِهِمْ وَ يَحْفَظُوا ْ فُرُوجَهُمْ ذَ  لِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ م بِمَا يَصْنَعُونَ )(4). ومفاد الآية مع قطع النظر عمّا ورد في تفسيرها من الروايات: أنّه يجب غضّ البصر وحفظ الفرج، والمراد من الغضّ من الشيء هو النقص عنه; لأنّ الغضّ هو النقصان، ومعنى الغضّ من البصر هو التقليل في النظر، ومراعاة عدمه في بعض الموارد.

وأمّا احتمال كون كلمة «من» في الآية زائدة فغير صحيح، لا في خصوص هذه الآية، بل في جميع الموارد، إلاّ فيما كان هناك ضرورة شعريّة; ضرورة أنّه لا وجه لذكر كلمة زائدة لا يترتّب عليها فائدة ولو التأكيد، فاحتمال الزيادة لا مجال له بوجه، وربما يحتمل أن تكون كلمة «من» لابتداء الغاية; نظراً إلى أنّ الرؤية والإبصار شروع ومقدّمة للأعمال المترتّبة عليه، التي لا ينبغي صدورها لقبحها وشناعتها.

ويؤيّد هذا الاحتمال ما رواه علي بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم

  • (1) المعتبر 2: 99، منتهى المطلب 4: 265، تحرير الأحكام 1: 202، الرقم 650، ذكرى الشيعة 3: 6 ـ 9، جامع المقاصد 2: 92، كشف اللثام 3: 227 ـ 230، مفتاح الكرامة 6: 3، المجموع 3: 168، بداية المجتهد 1: 116.

  • (2) الاُمّ 1: 89 ، المجموع 3: 171، بداية المجتهد 1: 117، المغني لابن قدامة 1: 615 ـ 616، الخلاف 1: 393 مسألة 144، وص398 مسألة 149.

  • (3) الخلاف 1: 398 مسألة 149، غنية النزوع: 65، الوسيلة: 89 ، قواعد الأحكام 1: 256، كشف اللثام 3: 231.

  • (4) سورة النور 24: 30.

( صفحه 10 )

والمتشابه نقلا من تفسير النعماني بسنده الآتي عن علي (عليه السلام) في قوله ـ عزّ وجلَّ ـ : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ْ مِنْ أَبْصَـرِهِمْ وَ يَحْفَظُوا ْ فُرُوجَهُمْ ذَ  لِكَ أَزْكَى لَهُمْ )، معناه: لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن يمكِّنه من النظر إلى فرجه، ثمّ قال: ( قُل لِّلْمُؤْمِنَـتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(1); أي ممّن يلحقهنّ النظر، كما جاء في حفظ الفروج، فالنظر سبب إيقاع الفعل من الزنا وغيره(2).

ولكنّ الظاهر أنّ كلمة «من» في الآية للتبعيض; بمعنى كون مدلولها إيجاب غضّ بعض الأبصار، الظاهر في ترك النظر إلى بعض الاُمور، ويؤيّده كلمة «الغضّ»، الظاهرة في النقصان كما عرفت، ولا يبعد دعوى كون قوله
ـ تعالى ـ : ( وَ يَحْفَظُوا ْ فُرُوجَهُمْ ) قرينة على أنّ المراد من البعض الذي يجب ترك النظر إليه، هو فروج الغير.

كما أنّ الإبهام في هذا القول من جهة عدم ظهور كون المراد حفظ الفرج من الزنا، أو من نظر الغير، يرتفع بالجملة الاُولى من الآية الشريفة، ويصير ظاهراً بملاحظتها في كون المراد هو الحفظ من النظر، فإجمال كلّ من الجملتين الشريفتين يرتفع بالاُخرى.

ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ظهور الآية فيه في نفسها، كما عرفت نفي البعد عنه ـ الرواية المتقدّمة، ويؤيّد ما ذكرنا ما ورد في تفسير الآية من الرواية

  • (1) سورة النور 24: 31.

  • (2) رسالة المحكم والمتشابه: 122، وعنه وسائل الشيعة 1: 300، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة ب1 ح5.

( صفحه 11 )

الاُخرى، الدالّة على أنّ كلّ ما ورد في القرآن من حفظ الفرج، فالمراد منه هو حفظه من الزنا إلاّ هذه الآية; وهي:

مرسلة الصدوق المعتبرة قال: وسئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ْ مِنْ أَبْصَـرِهِمْ وَ يَحْفَظُوا ْ فُرُوجَهُمْ ذَ  لِكَ أَزْكَى لَهُمْ )، فقال: كلّ ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ في هذا الموضع; فإنّه للحفظ من أن ينظر إليه(1).

