تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
سخن موسس فقید
سخن موسس فقید
مسند سهل بن زياد الآدمى (جلد اول)

(251)

الحديث 160: وبهذا الإسناد،[1] عن سهل، عن محمّد بن سليمان، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول: لمّا احتضر الحسن بن عليّ عليهماالسلام قال للحسين: يا أخي إنّي أُوصيك بوصيّة فاحفظها، فإذا أنا متُّ فهيّئني، ثمّ وجّهني إلى رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله لأحدث به عهدا ثمّ اصرفني إلى أُمّي فاطمة عليهاالسلام، ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع، وأعلم أنّه سيصيبني من الحميراء[2] ما يعلم الناس من صنيعها، وعداوتها لله‌، ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله وعداوتها لنا أهل البيت، فلمّا قبض الحسن عليه‌السلام [و] وضع على سريره، فانطلقوا به إلى مصلّى رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله الذي كان يصلّي فيه على الجنائز، فصلّى على الحسن عليه‌السلام[3] فلمّا أن صلّى عليه حمل فأُدخل المسجد، فلمّا أُوقف على قبر رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله بلغ عائشة الخبر، وقيل لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن عليّ ليدفن مع رسول الله‌[4] فخرجت مبادرة على بغل بسرج ـ فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا ـ فوقفت، وقالت: نحّوا ابنكم عن بيتي، فإنّه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول الله‌ حجابه، فقال لها الحسين بن عليّ (صلوات الله‌ عليهما): قديما هتكت أنت وأبوكِ حجاب رسول الله‌، أدخلت بيته من لا يحبّ رسول الله‌ قربه، وإنّ الله‌ سائلك عن ذلك يا عائشة، إنَّ أخي أمرني أن أُقرّبه من أبيه رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله ليحدث به عهدا، وأعلمي أنَّ أخي


--------------------------------------------------

1. أي: محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، كما في كتاب الوافي 2: 340، رقم الحديث «800»، إلاّ أنّ في الوسائل جاء وعن عدّة من أصحابنا، ولذا جاء في هامشه: هذا الحديث لم نجده في مصورة المؤلّف وقد جمع سنده مع سند الحديث رقم 6 فيما مضى، فلاحظ.

2. في الجامع: «عائشة» بدل «الحميراء».

3. في الجامع: «فصلّى عليه الحسين عليه‌السلام».

4. في الجامع: «ليدفنوا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله» بدل «ليدفن مع رسول الله‌».


(252)

أعلم الناس بالله‌، ورسوله، وأعلم بتأويل كتابه، من أن يهتك على رسول الله‌ ستره، لأنّ الله‌ تبارك وتعالى يقول: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ»[1] وقد أدخلت أنت بيت رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله الرجال بغير إذنه، وقد قال الله‌ عزّ وجلّ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ»[2] ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أُذُن رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله المعاول، وقال الله‌ عزّ وجلّ «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى»[3] ولعمري لقد أدخل أبوكِ وفاروقه على رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقّه، ما أمرهما الله‌ به على لسان رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله إنّ الله‌ حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء، وتالله‌ يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله‌ (صلوات الله‌ عليهما) جائزا فيما بيننا وبين الله‌، لعلمت أنّه سيدفن، وإن رغم معطسك.

قال: ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة وقال: يا عائشة يوما على بغل، ويوما على جمل، فما تملكين نفسك، ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم، قال: فأقبلت عليه، فقالت: يا ابن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين عليه‌السلام: وأنّى تبعدين محمّدا من الفواطم، فوالله‌ لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر، قال: فقالت عائشة للحسين عليه‌السلام: نحُّوا ابنكم، واذهبوا به، فإنّكم قومٌ خصمون. قال: فمضى الحسين عليه‌السلام إلى قبر أُمّه، ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع.

المصادر: الكافي 1: 302، كتاب الحجّة، باب الإشارة والنّص على الحسين بن عليّ عليهماالسلام، ح3، وأورد صدر الحديث في وسائل الشيعة 3: 164، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب13 ح8، وفي جامع أحاديث الشيعة 3: 533، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب22 باب توجيه الميّت إلى قبور النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام، ح1، وفيه: «ذهب ذوالعوينين إلى عائشة وقال لها» بدل «بلغ عائشة الخبر وقيل لها» و«لا يدفن في بيتي ويهتك» بدل «لا يدفن فيه شيء ولا يهتك».


--------------------------------------------------

1. الأحزاب 33: 53.

2.، 3 الحجرات 49: 2 و 3.


(253)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «لما احتضر» على بناء المجهول أي أحضره الموت، و «الحميراء» تصغير الحمراء لقب عائشة. «فصلّى» على بناء المجهول ويحتمل المعلوم فالمرفوع راجع إلى الحسين عليه‌السلام، وكذا قوله: «فلما أن صلّى»، يحتمل الوجهين وأن زائدة لتأكيد الاتصال.

«وأعلم بتأويل كتابه» قيل: أفعل ليس هنا للتفضيل بل للتبعيد، وقيل: المراد أعلم الناس بتأويل كتابه مكرهاً أن يهتك.

والحاصل أن وفور علمه مانع من ذلك، وظاهره أنّه لم يكن ذلك جائزا بالنسبة إلى الحسن عليه‌السلام أيضا، لعلّه على سبيل المصلحة إلزاما عليها لبيان سوء صنيعها في دفن الملعونين غير المأذونين، وإشكال إثبات الفرق بين الفعلين، وإلاّ فهو عليه‌السلام كان مأذونا في ذلك في حياته وبعد وفاته.

ويؤيّده ما رواه الشيخ في مجالسه بأسانيد جمّة عن ابن عباس قال: دخل الحسين بن علي عليهماالسلام على أخيه الحسن بن علي عليه‌السلام في مرضه الذي توفي فيه فقال له: كيف تجدك يا أخي؟ قال: أجدني في أوّل يوم من أيّام الآخرة وآخر يوم من أيّام الدنيا، واعلم أنّه لا أسبق أجلي وإنّي وارد على أبي وجدّي عليهماالسلامعلى كره منّي لفراقك وفراق إخوتك وفراق الأحبّة وأستغفر الله‌ من مقالتي هذه وأتوب إليه، بل على محبّة منّي للقاء رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي


(254)

طالب عليه‌السلام وأُمّي فاطمة عليهاالسلام، وحمزة وجعفر عليهماالسلام، وفي الله‌ عزّ وجلّ خلف من كلّ هالك، وعزاء من كلّ مصيبة، ودرك من كلّ ما فات، رأيت يا أخي كبدي في الطشت، ولقد عرفت مَن دهاني ومن أين أتيت فما أنت صانع به يا أخي؟ فقال الحسين عليه‌السلام: أقتله والله‌، قال: فلا أخبرك به أبدا حتّى تلقى رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله ولكن أُكتب يا أخي: هذا ما أوصى به الحسن بن عليّ إلى أخيه الحسين بن عليّ، أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلاّ الله‌ وحده لا شريك له، وأنّه يعبده حقّ عبادته لا شريك له في الملك، ولا وليّ له من الذلّ وأنّه خلق كلّ شيء فقدّرة تقديرا، وأنّه أولى من عُبِدَ وأحقّ مَن حُمِدَ، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى، فإنّي أوصيك يا حسين بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفاً ووالداً وأن تدفنني مع رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، فإنّي أحقّ به وببيته ممّن أُدخل بيته بغير إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله‌ فيما أنزله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌و‌آله في كتابه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ»[1] فو الله‌ ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون لنا في التصرّف فيما ورثناه من بعده، فإن أبت عليك الامرأة فأنشدك الله‌ بالقرابة الّتي قرب الله‌ عزّ وجلّ منك والرحم الماسّة من رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله أن تهريق فيَّ محجمة من دم حتّى نلقى رسول الله‌ فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده ثمّ قبض عليه‌السلام.

قال ابن عبّاس: فدعاني الحسين بن عليّ عليهماالسلام وعبدالله‌ بن جعفر وعليّ بن عبدالله‌ بن العبّاس فقال: اغسلوا ابن عمّكم فغسّلناه وحنّطناه وألبسناه أكفانه، ثمّ خرجنا به حتّى صلّينا عليه في المسجد، وإنّ الحسين عليه‌السلام أمر أن يفتح البيت،


--------------------------------------------------

1. الأحزاب 33: 53.


(255)

فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان، وقالوا: يدفن أمير المؤمنين الشهيد ظلماً بالبقيع بشرّ مكانٍ، ويدفن الحسن مع رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، لا يكون ذلك أبدا حتّى تكسر السيوف بيننا وتنقصف الرماح وينفذ النبل، فقال الحسين عليه‌السلام: أَمَ والله‌ الذي حرّم مكّة، للحسن بن عليّ بن فاطمة أحقّ برسول الله‌ وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه، وهو والله‌ أحقّ به من حمّال الخطايا، مُسيّر أبي ذر رحمه‌الله الفاعل بعمّار ما فعل، وبعبدالله‌ ما صنع، الحامي الحمى المؤوي لطريد رسول الله‌، لكنّكم صرتم بعده الأمراء، وتابعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء، قال: فحملناه فأتينا به قبر أمّه فاطمة عليهاالسلام فدفنّاه إلى جنبها رضي الله‌ عنه وأرضاه.

قال ابن عبّاس: وكنت أوّل من انصرف فسمعت اللّفظ وخفت أن يعجّل الحسين على من قد أقبل، ورأيت شخصا علمت الشرّ فيه فأقبلت مبادرا، فإذا أنا بعائشة في أربعين راكبا على بغل مرحّل تقدمهم وتأمرهم بالقتال، فلمّا رأتني قالت: إليّ يا ابن عباس لقد اجترأتم عليّ في الدنيا، تؤذونني مرّة بعد أخرى، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحبّ، فقلت: واسوءتا! يوم على بغل ويوم على جمل، تريدين أن تطفئنور الله‌ وتقاتلي أولياء الله‌ وتحولي بين رسول الله‌ وبين حبيبه أن يدفن معه؟ ارجعي فقد كفى الله‌ عزّ وجلّ المؤنة ودفن الحسن عليه‌السلام إلى جنب أمّه، فلم يزدد من الله‌ تعالى إلاّ قربا وما ازددتم منه والله‌ إلاّ بعدا، يا سوءتاه انصرفي فقد رأيت ما سرّك! قال: فقطبت في وجهي ونادت بأعلى صوتها: أما نسيتم الجمل يا ابن عبّاس إنّكم لذوو أحقاد، فقلت: أمَ والله‌ ما نسيت أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض؟ فانصرفت وهي تقول:

فألقت عصاها واستقرّ بها النوى

كما قرّ عيناً بالأياب المسافر

أقول: وقد أوردت أمثاله في كتاب بحار الأنوار، فهذه الأخبار تدلّ على أنّ في هذه الكلمات مصلحة وتورية، بأن يكون المراد بهتك الستر المحاربة الّتي كانت تتوقّع في ذلك عند ضريحه المقدّس وعدم الإذن وعدم الجواز؛ للاشتمال


(256)

على المفسدة، ومخالفة التقيّة الّتي أمر الرّسول بها وأمثال ذلك من التورية والتأويل، ويدلّ على عدم جواز دخول بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله الذي دفن فيه لمن لا يعلم الإذن بل غيره من الأئمّة المدفونين في بيوتهم إلاّ أن يقال: إذنهم في الزيارة من قرب بالهيئات المنقولة إذن في الدخول، معم أنّهم عليهم‌السلام رخّصوا لشيعتهم في التصرّف في أموالهم في حال غيبتهم، ويدلّ على أنّ الآية شاملة لما بعد الوفاة أيضا أو يثبت ذلك بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: حرمة المؤمن ميّتا كحرمته حيّا، كما يؤمي عليه‌السلام إليه آخرا.

والمراد ب «الرجال» أبو بكر وعمر والحفّارون والذين حملوهما ودفنوهما فيه، وتسمية عمر «فاروقا» على التهكّم ونسبته إلى أبي بكر للاتّحاد الذي كان بينهما في الشقاوة والمعاونة في غصب حقوق أهل بيت العصمة، وأنّه كان وزيره ومشيره أو لتسمية أبي بكر إيّاه فاروقا ونسبة الفعل إليهما، لأنّ دفنهما كان بوصيّتهما ورضاهما، والاستدلال لقبح ضرب المعاول بالنهي عن رفع الصوت بالقياس بالطريق الأولى، أو منصوص العلّة، إذ يظهر من الآية أنّ العلّة في ذلك رعاية الأدب والإكرام والاحترام الذي يجب رعايته له، فيدلّ على قبح رفع الصوت عند ضريحه المقدّس بغير ضرورة بل رفع الصوت في الزيارة عنده وعند ضرائح الأئمّة من أهل بيته بحيث يخرج عن الآداب، لما ورد من أنّ حرمتهم واحدة وحقّهم واحد.

