تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
سخن موسس فقید
سخن موسس فقید
موسوعةُ أحكام الأطفال و ادلتها / ج2

موسوعةُ أحكام الأطفال الجزء الثاني

صفحه 5

الفصل السادس
في ولاية الوكيل

قد ذكرنا فيما سبق ولاية الأب والجدّ والوصيّ والحاكم على تزويج الصغار، ولتتميم التحقيق في هذا المقام ينبغي أن نبحث عن ولاية الوكيل للأب والجدّ والوصيّ والحاكم في التزويج، فإنّه تترتّب على ثبوت الولاية له في التزويج وغيره فوائد لا تخفى على من تأمّل في مسألتنا هذه، ولأجل ذلك عقدنا هذا الفصل، وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : معنى الوكالة وذكر الأقوال فيها

قال الفيّومي: «وكَلتُ الأمر إليه وكلاً من باب وعد ووكولاً فوّضته إليه واكتفيت به، والوكيل فعيل بمعنى مفعول; لأنّه موكولٌ إليه، ويكون بمعنى فاعل إذا كان بمعنى الحافظ، ومنه (  حَسْبُنَا اللهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ )(1) والجمع وُكَلاء(2) .

  • (1) سورة آل عمران 3 : 173 .
    (2) المصباح المنير : 670 .

صفحه 6

وفي النهاية: الوكيل من أسماء الله، وهو القيّم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته
أنّه يستقلّ بأمر الموكول إليه(1) .

وفي مجمع البحرين «والتوكيل هو أن تعتمد على الرجل وتجعله نائباً عنك»(2).

وعرّفها الفقهاء بأنّها استنابةٌ في التصرّف(3) .

وعرّفها الجمهور من أهل السنّة بما يقرب من ذلك، وهو: أنّ الوكالة معناها شرعاً إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في تصرّف جائز معلوم يملكه(4) .

أو بأنّ الوكالة «تفويض شخص ما له فعله ممّا يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته»(5) .

وقال بعض آخر : «الوكالة استنابة جائز التصرّف مثله فيما تدخله النيابة»(6) .

وبعد هذا نقول : هل يجوز للأب والجدّ والوصيّ والحاكم أن يوكّلوا عمّن تحت ولايتهم من يباشر في اُمورهم كتزويجهم والتصرّف في أموالهم وغير ذلك، أم لا ؟

قال الشيخ في النهاية : «وللناظر في أُمور المسلمين ولحاكمهم أن يوكّل على سفهائهم وأيتامهم ونواقصي عقولهم ، من يطالب بحقوقهم ويحتجّ عنهم ولهم»(7) .

وقال المحقّق في الشرائع : «وللأب والجدّ أن يوكّلا عن الولد الصغير . . . وينبغي للحاكم أن يوكّل عن السفهاء من يتولّى الحكومة عنهم»(8).

  • (1) النهاية لابن الأثير 5 : 221 .
    (2) مجمع البحرين 3 : 1970 مادّة «وكل» .
    (3) شرائع الإسلام 2 : 193 ، تذكرة الفقهاء 2 : 113 ، الطبعة الحجريّة، قواعد الأحكام 2 : 349 ، اللمعة الدمشقيّة : 97 ، الروضة البهيّة 4 : 367 ، مسالك الأفهام 5 : 237 .
    (4) البحر الرائق 7 : 235 ، مجمع الأنهر 3 : 306 ، ردّ المحتار لابن عابدين 5 : 510 .
    (5) مغني المحتاج 2 : 217 .
    (6) منتهى الإرادات 2 : 517 ، المبدع في شرح المقنع 4 : 325 .
    (7) النهاية : 317 .
    (8) شرائع الإسلام 2 : 197 و 198 .

صفحه 7

وبه قال الشهيد الثاني(1) أيضاً.

وقال العلاّمة (رحمه الله) في التذكرة : «كلّ من صحّ تصرّفه في شيء تدخله النيابة ، صحّ أن يوكّل فيه» .

ثمّ قال في مسألة أُخرى : «شرطنا في الموكّل أن يكون متمكِّناً من المباشرة، إمّا بحقّ الملك أو الولاية، ليدخل فيه توكيل الأب أو الجدّ له في النكاح
والمال، ويخرج عنه توكيل الوكيل ; فإنّه ليس بمالك ولا وليٍّ وإنّما يتصرّف بالإذن ـ إلى أن  قال: ـ يجوز للوصيّ أن يوكّل وإن  لم   يفوّض الموصي إليه ذلك بالنصوصيّة; لأنّه يتصرّف بالولاية كالأب والجدّ ، لكن لو منعه الموصي من التوكيل وجب أن يتولّى بنفسه، وليس له أن يوكِّل حينئذ; لقوله تعالى : ( فَمَن بَدَّلَهُ )(2) الآية .

ويجوزللحاكم أن يوكّل(3) عن السفهاء والمجانين والصبيان، من يتولّى
الحكومة عنهم ويستوفي حقوقهم ويبيع عنهم ويشتري لهم، ولا نعلم فيه
خلافاً»(4).

وبه قال أيضاً في التحرير(5) والقواعد(6)والإرشاد(7)ومجمع الفائدة والبرهان(8)

  • (1) مسالك الأفهام 5: 264.
    (2) سورة البقرة (2) : 181 .
    (3) والمستفاد من هذه العبارة جواز توكيل الحاكم في خصوص الموارد الثلاثة، وإلاّ فلا يستفاد منها جواز توكيل الحاكم في جميع ما يرتبط به، فتدبّر. م ج ف
    (4) تذكرة الفقهاء 2 : 115 ـ 116، الطبعة الحجريّة .
    (5) تحرير الأحكام الشرعيّة: 3 / 30.
    (6) قواعد الاحكام 2 : 350ـ 351 .
    (7) إرشاد الأذهان 1 : 415 .
    (8) مجمع الفائدة والبرهان 9 : 490 و 494 .

صفحه 8

وجامع المقاصد(1) والكفاية(2) ومفتاح الكرامة(3) ومهذّب الأحكام(4).

وقال في تحرير الوسيلة: «يجوز للولىّ كالأب والجدّ للصغير أن يوكّل غيره فيما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية عليه»(5) .

وقال الشهيد في بيان ما تصحّ الوكالة فيه : «وإنّما تصحّ الوكالة فيما لا يتعلّق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر بعينهِ كالعتق، فإنّ غرضه فيه فكّ الرقبة;سواءٌ أحدثه المالك أم غيره ، والطلاق;فإنّ غرضه منه رفع الزوجيّة كذلك ، ومثله النكاح والبيع وغيرهما من العقود والإيقاعات، لافيمايتعلّق غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه.

ومرجع معرفة غرضه في ذلك وعدمه إلى النقل(6)،ولا قاعدة له لاتنخرم»(7).

وبمثل ذلك في الرياض(8) ، والحدائق(9) . وهكذا قال به صاحب الجواهر(10) ، وبعض فقهاء العصر(11) .

والحاصل، أنّه استفيد من الأدلّة وكلمات الفقهاء أنّ كلّ(12) ما تعلّق غرض

  • (1) جامع المقاصد 8 : 190 .
    (2) كفاية الأحكام : 129 .
    (3) مفتاح الكرامة 7: 535 وج 5 : 267 و 271 .
    (4) مهذّب الأحكام 21 : 200 .
    (5) تحرير الوسيلة 2-42 مسألة 18.
    (6) أي النقل الشرعي الوارد عن أهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام) .
    (7) الروضة البهيّة 4 : 371ـ 372 .
    (8) رياض المسائل 6 : 66 .
    (9) الحدائق الناضرة 22 : 48 .
    (10) جواهر الكلام 27 : 390 .
    (11) منهاج الصالحين للسيّد الخوئي 2 : 201، تفصيل الشريعة، كتاب المضاربة والشركة: 428.
    (12) ويمكن انتقاض هذه القاعدة بالوكالة والنيابة في الصلاة وسائر العبادات بعد الموت; فإنّها ممّا تعلّق الغرض بها مباشرة مع صحّة وقوع الوكالة والنيابة بعد الموت، اللّهم إلاّ أن يقال بأنّ الصحّة إنّما هي من جهة الأمر العارضي، وإلاّ أوّلا وبالذات لا تقبل النيابة، وهو كما ترى.
    وأيضاً يمكن انتقاض القاعدة بما إذا منع الموصي عن التوكيل، فلا يصحّ فيه التوكيل، مع أنّ غرض الشارع لا يتعلّق بالمباشرة، وهذا كلّه مضافاً إلى عدم وجود وجه صحيح للتقييد بالشرع، بل الغرض أعمّ من أن يكون غرضاً للشارع أو العقلاء أو صاحب الحق مثلا، فتدبّر، فالتحقيق في مفاد هذه القاعدة يحتاج إلى مجال واسع. م ج ف.

صفحه 9

الشارع بإيقاعه مباشرةً لا يصحّ التوكيل فيه، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك; فإنّه يصحّ فيه التوكيل ، فعلى هذا يجوز للأولياء كالأب والجدّ والوصيّ لهما والحاكم أن  يوكّلوا غيرهم فيما يتعلّق بالمولّى عليهم ممّا لهم الولاية عليهم ; لأنّ الغرض من جعل الولاية لهم حفظ أنفسهم وأموالهم من التلف والضرر ، ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه في أُمورهم ، وهذا يمكن أن يصدر من الأولياء ومن غيرهم .

صفحه 10

المبحث الثاني : أدلّة هذا الحكم

يمكن أن يستدلّ لهذا الحكم بوجوه :

الأوّل : الإجماع الذي ادّعاه المحقّق الأردبيلي، حيث قال : «وللحاكم أن يوكّل عن السفهاء . . . وكأ نّ دليله الإجماع»(1) .

وذكر في الرياض أنّه لا خلاف فيه(2) ، ويستظهر الإجماع أيضاً من كلام العلاّمة في التذكرة ، حيث قال : «ولا نعلم فيه خلافاً»(3) .

الثاني : الأصل يعني إن شككنا في أنّه هل يعتبر في القيام باُمور الولاية من الوليّ ، مباشرتها بنفسه أم لا ؟ فالأصل عدم اعتبار المباشرة .

ببيان آخر : الأصل جواز الوكالة في كلّ شيء إلاّ ما علم خروجه بالدليل من أنّه لايجوز النيابة فيه، كما يستظهر ذلك من كلام صاحب الجواهر ، حيث قال: «بذلك ظهر لك مشروعيّة الوكالة في كلّ شيء إلاّ ما علم خروجه، وقد نبّه عليه المصنّف بقوله : أمّا ما لا تدخله النيابة فضابطه ما تعلّق قصد الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرةً بنصّ أو إجماع أو نحوهما; فإنّ الوكالة حينئذ منافية لحقيقته . . .»(4) .

الثالث : عموم بعض الأخبارـ :

1 ـ كصحيحة معاوية بن وهب وجابر بن يزيد جميعاً، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه

  • (1) مجمع الفائدة والبرهان 9 : 504 .
    (2) رياض المسائل 6 : 66 .
    (3) تذكرة الفقهاء 2 : 116 الطبعة الحجريّة .
    (4) جواهر الكلام 27 : 378 .

صفحه 11

قال : «من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الاُمور، فالوكالة ثابتة أبداً حتّى يعلمه بالخروج منها، كما أعلمه بالدخول فيها»(1) .

2 ـ وصحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل وكّل آخر على وكالة في أمر من الأمور وأشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر فقال : اشهدوا أنّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة ، فقال : «إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل، فإنّ الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكّل أم رضي» الحديث(2) .

فهاتان الصحيحتان تدلاّن(3) على كون الوكالة جائزة في كلّ أمر من الاُمور، وفي مورد توكيل الوليّ غيره لمباشرة اُمور المولّى عليه يصدق أنّه وكّل على إمضاء أمر، فلا ينعزل حتّى يبلغه العزل، فالاستدلال بهما كاف في إثبات المطلوب، وكذلك يستظهر جواز توكيل الوليّ من أخبار تدلّ على ثبوت الوكالة في عقد النكاح .

منها : صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث تزويج أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ أنّ العبّاس أتاه فأخبره وسأله أن يجعل الأمر إليه، فجعله إليه(4) .