فإنّ الظاهر أنّ هذا التفسير ليس تفسيراً تعبّدياً غير ملائم لما هو ظاهر الآية بعد التأمّل، بل بيان للظاهر بالنحو الذي ذكرنا من ارتفاع إبهام حفظ الفرج بالجملة الشريفة الاُولى، وإذا كانت الجملة الثانية يرتفع إبهامها بالجملة الاُولى، فلِمَ لا يرتفع إبهام الجملة الاُولى بالثانية؟

فالإنصاف ظهور الآية فيما ذكرنا، كما دلّت عليه رواية النعماني، ولا يكون مدلولها أمراً تعبّدياً وتفسيراً على خلاف ما تدلّ عليه الآية بظاهرها.

وقد ذكر بعض الأعلام أنّ مفاد الآية وجوب حفظ الفرج عن كلّ ما يترقّب منه من الاستلذاذات; إذ الاستلذاذ به قد يكون بلمسه،
وقد يكون بالنظر إليه، وقد يكون بغير ذلك من الوجوه على ما تقتضيه القوّة الشهويّة والطبع البشري، وذلك لأنّ حفظ الفرج في تلك الآيات الكريمة غير مقيّد بجهة دون جهة(2).

ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما ذكرنا من أنّ مقتضى الارتباط بين الجملتين في

  • (1) الفقيه 1: 63 ح235، وعنه وسائل الشيعة 1: 300، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة ب1 ح3.

  • (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 4: 316.

( صفحه 12 )

الآية الشريفة أن يكون إبهام كلّ واحدة منهما مرفوعاً بالآخر، ونتيجته أن يكون مفاد الآية ناظراً إلى حرمة النظر إلى عورة الغير، ووجوب حفظها عن نظر الغير ـ : أنّ ذلك لا يكفي في إثبات المدّعى; لأنّه عبارة عن حرمة النظر إلى عورة الغير مطلقاً; سواء كان مع التلذّذ أو بدونه، والآية على هذا التفسير تختصّ بما إذا كان مع التلذّذ، كما لا يخفى.

هذا بالنظر إلى الكتاب.

وأمّا الروايات الواردة في هذا الحكم فكثيرة:

منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي قال: إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته.

وقال: لا يدخلنّ أحدكم الحمّام إلاّ بمئزر، ونهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم.

وقال: من تأمّل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك.

ونهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة، وقال: من نظر إلى عورة أخيه المسلم، أو عورة غير أهله متعمّداً أدخله الله مع المنافقين، الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس، ولم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله، إلاّ أن يتوب(1).

ولا يخفى أنّ النهي عن نظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم ـ كما في جملة من

  • (1) الفقيه 4: 2، 4، 5 و 6 ـ 7، وعنه وسائل الشيعة 1: 299، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة ب1 ح2.

( صفحه 13 )

الأخبار(1) ـ إن كان المراد به هو النهي عن غيبة المؤمن، وإذاعة سرّه، وكشف عيوبه، كما ورد تفسيره بذلك في جملة من الروايات(2)، فلا يرتبط بالمقام، وإن كان المراد هو النهي عن النظر إلى العورة المصطلحة، فهو ناظر إلى المقام، كما أنّه لو كان المراد منه الأعمّ على تقدير إمكانه يجدي لنا أيضاً، وهنا رواية ظاهرة في أنّ المراد به ما نبحث عنه هنا، وإن كانت الرواية المذكورة أيضاً مشعرة بل ظاهرة في ذلك، فتدبّر.

وتلك الرواية ما رواه حنان بن سدير، عن أبيه قال: دخلت أنا وأبي وجدّي وعمّي حمّاماً بالمدينة، فإذا رجل في بيت المسلخ، فقال لنا: ممّن القوم؟ ـ إلى أن قال: ـ ما يمنعكم من الاُزر؟! فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: عورة
المؤمن على المؤمن حرام. قال: فبعث أبي (عمّى خ ل) إلى كرباسة، فشقّها بأربعة، ثمّ أخذ كلّ واحد منّا واحداً ثمّ دخلنا فيها ـ إلى أن قال ـ : سألنا عن الرجل؟ فإذا هو عليّ بن الحسين (عليهما السلام) (3).

ومنها: الروايات الكثيرة الواردة في آداب الحمّام، الدالّة على وجوب الدخول فيه مع المئزر، أو على النهي عن دخوله إلاّ بمئزر، أو على أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلايدخل الحمّام إلاّ بمئزر، أو على غير ذلك من التعبيرات، وقد جمعها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب آداب الحمّام.

  • (1) وسائل الشيعة 1: 99 ـ 300، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة ب2، وج2: 33، أبواب آداب الحمّام ب3.

  • (2) وسائل الشيعة 2: 37 ـ 38، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب8 .

