تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
سخن موسس فقید
سخن موسس فقید
مسند سهل بن زياد الآدمى (جلد اول)

(101)

المدح بقولهم: فلان غاز، فتركه فتاقت نفسه إليه فأقبل يعرض على ذلك الرّياء حتّى أزاله، ولم يزل يتفقّدها شيئاً بعد شيء حتّى وجد الإخلاص مع بقاء الانبعاث فاتّهم نفسه وتفقّد أحوالها فإذا هو يحبّ أن يُقال مات فلان شهيداً لتحسن سمعته في الناس بعد موته، وقد يكون ابتداء النيّة إخلاصاً وفي الأثناء يحصل الرّياء، فيجب التحرّز منه، فإنّه مفسدٌ للعمل. نعم، لا يكلّف بضبط هواجس النفس وخواطرها بعد إيقاع النيّة في الابتداء خالصة، فإنّ ذلك معفوٌّ عنه، كما جاء في الحديث: إنّ الله‌ تجاوز لأُمّتي عمّا حَدَّثت به أنفسها.

وأقول: قد مرّ بعض القول في ذلك في باب الإخلاص.[1]

الحديث 9: عدّة من أصحابنا، عن سهل[2] بن زياد، عن محمَّد بن الحسن بن شمّون، عن عبدالله‌ بن عبد الرّحمن، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق.

المصادر: الكافي 2: 396، كتاب الإيمان والكفر، باب صفة النفاق والمنافق، ح6، وسائل الشيعة 1: 66، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب11 ح7، ذكر في السند «ابن شمّون» بدل «محمَّد بن الحسن بن شمّون» و «الأصمّ» بدل «عبدالله‌ بن عبدالرّحمن» و «مسمع» بدل «مسمع بن عبد الملك».

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق» تساوي خشوع القلب والجسد وزيادة الأوّل على الثاني من صفات الإيمان، وأمّا العكس فهو نفاق وإن كان المتّصف به على هذا الأمر.[3]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 10: 87 ـ 103 وبحار الأنوار 69: 266 ـ 281.

2. ليس في الوسائل: «بن زياد».

3. شرح اُصول الكافي 10: 80.


(102)

قال العلاّمة المجلسي:

وكلمة «ما» شرطيّة زمانيّة، نحو: «فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ»[1] ولذا لم يحتج إلى العائد، ويدلّ على أنَّ زيادة خشوع البدن على خشوع القلب من الرّياء، وهو من النفاق، وفي قوله: «عندنا» إيماء إلى أنّه ليس بنفاق حقيقيّ بل هو خصلة مذمومة شبيهة بالنفاق.[2]

الحديث 10: وعنهم، عن سهل،[3] وعن عليّ بن إبراهيم، عن محمَّد بن عيسى بن عبيد، عن محمَّد بن عرفة، قال: قال لي الرِّضا عليه‌السلام: ويحك يا ابن عرفة، اعملوا لغير رياء، ولا سُمعة، فإنّه مَنْ عمل لغير الله‌ وكَلَه الله‌ إلى ما عمل، ويحك! ما عمل أحدٌ عملاً إلاّ رداه الله‌ به، إنْ خيراً فخيراً، وإنْ شرّاً فشرّاً.

المصادر: وسائل الشيعة 1: 66، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب11 ح8.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «ما عمل أحد عملاً إلاّ رداه الله‌» التردية رداء بر كسى أفكندن، شبّه العمل بالرداء في الإحاطة والشمول. «إن خيراً فخيراً وإنْ شرّاً فشرّاً» أي إن كان عمله خيراً فكان جزاؤه خيراً، وإنْ كان عمله شرّاً فكان جزاؤه شرّاً.[4]

قال العلاّمة المجلسي:

وفي النهاية: ويح كلمة ترحّم وتوجّع، يُقال: لمَن وقع في هلكة لا يستحقّها،


--------------------------------------------------

1. التوبة 9: 7.

2. مرآة العقول 11: 173.

3. في الكافي 2: 294، كتاب الإيمان والكفر، باب الرِّياء، ح5، لم ينقل عن سهل، وفيه: «إلاّ ردّاه الله‌، إنْ خيراً فخيرٌ، وإنْ شرّاً فشرٌّ» وجامع أحاديث الشيعة 1: 492، أبواب المقدّمات، ب13 باب وجوب النيّة في العبادات الواجبة و...، ح37، عن الكافي.

4. شرح أُصول الكافي 9: 278.


(103)

وقد يُقال: بمعنى المدح والتعجّب وهي منصوبة على المصدر وقد ترفع وتضاف ولا تضاف، انتهى.

و «السّمعة» بالضمّ وقد يفتح يكون على وجهين:

أحدهما: أن يعمل عملاً ويكون غرضه عند العمل سماع الناس له كما أنَّ الرّياء هو أنْ يعمل ليراه الناس فهو قريبٌ من الرّياء بل نوعٌ منه.

وثانيهما: أنْ يسمع عمله الناس بعد الفعل، والمشهور أنّه لا يبطل عمله بل ينقص ثوابه أو يزيله كما سيأتي وكأنَّ المراد هنا الأوّل.

في القاموس: وما فعله رياءاً ولا سمعة وتضمّ وتحرّك، وهي ما نوّه ليرى ويسمع، انتهى.

قوله: «إلى مَنْ عمل» أي إلى من عمل له، وفي بعض النسخ إلى ما عمل أي إلى عمله أي لا ثواب له إلاّ أصل عمله وما قصده به أو ليس له إلاّ التعب.

«إلاّ ردّاه الله‌ به» ردّاه تردية ألبسه الرّداء أي يلبسه الله‌ رداءاً بسبب ذلك العمل، فشبّه عليه‌السلام الأثر الظاهر على الإنسان بسبب العمل بالرّداء، فإنّه يلبس فوق الثياب ولا يكون مستوراً بثوبٍ آخر.

«إنْ خيراً فخيراً» أي إنْ كان العمل خيراً كان الرداء خيراً وإنْ كان العمل شرّاً كان الرداء شرّاً.

والحاصل: أنَّ مَنْ عمل شرّاً إمّا بكونه في نفسه شرّاً، أو بكونه مشوباً بالرّياء يظهر الله‌ أثر ذلك عليه، ويفضحه بين الناس، وكذا إذا عمل عملاً خيراً وجعله للّه‌ خالصاً ألبسه الله‌ أثر ذلك العمل وأظهر حسنه للناس كما مرّ في الخبر السابق، وقيل: شبّه العمل بالرداء في الإحاطة والشمول إنْ خيراً فخيراً أي إن كان عمله خيراً فكان جزاؤه خيراً، وكذا الشرّ، وربما يقرأ ردئه بالتخفيف والهمز، يُقال: رداه به أي جعله له رداءً وقوّةً وعماداً، ولا يخفى ما فيهما من الخبط والتصحيف


(104)

وسيأتي ما يأبى عنهما.[1]

الحديث 11: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن يحيى بن بشير، عن أبيه، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: مَنْ أراد الله‌ عزّ وجلَّ بالقليل من عمله أظهر الله‌ له أكثر ممّا أراد، ومَنْ أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه وسهر من ليله أبى الله‌ عزّ وجلّ إلاّ أن يقلّله في عين مَنْ سمعه.

المصادر: الكافي 2: 296، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح13، وسائل الشيعة 1: 67، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب11 ذيل ح10، يتبع لذيل ح 9 بحيث قال: وروى الذي قبله عنهم...، جامع أحاديث الشيعة 1: 506، أبواب المقدّمات، ب13 باب وجوب النيّة في العبادات، ح 88.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «من أراد الله‌ عزّ وجلّ بالقليل من عمله أظهر الله‌ له أكثر ممّا أراد» أي أكثر ممّا أراد الله‌ عزّ وجلّ به من العمل، ولعلّ المراد بإظهاره إظهاره على الخلق كما دلّ عليه بعض الروايات ليعرفوه بالتقوى والصلاح فيجمع له خير الدُّنيا والآخرة، ويمكن أن يُراد به إظهاره له يوم فقره وفاقته كما دلّ عليه قوله تعالى: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا»[2] وأراد الأعمّ أولى.

«ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه... إلخ» كأنّ تقليله في أعينهم كناية عن تحقيرهم وبغضهم له كما دلَّ عليه ما رويَ: أنّ رجلاً من بني إسرائيل قال: لأعبدنَّ الله‌ عبادةً أُذكر بها، فمكث مدّة مبالغاً في الطاعات وجعل لا يمرُّ بملاءٍ من الناس إلاّ قالوا متصنّع مرائي، فأقبل على نفسه وقال: قد أتعبت نفسك وضيّعت عمركَ في لا شيء فينبغي أنْ تعمل للّه‌ سبحانه فغيّر نيّته وأخلص


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 10: 107.

2. الأنعام 6: 160.


(105)

عمله للّه‌ فجعل لا يمرُّ بملاءٍ من الناس إلاّ قالوا ورعٌ تقيٌّ.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

«أظهر الله‌ له» في بعض النسخ أظهره الله‌ له، فالضمير للقليل أو للعمل، و«أكثر» صفة للمفعول المطلق المحذوف. «ممّا أراد» أي ممّا أراد الله‌ به، والمراد إظهاره على الناس، ونسبة السّهر إلى الليل على المجاز، وضمير يقلّله للكثير أو للعمل، وقد يقال: الضمير للموصول فالتقليل كناية عن التحقير كما روي[2]... إلخ.[3]

الحديث 12: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمَّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله‌ عليه: اخشوا الله‌ خشيةً ليست بتعدير،[4] واعملوا للّه‌ في غير رياءٍ ولا سُمعة، فإنّه من عمل لغير الله‌ وكَلَه الله‌ إلى عمله.

المصادر: الكافي 2: 297، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح17، وسائل الشيعة 1: 67، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب11، ذيل ح10، وفيه: «بتعذير»[5] بدل «بتعدير»، جامع أحاديث الشيعة 1: 491، أبواب المقدّمات، ب13 باب وجوب النيّة في العبادات الواجبة و...، ح34.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: اخشوا الله‌ ليست بتعذير» في المصباح عذر في


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 280.

2. آنفاً.

3. مرآة العقول 10: 112.

4. نسخة الكافي 2: 225، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح17، الطبعة: «منشورات المكتبة الإسلاميّة» فيها: «بتعذير».

5. وقد ذكر في هامش الوسائل: (في هامش المخطوط، منه قدس‌سره ما نصّه: «العذر معروف، وأعذر: أبدى عذراً وقصّر ولم يبالغ وهو يرى أنّه مبالغ، وعذره تعذيراً: لم يثبت له عذراً»). القاموس المحيط 2: 88.


(106)

الأمر تعذيراً إذا قصر ولم يجتهد، أي اخشوا الله‌ خشية ليست متلبّسة بتقصير وهي الخشية المستلزمة للتوافق بين السرِّ والعلانية وترك محارم الله‌ الظاهرة والباطنة ولزوم حدوده الجاذبة إلى الزهد الحقيقي. وقال الفاضل الأمين الأسترآبادي على ما نُقل عنه: إذا فعل أحدٌ فعلاً من باب الخوف ولم يرضَ به فخشيته خشية تعذير وخشية كراهية، وإنْ رضى به فخشيته خشية رضاء وخشية محبّة.[1]

وقال العلاّمة المجلسي:

قوله: «وخشيته ليست بتعذير» أقول: هذه الفقرة تحتمل وجوهاً:

الأوّل: ما ذكره المحدِّث الأسترآبادي رحمه‌الله ـ كما نقلناه آنفاً ـ.

الثاني: أن يكون التعذير بمعنى التقصير بحذف المضاف أي ذات تعذير، أي لم تكونوا مقصّرين في الخشية، أو الباء للملابسة أي بمعنى مع، قال في النهاية: التعذير التقصير، ومنه حديث بني إسرائيل: كانوا إذا عمل فيهم بالمعاصي نهوهم تعذيراً أي نهياً قصّروا فيه ولم يبالغوا، وضع المصدر موضع إسم الفاعل حالاً كقولهم: جاء مشياً، ومنه حديث الدُّعاء: وتعاطى ما نهيت عنه تعذيراً.

الثالث: أن يكون التعذير بمعنى التقصير أيضاً، ويكون المعنى لا تكون خشيتكم بسبب التقصيرات الكثيرة في الأعمال بل تكون مع بذل الجهد في الأعمال كما ورد في صفات المؤمن يعمل ويخشى.

الرابع: أن يكون المعنى تكون خشيتكم خشية واقعيّة لا إظهار خشية في مقام الاعتذار إلى الناس والعمل بخلاف ما تقتضيه كما مرّ في قوله عليه‌السلام: «ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس... إلخ»، قال الجوهري: المعذّر بالتشديد هو المظهر للعذر من غير حقيقة له في العذر.


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 283.


(107)

الخامس: ما ذكره بعض مشايخنا: أنَّ المعنى اخشوا الله‌ خشية، لا تحتاجون معها في القيامة إلى إبداء العذر.

وكأنّ الثالث أظهر الوجوه.

