تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
سخن موسس فقید
سخن موسس فقید
مسند سهل بن زياد الآدمى (جلد اول)

(451)

جميعا، عن جعفر بن محمّد بن عبيدالله‌، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله‌ عزّ وجلّ فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السّماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض، وإنّ البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله‌ عزّ وجلّ فيه تقلّ بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين.

المصادر: الكافي 2: 610، كتاب فضل القرآن، باب البيوت الّتي يقرأ فيها القرآن، ح3، وسائل الشيعة 6: 199، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب16 ح2، جامع أحاديث الشيعة 15: 360، كتاب الذكر، أبواب الذِّكر والصلوات والاستغفار، ب1 باب ما ورد من الأمر بذكر الله‌ تعالى في كلّ حال و...، ذيل ح42.

الحديث 364: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: ما من شيء إلاّ وله حدٌّ ينتهي إليه إلاّ الذِّكر فليس له حدٌّ ينتهي إليه، فرض الله‌ عزّ وجلّ الفرائض فمن أدّاهنّ فهو حدُّهنّ؛ وشهر رمضان، فمن صامه فهو حدّه، والحجُّ فمن حجّ فهو حدّه إلاّ الذِّكر فإنّ الله‌ عزّ وجلّ لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدّا ينتهي إليه، ثمّ تلا هذه الآية: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرا كَثِيرا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً»[1] فقال: لم يجعل الله‌ عزّ وجلّ له حدّا ينتهي إليه، قال: وكان أبي عليه‌السلام كثير الذّكر لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله‌ وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله‌ ولقد كان يحدِّث القوم [و] ما يشغله ذلك عن ذكر الله‌ وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول: لا إله إلاّ الله‌. وكان يجمعنا فيأمرنا بالذّكر حتّى تطلع الشّمس ويأمر با لقراءة من كان يقرأ منّا ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذّكر والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله‌ عزّ وجلّ فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين ويضيء


--------------------------------------------------

1. الأحزاب 33: 41 و42.


(452)

لأهل السّماء كما يضيء الكوكب الدُّرِّي لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله‌ فيه تقلّ بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين، وقد قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم أرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخيرٌ لكم من الدّينار والدّرهم وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوَّكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟ فقالوا: بلى، فقال: ذكر الله‌ عزّ وجلّ كثيرا، ثمّ قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله فقال: مَن خير أهل المسجد؟ فقال: أكثرهم للّه‌ ذكرا. وقال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: مَن أعطي لسانا ذاكرا فقد أُعطي خير الدنيا والآخرة. وقال: في قوله تعالى: «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ»[1] قال: لا تستكثر ما عملت من خير لله‌.

المصادر: الكافي 2: 498، كتاب الدّعاء، باب ذكر الله‌ عزّ وجلّ كثيرا، ح1، وأورد قطعة منه في وسائل الشيعة 6: 199، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب16 ح3، وأورده بتمامه في ج7: 154، أبواب الذكر، ب5 ح2، وقطعة منه في ص160، ب8 ح1 من هذه الأبواب، جامع أحاديث الشيعة 15: 359، كتاب الذكر، أبواب الذّكر والصلوات والاستغفار، ب1 باب ما ورد من الأمر بذكر الله‌، ح42.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «ثمّ تلا هذه الآية: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرا كَثِيرا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً»[2]» قال القرطبي في تفسير هذه الآية: هذا السياق يدلّ على وجوب الذِّكر الكثير لأنّه لم يكتف به حتّى أكّده بالمصدر ولم يكتف بالمصدر حتّى وصفه بالكثير، وهذا السياق لا يكون في المندوب فظهر أنّ الذِّكر الكثير واجب ولم يقل أحد بوجوب اللّساني دائما، فرجع إلى ذكر القلب وذكر الله‌ تعالى دائما في القلب يرجع، إمّا إلى الإيمان بوجوده وصفات كماله وهو يجب


--------------------------------------------------

1. المدّثر 74: 6.

2. الأحزاب 33: 41 و 42.


(453)

إدامته في القلب ذكرا أو حكما في حال الغفلة لأنّه لا ينفكّ عنه إلاّ بنقيضه وهو الكفر، وإمّا أن يرجع إلى ذكر الله‌ تعالى عند الأخذ في الفعل فإنّه يجب أن لا يقدم أحد على فعل أو قول حتّى يعرف حكم الله‌ فيه ولا ينفكّ المكلّف عن فعل أو قول دائما فيجب ذكر الله‌ دائما.

قوله: «وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول لا إله إلاّ الله‌» اللّسان يلزق في قول هذه الكلمة الشريفة بالحنك أربع مرّات.

«وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر» فيه فضل الاجتماع للذكر والدّعاء والتلاوة وهذا متّفق عليه بين الخاصّة والعامّة ومن طرقهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله قال: لا يقعد قوم يذكرون الله‌ عزّ وجلّ إلاّ حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله‌ فيمن عنده. قال بعضهم: المراد بالسكينة الوقار والطمأنينة، وقال بعضهم: المراد بها الرحمة، ورد بذكر الرحمة قبلها.

«كما يضيء الكوكب الدُّرِّي» في النهاية: الكوكب الدّرّي الشديد الإنارة كأنّه نسب إلى الدّرّ تشبيها بصفائه. وقال الفرّاء: الكوكب الدُّرّي، هو العظيم المقدار، وقيل: هو أحد الكواكب الخمسة السيّارة.

«وخيركم من الدّينار والدرهم» وهو ظاهر، لأنّ نفعهما منقطع ونفع الذّكر دائم، والمراد خير لكم من إنفاقهما في سبيل الله‌.

«فقد أعطي خير الدنيا والآخرة» أمّا خير الآخرة فظاهر، وأمّا خير الدنيا فلأنّ من كان للّه‌ كان الله‌ له فهو مشغول بالذكر والله‌ سبحانه يهيّى‌ء له أسباب مهمّاته.

«وقال: في قوله تعالى: «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ»[1] قال: لا تستكثر ما عملت من خير للّه‌» كأنّه أشار إلى أنّ لا تمنن من منّه بكذا وأنّ تستكثر بدل منه وأنّ ما صدر


--------------------------------------------------

1. المدّثّر 74: 6.


(454)

من خير للّه‌، سواء كان عبادته أم الإحسان إلى عباده يجب أن لا تستكثر؛ لأنّ إكثاره يوجب إخراج النفس عن حدّ التقصير وعجبها وإحباط أجرها.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

«مامن شيء» أي ممّا كلّف الإنسان به «ينتهي» على صيغة المعلوم، والضمير المستتر راجع إلى الشيء و «إلاّ الذكر» في الأوّل استثناء متّصل من ضمير له، وفي الثاني استثناء منقطع من قوله الفرائض وشهر رمضان والحجّ، والمراد بالفرائض الصلوات الخمس «فهو حدّهنّ» الضمير راجع إلى مصدر أدّاهنّ وهو مبتدأ، وقائم مقام عائد الموصول بتقدير فتأديته إيّاهنّ، وكذا قوله: فهو حدّه، الضمير فيه راجع إلى مصدر صامه بتقدير فصومه إيّاه، وكذا في الثالث عائد إلى مصدر حجّ بتقدير فحجّه، والحدّ خبر في الجميع.

«اذكروا الله‌ ذكرا كثيرا» قال القرطبي في تفسير هذه الآية: هذا السّياق يدلّ على وجوب الذِّكر الكثير... فيجب ذكر الله‌ دائما.[2]

وقال الطبرسي قدس‌سره: روى ابن عبّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله قال: من عجز عن اللّيل أن يكابده وجبن عن العدوّ أن يُجاهده، وبخل بالمال أن ينفقه فليكثر ذكر الله‌ عزّ وجلّ. ثمّ اختلف في معنى الذِّكر الكثير فقيل: أن لا ينساه أبدا عن مجاهد، وقيل: أن يذكره سبحانه بصفاته العُلى وأسمائه الحسنى، وينزّهه عمّا لا يليق به، وقيل: هو أن يقول: سبحان الله‌ والحمد للّه‌ ولا إله إلاّ الله‌ والله‌ أكبر على كلّ حال، عن مقاتل، وقد ورد عن أئمّتنا عليهم‌السلام أنّهم قالوا: من قالها ثلاثين مرّة فقد ذكر الله‌ ذكرا كثيرا، وعن زرارة وحمران ابني أعين عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: من سبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليهاالسلام فقد ذكر الله‌ ذكرا كثيرا.


--------------------------------------------------

1. شرح أُصول الكافي 10: 244 ـ 246.

2. وقد مرّ ذكره في الصفحة 452.


(455)

وروى الواحدي بإسناده عن الضحّاك عن ابن عبّاس قال: جاء جبرئيل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله فقال: يا محمّد قل سبحان الله‌ والحمد للّه‌ ولا إله الاّ الله‌ والله‌ أكبر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله‌ عدد ما علم وزنة ما علم وملأما علم، فإنّه من قالها كتب الله‌ له بها ستّ خصال: كتب من الذاكرين الله‌ كثيرا، وكان أفضل من ذكره باللّيل والنّهار، وكنّ له غرسا في الجنّة، وتحاتت[1] عنه خطاياه كما تحات ورق الشجرة اليابسة، وينظر الله‌ إليه، ومَنْ نظر إليه لم يعذّبه.

«وسبّحوه بكرةً وأصيلاً» أي ونزّهوه سبحانه عن جميع ما لا يليق به، بالغداة والعشيّ، والأصيل العشّي، وقيل: يعنى به صلاة الصّبح وصلاة العصر عن قتادة، وقيل: صلاة الصبح وصلاة العشاء الآخرة.

وخصّهما بالذكر، لأنّ لهما مزيّة على غيرهمامن أنّ ملائكة اللّيل والنّهار يجتمعون فيهما، وقال الكلبي: أمّا بكرة فصلاة الفجر، وأمّا أصيلاً فصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، وسمّي الصّلاة تسبيحا لما فيها من التّسبيح والتنزيه. «ما يشغله ذلك من ذكر الله‌» أي الذِّكر القلبي، كأنْ يجد ذلك بنور الإمامة أو من شواهد أحواله، أو عند تكلّم الغير كان مشغولاً بالذكر، فإذا تمّ كلام السائل شرع في الجواب أو كان كلامه دائما مشتملاً على الذكر.

وقوله: «وكنت أرى» أي في غير بعض تلك الأحوال «لازقا بحنكه» لأنّ اللاّم أكثر حروف تلك الكلمة الطيّبة وفيها يلزق اللّسان بالحنك، وليس فيها شيء من الحروف الشفويّة، وهذا أحد وجوه نسبة هذا الذِّكر من بين سائر الأذكار إلى ذاته المقدّسة إذ يمكن المتكلّم بها على وجه لا يطّلع عليها غيره تعالى.


--------------------------------------------------

1. الحَتُّ والانحتاتُ والتَّحاتُّ والتّحتُحتُ: سقوط الورق عن الغصن وغيره. لسان العرب 2: 20، انظر مادة «حتت»


(456)

وفي القاموس: الحنك محرّكة باطن أعلى الفم من داخل، والأسفل من طرف مقدّم اللحيين. «وكان يجمعنا» يدلّ على استحباب الاجتماع للذكر والدّعاء، والتلاوة، والذِّكر هنا لا يشمل التلاوة، ويدلّ على أنّها أفضل من الذِّكر والدّعاء، وروى العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله أنّه قال: لا يقعد قوم يذكرون الله‌ إلاّ حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله‌ فيمَن عنده.

وقال بعضهم: المراد بالسكينة الوقار والطمأنينة، وقال بعضهم: المراد بها الرحمة، وردّ بذكر الرّحمة قبلها، وقال في النهاية فيه: كما ترون الكوكب الدُّرّيّ في أُفق السّماء أي الشديد الإنارة كأنّه نسب إلى الدّرّ تشبيها بصفائه، وقال الفرّاء: الكوكب الدُّرّيّ عند العرب هو العظيم المقدار، وقيل: هو أحد الكوكب الخمسة السيّارة، انتهى.

وقد قرى‌ء في الآية على وجوه كثيرة بالهمزة وبدونه، قال البيضاوي: كأنّها كوكب درّيّ مضيء متلألى‌ء كالزهرة في صفائه وزهرته منسوب إلى الدّرء وفعيل كمرّيق من الدّرء فإنّه يدفع الظلام بضوئه أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه إلاّ أنّه قلبت همزته ياءً، ويدلّ عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الأصل، وقراءة أبي عمرو والكسائي درّئ كشريّب، وقد قرى‌ء به مقلوبا، انتهى.