  • (3) الكافي 6: 497 ح8 ، الفقيه 1: 66 ح252، وعنهما وسائل الشيعة 2: 39، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب9 ح4.

( صفحه 14 )

ومن المعلوم أنّه لا خصوصيّة للحمّام، بل التعرّض له إنّما هو لأجل كونه محلاًّ للنظر بعد إخراج اللباس من البدن، كما أنّه لا خصوصيّة للمئزر، بل المراد هو كلّ ما يوجب تحقّق الستر ويمنع عن النظر.

وفي مقابل هذه الروايات رواية ظاهرها الكراهة; وهي:

ما رواه ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : أيتجرّد الرجل عند صبّ الماء ترى عورته، أو يصبّ عليه الماء؟ أو يرى هو عورة الناس؟ قال: كان أبي يكره ذلك من كلّ أحد(1).

وحكى المحقّق الهمداني (قدس سره) عن جماعة أنّهم ذكروا أنّه لولا مخافة خلاف الإجماع لأفتينا على طبق هذه الرواية وقلنا بكراهة كشف العورة(2).

ولكنّ الظاهر أنّ الكراهة في مقابل الحرمة اصطلاح فقهيّ، والتقابل إنّما هو في لسان الفقه والفقهاء. وأمّا في لسان الروايات، فلم يعلم التقابل بينهما، بل كثيراً ما تطلق الكراهة ويراد منها الحرمة، مع أنّه على تقدير تسليم ظهورها في الكراهة في مقابل الحرمة، فمن المعلوم أنّه ليس ظهورها بحدّ يقاوم مع ظهور الروايات المتقدّمة في الحرمة، خصوصاً مع التعبير بأنّ الإيمان بالله واليوم الآخر لا يكاد يجتمع مع الدخول في الحمّام بغير مئزر(3).

فالإنصاف أنّه لا مجال للفتوى على طبق هذه الرواية على تقدير ظهورها

  • (1) الكافي 6: 501 ح28، وعنه وسائل الشيعة 2: 33، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب3 ح3.

  • (2) مصباح الفقيه 2: 45، باختلاف ما مع المتن، وحكى عن بعض متأخري المتأخرين أيضاً في الحدائق الناضرة 2: 4 ـ 5.

  • (3) اُنظر الكافي 6: 497 ح3، وص502 ح35، والفقيه 1: 60 ح225 باختلاف، وعنهما وسائل الشيعة 2: 39 ـ 40، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب9 ح5 و 6.

( صفحه 15 )

في الكراهة.

حكم النظر إلى عورة غير المكلّف، وحفظ الفرج عنه

ثمّ إنّه بعد الفراغ عن أصل البحث يقع الكلام في سعة دائرة الحكم وضيقه; من جهة أنّه هل يختصّ حرمة النظر إلى عورة الغير بما إذا كان الغير مكلّفاً، وكذا ينحصر وجوب حفظ الفرج بما إذا كان الناظر كذلك، أو يعمّ غير المكلّف من الطفل والمجنون أيضاً؟ الظاهر هو الثاني; لإطلاق الآية الدالّة(1) على الحكمين، وتوجيه التكليف إلى المؤمن لا يقتضي تخصيص المتعلّق به أيضاً.

ويؤيّده قوله ـ تعالى ـ : ( قُل لِّلْمُؤْمِنَـتِ... ); فإنّه لا يمكن الالتزام بأنّه لا يجب عليهنّ حفظ فروجهنّ عن المجنون والطفل المميّز بوجه. نعم، الطفل غير المميّز خارج عن الحكمين، كما هو ظاهر.

وقد حكي عن الصدوق(2) من المتقدّمين جواز النظر إلى عورة الكافر، واختاره صاحب الحدائق(3) من المتأخّرين، والوجه فيه أوّلا: المناقشة في ثبوت الإطلاق للآية من هذه الجهة; فإنّ المستفاد منها بلحاظ توجيه التكليف إلى المؤمنين والمؤمنات أنّ النظر إنّما هو إلى جامعة المسلمين والمتديّنين، ولا نظر لها إلى الكافر بوجه، والروايات الكثيرة المتقدّمة بعضها ـ الواردة في الحمّام ـ ظاهرة في الاختصاص بالمسلمين، خصوصاً مع التعبير فيها بعورة المؤمن أو المسلم أو نحوهما ممّا لا يشمل الكافر بوجه.

  • (1) تقدّمت في ص9 ـ 10.

  • (2) الفقيه 1: 63 ح236.

  • (3) الحدائق الناضرة 2: 4 ـ 5، وج5: 533 ـ 534.

( صفحه 16 )

هذا، مضافاً إلى وجود روايتين ظاهرتين في الكراهة:

إحداهما: مرسلة ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار(1).