قوله: «عند اُذُن رسول الله‌».

أي ظاهرا وبحسب ما يراه الناس ورفعهم إلى السّماء بعد ثلاثة أيّام لا ينافي وجوب احترام مراقدهم، مع أنّه ذهب جماعة إلى أنّهم بعد الرفع يرجعون أيضا إلى ضرائحهم المطهّرة، وسيأتي القول فيه مفصّلاً إن شاء الله‌ تعالى


(257)

«يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ»[1]، أي يحفظونها ولا يرفعونها بالصياح «امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى»،[2] أي جرَّبها لها أو جرَّبها بأنواع التكاليف لأجل التقوى، فإنّها لا تظهر إلاّ بالإصطبار عليها أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميّز جيّده من رديئه، وسيأتي معاني التقوى ومراتبها في كتاب الإيمان والكفر إن شاء الله‌.

«إِنَّ الله‌ حَرَّمَ...» إلخ. دفع بذلك ما ربما يتوهّم من أنّ حرمة الدخول في بيته بغير إذنه أو رفع الصوت عنده؛ لعلّهما كانا في حال حياته ولا يشمل ما بعد موته صلى‌الله‌عليه‌و‌آله «كرهتيه» الياء لإشباع الكسرة «وإن رغم معطسك». المعطس: الأنف، وربّما جاء بفتح الطاء والرغام بالفتح، التراب، يقال: رغم أنفه، من باب علم أي ذلّ رغماً، بحركات الراء، ورغم الله‌ أنفه، وأرغمه أي ألصقه بالرغام، هذا هو الأصل ثمّ استعمل في الذلّ والعجز عن الانتصاف من الخصم والانقياد على كره.

«يوما على بغل» نصب يوما بالجار والمجرور والظرف خبر مبتدأ محذوف بتقدير أنت، أو نصبه بفعل محذوف بتقدير تركبين. وروي أنّه أنشد يومئذ ابن الحنفيّة أو ابن عبّاس هذا البيت:

تجمّلتِ تبغّلتِ

وإن عشتِ تفيّلتِ

لك التسع من الثُمن

وللكلّ تملّكتِ

أو: وفي الكلّ تصرفت. «فما تمليكن نفسك» إشارة إلى قوله تعالى: «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي».[3]

«وملك الأرض» عبارة عن الاستقرار في البيت المأمورة به في قوله تعالى: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ»[4] «عداوة» مفعول له «هؤلاء الفواطم» أي المنسوبون إلى فاطمة، فالجمعيّة باعتبار المنسوب لا باعتبار المنسوب إليه، فإنّه يقال: للقرشي قريش، فالفاطم بمنزلة الفاطمي، جمع على الفواطم، والمراد الفاطميّون، كذا خطر بالبال.


--------------------------------------------------

1-2. الحجرات 49: 3.

3. يوسف 12: 53.

4. الأحزاب 33: 33.


(258)

وقيل: المراد المنسوبون إلى الفواطم: فاطمة البتول والفواطم الآتية وهو أظهر لفظا، لكنّه بعيد عن السياق. «يتكلّمون» أي لهم أن يتكلّموا لانتسابهم إليها.

«فما كلامك» أيّ شيء كلامك ولا وقع له. «وأنّى تبعدين» من الإبعاد أو التبعيد، والاستفهام للإنكار، وفاطمة الأولى زوجة عبدالمطلب أمّ عبدالله‌ وأبي طالب والزبير، والثانية زوجة أبي طالب، والثالثة زوجة هاشم أمّ عبدالمطلب. وفي القاموس: معيص كأمير: بطن من قريش. «قَوْمٌ خَصِمُونَ» أي شديد الخصومة واللجاج «إلى قبر أمّه» أي للزيارة وتجديد العهد كما مرّ.[1]

الحديث 161: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد قال: روى أصحابنا أنّ حدَّ القبر إلى التّرقوة، وقال بعضهم: إلى الثّدي، وقال بعضهم: قامة الرَّجل حتّى يمدّ الثّوب على رأس مَن في القبر، وأمّا اللّحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس، قال: ولمّا حضر عليُّ بن الحسين عليهماالسلام الوفاة أُغمي عليه، فبقي ساعة، ثمّ رفع عنه الثوب، ثمّ قال: «الحمد للّه‌ الذي أورثنا الجنّة نتبوّأ منها حيث نشاء، فنعم أجر العاملين»، ثمّ قال: احفروا لي، وابلغوا إلى الرَّشح، قال: ثمّ مدّ الثّوب عليه فمات عليه‌السلام.

المصادر: الكافي 3: 165، كتاب الجنائز، باب حدّ حفر القبر، واللّحد، والشقّ، و...، ح1، وسائل الشيعة 3: 165، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب14 ذيل ح2، جامع أحاديث الشيعة 3: 536، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب24 باب حدّ القبر واللّحد، ح3.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 3: 313 ـ 320.


(259)

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: «الرّشح» الثدّي.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

قال في التذكرة: يستحبّ أن يجعل للميّت لحد، ومعناه أنّه إذا بلغ الحافر أرض القبر حفر في حائطه ممّا يلي القبلة مكاناً يوضع فيه الميّت وهو أفضل من الشقّ، ومعناه أن يحفر في قعر القبر شقّاً شبه النّهر، يضع الميّت فيه ويسقّف عليه بشيء، ذهب إليه علماؤنا. وبه قال الشافعي، وأكثر أهل العلم، لقول ابن عبّاس: أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله لحد له أبو طلحة الأنصاري، وقال أبو حنيفة: الشقّ أفضل لكلّ حال.

قوله عليه‌السلام: «وقال بعضهم إلى الثّدي» قال في الذكرى: لعلّه كلام الرّاوي؛ لأنّ الإمام لا يحكى قول أحد.

قوله عليه‌السلام: «حتّى يمدّ الثوب». ربّما يستدلّ به على استحباب مدّ الثوب على القبر عند الدّفن، ولا يخفى ما فيه، إذ الظاهر أنّ المراد به التقدير للتّحديد.

قوله عليه‌السلام: «أغمي عليه» قال الشهيد الثاني رحمه‌الله: لا يريد به حقيقة الإغماء، بل مجازه، بمعنى أنّه قد حصل له ما أوجب عند الحاضرين أن يصفوه بذلك، من دون أن يكون قد حصل له حقيقة، لأنّ المعصوم مادام حيّا لا يجوز أن يخرج من التكليف.[2]

الحديث 162: عدّة من أصحابنا، عن سهل، عن بعض أصحابه، عن أبي همّام

إسماعيل بن همّام، عن أبي الحسن[3] عليه‌السلام قال: قال أبو جعفر عليه‌السلام حين احتضر: إذا أنا متّ فاحفروا لي[4] وشقّوا لي شقّا، فإن قيل لكم: إنّ رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله لحّد له فقد صدقوا.


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 25: 504.

2. مرآة العقول 14: 1.

3. في التهذيب والوسائل والجامع: زيادة «الرضا».

4. ليس في التهذيب: «لي».


(260)

المصادر: الكافي 3: 166، كتاب الجنائز، باب حدّ حفر القبر، واللّحد، والشقّ...، ح2، ورواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد في تهذيب الأحكام1: 451، كتاب الطهارة، أبواب الزيادات، ب23 باب في تلقين المحتضرين، ح113، وسائل الشيعة 3: 166، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب15 ح2، جامع أحاديث الشيعة 3: 537، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب25 باب جواز اللّحد والشّق، واستحباب اللّحد على الشّق، ح5، وفيه وفي التهذيب والوسائل: «أحضر» بدل «احتضر».

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: «فاحفروا لي» يعني القبر، و«شقّوا لي» أي في عرضه، «شقّا» يعني زائدة على المعتاد من اللّحد لئلاّ يكون بدنه خارجا عن اللّحد؛ فإنّه عليه‌السلام كان بادنا وقد مضى هذا التعليل، «لحّد له» أي بما دون ذلك فإنّ اللّحد والإلحاد بمعنى الميل، ومنه الملحد لميله إلى الباطل، «فقد صدقوا» ولكن يتفاوت مثل هذه الأحكام بحسب تفاوت الأشخاص.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «فقد صدقوا» أي هو أفضل. وإنّما أوصي عليه‌السلام بذلك لأنّه كان بادنا، وكان لا يحتمل أرض المدينة لرخاوتها للّحد المناسب له عليه‌السلام، كما ورد التصريح به في غيره.[2]

الحديث 163: وعنهم، عن سهل، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن الحلبي ـ في حديث ـ قال: قال أبو عبدالله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: إنّ أبي كتب وصيّته ـ إلى أن قال ـ: وشققنا له الأرض من أجل أنّه كان بادناً.


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 25: 504.

2. مرآة العقول 14: 2، وملاذ الأخيار 3: 269.


(261)

المصادر: وسائل الشيعة 3: 166، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب15 ح3، وقد تقدّم صدر الحديث في ج2: 481، أبواب غسل الميّت، ب2 ح4، وقطعة منها في ص10، أبواب التكفين، ب2 ح14 من هذا المجلّد، ويأتي ذيلها في ص193، أبواب الدفن، ب31 ح6 من هذا المجلّد.

وقد مرّ الحديث في الصفحة 186، رقم الحديث 99، فراجع هناك.

الحديث 164: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن محمّد بن عجلان قال: قال أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: لا تفدح ميّتك بالقبر[1] ولكن ضعه أسفل منه بذراعين، أو ثلاثة، ودعه حتّى يأخذ أُهبته.

المصادر: الكافي 3: 191، كتاب الجنائز، باب في وضع الجنازة دون القبر، ح1، وسائل الشيعة 3: 168، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب16 ح5، جامع أحاديث الشيعة 3: 546، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب29 باب استحباب وضع الميّت دون القبر بذراعين أو ثلاثة و...، ح5.

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: «لا تفدح بميّتك القبر» أي لا تفجأه كأنّك تجور عليه من القدح بمعنى الجور، والفادحة النازلة، والأهبّة التهيّؤ والإستعداد.[2]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «لا تفدح» قال في القاموس: فدحه الدين، كمنعه أثقله.

أقول: لعلّ المراد لا تجعل القبر، ودخوله ثقيلاً على ميّتك بإدخاله مفاجأة.

قوله عليه‌السلام: «أسفل منه» قال الشيخ البهائي رحمه‌الله: لعلّ المراد بوضعه أسفل القبر من قِبَلِ رجليه، وهو باب القبر.


--------------------------------------------------

1. جاء في هامش الوسائل: (في نسخة: بميّتك القبر «هامش المخطوط»).

2. كتاب الوافي 25: 509.


(262)

قوله عليه‌السلام: «يأخذ أهبّته» قال الجوهريّ: تأهبّ، إستعدّ، وأهبّت الحرب عدّتها.

أقول: يدلّ على اطلاع الرّوح على تلك الأحوال، وعلى سؤال القبر، وعلى استحباب الوضع قبل الوصول إلى القبر بذراعين، أو ثلاثة، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد، والمحقّق في المعتبر. وذكر الصدوق رحمه‌الله في الفقيه أنّه يوضع قريبا من القبر، ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبّته، ثمّ يقرّب قليلاً، ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبّته، ثمّ يقدّم إلى شفير القبر، ويدخل فيه، وإليه ذهب أكثر الأصحاب، ولا يدلّ الأخبار المنقوله في الكتب المشهورة إلاّ على الوضع مرّة.

نعم، روى الصدوق في العلل خبرا مرسلاً أنّه ينقل ثلاث مرّات، وعبارة الفقه الرضويّ صلوات الله‌ عليه موافق لعبارة الصّدوق في الفقيه، ولعلّه أخذه منه وتبعه الأصحاب، ولا بأس بالعمل به للمساهلة في المستحبات.[1]

الحديث 165: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: كان الحسين بن عليّ عليهماالسلامجالسا فمرّت عليه جنازة فقام الناس[2] حين طلعت الجنازة، فقال الحسين عليه‌السلام، مرّت جنازة يهوديّ وكان رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله على طريقها جالساً[3] فكره أن تعلو رأسه جنازة يهوديّ فقام لذلك.