«وخير لكم من الدّينار والدّرهم» أي من إنفاقهما في سبيل الله‌ أو من جمعهما موافقا لعقول أهل الدنيا لعظمها عندهم أو تنبيها لهم على خطائهم، في ذلك حيث يختارونها على المطالب العالية الباقية الأخرويّة، وإن كان ذلك بيّنا عند كُلِّ عاقل، ومثل ذلك شائع في عرف الناس.

«أكثرهم للّه‌ ذكرا» تقديم الظرف للحصر «ومن أعطي لسانا ذاكرا» إمّا مع ذكر القلب أو الأعمّ ولاريب في أنّ الجمع بينهما أتمّ وأكمل ومع الاكتفاء بأحدهما فالقلب أفضل لأنّه الأصل، والقرب فيه أكمل وإن كان الخبر يوهم خلافه.


(457)

«خير الدنيا» لأنّ من شغله ذكر الله‌ عن حاجته كفى الله‌ مهمّاته وخير الآخرة ظاهر، وقال في قوله تعالى: «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ»[1] قال: الضميران في قال أوّلاً وثانيا إمّا راجعان إلى الرّسول أو إلى الإمام أو الأوّل راجع إلى الإمام والثاني إلى الرّسول، فعلى الأوّلين قال ثانياً تكرار وتأكيد للأوّل وعلى الأخير الظرف أعني في قوله متعلّق بقوله قال ثانيا.

«وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» قال البيضاوي: ولا تعط مستكثرا نهى عن الاستفزار وهو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهيا خاصّا به لقوله عليه الصلاة والسلام: المستفزز يثاب من هبته. والموجب له ما فيه من الحرص والضنّة أو «لاَ تَمْنُنْ» على الله‌ بعبادتك مستكثرا إيّاها، أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم، أو مستكثرا إيّاه، وقرى‌ء تستكثر بالسكون للوقف أو الإبدال من تمنن على أنّه من منّ بكذا أو تستكثر بمعنى تجده كثيرا، أو بالنّصب على إضمار أن، وقد قرى‌ء بها، وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها وإبطال عملها كما روي: احضر الوغى بالرّفع، انتهى.

وقيل: كأنّه إشارة إلى أنَّ لا تمنن مَن منّه بكذا، وتستكثر بدل منه وأنّ ما صدر من الخير للّه‌ سواء كان عبادته أو الإحسان إلى عباده يجب أن لا تستكثر لأنّ استكثاره يوجب إخراج النّفس عن حدّ التقصير وعجبها وإحباط أجرها.

وأقول: اتّفق القرّاء على الرفع إلاّ الحسن فإنّه قرأ بالجزم والأعمش فإنّه قرأ بالنصب، وقال الطبرسي رحمه‌الله: قال ابن جنّي الجزم في تستكثر يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون بدلاً من تمنن فكأنّه قال: لا تستكثر.

والآخر: أن يكون لا تستكثر فأسكن الرّاء لثقل الضمّة مع كثرة الحركات، وأمّا


--------------------------------------------------

1. المدّثّر 74: 6.


(458)

تستكثر بالنصب فبأن مضمرة، وذلك أن يكون بدلاً من قوله: «وَلا تَمْنُنْ»في المعنى، ألاترى أنّ معناه لا يكن منك منّ فاستكثار، فكأنّه قال: لا يكن منّك من أن تستكثر فتضمر أن لتكون مع الفعل المنصوب بها بدلاً عن المنّ في المعنى الذي دلّ عليه الفعل، انتهى.

وقيل: الخبر محمول على رواية الرّفع، وهو حال عن المستتر في لا تمنن، والمنُّ بمعنى النقص والإعياء، أو بمعنى القطع، والنهي متوجّه إلى القيد وهو الاستكثار ولذا قال عليه‌السلام في التفسير: لا تستكثر فالمنهيّ عنه النقص والقطع اللّذين يكونان من جهة الاستكثار لا من جهة أخرى، قال في القاموس: منّ عليه منّا أنعم، واصطنع عنده صنيعة ومنّة، والحبل قطعه والناقة حسرها، والسّير فلانا أضعفه وأعياه، والشيء نقص والمنّان من أسماء الله‌ تعالى وهو المعطي ابتداءا وأجرٌ غير ممنون غير محسوب، ولا مقطوع. وأقول: يظهر ممّا ذكرنا وجوه أخر لتأويل الخبر فلا تغفل.[1]

الحديث 365: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، وسهل بن زياد، و[2] عليّ ابن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لا ينام حتّى يقرأ سورة من القرآن فتكتب[2] له مكان كلّ آية يقرؤها عشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيّئات.

المصادر: الكافي 2: 611، كتاب فضل القرآن، باب ثواب قراءة القرآن، ح2، وسائل الشيعة 6: 201، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب17 ح1، جامع أحاديث الشيعة 15:


--------------------------------------------------

1. مرآه العقول 12: 128 ـ 133.

2. في الوسائل زيادة: «عن».

3. في الوسائل: «فيكتب» بدل «فتكتب».


(459)

49، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب11 باب استحباب قراءه سورة من القرآن في كلّ ليلة، ح1.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «فتكتب له مكان كُلّ آية يقرؤها عشر حسنات... إلخ» هذا المجموع أكثر من وجه ممّا ذكر من أنّه يكتب له بكلّ حرف عشر حسنات وكتابة الكُلّ من باب التفضّل وللتفضّل مراتب.[1]

الحديث 366: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبدالله‌ بن جبلة، عن معاوية بن وهب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك إنّي أحفظ القرآن على ظهر قلبي، فأقرأه[2] على ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف؟ قال: فقال لي: بل اقرأه وانظر في المصحف فهو أفضل، أما علمت أنّ النظر في المصحف عبادة.

المصادر: الكافي 2: 613، كتاب فضل القرآن، باب قراءة القرآن في المصحف، ح5، وسائل الشيعة 6: 204، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب19 ح4، جامع أحاديث الشيعة 15: 69، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب17 باب أنّ من قرأ القرآن في المصحف نظرا...، ح7.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «أمّا علمت أنّ النظر... إلخ» فالقاري في المصحف له أجران: أحدهما: للنظر فيه. والآخر: للقراءة.[3]

الحديث 367: وعنهم، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عمّن ذكره، عن أبي


--------------------------------------------------

1. شرح أُصول الكافي 11: 33.

2. في الوسائل: «فأقرؤه» بدل «فاقرأه».

3. شرح أُصول الكافي 11: 37.


(460)

عبدالله‌ عليه‌السلام قال: ثلاثة يشكون إلى الله‌ عزّ وجلّ: مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله، وعالم بين جهّال، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه.

المصادر: وسائل الشيعة 6: 206، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب20 ح2، وقد تقدّم مثله في ج5: 201، كتاب الصّلاة، أبواب أحكام المساجد، ب5 ح1.

وقد مرّ الحديث في الصفحة 400، رقم الحديث 313، فراجع هناك.

الحديث 368: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن حسن[1] بن شمّون، قال: حدّثني عليّ بن محمّد النوفلي، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال: ذكرت الصوت عنده فقال: إنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام كان يقرأ فربما مرّ به المارُّ فصعق من حسن صوته وإنّ الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس من حسنه، قلت: ولم يكن رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يصلّي بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟ فقال: إنّ رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله كان يحمل الناس من خلفه ما يطيقون.

المصادر: الكافي 2: 615، كتاب فضل القرآن، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن، ح4، وأورد صدره في وسائل الشيعة 6: 211، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب24 ح2، بحار الأنوار 16: 187، تاريخ نبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، ب8، باب أوصافه صلى‌الله‌عليه‌و‌آله في خلقته و... ح22، وفيه: «يمرّ» بدل «مرّ» وج25: 164، كتاب الإمامة، ب4، باب جامع في صفات الإمام وشرائط الإمامة ح31، وج46: 69، تاريخ عليّ بن الحسين عليه‌السلام، ب5، باب مكارم أخلاقه وعلمه، ح44، جامع أحاديث الشيعة 15: 58، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب14 باب تحريم القراءة بألحان الفسوق، ح6.

الشرح: قال المازندراني:

قوله عليه‌السلام: «إنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام كان يقرأ القرآن فربما يمرّ عليه المارّ فصعق» أي غشي عليه أو صاح صيحة شديدا، وسرُّ ذلك أنّ للأصوات الطيّبة والألحان الموزونة والنغمات المناسبة مدخلاً عظيما في نشاط النفس وفرح


--------------------------------------------------

1. في الوسائل: «الحسن»


(461)

الروح ولها تأثير عظيم، فمنها ما يُفرح ومنها ما يحزن، ومنها ما يندم، ومنها ما يضحك ومنها ما يبكي، ومنها ما يصعق، ومنها ما يزعج القلب إلى الحقّ ويحرّكه من بلاد الغربة إلى الوطن الأصلي ويختلف الانزعاج بالنسبة إلى الأشخاص بحسب قوّة الاستعداد وضعفه فلا استحالة عقلاً أن يوجب الصعقة وغيرها وقد يقع مثل ذلك عند المصائب الشديدة، وأيّة مصيبة أعظم من خروج الروح من موطنها الأصلي وفراقها من الكرامات الأبديّة واحتباسها في سجن هذه الدار والبليّة.

«من حسن صوته وأنّ الإمام لو أظهر من ذلك» أي من حسن صوته «لما احتمله الناس من حسنه» دلّ هذا الخبر على جواز تحسين الصوت بالقراءة ودلّت الأخبار الآتية على رجحانه وكذا دلّ عليه أيضا ما رواه مسلم عن أبي هريرة أنّه سمع رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يقول: ما أذن الله‌ لشيء كما أذن لنبيّ حسن الصوت يتغنّى بالقرآن يجهر به. قال بعض العامّة: معنى ما أذن ما استمع والمراد بالشيء، المسموع والمضاف مقدّر قبل نبيّ أي لصوت نبيّ، والحاصل أنّه ما استمع الله‌ لصوت كما استمع لصوت نبيّ، والمراد بالاستماع إجزال ثواب القاري أو الرضا به، ومعنى قوله يتغنّى بالقرآن عند الشافعيّة والأكثر: يحسن الصوت بالقرآن وعند ابن عبّاس يستغني به عن الناس، وقال مرّة: يستغني به عن غيره من الكتب، وعن سفيان بن عيينة يقال: تغنّيت وتغانيت بمعنى استغنيت، فعلى أنّ المراد به تحسين الصوت فهو من الغناء المحمود وكُلّ مَنْ رفع صوته ومدّه ووالى به فهو عند العرب غناء، وعلى أنّه من الاستغناء فهو من الغنى ضدّ الفقر وهو مقصور، والمراد بتحسين الصوت تزيينه بالترتيل والجهر والتحزين والترقيق فهو مستحبّ ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط فإن أفرط حتّى زاد حرفا أو أخفاه حرم، انتهى.


(462)

فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ أخبار العامّة والخاصّة متّفقة في الدلالة على رجحان تحسين الصوت بالقرآن وعلى حُسن صوت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله ولكن لابدّ من ترك الإفراط فيه لئلاّ يبلغ حدّ الالحان[1] والغناء ولا يمكن ذلك إلاّ للعارف بوجوه التحسين.

«قلت ولم يكن رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يصلّي بالناس ويرفع صوته بالقرآن» أي ولم يكن من باب الاستفهام ولعلّ غرضه من هذا السؤال أنّ رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله كان أحسن صوتا منه عليه‌السلام وكان يقرأ ويرفع صوته بالقراءة ويسمعه الصحابة ولم يصعق أحد من حُسن صوته فكيف لحسن الصوت نحو هذا التأثير؟

«فقال إنّ رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله كان يحمل الناس من خلفه ما يطيقون» فلم يظهر من حسن صوته ما يصعقهم ولذلك أيضا ما كلّم الناس قط إلاّ بقدر عقولهم، وهذا الجواب أحسن ممّا قاله بعض العامّة من أنّ الغشي لضعف العقل عن تحمّل ما ورد عليه، وعقول الصحابة لمّا كانت أكمل لم يطرأ عليهم الغشي، لأنّ كون عقول كلّهم أكمل من عقول غيرهم ممنوع.[2]

الحديث 369: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحجّال، عن عليّ بن


--------------------------------------------------

1. اللّحن: من الأصوات الموضوعة، وجمعها: ألحان ولحون، ولحّن في قراءته: طرّب فيها، واللّغة، والخطأ في القراءة، كاللّحون واللّحانة واللّحانية واللّحن، محرّكة. لحن كجعل، فهو لاحن ولحّان ولحّانة: كثيرة. ولحّنة: خطّأه.
واللّحنة: من يلحّن، وكهمزة: من يلحّن الناس كثيراً.
ولَحَنَ له: قال له قولاً يفهمه عنه ويخفى على غيره، وإليه: مال. وألحَنَهُ القول: أفهمه إيّاه، فَلَحِنَهُ، كسمعه وجعله: فَهِمَهُ.
واللاحن: العالم بعواقب الكلام. ولَحِنَ، كفرح: فَطِنَ لحجّته، وانتبه. القاموس المحيط 4: 270، انظر باب النون، فصل اللام. ومن أراد لمزيد الوقوف فيها فليراجع لسان العرب 5: 486 مادّة «لحن».