ومنها : صحيحة أبي ولاّد الحنّاط قال : سُئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن رجل أمر رجلاً أن يزوّجه امرأة بالمدينة وسمّـاها له ، والذي أمره بالعراق ، فخرج المأمور فزوّجه إيّاها ، ثمّ قدم إلى العراق فوجد الذي أمره قد مات ؟ قال : «ينظر في ذلك،

  • (1) وسائل الشيعة 13 : 285 الباب 1 من كتاب الوكالة، ح1 .
    (2) نفس المصدر 13 : 286 الباب 2 من كتاب الوكالة، ح1 .
    (3) والإنصاف عدم الدلالة على ذلك، وليستا بصدد بيان مشروعيّة الوكالة ومواردها، بل إنمّا هما بصدد بيان حكم الوكالة في مورد تجوز الوكالة فيه. م ج ف.
    (4) وسائل الشيعه 14 : 217 ، الباب 10 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ح3 .

صفحه 12

فإن كان المأمور زوّجها إيّاه قبل أن يموت الآمر ثمّ مات الآمر بعده; فإنّ المهر في جميع ذلك الميراث بمنزلة الدين ، فإن كان زوّجها إيّاه بعدما مات الآمر فلاشيء على الآمر ولا  على المأمور، والنكاح باطل»(1) .

ومنها : صحيحة داود بن سرحان ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل يريد أن يزوّج اُخته ، قال : «يؤامرها، فإن سكتت فهو إقرارها، وإن أبت لم يزوّجها ، فإن قالت : زوّجني فلاناً زوّجها ممّن ترضى» الحديث(2) .

وكذا صحيحة أبي عبيدة(3) ويؤيّده روايات عمّار الساباطي(4) وإبراهيم ابن أبي يحيى(5) وجابر(6) ومضمرة محمد بن شعيب(7) ومرسلة عبدالله بن بكير(8) ، فمقتضى هذه النصوص المتضافرة وغيرها أنّ عقد النكاح ممّا تصحّ فيه الوكالة، وبما أنّ عقد نكاح الصغار بيد الوليّ; سواء كان أباً أو جدّاً أو غيرهما، فالولي إمّا أن  يباشر نفسه بإجراء عقد النكاح، أو يوكّل غيره في ذلك، وهو المطلوب .

  • (1) نفس المصدر 14 : 230 ، الباب 28 من أبواب عقد النكاح، ح1 .
    (2) نفس المصدر 14 : 201 ، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، ح3 .
    (3) نفس المصدر 14 : 228 ، الباب 26 من أبواب عقد النكاح، ح1 .
    (4) نفس المصدر 14 : 217 ، الباب 10 من أبواب عقد النكاح، ح4 .
    (5) نفس المصدر 14 : 222 ، الباب 16 من أبواب عقد النكاح، ح1 .
    (6) نفس المصدر 14 : 217 ، الباب 10 من أبواب عقد النكاح، ح2 .
    (7) نفس المصدر 14 : 224 ، الباب 20 من أبواب عقد النكاح، ح1 .
    (8) نفس المصدر 14 : 230 ، الباب 28 من أبواب عقد النكاح، ح2 .

صفحه 13

المبحث الثالث : ولاية الوكيل عند الجمهور من أهل السنّة

قد ذهب جمهور الفقهاء من أهل السنّة إلى أنّ الوكالة تصحّ في كلّ شيء إلاّ ماخرج بالدليل من العبادات وما جرى مجراها.

فيستفاد من كلماتهم صحّة الوكالة في نكاح الصغار والتصرّف في أموالهم ببيع وشراء وإجارة ونحوها .

فنذكر شطراً من كلماتهم على الترتيب التالي :

أ ـ المالكيّة

قال ابن رشد : «من رأى أنّ الأصل هو الجواز قال : الوكالة في كلّ شيء جائزة إلاّ فيما أجمع على أنّه لاتصحّ فيه من العبادات وما جرى مجراها»(1) .

وقال ابن شاس : «كلّ من جاز له التصرّف لنفسه جاز له أن يستنيب فيما تجوز فيه النيابة فيه لأجل الحاجة إلى ذلك على الجملة»(2) .

وفي المدوّنة الكبرى : «قلت : أرأيت الوليّ أو الوالد إذا استخلف من يزوّج ابنته أيجوز هذا في قول مالك ؟ قال : نعم ، ثمّ قال : فإن كانت وصيّة جاز لها أن  تستخلف من يزوّجها»(3) .

وقريب من هذا كلمات(4) غيرهم، فراجع .

  • (1) بداية المجتهد  2: 299ـ 300 .
    (2) عقد الجواهر الثمينة 2 : 677 .
    (3) المدوّنة الكبرى 2 : 168 .
    (4) حاشية الدسوقي  2: 216 ، مواهب الجليل  7 : 178 ، القوانين الفقهيّة لابن جزي : 227ـ 228 .

صفحه 14

ب ـ الحنابلة

أنّهم قالوا بصحّة توكيل الوليّ غيره في تزويج من كانت تحت ولايته، ويقوم الوكيل مقام الوليّ فيما له من الولاية والسلطة ، ولا يشترط في صحّة توكيل الوليّ إذن ورضا من المولّى عليه; لأنّ ولايته ثابتة على المولّى عليهم من قبل الشرع(1) .

ج ـ الحنفيّة

أنّهم قالوا بصحّة التوكيل في النكاح من الأب والجدّ .

ففي هامش الفتاوى الهنديّة «قال الشافعي : إذا غاب الأقرب تنتقل الولاية إلى السلطان والقاضي . وقال زفر : لا يزوّجها أحد حتّى يحضر الأقرب أو يزوّجها وكيل الأقرب، فإن زوّجها وكيل الأقرب حيث هو اختلفوا في جواز إنكاحه، والظاهر هو الجواز»(2) .

وقال الشيخ النظام : «يصحّ التوكيل بالنكاح وإن لم يحضره الشهود»(3) ، وقريب من هذا في البحر الرائق(4) وردّ المحتار(5) .

وفي المبسوط : «ويجوز لوصيّ اليتيم أن يوكّل في كلّ ما يجوز له أن يعمله بنفسه من اُمور اليتيم . . . لأنّ الوصيّ مفوّض إليه الأمر على العموم . . . فإن بلغ اليتيم قبل أن يصنع الوكيل ذلك لم يجز له أن يفعله; لأنّ حقّ التصرّف للوكيل باعتبار حقّ التصرّف للوصي، وببلوغ اليتيم عن عقل انعزل الوصيّ حتّى لا يملك

  • (1) الكافي في فقه أحمد 3 : 14 ، كشّاف القناع 5 : 60 ، المحرّر في الفقه 1 : 349 ، المغني 5 : 217 وج 7 : 352 ، الشرح الكبير 5: 210 ـ 211.
    (2) فتاوى الهندية 1 : 356.
    (3) الفتاوى الهنديّة 1: 294.
    (4) البحر الرائق 3 : 223 .
    (5) ردّ المحتار 3 : 82 .

صفحه 15

التصرّف، فكذلك وكيله»(1) .

وقال الكاساني : «وللوليّ أن يوكّل بالبيع والشراء والإجارة والاستئجار; لأنّ هذه الأشياء من توابع التجارة،فكلّ من ملك التجارة يملك ما هو من توابعها»(2).

د ـ الشافعيّة

فقد فصّلوا في توكيل الوليّ فيما إذا كان الوليّ مجبراً أو غير مجبر . قال الشافعي الصغير في نهاية المحتاج : إنّ للوليّ المجبر أن يوكّل تزويج موليته بغير إذنها. نعم، يندب للوكيل استئذانها ويكفي سكوتها، ولا يشترط لصحّة توكيل الوليّ المجبر تعيين الزوج للوكيل في الأظهر(3) .

وأمّا الوليّ غير المجبر، فقد قال في المهذّب : «اختلف أصحابنا في غير الأب والجدّ من العصبات هل يملك التوكيل في التزويج من غير إذن المرأة؟ فمنهم من قال يملك; لأنّه يملك التزويج بالولاية من جهة الشرع ، فملك التوكيل من غير إذن كالأب والجدّ ، ومنهم من قال لا يملك; لأنّه لا يملك التزويج إلاّ بالإذن ، فلا يملك التوكيل إلاّ بإذن، كالوكيل والعبد المأذون»(4) .

وذكر النووي في شرح المهذّب في صحّة توكيل الوليّ ضابطةً، فقال :

«الضابط الثاني : كون التمكّن بحقّ الملك والولاية ، فيدخل فيه توكيل الأب في النكاح والمال ، والقيّم في المال، فيوكّل عن الطفل أو عن نفسه أو عنهما معاً . . .»(5) .

  • (1) المبسوط للسرخسي 19 : 30 .
    (2) بدائع الصنائع 4 : 351 .
    (3) نهاية المحتاج 6 : 242 ـ 244 ، روضة الطالبين 6 : 68 مع تصرّف يسير فيهما .
    (4) المهذّب 1 : 349 .
    (5) المجموع شرح المهذّب 13 : 462 .

صفحه 16

وفي روضة الطالبين: قال في الحاوي : « للأب والوصيّ والقيّم أن يوكّل في بيع مال الطفل، إن شاء عن نفسه وإن شاء عن الطفل، وفي جوازه عن الطفل نظر(1) .

وقال الخطيب الشربيني : «يصحّ توكيل الوليّ وهو الأب والجدّ في حقّ الطفل في النكاح والمال، والوصي والقيّم في المال ، فيوكّل الوليّ عن الطفل أو عن نفسه أو عنهما معاً ، وفائدة كونه وكيلاً عن الطفل أنّه لو بلغ رشيداً لم ينعزل الوكيل، بخلاف ما  إذا كان وكيلاً عن الوليّ»(2) .

  • (1) روضة الطالبين 4 : 27 .
    (2) مغني المحتاج 2 : 217 .

صفحه 17

الفصل السابع
في ما يترتّب على نكاح الصغيرين

وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : التوارث بين الصغيرين

إذا زوّج الأبوان ، أو الحاكم ، أو الوصيّ ، الصغيرين مع مراعاة جميع الشرائط ، لزمهما العقد كما تقدّم ، فإن مات أحدهما قبل البلوغ ورثه الآخر حتّى على قول من خيّر(1) الصبيّ عند البلوغ.

قال الشيخ في النهاية: « ومتى عقد الأبوان على ولديهما قبل أن يبلغا ثمّ ماتا فإنّهما يتوارثان، ترث الجارية الصبيّ والصبىّ الجارية(2) ».

وبه قال المفيد(3) والمحقّق(4) وكذا في المهذّب(5) والوسيلة(6)

  • (1) في ثبوت الخيار للصغار وعدمه خلاف كما تقدّم.
    (2) النهاية : 466.
    (3) المقنعة : 511.
    (4) شرائع الإسلام 2 : 279 ، المختصر النافع : 199.
    (5) المهذّب للقاضي ابن برّاج 2 : 197 .
    (6) الوسيلة لابن حمزة : 300 .

صفحه 18

والمختلف(1) والقواعد(2) والجامع للشرائع(3). واختاره ابن إدريس وادّعى عدم
الخلاف فيه بين أصحابنا(4). وقال في كشف اللثام : «لانعرف فيه خلافاً حتّى ممّن خيّر الصبيّ عند البلوغ(5) »، وادّعى أيضاً عدم الخلاف فيه في مستندالشيعة(6)ونهاية المرام(7) والرياض(8) ، واختاره المحقّق والشهيد الثانيان(9)وصاحب الجواهر(10) وفقهاء العصر(11) .

أدلّة توارث الصغيرين عن الآخر

ويمكن أن يستدلّ على هذا الحكم بوجوه :

الأوّل : قال المحقّق : «إنّ ثبوت الخيار بعد البلوغ لا ينافي الميراث لو حصل الموت قبل البلوغ»(12) .

الثاني : أنّ موجب الإرث هو الزوجيّة وهي متحقّقة، بتعبير آخر أنّه عقد

  • (1) مختلف الشيعة 7 : 138 .
    (2) قواعد الاحكام 3 :16 .
    (3) الجامع للشرائع : 438 .
    (4) السرائر 2 : 566 .
    (5) كشف اللثام 7 : 103 .
    (6) مستند الشيعة 16 : 189 .
    (7) نهاية المرام 1 : 88 .
    (8) رياض المسائل 6 : 412 .
    (9) جامع المقاصد 12: 154، مسالك الأفهام 7: 175.
    (10) جواهر الكلام 29 : 216 .
    (11) كالسادة العظام الخوئي في مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 2 : 339 ، والحكيم في مستمسك العروة الوثقى 14 : 509 ، والسبزواري في مهذّب الأحكام 24 : 291 ، والسيّد اليزدي في العروة والتعليقات عليها 5 : 640 ، والإمام الخميني(قدس سره) في تحرير الوسيلة 2 : 246 ، والشيخ الفاضل اللنكراني في تفصيل الشريعة، كتاب النكاح: 123 .
    (12) النهاية و نكتها 2 : 315 .