المصادر: الكافي 3: 192، كتاب الجنائز، باب نادر، ح2، ورواه الشيخ بإسناده، عن سهل بن زياد في تهذيب الأحكام 1: 456، كتاب الطهارة، أبواب الزيادات، ب23 باب في تلقين المحتضرين، ح132 وفي السند: «أبي نجران» بدل «ابن أبي نجران»، وليس في المتن: «فقام لذلك»، وسائل الشيعة 3: 169، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب17 ح2، جامع أحاديث الشيعة 3: 525، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب19 باب كراهة القيام لمن مرّت به الجنازة إلاّ أن يكون جنازة يهوديّ، ح4.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 81.

2. جاء فى هامش الكافي: (زاد في هامش بعض النسخ «ولم يقم الحسين عليه‌السلام»).

3. ليس في الوسائل: «جالساً».


(263)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «مرّت» إلخ.

أقول: يظهر من هذا الخبر منشأ توهّم العامّة فيما رواه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، ويدلّ على استحباب القيام إذا كانت الجنازة ليهوديّ، لا للتعظيم، كما يظهر من أخبارهم، بل لتعظيم الإسلام وتحقير الكافر، وربّما يستفاد من التعليل إطّراد الحكم في مطلق الكافر، كما فهمه الشهيد رحمه‌الله في الذكرى، حيث قال: لا يستحبّ القيام لمن مرّت عليه الجنازة؛ لقول عليّ عليه‌السلام: قام رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله ثمّ قعد، ولخبر زرارة.

نعم لو كان الميّت كافرا جاز القيام لخبر مثنّى الحنّاط، وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: إذا رأيتم الجنازة فقوموا منسوخ، انتهى.

أقول: لا يخفى ما في القول بالجواز مستدلاًّ بهذا الخبر إلاّ أن يكون مراده الشرعيّة والإستحباب.[1]

الحديث 166: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبدالعزيز العبديّ، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: لا ينبغي لأحد أن يدخل القبر في نعلين ولا خفّين ولا عمامة ولا رداء ولا قلنسوة.

المصادر: الكافي 3: 192، كتاب الجنائز، باب دخول القبر والخروج منه، ح1، تهذيب الأحكام 1: 314، كتاب الطهارة، ب13 باب فى تلقين المحتضرين وتوجيههم...، ح81، وليس فيه: «ولا عمامة»، وسائل الشيعة 3: 170، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب18 ح3، جامع أحاديث الشيعة 3: 547، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب30 باب أنّه لا ينبغي لأحد أن يدخل القبر في نعلين ولا خفّين و...، ح1.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 84.


(264)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «لا ينبغي» ظاهره كراهة إستصحاب هذه الأشياء، قال المحقّق في المعتبر: يستحبّ لمن دَخَلَ قبر الميّت أن يحلّ ازراره، وأن يتحفّى، ويكشف رأسه. هذا مذهب الأصحاب.

وقال الشهيد رحمه‌الله في الذكرى: يستحبّ لملحّده حلّ ازراره، وكشف رأسه وحفاؤه، إلاّ لضرورة، ثمّ قال: وليس ذلك واجبا إجماعا.

أقول: لم يتعرّض الأصحاب لإستحباب وضع الرداء عند النزول في القبر مع دلالة الأخبار الّتي استدلّوا بها على سائر الأحكام عليه.[1]

الحديث 167: عدّة من الأصحاب، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن محمّد بن عجلان، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: سلّه سلاًّ رفيقا، فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس[2] ممّا يلي رأسه،[3] ليذكر اسم الله‌ [عليه]،[4] ويصلّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، ويتعوّذ من الشّيطان،[5] وليقرأ فاتحة الكتاب والمعوّذتين وقل هو الله‌ أحد وآية الكرسيّ، وإن[6] قدر أن يحسر عن خدّه ويلزقه بالأرض فعل، ويشهد ويذكر ما يعلم حتّى ينتهي إلى صاحبه.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 85.

2. في التهذيب زيادة: «به».

3. في الوسائل زيادة: «و».

4. ليس في التهذيب والوسائل: «عليه».

5. في التهذيب: «من الشيطان الرجيم».

6. في الوسائل: «فإن» بدل «وإن».


(265)

المصادر: الكافي 3: 195، كتاب الجنائز، باب سلّ الميّت وما يقال عند دخول القبر، ح4، تهذيب الأحكام 1: 317، كتاب الطهارة، ب13 باب في تلقين المحتضرين وتوجيههم...، ح90، وفيه: «ويلصقه» بدل «ويلزقه» و«وليتشهّد» بدل «ويشهد»، وسائل الشيعة 3: 175، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب20 ح5، وفيه: «ويتشهّد» بدل «ويشهد»، جامع أحاديث الشيعة 3: 559، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب33، ما يستحبّ أن يقال من الدّعاء والتلقين و...، ح13، وفيه: «وليستشهد» بدل «ويشهد».

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «أولى الناس» أي الوارث القريب، أو أولى الناس به من جهة المذهب والولاية والمحبّة.

قوله عليه‌السلام: «وإن قدر» إلخ يدلّ على إبراز وجه الميّت، ووضعه على التُّراب. وقد ذكر الشيخ في النّهاية، والعلاّمة في المنتهى، والشهيد في الدّروس، ولم يتعرّض له بعض المتأخّرين إلاّ أنّه لم يردّه أحد، ووردت به الأخبار.

قال الشيخ البهائيّ رحمه‌الله: ما تضمّنه الحديث من الكشف عن خدّ الميّت، وإلصاقه بالأرض فلا ريب في استحبابه، والمراد من قوله عليه‌السلام «وإن قدر» إلخ إذا لم يكن هناك من يتّقيه، ومن قوله عليه‌السلام «ويتشهّد وليذكر» ما يعلم تلقينه الشّهادتين، والإقرار بالأئمّة عليهم‌السلام إلى أن ينتهى إلى إمام الزّمان (سلام الله‌ عليهم)، انتهى.

أقول: الجزم بالاستحباب في تلك الأحكام الواردة في الأخبار بلفظ الأمر أو ما في حكمه من غير معارض لا يخلو من إشكال.

قوله عليه‌السلام: «أن يحسر» قال في القاموس: حسره، يحسره، ويحسره حسرا، كشفه، انتهى.

أقول: تعديته بعن إمّا لتضمين معنى الكشف، أو يكون مفعوله الأوّل مقدّرا، أي يحسر الكفن عن خدّه، والإلزاق الإلصاق.[1]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 96.


(266)

وقال أيضاً:

قوله عليه‌السلام: «وإن قدر أن يحسر» الظاهر أنّه عليه‌السلام أراد إذا لم يكن حال تقية.

وقوله عليه‌السلام: «حتّى ينتهي إلى صاحبه» قراءة «إليّ» مشدّداً تصحيف كما لا يخفى.[1]

الحديث 168: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن سماعة قال: قلت لأبي عبدالله‌ عليه‌السلام: ما أقول: إذا أدخلت الميّت منّا قبره؟ قال: قل: «اللّهمّ هذا عبدك فلان وابن عبدك، قد نزل بك وأنت خير منزول به، و[2] قد احتاج إلى رحمتك، اللّهمّ ولا نعلم منه إلاّ خيرا، وأنت أعلم بسريرته ونحن الشّهداء بعلانيته، اللّهمّ فجاف الأرض عن جنبيه، ولقّنه حجّته، واجعل هذا اليوم خير يوم أتى عليه، واجعل هذا القبر خير بيت نزل فيه، وصيّره إلى خير ممّا كان فيه ووسّع له في مدخله، وآنس وحشته واغفر ذنبه، ولا تحرمنا أجره، ولا تضلّنا بعده».

المصادر: الكافي 3: 196، كتاب الجنائز، باب سلّ الميّت وما يقال عند دخول القبر، ح8، وسائل الشيعة 3: 178، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب21 ح3، جامع أحاديث الشيعة 3: 556، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب33 باب ما يستحبّ أن يقال من الدّعاء والتلقين و...، ح4.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

الحديث موثّق. ومحمّد بن يحيى معطوف على العدّة، وقد مضى تفسير فقراته.[3]


--------------------------------------------------

1. ملاذ الأخيار 2: 538.

2. ليس في الوسائل: «و».

3. مرآة العقول 14: 100.


(267)

الحديث 169: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهماالسلام عن الميّت فقال: تسلّه[1] من قِبَلِ الرّجلين، وتلزق القبر بالأرض إلى[2] قدر أربع أصابع مفرّجات وتربّع[3] قبره.

المصادر: الكافي 3: 195، كتاب الجنائز، باب سلّ الميّت وما يقال عند دخول القبر، ح3، تهذيب الأحكام 1: 315، كتاب الطهارة، ب13، باب في تلقين المحتضرين وتوجيههم...، ح84، وسائل الشيعة 3: 181، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب22 ح2، جامع أحاديث الشيعة 3: 552، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب32 باب إنّ باب القبر من قبل الرجلين و...، ح8.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «تسلّه» يدلّ على استحباب الوضع عند الرِّجلين.

ثمّ اعلم أنّه ذكر الأصحاب استحباب وضع الرّجل ممّا يلي الرِّجلين، والمرأة ممّا يلي القبلة، وأن يؤخذ الرّجل من قبل الرِّجلين سابقا برأسه، والمرأة عرضا. والأخبار غير مصرّحة بتلك الأمور.

نعم، ورد مرفوعة عبدالصّمد بن هارون أنّه قال: قال أبو عبدالله‌ عليه‌السلام إذا أدخلت الميّت القبر، إن كان رجلاً سلّ سلاًّ، والمرأة تؤخذ عرضا، وفهم من السلّ الوارد فيها وفي غيرها السّبق بالرأس، ومن أخذ المرأة عرضا كون الأفضل وضعها بأحد جنبي القبر؛ لأنّه أسهل للأخذ كذلك، وتعيين جهة القبلة لأفضليّة تلك الجهة.

ولا يخفى أنّه يمكن المناقشة في أكثرها مع أنّه قد ورد في الأخبار الكثيرة وضع الميّت مطلقا فيما يلى الرِّجلين، وسلّه منها من غير تقييد بالرّجل.


--------------------------------------------------

1. في التهذيب: «يسلّ» بدل «تسلّه».

2. في الوسائل والجامع: «إلاّ» بدل «إلى».

3. في هامش الوسائل: في نسخة: ترفع «هامش المخطوط».


(268)

لكن روى الصّدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش، عن الصّادق عليه‌السلام قال: للميّت يسلّ من قبل رجليه سلاًّ، والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللّحد.

قوله عليه‌السلام: «وتلزق القبر بالأرض» الإلزاق الإلصاق، والمراد عدم الرفع كثيرا، وفي التهذيب نقلاً عن الكافي «إلاّ قدر أربع أصابع»، فيكون استثناء عمّا يدلّ عليه الإلزاق كناية عن عدم الرّفع. وفي نسخ الكتاب «إلى قدر» فيكون نهاية للرّفع.

ويدلّ على التخيير بينه وبين ما كان أقلّ منه، والمشهور بين الأصحاب استحباب رفع القبر مقدار أربع أصابع مفرّجات لا أكثر من ذلك، وابن زهرة خيّر بينها وبين شِبر، وفي خبر سماعة يرفع من الأرض قدر أربع أصابع مضمومة، وعليها ابن أبي عقيل.

قال في الذكرى: قلت: اختلاف الرّواية دليل التخيير، وما رووه عن جابر: إنّ قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله رفع قدر شبر. ورويناه عن إبراهيم بن عليّ، عن الصّادق عليه‌السلام أيضا يقارب التفريج، ولمّا كان المقصود من رفع القبر أن يعرف ليزار ويحترم كان مسمّى الرّفع كافيا، وقال ابن البرّاج: شبرا أو أربع أصابع، انتهى.

وقال في المنتهى: يستحبّ أن يرفع من الأرض مقدار أربع أصابع مفرّجات، وهو قول العلماء، ثمّ قال: وقد روي استحباب ارتفاعه أربع أصابع مفرّجات وروي أربع أصابع مضمومات، والكلّ جائز، ثمّ قال: يكره أن يرفع أكثر من ذلك، وهو فتوى العلماء، انتهى.[1]

الحديث 170: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، رفعه قال: قال: يدخل الرّجل القبر من حيث شاء، ولا يخرج إلاّ من قِبَل رجليه.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 95.


(269)

المصادر: الكافي 3: 193، كتاب الجنائز، باب دخول القبر والخروج منه، ح5، وسائل الشيعة 3: 184، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب23 ح2، جامع أحاديث الشيعة 3:574، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب37 باب أنه يستحب لمن دخل القبر أن يخرج من قبل الرجلين، ح2، وفيه: «حيث يشاء» بدل «حيث شاء».

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «يدخل الرّجل» يدلّ على عدم تعيّن الدخول من مكان معيّن، وتعيّن الخروج من قِبَل الرِّجلين.