2. شرح أُصول الكافي 11: 40.


(463)

عقبة، عن رجل، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: كان عليّ بن الحسين صلوات الله‌ عليه[1] أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يسمعون قراءته، وكان أبو جعفر عليه‌السلام أحسن الناس صوتا[2].[3]

المصادر: الكافي 2: 616، كتاب فضل القرآن، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن، ح11، وسائل الشيعة 6: 211، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب24 ح4، وفيه: «يستمعون» بدل «يسمعون»، بحار الأنوار 46: 70، تاريخ عليّ بن الحسين عليه‌السلام، ب5 باب مكارم أخلاقه وعلمه عليه‌السلام ح45، جامع أحاديث الشيعة 15: 58، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب14 باب تحريم القراءة بألحان الفسوق، ح7.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «كان عليّ بن الحسين عليه‌السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان السقّاؤون... قراءته» فيه حثٌّ على تحسين الصوت بالقرآن وعلى الإصغاء إلى سماع الصوت الحسن به فإنّ سماعه يزيد حسنا في العقائد ويوجب الخشوع ورقّة القلب وميله إلى الآخرة والخيرات.[4]

الحديث 370: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن إسحاق الضّبيّ، عن أبي عمران الأرمني، عن عبدالله‌ بن الحكم، عن جابر، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: قلت: إنّ قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن أو حُدّثوا به صعق أحدهم حتّى يرى أنّ أحدهم لو قطعت يداه أو رجلاه لم يشعر بذلك؟ فقال: سبحان الله‌ ذاك من الشيطان، ما بهذا نعتوا إنّما هو اللّين والرقّة والدّمعة، والوجل.

المصادر: الكافي 2: 616، كتاب فضل القرآن، باب فيمن يظهر الغشية عند قراءة القرآن،


--------------------------------------------------

1. في الوسائل: «عليه السلام».

2. ليس في الوسائل: «وكان أبو جعفر عليه‌السلام أحسن النّاس صوتاً».

3. قال العلاّمة المجلسي في هامش مرآة العقول 12: 502: أنّ الحديث موثّق.

4. شرح أُصول الكافي 11: 42.


(464)

ح1، وسائل الشيعة 6: 213، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب25، ح1، وفيه: «يداه ورجلاه» بدل «يداه أو رجلاه»، جامع أحاديث الشيعة 15: 55، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب13 باب أنّ القرآن في كم يختم، ح17.

الشرح: قال المولى المجلسي:

الظاهر أنّه إذا حصل وجد من سماع القرآن والذِّكر فدفعه بالبكاء أحسن، كما تقدّم عنه عليه‌السلام أنّه إذا وجد أحدكم فليفض.

ولمّا كان العامّة يراءون الناس بأمثال هذه حتّى يقول الناس أنّهم أولياء، قال عليه‌السلام: إنّه من الشيطان، وإن حصل ذلك بلا اختيار فيه، فالظاهر أنّه لا يكون حراما كما تقدّم في خبر همّام أنّه صعق ومات فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها، أو لأنّهم يعدّونه كمالاً وليس بكمال باتّفاق أهل التحقيق.[1]

قال المازندراني:

قوله: «إنّ قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن» أي قرؤوها «أو حُدّثوا به» أي تعريفه وبيانه وهو عطف على شيئا وكونه ماضيا مجهولاً معطوفا على ذكروا بعيد جدّا.

«صعق أحدهم» أي غشي عليه «حتّى يرى أنّ أحدهم» يرى مبني للمفعول من أراه إرائة أي يظن أو من الرؤية، وأحدهم من باب وضع الظاهر موضع الضمير.

«لو قطعت يداه أو رجلاه لم يشعر بذلك» لزوال العقل والحسّ «فقال سبحان الله‌» استعجاب أو استبعاد ممّا ذكر أو تنزيه للّه‌ تعالى أن يكون ذلك من قبله وهو أنسب بقوله: «ذاك من الشيطان» لتصرّفه فيه حتّى جعله على هذه الحالة، أو


--------------------------------------------------

1. روضة المتّقين 13: 133.


(465)

لأغوائه حتّى يتصنّع ذلك لإظهار كماله عند الناس «ما بهذا نعتوا» أي ما بهذا وصف الّذين لهم أهلية التأثّر من القرآن «إنّما هو» أي نعتهم ووصفهم.

«اللّين والرّقّة والدمعة والوجل» قال الله‌ تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيمانا».[1] وقال: «إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ... وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعا»،[2] وهذه الأوصاف وهي الوجل وزيادة الإيمان والخشوع والبكاء والخرور للأذقان لا تنفكّ عن اللّين والرّقّة والدمعة؟ والظاهر أنّه لا منافاة بين هذا الخبر وما مرّ من خبر السكوني الدّال على صعق المارّ من حسن صوت عليّ بن الحسين عليهماالسلامبالقراءة لجواز أن يكون هذا التأثير لصوت الإمام دون غيره، ويؤيّده ما مرّ في ذلك الخبر من أنّ الإمام لو أظهر منه ذلك شيئا لما احتمله الناس من حسنه على أنّه يمكن أن يكون المراد بهذا الخبر هو الحثّ على ضبط النّفس حتّى لا تبلغ تلك الحالة الموجبة لزوال العقل والحرمان عن ثواب سماع الأسرار القرآنيّة.[3]

قال العلاّمة المجلسي:

والمراد أنّه يكذبون فى ادّعائهم عدم الشعور، وأنّ مباديه بأيديهم لأنّ الرّقّة والدمعة تدفعه والأخير أظهر.[4]

وقد جاء فى هامش الكافي والبحار هكذا:


--------------------------------------------------

1. الأنفال 8: 2.

2. الإسراء 17: 107 ـ 109.

3. شرح أُصول الكافي 11: 44.

4. مرآة العقول 12: 503.


(466)

أي لم يوصف الله‌ المؤمنين في كتابه بتلك الأوصاف وإنّما وصفهم باللّين والرّقّة والوجل حيث قال: «تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ الله‌»[1] وقال: «تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ»[2] وقال: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعا مُتَصَدِّعا مِنْ خَشْيَةِ الله‌»،[3] وقال: «وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ»[4].[5]

الحديث 371: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه، عن عليّ بن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبدالله‌ عليه‌السلام فقال له أبو بصير: جعلت فداك أقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال: لا، قال: ففي ليلتين؟ فقال: لا، قال[6]: ففي ثلاث؟ قال[7]: ها، وأشار بيده، ثمّ قال: يا أبا محمّد، إنّ لرمضان حقّا وحرمة لا يشبهه شيء من الشهور، وكان أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقلّ، إنّ القرآن لا يقرأ هذرمةً، ولكن يرتّل ترتيلاً، وإذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فقف عندها وسل الله‌ الجنّة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النّار فقف عندها وتعوّذ بالله‌ من النّار.

المصادر: الكافي 2: 617، كتاب فضل القرآن، باب في كم يقرأ القرآن ويختم، ح2، وسائل الشيعة 6: 216، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب27 ح4، جامع أحاديث الشيعة 15: 52، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب13 باب أنّ القرآن في كم يختم، ح4.


--------------------------------------------------

1. الزمر 39: 23.

2. المائدة 5: 83.

3. الحشر 59: 21.

4. الحجّ 22: 34 و35.

5. الكافي 2: 617، بحار الأنوار 67: 112.

6. في الوسائل: «فقال» بدل «قال».

7. في الوسائل: «فقال» بدل «قال».


(467)

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «قال ففي ثلاث، قال:ها، وأشار بيده» (هاء) كلمة تنبيه للمخاطب ينبّه على ما يُساق إليه من الكلام كذا في النهاية وكأنّه عليه‌السلام أشار بيده إلى الرخصة، ويؤيّده حديث آخر الباب والإشارة إلى السكوت محتملة والرخصة حينئذٍ مستفاد من قوله: «ثمّ قال يا أبا محمّد إنّ لرمضان حقّا وحرمة» التنكير للتعظيم أو للتكثير «ولا يشبهه شيء من الشهور» لكثرة العبادة المطلوب فيه ومن جملتها تلاوة القرآن، فتلاوته في كلّ ثلاث حسن وفي كلّ شهر أو أقلّ منه أو أكثر من ثلاث أحسن كما أشار بقوله: «وكان أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقلّ» لرعاية الترتيل والتفكّر فيه كما أشار إليه بقوله: «إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة» هي السرعة في الكلام والمشي، ويقال للتخليط هذرمة كذا في النهاية «ولكن يرتّل ترتيلاً» فيه آداب التلاوة في الصّلاة وغيرها ومثله موجود من طرق العامّة أيضا، روى مسلم عن حذيفة قال: قرأ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله في الصّلاة مترسّلاً، وإذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ. قال المازري: مذهبنا استحباب هذه الآداب في غير الصّلاة وفي الصّلاة للإمام والمأموم والمنفرد.[1]

قال الفيض الكاشاني:

بيان: «ها» كلمة إجابه يعني بها نعم؛ ثمّ علّل جواز الختم في الثلاث في شهر رمضان بحقّ الشّهر وحرمته واختصاصه من بين الشهور و«الهذرمة» السّرعة في القراءة.[2]


--------------------------------------------------

1. شرح أُصول الكافي 11: 45.

2. كتاب الوافي 9: 1745.


(468)

قال العلاّمة المجلسي:

قوله: «وأشار بيده» كأنّه أشار إليه أن يسكت «شيء من الشهور» أي الختم في ثلاث في شهر رمضان حسن كما يظهر من آخر الباب فتدبّر، وقال في النهاية: الهذرمة: السّرعة في الكلام والمشي، ويقال للتخليط هذرمة، وقال في الصحاح: الهذرمة السّرعة في القراءة.[1]

الحديث 372: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إدريس الحارثي، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر قال: قال أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: يا مفضّل، احتجز من الناس كلّهم بـ «بسم الله‌ الرّحمن الرّحيم» وبـ «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ»،[2] اقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك، فإذا دخلت على سلطان جائر فاقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرّات، واعقد بيدك اليسرى ثمّ لا تفارقها حتّى تخرج من عنده.

المصادر: الكافي 2: 624، كتاب فضل القرآن، باب فضل القرآن، ح20، وسائل الشيعة 6: 222، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب31 ح4، جامع أحاديث الشيعة 15: 139، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب22 باب فضائل سور القرآن، ح268.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «احتجز من الناس كلّهم» أي امتنع من شرّهم من الحجز بمعنى المنع «ببسم الله‌ الرّحمن الرّحيم وبقل هو الله‌ أحد» الظاهر وحدة التسمية والتعدّد محتمل. «اقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك» الظاهر هو الترتيب المذكور مع احتمال تقديم القراءة بين اليدين على اليمين ثمّ اليسار على الخلف، ولعلّ المعتبر في الفوق والتحت رفع الرأس


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 504.

2. الإخلاص 112: 1.


(469)

وخفضه وفي الجهات الباقية التوجّه بالوجه ومقاديم البدن إليها مع احتمال الاكتفاء بالقصد في الجميع، «ثمّ لا تفارقها حتّى تخرج من عنده» نفي أو نهي أي لا تفارق قراءة التوحيد وعقد اليسرى والتخصيص بأحدهما بعيد.[1]

قال الفيض الكاشاني:

بيان: «الاحتجاز» الامتناع «واعقد بيدك اليسرى» أي عدّد المرّات «ثمّ لا تفارقها» يعني دُمْ على قراءتها.[2]

وقال العلاّمة المجلسي:

قوله: «ومن فوقك» أي يرفع رأسه إلى السّماء ويقرأ «ثمّ لا تفارقها» أي عقد اليسرى أو قراءة السورة، والأوّل هو المسموع.[3]

الحديث 373: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن صفوان بن يحيى، عن عبدالله‌ بن سنان، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام أنّه قال: مَنْ قرأ إذا آوى إلى فراشه: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ»[4] و«قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ»[5] كتب الله‌ له براءة من الشرك.