صفحه 19

صحيح شرعاً، فيصيران به زوجاً وزوجةً، فيثبت لهما التوارث كما في الرياض(1) .

الثالث : إطلاقات النصوص الواردة في توارث الزوجين(2) .

الرابع : الأصل بقاء الزوجيّة على الصحّة إلى أن يطرأ المعارض لها، وهو اختيار الفسخ عند البلوغ، وهو هنا ممتنع; لأنّ فسخ الصغير لا اعتبار به .

الخامس : ـ وهو العمدة ـ الروايات الخاصّة :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) في الصبيّ يتزوّج الصبيّة يتوارثان ؟ فقال : «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم ، قلت : فهل يجوز طلاق الأب ؟ قال : لا»(3) .

ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سألته عن الصبيّ يزوّج الصبيّة هل يتوارثان ؟ قال : «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم ، قلنا : يجوز طلاق الأب ؟ قال : لا»(4) .

ودلالتها كسابقتها واضحة ، وأمّا سندها فهي صحيحة من طريق الشيخ، بل الكليني أيضاً .

إذا عقد على الصغيرين غير وليّهما

ما قلنا في ثبوت التوارث على نكاح الصغيرين يختصّ على مورد ما إذا عقدهما الوليّان ، وأمّا إذا عقدهما غير وليّهما فيكون فضوليّاً، ويتوقّف صحّته على إجازتهما بعد البلوغ على ما تقتضيه القاعدة من عقد الفضولي، أو إجازة وليّهما قبل

  • (1) رياض المسائل 6 : 412 .
    (2) وسائل الشيعة 17 : 510 ، الباب 1 من أبواب ميراث الأزواج، أحاديث 1 ـ 2 ـ 3 وغيرها .
    (3) نفس المصدر 14 : 220 الباب 12 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح1 .
    (4) نفس المصدر 17 : 528 الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، ح3 .

صفحه 20

البلوغ ، وإن ماتا معاً أو مات أحدهما قبل الإجازة بطل العقد قطعاً; لتعذّر الإجازة ولو من طرف واحد، وسقط المهر والإرث; لعدم تحقّق موجبهما، وهذا لا كلام فيه ، وإن بلغ أحدهما مع كون الآخر حيّاً فأجاز العقد لزم من جهته; لحصول المقتضي وانتفاء المانع ، وبقي من طرف الآخر موقوفاً على إجازته إذا بلغ، فإن اتّفق بلوغه والآخر حيّ وأجاز العقد لزم، ولا كلام في ذلك أيضاً، وإن فرض موت المجيز أوّلاً قبل أن يبلغ الآخر، أو بعد بلوغه وقبل إجازته وترك أموالاً عزل عن تركته نصيب ميراث الطفل «الذي كان زوجاً أو زوجةً على الفرض» حتّى يبلغ، فإذا بلغ عرض عليه العقد، فإن رضي بالعقد وأجازه أحلف أنّه لم يُجز طمعاً في الميراث، بل لو كان الآخر حيّاً لرضى بتزويجه ، فإذا حلف أعطي الميراث، وإن نكل عن اليمين أو  لم  يرض بالعقد لم يكن له شيء ،كما صرّح به المفيد(1) ،والشيخ(2) ، وبنو البرّاج(3)وحمزة(4) وإدريس(5) وسعيد(6) .واختاره الفاضلان(7) والشهيد والمحقّق
الثانيان(8) ، وصاحب المدارك(9) ، والشيخ الأعظم(10) .وصرّح به في الجواهر(11)

  • (1) المقنعة : 511 .
    (2) النهاية : 466 .
    (3) المهذّب للقاضي ابن البرّاج 2 : 197 .
    (4) الوسيلة لابن حمزة : 300 .
    (5) السرائر 2 : 566 .
    (6) الجامع للشرائع : 438 .
    (7) شرائع الإسلام 2 : 279 ، المختصر النافع : 199 ، النهاية ونكتها 2 : 315 ، مختلف الشيعة 7 : 138 ، قواعد الأحكام: 3 / 16.
    (8) جامع المقاصد 12 : 154 ، مسالك الأفهام 7 : 177 .
    (9) نهاية المرام 1 : 90 .
    (10) كتاب النكاح في ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 155 .
    (11) جواهر الكلام 29 : 219 .

صفحه 21

والحدائق(1) والرياض(2) وكشف اللثام(3). واختاره أيضاً الفقهاء المعاصرين(4) .

وبه قال في تحرير الوسيلة، وأضاف بأنّ الحاجة إلى الحلف إنّما هو فيما إذا كان متّهماً بأنّ إجازته لأجل الإرث. وأمّا مع عدمه ـ كما إذا أجاز مع الجهل بموت الآخر أو كان الباقي هو الزوج وكان المهر اللاّزم عليه ـ على تقدير الزوجيّة ـ أزيد ممّا يرث ـ يدفع اليه بدون الحلف(5).

وكذا في تفصيل الشريعة، وزاد بأنّ أصل الحكم حتى في صورة الحلف وتحقّقه مبنيّ على كون الإجازة كاشفةً ولو بالكشف الحكمي(6) .

واعلم أنّ أكثر أحكام هذه المسألة موافقة للاُصول، ولا يتوقّف إثباتها على نصٍّ خاصٍّ، ومع ذلك يمكن أن يستدلّ لإثباتها بصحيحة أبي عبيدة الحذّاء ، قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين؟ قال : فقال : النكاح جائز أيّهما أدرك كان له الخيار . فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا .

قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر ؟ قال : يجوز ذلك عليه إن هو رضي .

قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح، ثمّ مات قبل أن  تدرك الجارية أترثه ؟ قال : نعم ، يُعزل ميراثها منه حتّى تُدرك وتَحلف بالله ما  دعاها إلى أخذ الميراث إلاّ رضاها بالتزويج، ثمّ يدفع إليها الميراث

  • (1) الحدائق الناضرة 23 : 283 ـ 285 .
    (2) رياض المسائل 6 : 413 .
    (3) كشف اللثام 7 : 104 .
    (4) العروة الوثقى والتعليقات عليها 5 : 640 ، مستمسك العروة الوثقى 14 : 510 ، مباني العروة الوثقى ، كتاب النكاح 2 : 341 ، مهذّب الأحكام 24 : 291 .
    (5) تحرير الوسيلة 2 : 246 مسأله 21 .
    (6) تفصيل الشريعة ، كتاب النكاح: 122 .

صفحه 22

ونصف المهر .

قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت، أيَرِثُها الزوج المدرك ؟ قال : لا ; لأنّ لها الخيار إذا أدركت .

قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك ، قال : يجوز عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية(1) .

ثمّ إنّ مورد الصحيحة وإن كان هو موت الزوج وبقاء الزوجة، إلاّ أنّ الظاهر أنّه لا خصوصيّة لذلك، كما عليه معظم الأصحاب; فإنّ موت الزوج إنّما ذكر في كلام السائل خاصّة، والظاهر أنّ الحلف إنّما هو للاحتياط في المال بالنسبة إلى الوارث، وهو لا يختصّ بفرض موت الزوج وبقاء الزوجة، بل يثبت الحكم مع موت الزوجة وبقاء الزوج أيضاً، كما في مستند العروة(2) .

الجواب عن شبهتين في الصحيحة

كانت في الصحيحة المتقدّمة مع وضوحها لإثبات الأحكام المذكورة وصحّة سندها شبهتان يلزم الجواب عنها :

إحداهما : أنّ الصحيحة وردت في تزويج الوليّين، وقد عرفتَ(3) أنّ تزويج الوليّ نافذ ولازم على الصغار ولا خيار لهما، والحال أنّ الصحيحة قد صرّحت بثبوت الخيار لهما .

ثانيتهما : قد حكمت بثبوت نصف المهر للزوجة على تقدير موت الزوج، مع أنّ الموت يوجب ثبوت جميع المهر وإن كان قبل الدخول .

  • (1) وسائل الشيعة 17 : 527 ، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج ، ح1 .
    (2) مباني العروة الوثقى ، كتاب النكاح 2 : 341 .
    (3) موسوعة أحكام الأطفال وأدلّتها ـ الجزء الأوّل ـ ص 598.

صفحه 23

والجواب عن الشبهة الاُولى: أنّ المراد بالوليّ هنا غير الأب والجدّ، وهو الوليّ العرفي كالأخ والعمّ وابن العمّ وغيرهم، كما صرّح به الشيخ(1) والعلاّمة(2)والشهيد(3) والمحقّق الثانيان(4) وغيرهم(5) .

وأمّا الجواب عن الشبهة الثانية; وهي الحكم بثبوت نصف المهر: فقد حمل على أنّه قد دفع نصف المهر كما هو المتعارف عند العرف من تقديم شيء قبل الدخول وأنّ الباقي هو النصف خاصّةً، وهذا الحمل وإن كان لا يخلو من بُعد، إلاّ أنّه محتملٌ; لضرورة الجمع كما في المسالك(6) .

وقال في الجواهر: « واشتماله على تنصيف المهر بالموت نحو غيره من الأخبار الدالّة على ذلك غير قادح في حجّيّته»(7) .

رأى بعض أهل السنّة في المسألة

بعض الفقهاء من مذاهب أهل السنّة قائلون بالتوارث بين الصغيرين ، ففي المبسوط للسرخسي : «فإن اختار الصغير أو الصغيرة الفرقة بعد البلوغ ، فلم يفرّق القاضي بينهما حتّى مات أحدهما توارثا; لأنّ أصل النكاح كان صحيحاً، والفرقة لا  تقع إلاّ بقضاء القاضي ، فإذا مات أحدهما قبل القضاء كان انتهاء النكاح

  • (1) المبسوط للطوسي 4 : 183 .
    (2) مختلف الشيعة 7: 122.
    (3) مسالك الأفهام 7 : 179 .
    (4) جامع المقاصد 12 : 154 .
    (5) نهاية المرام 1 : 90 ، الحدائق الناضرة 23 : 210 ، رياض المسائل 6 : 414 ، جواهر الكلام 29 : 219 ، كشف اللثام 7 : 104 .
    (6) مسالك الأفهام 7 : 179 .
    (7) جواهر الكلام 29 : 219 .

صفحه 24

بينهما بالموت فيتوارثان»(1) . وقال في موضع آخر : «والإرث حكم يختصّ بالنكاح الصحيح المنتهي بالموت »(2).

وقال ابن حزم من فقهاء الظاهريّة : ولا يتوارثان إن ماتا قبل البلوغ(3) .

  • (1) المبسوط للسرخسي 4 : 217 .
    (2) المبسوط للسرخسي 5: 8 .
    (3) المحلّى بالآثار 9 : 45 .

صفحه 25

المبحث الثاني : من عليه المهر

إذا زوّج الأب الصغير ثبت المهر عليه أو على الابن; لأنّ مقتضى نفس العقد تملّكها للصداق من غير توقّف على شيء آخر . قال في المقنعة : «وإذا عقد الرجل على ابنه وهو صغيرٌ وسمّى مهراً ثمّ مات الأب كان المهر من أصل تركته قبل القسمة، إلاّ أن يكون للصبيّ مالٌ في حال العقد له، فيكون المهر من مال الابن دون الأب»(1) .

واختاره الشيخ(2) وابن إدريس(3) والمحقّق(4) والعلاّمة(5). وكذا في الجواهر(6)والمسالك(7) والرياض(8).

وقال في تحرير الوسيلة: « لو زوّج ولده الصغير، فإن كان للولد مال فالمهر على الولد، وإن لم يكن له مال فالمهر على عهدة الوالد ، فلو مات الوالد اُخرج المهر من أصل تركته; سواء بلغ الولد وأيسر أم لا»(9). وكذا في تفصيل الشريعة(10) .

تدلّ على هذا الحكم نصوص :

  • (1) المقنعة : 511 .
    (2) الخلاف 4 : 373 ، المبسوط 4 : 292 ، النهاية : 467 .
    (3) السرائر 2 : 569 .
    (4) شرائع الإسلام 2: 332.
    (5) قواعد الاحكام 3: 87 .
    (6) جواهر الكلام 31: 125.
    (7) مسالك الأفهام 8 : 284 .
    (8) رياض المسائل 7 : 180 .
    (9) تحرير الوسيلة 2 : 287 مسألة 23 .
    (10) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 454 .