قوله: «وكَلَه الله‌ إلى عمله» أي يردّ عمله عليه فكأنّه وكَلَه إليه، أو بحذف المضاف، أي مقصود عمله أو شريك عمله أو ليس له إلاّ العناء والتعب كما مرّ.[1]

الحديث 13: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال: الإبقاء على العمل أشدّ من العمل، قال: وما الإبقاء على العمل؟ قال: يصِل الرجل بصلة وينفق نفقة للّه‌ وحده لا شريك له، فكتب[2] له سرّاً، ثمّ يُذكّرها،[3] فتمحى فتُكتب له علانية، ثمّ يُذكّرها، فتُمحى وتُكتَب له رياءً.

المصادر: الكافي 2: 296، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح16، وسائل الشيعة 1: 75 كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب14 ح2، جامع أحاديث الشيعة 1: 519، أبواب المقدّمات، ب15 باب كراهة ذكر العبادة للغير...، ح1.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «الإبقاء على العمل» أي حفظه ورعايته والشفقة عليه من ضياعه، في النهاية: يُقال: أبقيت عليه، أبقى إبقاءاً إذا رحمته، وأشفقت عليه، والإسم البُقيا.

وفي الصحاح: أبقيت على فلان إذا أرعَيتُ عليه، ورحمته، قوله عليه‌السلام: «يصِل»، هو بيان لترك الإبقاء؛ ليعرف الإبقاء، فإنّ الأشياء تُعرَف بأضدادها، «فتكتب» على بناء المجهول، والضمير المستتر راجع إلى كلّ من الصِّلة والنفقة، وسرّاً


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 10: 115.

2. في الوسائل: «فكتبت».

3. في الوسائل والجامع: «يَذكُرُها» بالمعلوم.


(108)

وعلانية، ورياءاً، كلّ منها منصوب ومفعول ثان لتكتب.

وقوله: «فتمحى» على بناء المفعول من باب الإفعال، ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم من باب الافتعال، بقلب التّاء ميماً «فتُكتب له علانية» أي يصير ثوابه أخفّ وأقلّ.

«وتُكتب له رياءاً» أي يبطل ثوابه بل يعاقب عليه، وقيل: كما يتحقّق الرّياء في أوّل العبادة، ووسطها، كذلك يتحقّق بعد الفراغ منها، فيجعل ما فعل للّه‌ خالصاً في حكم ما فعل لغيره فيبطلها، كالأوّلين عند علمائنا، بل يوجب الاستحقاق للعقوبة أيضاً عند الجميع. وقال الغزالي: لا يبطلها لأنّ ما وقع صحيحاً فهو صحيح لا ينتقل من الصحّة إلى الفساد. نعم، الرّياء بعده حرام يوجب استحقاق العقوبة، وقد مرّ بسط القول فيه.[1]

الحديث 14: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: إنّ شيعة عليّ كانوا خمص البطون، ذُبل الشفاه، أهل رأفة، وعلمٍ وحلم، يُعرَفون بالرهبانيّة، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد.

المصادر: الكافي 2: 233، كتاب الإيمان والكفر، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح10، وسائل الشيعة 1: 87، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب20 ح8، وأورد مثله في ج 15: 189، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب4 ح16، جامع أحاديث الشيعة 1: 547، أبواب المقدّمات، ب17 باب كراهة استكثار كثير الخير...، ح35، وفي ج17: 532، كتاب جهاد النفس أبواب جهاد النفس، ب 64، باب مكارم الأخلاق و...، ح48.

الشرح: قال المازندراني :

قوله: «إنّ شيعة عليّ عليه‌السلام كانوا خمص البطون وذبل الشفاه» شيعة الرجل


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 10: 114.


(109)

بالكسر أتباعه وأنصاره، ويقع على الواحد، والإثنين، والجمع، والمذكّر، والمؤنّث، وقد غلب هذا الإسم على كلّ من يتولّى عليّاً عليه‌السلام وأهل بيته حتّى صار إسماً لهم خاصّاً.

والخمص بالفتح والسكون لاغر وگرسنه شدن. يُقال: خمص البطن مثلّثة الميم خمصاً إذا خلا وجاع، والخمص، والخامص، والخميص مرد لاغر وگرسنه، والذبل كذلك خشك شدن لب و بدن ومانندآن، والذبل والذابل مرد خشك لب وبدن، وهما هنا إمّا مصدران والحمل للمبالغة، أو صفتان والإفراد لإسنادهما إلى الظاهر، وأمّا قراءة خُمُص بضمّتين جمع خميص كرغف جمع رغيف، وقراءة ذبَّل بالضمّ وفتح الباء المشدّدة جمع ذابل كطُلَّب جمع طالب فبعيدة. والشفاه جمع شِفَةَ بالفتح، وقد يكسر وشفتا الإنسان طبقتا فمه، وذلك منهم لما علموا من أنّ في البطنة زوال الفطنة، وفوات الرقّة، وحدوث القسوة، والكسل عن العمل، وصرف العمر في تحصيل الزائد، ويمكن أن يكون كناية عن كثرة صيامهم.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

وروى السيّد رضى‌الله‌عنه في الغرر والدرر عن عليّ عليه‌السلام أنّه رأى قوماً على بابه فقال: يا قنبر مَنْ هؤلاء؟ فقال قنبر: هؤلاء شيعتك، فقال: ما لي لا أرى فيهم من سيماء الشيعة؟ قال: وما سيماء الشيعة؟ قال: خمص البطون من الطوى، ذُبل الشفاه من الظماء، عمش العيون من البكاء.

وخماص البطن كناية عن قلّة الأكل، أو كثرة الصوم، أو العفّة عن أكل أموال الناس، وذبل الشفاه إمّا كناية عن الصوم، أو كثرة التلاوة، والدّعاء، والذِّكر، والخُمص بالضمّ أخمص، أو بالفتح مصدر، والحمل للمبالغة، وربما يقرأ خمصاً بضمّتين جمع خميص كرغف ورغيف، والذبل قد يقرأ بالفتح مصدراً، والحمل


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 9: 151.


(110)

كما مرّ، أو بالضمّ، أو بالضمّتين، أو كركّع، والجميع جمع ذابل.

وقال في القاموس: الخمصة الجوعة، والمخمصة المجاعة، وقد خمصه الجوع خمصاً، ومخمصة، وخمص البطن مثلّثة الميم خلا، وقال: ذبل النبات كنصر وكرم ذبلاً وذبولاً ذويَ، وذبل الفرس ضمر، وقنى ذابل رقيق لاصق اللّيط، والجمع ككتّب وركّع. وفي النهاية: رجل خمصان، وخميص إذا كان ضامر البطن، وجمع الخميص خماص، ومنه الحديث خماص البطون، خفاف الظهور أي أنّهم أعفّة عن أموال الناس فهم ضامروا البطون من أكلها، خفاف الظهور من ثقل وِزرها، انتهى.

والرهبانيّة هنا ترك زوائد الدُّنيا، وعدم الانهماك في لذّاتها، أو صلاة الليل كما ورد في الخبر.

«فأعينوا على ما أنتم عليه» أي أعينونا في شفاعتكم زائداً على ما أنتم عليه من الولاية، أو كائنين على ما أنتم عليه.

وقد ورد: أعينونا بالورع، ويحتمل أن يكون المراد بما أنتم عليه من المعاصي، أي أعينوا أنفسكم، أو أعينونا لدفع ما أنتم عليه من المعاصي، وذمائم الأخلاق، أو العذاب المترتّب عليها بالورع، وهذا أنسب لفظاً، فإنّه يقال أعنه على عدوّه.[1]

الحديث 15: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمَّد بن مروان قال: سمعت أبا عبدالله‌ عليه‌السلام يقول: كان رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يصوم حتّى يُقال: لا يفطر، ثمّ صام يوماً وأفطر يوماً، ثمّ صام الإثنين والخميس، ثمّ آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيّام في الشهر: الخميس في أوّل الشّهر، وأربعاء في وسط الشّهر، وخميس في آخر الشّهر، وكان يقول:


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 9: 240.


(111)

ذلك صوم الدّهر، وقد كان أبي عليه‌السلام يقول: ما من أحد أبغض إليَّ مِن رجلٍ يُقال له: كان رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله يفعل كذا وكذا، فيقول: لا يعذّبني الله‌ على أن أجتهد في الصّلاة، كأنّه يرى أنّ رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله ترك شيئاً من الفضل عجزاً عنه.

المصادر: الكافي 4: 90، كتاب الصّيام، باب صيام رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، ح3، وسائل الشيعة 1: 110، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب26 ذيل ح8، جامع أحاديث الشيعة 11: 627، كتاب الصوم، أبواب الصيام المندوب، ب3 باب ما ورد من صيام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام، ح5.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي :

قوله عليه‌السلام: «ما من أحد أبغض إليَّ» لعلّه محمول على ما إذا زاد بقصد السُنّة، بأن أدخلها في السنّة، أو على قصد الزيادة على عمل الرسول صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، واستقلال عمله؛ لئلاّ ينافي ما ورد من الفضل في سائر أنواع الصّيام والصّلاة.[1]

الحديث 16: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمَّد بن سليمان، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبدالله‌ عليه‌السلام إذ دخلَ عليه أبو بصير وقد خَفَرَهُ النَّفَسُ فلمّا أخذ مجلسه قال له أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: يا أبا محمَّد ما هذا النَّفَسُ العالي؟ فقال: جُعِلْتُ فداك يا ابن رسول الله‌ كَبِرَ سنّي ودقَّ عظمي واقترب أجلي مع أنّني لستُ أدري ما أرِدُ عليه من أمر آخرتي، فقال أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: يا أبا محمَّد وإنّك لتقول هذا؟ قال: جُعِلْتُ فداك وكيف لا أقول هذا؟! فقال: يا أبا محمَّد أما علمت أنّ الله‌ تعالى يُكرِمُ الشَّباب مِنكم ويستحيي من الكُهُول؟ قال: قلت: جُعِلتُ فداك فكيف يُكرِمُ الشّباب ويستحيي من الكهول؟ فقال: يُكرِمُ الله‌ الشَّباب أن يُعذّبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم، قال: قلتُ: جُعلت فداك هذا لنا خاصّة أم لأهل التوحيد؟ قال: فقال: لا والله‌ إلاّ لكم خاصّةً دون العالَم، قال: قلتُ: جُعلتُ فداك فإنّا قد نُبِزْنا


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 16: 253.


(112)

نَبْزاً[1] انكسرَت له ظهورُنا وماتت له أفئدتنا واستحلّت له الولاة دِماءنا في حديثٍ رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: الرّافضة؟ قال: قلتُ: نعم، قال: لا والله‌ ما هم سمّوكم ولكنّ الله‌ سمّاكم به، أما علمتَ يا أبا محمَّد أنّ سبعين رجلاً من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لمّا استبانَ لهم ضلالُهُم فلحِقوا بموسى عليه‌السلام لمّا استبانَ لهم هُداه فسُمُّوا في عسكر موسى الرّافضة لأنّهم رفضوا فرعون وكانوا أشدّ أهل ذلك العسكر عبادةً وأشدّهم حبّاً لموسى وهارون وذرّيتهما عليهماالسلام فأوحى الله‌ عزّ وجلّ إلى موسى عليه‌السلام أنْ أثبِت لهم هذا الاسم في التّوراة فإنّي قد سمّيتهم به ونحَلتُهم إيّاه، فأثبت موسى عليه‌السلام الاسم لهم ثمّ ذَخَرَ الله‌ عزّ وجلّ لكم هذا الاسم حتّى نَحَلكمُوهُ، يا أبا محمّدٍ رفضوا الخير ورفضتم الشرّ، افترق الناس كلّ فِرقةٍ وتشعّبوا كُلّ شعبةٍ فانشعبتم مع أهل بيت نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌و‌آله وذهبتم حيث ذهبوا واخترتُم من اختار الله‌ لكم وأردتُم من أرادَ الله‌، فأبشروا ثمّ أبشروا؛ فأنتم والله‌ المرحومون المُتقبَّلُ من مُحسِنكم والمُتَجاوزُ عن مُسيئكم، مَن لم يأتِ الله‌ عزّ وجلّ بما أنتم عليه يوم القيامة لم يُتقبّل منه حسنةٌ ولم يُتجاوَز له عن سيّئةٍ، يا أبا محمَّد فهل سَرَرتُك؟ قال: قلتُ: جُعِلْتُ فِداكَ زِدني، فقال: يا أبا محمَّد إنّ للّه‌ عزّ وجلّ ملائكة يُسقِطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يُسقِط الريح الورق في أوان سقوطه وذلك قوله عزّ وجلّ: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا»[2] استغفارهم والله‌ لكم دون هذا الخلق، يا أبا محمّدٍ فهل سَرَرتك؟ قال: قلتُ: جُعلتُ فِداكَ زِدني، قال: يا أبا


--------------------------------------------------

1. النِبْزُ بالكسر: قشرُ النخلة الأعلى، وبالفتح: اللّمزُ، ومصدَرُ نبَزَه ينبزُه: لَقّبَهُ، كنبّزَهُ، وبالتحريك: اللقب... ورجلٌ نُبَزةٌ، كهُمزَةٍ: يُلقّب الناس كثيراً. والتنابز: التعايرُ، والتداعي بالألقاب. القاموس المحيط 2: 307، انظر مادّة «نبز».

2. غافر 40: 7.