المصادر: الكافي 2: 626، كتاب فضل القرآن، باب فضل القرآن، ح23، وسائل الشيعة 6: 228، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب34 ح2، جامع أحاديث الشيعة 15: 147، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب23 باب ثواب قراءة التوحيد والمعوّذتين، ح8.

الحديث 374: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد بن


--------------------------------------------------

1. شرح أُصول الكافي 11: 56.

2. كتاب الوافي 9: 1754.

3. مرآة العقول 12: 514.

4. الكافرون 109: 1.

5. الإخلاص 112: 1.


(470)

بشير، عن عبيدالله‌ الدّهقان، عن درست، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: مَنْ قرأ: «أَلْهَـلـكُمُ التَّكَاثُرُ»[1] عند النوم وُقيَ[2] فتنة القبر.

المصادر: الكافي 2: 623، كتاب فضل القرآن، باب فضل القرآن ح14، ورواه الصدوق، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد، عن سهل بن زياد في ثواب الأعمال: 153، ثواب قراءة السور، ثواب قراءة ألهيكم، ح2، وفي السند: «جعفر بن محمّد بن يسار» بدل «جعفر بن محمّد بن بشير»، ورواه السيّد ابن طاووس، عن هارون بن موسى، عن محمّد بن يعقوب، عن الحسن بن عليّ، عن سهل بن زياد في فلاح السائل: 486، الفصل الثلاثون، ذكر فضيلة قراءة ألهيكم التكاثر، ح21، وفي السند: «جعفر بن محمّد بن بشّار» بدل «جعفر بن محمّد بن بشير»، وسائل الشيعة 6: 228، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب34، ح3، ويأتي مثله أيضا في ص451، أبواب التعقيب، ب13 ح4، ورواه المجلسي على ما في فلاح السائل في بحار الأنوار 73: 210 ـ 211، كتاب الآداب والسنن، ب44 باب القراءة والدّعاء عند النوم، ذيل ح23، ورواه أيضاً مثله، عن محمّد بن علي (الصدوق) عن أبيه، عن محمّد العطّار، عن الأشعري، عن سهل في ج89: 336، كتاب القرآن، ب115 باب فضائل سورة التكاثر...، ح2، وفي السند: «ابن بشّار» بدل «جعفر بن محمّد بن بشير»، جامع أحاديث الشيعة 15: 149، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب23 باب قراءة التوحيد والمعوذّتين، ح16.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «من قرأ الهيكم التكاثر عند النوم وقي فتنة القبر» هي ما يمتحن به الميّت في القبر من ضغطهِ ومسائلة منكر ونكير وغير ذلك ممّا يؤذيه.[3]

الحديث 375: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: لا تتفأل بالقرآن.


--------------------------------------------------

1. التكاثر 102: 1.

2. في الثواب والبحار 89: 336، زيادة: «من».

3. شرح أُصول الكافي 11: 54.


(471)

المصادر: الكافي 2: 629، كتاب فضل القرآن، باب النوا در، ح7، وسائل الشيعة 6: 233، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب38 ح2، جامع أحاديث الشيعة 8: 276، كتاب الصّلاة، أبواب الاستخارة، ب6 باب استحباب الاستخارة بالمصحف و...، ح7.

قال الشيخ الحرّ العاملي:

أقول: الاستخارة طلب الخيرة ومعرفة الخير في ترجيح أحد الفعلين على الآخر ليعمل به، والتفاؤل معرفة عواقب الأمور وأحوال غائب ونحو ذلك[1].[2]

الشرح: قال المازندراني:

قوله عليه‌السلام: «لا تتفأل بالقرآن» التفاؤل مهموز فيما يسرّ ويسوء يُقال: تفألت بالتشديد وتفألت بالتخفيف وتفايلت بالقلب، وقد أولع الناس بترك همزهِ تخفيفا وقالوا: الفال بوزن المال والفال بالقرآن متصوّر بوجوه:

الأوّل: أن يقصد مطلبا ويسمع مقارنا له آية يستنبطه منها الخير والشرّ أو من أوّل حرف منها كما يفعله أصحاب الحروف الناضرون إلى خواصها.

الثاني: أن يفتح المصحف ويستنبط الخير والشرّ من الآية الأُولى في الصفحة الُيمنى، أو من أوّل حرف منها.

الثالث: أن يفتحه ويعدّ اسم الله‌ في الصفحه الُيمنى ويعدّ بعدده أوراقا من اليسرى وبعدده سطورا من اليسرى وينظر إلى آية بعد تلك السطور أو إلى أوّل حرف منها، ولعلّ النهي عنه محمول على الكراهية جمعا بينه وبين ما دلّ على الجواز مع أنّ الخلف والسلف عملوا به ولم ينكر عليهم من يعتدّ به، وقد صرّح


--------------------------------------------------

1. جاء في هامش الوسائل: (نقل ابن طاووس في بعض كتبه حديثا عن الصادق عليه‌السلام في جواز التفاؤل بالقرآن وكيفيته، وروى له دعاء أوّله: «اللّهمّ إنّي توكّلت عليك وتفاءلت بكتابك الدّعاء...» ولا يحضرني الآن في أيّ كتاب نقله. «منه قدس‌سره في هامش المخطوط»).

2. وسائل الشيعة 6: 233.


(472)

بذلك جماعة من المفسّرين منهم صاحب الكشّاف في آية الاستقسام بالأزلام، ومن المعاصرين من حمل النهي على التحريم وخصّه بذكر الأمور الغيبيّة وبيان الأشياء الخفيّة هذا حال التفاؤل بالقرآن، وأمّا التفاؤل بديوان الشعراء كما هو المتعارف عند العوام فالظاهر أنّه حرام وأنّه من الأزلام والله‌ يعلم.[1]

قال الفيض الكاشاني:

لا ينافي هذا ما اشتهر اليوم بين الناس من الاستخارة بالقرآن على النّحو المتعارف بينهم لأنّ التفأل غير الاستخارة، كما مضى بيانه[2] في باب صلاة الاستخارة مع سرّ النّهي عنه.[3]

قال العلاّمة المجلسي:

وكأنّ المراد النهي عن ذكر وقوع الأشياء في المستقبل وبيان الأمور الخفيّة من القرآن لا الاستخارة لأنّه قد ورد الخبر بجوازه كذا قيّد، ولعلّ الأظهر عدم التفأل عند سماع آية أو رؤيتها كما هو دأب العرب في التفأل والتطيّر، ولا يبعد أن يكون السّر فيه أنّه يصير سببا لسوء عقيدتهم في القرآن إن لم يظهر أمره.[4]

الحديث 376: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و[5] محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا، عن ابن محبوب عن جميل، عن سدير، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: سورة المُلك هي المانعة تمنع من عذاب القبر وهي مكتوبة في التوراة سورة الملك، ومن قرأها في ليلته فقد أكثر وأطاب ولم يكتب بها[6] من


--------------------------------------------------

1. شرح أُصول الكافي 11: 63.

2. كتاب الوافي 9: 1409.

3. كتاب الوافي 9: 1784.

4. مرآة العقول 12: 518.

5. في الوسائل زيادة: «عن».

6. ليس في الوسائل: «بها».


(473)

الغافلين وإنّي لأركع بها بعد عشاء الآخرة وأنا جالس، وإنّ والدي عليه‌السلام كان يقرؤها في يومه وليلته، ومن قرأها إذا دخل عليه في قبره ناكر ونكير من قبل رجليه قالت رجلاه لهما: ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا[1] العبد يقوم عليّ فيقرأ سورة الملك في كلّ يوم وليلة، وإذا أتياه من قبل جوفه قال لهما: ليس لكما إلى ما قبلي سبيل قد كان هذا العبد أوعاني سورة الملك، وإذا أتياه من قبل لسانه قال لهما: ليس لكما إلى ما قبلي سبيل قد كان هذا العبد يقرأ بي في كُلّ يوم وليلة سورة الملك.[2]

المصادر: الكافي 2: 633، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح26، وسائل الشيعة 6: 234، كتاب الصّلاة، أبواب قراءة القرآن، ب39 ح1، جامع أحاديث الشيعة 15: 116 ـ 117، كتاب القرآن، أبواب فضائل القرآن وتعلّمه و...، ب22 باب فضائل سور القرآن، ح164.

أبواب القنوت

الحديث 377: عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي، عن درست، عن محمّد بن مسلم قال: قال: القنوت في كُلِّ صلاة في الفريضة والتطوّع.

المصادر: الكافي 3: 340، كتاب الصّلاة، باب القنوت في الفريضة والنافلة و...، ح15، وسائل الشيعة 6: 264، كتاب الصّلاة، أبواب القنوت، ب1 ح12، جامع أحاديث الشيعة 5: 553، كتاب الصّلاة، أبواب القنوت، ب1 باب استحباب القنوت في جميع الصلوات و...، ح2.

أبواب السجود

الحديث 378: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر؛ وعليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،


--------------------------------------------------

1. ليس في الوسائل: «هذا».

2. الحديث حسن عند العلاّمة المجلسي رحمه‌الله، راجع مرآة العقول 12: 524.


(474)

عن أبي الحسن عليه‌السلام قال: سألته عن رجل صلّى ركعة ثمّ ذكر وهو في الثّانية وهو راكع أنّه ترك سجدة من الأولى فقال: كان أبو الحسن صلوات الله‌ عليه يقول: إذا تركت السّجدة في الركعة الأولى ولم تدر واحدة أم[1] ثنتين استقبلت الصّلاة حتّى يصحّ لك أنّهما اثنتان.[2]

المصادر: الكافي 3: 349، كتاب الصّلاة، باب السهو في السجود، ح3، وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصّلاة، أبواب السجود، ب14 ذيل ح3، جامع أحاديث الشيعة 6: 287، كتاب الصّلاة، أبواب الخلل الواقع في الصّلاة، ب11 باب أنّه من نسي السجدتين من صلاته...، ح11.

قال الشيخ الحرّ العاملي:

أقول: لعلّ المراد أنّه شكّ بين الركعتين الأوّلتين وترك سجدة فسيتأنف الصّلاة، فالمراد بالواحدة والثنتين الركعات لا السجدات، بقرينة قوله: بعد أن تكون قد حفظت الركوع ولما يأتي في حديث المعلّى وغيره، وبه يجمع بين الأحاديث هنا.

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: إن أُريد بالواحدة والثّنتين الرّكعة والرّكعتان، فلا إشكال في الحكم لما ستقف عليه وإنّما الإشكال حينئذٍ في مطابقة الجواب للسّؤال وإن أُريد السّجدة والسجدتان فيشبه أن يكون أو مكان الواو في قوله عليه‌السلام ولم تدر ويكون قد سقط الهمزة من قلم النسّاخ، أو يكون المراد ولم تدر واحدة تركت أم ثنتين وعلى التقديرين يبنغي حمل الاستئناف على الأُولى والأحوط دون الوجوب لما سبق


--------------------------------------------------

1. في الجامع: «أو» بدل «أم».

2. في الوسائل والجامع: «ثنتان» بدل «اثنتان».


(475)

في صورة السّهو من إطلاق الاكتفاء بإعادة السّجدة وحدها من دون استئناف ويأتي في صورة الشكّ جواز المضيّ في الصّلاة مطلقا إن جاوز محلّه والاكتفاء بالإتيان بالسّجدة إن كان وقته باقيا سواء وقع الشّكّ في الأوّلتين أو الأخيرتين.

وفي التهذيب حمله على المعنى الأخير وأوجب الاستئناف إن سها أو شكّ في السّجدة والسجدتين في الأوّلتين فقط. وحمل الأخبار السّابقة على الأخيرتين وحمل الركعة الثانية في حديث محمّد بن منصور على الرابعة لأنّها ثانية من الأخيرتين، ولعمري أنّه أبعد في التأويل مع أنّ الخبر الآتي نصّ في التّسوية بين الركعات.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

المشهور عدم الفرق في الشّك في الأفعال بين الأوّليين والأخيرتين، وذهب المفيد والشيخ إلى وجوب الاستيناف في الأوليين، والعلاّمة في التذكرة استقرب البطلان، إن تعلّق الشّك بركن من الأوليين، وعلى المشهور يمكن حمله على ما إذا شكّ أنّه سجد واحدة أم ثنتين فلم يلتفت إليه مع بقاء وقته حتّى ركع فإنّه يجب عليه الإعادة، لكنّ الظّاهر من المؤلّف أنّه يرى كُلّ واحد من السّجدتين ركنا كما يظهر بعيد هذا، وفي التهذيب في آخر الخبر زيادة وهي قوله: «وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السّجود»، واستدلّ الشيخ رحمه‌الله فيه بهذا الخبر على ما ذهب إليه من لزوم إعادة الصّلاة إذا ترك سجدة واحدة من الركعتين الأوليين سهوا، وأجاب العلاّمة في المختلف عنه بأنّ المراد بالاستقبال الإتيان بالسّجود المشكوك فيه لا استقبال الصّلاة، فقال: ويكون قوله عليه‌السلام: «وإذا كان في الثالثة أو الرابعة فترك سجدة»


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 8: 931.