صفحه 26

1 ـ موثّقة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير ؟ قال : «إن كان لابنه مال فعليه المهر ، وإن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر، ضَمن أو لم يضمن»(1) .

2 ـ وكذا معتبرة بقباق «فضل بن عبد الملك»(2) .

3 ـ وخبر(3) علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير، فدخل الابن بامرأته، على مَن المهر ؟ على الأب أو على الابن ؟ قال : «المهر على الغلام، وإن لم يكن له شيء فعلى الأب، ضمن ذلك على ابنه أو لم يضمن إذا كان هو أنكحه وهو صغير»(4) .

4 ـ وخبر أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره(5) .

وادّعى في الجواهر أنّه لا خلاف في هذا الحكم، بل الإجماع بقسميه عليه(6) .

وبهذه النصوص يقيّد إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما(عليهما السلام)قال : سألته عن رجل كان له ولد فزوّج منهم اثنين وفرض الصداق ثمّ مات، من أين يحسب الصداق، من جملة المال أو من حصّتهما ؟

قال : «من جميع المال، إنّما هو بمنزلة الدَين»(7) .

وكذا صحيحة أبي عبيدة الحذّاء(8) وصحيحة اُخرى لمحمّد بن مسلم(9) ; فإنّهما

  • (1) وسائل الشيعة 15 : 39 ، الباب 28 من أبواب المهور ح1 .
    (2) نفس المصدر والباب، ح2 .
    (3) وعبّر عنه السيّد صاحب الرياض بالصحيحة . رياض المسائل 7 : 182 .
    (4) وسائل الشيعة 15 : 40 ، الباب 28 من أبواب المهور، ح4 .
    (5) نفس المصدر والباب، ح5 .
    (6) جواهر الكلام 31 : 125 .
    (7) وسائل الشيعة 15 : 39 ، الباب 28 من أبواب المهور، ح3 .
    (8) نفس المصدر 17 : 527 الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، ح1 .
    (9) نفس المصدر 14 : 208 الباب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح8 .

صفحه 27

مطلقتان من حيث إعسار الولد وعدم إعسارهِ .

فتُنزّل هذا الإطلاقات على صورة إعسار الولد، أو أنّ الأب قد ضمنه في العقد، كما قال في الوسائل(1) والجواهر(2) .

وقال الشيخ في الخلاف بعد بيان هذه المسألة : «دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً فإنّه لمّا قَبِلَ النكاح لولده مع علمه بإعساره وعلمه بلزوم الصداق بعقد النكاح ، علمنا من حيث العرف والعادة أنّه دخل على أن يضمن ، فقام العرف في هذا بمنزلة نطقه»(3). وتبعه في ذلك ابن إدريس(4) والعلاّمة(5) .

نقول : ويمكن استظهار هذا من رواية علي بن جعفر المتقدّمة، حيث إنّ في ذيلها علّل(عليه السلام) بقوله : «إذا كان هو أنكحه وهو صغير »(6).

ولعلّ الشيخ وغيره استفاد وجه نظره من هذه الرواية ، فلا وجه لما أورده
في الجواهر من عدم الحاجة إلى هذا، وادّعى وضوح منعه، وأضاف بأنّه يمكن دعوى أنّ المرأة مع علمها بالحال دخلت على أنّ الصبر إلى الإيسار(7). وكذا
في كشف اللثام(8) وتفصيل الشريعة، وزاد بأنّ هذا الاستدلال يكون

  • (1) وسائل الشيعة 15 : 40 الباب 28 من أبواب المهور ح4، 5 .
    (2) جواهر الكلام 31 : 126 .
    (3) الخلاف 4 : 373 .
    (4) السرائر 2 : 570 .
    (5) قواعد الأحكام 3 : 88 ، تذكرة الفقهاء 2 : 608 الطبعة الحجريّة .
    (6) وبالجملة: المستفاد من الرواية أنّ ما نحن فيه من مصاديق قاعدة الإقدام الذي هو من أسباب الضمان، فمن أقدم على الضمان فهو ضامن; سواءً ضمن أو لم يضمن، خصوصاً أنّ تعيين مقدار المهر في المقام لا  يكون بيد الصبيّ والزوج، بل هو أمر عيّنه الوليّ. نعم، قد يقال: إنّه إذا كان المستند هذه القاعدة، فلا فرق بين إعسار الولد وإيساره، وعلى هذا تكون الروايات حاكمة عليها أو مقيّدة لها. م ج ف.
    (7) جواهر الكلام 31 : 126 .
    (8) كشف اللثام 7 : 475 .

صفحه 28

من الوجوه الاعتباريّة(1).

واستثنى العلاّمة في القواعد من الحكم بضمان الأب للمهر على تقدير فقر الابن ما لو صرّح الأب في العقد بنفي الضمان ، وعلمت المرأة بالإعسار، ففي هذا الفرض لا يضمن; لأنّ «المؤمنين عند شروطهم»(2) ، ولأنّ المرأة دخلت على ذلك مع علمها بإعسار الزوج ، وضمان الأب على خلاف الأصل، فيقتصر على المتيقّن; وهو صورة الإعسار(3) .

ولكن استشكل الشهيد الثاني في صحّة هذا الاستثناء; بأنّ النصوص والفتاوى شاملة لمورد الاستثناء، وحمله على غيره يحتاج إلى دليل نقليٍّ يعارضه حتّى يوجب حمله على ذلك ، ولأنّ الصبيّ لا يحتاج إلى النكاح، فلا حظّ له في التزام المهر في ذمّته مع الإعسار عنه ، وتزويج الوليّ له غير متوقّف على وجود المصلحة بل على انتفاء المفسدة، ولو قيّد ذلك بما إذا كان في إلزام الصبيّ بالمهر مصلحة له ـ بأن  كانت الزوجة مناسبة له، وخاف فوتها بدون ذلك ونحوه ـ قرب من الصواب ، إلاّ أنّ تخصيص النصوص الصحيحة بذلك لا يخلو من إشكال(4) .

وفى الرياض: ويمكن أن يقال : إنّ بين أدلّة ضمان الأب للمهر و«المؤمنون عند شروطهم» تعارض العموم من وجه، وترجيح الأوّل على الثاني أولى، لاعتضاد الإطلاق بفتاوى الفقهاء، فيُرجّح على عموم «المؤمنون عند شروطهم» .

ولكن في شمول مثل هذا الإطلاق لنحو محلّ الفرض إشكال; لعدم التبادر منه وانصرافه إلى غيره(5).

  • (1) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 455 .
    (2) وسائل الشيعة 15 : 30 ، الباب 20 من أبواب المهور ح4 .
    (3) جواهر الكلام 31 : 126 ، قواعد الأحكام 3 : 88 .
    (4) مسالك الأفهام 8 : 285 .
    (5) رياض المسائل 7: 181ـ 182.

صفحه 29

نقول: وإن أمكن تصوير نسبة العموم من وجه بين أدلّة ضمان الأب للمهر و«المؤمنون عند شروطهم» حتّى يتعارض بينهما، إلاّ أنّ القرينة القطعيّة دالّة على خلاف ذلك، حيث لا يبقى لأدلّة الشروط موضوع، وبتعبير آخر دعوى الإطلاق لأدلّة ضمان الأب حتّى في صورة تبرّئ الأب من الضمان مشكلة جدّاً، ولذا قال(قدس سره)في شمول مثل هذا الإطلاق لنحو محلّ الفرض إشكال.

وقال في تفصيل الشريعة: « الموضوع في الأخبار المتقدّمة وإن كان هو التزويج الجامع لشرائط الصحّة ، التي منها انتفاء المفسدة أو وجود المصلحة ، إلاّ أ نّ دعوى الإطلاق لها بحيث يشمل صورة تبرّء الوليّ من الضمان في ضمن العقد مشكلة جدّاً ; لعدم ثبوت الإطلاق لها من هذه الجهة. فاللازم الرجوع في حكمها إلى القواعد التي منها عموم « المؤمنون عند شروطهم »، خصوصاً مع ملاحظة أنّ المهر عوض البضع، ويشكل دخول البضع في ملك الزوج وخروج المهر عن ملك الوليّ»(1) .

تترتّب على هذه المسألة فروع :

الأوّل : ظهر ممّا قلنا أنّه لو كان الصبيّ مالكاً لبعض المهر دون بعض لزمه منه بنسبة ما يملكه، ولزم الأب الباقي .

الثاني : إطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم الفرق في مال الصبيّ بين كونه ممّا يصرف في الدَين على تقديره وغيره، فيشمل ما لو كان دار سكنى ودابّة ركوب ونحو ذلك. ووجه الإطلاق، أنّ الحكم بوجوب المهر في ذمّته حينئذ لايقتضي صرف ماله المذكور في الدين، وإنّما تضمّن ثبوته في ذمّته على هذا الوجه، ويبقى

  • (1) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 456 .

صفحه 30

الحكم بوفاءالدين على هذه الأشياء أمراً آخر، ومقتضى القواعد الشرعيّة
أن  لايوفّى منها وإن طلبته الزوجة، ويبقى في ذمّة الولد إلى أن يقدر على الوفاء جمعاً بين الأصلين(1)،(2) .

الثالث : قال في الجواهر : «إنّ مورد النصوص الأب، وفي التعدّي إلى
الجدّ وإن   علا وجهان: من كونه أباً حقيقةً، بل ولايته أقوى من ولاية الأب في بعض المواضع، ومن مخالفة الحكم للاُصول، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقّن»(3) .

الرابع : لا فرق في ضمان الأب المهر بين المؤجّل منه والمعجّل وإن زاد
الأجل على زمان البلوغ، بل ولا في النكاح بين الفضولي وغيره مع إجازة
الأب له .

نعم ، لو لم يُجِز الأب لعدم علمه مثلاً، فأجاز الولد بعد بلوغه، أمكن عدم الوجوب على الولي، للأصل، وظهور خبر علي بن جعفر المتقدّم(4) في خلافه(5) .

الخامس : لو دفع الأب المهر عن الصغير مع يسار الولد تبرّعاً، أو مع إعساره لكونه ضامناً، ثمّ بلغ الصبيّ وطلّق قبل الدخول، زال ملك المرأة عن نصفه ، وهل يعود إلى الأب أو إلى الابن؟ الأظهر هو الثاني ; لأنّ الطلاق سبب مملّك جديد للنصف لا  فاسخ لسبب الملك ليعود إلى مالكه، وإنّما ملكه الابن بالطلاق عن غير أبيه ، فأشبه ما لو وهبه الأب الأجنبي ثمّ وهبه الأجنبي للابن ، أو أنّ دفع الأب المهر عن الولد يجري مجرى هبة الأب المهر للابن، فلا يعود إلى ملك الأب ; لأنّ

  • (1) مسالك الأفهام 8 : 285 .
    (2) يعني أصل كون المهر على ذمّة الزوج، وأصل عدم جواز بيع الدار السكنى ودابّة الركوب لأداء الدَّين .
    (3) جواهر الكلام 31 : 128 .
    (4) وسائل الشيعة 15 : 40 ، الباب 28 من أبواب المهور ح4 .
    (5) جواهر الكلام 31 : 128 .

صفحه 31

الأب لا يرجع في هبة ولده اُنظر المسالك(1) وتحرير الوسيلة(2) وشرحه(3) .

رأي بعض أهل السنّة في ضمان الأب ، المهر:

قال أبو إسحاق الشيرازي من فقهاء الشافعيّة : «إذا زوّج الرجل ابنه الصغير وهو معسرٌ ففيه قولان :

قال في القديم : يجب المهر على الأب; لأنّه لمّـا زوّجه مع العلم بوجوب المهر والإعسار كان ذلك رضاً بالتزامه .

وقال في الجديد: يجب على الابنوهوالصحيح;لأنّ البضع لهوكان المهر عليه»(4).

وقال بعض الحنفيّة : إذا ضمن الأب مهر الصغيرة صحّ هذا الضمان، والمرأة بالخيار في مطالبتها زوجها البالغ أو الوليّ الضامن ، فإن أدّى الوليّ يرجع على الزوج . . . وأمّا إذا ضمن الأب المهر عن ابنه الصغير وأدّى لا يرجع عليه; لأنّه يتحمّل مهور الصغار عرفاً إلاّ إذا شرط الرجوع في أصل الضمان فيرجع(5) .