قوله عليه‌السلام: «في رواية أُخرى، رواه الشيخ بسند فيه جهالة عن جبير بن نقير الحَضرميّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله.

قوله عليه‌السلام: «إنّ لكلّ بيت بابا» أقول: يمكن أن يستدلّ به على استحباب الدّخول والخروج وإدخال الميّت من قِبَل الرِّجلين؛ لأنّ الباب محل جميع ذلك؛ ولعلّ العلاّمة لذلك، قال في المنتهى: باستحباب الدخول من قِبَل الرِّجلين أيضا، حيث قال: يستحبّ له أن يخرج من قِبَل الرِّجلين؛ لأنه قد استحبّ الدخول منه فكذا الخروج، ولقوله عليه‌السلام باب القبر من قِبَل الرِّجلين.

أقول: لم أرَ غيره تعرّض لاستحباب ذلك عند الدخول، ولعلّه لضعف دلالة هذا الخبر، وصراحة الخبر السابق في نفيه، بل يمكن أن يقال ظاهر هذا الخبر بيان إدخال الميّت منه؛ لأنّ القبر بيت له والمقصود إدخاله، ويؤيّده ما رواه الشيخ بسند موثّق عن عمّار، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام، قال: لكلّ شيء باب، وباب القبر ممّا يلي الرجلين، إذا وضعت الجنازة فضعها ممّا يلي الرِّجلين يخرج الميّت ممّا يلي الرِّجلين، ويدعى له حتّى يوضع في حضرته، ويسوّى عليه التراب. والحاصل أنّ عموم الخبر غير معلوم؛ إذا يكفي ذلك في إطلاق الباب عليه، والله‌ يعلم.[1]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 87.


(270)

الحديث 171: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يحيى بن عمرو، عن عبدالله‌ بن راشد، عن عبدالله‌ العنبري قال: قلت لأبي عبدالله‌ عليه‌السلام: الرّجل يدفن ابنه؟ قال[1]: لا يدفنه في التّراب، قال: قلت: فالإبن يدفن أباه؟ قال: نعم لا بأس.

المصادر: الكافي 3: 194، كتاب الجنائز، باب من يدخل القبر ومن لا يدخل، ح8، ورواه الشيخ بإسناده، عن سهل بن زياد في تهذيب الأحكام 1: 320، كتاب الطهارة، ب13 باب في تلقين المحتضرين وتوجيههم...، ح98، وسائل الشيعة 3: 186، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب25 ح6، جامع أحاديث الشيعة 3: 571، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب35 باب إنّ الميّت يدخله القبر من أذِن له الوليّ...، ح12.

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: قد مضى هذا المعنى في حديث موت إبراهيم، وإنّ السرّ فيه أنّه لا يؤمن على الأب أن يجزع على ابنه حين يكشف عن وجهه، وأمّا الإبن فليس جزعه على أبيه بهذه المثابة.[2]

الحديث 172: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن النّوفلي، عن السّكوني، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله‌ عليه) مضت السنّة مِن رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله أنّ المرأة لا يدخل قبرها إلاّ من كان يراها في حياتها.

المصادر: الكافي 3: 193، كتاب الجنائز، باب مَن يدخل القبر ومَن لا يدخل، ح5، تهذيب الأحكام 1: 325، كتاب الطهارة، ب13، باب في تلقين المحتضرين وتوجيههم...، ح 116، وسائل الشيعة 3: 187، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب26 ح1، جامع أحاديث الشيعة 3: 568، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب34 باب استحباب إدخال المرئة القبر من كان يراها في حياتها، ح1.


--------------------------------------------------

1. في التهذيب والوسائل والجامع: «فقال» بدل «قال».

2. كتاب الوافي 25: 506.


(271)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «أنّ المرأة» المشهور بين الأصحاب استحباب ذلك، والأولى رعاية ذلك مع الإمكان، والسنّة في الخبر لا يدلّ على الإستحباب، كما مرّ مرارا.[1]

الحديث 173: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن أُرومة، عن عليّ بن ميسرة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: الزّوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها.

المصادر: وسائل الشيعة 3: 187، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب26 ح2، وقد تقدّم هذا الحديث في ج2: 531، أبواب غسل الميّت، ب24 ح9، وص116، أبواب صلاة الجنازة، ب24 ح3 من هذا المجلّد.

وقد مرّ الحديث في الصفحة 201، رقم الحديث 112، وفي الصفحة 230، رقم الحديث 146، فراجع هناك.

الحديث 174: وعنهم، عن سهل، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن الحلبيّ ـ في حديث ـ قال: قال أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: إنّ أبي أمرني أن أرفع القبر من الأرض أربع أصابع مفرّجات، وذكر أنّ رشّ القبر بالماء حسن.

المصادر: وسائل الشيعة 3: 193 كتاب الطهارة، أبواب الدفن، باب 31 ح6.وقد تقدّم صدر الحديث في ج2: 481، أبواب غسل الميّت، ب2 ح4، وقطعة منه في ص10، أبواب التكفين، ب2 ح 14، ومثله في ص166، أبواب الدّفن، ب15 ح3، من هذا المجلّد.

وقد مرّ الحديث بتمامه في الصفحة 186، رقم الحديث 99، وأشرنا إليه في الصفحة 206 رقم الحديث 119، وص260 رقم الحديث 163، فراجع هناك.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 91، وملاذ الأخيار 2: 557.


(272)

الحديث 175: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: كان رشّ القبر على عهد رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله.

المصادر: الكافي 3: 200، كتاب الجنائز، باب تربيع القبر ورشّه بالماء و...، ح7، وسائل الشيعة 3: 196، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب32 ح3، جامع أحاديث الشيعة 3: 582، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب42، باب استحباب رشّ الماء على القبر و...، ح3.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

ويدلّ على كون الرشّ سنّة جارية في زمن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌و‌آله وبعده.[1]

الحديث 176: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام قال: مررت مع أبي جعفر عليه‌السلام بالبقيع، فمررنا بقبر رجل من أهل الكوفة من الشيعة، قال: فوقف عليه عليه‌السلام فقال: اللّهمّ ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته وأسكن إليه من رحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سواك، وألحقه بمن كان يتولاّه.

المصادر: الكافي 3: 229، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، ح6، وسائل الشيعة 3: 199، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب34 ح2، جامع أحاديث الشيعة 3: 718، كتاب الطهارة، أبواب زيارة القبور، ب1 باب استحباب زيارة القبور وكيفية التسليم على أهلها و...، ح32.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

ويدلّ على استحباب هذا الدّعاء، وجواز الاكتفاء به بدون سورة القدر وغيرها ولو قائما، وإن كان الجلوس أفضل، ولعلّه فعله عليه‌السلام لبيان الجواز، أو لعذر في بعض الكتب في تتمّة هذا الخبر أنّه عليه‌السلام بعد الدّعاء قرأ القدر سبعا، كما في الذكرى.[2]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 112.

2. مرآة العقول 14: 194.


(273)

الحديث 177: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن يونس بن يعقوب قال: لمّا رجع أبو الحسن موسى عليه‌السلام من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت له ابنة، بفيد، فدفنها وأمر بعض مواليه أن يجصّص قبرها ويكتب على لوح إسمها و[1] يجعله في القبر.

المصادر: الكافي 3: 202، كتاب الجنائز، باب تطيين القبر وتجصيصه، ح3، ورواه الشيخ بإسناده، عن سهل بن زياد في تهذيب الأحكام1: 461، كتاب الطهارة، أبواب الزيادات، ب23 باب في تلقين المحتضرين، ح146، والإستبصار 1: 217، كتاب الطهارة، أبواب الجنائز، ب128 باب النهي عن تجصيص القبر وتطيينه، ح2، وسائل الشيعة 3: 203، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب37 ح2، جامع أحاديث الشيعة 3: 591، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب44 باب جواز وضع الحصباء واللوح على القبر، وكتابة إسم الميّت عليه، ح2 وفيه وفي التهذيبين: «ماتت ابنة له» بدل «ماتت له ابنة».

قال الشيخ الطوسي في الاستبصار في ذيل الحديث: فالوجه في هذه الرواية رفع الحظر عن فعل ذلك وضرب من الرخصة لأنّ الرواية الأُولى وردت مورد الكراهة دون الخطر.[2]

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «بفيد» قال في القاموس: الفيد، قلعة بطريق مكّة.

قوله عليه‌السلام: «أن يجصّص قبرها» أقول: المشهور بين الأصحاب كراهة تجصيص القبر مطلقاً، وظاهرهم أنّ الكراهة تشمل تجصيص داخله وخارجه، قال في المنتهى: ويكره تجصيص القبر وهو فتوى علمائنا، وقال في المعتبر: ومذهب الشيخ، أنّه لا بأس بذلك ابتداء، وأنَّ الكراهية إنّما هِيَ إعادتها بعد اندراسها، ثمّ نقل هذه الرواية، ثمّ قال: والوجه حمل هذه على الجواز، والأولى على الكراهية مطلقاً.


--------------------------------------------------

1. ليس في التهذيب: «و».

2. الاستبصار 1: 217.


(274)

أقول: ما ذكره في النهاية هو تجويز التطيين في الإبتداء لا التّجصيص، ولعلّهم غفلوا عن ذلك، ويمكن أن يكون ما نسبوا إليه ذكره في كتاب آخر، ويؤيّد التوهّم عدم تعرّض العلاّمة رحمه‌الله لذلك في كتبه، ثمّ اعلم: أنّه يمكن حمل التّجصيص النهيّ عنه على تجصيص داخل القبر، وهذا الخبر على تجصيص خارجه.

ويمكن أن يقال: هذا من خصائص الأئمّة وأولادهم عليهم‌السلام لئلاّ يندرس قبورهم ولا يحرم الناس من زيارتهم، كما قال السيّد المحقّق صاحب المدارك.

وكيف كان فيستثنى من ذلك قبور الأنبياء، والأئمّة عليهم‌السلام لإطباق الناس على البناء على قبورهم من غير نكير، واستفاضة الروايات بالترغيب في ذلك، بل لا يبعد استثناء قبور العلماء والصلحاء أيضا، إستضعافا؛ لسند المنع، والتفاتا إلى أنّ في ذلك تعظيما لشعائر الإسلام وتحصيلاً لكثير من المصالح الدينيّة، كما لا يخفى، انتهى.

أقول: هذا الحمل أولى ممّا حمله العلاّمة، وقد نقلنا سابقا عنه من أنّ المراد بالتّجصيص التطيين كما لا يخفى.

قوله عليه‌السلام: «ويكتب على لوح إسمها» يدلّ على استحباب وضع لوح في القبر، وكتابة الإسم عليه.

قال المحقّق في المعتبر: لا بأس بتعليم القبر بلوح يكتب، لما روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله حمل حجرا فجعله عند رأس قبر عثمان بن مظعون، وقال أعلم به قبر أخي، ومن طريق الأصحاب ما رواه يونس بن يعقوب إلخ.

وقال في التذكرة: ينبغي تعليم القبر بحجر، أو خشبة يعرفه أهله فيترحّمون عليه ونحوه.


(275)

قال في المنتهى: وكذا ذكر استحبابه الشهيد في الذكرى، ثمّ قال بعد نقل هذا الخبر: وفيه دلالة على إباحة الكتابة على القبر، وقد روي فيه نهي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله من طريق العامّة، ولو صحّ، حمل على الكراهيه، انتهى.

قوله عليه‌السلام: «ويجعله في القبر» لعلّ المراد جعل بعضه في القبر، أو يقال أخفى عليه‌السلام ذلك في قبرها تقيّة ليظهر يوما ما، ويزورها الناس، والأوّل أظهر.[1]

وقال أيضا:

قوله عليه‌السلام: «ويكتب على لوح»، يمكن أن يكون هذا مخصوصا بالأئمّة وأولادهم عليهم‌السلام، أو يحمل النهي على تجصيص داخل القبر وهذا على خارجه، ولعلّ المراد بالجعل في القبر نصبه بجعل بعضه فيه. ويحتمل أن يكون المراد إخفاء الجميع تقيّة، ويكون الغرض ظهوره بعد مرور الأيّام، فيبنى عليه ويُزار. قال المحقّق في المعتبر: لا بأس بتعليم القبر... إلخ. وكذا ذكر العلاّمة في المنتهى والتذكرة والشهيد في الذكرى، ثمّ قال الشهيد بعد نقل هذا الخبر.[2]

الحديث 178: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد رفعه، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: إذا مات الرَّجل في السَّفينة ولم يقدر على الشطّ، قال: يكفّن ويحنّط ويلفّ، في ثوب ويلقى في الماء.