(476)

راجعا إلى مَنْ تيقّن ترك السّجدة في الأوليين فإنّ عليه إعادة السّجدة لفوات محلّها ولا شيء عليه لو شكّ، بخلاف ما لو كان الشكّ في الأولى كأنّه لم ينتقل عن محلّه، انتهى.

وقال الفاضل التستري: لعلّ الجواب لا ينطبق على السؤال إذ الجواب إنّما يتضمّن حال من ترك السّجدة في الأوليين ويجوز أن يكون المتروك هما معا وحال من ترك سجدة في الأخيرتين، ومفهوم السؤال يتضمّن خلاف مفهومه.

وبالجملة في الرّواية إجمالٌ ولا يستقيم التمسّك بها لإثبات البطلان في صورة الشّك في ترك السّجدة في الركعتين الأوليين على ما هو المدّعى، ففيه تأمّل، وقال بعض الأفاضل: إن أُريد بالواحدة والثنتين الركعة والركعتان فلا إشكال في الحكم، وإنّما الإشكال حينئذٍ في مطابقة الجواب للسّؤال، وإن أُريد السّجدة والسجدتان فيشبه أن يكون «أو» مكان الواو في قوله عليه‌السلام: «ولم تدر» ويكون قد سقطت الهمزة من قلم النسّاخ، أو يكون المراد ولم تدر واحدة ترك أم ثنتين، وعلى التقديرين ينبغي حمل الاستيناف على الأولى، والأحوط دون الوجوب.[1]

الحديث 379: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عبدالحميد بن أبي العلاء قالت: دخلت المسجد الحرام ـ إلى أن قال: ـ فإذا أنا بأبي عبدالله‌ عليه‌السلام ساجداً، فانتظرته طويلاً فطال سجوده عليّ، فقمت فصلّيت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد، فسألت مولاه: متى سجد؟ فقال: من قبل أن تأتينا،


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 15: 188. وإن أردت لمزيد الوقوف عليها راجع بحار الأنوار 85: 144، كتاب الصّلاة، ب87 باب أحكام الشّك والسهو ذيل الحديث 3.


(477)

فلمّا سمع كلامي رفع رأسه، الحديث.

المصادر: وسائل الشيعة 6: 379، كتاب الصّلاة، أبواب السجود، ب23 ح3، وقد تقدّم في ج1: 16، كتاب الطّهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب1 ح6، وفي ص119، ب29 ح5 من هذه الأبواب.

قد مرّ الحديث في الصفحة 65 رقم الحديث 1 فراجع هناك.

الحديث 380: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن الوشّاء، قال: سمعت الرّضا عليه‌السلام يقول: أقرب ما يكون العبد من الله‌ عزّ وجلّ وهو ساجد، وذلك قوله عزّ وجلّ: «وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ».[1]

المصادر: الكافي 3: 264، كتاب الصّلاة، باب فضل الصّلاة، ح3، وسائل الشيعة 6: 379، كتاب الصّلاة، أبواب السّجود، ب23 ح5، جامع أحاديث الشيعة 5: 463، كتاب الصّلاة، أبواب السّجود، ب1 باب فضل السّجود وآدابه و...، ح1.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «وهو ساجد» قال الرضيّ رضى‌الله‌عنه: إن كانت الحال جملة إسميّة فعند غير الكسائي يجب معها واو الحال، قال عليه‌السلام: أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد، إذ الحال فضلة وقد وقعت موقع العمدة فيجب معها علامة الحاليّة، لأنّ كلّ واقع غير موقعه ينكّر، وجوّز الكسائي تجرّدها عن الواو بوقوعها موقع الخبر، فتقول: ضربي زيدا أبوه قائم.[2]

أبواب التسليم

الحديث 381: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: افتتاح الصّلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليها التسليم.


--------------------------------------------------

1. العلق 96: 19.

2. مرآة العقول 15: 7.


(478)

المصادر: وسائل الشيعة 6: 415، كتاب الصّلاة، أبواب التسليم، ب1 ح1، وقد تقدّم مثله في ص11، أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح، ب1 ح10، وج1: 366، كتاب الطّهارة، أبواب الوضوء، ب1 ح4.

قد مرّ الحديث في الصفحة 146، رقم الحديث 37 فراجع هناك.

أبواب التعقيب

الحديث 382: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبدالحميد،[1] عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: في تسبيح فاطمة صلّى الله‌ عليها[2]: يبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين، ثمّ التحميد ثلاثا وثلاثين، ثمّ التسبيح ثلاثا وثلاثين.

المصادر: الكافي 3: 342، كتاب الصّلاة، باب التعقيب بعد الصّلاة والدّعاء، ح9، تهذيب الأحكام 2: 106، كتاب الصّلاة، ب8 باب كيفية الصّلاة وصفتها و...، ح169، وليس فيه: «في تسبيح فاطمة صلّى الله‌ عليها»، وسائل الشيعة 6: 444، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب10، ح2، جامع أحاديث الشيعة 6: 41، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب5 باب فضل تسبيح فاطمة الزهراء عليهاالسلام، ح18.

الحديث 383: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد بن بشير، عن عبيدالله‌ الدهقان، عن درست، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: من قرأ «أَلْهياكُمُ التَّكاثُرُ»[3] عند النوم وقي فتنة القبر.

المصادر: وسائل الشيعة 6: 451، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب13 ح4، وقد تقدّم مثله في ص228، أبواب قراءة القرآن، ب34 ح3.

قد مرّ الحديث نفسه في الصفحة 469، رقم الحديث 374. فراجع هناك.

الحديث 384: محمّد بن الحسن،[4] عن سهل بن زياد، بإسناده عن سماعة بن


--------------------------------------------------

1. جاء في هامش الوسائل: «في هامش المخطوط عن نسخة: عبدالجبار».

2. في الوسائل والجامع: «عليها السلام» بدل «صلّى الله‌ عليها».

3. التكاثر 102: 1.

4. في الوسائل زيادة: «يعني الصفار».


(479)

مهران، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: من سبقت أصابعه لسانه حُسب له.

المصادر: الكافي 3: 344، كتاب الصّلاة، باب التعقيب بعد الصّلاة والدّعاء، ح21، وسائل الشيعة 6: 464، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب21 ح3.

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: يعني مَنْ عدّ الذّكر بأصابعه وقد ورد في التسبيح بطين الحسين عليه‌السلام وفضله وثوابه ما ورد و يأتي في باب فضل توبة الحسين من كتاب الحجّ إنّه أفضل ما يسبّح به وأنّ المسبّح ينسى التسبيح ويدير السّبحة فيكتب له ذلك التسبيح. قال في الفقيه: من كانت له سبحةٌ من طين قبر الحسين عليه‌السلام كُتب مسبّحا وإن لم يسبّح بها وقال: التّسبيح بالأصابع أفضل منه بغيرها لأنّها مسؤولات يوم القيامة.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «من سبقت» أي في عدّ تسبيح الزهراء عليهاالسلام أو مطلقا.[2]

وجاء في هامش الكافي هكذا:

قوله: «قال: من سبقت أصابعه» لعلّ المراد أنّ من قرأ شيئا من الأدعية والأذكار الّتي يكون على عدد مخصوص كمائة مرّة شكرا شكرا أو عفوا عفوا في سجدة الشكر وأراد عدّها بالأصابع فسبقت أصابعه لسانه أيّ عدّ قبل أن يقرأ بلسانه حسب له ذلك (كذا في هامش المطبوع).[3]

الحديث 385: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار قال: كتب محمّد بن إبراهيم إلى أبي الحسن عليه‌السلام: إن رأيت يا سيّدي أن تعلّمني دعاءا أدعو به


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 9: 1687.

2. مرآة العقول 15: 178.

3. الكافي 3: 344.


(480)

في دبر صلواتي يجمع الله‌ لي به خير الدنيا والآخرة، فكتب عليه‌السلام تقول: أعوذ بوجهك الكريم، وعزّتك الّتي لا ترام، وقدرتك الّتي لا يمتنع منها شيء، من شرّ الدنيا والآخرة ومن شرّ الأوجاع كلّها.

المصادر: الكافي 3: 346، كتاب الصّلاة، باب التعقيب بعد الصّلاة والدّعاء، ح28، وسائل الشيعة 6: 471، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب24 ح7، جامع أحاديث الشيعة 6: 55، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب9 باب سائر ما يستحبّ أن يقال في دبر كلّ صلاة، ح1.

الحديث 386: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن إبراهيم بن صالح، عن رجل من الجعفريّين قال: كان بالمدينة عندنا رجل يكنّى أبا القمقام، وكان محارفا، فأتى أبا الحسن عليه‌السلام فشكا إليه حرفته، وأخبره أنّه لا يتوجّه في حاجة[1] فيقضى له، فقال له أبو الحسن عليه‌السلام: قل في آخر دعائك من صلاة الفجر: «سبحان الله‌ العظيم[2] أستغفر الله‌[3] وأسأله من فضله»، عشر مرّات، قال أبو القمقام: فلزمت ذلك، فوالله‌ ما لبثت إلاّ قليلاً حتّى ورد عليّ قوم من البادية فأخبروني أنّ رجلاً من قومي مات ولم يعرف له وارث غيري، فانطلقت فقبضت ميراثه وأنا مستغنٍ.

المصادر: الكافي 5: 315، كتاب المعيشة، باب النوادر، ح46، وسائل الشيعة 6: 475، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب25 ح3، بحار الأنوار 48: 173، تاريخ الإمام موسى بن جعفر، ب41 باب أحوال عشائره وأصحابه عليه‌السلام ح14، وج 92: 295، كتاب الذّكر والدّعاء، ب110 باب أدعية الرّزق، ح8، جامع أحاديث الشيعة 6: 120، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب14 باب ما يختصّ بالمغرب والغداة من التعقيب، ح34.


--------------------------------------------------

1. في البحار زيادة: «له».

2. في البحار زيادة: «وبحمده».

3. في البحار زيادة: «وأتوب إليه».


(481)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

وقال الجوهريّ: رجل محارف بفتح الراء أي محدود محروم، وهو خلاف قولك مبارك.[1]

الحديث 387: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن أسباط، عن إبراهيم بن أبي البلاد قال: صلّيت خلف الرضا عليه‌السلام في المسجد الحرام صلاة اللّيل، فلمّا فرغ جعل مكان الضجعة سجدة.

المصادر: الكافي 3: 448، كتاب الصّلاة، باب صلاة النوافل، ح26، تهذيب الأحكام 2: 137، كتاب الصّلاة، ب8 باب كيفيه الصّلاة وصفتها و...، ح299، وسائل الشيعة 6: 492، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب33 ح1، جامع أحاديث الشيعة 6: 143، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب21 باب أنّه يجزي من الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، ح3.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

ويدلّ على إجزاء السّجدة مكان الضجعة، والمشهور بين الأصحاب استحباب الاضطجاع على الجانب الأيمن مستقبل القبلة ووضع الخدّ الأيمن على اليد اليمنى بعد ركعتي الفجر قبل طلوع الفجر الثاني ويجوز التبديل بسجدة.[2]

وقال أيضا:

قوله: «صلّيت خلف الرّضا عليه‌السلام »، كأنّ المراد: كان في وقت الصّلاة في خلفه، لا أنّه صلّى معه عليه‌السلام جماعةً.[3]

أبواب الدّعاء

الحديث 388: عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: أحبُّ


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 19: 433.

2. مرآة العقول 15: 412.

3. ملاذ الأخيار 3: 690.


(482)

الأعمال إلى الله‌ عزّ وجلّ في الأرض الدّعاء، وأفضل العبادة العفاف، قال: وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلاً دعّاءً.