وفي شرح الطحاوي: «الأب إذا زوّج الصغير امرأةً فللمرأة أن تطلب بالمهر من أب الزوج فيؤدّي الأب من مال ابنه الصغير وإن لم يضمن»(6) .

هذا ما عثرنا على رأيهم في هذه المسألة، ولم نعثر على رأي المالكيّة والحنبليّة، ولعلّه كان موجوداً في كتب لم تكن في أيدينا .

  • (1) مسالك الأفهام 8 : 286 .
    (2) تحرير الوسيلة 2 : 287 ، فصل في المهر ، مسألة 24 .
    (3) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 457 .
    (4) المهذّب في فقه الإمام الشافعي 2 : 61 ، المجموع شرح المهذب 18 : 54 .
    (5) الدرّ المختار في شرح تنوير الأبصار 3 : 140 ـ 141 ، وشرح فتح القدير 3 : 247 مع تصرّف فيهما .
    (6) أحكام الصغار: 62 .

صفحه 32

المبحث الثالث : الحرمة بالمصاهرة

ومن الأحكام التي يترتّب على إنكاح الوليّ الصغار ، الحرمة بالمصاهرة .

الصِهر في اللّغة بمعنى القرابة ، وقيل : بمعنى زوج بنت الرجل ، وزوج اُخته ، والفعل المصاهرة(1) .

وفي اصطلاح الفقهاء ـ كما قال الشيخ الأعظم ـ : «المصاهرة علاقةٌ تحدث بين كلّ من الزوجين وأقرباء الآخر وتوجب حرمة النكاح»(2) .

قال الله ـ تعالى ـ : ( وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ  . . . )(3) .

وقال أيضاً : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَ تُكُمْ وَعَمَّـتُكُمْ وَخَــلَـتُكُمْ وَبَنَاتُ الاَْخِ وَبَنَاتُ الاُْخْتِ وَأُمَّهَـتُكُمُ الَّـتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَ تُكُم مِّنَ الرَّضَـعَةِ وَأُمَّهَـتُ نِسَآلـِكُمْ وَرَبَـلـِبُكُمُ الَّـتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآلـِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَـلـِلُ أَبْنَآلـِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَـبِكُمْ . . . )(4) .

وقد دلّت الآيتان الكريمتان على أنّ المحرّمات بالمصاهرة أربعة أصناف :

1 ـ اُمّهات الزوجات .

2 ـ زوجات الأبناء .

3 ـ زوجات الآباء .

  • (1) لسان العرب 4 : 81 .
    (2) كتاب النكاح، ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 377 .
    (3) سورة النساء 4 : 22 .
    (4) سورة النساء (4) : 23 .

صفحه 33

4 ـ بنات الزوجات «الربائب» .

ولمّـا لم تكن الربائب هنا متصوّرة لكون الزوجة صغيرة، يقع الكلام في الثلاثة الاُولى .

المسألة الاُولى : نكاح اُمّ الزوجة الصغيرة

هل تحرم اُمّ الزوجة الصغيرة على الزوج بمجرّد العقد وإن لم يدخل بالمعقودة؟ فيه ثلاثة أقوال :

الأوّل : عدم الحرمة .

الثاني : الحرمة .

الثالث : التوقّف .

أمّا القول الأوّل: فذهب إليه ابن أبي عقيل; فإنّه اشترط في تحريم الاُمّ الدخول بالبنت ، ومال إليه الصدوق والكليني، وبه قال بعض أهل السنّة أيضاً(1) .

قال في المختلف : «قال ابن أبي عقيل : قال الله ـ تعالى ـ : ( وَأُمَّهَـتُ نِسَآلـِكُمْ وَرَبَـلـِبُكُمُ الَّـتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآلـِكُمُْ ) ثمّ شرط في الآية شرطاً، فقال : ( الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ... ) فالشرط عند آل الرسول ، في الاُمّهات والربائب جميعاً الدخول، وإذا تزوّج الرجل المرأة ثمّ ماتت عنه أو طلّقها قبل أن يدخل، بها فله أن  يتزوّج باُمّها وابنتها.

وأمّا الصدوق، فإنّه روى في الفقيه عن جميل بن درّاج، عن الصادق(عليه السلام)
أنّه سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، هل  تحلّ له ابنتها؟ قال : «الاُمّ والابنة في هذا سواء، إذا لم يدخل بإحداهما حلّت

  • (1) بدائع الصنائع 2 : 531 ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5 : 106 .

صفحه 34

له الاُخرى»(1).(2)

وقال في مقدّمة الفقيه : «بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي»(3) فيمكن أن يقال: إنّ هذا فتواه(قدس سره) .

وقال في الوافي : «إنّ في الفقيه اقتصر على حديث جميل، وذلك يدلّ على  أنّه فتواه»(4) .

وقال في المقنع : «إذا تزوّج امرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالاُمّ، فإن   لم   يكن دخل بالاُمّ فلا بأس أن يتزوّج الابنة ، وإذا تزوّج البنت فدخل بها أو   لم   يدخل فقد حرمت عليه الاُمّ ، وروي أنّ الاُمّ والبنت في هذا سواءٌ إذا لم يدخل بإحداهما حلّت له الاُخرى»(5) .

وروى الكليني عن جميل بن درّاج وحمّاد بن عثمان في الصحيح
عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: الاُمّ والابنة سواء إذا لم يدخل بها...(6) .

أدلّة قول الأوّل

ويمكن الاستدلال لهذا القولُ باُمور :

الأوّل : أصالة الإباحة .

وهي مردودة بالأدلّة التي سنذكرها في إثبات القول الثاني .

  • (1) الفقيه 3 : 262 ح1247 ، وسائل الشيعة 14 : 356 الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح6 .
    (2) مختلف الشيعة 7 : 48 ـ 49 .
    (3) الفقيه 1: 3.
    (4) الوافي 21 : 170 .
    (5) المقنع : 312 .
    (6) الكافي 5 : 421 ح1 ، وسائل الشيعة 14 : 355 الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح3 .

صفحه 35

الثاني : قوله ـ تعالى ـ : ( وَأُمَّهَـتُ نِسَآلـِكُمْ )(1) بناءً على إرجاع القيد أي ( الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ ) إلى الجملتين .

وفيه: أنّ الآية الكريمة لا تدلّ على ذلك ولا ظهور لها ; لأنّه ـ كما حقّق في الاُصول ـ يجب عود الوصف والشرط والاستثناء المتعقّب للجمل إلى الأخيرة إلاّ مع قيام القرينة على خلاف ذلك(2) ، هذا أوّلاً .

وثانياً : كما يستفاد من كلمات بعض الأكابر من الفقهاء رجوع ( مِّن نِّسَآلـِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ ) إلى كلتا الجملتين غير صحيح ، حيث إنّ كلمة «من» على تقدير التعلّق بالجملة الاُولى تكون بيانيّةً; لأنّها لبيان الجنس وتمييز المدخول بهنّ من غير المدخول بهنّ، فيكون التقدير هكذا : حرّمت عليكم اُمّهات نسائكم; أي نسائكم اللاّتي دخلتُم بهنّ .

ومن حيث إنّ ( مِّن نِّسَآلـِكُمُ الَّـتِى ) متعلّق بـ «ربائبكم» تكون ابتدائية  لابتداء الغاية، كما تقول : بنات رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من خديجة ، فيلزم استعمال كلمة «من» في معنيين مختلفين في كلام واحد، وهو غير جائز(3) .

وثالثاً : أنّ أهل النظر في كلام العرب قالوا: إنّ الخبرين إذا اختلفا لا يجوز أن  يوصف الإسمان بوصف واحد، فلا يجوز قام عمرو وقعد زيدٌ الظريفان ، وعلّله سيبويه باختلاف العامل في الصفة; لأنّ العامل في الصفة هو العامل في الموصوف .

وبيانه في الآية، أنّ قوله ـ تعالى ـ : ( الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ ) يعود عند القائل

  • (1) سورة النساء 1 : 23 .
    (2) كفاية الاُصول : 273 ، وقال النائيني(رحمه الله): والتحقيق هو التفصيل بين ما إذا كانت الجمل المتقدّمة مشتملة على الموضوع والمحمول، وبين ما إذا حذف فيها الموضوع، ففي الأوّل يرجع إلى خصوص الأخيرة . فوائد الاُصول 1 و 2 : 555 .
    (3) كتاب النكاح، ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 378 ، الحدائق الناضرة 23 : 450 ، جامع المقاصد 12 : 294 ، نهاية المرام 1 : 131 ، جواهر الكلام 29 : 352 .

صفحه 36

إلى نسائكم، وهو مخفوضٌ بالإضافة وإلى «ربائبكم» وهو مرفوع، والصفة الواحدة لا تتعلّق بمختلفي الإعراب ولا بمختلفي العامل .

قال العلاّمة في المختلف : «ولأنّ شرط الدخول هنا عائد إلى الربائب خاصّة; فإنّه قال: ( مِّن نِّسَآلـِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ ) والربائب من النساء لا محالة ، فصحّ  أن يرجع إليهنّ ; لأنّه شرط أن يكُنّ من نسائنا، واُمّهات النساء لسن من نسائنا، بل نسائنا منهنّ، وإذا تعذّر رجوع الشرط إلى الأولى وجب اختصاصه بالأخيرة»(1) .

ورابعاً ـ وهو أقواها وأظهرها ـ : الأخبار الواردة في تفسير الآية، وصرّحت بأنّ الجملة الاُولى مطلقة شاملة للمدخول بها وغيرها، والثانية مقيّدة وأنّ القيد المذكور راجع إلى خصوص جملة الثانية .

من هذه الأخبار: معتبرة إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السلام)في حديث قال : ( والاُمّهات ) مبهمات . دخل بالبنات ، أو لم يدخل بهنّ، فحرّموا وأبهموا ما أبهم الله»(2) .

فهذه الرواية صريحة في القول المشهور، وفيها إشارة إلى تفسير الآية بالإطلاق في الجملة الأولى والتقييد في الثانية ; فإنّ «المبهمات» في قوله(عليه السلام) : «والاُمّهات مبهمات» مأخوذة من إبهام الباب; بمعنى إغلاقه، والمعنى: أنّها مغلقة في التحريم لا مدخل للحلّ فيها بوجه.

ومنها: ما رواه العيّاشي في تفسيره عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن رجل تزوّج امرأة وطلّقها قبل أن يدخل بها، أتحلّ له ابنتها ؟ قال : فقال : «قد قضى في هذا أمير المؤمنين(عليه السلام) لا بأس به، إنّ الله يقول : ( وَرَبَـلـِبُكُمُ الَّـتِى فِى حُجُورِكُم

  • (1) مختلف الشيعة 7 : 52 .
    (2) وسائل الشيعة 14 : 355 الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح2 .

صفحه 37

مِّن نِّسَآلـِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ )  ولو  تزوّج الابنة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها لم تحلّ له أُمّها.

قال : قلت له : أليس هما سواء ؟ قال : فقال : لا ، ليس هذه مثل هذه ، إنّ الله يقول : ( وَأُمَّهَـتُ نِسَآلـِكُمْ ) لم يستثن في هذه ، كما اشترط في تلك، هذه هاهنا مبهمةٌ ليس فيها شرط، وتلك فيها شرط»(1) .

وهذه الرواية نصٌّ في المطلوب وصريحة في المعنى الذي حملنا عليه الآية .

والحاصل أنّ الجملة الاُولى مطلقة والثانية مقيّدة، والجملة المقيّدة إذا عطفت على الجملة المطلقة لا يجب أن يسري ذلك التقييد إلى الجملة الاُولى أيضاً، وهو ظاهر كلام الأردبيلي والراوندي(2) .

وضعف بعض هذه الأخبار منجبر بالشهرة العظيمة والإجماعات المحكيّة، مع دلالة صحيحة منصور بن حازم الآتية باشتهار الحكم بين الشيعة وافتخارهم به، لصدوره عن أمير المؤمنين(عليه السلام) .

الثالث : الأخبار الكثيرة:

1 ـ كصحيحة منصور بن حازم التي يدلُّ صدرها على قول ابن أبي عقيل، حيث قال(عليه السلام) : «قد فعله رجلٌ منّا فلم نَرَ به بأساً» .