ثانيتهما: مرسلة الصدوق قال: روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إنّما كره النظر إلى عورة المسلم، فأمّا النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار(2).

هذا، ولكنّ الظاهر إطلاق الحكم وشموله للنظر إلى عورة الكافر أيضاً; لثبوت الإطلاق للآية، وتوجيه الخطاب إلى المؤمنين والمؤمنات لا يقتضي الاختصاص، وهل يمكن الالتزام بعدم وجوب حفظ الفرج عن نظر الكافر؟
مع أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالاُصول(3) من دون فرق، وذكر المؤمن والمسلم والأخ في روايات الحمّام إنّما هو لأجل كونه مورداً للابتلاء نوعاً، مضافاً إلى عدم ثبوت المفهوم لها بحيث ينافي إطلاق الآية.

وأمّا الروايتان، فقد نوقش(4) فيهما بالإرسال أوّلا، وبإعراض الأصحاب عنهما الكاشف عن وجود خلل فيهما ولو مع العلم برواتهما ثانياً.

لكنّ المناقشة من حيث السند مدفوعة بأنّ الاُولى مرسلها ابن أبي عمير، الذي اشتهر اعتبار مراسيله، والثانية وإن كانت منسوبة إلى الرواية دون

  • (1) الكافي 6: 501 ح27، وعنه وسائل الشيعة 2: 35، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب6 ح1.

  • (2) الفقيه 1: 63 ح236، وعنه وسائل الشيعة 2: 36، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب6 ح2.

  • (3) مجمع الفائدة والبرهان، 3: 236، ذخيرة المعاد: 563 س42، العناوين 2: 714، القواعد الفقهيّة للمؤلّف (قدس سره) : 323.

  • (4) مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى 3: 5، مستمسك العروة الوثقى 2: 189.

( صفحه 17 )

الإمام (عليه السلام) ، إلاّ أنّ الظاهر عدم كونها رواية اُخرى، بل الظاهر أنّها بعينها هي مرسلة ابن أبي عمير رواها الصدوق من دون التعرّض لسندها بوجه.

وأمّا الإعراض، فالظاهر تحقّقه وكونه قادحاً في حجّية الرواية واعتبارها، ولكن ربما يقال(1): تارة: بعدم كون الإعراض موجباً لسقوط الرواية عن الحجّية، واُخرى: بعدم ثبوت موضوع الإعراض; وذلك لوجود طائفتين من الروايات في المقام، ومن الممكن أن يكون الأخذ بالطائفة الاُخرى ـ الدالّة على حرمة النظر إلى عورة الكافر ـ أيضاً لأجل رجحانها على هذه الطائفة من موافقة الكتاب والشهرة الفتوائيّة، لا لأجل الإعراض والمهجوريّة الكاشفة عن وجود الخلل فيها.

هذا، والظاهر أنّه لا مجال لإنكار موضوع الإعراض واحتمال عدمه أصلا; لأنّه على غير هذا التقدير لا تصل النوبة إلى الترجيح; لعدم المعارضة بين الطائفتين بعد كون قاعدة حمل المطلق على المقيّد مقتضية للجمع والخروج عن موضوع التعارض، فلولا الإعراض لكان اللاّزم تقييد الإطلاق وتخصيص الحكم بخصوص المسلم، وقد حقّق في محلّه(2) قدح الإعراض في الحجّية.

فالمرسلة وإن كانت معتبرة سنداً، ولكنّها مهجورة دلالة، فلا فرق بين المسلم والكافر من هذه الجهة، مع أنّ النسبة إلى الصدوق إنّما نشأت من نقله الرواية المذكورة، وإلاّ فهو لم يفت بخلاف الأصحاب صريحاً.

  • (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 4: 323.

  • (2) دراسات في الاُصول 2: 431 ـ 436، سيرى كامل در اصول فقه 16: 532 وما بعدها.

( صفحه 18 )

بقي الكلام في اُمور:

الأوّل: في المراد من العورة، وقد عبّر عنها في الآية بالفرج(1)، ويستفاد من الروايات الصريحة الواضحة أنّ المراد بها القبل والدبر، ولكن في بعض الروايات أنّها ما بين السرّة والركبة.

أمّا الطائفة الاُولى، فكثيرة:

المراد من العورة

منها: مرسلة أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: العورة عورتان: القبل والدبر، والدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة(2).

ومنها: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : الفخذ ليس من العورة(3).

ومنها: ما عن محمد بن حكيم، قال الميثمي(4): لا أعلمه إلاّ قال: رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) أو من رآه متجرّداً وعلى عورته ثوب، فقال: إنّ الفخذ ليست من العورة(5).