المصادر: الكافي 2: 467، كتاب الدّعاء، باب فضل الدّعاء والحثّ عليه، ح8، وأورد الشطر الثاني من الحديث في وسائل الشيعة 7: 26، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء، ب 2 ح3، ويأتي الشطر الأوّل منه في ص 30 ب 3 ح 4 من هذه الأبواب، جامع أحاديث الشيعة 15: 195، كتاب الدّعاء، أبواب الدّعاء ب 1 باب حرمة الاستكبار عن الدّعاء، ح40.

الشرح: قال المازندرانى:

قوله: «وأفضل العبادة العفاف» كلّ ما يوجب القرب منه تعالى فهو عبادة وله مراتب متفاوتة في الفضل وأفضله العفاف بالفتح وهو ترك السؤال من الناس وكفّ البطن والفرج وغيرهما من الحرام ومبدؤه العلم بالمحاسن والمقابح والاعتدال في القوى العقليّة والشهويّة والغضبيّة.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

والمراد بـ «العفاف» إمّا العفّة عن السؤال عن المخلوقين أو عفّة البطن والفرج عن الحرام، أو مطلق العفّة عن الحرام، والأوسط أظهر، وعلى الأوّل يرجع إلى الدّعاء، وعلى الأخيرين ربما يتوهّم التنافي بينه وبين كون الدّعاء أحبّ الأعمال إذ لا فرق بين الأحبيّة والأفضليّة بحيث رفع به التنافي. ويمكن أن يجاب بوجوه:

الأوّل: أنَّ الدّعاء أفضل الأعمال الوجوديّة والعفاف أفضل التروك.

الثاني: أن تكون أفضليّة كلّ منهما بالنسبة إلى غير الآخر.

الثالث: أن تكون أفضليّة كلّ منهما من جهة خاصّة، فإنّ لكلّ منهما تأثيرا خاصّا لا يقوم الآخر مقامه، كما أنَّ للماء تأثيرا في قوام البدن لا يقوم غيره مقامه،


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 10: 205.


(483)

وكذا الخبز واللّحم وغيرهما، فيصحّ أن يقال كلّ منهما أفضل من غيره من هذه الجهة.

وبمثل تلك الوجوه يمكن الجمع بين هذه الأخبار وبين ما ورد في أفضليّة غيرهما من الأعمال، وفي خصوص الصّلاة والحجّ وأمثالهما يمكن الجمع بوجه آخر من حيث اشتمالها على الدّعاء، فتأمّل.

وقيل: يمكن تقدير المضاف في العبادة أي أفضل شرائط العبادة ولا يخفى بعده، «والدعّاء» بالفتح والتشديد صيغة مبالغة أي كثير الدّعاء.[1]

الحديث 389: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال امير المؤمنين عليه‌السلام الدّعاء ترس[2] المؤمن، ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك.

المصادر: الكافي 2: 468، كتاب الدّعاء، باب أنَّ الدعائ سلاح المؤمن ح4، وسائل الشيعة 7: 26، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء ب 2 ح 4، ويأتي مثله أيضا في ص 39، ب 8 ح 7، جامع أحاديث الشيعة 15: 191، كتاب الدّعاء، أبواب الدّعاء، ب1 باب حرمة الاستكبار عن الدّعاء، ح 20.

الحديث 390: وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: أحبّ الأعمال إلى الله‌ عزوّجل في الأرض الدّعاء، وأفضل العبادة العفاف.

المصادر: وسائل الشيعة 7: 30، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء ب 3 ح 4 الشطر الأوّل من


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 9.

2. التُّرس: من السلاح المُتوَقَّى بها معروف، وجمعه أتراسٌ وتِراسٌ وترسةٌ وتروسٌ قال:
كأنَّ شمسا نازَعتْ شموسا دروعنا، والبَيضَ والتُروسا
لسان العرب 1: 300، أنظر مادة «ترس».


(484)

الحديث، وقد مرّ الشطر الثاني منه في ص 26، ب 2 ح 3 من هذه الأبواب. مرّ الحديث في الصفحة 481، رقم الحديث 388، فراجع هناك.

الحديث 391: عدّة من أصحابنا: عن سهل بن زياد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام يقول: الدّعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل.

المصادر: الكافي 2: 469، كتاب الدّعاء، باب أنّ الدّعاء يردّ البلاء والقضاء، ح 5، وسائل الشيعة 7: 37، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء، ب 7 ح 8، وفيه «ما لم ينزل» بدل «وما لم ينزل»، جامع أحاديث الشيعة 15: 211، كتاب الدّعاء، أبواب الدّعاء ب 3 باب الدّعاء سلاح المؤمن، ح 46.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

وروى في المشكاة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله أنّه قال: لا يردّ القضاء إلاّ الدّعاء، وقال الطيّبي في الشرح: القضاء الأمر المقدّر. وفي تأويل الحديث وجهان:

أحدهما: أن يراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه ويتوقّاه، فإذا وافق الدّعاء دفع الله‌ عنه فيكون تسميته بالقضاء على المجاز.

وثانيهما: أن يراد به الحقيقة فيكون معنى ردّ الدُّعاء بالقضاء تهوينه وتيسير الأمر فيه، حتّى يكون القضاء النازل كأنّه لم ينزل به، ويؤيّده الحديث أنَّ الدّعاء ينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل أمّا نفعه ممّا نزل فصبره عليه وتحمّله له ورضاه به حتّى لا يكون في نزوله متمنيّا خلاف ما كان، وأمّا نفعه ممّا لم ينزل فهو أن يصرفه عنه أو يمدّه قبل النزول بتأييده من عنده، حتّى يخفّف معه أعباء ذلك إذا نزل به.[1]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 14.


(485)

الحديث 392: وعنهم،[1] عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: الدّعاء ترس المؤمن، ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك.

المصادر: وسائل الشيعة 7: 39، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء، ب 8 ح 7، وقد تقدّم مثله في ص 26 ب 2 ح 4 من هذه الأبواب. وقد مرّ هذا الحديث في الصفحة 483، رقم الحديث 389، فراجع هناك.

الحديث 393: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: ما أبرز عبدٌ يده إلى الله‌ العزيز الجبّار إلاّ استحيى الله‌ عزّوجلّ أن يردّها صفرا حتّى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يردّ يده حتّى يمسح على وجهه ورأسه.

المصادر: الكافي 2: 471، كتاب الدّعاء، باب أنّ مَن دعا استجيب له، ح 2، وسائل الشيعة 7: 51، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء ب 14 ح1، جامع أحاديث الشيعة 5: 575، كتاب الصّلاة، أبواب القنوت، ب6 باب كراهة ردّ اليدين في القنوت على الرأس والوجه في الفرائض و...، ح 2.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «وما أبرز عبد يده إلى الله‌ العزيز الجبّار إلاّ استحيى الله‌ أن يردّها صفرا» الحياء انقباض النفس عن القبيح خوفا من الذمّ وإذا نسب إليه تعالى يراد به الترك اللاّزم للانقباض.[2]

قال العلاّمة المجلسي:

والحياء انقباض النفس عن القبيح... وقيل: استعير الاستحياء للمنافاة لعظمته


--------------------------------------------------

1. أي عدّة من أصحابنا.

2. شرح اُصول الكافي 10: 209.


(486)

وقدرته وعزّته تعالى. وقال الطيّبي: الحياء تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يعاب به ويذمّ وهو على الله‌ محال فيحمل على التمثيل مثل تركه تعالى تخييب العبد وإنّه لا يردّ يده صفرا من عطائه لكرمه بترك من يترك إذ المحتاج إليه حياء منه، وقال: صفر الشئبالكسر أي خلا والمصدر صفر بالتحرّك ويستوى فيه المذكّر والمؤنّث والتثنية والجمع، وفي المصباح بيت صفر وزان حمل أي خال من المتاع، وهو صفر اليدين ليس فيهما شئمأخوذ من الصفر وهو الصوت الخالي من الحروف، وصفر الشئمن باب تعب إذا خلا فهو صفر وأصفر بالألف لغة.

وفي القاموس: الصفر مثلّثة وككتف وزبر: الخالي. وفيه إشعار بأنّه تعالى إمّا يستجيب هذه الحاجة إن علم صلاحه فيه أو يجعل في يده ما هو خير له من تلك الحاجة، ويدلّ على استحباب مسح الرأس والوجه باليدين بعد رفعهما بالدُّعاء، وقد ورد النهي عنه في صلاة الفريضة فهو محمول على غيره.

ولندفع هنا شبهة تخطر ببال أكثر الناس: أنّه سبحانه وعد إجابة الدّعاء، وخلف الوعد عليه تعالى محال كما عرفت، وأيضا ورد ذلك في كثير من الآيات والأخبار ويمتنع صدور الكذب عنه تعالى وعن حججه عليهم‌السلام.

ويمكن الجواب عنه بوجوه:

الأوّل: إنّ الوعد مشروط بالمشيئة أي أجيب إن شئت، ويدلّ عليه قوله: «فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ».[1]

الثاني: ما قيل: أنّه أراد بالإجابة لازمها وهو السماع فإنّه من لوازم الإجابة


--------------------------------------------------

1. الأنعام 6: 41.


(487)

فإنّه يجيب دعوة المؤمن في الحال ويؤخّر إعطائه ليدعوه ويسمع صوته فإنّه يحبّه.

الثالث: أنّها مشروطة بكونها مصلحة وخيرا؛ إذ الحكيم لا يترك ما هو موجب لصلاح أحوال العباد بما هو مقتضى شهواتهم، كما قال سيّد الساجدين صلوات الله‌ عليه: يا من لا تُبدّل حكمته الوسائل، وذلك كما إذا قال كريم أنا لا أردّ سائلاً ثمّ أتى سيفه وطلب منه ما يعلم أنّه يقتله والسائل لم يعلم ذلك، أو أتى صبيّ جاهل وطلب أفعى لحسن نقشه ونعومته ولا يعلم أنّه يقتله ولا يبالي بذلك فالحكمة والوجود يقتضيان منعهما لا إعطائهما، ولو أعطاهما ذمّه العقلاء.

فظهر أنّه لابد أن يكون هذا الوعد من الحكيم مشروطا ومنوطا بالمصلحة، فإن قيل: فإذا كان هكذا فما فائدة الدّعاء فإنّ ما كان صلاح العباد فيه يأتي أمنه لا محالة.

قلت: يمكن أن يكون مع الدّعاء الصلاح في الإعطاء ومع عدمه الصلاح في منعه.

فعلى هذا المطالب ثلاثة أقسام: الأوّل: أن تكون المصلحة في الإعطاء على كلّ حال كالرزق الضروريّ وأمثاله. الثاني: أن لا تكون المصلحة في الإعطاء بوجه. الثالث: أن تكون المصلحة في العطاء مع الدّعاء وفي العدم مع عدمه.

وإنّما يظهر أثر الدّعاء في الثالث، ولمّا لم يكن لعامّة الخلق التميّز بين تلك الأقسام فلذا أمروا بالدُّعاء عموما فيما لم يكن عدم المصلحة فيه ظاهرا ولم يكن ممتنعا عقلاً أو عادة أو محرّما شرعا ليحصل بذلك القرب والثواب، فإن لم يستجب ينبغي أن لا ييئس ويعلم أنّه سبحانه إنّما لم يستجب لما علم أنّه ليس له في ذلك مصلحة أو لإخلاله ببعض شرائط الدّعاء أو غير ذلك.


(488)

الرابع: إنّ لكلِّ عبادة شرائط لحصولها وموانع عن قبولها، فلمّا لم تتحقّق الشرائط ولم ترتفع الموانع لم يترتّب عليها آثارها الدنيويّة والأخرويّة كالصلاة إذ ورد فيها: من صلّى دخل الجنّة، أو زيد في رزقه مثلاً، فإذا صلّى بغير وضوء أو فعل ما يبطلها أو يحبطها لم تترتّب عليها آثارها الدنيويّة والأخرويّة، وإذا قال الطبيب: السقمونيا مسهّل، فإذا شرب الإنسان معه ما يبطل عمله كالأفيون فهو لا يبطل قول الطبيب ولا ينافي حكمه في ذلك.

فكذا الدُّعاء استجابتها وقبولها وترتّب الأثر عليها مشروطة بشرائط فإذا أخلّ بشيء منها لم تترتّب عليه الاستجابة، وقد وردت أخبار كثيرة في شرائط الدّعاء، ومنافياته كما مرّ بعضها وسيأتي، فقد يكون سبب عدم الإجابة ذلك، وقد قال سبحانه: «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ».[1]

الخامس: أنّ الإجابة لا تلزم أن تكون معجّلة فيمكن أن يستجاب الدُّعاء ويتأخّر ظهور أثره إلى زمان طويل لبعض المصالح، إذ قد ورد أنّه كان بين قوله تعالى: «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا»[2] وبين غرق فرعون أربعين سنة وسيأتي أنّ الله‌ يؤخّر إجابة دعاء المؤمن لحبّه استماع صوته إلى غير ذلك من الوجوه والمصالح.