(113)

محمَّد لقد ذَكَرَكم الله‌ في كتابه فقال: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله‌ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»[1] إنّكم وفيتم بما أخذَ الله‌ عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنّكم لم تُبدِّلوا بنا غيرنا ولو لم تفعلوا لعيّركم الله‌ كما عيّرهُم حيث يقول جلَّ ذكره: «وَمَا وَجَدْنَا لاَِكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ».[2]

يا أبا محمَّد فهل سررتُكَ؟ قال: قلتُ: جُعلتُ فداك زِدني، فقال: يا أبا محمَّد لقد ذكَرَكُم الله‌ في كتابه فقال: «إِخْوَانا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ»[3] والله‌ ما أراد بهذا غيركُم، يا أبا محمَّد فهل سررتُكَ؟ قال: قلتُ: جُعِلتُ فداك زِدني، فقال: يا أبا محمَّد: «الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ»[4] والله‌ ما أراد بهذا غيركم، يا أبا محمَّد فهل سررتُكَ؟ قال: قلتُ: جُعلتُ فداك زِدني، فقال: يا أبا محمّدٍ لقد ذكَرَنا الله‌ عزّ وجلّ وشيعتنا وعدوّنا في آيةٍ من كتابه فقال عزّ وجلّ: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ»[5] فنحن الذين يعلمون وعدوّنا الذين لا يعلمون وشيعتنا هم أُولوا الألباب، يا أبا محمَّد فهل سررتُكَ؟ قال: قلتُ: جُعلتُ فداك زِدني، فقال: يا أبا محمَّد والله‌ ما استثنى الله‌ عزّ وجلّ بأحدٍ من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين عليه‌السلام وشيعته فقال في كتابه وقوله الحقّ: «يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئا وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ الله‌»[6] يعني بذلك عليّاً عليه‌السلام وشيعته،


--------------------------------------------------

1. الأحزاب 33: 23.

2. الأعراف 7: 102.

3. الحجر 15: 47.

4. الزخرف 43: 67.

5. الزمر 39: 9.

6. الدخان 44: 41 و 42.


(114)

يا أبا محمَّد فهل سررتُكَ؟ قال: قلتُ: جُعلتُ فداك زِدني، فقال: يا أبا محمَّد لقد ذَكَرَكم الله‌ تعالى في كتابه إذ يقول: «قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله‌ إِنَّ الله‌ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»[1] والله‌ ما أراد بهذا غيركم فهل سررتُكَ يا أبا محمَّد؟ قال: قلتُ: جُعلتُ فداك زِدني، فقال: يا أبا محمَّد لقد ذَكَركم الله‌ في كتابه فقال: «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ»[2] والله‌ ما أرادَ بهذا إلاّ الأئمّة عليهم‌السلام وشيعتهم، فهل سررتُكَ يا أبا محمَّد؟ قال: قلتُ: جُعلت فداك زِدني، فقال: يا أبا محمَّد لقد ذَكَركم الله‌ في كتابه فقال: «فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله‌ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقا»[3] فرسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله في الآية النبيّون ونحنُ في هذا الموضع الصدِّيقون والشّهداء وأنتم الصالحون فتسمّوا بالصّلاح كما سمّاكم الله‌ عزّ وجلّ، يا أبا محمَّد فهل سَررتُكَ؟ قال: قلتُ: جعلتُ فداك زِدني، قال: يا أبا محمَّد لقد ذكركُم الله‌ إذ حَكى عن عدوّكم في النار بقوله: «وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ* أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ»[4] والله‌ ما عنى ولا أراد بهذا غيركم صِرتُم عند أهل هذا العالَم شِرار الناس وأنتم والله‌ في الجنّة تُحبرون وفي النّار تُطلبُون، يا أبا محمَّد فهل سررتُكَ؟ قال: قلت: جُعِلتُ فداك زِدني، قال: يا أبا محمَّد ما من آية نزلت تقودُ إلى الجنّة ولا تَذْكُر أهلها بخيرٍ إلاّ وهي فينا وفي شيعتنا، وما من آيةٍ نَزَلَت تذكرُ أهلها بشرٍّ ولا تَسُوقُ إلى النار إلاّ وهي في عدوّنا ومَن خالفنا، فهل سررتُكَ يا أبا محمَّد؟ قال: قلتُ:


--------------------------------------------------

1. الزمر 39: 53.

2. الحجر 15: 42، والإسراء 17: 65.

3. النساء 4: 69.

4. ص 38: 62 ـ 63.


(115)

جُعلتُ فداك زِدني، فقال: يا أبا محمَّد ليس على ملّة إبراهيم إلاّ نحن وشيعتنا، وسائر الناس من ذلك بُرآء، يا أبا محمَّد فهل سررتُكَ، وفي روايةٍ اُخرى فقال حَسبي.

المصادر: الكافي 8: 33، كتاب الروضة، مقامات الشيعة وفضائلهم، ح6، وأورد قطعة منه في وسائل الشيعة 1: 119، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب29 ح3، وأورد صدره في جامع أحاديث الشيعة 1: 608، أبواب المقدّمات، ب20 باب اشتراط قبول الأعمال بولاية الأئمّة عليهم‌السلام، ح71.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد» العدّة الناقلة عن سهل عليّ بن محمَّد بن علاّن ومحمَّد بن أبي عبدالله‌ ومحمَّد بن الحسن ومحمَّد بن عقيل الكليني، والظاهر أنّ محمَّد بن أبي عبدالله‌ هو محمَّد بن جعفر الأسدي الثقة «قال: كنت عند أبي عبدالله‌ عليه‌السلام إذ دخل عليه أبو بصير» مشترك بين ليث بن البختري المرادي ويحيى بن القاسم المكفوف وكنيتهما أيضاً أبو محمَّد «وقد حفزه النفس» الحفز بالحاء المهملة والزاي المعجمة بعد الفاء الحثّ والإعجال والموالاة بين الشيئين بلا مهلة «كبرت سنّي» السنّ مقدار العمر مؤنّثة في الناس وغيرهم، والمراد بكبرها طولها «ودقَّ عظمي» الذي هو أصلب أعضاء البدن وعمودها فكيف غيرها، ودقّته كناية عن الوهن والضعف اللاّزمين لطول العمر.

«مع أنّني لستُ أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي» «ما» زائدة وفي بعض النسخ «مع أنّي» «فقال أبو عبدالله‌ عليه‌السلام: يا أبا محمَّد وانّك لتقول هذا؟» إنكاراً لقوله: «مع ما أنّني ـ إلى آخره» «قال: جعلت فداك وكيف لا أقول» ذلك مع عدم علمي بمآل حالي وما أرِدُ عليه من أمر الآخرة «فقال: يا أبا محمَّد أما علمت أنّ الله‌ تعالى يكرم الشباب منكم ويستحيي من الكهول؟» الاستفهام إمّا للحقيقة


(116)

أو للتوبيخ أو للتقرير، فقال: «يكرم الله‌ الشباب أن يعذّبهم ويستحيي من الكهول أن يُحاسبهم» الكهل من الرِّجال من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين، وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين، وقيل: من زاد أربعاً وثلاثين إلى إحدى وخمسين، ولمّا لم يكن في كرمه تعالى وحيائه نقص لزم من عدم تعذيب الشباب عدم حسابهم لئلاّ يخجلوا ومن عدم حساب الكهول عدم تعذيبهم بل عدم حساب الشيوخ وتعذيبهم بالطريق الأولى، فإذاً تدخل الشيعة كلّهم بلا تعذيب ولا حساب في الجنّة، وله الحمد أوّلاً وآخراً.

«قال: قلت: جُعلت فداك هذا لنا خاصّة أم لأهل التوحيد» كلّهم، ولمّا لم يكن في قوله عليه‌السلام يكرم الشباب منكم إلى آخره دلالة على الحصر سأله عنه.

«قال: فقال: لا والله‌ إلاّ لكم خاصّة دون العالَم» أي لا يكون هذا والله‌ أو لا والله‌ ليس هذا إلاّ لكم خاصّة دون أهل العالم، وإنّما لم يقل دون أهل التوحيد كما قال أبو بصير للتنبيه على أنّ غير الشيعة ليسوا من أهل التوحيد بل هم مشركون.

«قال: قلت: جعلت فداك فإنّا قد نبزنا نبزاً انكسرت له ظهورنا.. إلخ» النبز بالتحريك اللّقب وقد كثُر استعماله فيما كان ذمّاً، ومنه قوله تعالى: «وَلاَ تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ»[1] التنابز التداعي بالألقاب القبيحة، وإنّما قال أبو بصير ذلك لزعمه أنّ هذا لقبٌ قبيح لا لشكّه في دينه، فرفع عليه‌السلام زعمه وبشّره بأنّ هذا لقبٌ حَسَن لكم ولمن كان على دين الحقّ، ثمّ بيّن أنّ كلّ الخلق ملقّب بهذا اللّقب، أمّا أنتم فلرفضكم دين الباطل، وأمّا هؤلاء فلرفضهم دين الحقّ، فهذا اللّقب ممدوحٌ لكم ومذمومٌ لهم.

«افترق الناس كلّ فرقة وتشعّبوا كلّ شعبة» التشعّب التفرّق، والشعبة بالضمّ


--------------------------------------------------

1. الحجرات 49: 11.


(117)

الفرقة والطائفة، والمراد بكلّ فرقة وكلّ شعبة فرقة كثيرة وشعبة كثيرة وذلك لأنّ الباطل له طرقٌ كثيرة فذهبت إلى كلّ طريق طائفة لتوافق عقولهم وتناسب آرائهم.

«فانشعبتم مع أهل بيت نبيّكم» أي صرتم معهم شعبة واحدة. «وذهبتم حيث ذهبوا» في الاُصول والفروع وصرتم من أهل التسليم لهم وصرفتم عقولكم عن الأهواء والآراء كما صرفوا عقولهم إليها ولم يعلموا أنّه لا يجوز ذلك بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله كما لا يجوز معه. «يا أبا محمَّد إنّ للّه‌ ملائكة يُسقِطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه» في ذكر الظهر إيماء إلى تشبيه الذنوب بالأثقال والأحمال المحمولة على الظهر تشبيه المعقول بالمحسوس لقصد الإيضاح، وفي صدر الكلام إيماء إلى أنّ طائفة من الملائكة مخصوصون بهذا العمل، وفي آخره إلى أنّ ذنوب المؤمن غير مستحكمة لضعفها بمضادّة الإيمان بخلاف ذنوب غيره فإنّها مستحكمة لقوّتها بموادّ من الكفر وذلك قوله عزّ وجلّ: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا»[1] ذلك إشارة إلى إسقاط الملائكة ذنوب الشيعة، ووجه دلالة الآية عليه أنّ استغفار الملائكة لهم غير مردود بل هو سبب له ووجود السبب دليلٌ على وجود المسبّب.

«استغفارهم والله‌ لكم دون هذا الخلق» المراد بكاف الخطاب كلّ من أقرَّ بولاية عليّ عليه‌السلام ووصايته، وبهذا الخلق كلّ من أنكرها فيشمل كلّ من آمن به وأنكره من هذه الاُمّة ومن الاُمم السابقة فإنّ ولايته عليه‌السلام مأخوذة على جميع الخلق من الأوّلين والآخرين كما دلّت عليه الروايات فمن آمن به منهم فهو مغفورٌ


--------------------------------------------------

1. غافر 40: 7.


(118)

باستغفار الملائكة له، ومَن أنكره فهو محرومٌ منه.

فقال: ««مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله‌ عَلَيْهِ»» أي أقاموه ظاهراً وباطناً، وفي كنز اللّغة صدق راست گفتن و راست شدن وراست داشتن، والمراد به هنا هو المعنى الأخير.

«فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ» في القاموس: النحب الموت والأجل والنفس والنذر، وفي النهاية في حديث طلحة ممّن قضى نحبه، النحب النذر كأنّه ألزم نفسه أن يصدف أعداء الله‌ في الحرب فوفى به، وقيل: النحب الموت كأنّه ألزم نفسه أن يقاتل حتّى يموت.

«وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» أي نحبه. «وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»[1] وأمّا غير هؤلاء من المؤمنين فقد بدّلوا العهد ونقضوه بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله فارتدّوا وخرجوا عن الإيمان، والظاهر أنّ الجار والمجرور في المواضع الثلاثة مبتدأ على معنى بعضهم وما بعده خبر دون العكس لعدم الفائدة في الاخبار، وإن كان العكس هو المعروف بين النحاة، وقد صرّح بذلك الشريف[2] في هذه الآية وفي قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِالله‌ وَبِالْيَوْمِ الاْخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ»[3] الآية، والشيخ في الحديث الخامس والثلاثين من الأربعين في قوله: «وانّ من عبادي من لا يصلحه إلاّ الفقر لو صرفته إلى غير ذلك لهَلَك» ولجواز العكس وبيان فائدته مجال من التوجيه فتأمّل.

«ولو لم تفعلوا لعيّركم الله‌ كما عيّرهم» أي لو لم تفعلوا الوفاء بالعهد وبدّلتم


--------------------------------------------------

1. الأحزاب 33: 23.

2. أي الشريف الجرجاني في حواشى الكشّاف عند تفسير هذه الآية، لم يوجد لدينا كتابه، وقد ا ٔار إليه العلاّمة المجلسي في مرآة العقول 10: 388 والأربعون حديثاً للشيخ البهائي: 608 ح35، فراجع هناك.