وفي مقابلها رواية بشير النبّال قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الحمّام؟ فقال: تريد الحمّام؟ قلت: نعم، فأمر بإسخان الماء، ثمّ دخل فاتّزر بإزار، فغطّى

  • (1) تقدّمت في ص9 ـ 10.

  • (2) تهذيب الأحكام 1: 374 ح1151، الكافي 6: 501 ح26، وعنهما وسائل الشيعة 2: 34، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب4 ح2.

  • (3) الفقيه 1: 67 ح253، وعنه وسائل الشيعة 2: 35، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب4 ح4.

  • (4) هو عليّ بن إسماعيل الراوي عن محمد بن حكيم.

  • (5) تهذيب الأحكام 1: 374 ح1150، وعنه وسائل الشيعة 2: 34، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب4 ح1.

( صفحه 19 )

ركبتيه وسرّته ـ إلى أن قال: ـ ثمّ قال: هكذا فافعل(1).

هل المحرّم في باب النظر إلى العورة هو اللّون فقط، أو أعمّ منه ومن الحجم

ورواية الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) أنّه قال: إذا زوّج الرجل أمَته فلا ينظرنّ إلى عورتها، والعورة ما بين السرّة والركبة(2).

ولكن بشير النبّال ضعيف أوّلا، والعمل أعمّ من الوجوب ثانياً، والأمر بالفعل إنّما هو لأجل ذلك; أي الاستحباب، أو لرعاية الأدب كما لا يخفى.

والحسين أيضاً ضعيف، ويحتمل أن يكون المراد من عورة الأمَة ذلك، لا مطلق النساء ولا الرجال، وعلى تقدير ظهورها في التعميم يكون مقتضى الجمع بين الطائفتين هو الحمل على الاستحباب.

ويؤيّده رواية أبي بصير، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: إذا تعرّى أحدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه، فاستتروا(3).

الثاني: في أنّ المحرّم في باب النظر إلى العورة، هل هو النظر إلى اللون، أو أعمّ منه ومن الحجم؟ فالمشهور على الأوّل(4)، وعن المحقّق الثاني، الثاني(5)، ودليل المشهور فهم العرف من الآية والرواية، وأنّ الحفظ والستر

  • (1) الكافي 6: 501 ح22، وعنه وسائل الشيعة 2: 35، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب5 ح1.

  • (2) قرب الإسناد: 103 ح345، وعنه وسائل الشيعة 21: 148، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء ب44 ح7.

  • (3) تهذيب الأحكام 1: 373 ح1144، وعنه وسائل الشيعة 2: 38، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب9 ح2.

  • (4) المعتبر 2: 95، قواعد الأحكام 1: 256 ـ 257، كشف اللثام 3: 232، جواهر الكلام 2: 3، ولم نعثر على مدّعي الشهرة، ولكن ادّعى عليه الإجماع في مستند الشيعة 4: 223.

  • (5) جامع المقاصد 2: 95.

( صفحه 20 )

إنّما يتحقّق بستر اللون وترك النظر إليه فقط.

عدم وجوب الستر مع الشكّ في وجود الناظر

وقد استدلّ لهم أيضاً برواية رواها الصدوق بإسناده عن عبيدالله المرافقي في حديث، أنّه دخل حمّاماً بالمدينة فأخبره صاحب الحمّام أنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يدخله، فيبدأ فيطلي عانته وما يليها، ثمّ يلفّ إزاره على أطراف إحليله ويدعوني فأُطلي سائر بدنه، فقلت له يوماً من الأيّام: إنّ الذي تكره أن أراه قد رأيته، قال: كلاّ إنّ النورة سترة (ستره خ ل)(1).

ومرسلة محمد بن عمر، عن بعض من حدّثه أنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمّام إلاّ بمئزر، قال: فدخل ذات يوم الحمّام فتنوّر، فلمّا أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر، فقال له مولى له: بأبي أنت واُمّي إنّك لتوصينا بالمئزر ولزومه وقد ألقيته عن نفسك، فقال: أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة(2).

ولكنّ الاستدلال بهما غير تامّ; لعدم العلم بكون النورة غير ساترة للحجم، كما لا يخفى.

الثالث: أنّه لا إشكال كما عرفت(3) في وجوب الستر مع العلم بوجود الناظر. وأمّا مع الشكّ فيه، فهل يجب الستر، أم لا؟ ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره)
أنّ فيه وجهين: من جريان أصالة الإباحة، وعدم الوجوب الجارية في الشبهات الموضوعيّة، ومن أنّه ربما يقع في الحرام مع عدم التستّر،

  • (1) الفقيه 1: 65 ح250، وعنه وسائل الشيعة 2: 53، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب18 ح1.