وفيه: أنّها للتقيّة; لأنّ في آخر الرواية قال(عليه السلام) : « يا شيخ تخبرني أنّ عليّاً(عليه السلام)قضى بها وتسألني ما تقول فيها »(3). وقضاء عليّ مشهور بين الشيعة وتفتخر به ، فالصحيحة دليل للقول المشهور .

  • (1) نفس المصدر والباب ص356 ح7 .
    (2) فقه القرآن 2 : 83 ، زبدة البيان 2 : 664 .
    (3) وسائل الشيعة 14 : 354 الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1 .

صفحه 38

2 ـ وصحيحة جميل بن درّاج وحمّاد بن عثمان، عن الصادق(عليه السلام) قال : «الاُمّ والبنت سواء إذا لم يدخل بها ، يعني إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها; فإنّه إن شاء تزوّج اُمّها، وإن شاء ابنتها»(1) .

وفيه: أنّه لا دلالة في هذه ا لرواية صريحاً ولا ظاهراً على ذلك إلاّ بمعونة التفسير المذكور، وهو غير معلوم كونه من الإمام(عليه السلام)، بل الظاهر أنّه من بعض الرواة، وحينئذ فلا يكون حجّة .

وأمّا أصل الرواية مع قطع النظر عن هذا التفسير فيحتمل أن يكون المقصود منها أنّه إذا تزوّج الاُمّ ولم يدخل بها فالاُمّ والبنت سواء في أصل الإباحة، فإن شاء دخل بالاُمّ، وإن شاء فارقها وتزوّج البنت .

ويؤيّده إفراد الضمير; فإنّه راجعٌ إلى الاُمّ على ظاهر السياق .

كما يستظهر ذلك من كلام المحدّث البحراني(2) والنراقي(3) والشيخ الحرّ العاملي(4).

3 ـ ورواية جميل بن درّاج، أنّه سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، هل تحلّ له ابنتها ؟ قال : «الاُمّ والابنة في هذا سواء، إذا لم  يدخل بإحداهما حلّت له الاُخرى»(5) .

وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة على القول المذكور ، إلاّ أنّه من  المحتمل قريباً أنّ قوله(عليه السلام) : «إذا لم يدخل بإحداهما حلّت له الاُخرى» تفسير

  • (1) نفس المصدر والباب ح3 و4 .
    (2) الحدائق الناضرة 23 : 455 .
    (3) مستند الشيعة 16: 304، 305.
    (4) وسائل الشيعة 14 : 356 .
    (5) الفقيه 3 : 262 ح1247 ، وسائل الشيعة 14 : 356 الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح6 .

صفحه 39

بالمعنى من الصدوق (رحمه الله) على حسب ما ذهب إليه في الحدائق(1) والجواهر(2) .

4 ـ وصحيحة محمّد بن إسحاق بن عمّار المضمرة، وفيها: رجل تزوّج امرأةً فهلكت قبل أن يدخل بها، تحلّ له اُمّها ؟ قال : «وما الذي يحرّم عليه منها ولم يدخل بها»(3) . وهذه الرواية أوضح ما استدلّ به لهذا القول .

وفيه: أنّ الاستدلال يتوقّف على كون الاستفهام إنكاريّاً، ولكنّه ليس بمتعيّن، بل لا ظهور فيه، أو عدل الإمام(عليه السلام)عن الجواب الصريح إلى الاستفهام للتقيّة، كما في مستند الشيعة(4). وفي المختلف : «أنّ محمّد بن إسحاق بن عمّار قال : قلت له، ولم يذكر من هو ، فجاز أن يكون المسؤول غير الإمام»(5) .

حرمة اُمّ الزوجة الصغيرة على الزوج

القول الثاني في المسألة: ما قال به المشهور، وهو الأقوى; من أنّه
تحرم اُمّ الزوجة الصغيرة على الزوج بمجرّد العقد وإن علت سبباً أو رضاعاً(6)
وإن كان لم  يدخل بالمعقودة. قال الشيخ في النهاية: « ويحرم العقد على اُمّ الزوجة ; سواء دخل بالبنت أو لم يدخل بها»(7) . وكذا في المبسوط(8) والمقنعة(9)

  • (1) الحدائق الناضرة 23 : 456 .
    (2) جواهر الكلام 29 : 351 .
    (3) وسائل الشيعة 14 : 356 ، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح5 .
    (4) مستند الشيعة 16 : 306 .
    (5) مختلف الشيعة 7 : 52 .
    (6) لعموم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وسائل الشيعة ، الباب 1 من أبواب ما يحرم من الرضاع .
    (7) النهاية للطوسي : 451 .
    (8) المبسوط للطوسي 4 :196 .
    (9) المقنعة : 502 .

صفحه 40

والوسيلة(1) والجامع للشرائع(2) والمهذّب(3) .

وفي الناصريّات: « عندنا أنّ اُمّهات النساء يحرمن بالعقد على بناتهنّ بمجرّد العقد من غير اعتبار بالدخول ، ووافقنا على ذلك جميع فقهاء الأمصار ...

دليلنا الإجماع(4) ». وادّعى عليه الإجماع أيضاً في الغنية(5).

وقال في الروضة: « وأمّا تحريم الاُمّ وإن لم يدخل بالبنت فعليه المعظم، بل كاد يكون إجماعاً»(6) .

وقال المحقّق النراقي: «يمكن أن يقال: إنّه إجماع محقّق»(7).

وفي تحرير الوسيلة: «لو عقد على امرأة حرمت عليه اُمّها وإن علت، نسباً أو رضاعاً; سواء دخل بها أم لا ، وسواء كان العقد دواماً أو انقطاعاً، وسواء كانت المعقودة صغيرةً أو كبيرةً»(8). وبه قال في تفصيل الشريعة(9) .

أدلّة هذا القول

ويمكن الاستدلال لهذا القول بوجوه :

الأوّل : الإجماع كما تقدّم .

  • (1) الوسيلة لابن حمزة : 292 .
    (2) الجامع للشرائع لابن سعيد : 427 .
    (3) المهذّب للقاضي ابن البرّاج 2 : 182 .
    (4) الناصريات : 317 .
    (5) غنية النزوع : 336 .
    (6) الروضة البهيّة 5 : 177 .
    (7) مستند الشيعة 16 : 301 .
    (8) تحرير الوسيلة 2 : 263، مسألة 2 .
    (9) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 220 .

صفحه 41

الثاني : عموم قوله تعالى : ( وَأُمَّهَـتُ نِسَآلـِكُمْ )(1) .

وتقريب الاستدلال به أن يقال: ظاهر الآية يدلّ على تعداد المحرّمات المعدودة، وهي تشمل المدخول بهنّ وغير المدخول بهنّ، فإنّ جمع المضاف يفيد العموم، ولا مخصّص لها إلاّ احتمال كون القيد الذي ورد في ذيلها ( مِّن نِّسَآلـِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ ) راجعاً إلى هذه الجملة ، وهذا الاحتمال مردودٌ بالوجوه التي ذكرناها في ردّ الاستدلال بالآية للقول الأوّل ، فليراجع .

الثالث : ـ وهو العمدة ـ النصوص :

منها : موثّقة غياث بن إبراهيم، عن جعفر ، عن أبيه(عليهما السلام) ، أنّ عليّاً(عليه السلام) قال : «إذا تزوّج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالاُمّ ، فإذا لم يدخل بالاُمّ فلا بأس أن يتزوّج بالإبنة ، وإذا تزوّج بالإبنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الاُمّ» الحديث(2) .

ودلالتها على حرمة اُمّ الزوجة مطلقا واضحة .

ومنها : موثّقة أبي بصير المضمرة قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها؟ فقال : «تحلّ له ابنتها ولا تحلّ له اُمّها»(3) .

ومنها : صحيحة منصور بن حازم قال : كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام)، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها، أيتزوّج باُمّها ؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : قد فعله رجل منّا فلم ير به بأساً(4) .

  • (1) سورة النساء 4 : 23 .
    (2) وسائل الشيعة 14 : 351 الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح4 .
    (3) نفس المصدر، والباب ح5 .
    (4) وأثبت في الوسائل وتفسير العيّاشي «فلم ير به بأساً» بالياء على صيغة الغائب، ولكن في الكافي والحدائق والتهذيب وجامع أحاديث الشيعة ونوادر أحمد بن محمّد بن عيسى «فلم نر به بأساً» بالنون على صيغة المتكلّم .

صفحه 42

فقلتُ : جعلت فداك ما تفتخر الشيعة إلاّ بقضاء علي(عليه السلام) في هذه الشمخيّة(1)«السجية خ ل» التي افتاها ابن مسعود أنّه لا بأس بذلك ، ثمّ أتى عليّاً(عليه السلام) فسأله، فقال له علي(عليه السلام) : من أين أخذتها ؟ قال : من قول الله ـ عزّوجلّ ـ : ( وَرَبَـلـِبُكُمُ الَّـتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآلـِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَجُنَاحَ عَلَيْكُمْ )فقال علي(عليه السلام) : إنّ هذه مستثناةٌ وهذا مرسلة ( وَأُمَّهَـتُ نِسَآلـِكُمْ ) ـ إلى أن  قال : ـ فقلت له : ما تقول فيها ؟ فقال : يا شيخ تخبرني أنّ عليّاً(عليه السلام) قضى بها وتسألني ما تقول فيها(2) .

نقول : لمّا جعل ابن مسعود قوله ـ تعالى ـ : ( مِّن نِّسَآلـِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ )متعلِّقاً بالمعطوف والمعطوف عليه جميعاً، وجعلهما مقيّدين بالدخول ، ردّ(عليه السلام) بأنّ

  • (1) وهذه الكلمة وردت بصور مختلفة، ففي الكافي 5: 422 «هذه الشمخيّة»، وكذا في شرحه «مرآة العقول» 20: 178، وفي تفسير العيّاشي 1: 231 «هذه الشخينة». وفي هامشه وفي بعض النسخ الشحنية، وفي التهذيب 7: 274 هذه السمجية، وفي الاستبصار 3: 157 هذه الشمخيّة مطابقاً للكافي وشرحه.
    وفي البحار 104: 20 هذه السمجيّة، وفي طبعة القديم 23: 96 هذه الشمخة، وفي تفسير البرهان 1: 357 هذه السمحة، وفي الوسائل 14: 354 الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح1 هذه الشمخية، وكذا في جامع أحاديث الشيعة 20: 431.
    وقال في مرآة العقول 2: 178 ـ 179: ويحتمل أن يكون تسميتها بها لأنّها صارت سبباً لافتخار الشيعة على العامّة.
    وقال الوالد العلاّمة: إنّما وسمت المسألة بالشمخيّة بالنسبة إلى ابن مسعود، فإنّه «عبدالله بن مسعود» ابن غافل بن حبيب بن شمخ، أو لتكبّر ابن مسعود فيها عن متابعة أمير المؤمنين(عليه السلام) يقال: شمخ بأنفه.
    والظاهر أنّ ما قاله المجلسي في وجه تسمية هذه الكلمة غير صحيحة، والحقّ في ضبطها «هذه الشمخيّة» كما في الكافي وشرحه والوسائل وغيرها. ودليل تسمية هذه المسألة بالشمخيّة لأجل أنّ رجلاً من بني شمخ تزوّج امرأة ولم يدخل بها، ثمّ رأى اُمّها فأعجبته واستفتى ابن مسعود، فأمره أن يفارقها ثمّ يتزوّج اُمّها، ففعل وولدت له أولاداً، ثمّ أتى ابن مسعود المدينة فسأل عمر، أو أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالوا: لا تصلح، فلمّا رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنّها عليك حرام ففارقها، الدرّ المنثور للسيوطي 2: 135، أوجز المسالك 9: 339.
    (2) وسائل الشيعة 14 : 354 ، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح1 .

صفحه 43

المعطوف عليه مطلق والمعطوف مقيّدٌ، وقوله(عليه السلام) : إنّ هذه مستثناةٌ، أي مقيّدةٌ بالنساء اللاتي دخلتم بهنّ ، وقوله(عليه السلام) : وهذه مرسلة، أي مطلقةٌ غير مقيّدة بالدخول وعدمه . وقال الشيخ الحرّ العاملي بعد نقل الرواية :

«لا يخفى أنّه(عليه السلام) أفتى أوّلاً بالتقيّة كما ذكره الشيخ وغيره، وقرينتها
قوله : قد  فعل رجلٌ منّا فنقل ذلك عن غيره ، وقول الرجل المذكور
ليس بحجّة، إذ لاتعلم عصمته، ثمّ ذكر أخيراً أنّ قوله في ذلك هو ما أفتى به
عليّ(عليه السلام)»(1) .