3. البقرة 2: 8.


(119)

بأولياء الله‌ غيرهم كما بدّلوا لدخلتم في التعيير أيضاً. حيث يقول جلّ ذكره: «وَمَا وَجَدْنَا لاَِكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ»[1] عهد الولاية، «وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ»[2] الكاملين في الفسق بترك الولاية، وإن مخفّفة وهي تدخل الجملتين ففي الإسميّة تعمل وتهمل، وفي الفعليّة يجب إهمالها وحيث وجدت «إن» وبعدها «لام» مفتوحة فاحكم بأنّها مخفّفة، فقال: «إِخْوَانا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ»[3] «فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ»[4] «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»[5] وهم مع أهل الولاية شركاء في هذه النعمة، فقال عزّ وجلّ: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ»[6] يعني أنّه لا مساواة بين العالِم والجاهل وأنّه لا يعلم الفرق بينهما إلاّ ذوو العقول الصحيحة الخالصة عن شوائب الأوهام.

«فنحن الذين يعلمون، وعدوّنا الذين لا يعلمون، وشيعتنا هم أُولوا الألباب» روى مثله أيضاً عن أبي جعفر عليه‌السلام، وسيجيء عن الصادق عليه‌السلام أيضاً قبل حديث الصيحة أنّ الآية نزلت في وصف عليّ عليه‌السلام وذمّ أبي الفصيل؛ يعني أنّ عليّاً عليه‌السلام لكونه عالماً بأنّ محمَّداً صلى‌الله‌عليه‌و‌آله رسول الله‌ ليس مثله وهو لا يعلم ذلك ويقول باطناً إنّه ساحرٌ كذّاب «يعني بذلك عليّاً وشيعته»، لعلّ المراد بشيعته كلّ من أقرَّ بولايته من لدُن آدم إلى آخر الدهر، فإذن ليس المرحوم إلاّ هو وشيعته وبقي المستثنى منه


--------------------------------------------------

1-2. الأعراف 7: 102.

3. الحجر 15: 47.

4. الواقعة 56: 12.

5. الواقعة 56: 17 ـ 24.

6. الزمر 39: 9.


(120)

بعد الاستثناء على عمومه لعدم صدقه بعده على مؤمن ولا يتحقّق الإغناء والنصرة في غيره.

وروى المصنّف بإسناده في كتاب الاُصول عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام في هذه الآية قال: نحن والله‌ الذي يرحم الله‌ ونحن والله‌ الذي استثنى الله‌ لكنّا نغني عنهم.

«قال: لقد ذكركم الله‌ عزّ وجلّ في كتابه إذ يقول: «يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله‌ إِنَّ الله‌ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»[1] والله‌ ما أراد بهذا غيركم» لأنّ المخاطبين بهذا الخطاب الشريف هم المؤمنون باتّفاق الاُمّة لخروج غيرهم عن هذا التشريف، والإيمان لا يتحقّق بالعقل والنقل إلاّ لمن أقرَّ بالأوصياء وولايتهم وهم الشيعة رضي الله‌ تعالى عنهم، فقال: « «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ»[2] والله‌ ما أراد بهذا إلاّ الأئمّة عليهم‌السلام وشيعتهم» إضافة العباد تفيد الاختصاص، والمراد بهم المخلصون له تعالى المطيعون لأمره بقوله: «أَطِيعُوا الله‌ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»[3] وهم الأئمّة عليهم‌السلام وشيعتهم.

«قال: يا أبا محمَّد لقد ذكركم الله‌ في كتابه فقال: «فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله‌ عَلَيْهِمْ»»[4] لمّا ذكر الله‌ تعالى أهل الكتاب والمنافقين وذمّهم ونصحهم قال: «وَمَنْ يُطِعِ الله‌ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله‌ عَلَيْهِمْ»،[5] فأُولئك إشارة إليهم ووعدٌ لهم بمرافقة الأخيار في دار القرار بشرط الطاعة «مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقا»[6] ترغيبٌ إلى تحصيل ما يوجب رفاقتهم، ورفيقاً نصب على التمييز أو الحال، قيل: ولم يجمع لأنّه يصدق على


--------------------------------------------------

1. الزمر 39: 53.

2. الحجر 15: 42، والإسراء 17: 65.

3. النساء 4: 59.

4-6. النساء 4: 69.


(121)

الواحد والجمع، أو لأنّه اُريد وحسن كلّ واحدٍ منهم رفيقاً «فرسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله في الآية النبيّون» الجمع للتعظيم، أو لأنّ المصدّق به مصدّق بالجميع «ونحن في هذا الموضع الصدِّيقون والشهداء» لصدق جميع أقوالهم وعقائدهم ووفائهم بجميع العهود وكونهم شهداء في بلاده على عباده أو كونهم شهداء بيد الأعداء «وأنتم الصالحون» فتسمّوا بالصلاح «كما سمّاكم الله‌ عزّ وجلّ» ترغيبٌ في الصلاح والاجتهاد في العمل والورع والتقوى، قسّم الله‌ عزّ وجلّ العارفين بثلاثة أقسام لأنّ العارف إمّا صاحب الوحي وهو الأوّل أو وصيّه وهو الثاني أو التابع لهما وهو الثالث، ورغّب غير العارف في الطاعة في صدر الآية طلباً لمرافقة هؤلاء الأخيار «إذ حكى عن عدوّكم في النار» حال عن العدوّ بقوله: « «وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا»»[1] في الدنيا « «نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ»»[2] عَدّوهُم منها لزعمهم أنّ دينهم الباطل حقّ وأنّ دين الحقّ وهو دين هؤلاء الرِّجال باطل فاسترذلوهم وسخروا بهم، وكذلك كان حال الكفَرَة بالنسبة إلى أهل الإيمان في قديم الأيّام أيضاً « «أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّا»[3]» بكسر الهمزة صفة ثانية لرجال، وأمّا بفتحها كما في بعض القراءة على الاستفهام فهو توبيخ وإنكار لأنفسهم في سخرية هؤلاء بالرجال واسترذالهم، والسخريّ بالضمّ والكسر والسخريّة اسم من سخر منه وبه إذا هزأه واسترذله وأهانه « «أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ»[4]» أي مالت عنهم فلا تراهم و«أم» معادلة لما لا ترى أي عدم رؤيتهم في جهنّم إمّا لغيبتهم وعدم دخولهم فيها أو لزيغ الأبصار عنهم، ولعلّ صدور هذا القول منهم إمّا لتأسّفهم أو لكمال دهشتهم من شدّة عقوبتهم وإلاّ فقد علموا أنّ سبب دخولهم في النار ترك دين هؤلاء الرّجال، وفيه دلالة على أنّ أهل جهنّم يرون كلّ من دخل فيها.


--------------------------------------------------

1-4. ص 38: 62 و63.


(122)

«والله‌ ما عنى ولا أراد بهذا غيركم» أي ما عنى الله‌ عزّ وجلّ ولا أراد بهذا القول أو بقوله «رجالاً» غيركم، وفي بعض النسخ «ما عنى الله‌» وفيه دلالة على أنّ الشيعة لا تدخل النّار، ويدلّ على ذلك أيضاً ما روي عن أمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام من قولهم: «إنّما الأئمّة قوّام الله‌ على خلقه وعرفاؤه على عباده لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلاّ مَن أنكرهم وأنكروه»، ويظهر منه أنّ المقرّ بالأئمّة لا يدخل النار، والمُنكِر لهم لا يدخل الجنّة، وسرّ ذلك أنّ معرفة ولايتهم وحقيقة إمامتهم أعظم ركن من أركان الدِّين وأفخم أصلٍ من اُصول الإيمان، فمن أقرَّ بها فهو مؤمن، ومَن أنكرها فهو كافر.

«صرتم عند أهل هذا العالم» ما داموا فيه «شرار الناس» باعتبار أنّكم تبعتم وصيّ نبيّكم وتركتم عبادة العِجل.

«وأنتم والله‌ في الجنّة تحبرون» الحبر بالكسر والفتح النعمة وسعة العيش وحسن الهيئة والسرور، يقال أحبره إذا أسرّه؛ أي والله‌ أنتم مسرورون في الجنّة بكثرة النعمة وسعة العيش وطيبه ولذّته وحسن الجمال ونضارة الوجه ورضوان الحقّ.

«وفي النار تُطلَبون» يطلبكم أعداؤكم ولا يجدونكم، وهذا أيضاً عذابٌ آخر عليهم.

«قال: يا أبا محمَّد ما من آية نزلت تقود إلى الجنّة ولا يذكر أهلها بخير إلاّ وهي فينا وفي شيعتنا.. إلخ» الحصر حقيقي لما ثبت من أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام من أنّه لا يدخل الجنّة إلاّ شيعتهم ومَن أقرَّ بولايتهم من الأوّلين والآخرين، ولا يدخل النّار إلاّ من أنكرهم، وأيضاً ثبت من طرق العامّة والخاصّة أنّ عليّاً عليه‌السلام قسيم النّار والجنّة، وفي النهاية الأثيريّة في حديث عليّ عليه‌السلام: أنا قسيم النّار، أراد أنّ الناس فريقان: فريقٌ معي فهم على هُدىً، وفريقٌ عليَّ فهم على ضلال، فنصف معي في


(123)

الجنّة ونصف عليَّ في النّار، وقسيم فعيل بمعنى فاعل كالجليس والسمير، قيل: أراد بهم الخوارج، وقيل: كلّ من قاتله، انتهى.

وفي الفائق: يعني أنا قاسمها فإنّ الناس في حقّه على قسمين: مهتدون وضالّون، فكأنّه قاسمٌ للنّار، فشطرٌ لها من الضالّين وشطرٌ له من المهتدين.

«قال: يا أبا محمَّد ليس على ملّة إبراهيم إلاّ نحن وشيعتنا، وسائر الناس من ذلك براء» المراد بملّة إبراهيم اُصول شرائعه المشتركة كالتوحيد وأسراره وغير ذلك ممّا لا يطرأ عليه النسخ، وهذه الفائدة مثل السوابق راجعة إلينا إلاّ أنّها أرفعها وأسناها وأجلّها وأعلاها لكونها غاية الكمالات البشريّة المقتضية لسكون العبد تحت الهويّة الإلهيّة وفتور اضطراب قلبه، فلذلك لمّا بلغ الكلام إلى هذا المقام قال: حسبي لأنّه ليس للعبد مطلبٌ سواه ولا للمشتاق مقصدٌ عداه.[1]

قال العلاّمة المجلسي :

قوله عليه‌السلام: «وقد حفزه النفس» قال الجزري: الحفز الحثّ والإعجال ومنه حديث أبي بكرة إنّه دبّ إلى الصفّ راكعاً وقد حفزه النفس.

قوله عليه‌السلام: «يكرم الشباب منكم» الشباب بالفتح جمع شاب، وقال الفيروزآبادي: الكهل من وخطه الشيب، ورأيت له بجالة، أو من جاوز الثلاثين أو أربعاً وثلاثين إلى إحدى وخمسين.

قوله عليه‌السلام: «وقد نبزنا نبزاً» النبز بالتحريك: اللّقب، والنبز بالتسكين المصدر، يقال: نبزه نبزاً أي لقّبه.

قوله عليه‌السلام: «فأبشروا» قال الجوهري: يُقال: بشّرته بمولود، فأبشر إبشاراً، أي سرَّ، وتقول إبشر بخير بقطع الألف.


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 11: 283 ـ 290.


(124)

قوله تعالى: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ»[1] النحب: المدّة والوقت، يُقال قضى فلانٌ نحبه: إذا مات، كذا ذكره الجوهري.

قوله تعالى: «أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ»[2] أي أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي.

قوله تعالى: «لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ»[3] بالنسبة إلى الشيعة عدم سلطانه بمعنى أنّه لا يمكنه أن يخرجهم من دينهم الحقّ أو يمكنهم دفعه بالاستعاذة والتوسّل به تعالى.

قوله عليه‌السلام: «فتسمّوا».

قال في القاموس: تسمّى بكذا: انتسب، أي كونوا من أهل الصّلاح وانتسبوا إليه.

قوله تعالى: «وَقَالُوا»[4] أي المخالفون «مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ»[5] أي الشيعة «أَتَّخَذْنَاهُمْ»[6] صفة اُخرى لـ «رجالاً» وقرأ الحجازيّان وابن عامر وعاصم بهمزة الاستفهام على أنّه إنكار على أنفسهم، وتأنيبٌ لها في الاستسخار منهم، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «سِخْرِيّا»[7] بالضمّ. «أَمْ زَاغَتْ»[8] أي مالت «عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ»[9] فلا نراهم، و«أم» معادل لـ «ما لنا لا نرى» على أنّ المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم أي ليسوا هاهنا أم زاغت عنه أبصارنا، أو لاتّخذناهم على القراءة الثانية بمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم تحقيرهم، فإنّ رفع الأبصار كناية عنه على معنى إنكارهما على أنفسهم أو منقطعة، والمراد الدلالة على أنّ استرذالهم، والاستسخار منهم كان كزيغ


--------------------------------------------------

1. الأحزاب 33: 23.

2. الزمر 39: 53.