  • (2) الكافي 6: 502 ح35، وعنه وسائل الشيعة 2: 53، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب18 ح2.

  • (3) في ص10 ـ 11.

( صفحه 21 )

ومقتضى لزوم رعاية التكليف الإلهي الاحتياط، وقد قوّى بعد بيان الوجهين الوجه الأوّل(1).

ولكنّه ذكر بعض الأعلام في شرح العروة أنّ هنا خصوصيّة تمنع عن جريان أصالة الإباحة ولو مع القول بجريانها في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة; وهي التعبير في الآية الشريفة عن الستر بحفظ الفروج; فإنّ المتفاهم من كلمة «الحفظ» هو المراقبة والتحفّظ، وهو لا يتحقّق إلاّ مع الرعاية في صورة احتمال وجود الناظر أيضاً(2).

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ لازم ما أفاده هو التفكيك في الآية المتعرّضة لبيان حكمين، والالتزام بأنّ جملة ( وَ يَحْفَظُوا ْ فُرُوجَهُمْ ) دالّ على الوجوب مع احتمال الناظر أيضاً، وأمّا جملة ( يَغُضُّوا ْ مِنْ أَبْصَـرِهِمْ ) فلا دلالة له على ذلك; لعدم وقوع التعبير بالحفظ فيها، ومن المعلوم بطلان هذا النحو من التفكيك ـ : أنّ التعبير بالحفظ لا دلالة له على ما رامه; لأنّ معناه التخفّي والتستّر، ولا شهادة فيه على الرعاية في صورة احتمال وجود الناظر أيضاً.

ويؤيّده أنّ لازمه الالتزام بذلك في سائر الآيات الدالّة على لزوم حفظ الفرج، التي يكون مفادها اللزوم من جهة الزنا ومثله، على ما دلّ عليه الرواية المتقدّمة(3)، المتضمّنة بأنّ كلّ ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ في هذا الموضع، الذي هو مورد البحث في المقام; ضرورة أنّ

  • (1) مصباح الفقيه 2: 49 ـ 50.

  • (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الطهارة، موسوعة الإمام الخوئي 4: 330.

  • (3) في ص11.

( صفحه 22 )

الاختلاف من هذه الجهة لا يوجب الاختلاف بينها من ناحية التعبير بالحفظ المشترك بين جميعها، فالظاهر ما قوّاه المحقّق الهمداني (قدس سره) من عدم الوجوب مع الشكّ في وجود الناظر; لما عرفت.

الموارد الّتي استثني من الحكمين المذكورين

الرابع: قد استثني من الحكمين المذكورين موارد:

منها: الزوج والزوجة; فإنّه يجوز لكلّ منهما النظر إلى جميع أعضاء الآخر، كما يجوز اللمس، وقد دلّ عليه الروايات(1)، مضافاً إلى أنّ جواز الوطء دليل على أنّه يجوز النظر بطريق أولى، ولا إشكال في هذا الحكم أصلا.

ومنها: المالك; فإنّه يجوز له النظر إلى جميع أعضاء المملوكة ما دام لم يزوّجها، أو يحلّلها من الغير; فإنّه لا يجوز له النظر حينئذ إلى عورتها،
كما دلّ عليه بعض الروايات المتقدّمة في معنى العورة(2). وأمّا المملوكة، فالظاهر أنّه يجوز لها النظر إلى المالك مطلقاً مع الشرط المذكور، بخلاف المالكة; فإنّه لا دليل على جواز نظرها إلى مملوكها أو مملوكتها، وإطلاق الآية يقتضي عدم الجواز.

ومنها: المحلّلة والمحلّل له; فإنّه يجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر; لاقتضاء جواز الوطء ذلك على ما مرّ.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني: في حكم النساء، لا إشكال في أصل وجوب التستّر على النساء، وحرمة الإبداء والكشف لهنّ، وهو من ضروريّات الفقه، بل من

  • (1) وسائل الشيعة 20: 120، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب59.

  • (2) في ص18 ـ 19.

( صفحه 23 )

ضروريّات الدين(1).

إنّما الإشكال في وجوب ستر الوجه والكفّين، وقد ادّعى سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) أنّ المشهور بين الخاصّة والعامّة وجوب ستر الوجه والكفّين أيضاً(2).

ولكنّ الحقّ أنّ المسألة مختلف فيها، فذهب بعض إلى الوجوب، كالشيخ (قدس سره) في النهاية، قال فيها: من أراد أن يزوّج له أن ينظر إلى الوجه والمحاسن والكفّين والرجلين وكيفية المشي ونحوها. وأمّا في غير هذه الصورة، فلا يجوز له النظر إلى المواضع المذكورة(3)، بناءً على أن لا يكون المراد مجرّد
حرمة نظر الغير، بل وجوب التستّر عليها أيضاً، وإلاّ فحرمة النظر لا تلازم وجوب التستّر.