المصادر: الكافي 3: 214، كتاب الجنائز، باب مَن يموت في السّفينة ولا يقدر على الشّط أو...، ح3، تهذيب الأحكام 1: 339، كتاب الطهارة، ب13، باب في تلقين المحتضرين وتوجيههم...، ح162، الإستبصار 1: 215، كتاب الطهارة، أبواب الجنائز، ب126 باب الميّت يموت في المركب، ح2، وزاد فيه: «ويصلّى عليه»، وسائل الشيعة 3: 207، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب40 ح4، فيه و في التهذيبين: «ويحنّط في ثوب» بدل «ويلفّ في ثوب»، جامع أحاديث الشيعة 3: 600، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب48 باب أنّ مَن مات في البحر ولم يمكن دفنه في الأرض...، ح2.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 117.

2. ملاذ الأخيار 3: 296.


(276)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «على الشّط» قال الجوهريّ: الشّط جانب البحر.

أقول: هذا الخبر مقيّد بالتّعذر في كلام السّائل، وحمل على ما مرّ من أحد الأمرين.[1]

الحديث 179: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: بعثني رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله في هَدم القبور وكَسر الصُوَر.

المصادر: الكافي 6: 528، كتاب الزيّ والتجمّل، باب تزويق البُيوت، ح11، وسائل الشيعة 3: 211، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب44 ح6، وأورده أيضا في ج5: 305، كتاب الصّلاة، أبواب أحكام المساكن، ب3 ح7، جامع أحاديث الشيعة 3: 593، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب45 باب أنه لا يصلح البناء على القبر عدا ما استثني و...، ح3.

الشرح:

قوله عليه‌السلام: «في هدم القبور» أي الّتي بنى عليها أو المسنمة، والأظهر أنّ المراد بالصّورة: المجسّمة بقرينة الكسر.[2]

الحديث 180: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن عذافر، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: ليس التعزية إلاّ عند القبر ثمَّ ينصرفون لا يحدث في الميّت حدث فيسمعون الصَّوت.[3]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 160.

2. مرآة العقول 22: 440.

3. هكذا جاء في هامش الكافي: (إن هذه الجملة تعليل لقوله: «ثم ينصرفون» أي لا يمكثوا عند القبر لئلا يحدث في الميّت حدث من عذاب القبر وضغطته، فيسمع الحاضرون صوت العذاب أو صوت الميّت وجزعه عند حدوث العذاب، لأنّ في ذلك هتكاً لحرمته وسقوطا لمنزلته عندهم وربّما صار سببا لاختلاط عقول بعضهم، وطريان الجنون عليهم عند سماعهم، نقل عن بعض مشايخنا أنّه رأى كتابا صنّف في هذا الباب، وما وقع في القبر من صنوف العذاب وفيه أنّه سمع جماعة عند القبور أصواتا هائلة نفرت عنها الدوّاب فاختلط عقول كثير منهم، ونقل أنّه رأى أيضا حكايات غريبة وروايات عجيبه في هذا الباب، وقال: إنّها أكثر من أن تحصى ويحتمل أن يكون المراد من الصوت، الصوت الخيالي فإنّه كان في الردع عن التوقّف، فإنّ أكثر الناس بسبب استيلاء سلطان الواهمة على عقولهم يرون أشياءً لا حقيقة لها، ويسمعون أصواتا لا وجود لها أصلاً في متن الخارج وظرف الواقع في الأماكن المخوفة والمفازة البعيدة، ويمكن أن يكون الغرض من صدور هذا الكلام عنه عليه‌ السلام مجرّد التحذير والتهديد، لا الإخبار عن وقوع ذلك؛ فإنّ التهديدات الدنيويّة أشدّ تأثيرا في النّفوس الإنسانيّة من الأخرويّة وذلك معلوم بالتجربة كما لا يخفى على ذي دربة، والله‌ أعلم بمراد خير البريّة. «كذا في هامش المطبوع»).


(277)

المصادر: الكافي 3: 203، كتاب الجنائز، باب التعزية وما يجب على صاحب المصيبة، ح 1، ورواه الشيخ بإسناده، عن سهل بن زياد في تهذيب الأحكام 1: 463، كتاب الطهارة، أبواب الزيادات، ب 23 باب في تلقين المحتضرين، ح 156، وسائل الشيعة 3: 216، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب 48 ذيل ح 2، جامع أحاديث الشيعة 3: 606، كتاب الطهارة، أبواب التعزية والتسلية والبكاء و...، ب2 باب استحباب التعزية قبل الدفن وبعده، ح6.

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: يعني أنّ التعزية تحصل بالاجتماع الذي يقع عند القبر، فينبغي للناس بعد ما فرغوا من الدّفن أن يعجِّلوا في الإنصراف، ولا يلبثوا هناك للتعزية لئلاّ يحدث في الميّت حدث في قبره من عذاب وصيحة، فيسمعوا الصوت، ويفزعوا من ذلك ويكرهوه.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «ليس التعزية» قال في الذكرى: التعزية هي تفعلة من العزاء أي الصّبر، يقال (عزّيته) أي صبّرته والمراد بها، طلب التسلّي عن المصاب والتّصبّر عن الحزن والإنكسار بإسناد الأمر إلى الله‌، ونسبته إلى عدله وحكمته، وذكر ما وعد الله‌ على الصبر مع الدّعاء للميّت والمصاب لتسليته عن مصيبته، وهي مستحبّة اجماعا ولا كراهة فيها بعد الدّفن عندنا، انتهى.


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 25: 552.


(278)

وقال في النهاية: التعزية مستحبّة قبل الدّفن وبعده بلا خلاف بين العلماء في ذلك إلاّ الثوري، فإنّه قال: لا يستحبّ التعزية بعد الدّفن.

وقال في التذكرة: قال الشيخ: التعزية بعد الدّفن أفضل، وهو جيّد.

وقال المحقّق في المعتبر: التعزية مستحبّة وأقلّها أن يراه صاحب التعزية وباستحبابها، قال أهل العلم مطلقاً، خلافاً للثوري فإنّه كرهها بعد الدّفن، ثمّ قال فأمّا رواية إسحاق بن عمّار فليس بمناف لما ذكرنا؛ لاحتمال أنّه يريد عند القبر.

بعد الدّفن أو قبله. وقال الشيخ: بعد الدّفن أفضل وهو حقّ، انتهى.

وقال في المنتهى: قال الشيخ في المبسوط. يكره الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة، وخالف فيه ابن إدريس وهو الحقّ، انتهى.

ولنرجع إلى بيان ما يستفاد من الخبر بعد ما نبّهناك على ما ذهب إليه الأصحاب.

فاعلم: إنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام: «ليس التعزية إلاّ عند القبر» عند انحصار التعزية فيما يقع عند القبر بعد الدّفن كما هو الظاهر أو مطلقاً، كما نقلنا عن المحقّق، ولعلّه على ما ذكره الشيخ في المبسوط، لكن فيه أنه لا يدلّ إلاّ على عدم استحباب التعزية بعد ذلك، لا كراهتها، مع أن مقتضى الجمع بين الأخبار انحصار السنّة المؤكّدة في ذلك.

وقوله عليه‌السلام: «ثمّ ينصرفون» يدلّ على كراهة المقام عند القبر بعد الدّفن إلاّ بقدر التعزية.


(279)

وقوله عليه‌السلام: «فيسمعون الصّوت». يدلّ على إمكان سماع ما يحدث في القبر ولا استبعاد في ذلك وإن كان نادرا؛ لمخالفته للحكمة غالبا.[1]

الحديث 181: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن مهران[2] قال: كتب أبو جعفر الثاني عليه‌السلام إلى رجل: ذكرت مصيبتك بعليّ ابنك، وذكرت أنّه كان أحبّ ولدك إليك، وكذلك الله‌ عزّ وجلّ إنّما يأخذ من الوالد وغيره أزكى ما عند أهله، ليعظّم به أجر المصاب بالمصيبة، فأعظم الله‌ أجرك وأحسن عزاك وربط على قلبك، إنّه قدير، وعجّل الله‌ عليك بالخلف، وأرجوَ أن يكون الله‌ قد فعل إن شاء الله‌ تعالى.[3]

المصادر: الكافي 3: 205، كتاب الجنائز، باب التعزية وما يجب على صاحب المصيبة، ح10، وسائل الشيعة 3: 218، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب49 ح2، جامع أحاديث الشيعة 3: 609، كتاب الطهارة، أبواب التعزية والتسلية والبكاء...، ب3 باب كيفية التعزية واستحباب الدّعاء لأهل المصيبة، ح9.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

والظاهر انّ «مهزيار» مكان «ابن مهران» كما سيجيء في آخر الكتاب هذا المضمون، وفيه عليّ بن مهزيار، لكن سيأتي رواية سهل عن عليّ بن مهران في باب غسل الأطفال.

قوله عليه‌السلام: «ذكرت» يدلّ على أنّه شكى فيما كتب إليه عليه‌السلام فقد ابنه.

قوله عليه‌السلام: «أزكى» أي أطهر وأحسن ما عند أهله، أي أهل هذا المأخوذ.

قوله عليه‌السلام: «وأحسن عزاك» مقصورا وممدودا، أي صبّرك. في القاموس: العزي الصبر أو حُسنُهُ، كالتعزوة، عَزِيَ كرضيَ عزاءً فهو عزٍ، وعزّاه تعزيةً.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 120.

2. في هامش الوسائل: (في نسخة: مهزيار «هامش المخطوط»).

3. في الوسائل: ليس فيه: «تعالى».


(280)

قوله عليه‌السلام: «وربط على قلبك» أي ألقى الله‌ على قلبك صبرا. قال في القاموس: ربط جأشه، رباطة اشتدّ قلبه، والله‌ على قلبه، ألهمه الصبر وقوّاه، انتهى.

أقول: منه قوله تعالى: «وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ».[1]

قوله عليه‌السلام: «وأرجو أن يكون الله‌ قد فعل» بشارة له بأنّه عليه‌السلام قد دعا له بالخلف واستجيب دعاؤه.[2]

الحديث 182: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال: قلت له: المؤمن يعلم بمن يزور قبره؟ قال: نعم ولا يزال مستأنسا به مادام عند قبره، فإذا قام وانصرف من قبره، دخله من إنصرافه عن قبره وحشة.

المصادر: الكافي 3: 228، باب زيارة القبور، ح4، وسائل الشيعة 3: 222، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب54 ح4، وفيه: «لا يزال» بدل «ولا يزال»، و«ما زال» بدل «مادام»، جامع أحاديث الشيعة 3: 713، كتاب الطهارة، أبواب زيارة القبور، ب1 باب استحباب زيارة القبور وكيفية التّسليم على أهلها و...، ح14، ورواه ابن قولويه بسند آخر، عن سهل بن زياد في كامل الزيارات: 531، ب105 باب فضل زيارة المؤمنين وكيف يزارون، ح8 وفيه: «ما زال» بدل «ما دام».

الحديث 183: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله إمرأة حين مات عثمان بن مظعون، وهي تقول: هنيئا لك يا أبا السائب الجنّة، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: وما علمك حسبك أن تقولي: كان يحبّ الله‌ عزّ وجلّ، ورسوله، فلمّا مات إبراهيم بن رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله هملت[3] عين رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله بالدّموع، ثمّ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: تدمع العين، ويحزن القلب،


--------------------------------------------------

1. الكهف 18: 14.

2. مرآة العقول 14: 127.

3. وعينه تَهمِلُ وتَهمُلُ هَملاً وهَمَلاً وهُمولاً: فاضت. القاموس المحيط 3: 642، انظر مادة «الهمل».


(281)

ولا تقول ما يسخط الرّبّ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون، ثمّ رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله في قبره خللاً فسوّاه بيده، ثمّ قال: إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن ثمّ قال: ألحق بسلفك الصّالح عثمان بن مظعون.

المصادر: الكافي 3: 262، كتاب الجنائز، باب النوادر، ح45، وأورد ذيل الحديث في وسائل الشيعة 3: 229، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب60 ح1، وأورد صدره في ص280، ب87 ح3 من هذه الأبواب، جامع أحاديث الشيعة 3: 543، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب28 باب استحباب إتقان بناء القبر، ح1.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

ويدلّ على مرجوحيّة التحتم والحكم بالجزم، بكون الميّت من أهل الجنّة، وإن كان في أقصى درجة الصلاح والزهد، فإنّ عثمان كان من زهّاد الصّحابة وأكابرها، وكان رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يحبّه شديدا. قال ابن الأثير في جامع الأصول: أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر الهجرتين، وشَهِدَ بدرا، وكان حرّم الخمر في الجاهليّة، وهو أوّل المهاجرين موتاً، بالمدينة في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة، وقيل: بعد اثنين وعشرين شهرا، وقبّل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله وجهه بعد موته، ولمّا دفن بالبقيع قال: نعم السّلف لنا كان عابدا من فضلاء الصّحابة، وإبراهيم كان ابن رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله من مارية القبطيّة، وولد عليه‌السلام بالمدينة في ذي الحجّة سنة ثمان، ومات في ذي الحجّة سنة عشر. وقيل: في ربيع الأوّل سنة عشر.