3. الحجر 15: 42، والإسراء 17: 65.

4-9. ص 38: 62 ـ 63.


(125)

أبصارهم وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم، كذا ذكره البيضاوي.

قوله عليه‌السلام: «في الجنّة تحبرون». قال الجوهري: قال تعالى: «فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ»[1] أي يُنعّمون ويُكرّمون ويسرّون. قوله عليه‌السلام: «براء» بكسر الباء ككرام، وفي بعض النسخ «برآء» كفقهاء، وكلاهما جمع بريء.[2]

الحديث 17: وعن محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد، وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عبد الحميدبن أبي العلاء، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام ـ في حديث ـ قال: والله‌ لو أنَّ إبليس سجد للّه‌ بعد المعصية والتكبّر عُمر الدُّنيا ما نفعه ذلك، ولا قَبِلَهُ الله‌ عزّوجلَّ، ما لم يسجد لآدم كما أمره الله‌ عزّ وجلّ أن يسجد له، وكذلك هذه الاُمّة العاصية، المفتونة بعد نبيّها صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، وبعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌و‌آله لهم، فلن يقبل الله‌ لهم عملاً، ولن يرفع لهم حسنة، حتّى يأتوا الله‌ من حيث أمرهم، ويتولّوا الإمام الذي أُمروا بولايته، ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله‌ ورسوله لهم.

المصادر: وسائل الشيعة 1: 119، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب 29 ح 5 صدر الحديث، وأورد ذيله في ص 16، ب 1 ح 6، من هذه الأبواب. وقد مرَّ الحديث في الصفحة 65، رقم الحديث 1، فراجع هناك.

الحديث 18: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمَّد بن سنان، عن حمّاد بن أبي طلحة، عن معاذ بن كثير قال: نظرت إلى الموقف، والناس فيه كثير، فدنوتُ إلى أبي عبد الله‌ عليه‌السلام فقلت له: إنّ أهل الموقف لكثير، قال: فصرف ببصره، فأداره فيهم، ثمّ قال: اُدن منّي يا أبا عبد الله‌[3] غثاء يأتي به الموج من كلّ مكانٍ،


--------------------------------------------------

1. الروم 30: 15.

2. مرآة العقول 25: 78.

3. في أمالي الطوسي زيادة: «فدنوت منه فقال».


(126)

لا والله‌، ما الحجّ إلاّ لكم، لا والله‌، ما يتقبّل الله‌ إلاّ منكم.

المصادر: الكافي 8: 237، كتاب الروضة، ح318، ورواه الشيخ الطوسي عن أبيه، عن المفيد، عن ابن قولويه، عن محمّد بن يعقوب مثله في الأمالي: 185، المجلس السابع، ح 310، وفيه «فصوّب» بدل «فصرف»، وأورد ذيله في وسائل الشيعة 1: 121، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب 29 ح9، جامع أحاديث الشيعة 1: 580، أبواب المقدّمات، ب20 باب اشتراط قبول الأعمال بولاية الأئمّة عليهم‌السلام ح 20.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «غثاء» قال الجزري: الغثاء بالضمّ والمدّ: ما يجيء فوق السَّيل ممّا يحمله من الزَبَد والوَسَخ وغيره.[1]

الحديث 19: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمَّد؛ وسهل بن زياد جميعاً، عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: لو أنَّ رجلاً معسراً أحجّه رجلٌ كانت له حجّة فإن[2] أيسر بعد[3] كان عليه الحجّ، وكذلك النّاصب إذا عرف فعليه الحجّ وإنْ كان قد حجَّ.

المصادر: الكافي 4: 273، كتاب الحجّ، باب ما يجزئ من حجّة الإسلام وما لا يجزئ، ح1، تهذيب الأحكام 5: 9، كتاب الحجّ، ب1 باب وجوب الحجّ، ح22، وأورد صدر الحديث في الاستبصار 2: 144، كتاب الحجّ، ب84 باب المعسر يحجّ عن غيره...، ح2، وذيله في ص145، ب 85 باب المخالف يحجّ...، ح3، وأورد ذيله في وسائل الشيعة 1: 126، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب31 ح2، ما بين تقديمٍ وتأخير في السند، وأورده أيضاً في ج11: 62، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، ب23 ح5، جامع أحاديث الشيعة 12: 360، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ والعمرة و...، ب12 باب أنّ من لم يكن له مال فحجّ... ح4.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 26: 182.

2. في الاستبصار: «فإذا» بدل «فإن».

3. في التهذيب زيادة: «ذلك».


(127)

قال الشيخ في التهذيب في ذيل الحديث:

فما تضمّن هذا الحديث من قوله: وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحجّ، محمولٌ على الاستحباب لأنّه متى حجّ في حال كونه مخالفاً فقد أجزأه ذلك عن حجّة الإسلام.[1]

وقال أيضاً في الاستبصار:

فالوجه في هذه الرواية ضربٌ من الاستحباب دون الفرض والإيجاب، وقد صرّح بذلك أبو عبدالله‌ عليه‌السلام في رواية بريد العجلي في قوله: «وقد قضى فريضته ولو حجّ لكان أحبّ إليّ».[2]

قال الحرّ العاملي:

أقول: هذا يحتمل الحمل على ترك بعض الأركان، ويحتمل الحمل على الاستحباب.[3]

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: حمل في التهذيبين إعادة حجّ المعسر والنّاصب على الاستحباب لما يأتي.[4]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «كانت له حجّة» أي كان له ثواب الحجّ الواجب ويجزي عنه إلى أن يستطيع، وينبغي حمله على أنّه إستأجره رجلٌ للحجّ فلا يجزيه عن حجّه بعد اليسار ولو كان أعطاه مالاً ليحجّ لنفسه كان يجزيه كما سيأتي.


--------------------------------------------------

1. تهذيب الأحكام 5: 9.

2. الاستبصار 2: 145.

3. وسائل الشيعة 1: 126.

4. كتاب الوافي 12: 293.


(128)

قوله عليه‌السلام: «وكذلك الناصب» المشهور بين الأصحاب أنّ المخالف إذا استبصر لا يُعيد الحجّ إلاّ أنْ يخلّ بركنٍ منه.

ونقل عن ابن الجنيد، وابن البرّاج: أنّهما أوجبا الإعادة على المخالف وإن لم يخلّ بشيء وربما كان مستندهما مضافاً إلى ما دلّ على بطلان عبادة المخالف هذه الرواية.

واُجيب أوّلاً: بالطعن في السند.

وثانياً: بالحمل على الاستحباب جمعاً بين الأدلّة.

أقول: يمكن القول بالفرق بين النّاصب والمخالف فإنّ الناصب كافر لا يجري عليه شيء من أحكام الإسلام.

ثمّ اعلم: أنّه اعتبر الشيخ وأكثر الأصحاب في عدم إعادة الحجّ أنْ لا يكون المخالف قد أخلَّ بركنٍ منه، والنصوص خالية من هذا القيد، ونصّ المحقّق في المعتبر، والعلاّمة في المنتهى، والشهيد في الدروس على أنّ المراد بالركن ما يعتقده أهل الحقّ ركناً مع أنّهم صرّحوا في قضاء الصّلاة بأنّ المخالف يسقط عنه قضاء ما صلاّه صحيحاً عنده وإن كان فاسداً عندنا، وفي الجمع بين الحكمين إشكال ولو فسّر الركن بما كان ركناً عندهم كان أقرب إلى الصواب كما ذكره بعض المحقّقين.[1]

الحديث 20: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار، قال: كتب إبراهيم بن محمَّد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر عليه‌السلام: إنّي حججتُ وأنا مخالف، وكنت صرورة، فدخلت متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ؟ قال[2]: فكتب[3] إليه: أعِد حجّك.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 17: 158، وملاذ الأخيار 7: 194، وقال فيه: وقد يعدّ الحديث موثّقاً.

2. ليس في التهذيبين: «قال:».

3. في التهذيب والجامع زيادة: «عليه السّلام».


(129)

المصادر: الكافي 4: 275، كتاب الحجّ، باب ما يجزئ من حجّة الإسلام وما لا يجزئ ح5، تهذيب الأحكام 5: 10، كتاب الحجّ، ب1 باب وجوب الحجّ، ح24، الاستبصار 2: 145، كتاب الحجّ، ب85 باب المخالف يحجّ ثمّ يستبصر هل يجب عليه إعادة الحجّ أم لا، ح2، وسائل الشيعة 1: 126، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، ب31 ح3، وأورد مثله أيضاً في ج11: 62، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، ب23 ح6، جامع أحاديث الشيعة 12: 373، كتاب الحجّ أبواب وجوب الحجّ والعمرة و...، ب21 باب أنّ المسلم المخالف إنْ حجّ...، ح5.

قال الشيخ في التهذيب:

فمحمولة هذه الرواية أيضاً على الاستحباب دون الفرض، والذي يدلّ على ذلك ما قدّمناه من رواية بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام أنّه قال: قد قضى فريضته ولو حجّ لكان أحبّ إليَّ.[1]

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «أعِد حجّك» حمله الشيخ وسائر الأصحاب على الاستحباب، ويمكن حمله على أنّه لمّا كان عند كونه مخالفاً غير معتقد للتمتّع، وأوقعه، فلذا أمره بالإعادة، فيكون موافقاً لقول مَنْ قال: لو أخلَّ بركنٍ عنده تجب عليه الإعادة.[2]

وقال أيضاً :

ويمكن أن يكون الأمر بالإعادة لكونه غير معتقد للتمتّع، فيكون مؤيّداً للتقييد بعدم الإخلال بالركن على مذهبه.[3]

أبواب الماء المطلق

الحديث 21: عليّ بن محمَّد، عن سهل، عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر، عن


--------------------------------------------------

1. تهذيب الأحكام 5: 10.

2. مرآة العقول 17: 161.

3. ملاذ الأخيار 7: 197.


(130)

صفوان الجمّال، قال: سألت أبا عبدالله‌ عليه‌السلام عن الحياض الّتي بين مكّة والمدينة ترِدها السِّباع، وتلغ فيها الكلاب، ويغتسل فيها الجُنب، أو يتوضّأ منها؟ قال: وكم قدر الماء؟ قلت: إلى نصف السّاق، وإلى الرّكبة وأقلّ، قال: توضّأ.

المصادر: الكافي 3: 4، كتاب الطهارة، باب الماء الذي تكون فيه قلّة...، ح7، وسائل الشيعة 1: 163، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، ب9، في ذيل ح13 إلاّ أنّه مرتبط ذيل الحديث 12، جامع أحاديث الشيعة 2: 20، كتاب الطهارة، أبواب المياه، ب6 باب أنّ الماء الراكد كراً...، ح7.

قال الحرّ العاملي:

أقول: هذا محمول على بلوغ الكرّيّة.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي :

واستدلّ به بعض الأصحاب على عدم انفعال القليل، كما ذهب إليه ابن أبي عقيل، وفيه نظرٌ ظاهر؛ لجواز أن يكون الحياض المذكورة إذا كان ماؤها بقدر نصف السّاق يكون كرّاً، بل الاستدلال بالإنفعال أظهر؛ لئلاّ يلغو السؤال، إلاّ أن يُقال: السؤال لأجل أنّه إذا كان دون كرّ، نهاه عن الوضوء تنزيهاً.

فإن قلت: قوله عليه‌السلام: «وأقلّ» كما هو الموجود في هذا الكتاب، وإن لم يكن موجوداً في التهذيب على مطلوبنا أدلّ.

قلت: المراد بالأقلّ أقلّ من الرّكبة، لا الأقلّ من نصف السّاق أيضاً، أو المراد أقلّ بقليل، وكان يعلم عليه‌السلام أنّ ذلك الأقلّ أيضاً في تلك الحياض كرّ، كيف لا ولو لم يحمل على أحد هذين لم يكن لسؤاله عليه‌السلام عن القدر، ثمّ جوابه بما أجاب، وجهٌ وجيه، فتأمّل.[1]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 13: 21.


(131)

الحديث 22: عليّ بن محمَّد، عن سهل،[1] عمّن ذكره، عن يونس، عن بكّار بن أبي بكر قال: قلت لأبي عبدالله‌ عليه‌السلام: الرّجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكانٍ قذر، ثمّ يدخله الحبّ؟ قال: يصبّ من الماء ثلاثة أكفّ، ثمّ يدلك الكوز.

المصادر: الكافي 3: 12، كتاب الطهارة، باب الرجل يدخل يده في الإناء...، ح6، وسائل الشيعة 1: 164، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، ب9 ح17، جامع أحاديث الشيعة 2: 23، كتاب الطهارة، أبواب المياه، ب6 باب أنّ الماء الراكد إذا كان كرّاً...، ح13.