نعم، جواز النظر لا يجتمع مع وجوب التحفّظ كما لا يخفى. وتبعه في ذلك العلاّمة وابنه وكاشف اللثام وصاحب الجواهر، قدّس الله أسرارهم(4).

وذهب الشيخ (قدس سره) في بعض كتبه إلى جواز النظر إلى الوجه والكفّين، واختاره صاحبا الحدائق والمستند، والشيخ الأعظم الأنصاري في رسالة النكاح(5).

  • (1) المعتبر 2: 101، تذكرة الفقهاء 2: 446 مسألة 108، منتهى المطلب 4: 271، ذكرى الشيعة 3: 7، جواهر الكلام 2: 3 ـ 9.

  • (2) نهاية التقرير 1: 286.

  • (3) النهاية: 484، مع اختلاف يسير.

  • (4) قواعد الأحكام 3: 6، إيضاح الفوائد 3: 5، كشف اللثام 7: 20، جواهر الكلام 29: 63 (ط.ق).

  • (5) المبسوط 4: 160، الحدائق الناضرة 23: 53 ـ 55، مستند الشيعة 16: 46 ـ 50، كتاب النكاح (تراث الشيخ الأعظم (رحمه الله) ): 44 ـ 50.

( صفحه 24 )

وقال المحقّق في الشرائع وتبعه العلاّمة في بعض كتبه بالتفصيل بين النظرة الاُولى، وبين النظرة الثانية وما بعدها(1).

فاللاّزم ملاحظة الأدلّة، فنقول:

الآيات الوارة في المقام، منها: آية الغضّ المعروفة

أمّا الكتاب، فمن الآيات الواردة في هذا الباب آية الغضّ المعروفة المتقدّمة(2)، وهي بلحاظ اشتمالها على إيجاب الغضّ وحفظ الفرج على الرجال والنساء قد تقدّم(3) الكلام فيها، وأنّها لا ترتبط بالمقام من هذه الجهة. وأمّا بلحاظ قوله ـ تعالى ـ فيها: ( وَ لاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا )(4)، فلابدّ من البحث فيها، حيث إنّه يستفاد منها أنّ الزينة على قسمين: ظاهرة وباطنة،
وقد وقع الخلاف في تفسير الزينة الظاهرة.

فعن عبدالله بن مسعود: أنّ المراد بالزينة الظاهرة التي لا يحرم إبداؤها هي الثياب(5).

ويؤيّده قوله ـ تعالى ـ : ( يَـبَنِىءَادَمَ خُذُوا ْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد )(6)، أي خذوا ثيابكم التي تتزيّنون بها عند إرادة الصلاة.

وعن عبدالله بن عبّاس: أنّ المراد بالزينة الظاهرة هو الكحل، والخاتم، والخدّان، والخضاب في الكفّ(7).

  • (1) شرائع الإسلام 2: 269، قواعد الأحكام 3: 6.

  • (2 ، 3) في ص9 ـ 11.

  • (4) سورة النور 24: 31.

  • (5) مجمع البيان 7: 216، التفسير الكبير للفخر الرازي 8 : 364.

  • (6) سورة الأعراف 7: 31.

  • (7) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) 18: 150 ح25962، 25964 و 25969، مجمع البيان 7: 216، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 6: 166.

( صفحه 25 )

وحكي أنّ المراد منها هو الوجه والكفّان(1)، والظاهر أنّه مرويّ(2) أيضاً.

في الآية جهات من البحث، الاُولى: وجه استعمال لفظ الزينة فيه

والتحقيق أنّ في الآية الكريمة جهات من البحث:

الاُولى: أنّه ما الوجه في استعمال لفظ الزينة في الآية؟

الثانية: أنّه هل الأمر بضرب الخمر على الجيوب بعد النهي عن إبداء الزينة الظاهرة، تكليف آخر غير ذلك النهي، وحكم مستقلّ، أو أنّه تأييد وتأكيد له؟

الثالثة: أنّه ما الوجه في تكرار النهي عن إبداء الزينة في قوله ـ تعالى ـ : ( وَ لاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ... )، خصوصاً مع إطلاق الزينة وعدم استثناء الظاهرة هنا؟

الرابعة: أنّه ما المراد من الضرب بالأرجل ليعلم ما يخفين من زينتهنّ، الذي تعلّق النهي به في ذيل الآية الشريفة؟

الخامسة: أنّه ما الوجه في التعبير في صدر الآية بالزينة الظاهرة، الظاهر في الظاهرة بنفسها بصورة الفعل اللاّزم، والتعبير في الذيل بالفعل المتعدّي، الظاهر في تعلّق الإخفاء بها لا كونها مخفية بنفسها؟

أمّا الجهة الاُولى، فالظاهر أنّ الزينة ليست بمعنى الأمر الصناعي الزائد على الخلقة فقط، كما ربما يخطر بالبال ابتداءً، بل لها معنى أعمّ من ذلك ومن

  • (1) التفسير الكبير للفخر الرازي 8 : 364.