السادس: إنّه قد يعطي الله‌ تعالى لمن لا يعلم صلاحه في إعطاء ما سأله أضعاف تلك الحاجة في الدنيا والآخرة حتّى إذا رأى في الآخرة ما عوّضه الله‌ لذلك تمنّى أنّه لم يستجب له حاجة في الدنيا، فيصدق أنّه استجاب دعاءه على الوجه الأكمل كما إذا طلب أحد من ملك شيئا يسيرا علم أنّه يضرّه فمنعه ذلك وأعطاه جوهرة يسوى عشرة الآف دينار فلا يقال حينئذٍ أنّه لم يقض حاجته، بل


--------------------------------------------------

1. البقرة 2: 40.

2. يونس 10: 89.


(489)

يقال أنّه أعطاه مسؤوله على أتمّ وجه. وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب عين الحياة.[1]

الحديث 394: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله‌ عليه: لا يقبل الله‌ عزَّوجلَّ دعاء قلب لاه. وكان عليّ عليه‌السلام يقول: إذا دعا أحدكم للميّت فلا يدعو له وقلبه لاه عنه، ولكن ليجتهد له في الدُّعاء.

المصادر: الكافي 2: 473، كتاب الدّعاء، باب الإقبال على الدّعاء، ح2، وسائل الشيعة 7: 54، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء، ب 16 ح 3، جامع أحاديث الشيعة 15: 221، كتاب الدّعاء، أبواب الدّعاء ب 6 باب ما ورد في الإقبال بالقلب حالة الدّعاء، و...، ح4.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «دعاء قلب لاه» أي غافل أو مشتغل باللّهو والخيالات الباطلة، قال الراغب: اللّهو ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه ويهمّه يقال: لهوت عنه بكذا ولهيت عن كذا، اشتغلت عنه بلهو، وقوله تعالى: «لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ»،[2] أي ساهية مشتغلة بما لا يعنيها.

وقوله: «اذا دعا أحدكم للميّت» التخصيص بالميّت لأنّه أحوج إلى الدُّعاء، ولأنّه قد شاع أنَّ الناس يأتون للتعزية والزيارة ويدعون للميّت على سبيل التعارف من غير عزم واهتمام.

وقوله: «فلا يدعو» نهي في صورة الخبر أو هو بمعناه، والغرض بيان أنَّ الدّعاء على هذا الوجه ليس دعاء للميّت، والأوّل أظهر.[3]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 18 ـ 21.

2. الأنبياء 21: 3.

3. مرآة العقول 12: 26.


(490)

الحديث 395: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: رحم الله‌ عبدا طلب من الله‌ عزَّوجلَّ حاجة فألحّ في الدُّعاء استجيب له أو لم يستحب [له]،[1] وتلا هذه الآية: «وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّا».[2]

المصادر: الكافي 2: 475، كتاب الدّعاء، باب الإلحاح في الدُّعاء والتلبّث، ح 6، وسائل الشيعة 7: 58، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء، ب 20 ح 4، جامع أحاديث الشيعة 15: 263، كتاب الدّعاء، أبواب الدّعاء، ب 14 باب استحباب الإلحاح في الدُّعاء و...، ح2.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

وقال الله‌ تعالى حكاية عن إبراهيم عليه‌السلام حيث قال مخاطبا لقومه: «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله‌».[3]

قال الطبرسي رحمه‌الله: أي وأتنحّى منكم جانبا واعتزل عبادة ما تدعون من دون الله‌ «وَأَدْعُو رَبِّي» قال: أي أعبد ربّي «عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّا»[4] كما شقيتم بدعاء الأصنام، وإنّما ذكر عسى، على وجه الخضوع، وقيل: معناه لعلّه قبل طاعتي وعبادتي ولا اشقى بالردّ فإنّ المؤمن بين الخوف والرّجاء، وقال البيضاوي: شقيّا أي خائبا ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتكم، انتهى.

ولنذكر معنى الخبر وسبب الاستشهاد بالآية قوله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: استجيب له، أي سريعا ولم يستجب أي كذلك أو لم يستجب في حصول المطلوب، ولكن عوّض له في الآخرة.


--------------------------------------------------

1. ليس في الوسائل: «له».

2-4. مريم 19: 48.


(491)

والحاصل أنّه لا يترك الإلحاح لبطؤ الإجابة فالاستشهاد بالآية لأنّ إبراهيم عليه‌السلام، أظهر الرّجاء بل الجزم إذ الظاهر أنَّ عسى موجبة في عدم شقائه بدعاء الرّبّ سبحانه، وعدم كونه خائبا ضائع السّعي كما خابوا وضلّ سعيهم في دعاء آلهتهم كما ذكره المفسّرون، ويحتمل أن يكون في الكلام تقدير أي فرضي بعد الإلحاح سواء استجيب له أم لم يستجب، ولم يعترض على الله‌ تعالى لعدم الإجابة ولم يسئظنّه به. فالإستشهاد بالآية بحملها على أنَّ المعنى عسى أن لا يكون دعائي سببا لشقاوتي وضلالتي.

ويحتمل أن يكون ذكر الآية لمحض بيان فضل الدّعاء.[1]

الحديث 396: عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: ما من يوم يأتي على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم: يابن آدم، أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيّ خيرا وأعمل فيّ خيرا أشهد لك به[2] يوم القيامة، فإنّك لن تراني بعدها أبدا. قال: وكان عليّ عليه‌السلام إذا أمسى يقول: مرحبا باللّيل الجديد، والكاتب الشهيد، اكتبا على اسم الله‌، ثمّ يذكر الله‌ عزّوجلّ.

المصادر: الكافي 2: 523، كتاب الدّعاء، باب القول عند الإصباح والإمساء، ح 8، وسائل الشيعة 7: 71، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء، ب 27 ح 5، جامع أحاديث الشيعة 15: 293، كتاب الدّعاء، أبواب الدّعاء ب 23 باب استحباب الدّعاء، والذِّكر و...، ح 10.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «قال له ذلك اليوم يا ابن آدم أنا يوم جديد» ذلك القول إمّا بلسان الحال أو المقال وينبغي للمؤمن أن يسمعه بأذن القلب ويعمل بمقتضاه.[3]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول: 12: 31.

2. ليس في الوسائل: «به».

3. شرح اُصول الكافي 10: 283.


(492)

قال العلاّمة المجلسي:

قوله: «إلاّ قال له» أي اليوم بلسان الحال أو الملك الموكّل به بلسان المقال، وقيل: يبقى للأقوال والأفعال والأعمال آثار في بدن الإنسان تظهر في القيامة فهي شهادتها، نسبت إلى اليوم مجازا فهو يخوّف الإنسان بلسان الحال من ذلك، وقد يقال: أنّ للجمادات وسائر الموجودات أرواحا وشعورا وتسبيحا، كما قال تعالى: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ»[1] والإيمان الإجمالي بامثال ذلك، وعدم الخوض فيها أحوط وأولى.

«فإنّك لن تراني بعدها» الضمير راجع إلى الأعمال والأقوال، أو إلى السّاعات والأزمنة، وفي الفقيه بعد هذا أبدا ويمكن أن يكون المراد عدم الرؤية في دار التكليف، فلا ينافي الشهادة يوم القيامة، والغرض أنّي لا أرجع إليك في الدنيا حتّى يمكّنك تدارك مافات فيَّ، واليوم الآخر الذي تدركه له حقوق عليك وأعمال تختصّ به فلا يمكن تدارك ذلك فيه أيضا.

وقال الجوهري: الرُّحب بالضمّ السّعة، وقولهم مرحبا وأهلاً أي أتيت سعة وأتيت أهلاً. فاستانس ولا تستوحش، انتهى.

وقيل: منصوب بفعل محذوف، والباء للسببيّة أي صادفنا سعة في الحال وسرورا بسبب مجيئك، «والكاتب الشهيد» أي الشاهد عليَّ أو الحاضر، والخطاب في «اكتبا» للملكين، وكون الخطاب لليوم، والملك بعيدٌ، وعلى التقديرين المراد بالكاتب الجنس، والأمر لكاتب السيئات بالتّبع، أو لمدخليته في كتابة الحسنات أيضا «على إسم الله‌» أي مستعينا بذكر إسم الله‌، أو بعون الله‌، أو ابتدء بكتابة اسمه تعالى، ثمّ اكتبا أعمالي ويمكن أن يقرأ «عليّ» بتشديد الياء أي


--------------------------------------------------

1. الإسراء 17: 44.


(493)

لي، لكنّه بعيدٌ، والضّمير المستتر في يذكر عائد إلى عليّ عليه‌السلام.[1]

الحديث 397: عدّة من أصحابنا: عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: من سرّه أن يستجاب له دعوته فليطب مكسبه.

المصادر: الكافي 2: 486، كتاب الدّعاء، باب الثناء قبل الدّعاء، ح 9، وسائل الشيعة 7: 84، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء ب32 ح2، وفيه «تستجاب دعوته» بدل «يستجاب له دعوته» و«فليطيب» بدل «فليطب»، جامع أحاديث الشيعة 15: 294، كتاب الدّعاء أبواب الدّعاء، ب 24 باب أنَّ من سرّه أن تستجاب دعوته... ح1.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

«والمكسب» إمّا مصدر ميمي أو إسم مكان، والفعل كضرب، وطيب المكسب، هو أن يكون من حلال، والمراد ما يصرفه في المأكل والملبس أو مطلقا وهو أظهر.[2]

الحديث 398: محمّد بن عليّ بن الحسين في (الأمالي) قال: حدّثنا أبي رضى‌الله‌عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار،[3] عن سهل بن زياد الآدمي،[4] عن عليّ بن الحكم، عن حمّاد بن عبدالله‌، عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلامقال: إذا قال العبد وهو ساجد، يا الله‌، يا ربّاه، يا سيّداه، ثلاث مرّات أجابه تبارك وتعالى: لبّيك عبدي، سلْ حاجتك.

المصادر: أمالى الصدوق: 496، المجلس 64 ح 6، وسائل الشيعة 7: 86، كتاب الصّلاة، أبواب الدُّعاء، ب 33 ح5. جامع أحاديث الشيعة 6: 170، كتاب الصّلاة، أبواب التعقيب، ب 25 باب فضل سجدتي الشّكر و...، ح 44.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 228.

2. مرآة العقول 12: 74.

3. ليس في الوسائل: «العطّار».

4. ليس في الوسائل: «الآدمي».


(494)

الحديث 399: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: لا تجعلوني كقدح الرَّاكب، فإنّ الرَّاكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء، إجعلوني في أوّل الدُّعاء وفي آخره وفي وسطه.

المصادر: الكافي 2: 492، كتاب الدّعاء، باب الصّلاة، على النبيّ محمّد وأهل بيته عليهم‌السلام، ح5، وسائل الشيعة 7: 94، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء، ب 36 ح 7، وفيه: «وفي وسطه وفي آخره» بدل «وفي آخره وفي وسطه»، جامع أحاديث الشيعة 15: 241، كتاب الدّعاء، أبواب الدّعاء، ب10 باب أنّ الدّعاء محجوب...، ح 19.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: لا تجعلوني كقدح الرّاكب» مثله في كتب العامّة أيضا وفي النّهاية والفائق، أراد لا تؤخّروني في الذّكر لأنّ الرّاكب يؤخّر القدح إلى أن يرفع كلّ شيء بسبب ما فيه من الماء وربما يحتاج إليه فيستعمله ويشربه ثمّ يعلّقه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله من خلفه.[1]

قال الفيض الكاشاني:

بيان: قال ابن الأثير: يعني لا تؤخّروني في الذّكر لأنّ الرّاكب يُعلّق قدحه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله خلفه، انتهى. ولعلّ المراد من الحديث أنّ الرّاكب لا يذكر قدحه إلاّ إذا عطش وأراد أن يشرب فحينئذٍ يملأه ويشربه وأمّا في سائر الأوقات فهو عنه في غفلة.[2]

قال المولى المجلسي:

وفي النهاية: لا تجعلوني... ويجعله خلفه.


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 10: 233.

2. كتاب الوافي 9: 1515.