ويدلّ على عدم منافاة البكاء للصّبر، بل كونه مطلوبا إن لم يقل شيئا يوجب سخط الرّبّ تعالى، ويحتمل كون بكائه صلى‌الله‌عليه‌و‌آله للشفقة على الأُمّة، ويدلّ على استحباب تسوية القبر وسدّ خلاله.[1]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 267.


(282)

الحديث 184: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن ابن مهران[1] قال: كتب رجل إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام يشكوا إليه مصابه بولده وشدّة ما دخله، فكتب إليه: أما علمت أنّ الله‌ عزّ وجلّ يختار من مال المؤمن ومن ولده أنفسه، ليأجره على ذلك.

المصادر: الكافي 3: 218، كتاب الجنائز، باب المصيبة بالولد، ح3، وسائل الشيعة 3: 243، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب72 ح2، ما بين تقديم وتأخير في السند، جامع أحاديث الشيعة 3: 686، كتاب الطهارة، أبواب التعزية والتسلية والبكاء...، ب11 باب ما ورد من الثواب لمن مات ولده و...، ح54.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

الحديث صحيح. إذ الظاهر أنّه إسماعيل بن مهران، وقد مضى بتغيير برواية سهل فقط في باب التعزية.[2]

الحديث 185: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار قال: كتب إلى أبي جعفر عليه‌السلام رجل يشكو إليه مصابه بولد له وشدّة ما يدخله فقال: وكتب عليه‌السلام إليه: أما علمت أنّ الله‌ عزّ وجلّ يختار من مال المؤمن ومن ولده أنفسه ليأجره على ذلك.

المصادر: الكافي 3: 263، كتاب الجنائز، باب النوادر، ح46، وسائل الشيعة 3: 243، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب72، ذيل ح2، جامع أحاديث الشيعة 3: 687، كتاب الطهارة، أبواب التعزية والتسلية والبكاء...، ب11 باب ما ورد عن الثواب لمن مات ولده...، ذيل ح54.


--------------------------------------------------

1. في هامش الوسائل: (في نسخة: مهزيار «هامش المخطوط»).

2. مرآة العقول 14: 170.


(283)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

أبو جعفر هو الجواد عليه‌السلام، ويدلّ على أنّ المؤمن إنّما يذهب من ولده وماله ما هو أحبُّ إليه، وأرضى لديه ليكون أسبغ لأجره.[1]

الحديث 186: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط رفعه قال: كان أبو عبدالله‌ عليه‌السلام يقول عند المصيبة: الحمد للّه‌ الذي لم يجعل مصيبتي في ديني، والحمد للّه‌ الذي لو شاء أن يجعل[2] مصيبتي أعظم ممّا كانت، والحمد للّه‌ على الأمر الذي شاء أن يكون فكان.

المصادر: الكافي 3: 262، كتاب الجنائز، باب النوادر، ح42، وسائل الشيعة 3: 247، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب73 ح5، جامع أحاديث الشيعة 3: 696، كتاب الطهارة، أبواب التعزية والتسلية والبكاء...، ب14 باب ما يستحبّ أن يقال عند المصيبة وعند موت الأحبّة، ح2، وفيه: «لجعل» بدل «أن يجعل».

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

ويدلّ على استحباب قراءة هذا التحميد عند المصيبة.[3]

الحديث 187: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، والحسن بن عليّ جميعا، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: قلت له: ما الجزع؟ قال: أشدّ الجزع الصّراخ بالويل والعويل، ولطم الوجه والصّدر، وجزّ الشّعر من النّواصي، ومن أقام النّواحة فقد ترك الصبر، وأخذ في غير طريقه، ومن صبر واسترجع وحمد الله‌ عزّ وجلّ فقد رضي بما صنع الله‌ ووقع أجره على الله‌، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم، وأحبط الله‌ تعالى أجره.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 268.

2. في هامش الوسائل: (في نسخة: تكون «هامش المخطوط»).

3. مرآة العقول 14: 266.


(284)

المصادر: الكافي 3: 222، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والاسترجاع، ح1، وأورد ذيله في وسائل الشيعة 3: 248، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب73 ح7، ويأتي صدره في ص271، ب83 ح1 من هذه الأبواب، جامع أحاديث الشيعة 3: 644، كتاب الطهارة، أبواب التعزية والتسلية والبكاء...، ب8 باب حكم الصياح والصّراخ بالويل و...، ح3.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «الصّراخ» قال الفيروزآبادي: الصرخة، الصيحة الشديدة وكغراب الصوت أو شديدة وقال في النهاية: الويل، الحزن والهلاك والمشقّة من العذاب وكلّ من وقع في هلكة دعا بالويل، ومعنى النداء منه يا ويلي ويا حزني ويا عذابي احضر فهذا وقتك وأوانك، وقال: العويل صوت الصدر بالبكاء، وفي القاموس: أعول رفع صوته بالبكاء والصياح كعوّل والاسم العَوْل والعَولة والعويل. وفيه اللّطم وضرب الخدّ وصفحة الجسد بالكفّ مفتوحة، قال الشهيد رحمه‌الله في الذكرى: تحرم اللّطم والخدش وجزّ الشعر إجماعا، قاله في المبسوط، ولما فيه من السخط بقضاء الله‌ ثمّ قال: واستثنى الأصحاب إلاّ ابن إدريس شقّ الثوب على موت الأب والأخ؛ لفعل العسكري على الهادي عليهماالسلام، وفعل الفاطميّات على الحسين (صلوات الله‌ عليه)، وفي نهاية الفاضل: يجوز شقّ النساء الثوب مطلقا، وفي الخبر إيماء إليه، وفي المبسوط روى جواز تخريق الثوب على الأب والأخ ولا يجوز على غيرهما، ويجوز النوح بالكلام الحسن وتعداد فضائله باعتماد الصدق، انتهى، وقال في المنتهى: البكاء على الميّت جائز غير مكروه إجماعا قبل خروج الروح وبعده إلاّ للشافعي فإنّه كرهه بعد الخروج، ثمّ قال فروع:

الأوّل: الندب، لا بأس به وهو عبارة عن تعديد محاسن الميّت وما يلقون بفقده بلفظ النداء ب «وا»، مثل: قولهم وا رجلاه، وا كريماه، وا انقطاع ظهراه، وا مصيبتاه، غير أنّه مكروه.

الثاني: النياحة بالباطل، محرّمة إجماعا أمّا بالحقّ فجائز إجماعا.


(285)

الثالث: يحرم ضرب الخدود ونتف الشعور وشقّ الثوب إلاّ في موت الأب والأخ، فقد سوّغ فيهما شقّ الثوب للرجل، وكذا يكره الدّعاء بالويل والثبور.

الرابع: ينبغي لصاحب المصيبة الصبر والاسترجاع، قال الله‌ تعالى: «وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»،[1] انتهى كلامه رفع الله‌ مقامه.

أقول: يدلّ هذا الخبر على أنّ هذه الأمور خلاف طريقة الصابرين وعلى كراهتها، ولا يدلّ على الحرمة، وما ورد من ذمّ إقامة النواحة إمّا محمول على ما إذا كانت مشتملة على هذه الأمور المرجوحة، أو يقال أنّه ينافي الصبر الكامل فلا ينافي ما يدلّ على الجواز.

قوله عليه‌السلام: «واسترجع» أي قال: إنّا للّه‌ وإنّا إليه راجعون، وقد مضى تفسيرها.

قوله عليه‌السلام: «ووقع أجره على الله‌» قال البيضاوي في قوله تعالى: «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله‌»[2] الوقوع والوجوب متقاربان، والمعنى ثبت أجره عند الله‌ ثبوت الأمر الواجب.

قوله عليه‌السلام: «وهو ذميم» أي مذموم، قال في القاموس: ذمّه ذمّاً ومذمّة فهو مذموم وذميم.[3]

الحديث 188: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال: ينبغي لمن عقل عن الله‌ أن لا يستبطئه في رزقه، ولا يتّهمه في قضائه.


--------------------------------------------------

1. البقرة 2: 155 ـ 157.

2. النساء 4: 100.

3. مرآة العقول 14: 181، وبحار الأنوار 79: 89.


(286)

المصادر: الكافي 2: 61، كتاب الإيمان والكفر، باب الرّضا بالقضاء، ح5، وسائل الشيعة 3: 251، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب75 ح5.

الشرح: قال المازندراني:

قوله عليه‌السلام: «ينبغي لمن عقل عن الله‌ أن لا يستبطئه في رزقه» المجرور في رزقه يعود إلى الله‌ أو إلى «من» أي من عرفه ينبغي أن لا ينسب إليه البطؤ والبخل في إيصال الرزق كاليهود قالوا: يد الله‌ مغلولة. «ولا يتّهمه في قضائه» بالظلم والجور أو بنفيه، أو لا يشكّ فيه بل يستيقن من اتّهمته في قوله بمعنى شككت في صدقه.[1]

قال الفيض الكاشاني:

بيان: «عقل عن الله‌» أي فهم سرّ الأمور عن الله‌ عزّ وجلّ بإلهام منه، يعني من كان على بصيرة في العلم لا يستبطئ الله‌، يعني لا ينسبه إلى الإبطاء في أمر رزقه إن تأخّر؛ لعلمه بأنّ الله‌ سبحانه رأى صلاح أمره في التأخير ولا يتّهمه في قضائه؛ لعلمه بأنّ الله‌ عزّ وجلّ أعلم منه بصلاح أمره وأنظر إليه، فلا يقضي إلى ما هو خير له، وإنّما سمّي اللّوح كنزا؛ لاشتماله على العلم والحكمة، وإنّما اختصّ به الكبير منهما؛ لكونه من جهة المال من الأُمور الّتي يختصّ بها الكبير عند أهل البيت عليهم‌السلام، كما أشار عليه‌السلام إليه بقوله كذلك نقول نحن.[2]

الحديث 189: حدّثنا أبي رضي الله‌ عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثني سهل بن زياد الآدمي قال: حدّثنا الحسن بن الحسين اللّؤلؤيّ، عن محمّد بن سنان، عن زيد أبي أُسامة الشّحام، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، وإذا أحبّ الله‌ عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله الرّضا عند الله‌ عزّ وجلّ، ومَن سخط البلاء فله السخط.


--------------------------------------------------

1. شرح أُصول الكافي 8: 192.

2. كتاب الوافي 25: 728.


(287)

المصادر: الخصال: 18 باب الواحد ح64، وسائل الشيعة 3: 252، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب75، ذيل ح10.

الشرح: قال المازندراني:

قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله «إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء» الكفٔ النظير، ومنه كافأه إذا ساواه، وكلّ شيء ساوى شيئا حتّى صار مثله فهو مكافى‌ء له، والمكافاة بين الناس من هذا، ومعناه أنّ عظيم البلاء يساويه عظيم الجزاء. «فإذا أحبّ الله‌ عبدا ابتلاه بعظيم البلاء»، أي إذا أراد الله‌ أن يوصل الخير إلى عبده وأن يرحمه ويرضى عنه ويدخله الجنّة ويرفع درجته فيها وهو نقي عن الذنوب ابتلاه ببلاء عظيم، إمّا بأمراض جسمانية، أو بمكاره روحانية. «فمن رضي فله عند الله‌ الرّضا ومن سخط البلاء فله عند الله‌ السخط» أي فمن رضي عن الله‌ بما قضى عليه من البلاء وصبر وشكر فله رضاه تعالى ورضوانه وإحسانه عند اللقاء في دار البقاء، ومن سخط البلاء وكره القضاء ولم يرض بحكم الله‌ فيه وإجراء البلاء عليه جرى عليه حكم الله‌ وسخط فيلقاه وهو محروم عمّا أعدّه الله‌ للصابرين، الشاكرين من أهل البلاء، وإنّما لم ينسب السخط إليه تعالى كما نسب إليه الرّضا؛ للتنبيه على أنّ السخط ليس من صفاته تعالى ومرادا له تعالى حقيقة، بل إنّما هو جزاء عمل العبد، وفيه تنبيه على أنّ الأجر للبلاء إنّما يكون لمن رضى وصبر، وتحريص للعبد على الصبر والرّضاء الموجبين للإكرام والاصطفاء.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

«يُكافيء به» على بناء المفعول أي يجازي أو يساوي، في القاموس: كافأه مكافأةً وكفاءً جازاه، وفلانا ماثله وراقبه، والحمد للّه‌ كفاء الواجب، أي ما يكون


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 197.