الترجيح للأخبار التي دلّت على التحريم

إن قيل: فمقتضى ما ذكر من النصوص لإثبات القولين ، وقوع التعارض بينهما، فما المرجّح ؟

قلنا : وعلى فرض التعارض ، كان الترجيح للأخبار التي دلّت على إثبات قول المشهور; لأنّها موافقة لعموم الكتاب ومخالفةٌ لبعض العامّة، كما سيأتي، ومعاضدةٌ للشهرة المتحقّقة والإجماعات المحكيّة، والنصوص التي دلّت على القول الأوّل في جانب العكس; أي مخالفةٌ للكتاب وشاذّةٌ، ولذا لا يجوز العمل بها، كما قال الشيخ في التهذيبين(2). وهكذا موافقة لبعض العامّة كما سيأتي .

قال الشيخ الفقيه الفاضل اللنكراني: « لو فرض التعارض بين الطائفتين وصحّة الاحتجاج بها في نفسها ، فالشهرة الفتوائية المحققّة ـ التي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين على ما استفيد من مقبولة عمر بن حنظلة(3)

  • (1) نفس المصدر والباب، ذيل ح1 .
    (2) تهذيب الأحكام 7 : 275، الاستبصار 3 : 158 .
    (3) الكافي 1 :67 ح 10، وسائل الشيعة 18 : 75 أبواب صفات القاضي الباب 9، ح 1 .

صفحه 44

المعروفة ـ مطابقة مع الطائفة الاُولى، فلا محيص عن الأخذ بها، إذ لم يحكِ الخلاف إلاّ عن الحسن(1)، حيث اشترط الحرمة بالدخول كالبنت»(2) .

التوقّف في المسألة

القول الثالث : التوقّف في المسألة وعدم القول بالإباحة ولا القول بالتحريم . قال العلاّمة (رحمه الله) ـ بعد أن أورد على روايتي جميل بن درّاج ومنصور بن حازم ـ : «وهذان الحديثان قويّان لا يبعد عندي العمل بهما، ثمّ قال : وبالجملة: فنحن في هذه المسألة من المتوقّفين، إلاّ أنّ الترجيح للتحريم; عملاً بالاحتياط وبفتوى الأكثر من الأصحاب»(3) .

وقال السيّد صاحب المدارك ـ بعد ذكر الأخبار التي تدلّ على عدم الحرمة ـ : «وهذه الروايات أصحّ طرقاً من الأخبار المحرِّمة ، والمسألة قويّة الإشكال»(4) . وتوقّف في ذلك أيضاً المحقّق الأردبيلي(5) .

ووجه توقّف هؤلاء الأعلام(قدس سرهم) الأخبار الصحيحة المتقدّمة واحتمال
رجوع القيد في قوله ـ تعالى ـ : ( مِّن نِّسَآلـِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ ) إلى
الجملتين .

ولكن تقدّم الجواب عنها مشروحاً فلا وجه للتوقّف ، وإن كان الاحتياط طريقاً إلى النجاة ، والله تعالى هو العالم بحكمه .

  • (1) مختلف الشيعة 7 : 48 ، إيضاح الفوائد 3 : 66 .
    (2) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 222 ـ 223 .
    (3) مختلف الشيعة 7 : 53 .
    (4) نهاية المرام 1 : 133 .
    (5) زبدة البيان : 664 .

صفحه 45

آراء فقهاء أهل السنّة في المسألة

وعندهم في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأوّل : عدم اشتراط تحريم اُمّ الزوجة على الزوج بالدخول .

الثاني : اشتراط التحريم بالدخول .

الثالث : التفصيل بين الطلاق والموت .

أمّا القول الأوّل: فهو قول عامّة علمائهم ، قال الكاساني من فقهاء الحنفيّة : «المحرّمات بالمصاهرة أربع فرق : الفرقة الاُولى اُمّ الزوجة وجدّاتها من قبل أبيها واُمّها وإن علون، فيحرم على الرجل اُمّ الزوجة بنصّ الكتاب العزيز; وهو قوله ـ عزّوجلّ ـ : ( وَأُمَّهَـتُ نِسَآلـِكُمْ )، معطوفاً على قوله ـ عزّوجلّ ـ : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ) سواءكان دخل بزوجته أو كان لم يدخل بهاعندعامّة العلماء»(1).

وبمثل ذلك قال القرطبي في جامع الأحكام(2) والسرخسي في المبسوط(3)وابن قدامة في المغني(4) . وبه قال أيضاً المالكيّة والشافعيّة والظاهريّة(5) .

وأمّا القول الثاني : وهو اشتراط تحريم اُمّ الزوجة بالدخول بالابنة ، فهو أحد قولي الشافعي(6)، وبه قال مالك . وداود الاصفهاني ، ومحمّد بن شجاع البلخي . . . وروي هذا أيضاً عن عبدالله بن مسعود وجابر(7) .

  • (1) بدائع الصنائع 2 : 531 .
    (2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5 : 106 .
    (3) المبسوط للسرخسي 4: 199.
    (4) المغني 7 : 472 ، الكافي في فقه الإمام أحمد 3 : 27 .
    (5) بلغة السالك لأقرب المسالك 2 : 259 ، أوجز المسالك 9 : 337 ، عقد الجواهر الثمينة 2 : 38 ، الاُمّ 5 : 149 ، المجموع شرح المهذّب 17 : 378 ـ 379 ، روضة الطالبين 6 : 107 ، المحلّى بالآثار 9 : 140 .
    (6) المبسوط للسرخسي 4 : 199 .
    (7) بدائع الصنائع 2 : 531 ـ 532 .

صفحه 46

ونقل القرطبي في تفسيره هذا القول عن السلف ، وزعموا أنّ شرط الدخول في الآية الكريمة راجع إلى الاُمّهات والربائب جميعاً(1) ، ونقل النووي هذا القول عن بعض آخر(2) .

وأمّا القول الثالث : وهو التفصيل بين الطلاق والموت ، فهو قول زيد بن ثابت ، فقال في الطلاق مثل قول الثاني ، وفي الموت مثل قول الأوّل، فجعل الموت كالدخول ; لأنّه بمنزلة الدخول في حقّ المهر، وكذا في حقّ التحريم(3) .

نقول : هذا قياس ضعيف ومخالف لعموم قوله ـ تعالى ـ : ( وَأُمَّهَـتُ نِسَآلـِكُمْ )الذي لا يدلّ على شرط الدخول .

رأي المحقّق القمّي في تزويج الصغيرة

قال المحقّق القمّي (رحمه الله) في جامع الشتات : إذا زوّج الأب ابنته الرضيعة بمدّة ساعة وكان غرضه منه أن تصير اُمّها محرماً للزوج لا غير ، لا يصحّ ولا يترتّب عليه أثر شرعيّ(4) .

وتبعه في ذلك السيّد الاصفهاني وقال(قدس سره) : لا يبعد أن يعتبر في عقد الصغيرة متعة أن تبلغ الصغيرة إلى حدٍّ تكون قابلة للاستمتاع والاستلذاذ وإن كان الاستلذاذ بغير الوطء، أو أن تبلغ إلى ستّ سنين، أو أن يجعل المدّة طويلة حيث تكون متضمِّنة إلى هذا الحدّ ، فما هو متعارف بين الناس من أن يعقد الأب ابنته الصغيرة التي لا تكون بهذا الحدّ لرجل في مدّة ساعة مثلاً، والغرض من هذا العقد

  • (1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5 : 106 .
    (2) روضة الطالبين 6 : 107 .
    (3) بدائع الصنائع 2 : 532 ، أوجز المسالك 9 : 338 ، المغني 7 : 472 .
    (4) جامع الشتات 4 : 462 .

صفحه 47

أن تصير اُمّها محرماً للزوج ،  . . .

وهذا العقد في غاية الإشكال ، فيشكل أن تترتّب عليه محرميّة اُمّها(1) .

وذكر المحقّق القمّي لإثبات رأيه أدلّةً نذكرها فيما يلي :

الأوّل : أنّ الغرض من جعل عقد المتعة هو إمكان الاستمتاع(2) والاستلذاذ من الزوجة، كما هو المستفاد من ظاهر الآية والأخبار، وهما غير ممكنين في هذا العقد لِصِغَر الزوجة .

توضيح ذلك : أنّ الاستمتاع في قوله ـ تعالى ـ : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ . . . )(3) ظاهر في عقد المتعة، كما في زبدة البيان(4) . وفي فقه القرآن: قال الحسن: هو النكاح ، وقال ابن عبّاس والسدي: هو المتعة إلى أجل مسمّى، وهو مذهبنا(5) .

وكذا الأخبار تدلّ على أنّ وضعَ الشارع عقد المتعة كان لأجل الاستمتاع والاستلذاذ، مثل ما رواه محمّد بن مسلم ـ بسند معتبر ـ (6) عن أبي جعفر(عليه السلام) ، في حديث قال : «إنّ الله رأف بكم فجَعَل المتعة عوضاً لكم من الأشربة»(7) .

  • (1) صراط النجاة 2 : 88 مسألة 2، وهو رسالة باللغة الفارسية .
    (2) ولا يخفى عدم كون الإمكان غاية وغرضاً  ، بل الظاهر أنّ الاستمتاع الفعلي يصلح لأن يكون غرضاً. هذا، مضافاً إلى أنّ الاستمتاع من الدواعي لهذا النكاح، أو يكون حكمة لصحّة هذا العقد  ، وإلاّ فمن الواضح صحّة المتعة بين الشيخ والشيخة مع العلم بعدم إمكان الإلتذاذ بينهما، فتبيّن من ذلك أنّ صحّة العقد دواماً أو متعة لا  تتوقّف على الاستمتاع أو إمكانه، بل للعقد بقسميه آثار مختلفة، كالتوارث والمحرميّة وغيرهما فتدبّر. م  ج  ف.
    (3) سورة النساء 4 : 24 .
    (4) زبدة البيان : 650 .
    (5) فقه القرآن للراوندي 2 : 104 .
    (6) لأنّ السند هكذا: وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن مسلم ، وكلمة بعض أصحابنا ظاهر في أنّ الراوي رجلٌ من الشيعة، وهو عظيم المنزلة وجليل القدر ولم  يذكر اسمه تعظيماً وإجلالاً له .
    (7) وسائل الشيعة 14 : 438 ، الباب 1 من أبواب المتعة، ح7 .

صفحه 48

فجعل المتعة عوضاً من الأشربة المحرّمة ظاهر في أنّ الغرض من المتعة هو الالتذاذ والاستمتاع .

ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ حرّم على شيعتنا المسكر من كلّ شراب وعوّضهم من ذلك المتعة»(1). ودلالتها واضحة .

الثاني : أنّه يستفاد من الأخبار الواردة في وجوه النكاح أنّ العلّة(2) في تشريع المتعة تسهيل الأمر في استحلال الفروج للذين لا يقدرون على النكاح الباتّ(3)، أو ملك اليمين»(4) .

كرواية عبدالله بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ليس معنا نساء، فقلنا : يارسول الله ألا نستحصن(5) هنا بأجر ؟ فأمرنا أن ننكح المرأة بالثوب(6) .

والمراد بالاستحصان بالأجر هو عقد المتعة، لصحيحة زرارة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا تكون متعة إلاّ بأمرين ، أجل مسمّى وأجر مسمّى»(7) ،

  • (1) نفس المصدر والباب ح9 .
    (2) والظاهر أنّ هذا إنّما هو من جهة الغلبة ولا ينافى هذا عدم إمكان الاستمتاع; فمثلا إذا كان الزوج والزوجة مريضين لا يقدران على الاستمتاع أبداً فلا يقول أحد بعدم الصحّة. م ج ف
    (3) وفي الحديث: الرجل يتزوّج المرأة متعةً، أيحلّ أن يتزوّج ابنتها بتاتاً؟ الفقيه 3 / 295، ح 1405، يعني دائماً، كما يدلّ عليه قوله(عليه السلام): «فرج موروث وهو البتات، وفرج متعة» مجمع البحرين 1 / 111 كلمة بتت.
    وفي رواية جابر بن عبدالله الأنصاري، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، أنّه خطب الناس فقال: «أيّها الناس إنّ الله أحلّ لكم الفروج على ثلاث معان: فرج موروث وهو البتات، وفرج غير موروث وهو المتعة، وملك أيمانكم». تهذيب الأحكام7: 241 ذ ح 1051.
    (4) جامع الشتات 4 : 463 .
    (5) أصل الإحصان المنع، أحصن الرجل: إذا تزوّج، فهو محصِنٌ ، مجمع البحرين 1 : 417 مادّة حصن .
    (6) وسائل الشيعة 14 : 440 الباب 1 من أبواب المتعة ح26 .
    (7) نفس المصدر 14 : 465 الباب 17 من أبواب المتعة ح1 .