قال الحرّ العاملي:

أقول: يحتمل كون الحبّ كرّاً، ويحتمل أن يُراد بقوله: ثمّ يدخله الحبّ: ثمّ يريد إدخاله الحبّ، كما في قوله تعالى: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ»[2] وغير ذلك، فمعناه: يغسل الكوز أوّلاً قبل إدخاله الحبّ، بقرينة الدلك، ويحتمل الحمل على التقيّة، ويحتمل أن يُراد بالقذر الوسخ دون النجاسة.[3]

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: «الحُبّ» بالمهملة، الخابية، ولعلّ مراد السائل أنّه يضع كوزه في غير وقت الحاجة في موضع قذر فإذا أراد الماء أخذه من ذلك الموضع ويدخله كما هو في الخابية هل يصلح ذلك ولا ينجس به الماء، فأمره عليه‌السلام أن يصبّ أوّلاً على الكوز من الخابية ثلاث أكفّ ويدلك به الكوز ويطهّره وينظّفه ثمّ يُدخله في الخابية، ويحتمل أن يكون الغرض من صَبّ الأكفّ من الماء تنظيفهُ وتطييبَهُ ورفع التنفّر الحاصل من القذر الواقع فيه ويكون الغرض من الدّلك تطهير الكوز.[4]


--------------------------------------------------

1. في الوسائل زيادة: «بن زياد».

2. المائدة 5: 6.

3. وسائل الشيعة 1: 164.

4. كتاب الوافي 6: 27.


(132)

قال العلاّمة المجلسي:

ويحتمل أن يكون المراد أنّه يصبّ ثلاث أكفّ من الماء، ثمّ يدلك الكوز أيضاً يصبّ ثلاثاً؛ لدفع الاستقذار الذي حدَثَ في النفس بذلك، على أن يكون المراد من القذر الوَسَخ لا النجس، والذي يخطر بالبال أنّه يحتمل أن يكون المراد بقوله «ثمّ يدخله» ثمّ يريد أن يدخله، فالجواب أنّه يصبّ ثلاث أكفّ على أسفل ذلك الكوز، ثمّ يغرف بذلك الكوز، ويكون المراد النجس. وفي بعض النسخ: ثلاث أكواز بذلك الكوز، فيتعيّن الأوّل.[1]

الحديث 23: عليّ بن محمَّد، عن سهل، عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله‌ عليه‌السلام: بئرٌ يستقى منها، ويتوضّأ به، ويغسل منه الثياب، ويعجن به، ثمّ يعلم أنّه كان فيها ميّت؟ قال: فقال:[2] لا بأس، ولا يغسل منه الثوب، ولا تعاد منه الصّلاة.

المصادر: الكافي 3: 7، كتاب الطهارة، باب البئر وما يقع فيها، ح12، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، ب14 ذيل ح5، جامع أحاديث الشيعة 2: 37، كتاب الطهارة، أبواب المياه، ب9 باب أنَّ ماء البئر هل‌ينجس بوقوع النجاسة فيه أم لا، ح12 وفيه: «وغسل منه الثياب وعجن به» بدل «ويغسل منه الثياب ويعجن به» و «ثمّ علم» بدل «ثمّ يعلم».

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

وفي بعض النسخ عن عبد الكريم بن عمرو، والظاهر أنّه هو بقرينة أحمد على ما يعرف من طريق كتاب ابن بابويه والفهرست.

قوله عليه‌السلام: «لا بأس» حمل على أنّه لا يعلم الوقوع قبل الاستعمال بل يظنّ


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 13: 42.

2. ليس في الجامع: «فقال».


(133)

ذلك، وهو غير معتبر.[1]

وقال أيضاً:

ويحتمل أن يكون المراد بالعلم الظنّ، ولا عبرة به، أو يكون المراد أنّه يعلم أنّه كان فيها ميّت ولا يعلم أنّه وقع قبل الاستعمال، أو بعده، لكن ظاهره عدم انفعال البئر.[2]

قال الشيخ محمَّد بن الحسن رحمه‌الله :

ما يتضمّن هذه الأخبار من إسقاط الإعادة في الوضوء والصّلاة عمّن استعمل هذه المياه لا يدلّ على أنّ النزح غير واجب، مع عدم التغيّر؛ لأنّه لا يمتنع أن يكون مقدار النزح في كلّ شيء يقع فيه واجباً، وإن كان متى استعمله لم يلزمه إعادة الوضوء والصّلاة؛ لأنّ الإعادة فرض ثانٍ فليس لأحدٍ أن يجعل ذلك دليلاً، على أنّ المراد بمقادير النزح ضربٌ من الاستحباب، على أنّ الذي ينبغي أن يعمل عليه، هو أنّه إذا استعمل هذه المياه قبل العلم بحصول النجاسة فيها؛ فإنّه لا يلزم إعادة الوضوء والصّلاة، ومتى استعملها مع العلم بذلك، لزمه إعادة الوضوء والصّلاة.[3]

أبواب الماء المضاف والمستعمل

الحديث 24: الحسين بن محمَّد، عن معلّى بن محمَّد، وعدّة من أصحابنا، عن سهل‌بن زياد جميعاً، عن محمَّد بن علي الهمداني، عن عليّ بن عبدالله‌ الحنّاط،[4] عن سماعه‌بن مهران، عن الكلبي النسّابة قال: سألت أبا عبد الله‌ عليه‌السلام عن النبيذ؟ فقال: حلال، قلت: إنّا نُنبذه فنطرح فيه العكر، وما سوى ذلك؟ فقال عليه‌السلام: شه، شه،


--------------------------------------------------

1. ملاذ الأخيار 2: 277.

2. مرآة العقول 13: 30.

3. الاستبصار 1: 32.

4. في الاستبصار والوسائل: «الخيّاط» بدل «الحنّاط».


(134)

تلك الخمرة المنتنة، قال: قلت: جعلت فداك فأيّ نبيذٍ تعني؟ فقال: إنّ أهل المدينة شكوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله تغيّر الماء، وفساد طبائعهم، فأمرهم أن ينبذوا، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كفّ من تمر فيلقيه في الشّن، فمنه شربه، ومنه طهوره.

فقلت: وكم كان عدد التمرات الّتي كانت تلقى؟ قال: ما يحمل الكفّ، قلت: واحدة وإثنين؟ فقال عليه‌السلام: ربما كانت واحدة، وربما كانت اثنتين، فقلت: وكم كان يسع الشنّ ماء؟ ما بين الأربعين إلى الثمانين، إلى ما فوق ذلك، قال: فقلت: بالأرطال؟ فقال: أرطال بمكيال العراق.

المصادر: الكافي 6: 416، كتاب الأشربة، باب النبيذ ح3، تهذيب الأحكام 1:220، كتاب الطهارة، ب10 باب المياه وأحكامها ح12، الاستبصار 1: 16، كتاب الطهارة، أبواب المياه وأحكامها، ب6 باب الوضوء بنبيذ التمر، ح29، وسائل الشيعة 1: 203، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف والمستعمل، ب2 ح2، جامع أحاديث الشيعة 24: 149، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة، ب21 باب أنّ الماء الذي ينبذ فيه التمر أو الزبيب...، ح5، باختلاف يسير في الجميع مع الكافي.

الشرح: قال المازندراني:

قوله: «فنطرح فيه العكر» في المُغْرِب العكر بفتحتين دُرْديُّ الزيت ودُرْديُّ النبيذ في قوله: وإن صبّ العكر فليس بنبيذ حتّى يتغيّر، وفي الصحاح العكر درديُّ الزيت وغيره، وقد عكرت المسرجة بالكسر تعكر عكراً إذا اجتمع فيها الدرديّ وعكر الشراب والماء والدهن آخره وخاثره، وقد عكر وشراب عكر. وأعكرته أنا وعكرته تعكيراً: جعلت فيه العكر.

قوله: «فقال: شه شه» قيل: هي كلمة ضجر واستقذار، ويحتمل أن يكون أمراً باتّصاف المخاطب بالفتح من شاه يشوه إذا قبحَ.


(135)

قوله: «في الشن» الشنان الأسقية الخلقه واحدها شن، وشنه بفتح الشين وهي أشدّ تبريداً للماء من الجدد.

قوله: «أرطال بمكيال العراق» الرطل العراقي مائة وثلاثون درهماً والرطل المدني مائة وخمسة وتسعون درهماً قدر رطل عراقي ونصف.[1]

الحديث 25: عليّ بن محمَّد، عن سهل بن زياد، عن محمَّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال: قلت له: الرّجل يغتسل بماء الورد، ويتوضّأ به للصلاة؟ قال: لا بأس بذلك.

المصادر: الكافي 3: 73، كتاب الطهارة، باب النوادر ح12، تهذيب الأحكام 1: 218، كتاب الطهارة، ب10 باب المياه وأحكامها، ح10، الاستبصار 1: 14، كتاب الطهارة، أبواب المياه، ب5 باب حكم المياه المضافة، ح27، وسائل الشيعة 1: 204 كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف والمستعمل، ب3 ح1. جامع أحاديث الشيعة 2: 296، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب5 باب اشتراط كون الوضوء بالماء المطلق...، ح5.

قال الشيخ في التهذيبين في ذيل الحديث:

فهذا الخبر شاذّ شديد الشذوذ وإن تكرّر في الكتب والاُصول، فإنّما أصله يونس، عن أبي الحسن عليه‌السلام، ولم يروه غيره، وقد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره وما يكون هذا حكمه لا يعمل به، ولو سلّم لاحتمل أن يكون أراد به الوضوء الذي هو التحسين، وقد بيّنّا فيما تقدّم أنّ ذلك يسمّى وضوءاً وليس لأحد أن يقول إنّ في الخبر أنّه سأله عن ماء الورد يتوضّأ به للصلاة، لأنّ ذلك لا ينافي ما قلناه، لأنّه يجوز أن يستعمل للتحسين ومع هذا يقصد الدخول به في الصّلاة من حيث إنّه متى استعمل الرائحة الطيّبة لدخوله في الصّلاة ولمناجاة ربّه كان أفضل من أن يقصد التلذّذ به حسب، دون وجه الله‌ تعالى، وفي هذا إسقاط ما ظنّه السائل.


--------------------------------------------------

1. شرح اُصول الكافي 6: 275.


(136)

ويحتمل أيضاً أن يكون أراد عليه‌السلام بقوله: «ماء الورد» الماء الذي وقع فيه الورد لأنّ ذلك قد يسمّى ماء ورد وإن لم يكن معتصراً منه لأنّ كلّ شيء جاور غيره فإنّه يكسبه اسم الإضافة إليه، وإن كان المراد به المجاورة، ألا ترى إنّهم يقولون ماء الحب وماء المصنع وماء القرب وإن كانت هذه الإضافات إنّما هي إضافات المجاورة دون غيرها وفي هذه إسقاط ما ظنّوه.[1]

وقال الحرّ العاملي بعد نقل خلاصة قول الشيخ الطوسي:

أقول: ويمكن حمله على التقيّة لما مرّ،[2] ولا ريب أنّ ما أشار إليه الشيخ لم يخرج عن إطلاق الاسم، فتجوز الطهارة به لدخوله تحت النصّ[3].

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: قد أفتى بمضمون هذا الحديث في الفقيه ونسبه صاحب التهذيبين إلى الشذوذ، ثمّ حمله على التحسين والتطييب للصّلاة دون رفع الحدث مستدلاًّ بما في الخبر الآتي «إنّما هو الماء والصعيد».

أقول: هذا الاستدلال غير صحيح إذ لا منافاة بين الحديثين فإنّ ماء الورد استخرج من الورد.[4]

قال العلاّمة المجلسي:

والمشهور بين الأصحاب عدم جواز التوضّي، والاغتسال بالمضاف مطلقاً، وخالف فيه ابن بابويه، فجوّز رفع الحدث بماء الورد، ولم يعتبر المحقّق خلافه؛ حيث ادّعى الإجماع على عدم حصول الرفع به؛ لمعلوميّة نسبه، أو لانعقاد


--------------------------------------------------

1. تهذيب الأحكام 1: 219، الاستبصار 1: 14.

2. وسائل الشيعة 1: 202، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف والمستعمل، ب2 ذيل ح1.

3. وسائل الشيعة 1: 204.

4. كتاب الوافي 6: 325.


(137)

الإجماع بعده، والمعتمد المشهور، احتجّ ابن بابويه بهذه الرواية، وقال في المدارك: وهو ضعيف؛ لاشتمال سنده على سهل بن زياد، ومحمَّد بن عيسى، عن يونس، وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد: أنّه لا يُعتمد على حديث محمَّد بن عيسى عن يونس، وحكم الشيخ في كتاب الأخبار بشذوذ هذه الرواية، وأنّ العصابة أجمعت على ترك العمل بظاهرها، ثمّ أجاب عنها: باحتمال أن يكون المراد بالوضوء التحسين، والتنظيف، أو أن يكون المراد بماء الورد: الماء الذي وقع فيه الورد، دون أن يكون معتصراً منه، وما هذا شأنه فهو بالإعراض عنه حقيق، ونقل المحقّق في المعتبر إتفاق الناس جميعاً على أنّه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المايعات.[1]

أبواب نواقض الوضوء

الحديث 26: محمَّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمَّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: سألته عن الرعاف،[2] والحجامة، وكلّ دمٍ سائل؟ فقال: ليس في هذا وضوء، وإنّما الوضوء من طرفيك اللّذين أنعم الله‌ تعالى بهما عليك.