(495)

ويمكن أن يكون المراد به عدم الإهتمام به لأنّ قدح الماء الذي يشرب مرّة واحدة، فيكون المراد به الاكتفاء بمرّة واحدة، بل ينبغي أن يكون في الأوّل والوسط والآخر، أو لأنّ المباشر يشرب أحيانا مع العطش فلا تجعلوا ذكري عند الضرورة وعلى هذا يكون «اجعلوني» فردا منه ويكون المراد به أن كونوا أبدا مشتغلين بالصلاة عليَّ سيّما في حال الدُّعاء بتكرار اسمي ثلاثا.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

ورواه العامّة أيضا بأسانيد.

قال حسّان: «كما نيط خلق الرّاكب القدح الفرد».

وقال في باب الغين والميم: فيه «لا تجعلوني كغمر الرّاكب، صلّوا عليَّ أوّل الدُّعاء وأوسطه وآخره».

الغُمَر ـ بضمّ الغين وفتح الميم ـ القدح الصغير، أراد أنَّ الرّاكب يحمل رحله وأزواده ويترك قعبه إلى آخر ترحاله ثمّ يعلّقه على رحله كالعلاوة فليس عنده بمهمّ، فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغُمَر الذي لا يقدّم في المهامّ ويجعل تبعا. انتهى.

وقال في الفائق: أراد لا تؤخّروني في الذِّكر لأنّ الرّاكب يؤخّر القدح إلى أن يرفع كلّ شيء بسبب ما فيه من الماء.

وربما يحتاج إليه فيستعمله ويشربه ثمّ يعلّقه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله خلفه.

وأقول: يظهر من هذا الخبر معنى آخر وهو أنَّ وجه الشبه أنّ الراكب لا يذكر قدحه إلاّ إذا عطش وأراد أن يشرب فحينئذٍ يملؤه ويشربه، وأمّا في سائر


--------------------------------------------------

1. روضة المتقين 12: 45.


(496)

الأوقات فهو عنه في غفلة.

وقيل «في» في المواضع بمعنى «مع» والمعنى إذا كان لك حوائج فصلّ قبل كلّ دعاءٍ ولا تكتفِ بالصلاة مرّة قبل جميع الدعوات، فوجه الشبه النسيان في أكثر الأوقات، انتهى.

وأقول: ظاهر الخبر أنّه ليس الغرض من التشبيه ما فهمه المخالفون بل المعنى «لا تجعلوني كقدح الرّاكب» لا يذكره إلاّ إذا عطش واضطرّ إليه، فيلتفت إليه ويشرب منه، وأمّا في سائر الأوقات فهو غافل عنه كما مرّ، أو الغرض أنّ الرّاكب يملأ القدح أوّلاً ويشربه كلّما اضطرّ إليه فلا تجعلوا الصلاة كذلك بأن تصلّوا أوّلاً وتكتفوا بذلك في سائر الدّعوات، فقوله: «إذا شاء» متعلّق بيشربه فقط، أو المعنى ينبغي أن لا يكون غرضكم من الصّلاة التوسّل بها إلى الإجابة فقط فتذكروها في أوّل الدُّعاء ثمّ تبالغوا في حاجتكم وتهتمّوا بها، بل ينبغي أن يكون إهتمامكم بالصلاة أكثر فتكرّروها في أوّل الدّعاء ووسطه وآخره، وتجعلوها مقصودكم الحقيقي كما أومأنا إليه في الخبر الأوّل.

فشبّه عليه‌السلام الصلاة الّتي جعلها وسيلة الإجابة بالقدح وملئها فإنّها وسيلة للشرب عند الحاجة والمقصود الحقيقي هو الشرب، ويمكن تطبيقه على ما فهمه اللغويّون بتكلّف بأن يكون قوله: يملأ قدحه، لبيان علّة تأخير تعليق القدح فإنّه مملوٌّ من الماء ويحتمل عنده احتياجه إليه فلذا يؤخّر تعليقه، ولمّا كان أصل المثل مشهورا لم يذكره عليه‌السلام.

فقوله: «إن شاء» متعلّق بالشرب، ويمكن تعلّقه بيملأ أيضا ويكون الغرض ما ذكروه أيضا أي إنّما يعلّقه في آخر رحله لأنّه ليس الاحتياج إليه مستمرا بل قد يحتاج أحيانا بأن يعطش فيأخذه ويملؤه ويشرب منه، فلا تجعلو الصلاة هكذا.


(497)

والفرق بين الوجوه وتطبيقها على الخبر لا يخفى على المتأمّل.[1]

الحديث 400: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح عن أبي عبد الله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: إذا دعا أحدكم فليعمَّ، فإنّه أوجب للدّعاء.

المصادر: الكافي 2: 487، كتاب الدّعاء، باب العموم في الدّعاء، ح 1، وسائل الشيعة 7: 106، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء، ب 40 ح1، جامع أحاديث الشيعة 15: 301، كتاب الدّعاء، أبواب الدُّعاء، ب 26 باب من دعا فليعمّ...، ح1.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

«فليعمّ» على بناء المجرّد من باب نصر أي يدخل المؤمنين في دعائه وظاهره الدخول في اللفظ ففيه رخصة لتغيير الدعوات المنقولة من لفظ المتكلّم مع الغير، ويمكن الاكتفاء بالقصد أو يدعو بعد تلاوة الدُّعاء المنقول تشريكهم في دعائه فإنّه أوجب للدُّعاء، قيل: اللاّم للتعدية.

وأقول: كأنّه من الوجوب لا من الجوب والإجابة أي ألزم للدُّعاء ولزوم الدّعاء استحقاقه للإجابة، قال في النهاية: فيه أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله‌ أيّ اللّيل أجوب دعوة؟ قال: جوف اللّيل الغابر أجوب، أي أسرع إجابةً كما يقال: أطوع، من الطّاعة، وقياس هذا أن يكون من جانب لا من أجاب، لأنّ ما زاد على الفعل الثلاثي لا يبنى منه أفعل من كذا إلاّ في أجوف جاءت شاذّة، قال الزمخشري: كأنّه في التقدير: من جابت الدّعوة بوزن فعلت بالضمّ كطالت أي صارت مستجابة كقولهم في فقير وشديد كأنّهما من فقر وشدد وليس ذلك بمستعمل، ويجوز أن يكون من جبت الأرض إذا قطعتها بالسير على معنى أمضى دعوة وأنفذ إلى مظانّ القبول، انتهى.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 93.


(498)

فيحتمل أن يكون في الرواية أجوب وما ذكرنا أظهر.[1]

الحديث 401: عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد؛ و[2] عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن ثوير قال: سمعت عليّ بن الحسين عليهماالسلام يقول: إنَّ الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب أو يذكره بخير قالوا: نِعْمَ الأخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير وهو غائب عنك، وتذكره بخير، قد أعطاك الله‌ عزَّوجلَّ مثلَي ما سألت له، وأثنى عليك مثلَي ما أثنيتَ عليه، ولك الفضلُ عليه، وإذا سمعوهُ يذكرُ أخاه بسوءٍ، ويدعُو عليهِ قالوا له: بئسَ الأخ أنتَ لأخيك كُفَّ أيّها المُسَتّر على ذنوبهِ وعورته وأربع على نفسك[3] واحمد الله‌ الذي سَتَرَ عليك واعلم أنَّ الله‌ عزَّوجلَّ أعلَمُ بعبدهِ منكَ.

المصادر: الكافي 2: 508، كتاب الدّعاء، باب الدّعاء للأخوان بظهر الغيب، ح 7، وأورد صدر الحديث في وسائل الشيعة 7: 111، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء ب 42 ح 2، وذيله في ص 131، ب 53 ح 2، من هذه الأبواب، جامع أحاديث الشيعة 15: 309، كتاب الدّعاء، أبواب الدّعاء، ب 27 باب دعوة المظلوم مستجابة، ح 27.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «كُفَّ أيّها المستّر على ذنوبه وعورته» يجوز في المستّر كسر التاء وفتحها والتشديد للمبالغة والتكثير، والعورة العيب. «وأربع على نفسك» ربع كمنع وقف وتحبّس ومنه قولهم أربع عليك أو على نفسك يعنى قف على نفسك واقتصر عليها.[4]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 78.

2. في الوسائل زيادة: «عن».

3. وأربَعْ على نفسك، أي أرفُقْ بنفسك وكُفَّ وتمكّث ولا تعجل. مجمع البحرين 2: 668، انظر مادة «ربع»

4. شرح اُصول الكافي 10: 259.


(499)

قال العلاّمة المجلسي:

الحديث يمكن أن يعدَّ حسنا.

قوله: «مثل ما سألت» وفي بعض النسخ مثلي بالتثنية في الموضعين، ولعلّ قوله: «ولك الفضل عليه» يؤيّد الإفراد أي وإن كنت في العطاء، والثناء مثله، ولكن لك الفضل عليه، حيث أحسنت إليه، وصرت سببا لحصول ما سألت له، وعلى نسخة التثنية أيضا لعلّه هو المراد، وعلى النسختين، يحتمل أن يكون إشارة إلى تضاعف العطاء، والثناء فلا تنافي نسخة الإفراد، سائر الأخبار الدالة على تضاعف ما سأل، وأمّا في الثناء فالفضل ظاهر فإنّه لا نسبة بين ثناء الله‌ في الملأ الأعلى، وثناء العبد في الأرض و«المستّر» على بناء المجهول من التفعيل، أو الإفعال، وما قيل أنّه على بناء الفاعل فهو بعيد، و«العورة» العيب، وما يستحيي منه، وقال الجوهري: ربع الرّجل يربع، إذا وقف وتحبّس، ومنه قولهم أربع على نفسك وأربع على طلعك أي أرفق بنفسك وكفّ، انتهى.

والمعنى اقتصر على النظر في حال نفسك، ولا تلتفت إلى غيرك.

واعلم أنّ الله‌ أعلم بعبده منك فإن علم صلاحه وصلاح سائر عباده في دفعه يدفعه، وفي ابتلائه يبتليه، وفي عافيته يعافيه، ولا يحتاج في شئمن ذلك إلى تعليمك، وقيل: المعنى إن كان الباعث على الدُّعاء، أو ذكره بسوء طلب الاستجابة، فبئس ما قصدت في حقّ أخيك. ولا يستجاب لك، وإن كان الباعث اظهار برائتك من العيب فكفاك هذا العيب، وهو الدّعاء على أخيك وذكرك إيّاه بالسّوء وإن كان الغرض عرض حاله على الله‌ فهو أعلم به منك.[1]

الحديث 402: وعنهم،[2] عن سهل بن زياد، وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 169.

2. أي: عدّة من أصحابنا.


(500)

جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن ثوير، قال: سمعت عليّ بن الحسين عليه‌السلام يقول ـ في حديث ـ إنّ الملائكة إذا سمعوا المؤمن يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا له: بئس الأخ أنت لأخيك، كُفّ أيّها المستّر على ذنوبه وعورته، وأربع على نفسك، واحمد الله‌ الذي ستر عليك، واعلم أنّ الله‌ عزَّوجلَّ أعلم بعبده منك.

المصادر: وسائل الشيعة 7: 131، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء، ب 53 ح 2، وأورد صدره في ص 111، ب42 ح2 من هذه الأبواب. قد مرّ الحديث في الصفحة 498، رقم الحديث 401، فراجع هناك.

الحديث 403: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبدالله‌ بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار قال: شكوت إلى أبي عبدالله‌ عليه‌السلام جارا لي وما ألقى منه، قال: فقال لي: اُدعُ عليه، قال: ففعلت فلم أرَ شيئا، فعدتُ إليه فشكوت إليه، فقال لي: اُدعُ عليه قال: فقلت: جعلت فداك، قد فعلت فلم أرَ شيئا، فقال: كيف دعوت عليه؟ فقلت: إذا لقيته دعوت عليه، قال: فقال: اُدعُ عليه إذا أدبر[1] و [إذا] استدبر، ففعلت فلم ألبث حتّى أراح الله‌ منه.

المصادر: الكافي 2: 511، كتاب الدّعاء، باب الدّعاء على العدو، ح1، وسائل الشيعة 7: 132، كتاب الصّلاة، أبواب الدّعاء ب 54 ح 2، جامع أحاديث الشيعة 15: 330، كتاب الدّعاء، أبواب الدّعاء ب 35 باب في الدّعاء على العدو، ح 7.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «اُدعُ عليه إذا أقبل وإذا استدبر» الظاهر من الاستدبار ضد الإقبال وإرادة الغيبة احتمال بعيد.[2]


--------------------------------------------------

1. في هامش الكافي: وفي بعض النسخ: «إذا أقبل».

2. شرح اُصول الكافي 10: 263.