  • (2) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) 18: 150 و 151 ح25967 و 25975، السنن الكبرى للبيهقي 10: 251 ـ 252 ح13782 و 13783، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 6: 166، وسيأتي بعض الروايات في ص30 ـ 32.

( صفحه 26 )

الزينة الخلقيّة، بل يمكن أن يقال بالاختصاص بخصوص الزينة الخلقيّة التي هي الأساس في الجهة المطلوبة من النساء. وعليه: يكون النهي عن إبداء الزينة عبارة اُخرى من النهي عن إبداء أنفسهنّ، والسرّ في هذا التعبير بيان نكتة الحكم; وهي:

أنّ النهي إنّما هو لأجل كون النساء زينة بتمام أعضائهن، واستثناء ما ظهر يدلّ على أنّهنّ وإن كنّ زينة بتمام الأعضاء، إلاّ أنّ منها: ما تكون زينة غير ظاهرة، ومنها: ما تكون زينة ظاهرة.

ومن الواضح حينئذ: أنّ المراد بالزينة الظاهرة ليس إلاّ مثل الوجه والكفّين، والتعبير بما ظهر بصورة الفعل الماضي لعلّه كان لإفادة أنّ مثلهما كان ظاهراً في السابق قبل نزول الآية، كقوله ـ تعالى ـ : ( وَأَن تَجْمَعُوا ْ بَيْنَ الاُْخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ )(1). وعليه: يكون الاستثناء منقطعاً ولا بأس به.

فالآية على هذا التقدير تدلّ على جواز إبداء الوجه والكفّين وعدم حرمة كشفهما، ولا ينافي ما ذكرنا إضافة الزينة إلى النساء في المستثنى منه، الظاهرة في المغايرة بين الزينة وبين الأعضاء; لأنّ هذه الإضافة إنّما هي كإضافة الأنفس إليهنّ، فكأنّه قال: ولا يبدين أنفسهنّ إلاّ ما ظهر منهنّ، فتدبّر.

وأمّا ما ربما يقال(2): من أنّ الظاهر أنّ المراد بالزينة التي تعلّق النهي بإبدائها هي مواضع الزينة، فالمراد بالزينة حينئذ هو الأمر الصناعي الزائد على الخلقة.

  • (1) سورة النساء 4: 23.

  • (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 66.

( صفحه 27 )

فيرد عليه أوّلا: أنّه خلاف الظاهر; لابتنائه على التقدير الذي هو خلاف الأصل، وثانياً: أنّه لو كان المراد مواضع الزينة، فيلزم أن لا تكون الآية متعرّضة لحكم غير مواضع الزينة، فلا دلالة لها حينئذ على حرمة إبداء غير تلك المواضع.

ودعوى أنّ ما يقع في معرض الإبداء مواضع الزينة لا غيرها، مدفوعة بأنّه قد يقع غيرها في معرض الإبداء أيضاً، والظاهر أنّ الآية في مقام إفادة حكم كلّي من هذه الجهة.

والحقّ أن يقال: إنّ المرأة بنفسها زينة إلهيّة خلقيّة، كما قال به الفخر الرازي في تفسيره، واستدلّ عليه بوجهين:

الأوّل: أنّ الكثير من النساء ينفردن بخلقتهنّ عن سائر ما يعدّ زينة، فإذا حملناه على الخلقة وفينا العموم حقّه، ولا يمنع دخول ما عدا الخلقة فيه أيضاً.

الثاني: أنّ قوله: ( وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) يدلّ على أنّ المراد بالزينة ما يعمّ الخلقة وغيرها، فكأنّه ـ تعالى ـ منعهنّ من إظهار محاسن خلقتهنّ; بأن أوجب سترها بالخمار(1).

ومن جميع ما ذكرنا ظهر عدم تماميّة ما تقدّم(2) نقله عن ابن مسعود; من أنّ المراد بالزينة الظاهرة هي الثياب; لأنّه بعد كون المراد بالمستثنى منه ـ الذي هي الزينة ـ أعضاءها ونفسها، لا يبقى مجال لكون المراد من المستثنى هي الثياب التي تكون زائدة على الخلقة، فكما يكون المستثنى منه ناظراً

  • (1) التفسير الكبير للفخر الرازي 8 : 363 ـ 364.

  • (2) في ص24.