المصادر: الكافي 3: 37، كتاب الطهارة، باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، ح13، تهذيب الأحكام 1: 15، كتاب الطهارة، ب1 باب الأحداث الموجبة للطهارة، ح33، الاستبصار 1: 84، كتاب الطهارة، أبواب ما ينقض الوضوء وما لاينقضه، ب 50 باب الرعاف، ح1، وسائل الشيعة 1: 250، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، ب2 ح5، وأورده أيضاً في ص267، ب7 ح10، من هذه الأبواب، جامع أحاديث الشيعة 2: 450، كتاب الطهارة، أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ب6 باب أنّ القلس والقيء والرعاف و... ح18.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 13: 199.

2. الرعاف: هو سيلان دمه وقطرانه، أو الدّم الذي يخرج من الأنف. معجم تهذيب اللّغة 2: 1428، الصحاح 2: 1046، انظر: مادّة «رعف».


(138)

الحديث 27: وبإسناده، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام، قال: سألته عن الرعاف، والحجامة، وكلّ دم سائل؟ فقال: ليس في هذا وضوء، إنّما الوضوء من طرفيك اللّذين أنعم الله‌ بهما عليك.

المصادر: وسائل الشيعة 1: 267، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، ب7 ح10، وأورده في ص 250، ب2 ح5 من هذه الأبواب. مرّ الحديث آنفاً.

الحديث 28: عليّ بن محمَّد، عن سهل بن زياد، عن محمَّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن الحلبي، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام، في الرجل يطأ في العذرة، أو البول، أيُعيد الوضوء؟ قال: لا، ولكن يغسل ما أصابه. وفي رواية اُخرى: إذا كان جافّاً فلا يغسله.

المصادر: الكافي 3: 39، كتاب الطهارة، باب الرجل يطأ على العذرة أو...، ح4، وسائل الشيعة 1: 274، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، ب10 ح2 وليس فيه: «وفي رواية اُخرى إذا كان جافّاً فلا يغسله»، وأورده أيضاً في ج3: 444، أبواب النجاسات، ب26 ح15 و16، جامع أحاديث الشيعة 2: 457، كتاب الطهارة، أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ب 8 باب أنَّ مسّ الكلب و... والعذرة لا تنقض الوضوء ح4.

قال الشيخ الحرّ العاملي:

أقول: ويدلّ على ذلك أحاديث الحصر للنواقض وقد تقدّمت[1] وينبغي الجمع بينهما بالتخيير بين الغسل والمسح، أو تخصيص الغسل بما إذا أصابت النجاسة غير أسفل القدم، لما يأتي في النجاسات إن شاء الله‌ تعالى.[2]


--------------------------------------------------

1. وسائل الشيعة 1: 245 ـ 256، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، ب 1 ـ 3، وص267، ب7 ح10 من هذه الأبواب.

2. وسائل الشيعة 1: 274.


(139)

الحديث 29: عليّ بن محمَّد، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن ابن بكير، عن محمَّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه‌السلام، عن المبطون؟ فقال: يبني على صلاته.

المصادر: الكافي 3: 411، كتاب الصّلاة، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح7، وسائل الشيعة 1: 298، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، ب19 ذيل ح 3، جامع أحاديث الشيعة 2: 445، كتاب الطهارة، أبواب ما ينقض الوضوء وما لاينقض، ب5 باب حكم المسلوس والمبطون...، ح5.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

والمشهور: أنَّ المبطون إذا تجدّد حدثه في الصّلاة يتطهّر ويبني، وذهب العلاّمة في المختلف إلى وجوب استيناف الطهارة والصّلاة مع إمكان التحفّظ بقدر زمانهما وإلاّ بنى بغير طهارة، وموضع الخلاف ما إذا شرع في الصّلاة متطهّراً ثمّ طرأ الحدث، أمّا لو كان مستمرّاً فقد صرّح المحقّق في المعتبر والعلاّمة في المنتهى بأنّه كالسّلس في وجوب تجديد الوضوء لكلّ صلاة والعفو عمّا يقع من ذلك في الأثناء.[1]

أبواب أحكام الخلوة

الحديث 30: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن الحلبي، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: لا بأس بذكر الله‌ وأنت تبول، فإنّ ذكر الله‌ عزّوجلّ حسنٌ على كلّ حال، فلا تسأم[2] من ذِكر الله‌.

المصادر: الكافي 2: 497، كتاب الدّعاء، باب ما يجب من ذكر الله‌ عزّ وجلّ في كلّ مجلس، ح6، وسائل الشيعة 1: 310، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب7 ح2، جامع أحاديث الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب أحكام التخلّي، ب 8 باب كراهة الكلام على الخلاء...، ح6.


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 15: 334.

2. سأم يسأم وسآمةً: إذا مللته. كتاب العين 2: 779، الصحاح 2: 1439


(140)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

ويدلّ على استحباب الذِّكر في حال الجنابة والخلاء وسائر الأحوال الخسيسة، وربما يستدلّ به على جواز قراءة القرآن للجنب والحائض.[1]

الحديث 31: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن عليّ بن إبراهيم جميعاً، عن محمَّد بن عيسى، عن الدّهقان، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال: ثلاثة يتخوّف منها الجنون: التغوّط بين القبور، والمشي في خفّ واحد، والرجل ينام وحده.

المصادر: الكافي 6: 534، كتاب الزيّ والتجمّل، باب كراهية أن يبيت الإنسان وحده...، ح10، وسائل الشيعة 1: 329، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب16 ح2، وأورد قطعة منه في ج5: 76، كتاب الصّلاة، أبواب أحكام الملابس، ب44 ح5 وفيه: «يتخوّف منهنّ» بدل «يتخوّف منها»، وتمامه في ص331، أبواب أحكام المساكن، ب20 ح5، جامع أحاديث الشيعة 2: 216، كتاب الطهارة، أبواب أحكام التخلّي، ب1 باب الأمكنة الّتي تكره فيها التخلّي...، ح12.

قال الكليني رحمه‌الله في ذيل الحديث: وهذه الأشياء إنّما كرهت لهذه العلّة وليست بحرام.

الحديث 32: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمَّد بن عيسى، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الثاني عليه‌السلام، قال: قلت له: إنّا روينا في الحديث، أنَّ رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله كان يستنجي وخاتمه في إصبعه، وكذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام، وكان نقش خاتم رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله «محمّدٌ رسول الله‌»، قال: صدقوا، قلت: فينبغي لنا أن نفعل؟ قال: إنَّ أُولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 12: 123.


(141)

وإنّكم أنتم تتختّمون في اليُسرى، قال: فسكت، فقال: أتدري ما كان نقش خاتم آدم عليه‌السلام؟ فقلت: لا، فقال: «لا إله إلاّ الله‌ محمّدٌ رسول الله‌»، وكان نقش خاتم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله «محمّدٌ رسول الله‌» وخاتم أمير المؤمنين عليه‌السلام «الله‌ الملك» وخاتم الحسن عليه‌السلام «العزّة للّه‌» وخاتم الحسين عليه‌السلام «إنَّ الله‌ بالغ أمره» وعليّ بن الحسين عليهماالسلام خاتم أبيه، وأبو جعفر الأكبر خاتَم جدّه الحسين عليهماالسلام، وخاتم جعفر عليه‌السلام «الله‌ وليّي وعصمتي من خلقه» وأبو الحسن الأوّل عليه‌السلام «حسبي الله‌» وأبو الحسن الثاني «ما شاء الله‌ لا قوّة إلاّ بالله‌»، وقال الحسين بن خالد: ومدَّ يده إليَّ وقال: خاتمي خاتم أبي عليه‌السلام أيضاً.

المصادر: الكافي 6: 474، كتاب الزيّ والتجمّل، باب نقش الخواتيم، ح8، وأورد صدره في وسائل الشيعة 1: 331، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب17 ح3، وأورد قطعة منها في ج5: 83، كتاب الصّلاة، أبواب أحكام الملابس، ب49 ح9، وذيلها في ص 100، ب62 ح5 من هذه الأبواب، جامع أحاديث الشيعة 2: 262، كتاب الطهارة، أبواب أحكام التخلّي، ب14 باب كراهة الاستنجاء باليمين وبيده...، ح7.

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: ليس في بعض النسخ وأبو الحسن الثاني ما شاء الله‌، ولعلّه الأصحّ لمنافاته آخر الحديث بل كلّه لسياقه منه عليه‌السلام مساق التكلّم إلاّ أن يحمل قوله: خاتمي خاتم أبي أيضاً، على أنّه كان له خاتمان ورث أحدهما من أبيه ويجعل في التكلّم التفات إلى الغيبة.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «وأبو الحسن الثاني» يعني نفسه عليه‌السلام وقد غيّره الراوي هكذا، فالمعنى أنّه عليه‌السلام كان يتختّم بخاتم أبيه، وكان له أيضاً خاتم يختصّ به، نقشه هكذا،


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 20: 778.


(142)

وحمل أبي الحسن الأوّل على أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد ذكره له سابقاً بعيد، وروى الصدوق في عيون أخبار الرِّضا عليه‌السلام هذه الرواية بسندٍ آخر عن الحسين بن خالد وليس فيه تلك الزيادة، وفيه هكذا: «وكان نقش خاتم موسى بن جعفر عليه‌السلام حسبي الله‌»، قال الحسين بن خالد: وبسط أبو الحسن الرّضا عليه‌السلام كفّه، وخاتم أبيه عليه‌السلام في إصبعه حتّى أراني النقش.[1]

الحديث 33: محمَّد بن أحمد بن يحيى، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن أبي القاسم، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قلت له: الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله‌ تعالى؟ فقال: ما أحبُّ ذلك، قال: فيكون اسم محمَّد؟[2] قال: لا بأس به.[3]

المصادر: تهذيب الأحكام 1: 32، كتاب الطهارة، ب3 باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات، ح23، الاستبصار 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب حكم الآبار، ب27 باب من أراد أن يستنجي وفي يده اليسرى خاتم...، ح3، وسائل الشيعة 1: 332، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب 18 ح6، جامع أحاديث الشيعة 2: 263، كتاب الطهارة، أبواب أحكام التخلّي، ب14 باب كراهة الاستنجاء باليمين وبيده...، ح10.

قال الشيخ الطوسي رحمه‌الله:

فلا ينافي ما قلناه لأنّ قوله عليه‌السلام: «لا بأس به» إذا كان عليه اسم محمَّد صلى‌الله‌عليه‌و‌آله إنّما أجازه لمن يدخل الخلاء وذلك معه ولم يجزه أن يستنجي وذلك في يده يباشر به النجاسة.[4]


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 22: 363.

2. في الاستبصار، والوسائل والجامع: «اسم محمَّد صلى‌الله‌عليه‌و‌آله».

3. ليس في الاستبصار، والوسائل: «به».

4. تهذيب الأحكام 1: 32.


(143)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

وظاهره كراهة استصحاب اسم الله‌، فالنهي في الخبر السابق محمول عليها، وعندي هذه الرواية أقوى سنداً من رواية عمّار.

وقال الفاضل التستري رحمه‌الله في أبي القاسم: الظاهر أنّه معاوية بن عمّار، وردّ هذه الرواية في المنتهى ـ إلى أن قال: ـ على أنّها لا تدلّ على الملاقاة، بل إنّما تدلّ على الدخول باستصحاب الخاتم، وفي غير جوابه الأخير تأمّل.

أقول: يمكن حمل اسم «محمَّد» على من كان اسمه محمَّد، والسؤال لمحض المشاركة، لكنّه بعيد.[1]

الحديث 34: حدّثنا محمَّد بن عليّ ماجيلويه رضى‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمَّدبن يحيى العطّار، قال: حدّثني أبو سعيد الآدميُّ،[2] قال: حدّثني الحسن بن الحسين اللّؤلؤيُّ، عن محمَّد بن سعيد بن غزوان، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبدالله‌ جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه عليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور.[3]

المصادر: الخصال 1: 18، باب الواحد، ح65، وسائل الشيعة 1: 336، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب20 ح4، جامع أحاديث الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب التخلّي، ب9 باب كراهة السواك في الخلاء وطول الجلوس عليه و...، ح2.

الحديث 35: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر، عن صفوان، عن العلاء، عن محمَّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، أنّه قال:


--------------------------------------------------

1. ملاذ الأخيار 1: 148.

2. وهو كنية: سهل بن زياد: راجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي قدس‌سره 8: 337 ـ 338.

3. الباسور، كالناسور، أعجمي: داءٌ معروف ويُجْمَعُ البواسير؛ قال الجوهري: هي علّة تحدث في المقعدة وفي داخل الأنف أيضاً. لسان العرب 1: 207، انظر مادّة بسر.


(144)

لا تشرب وأنت قائم، ولا تبل في ماءٍ نقيع، ولا تطف بقبر،[1] ولا تخلُ في بيت وحدك، ولا تمشِ بنعلٍ واحد، فإنّ الشيطان أسرع ما يكون إلى العبد إذا كان على بعض هذه الأحوال، وقال: إنّه ما أصاب أحداً شيء على هذه الحال فكاد أن يفارقه إلاّ أن يشاء الله‌ عزّ وجلّ.