(288)

مكافئا له. «فإذا أحبّ الله‌ عبدا»، أي أراد أن يوصل الجزاء العظيم إليه ويرضى عنه ووجده أهلاً لذلك. «إبتلاه بعظيم البلاء»، من الأمراض الجسمانيّة والمكاره الروحانيّة. «فمن رضي»، أي ببلائه وقضائه، والظاهر أن المراد بالوصول في الموضعين أعمّ من العبد المحبوب المتقدّم؛ فإنّ العبد المحبوب للّه‌ سبحانه لا يسخط قضائه، ويحتمل أن يكون المراد بالمحّبة تعريضه للمثوبة سواء رضي أم لا «فمن رضي فله عند الله‌ الرّضا»، أي يرضى الله‌ عنه، «ومن سخط القضاء فله عند الله‌ السخط» أي الغضب.[1]

الحديث 190: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: الصبر رأس الإيمان.

المصادر: الكافي 2: 87، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر، ح1، وسائل الشيعة 3: 257، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب76 ح9.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «الصبر رأس الإيمان» في الخبر الآتي: الصبر من الإيمان منزلة الرأس من الجسد. وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس؛ للإيضاح والوجه ما أشار إليه بقوله: فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان. وذلك لما ذكرنا سابقا من أن الإنسان ما دام في هذه النشأة كان موردا للمصائب والآفات ومحلاً للنوائب والعاهات، ومتوجهاً إليه الأذى من بني نوعه في المعاملات ومكلّفاً بفعل الطاعات وترك المنهيات والمشتهيات، وكلّ ذلك ثقيل على النّفس بشع في مذاقها، وهي تتنفر منه نفارا وتتباعد منه فرارا، فلابدّ من أن يكون فيه قوّة ثابتة وملكة راسخة بها يقتدر على حبس النفس على هذه الأمور


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 9: 328.


(289)

الشاقّة، والوقوف معها بحسن الأدب وعدم الاعتراض على المقدّر بإظهار الشكوى، وعدم مؤاخذة من أذاه والانتقام منه، وتلك القوّة أو ما يترتّب عليها أعني حبس النفس على تلك الأمور ومقاومتها لهواها هي المسمّاة بالصبر، ومن البيّن أنّ الإيمان الكامل بل نفس التصديق أيضا يبقى ببقائه ويفنى بفنائه، فلذلك هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وفي طرق العامة: الصبر نصف الإيمان. قال ابن الأثير: أراد بالصبر الورع؛ لأنّ العبادة قسمان: نسك، وورع، فالنّسك ما أمرت به الشريعة والورع ما نهت عنه وإنّما ينتهي بالصبر فكان الصبر نصف الإيمان.

أقول: الإيمان الكامل نصفه متعلّق بالباطن، ونصفه متعلّق بالظاهر وقوام الظاهر بالصبر، فالصبر نصف الإيمان.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

وقال المحقّق الطوسي قدس‌سره: الصّبر حبس النفس عن الجزع عند المكروه، وهو بمنع الباطن عن الاضطراب، واللسان عن الشكاية، والأعضاء عن الحركات غير المعتادة، انتهى.

وقد مرّ وسيأتي أنّ الصبر يكون على البلاء وعلى فعل الطاعة وعلى ترك المعصية، وعلى سوء أخلاق الخلق، قال الراغب: الصبر الإمساك في ضيق، يقال:

صبرت الدابة حبستها بلا علف، وصبرت فلانا حلفته حلفة لا خروج له منها، والصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عمّا يقتضيان حبسها عنه، فالصبر لفظ عامّ وربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمّي صبرا لا غير، ويضادّه الجزع، وإن كان في محاربة


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 8: 277.


(290)

سمّي شجاعة ويضادّه الجبن، وإن كان في نائبةٍ مضجرة سمّي رحب الصّدر ويضادّه الضجر، وإن كان في إمساك الكلام سمّي كتمانا ويضادّه الإذاعة، وقد سمّى الله‌ تعالى كلّ ذلك صبرا ونبّه عليه بقوله: «وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ»[1] «وَالصّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ»[2] «وَالصّابِرِينَ وَالصّابِراتِ»[3] وسمّي الصّوم صبرا؛ لكونه كالنوع له.

وقوله: «اصْبِرُوا وَصابِرُوا»[4] أي احبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواءكم، وقوله عزّوجلّ: «وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ»[5] أي تحمّل الصبربجهدك، وقوله:

«أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا»[6] أي بما تحمّلوه من الصبر في الوصول إلى مرضات الله‌.

قوله: «رأس الإيمان»، هو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، ووجه الشبه ما سيأتي في الخبر الآتي، ووجهه أنّ الإنسان مادام في تلك النشأة هو مورد للمصائب والآفات ومحلّ للحوادث والنوائب والعاهات، ومبتلى بتحمّل الأذى من بني نوعه في المعاملات ومكلّف بفعل الطّاعات وترك المنهيّات والمشتهيات، وكلّ ذلك ثقيل على النفس لا تشتهيها بطبعها، فلابدّ من أن تكون فيه قوّة ثابتة وملكة راسخة بها يقتدر على حبس النّفس على هذه الأمور الشاقّة، ورعاية ما يوافق الشّرع والعقل فيها، وترك الجزع والانتقام وسائر ما ينافي الآداب المستحسنة المرضيّة عقلاً وشرعا، وهي المسـمّاة بالصبر، ومن البيّن أنّ


--------------------------------------------------

1. البقرة 2: 177.

2. الحجّ 22: 35.

3. الأحزاب 33: 35.

4. آل عمران 3: 200.

5. مريم 19: 65.

6. الفرقان 25: 75.


(291)

الإيمان الكامل بل نفس التصديق أيضا يبقى ببقائه، ويفنى بفنائه، فلذلك هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.[1]

الحديث 191: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن إبن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: إنّ للّه‌ عزّ وجلّ عبادا في الأرض من خالص عباده ما ينزل من السّماء تحفة إلى الأرض إلاّ صرفها عنهم إلى غيرهم، ولا بليّة إلاّ صرفها إليهم.

المصادر: الكافي 2: 253، كتاب الإيمان والكفر، باب شدّة ابتلاء المؤمن، ح5، وسائل الشيعة 3: 264، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، ب77 ح14.

الشرح: قال المازندراني:

قوله «ما ينزل من السّماء تحفة إلى الأرض إلاّ صرفها عنهم... ولا بليّة إلاّ صرفها إليهم» المراد بالتّحفة التّحفة الدنيويّة الّتي يتمّ بها عيش الدنيا وزينتها، وهي الّتي يفرّ منها الأولياء والصّلحاء فرار الجبان من الأسد، وبالبليّة، البليّة الدنيويّة، وهي الّتي يستقبلها الصّلحاء، والعرفاء الفُحول ويتلقّونها بالرحب والقبول علما بأنّها أبواب لفضله، وأسباب لعفوه، وذرائع إلى جنانه، ووسائل إلى رضوانه.[2]

قال العلاّمة المجلسي:

«ما ينزل من السّماء» أي يقدّر فيها، «تحفة» أي من التّحف الدنيويّة وكذا البليّة.[3]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 8: 120، وبحار الأنوار 68: 67.

2. شرح أُصول الكافي 9: 169.

3. مرآة العقول 9: 327.


(292)

الحديث 192: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن سليمان بن عمرو النخعيّ، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: من أُصيب بمصيبةٍ فليذكر مُصابه بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله فإنّه من أعظم المصائب.

المصادر: الكافي 3: 220، كتاب الجنائز، باب التّعزّي، ح1، وسائل الشيعة 3: 267، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب79 ح2، جامع أحاديث الشيعة 3: 693، كتاب الطهارة، أبواب التّعزية والتسلية والبكاء... ب13 باب إنّه يستحب لمن أُصيب بمصيبة أن يذكر مصابه بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، ح1.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «فليذكر مصابه» المصاب هنا مصدر، قال الجوهريّ: اصابته مصيبة، فهو مصاب، والمصاب الإصابة، انتهى.[1]

الحديث 193: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد،[2] عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: يا إسحاق، لا تَعدَّنَّ مصيبةً أُعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها من الله‌ عزّ وجلّ الثواب، إنّما المصيبة الّتي يُحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر عند نزولها.

المصادر: الكافي 3: 224، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والإسترجاع، ح7، وسائل الشيعة 3: 269، كتاب الطّهارة، أبواب الدّفن، ب80 ح2.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

الحديث موثّق، ويدلّ على أنّ ترك الصبر موجب لحرمان الثّواب.[3]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 174.

2. في الوسائل زيادة: «جميعاً».

3. مرآة العقول 14: 184.


(293)

الحديث 194: عدّة من أصحابنا، عن سهل، عن الحسن بن عليّ، عن فضيل بن ميسر قال: كنّا عند أبي عبدالله‌ عليه‌السلام فجاء رجلٌ فشكى إليه مصيبة أُصيب بها، فقال له أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: أما إنّك إن تصبر تؤجر، وإلاّ تصبر يمضى عليك قدر الله‌ الذي قدّر عليك وأنت مأزور.

المصادر: الكافي 3: 225، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والإسترجاع، ح10، وسائل الشيعة 3: 269، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن ،ب 80 ح 3 وفي السند: «فضل بن ميسر» بدل «فضيل بن ميسر»، والمتن: «يمض» بدل «يمضى»، جامع أحاديث الشيعة 3: 659، كتاب الطهارة، أبواب التعزية والتسلية والبكاء...، ب10، باب تأكّد استحباب الصبر عند المصيبة وذكر قوله تعالى...، ح5، وفيه: «فجاءه» بدل «فجاء».

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «وأنت مأزور» كذا في النسخ، والقياس موزور بالواو لا بالهمزة.

قال في النهاية: الوزر الحمل والثقل، وأكثر ما يطلق في الحديث على الذنب والإثم، ومنه الحديث «ارجعن مأجورات»، غير مأزورات أي غير آثمات، وقياسه موزورات، يقال: وزر فهو موزور، وإنّما قال مأزورات للإزدواج بمأجورات.[1]

الحديث 195: عدّة من أصحابنا، عن سهل، عن عليّ بن حسّان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام، قال: قال: ضَرْب الرّجل يده على فخذه عند المصيبة إحباط لأجره.

المصادر: الكافي 3: 225، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والاسترجاع، ح9، وسائل الشيعة 3: 271، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب 81 ح 3، جامع أحاديث الشيعة 3: 657، كتاب الطهارة، أبواب التعزية والتسلية والبكاء...، ب9 باب كراهة ضرب المُصاب يده على فخذه، ح2.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 185.


(294)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

يدلّ على كراهة ضرب اليد على الفخذ عند المصيبة، وإنّه موجب لإحباط أجر المصيبة، ويدلّ على ثبوت الإحباط في الجملة.[1]

الحديث 196: محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، والحسن بن عليّ جميعا، عن أبي جميله، عن جابر، عن أبي جعفر عليه‌السلام، قال: قلت له: ما الجزع؟ قال: أشدّ الجزع الصّراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصبر، وجزّ الشعر من النّواصي، ومَن أقام النواحة فقد ترك الصبر، وأخذ في غير طريقه، الحديث.

المصادر: وسائل الشيعة 3: 271، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب84 ح1، صدر الحديث، وأورد ذيله في ص248، ب73 ح7.

قد مرّ الحديث في الصفحة 283، رقم الحديث 187، فراجع هناك.

الحديث 197: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن عليّ، عن عليّ بن عقبة، عن امرأة الحسن الصيقل، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: لا ينبغي الصيّاح على الميّت، ولا شقّ الثياب.

المصادر: الكافي 3: 225، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والاسترجاع، ح8، وسائل الشيعة 3: 273، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن ب84 ح2، وفيه: بدل ولا شقّ «ولا تشقّ»، جامع أحاديث الشيعة 3: 643، كتاب الطهارة، أبواب التعزية والتسلية والبكاء...، ب8 باب حكم الصياح والصراخ بالويل و...، ح2.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

ويدلّ على كراهة الصّياح على الميّت، وشقّ الثوب مطلقا.[2]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 183.

2. مرآة العقول 14: 184.


(295)

الحديث 198: وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام ـ في حديث ـ قال: لمّا مات إبراهيم بن رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله هملت عين رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله بالدّموع، ثمّ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرّب، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون.

المصادر: وسائل الشيعة 3: 280، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب87 ح3، وقد أورد مثله في ص229، ب60 ح1 من هذه الأبواب.

قد مرّ الحديث في الصفحة 280، رقم الحديث 183، فراجع هناك.

الحديث 199: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب قال: سمعت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام يقول: إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض الّتي كان يعبدالله‌ عليها، وأبواب السّماء الّتي كان يصعد أعماله فيها، وثُلِمَ ثَلمَةً في الإسلام لا يسدّها شيء، لأنّ المؤمنين حصون الإسلام كحصون سور المدينة لها.

المصادر: الكافي 3: 254، كتاب الجنائز، باب النوادر، ح13، وسائل الشيعة 3: 283، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب 88 ح1، وأورد صدره في ج5: 187، كتاب الصّلاة، أبواب مكان المصلّي، ب42 ح3، جامع أحاديث الشيعة 3: 638، كتاب الطهارة، أبواب التّعزية والتّسلية والبكاء...، ب6 باب جواز البكاء على الميّت ما لم يقل ما يسخط الرّبّ و...، ح42 وأورد مثله في ج4: 487، كتاب الصّلاة، أبواب مكان المصّلي، ب22 باب استحباب تفريق الصّلاة في الأماكن، ح3، وفيه: «وثُلِمَ في الإسلام ثَلمَةً» بدل «وثُلِمَ ثَلمَةً».

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: «الثلمة» الخلل في الحائط ونحوه، شبّه الإسلام بمدينة والعلماء بمنزلة الحصن لها. سبب بكاء الملائكة والأرض والسّماء على المؤمن أنّ المقصد الأقصى من خلق العالم إنّما هو الإيمان الحقيقي المنبعث عن العلم والعبادة،


(296)

ووجود المؤمن العالِم فيه، فإذا فقد المؤمن العالِم عن العالَم أو نقص من أفراده ساء حال العالَم (بالفتح) لا محالة وحال أجزائه، سيّما ما يتعلّق منه بالمؤمن نفسه من الملائكة الّتي كانت مسرورة بحفظه وخدماته، والبقاع الّتي كانت معمورة بحركاته وسكناته، وأبواب السّماء الّتي كانت مفتوحة لصعود أعماله وحسناته.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

الحديث حسنٌ، كالصحيح، والمراد ببكاء البقاع والأبواب بكاء أهلها، أو البكاء التقديري كما مرّ، أو هو كناية عن تعطّلها، وذهاب آثاره عنها، وظهور آثار موته عليها، وكثيرا ما يعبّر عن شدّة المصيبة بذاك، فيقال: بكت عليه السّماء والأرض، وقال تعالى في تهوين فقد الكفّار: «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَ الْأَرْضُ»[2] والثلمة، كبرمة الخلل الواقع في الحائط وغيره، والجمع، ثلم كبرم، ولعلّ المراد بالحصن: أجزاؤه وبروجه.[3]

الحديث 200: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عليّ، عن إسماعيل بن يسار، عن عمرو بن يزيد، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: إذا حضر الميّت أربعون رجلاً فقالوا: اللّهمّ إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا. قال الله‌ عزّ وجلّ: قد قبلت شهادتكم وغفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون.

المصادر: الكافي 3: 254، كتاب الجنائز، باب النو ادر، ح14، وسائل الشيعة 3: 285، كتاب الطهارة، أبواب الدّفن، ب90، ذيل ح1، جامع أحاديث الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب الصّلاة على الميّت، ب6 باب استحباب إيذان الناس بموت المسلم، ح9.


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 1: 148.

2. الدخان 44: 29.

3. مرآة العقول 14: 248.


(297)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «فقالوا» أي في الصّلاة، أو الأعمّ، وهو أظهر، ويدلّ على الإستحباب ذكر الميّت بخير، وإن علم منه الشرّ إذا كان مؤمنا.[1]

أبواب غسل المسّ

الحديث 201: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبدالله‌ بن سنان، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: يغسّل[2] الذي غسّل الميّت، وإن قبَّل إنسان الميّت[3] وهو حارٌّ فليس عليه غسل، ولكن إذا مسّه وقبَّله وقد برد فعليه الغسل، ولا بأس أن يمسّه بعد الغسل ويقبّله.

المصادر: الكافي 3: 160، كتاب الجنائز، باب غسل من غسّل الميّت و...، ح3، تهذيب الأحكام 1: 108، كتاب الطهارة، ب5 باب الأغسال المفترضات والمسنونات، ح16، الإستبصار 1: 99، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المفروضات والمسنونات، ب60 باب وجوب غسل الميّت وغسل من مسّ ميّتا، ح2، وسائل الشيعة 3: 293، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، ب 1 ح15، جامع أحاديث الشيعة 3: 30، كتاب الطهارة، أبواب غسل مسّ الميّت، ب1 باب وجوب الغسل على مَن مسّ ميّت الآدمي، ح20.

الشرح: قال حفيد الشهيد الثاني:

وأمّا الثاني: فمدلوله ظاهر، وما تضمّنه من أنّه لا بأس أن يمسّه ويقبّله بعد الغسل فلا ينافي استحباب الغسل كما هو واضح.[4]

قال العلاّمة المجلسي:

ونقل العلاّمة في المنتهى: الإجماع على أنّ غسل المسّ إنّما يجب بعد البرد وقبل الغسل، وقال السيّد: باستحباب الغسل مطلقا.[5]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 14: 249.

2. في التهذيبين والوسائل والجامع: «يغتسل » بدل «يغسّل».

3. في التهذيبين والوسائل: «وان قبّل الميّت إنسان بعد موته» بدل «وإنّ قبّل إنسان الميّت».

4. استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار 2: 116.

5. مرآة العقول 13: 342.


(298)

الحديث 202: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أيّوب بن نوح رفعه، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: إذا قُطع من الرّجل قطعة فهو ميتة، وإذا مسّه الرّجل، فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل، وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه.

المصادر: الكافي 3: 212، كتاب الجنائز، باب أكيل السبع والطير، والقتيل يوجد بعض جسده والحريق، ح4، وسائل الشيعة 3: 294، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، ب2، ذيل ح1، جامع أحاديث الشيعة 3: 33، كتاب الطهارة، أبواب غسل مسّ الميّت، ب2 باب وجوب الغسل على من مسّ قطعة...، ذيل ح1.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «فقد وجب على من مسّه الغسل».

أقول: هذا الخبر يستفاد منه أمور:

الأوّل: وجوب غسل المسّ وهو المشهور، وقال المرتضى: باستحبابه.

الثاني: وجوب الغسل لمسّ العضو الذي فيه عظم، ولا خلاف في وجوبه في الجملة بين القائلين بوجوب غسل المسّ.

الثالث: ظاهر الخبر شمول الحكم للقطعة المذكورة إذا أبينت من حيّ، بل الظاهر أنّ السؤال عن خصوص ذلك، وهذا التعميم هو المشهور بين الأصحاب، اختاره الشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية، ونقل عليه في الخلاف الإجماع، وذهب إليه جماعة من المتأخّرين، منهم المحقّق في النافع والشهيد في الذكرى، وغيرهما، واستدلّ عليه في المعتبر بهذا الخبر ثمّ قال: والذي أراه التوقّف في ذلك فإنّ الرواية مقطوعة والعمل بها قليل، ودعوى الشيخ في الخلاف الإجماع لم يثبت، فإذاً الأصل عدم الوجوب وإن قلنا بالاستحباب كان تفصّيا من إطراح قول الشيخ والرواية، انتهى.


(299)

ولا يخفى أنّ كلامه متين لكن لكون ضعف الخبر منجبرا بالشهرة، الأولى العمل بالمشهور.

الرابع: ظاهر سياق الخبر عدم وجوب الغسل بمسّ العظم المجرّد، كما هو المشهور؛ إذ الظاهر من قوله ما كان فيه عظم: كونه مشتملاً على غير العظم، واختاره الشهيد في الذكرى الوجوب، نعم لو مسَّ من العضو المشتمل على العظم عظمه هل يدخل في عموم الخبر أم لا؟ فيه إشكال، والأظهر فيه أيضا عدم الوجوب، والاحتياط ظاهر.

فإن قيل: يصدق على العضو المركّب من العظمين أنّ فيه عظما بل العظم الواحد أيضا، لأن جزء العظم عظم، قلنا لم يتبيّن دلالة الألفاظ بحسب اللّغة والعرف على هذه التدقيقات، بل مبنى الدلالات المعتبرة في الشرع على متفاهم العرف والاستعمالات الشائعة الغالبة الّتي يفهمها كلّ من عرف اللّسان.

الخامس: يدلّ بعمومه على أحد الاحتمالين على عدم وجوب الغسل بمسّ القطعة غير ذات العظم وإن أبينت من ميّت وهو ظاهر كلام القوم، وظاهر الأخبار الواردة في غسل المسّ وجوبه بمسّ الجزء المتّصل بالكلّ، ودعوى عدم الفرق بين الاتصال والانفصال غير مسموع، قال في التذكرة: ويجب الغسل بمسّ قطعة فيها عظم أبينت من آدميّ حيّ أو ميّت خلافا للجمهور، ثمّ قال بعد الاحتجاج بهذه الرواية ولو كانت القطعة خالية من عظم أو كانت من غير الناس وجب غسل اليد خاصّة ولا يجب الغُسل، والأقرب عدم وجوب الغسل بمسّ نفس العظم.

السادس: قوله عليه‌السلام: «فهي ميتة» يدلّ على أنّ القطعة المبانة من الحيّ أو مطلقا في حكم الميتة قال: المحقّق الشيخ حسن في كتاب المعالم: حكم أبعاض الميتة في النجاسة حكم جملتها عند الأصحاب لا يعرف فيه خلاف، وكذا ما أبين من أجزاء الحيّ الّتي فيها الحياة كالأليات، وكأنّ الحجّة في هذا أيضا الإجماع، فإنّهم لم يحتجّوا له بحديث بل ذكره جماعة منهم مجرّدا عن الحجّة، واقتصر آخرون


(300)

على توجيهه بمساواة الجزء للكلّ، أو بوجود معنى الموت فيه وكلاهما منظور فيه، وقد روى الكليني في كتابه عن الحسين بن محمّد بن معلّى بن محمّد بن الحسن بن عليّ قال: سألت أبا الحسن عليه‌السلام قلت: جعلت فداك، إنّ أهل الجبل يثقل عندهم إليات الغنم فيقطعونها؟

فقال: حرام هي، قلت: جعلت فداك، فنصطبح بها؟ فقال: أما تعلم أنّه يصيب اليد والثوب وهو حرام؟ وفي هذه الرواية إشعار بالنجاسة لكن في طريقها ضعف، وروي بطريق ضعيف أيضا عن الكاهلي قال: سأل رجل أبا عبدالله‌ عليه‌السلام وأنا عنده عن قطع إليات الغنم فقال: لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك، ثمّ قال: إنّ في كتاب عليّ عليه‌السلام أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به، وبطريق آخر مثله عن أبي بصير، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام، أنّه قال: في إليات الضأن تقطع وهي أحياء إنّها ميتة، وهذان الخبران لو تمّ سنداهما لاحتاجا في الدلالة على النجاسة إلى وجود دليل عامّ في نجاسة الميتة، ليكون إثبات كون المنقطع ميتة مقتضياً لدخوله في عموم الدليل على نجاسة الميتة، وقد علم أنّ العمدة في التعميم الإجماع المدّعى بين الأصحاب، وحينئذٍ فالتمسّك به موقوف على كونه متناولاً لهذا المنقطع ومعه لا حاجة إلى توسّط الاحتجاج بما دلّ على أنّه ميتة، وعلى كلّ حال فالحكم هنا ليس موضع خلاف.

السابع: هل يشمل «القطعة» الأجزاء الصغار المنفصلة عن بدن الإنسان مثل البثور والثّالول وغيرهما؟ الظاهر العدم؛ لعدم صدق القطعة عليهما عرفاً، قال المحقّق المذكور في المعالم، قال العلاّمة في المنتهى: الأقرب طهارة ما ينفصل من بدن الإنسان من الأجزاء الصغيرة مثل البثور والثّالول وغيرهما؛ لعدم إمكان التحرّز عنها فكان عفوا دفعا للمشقّة، ويظهر من تمسّكه بعدم إمكان التحرّز أنّه يرى تناول دليل نجاسة المبان من الحيّ لها وأنّ المقتضي لاستثنائها من الحكم