قال الكليني رحمه‌الله ـ بعد نقل عدّة من الأحاديث في ذيلها ـ :

وهذه الأشياء إنّما كرهت لهذه العلّة وليست هي حرام.[2]

المصادر: الكافي 6: 534، كتاب الزيّ والتجمّل، باب كراهية أن يبيت وحده...، ح8، وسائل الشيعة 1: 340، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب24 ح1، وفيه: «بنعل واحدة» بدل «بنعل واحد» وأورد ذيله في ج5: 75، كتاب الصّلاة، أبواب أحكام الملابس، ب44 ح4، وفي ص334، أبواب أحكام المساكن، ب21 ح2، وليس فيه: «ولا تمش في نعل واحد» وأورد صدر الحديث في ج14: 574، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، ب92 ح2، وقطعة من الصدر والذيل في ج25: 240، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المباحة، ب7 ح4، وليس فيه: «عزّوجلّ». بحار الأنوار 60: 261، كتاب السّماء والعالَم، باب ذكر إبليس وقصصه، ح139، وج77: 173، كتاب الطهارة، باب آداب الخلاء، ذيل ح13، وليس فيه: «عزّ وجلّ»، وج97: 127، كتاب المزار، باب آداب الزيارة، ح6، وفي جميعها فيه: «بنعل واحدة» بدل «بنعل واحد» جامع أحاديث الشيعة 2: 222، كتاب الطهارة، أبواب أحكام التخلّي، ب3 باب أنّه يكره البول والغائط... ح4.

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: النقيع: الماء المجتمع في موضع والموضع الذي يجتمع فيه الماء والمعنيان محتملان بالوصف والإضافة «والطوف» الغائط.


--------------------------------------------------

1. في هامش الوسائل: (النهى عن الطواف بالقبر، ويأتي مثله «منه قدس‌سره») راجع: الحديث 6 من هذا الباب، وكذا في هامش الوسائل 14: 574، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، ب92 ح 2: «في نسخة: ولا تطيف «هامش المخطوط»

2. تقدّم في ص 140 ذيل حديث 31، أيضاً.


(145)

قال في النهاية: الطّوف الحدث من الطعام ومنه الحديث نهى عن المتحدّثين على طوفهما أي عند الغائط.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

يدلّ على مرجوحيّة الطواف حول القبور، وربما يقال: باستثناء قبور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله والأئمّة عليهم‌السلام، ويمكن أن يقال: المراد هنا النهي عن التغوّط في القبور، بقرينة خبر محمَّد بن مسلم المتقدّم، قال الفيروزآبادي: طاف: ذهب ليتغوّط، وقال الجزري: الطوف الحدث من الطعام، ومنه الحديث: «نهى عن المتحدّثين على طوفهما» أي عند الغائط، انتهى.

والأحوط ترك الطّواف قصداً إلاّ لتقبيل أطراف القبر، أو لتلاوة الأدعية المأثورة.[2]

الحديث 36: محمَّد بن الحسن،[3] عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام، قال: قلت له: الرجل يريد أن يستنجي، كيف يقعد؟ قال: كما يقعد للغائط، وقال: إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه، وليس عليه أن يغسل باطنه.

المصادر: الكافي 3: 18، كتاب الطهارة، باب القول عند دخول الخلاء...، ح11، ورواه الشيخ بإسناده، عن سهل بن زياد في تهذيب الأحكام 1: 355، كتاب الطهارة، أبواب الزيادات في أبواب كتاب الطهارة، ب15 باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة، ح 24، وسائل الشيعة 1: 360، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب 37 ح 2، جامع أحاديث الشيعة 2: 258، كتاب الطهارة، أبواب أحكام التخلّي، ب13 باب كيفيّة القعود للاستنجاء وحدّه...، ح2.


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 20: 813.

2. مرآة العقول 22: 449 وانظر: بحار الأنوار 60: 261 و 77: 173.

3. في الوسائل زيادة: «يعني الصفّار».


(146)

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

ويفهم منه أنّه ينبغي التنزّه عن استقبال القبلة واستدبارها حين الاستنجاء أيضاً ولم أرَ قائلاً بالوجوب هنا.[1]

وقال أيضاً :

قوله عليه‌السلام: «كما يقعد للغائط» يمكن أن يستنبط منه كراهة الاستقبال والاستدبار للقبلة أيضاً.[2]

أبواب الوضوء

الحديث 37: عليّ بن محمَّد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمَّد الأشعري، عن القدّاح، عن أبي عبدالله‌ عليه‌السلام قال: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: افتتاح الصّلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم.

المصادر: الكافي 3: 69، كتاب الطهارة، باب النوادر، ح2، وسائل الشيعة 1: 366، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب1 ح4، وفي السند: «ابن القدّاح» بدل «القدّاح»، وأورده أيضاً في ج6: 11، كتاب الصّلاة، أبواب تكبيرة الإحرام...، ب1 ح10، وص415، أبواب التسليم، ب1 ح1، جامع أحاديث الشيعة 5: 262، كتاب الصّلاة، أبواب كيفيّة الصّلاة وآدابها، ب7 باب أنّ افتتاح الصّلاة الوضوء و...، ح1.

الشرح: قال العلاّمة المجلسي:

وكأنّ فيه دلالة على استحباب عدم الفاصلة كثيراً بين الوضوء والصّلاة، والظاهر أنّ الغرض بيان الاشتراط.[3]

الحديث 38: عليّ بن محمَّد، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرّضا عليه‌السلام أسأله عن حدّ الوجه؟ فكتب[4]: من أوّل الشعر إلى آخر


--------------------------------------------------

1. مرآة العقول 13: 57.

2. ملاذ الأخيار 3: 36.

3. مرآة العقول 13: 189.

4. في التهذيب زيادة: «إليّ».


(147)

الوجه، وكذلك الجبينين.[1]

المصادر: الكافي 3: 28، كتاب الطهارة، باب حدّ الوجه...، ح4، تهذيب الأحكام 1: 55، كتاب الطهارة، ب4 باب صفة الوضوء، ح4، وسائل الشيعة 1: 404، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب17 ح2، جامع أحاديث الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب19 باب حدّ الوجه...، ح4.

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: يعني «وكذلك» من أوّل الجبينين إلى آخر الوجه من جهتيهما.[2]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله: «أسأله» الظاهر أنّه حال من فاعل «كتبت»، ويحتمل أن يكون استينافاً بتقدير سؤال، ويحتمل أن يكون عطف بيان عن جملة كتبت على قول مَنْ جوّزه في الجملة، كما قيل في قوله تعالى: «فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ»[3] وابن هشام منع منه، وأن يكون بدلاً من كتبت كما في قوله تعالى: «وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ»[4] أو يقدّر فيها لام كي وإن كان تقدير الحرف بعيداً فتدبّر.

قوله عليه‌السلام: «وكذلك الجبينين» الظاهر الجبينان ولعلّه على الحكاية، ويحتمل أن يكون المراد أنّ الجبينين أيضاً داخلان في حدّ الوجه، أو من جهة الجبينين أيضاً الإبتداء من الشعر، والإنتهاء إلى آخر الوجه فيكون المراد من أوّل الشعر في الأوّل من الجبهة.[5]


--------------------------------------------------

1. في التهذيب زيادة: «حينئذٍ».

2. كتاب الوافي 6: 279.

3. طه 20: 120.

4. الفرقان 25: 68 و 69.

5. مرآة العقول 13: 92، وراجع ملاذ الأخيار 1: 244.


(148)

الحديث 39: محمَّد بن الحسن[1] وغيره، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن الهيثم بن عروة التميمي قال: سألت أبا عبدالله‌ عليه‌السلام عن قول الله‌ عزّوجلّ: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ»[2] فقلت: هكذا؟ ومسحت من ظهر كفّي إلى المرفق، فقال: ليس هكذا تنزيلها، إنّما هي: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق) ثمّ أمَرَّ يده من مرفقه إلى أصابعه.

المصادر: الكافي 3: 28، كتاب الطهارة، باب حدّ الوجه...، ح5، ورواه الشيخ بإسناده، عن محمَّد بن يعقوب في تهذيب الأحكام 1: 57، كتاب الطهارة، ب4 باب صفة الوضوء، ح8، وليس فيه: «فقلت: هكذا؟ ومسحت من ظهر كفّي إلى المرفق»، قال الشيخ الطوسي في ذيل الحديث: «وعلى هذه القراءة يسقط السؤال من أصله»، وسائل الشيعة 1: 405، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب19 ح1، جامع أحاديث الشيعة 2: 358، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب18 باب كيفيّة غسل الوجه واليدين...، ح1.

قال الشيخ الحرّ العاملي:

أقول: حمله الشيخ على أنَّ هذا، قراءة جائزة في الآية، ويحتمل أن يكون المراد بالتنزيل: التفسير والحمل، والتأويل، فحاصله: أنَّ «إلى» في الآية بمعنى «من»، كما يقال: نزّل الشيخ الحديث على كذا، ويمكن تنزيله على كذا، ثمّ إنَّ أحاديث كيفيّة الوضوء، وغيرها ممّا مضى[3] ويأتي،[4] تدلّ على المطلوب، و«إلى» في الآية إمّا بمعنى «من» أو بمعنى «مع»، كما قاله الشيخ، وأورد له شواهد، أو لبيان غاية المغسول لا الغسل، لأنّه أقرب إليه، مضافاً إلى إجماع الطائفة المحقّة عليه، وتواتر النصوص به.


--------------------------------------------------

1. في التهذيب: «محمَّد بن الحسين».

2. المائدة 5: 6.

3. وسائل الشيعة 1: 387 ـ 401، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب 15.

4. وسائل الشيعة 1: 444 ـ 445، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب 32.


(149)

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: يعني أنّ تنزيلها بيان المغسول دون الغَسْل كما أشرنا إليه في تفسير الآية.[1]

قال العلاّمة المجلسي:

قوله عليه‌السلام: «هكذا تنزيلها» أي مفادها ومعناها بأن يكون المراد بلفظة «إلى» من، أو المعنى أنَّ «إلى» في الآية غاية للمغسول لا الغسل فلا يفهم الإبتداء من الآية، وظهر من السُنّة أنّ الابتداء من المرفق، فالمعنى أنّه لا ينافي الابتداء من المرفق لا أنّه يفيده، وفيه بعدٌ، والظاهر أنّه كان في قراءتهم عليهم‌السلام هكذا.[2]

وقال أيضاً :

قال الفاضل التستري رحمه‌الله: رُبما يقال: إنّ الرواية تدلّ على أنَّ «إلى» المذكورة في الآية بمعنى الغاية، وإلاّ لم يحتج إلى نفي تنزيلها والعدول عنها إلى «من»، ولعلّ مراده أنَّ الآية لا يُراد بها الغاية، فعبّر عنها بـ «إلى» على ما لعلّه يرشد.

قوله ـ الشيخ الطوسي رحمه‌الله ـ: «وعلى هذه القراءة...».

وقال الفاضل البهائي رحمه‌الله: لعلّ المراد من التنزيل التأويل، كما يقال: ينبغي تنزيل الحديث على كذا، وإلاّ فهي متواترة فكيف يمكن نفيها، انتهى.

ويرد عليه: أنّه إن أردتم تواترها إلى القرّاء أو تواتر ما اشترك بينها إلى من جمع القرآن فمسلّم، وأمّا تواترها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله فغير مسلّم. وقد دلّت الأخبار المتواترة بالمعنى على النقص والتغيير في الجملة، لكن لا يمكن الجزم في خصوص موضع، وأمرنا بقراءته والعمل به على ما ضبطه القُرّاء إلى أن يظهر القائم عليه‌السلام.[3]


--------------------------------------------------

1. كتاب الوافي 6: 280.

2. مرآة العقول 13: 93.

3. ملاذ الأخيار 1: 259.


(150)

الحديث 40: محمَّد بن الحسن وغيره، عن سهل بن زياد، بإسناده عن أبي عبد الله‌ عليه‌السلام قال: إذا فرغ أحدكم عن[1] وضوئه فليأخذ كفّاً من ماء، فليمسح به قفاه، يكون ذلك فكاك رقبته من النار.

المصادر: الكافي 3: 72، كتاب الطهارة، باب النوادر، ح11، وسائل الشيعة 1: 412، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب22 ح7، جامع أحاديث الشيعة 2: 403، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب28 باب حكم مسح القفا...، ح1.

قال الشيخ الحرّ العاملي:

أقول: هذا أيضاً موافق للتقيّة، ويمكن كونه فعلاً خارجاً عن الوضوء بعد الفراغ، بل ظاهره هذا، وتقدّم ما يدلّ على المقصود،[2] ويأتي ما يدلّ عليه.[3]

الشرح: قال الفيض الكاشاني:

بيان: ينبغي حمل هذا الخبر أيضاً على التقيّة لعدم ثبوت هذه السُنّة بين أصحابنا رحمهم‌الله.[4]

قال العلاّمة المجلسي:

والظاهر أنّه محمولٌ على التقيّة، ويحتمل أن يكون الثواب على هذا الفعل للتقيّة.[5]

الحديث 41: عن محمَّد بن الحسن وغيره، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب،


--------------------------------------------------

1. في الجامع: «من» بدل «عن».

2. وسائل الشيعة 1: 387، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب15 ح2، وص408، ب21، ح2.

3. وسائل الشيعة 1: 416 ـ 417، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، ب24، ح1 و 3، وص418، ب25، ح1، وص436، ب31 ح2، وص444، ب32، ح3.

4. كتاب الوافي 6: 302.

5. مرآة العقول 13: 199.