صفحه 49

وكذا مرسلة ابن أبي عمير، وخبر علي بن إبراهيم(1) .

وأيضاً الأخبار الواردة في جواز التمتّع بالكتابيّة، والأخبار الدالّة على عدم تعيين الحدّ في المهر ، تدلاّن على أنّ العلّة في تشريع المتعة هي تسهيل الأمر في استحلال الفروج .

فمن الأوّل: مثل مضمرة إسماعيل بن سعد الأشعري قال : سألته عن الرجل يتمتّع من اليهوديّة والنصرانيّة ؟ قال : «لا أرى بذلك بأساً» . قال : قلت : فالمجوسيّة ؟ قال : «أمّا المجوسيّة فلا»(2) .

ورواية ابن فضّال، عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا بأس أن يتمتّع الرجل باليهوديّة والنصرانيّة وعنده حرّة»(3) .

ومثلهما مضمرة زرارة ومعتبرة محمّد بن سنان(4) .

ومن الثاني: مثل صحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن متعة النساء قال : «حلالٌ وأنّه «إنّما خ ل» يجزء فيه الدرهم فما فوقه»(5) .

ومرسلة يونس، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «أدنى ما تحلّ به المتعة كفّ الطعام(6) . ويؤيّده رواية الأحول وخبر أبي بصير(7) .

الثالث : الأخبار التي تدلّ على أنّهنّ مستأجرات دالّة على ذلك ; لأنّ

  • (1) نفس المصدر 14 : 436 الباب 1 من أبواب المتعة ح3 و 19 .
    (2) نفس المصدر 14 : 461 الباب 13 من أبواب المتعة، ح1 .
    (3) نفس المصدر والباب، ح2 .
    (4) نفس المصدر والباب ح3 و4 .
    (5) نفس المصدر 14 : 470 الباب 21 من أبواب المتعة، ح1 .
    (6) نفس المصدر والباب، ح6 .
    (7) نفس المصدر والباب ح2 و 5 .

صفحه 50

الاستئجار(1) يقتضي عملاً من الأجير، والمفروض عدمه من الرضيعة، وعدم تمكّنها منه .

ومع فرض كون المدّة غير قابلة لخروجها من القوّة إلى الفعل ; فإنّ الاُجرة بإزاء العمل، ولا عمل يتصوّر هنا في جانب الأجير، ولا منفعة(2) هنا تتصوّر من جانبها حتّى يكون المهر أجراً لها ، وأهمّ هذه الأخبار ما يلي :

منها : ما رواه زرارة، عن أبي عبدالله قال : ذكرت له المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : «تزوّج منهنّ ألفاً فإنّهنّ مستأجرات»(3) .

ومنها : معتبرة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، في المتعة : «ليست من الأربع; لأنّها لا تطلّق ولا ترث، وإنّما هي مستأجرة»(4) .

ومنها : معتبرة اُخرى لزرارة عن أبي جعفر(عليه السلام); لأنّه قال في آخرها: «هذه مستأجرة، وهي بمنزلة الإماء»(5) .

فالحاصل من هذه النصوص أنّ المرأة في المتعة بمنزلة المستأجرة، والأجر إمّا أن يكون بإزاء العمل، وإمّا بإزاء المنفعة، وكلاهما منتف من الرضيعة في هذه المدّة القليلة . قال في الجواهر في بيان الفرق بين عقد الدائم والمتعة : إنّ المراد منه النسل

  • (1) الإجارة في اللغة اسم للاُجرة; وهي كراء الأجير والكروة; وهو عوض العمل، يقال: آجر الشيء أكراه ، قال الخليل : الإجارة ما أعطيت من أجر في عمل ، الأجر جزاء العمل . . . وقال غيره: من ذلك مهر المرأة، قال الله تعالى : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ، معجم مقاييس اللغة 1 : 62 مادّة أجر ، القاموس المحيط 1 : 376 ، المصباح المنير 1 : 5 ، والإجارة في اصطلاح الفقهاء عقد ثمرته تمليك المنفعة بعوض معلوم، أو هي عقد معاوضة على تمليك المنفعة للعوض ، شرائع الإسلام 2 : 140 ، المبسوط للسرخسي 15 : 74 ، المغني والشرح الكبير 6 : 3 ، كتاب الاُمّ 4 : 25 .
    (2) قد مرّ تصوير المنفعة من جهة التوارث والمحرميّة. م ج ف.
    (3) وسائل الشيعة 14 : 446 الباب 4 من أبواب المتعة، ح2 .
    (4) نفس المصدر والباب، ح4 .
    (5) نفس المصدر 14 : 480 الباب 26 من أبواب المتعة، ح1 .

صفحه 51

ونحوه، والمقصود من المتعة الانتفاع والاستمتاع ونحو ذلك ما هو شبه الإجارة، ولذا كان المهر فيها كالعوض في الإجارة شرطاً في الصحّة(1) .

وفي أحكام القرآن للجصّاص : «وإنّما سُمّي المهر أجراً لأنّه بدل المنافع وليس ببدل عن الأعيان، كما سمّي بدل منافع الدار والدابّة أجراً... ويُروى أنّ في قراءة اُبيّ بن كعب فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أجورهنّ»(2) .

الرابع : أ نّ العقود تابعة للقصود، والغرض الأصلي في عقد المتعة هو الاستمتاع والانتفاع كما تقدّم، وهما منتفيان في عقد الرضيعة; لعدم إمكانهما بالفرض ، وأمّا محرميّة الاُمّ فلا تكون غرضاً للعقد ، فلا يقصد منه .

توضيح ذلك : أنّ أفعاله سبحانه وتعالى معلّلةٌ بأغراض، ولكن قد يترتّب على أفعاله آثار ليست بأغراض; فإنّ تحريم الزنا مثلاً معلّل بعدم اختلاط المياه وضياع الأنساب ونحو ذلك ، ولكنّه يترتّب عليه إجراء الحدّ مثلاً ، ومن الظاهر أنّه ليس الغرض من التحريم ذلك وإن ترتّب عليه .

فنقول : إنّ حرمة اُمّ الزوجة ومحرميّتها إنّما هما من الآثار المترتّبة على النكاح وفوائده، وهما إمّا ليستا من الأغراض، أو لم يثبت كونهما غرضاً ، إذ عدم الثبوت كاف في ثبوت العدم .

فلو فرض إجراء صيغة النكاح لمحض ذلك، ولم يكن الغرض المطلوب من النكاح حاصلاً، سيّما مع عدم إمكان مطلوبيّته، فلا يكفي ذلك في تصحيح العقد ولايترتّب عليه الأثر والفائدة (3).

الخامس : أصالة عدم الصحّة; فإنّها حكم شرعيّ يحتاج إلى دليل شرعي،

  • (1) جواهر الكلام 3 : 162 .
    (2) أحكام القرآن 3 : 95 .
    (3) جامع الشتات 4: 463 ـ 465.

صفحه 52

ولا دليل عليه كما عرفت .

السادس : استصحاب الحكم السابق(1) .

وبعد ذكر الأدلّة رتّب عليها(قدس سره) نتيجةً فقال : وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يتمّ الاستدلال بمثل «أوفوا بالعقود» فإنّه لا معنى لإرادة كلّ عقد يتصوّر ; لاستلزامه التخصيص غير المرضي ، فلابدّ من حملها على العقود المعهودة في زمان الشارع، ولم  يثبت كون هذا العقد معهوداً في زمان الشارع، واحتمال كونه معهوداً لايكفي ; لأنّ الأصل عدم الصحّة، ولا يرتفع مقتضى الأصل إلاّ بثبوت دخوله في العقد، ولا  يكفي الاحتمال .

وأضاف: بأنّ العمومات والإطلاقات لا تنصرف إلى مثل هذا العقد; لأنّ كلّها إمّا صريح في غير هذا العقد، أو ظاهر فيه، بل لا يكاد توجد رواية يمكن انصرافها إلى هذا العقد أو ظاهر فيه(2) ، ولكن أمر(قدس سره) في موضع آخر من كتابه بالاحتياط; لأنّ أمر الفروج شديد(3) .

الجواب عن المحقّق القمّي (رحمه الله)

والجواب عن استدلال الأوّل والثاني: أنّ الآية الكريمة وكذا الأخبار تشعران بأنّه تكون الحكمة في جعل المتعة إمكان الاستلذاذ والانتفاع للرجال من النساء وبالعكس، وتسهيل الأمر في استحلال الفروج للذين لايقدرون على النكاح البات، ولا ظهور فيهما على أنّ الاستلذاذ والانتفاع علّةٌ منحصرةٌ في جعلها، بحيث كان الاستلذاذ والانتفاع موضوعاً للحكم، فإن لم يكونا لم تجز المتعة .

  • (1) جامع الشتات 4 : 462 .
    (2) نفس المصدر 4 : 463 و 476 .
    (3) نفس المصدر 4 : 518 .

صفحه 53

والشاهد على ذلك جواز متعة النساء العجائز اللاّتي لا يكنّ قابلات للاستمتاع; فإنّه لا خلاف بين الفقهاء في جواز متعتهنّ، حتّى أنّ المحقّق القمّي (رحمه الله)والسيّد الاصفهاني لم يفتيا بعدم جوازها، مع أنّه يمكن أن يفرض عدم قابليتهنّ للانتفاع والاستلذاذ في الحال وفي المستقبل .

وهذا أقوى دليل على أنّه ليس الغرض في جعل المتعة منحصراً بالانتفاع والاستلذاذ ، بل هما حكمة فيها .

قال المحقّق الفقيه الفاضل اللنكراني في شرح كلام الإمام الخميني(قدس سره) في المقام: « الاحتياط الذي ذكره في المتن بالإضافة إلى الأمر الرائج بين كثير من المتديّنين ، حيث يعقدون الصغيرة عقداً انقطاعيّاً لأجل حصول المحرميّة بالإضافة إلى اُمّها وجواز النظر إليها ، من دون أن يكون المقصود هي الزوجيّة المتعارفة ، نظراً إلى أنّ مقتضى الاحتياط عدم العقد على الصغيرة جدّاً ... ولكنّ الظاهر عدم لزوم رعاية شيء من الاحتياطين وكفاية العقد الانقطاعي ساعة أو ساعتين مثلاً; لعدم انحصار فائدة النكاح بالوطء ولا بالاستمتاع ولو بغير الوطء، بل المحرميّة بالإضافة إلى الأقرباء، مثل اُمّ الزوجة تكون من الآثار» (1) .

وممّا قلنا ظهر الجواب عن الثالث أيضاً; فإنّ الأخبار ـ التي تدلّ على أنّ النساء مستأجرات ـ معناها أنّ أكثر الأفراد ونوعهنّ تكون كذلك، ولا منافاة بأن  لايكون بعض الأفراد كذلك . ألا ترى أنّ وجوب العدّة في الطلاق وكذا في المتعة عُلّلت بعدم اختلاط المياه وتشويش الأنساب، والحال أنّ بعضهنّ عقيم ليست فيهنّ قابلية النسل، ومع هذا تجب عليهنّ العدّة ؟ ففي مسألتنا هذه أيضاً لا منافاة بأن لا تجري في بعض مصاديق المتعة الحكمة التي لأجلها شُرّعت المتعة «أي كونهنّ مستأجرات» مع هذا تترتّب على هذه المصاديق آثار المتعة، ومنها محرميّة

  • (1) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 223 .

صفحه 54

أُمّ الزوجة الصغيرة على الزوج .

ويؤيّد ما قلنا الأخبار التي وردت على عدم تعيين حدٍّ في المتعة، وأنّ أدنى ماتحلّ به المتعة كفّ طعام ، فهذه تدلّ على أنّه ليس المقصود منها كسب الاُجرة حتّى يلزم أن تكون في مقابلها العمل أو المنفعة مثل باب الإجارة ; لأنّ كفّاً من الطعام ليس قابلاً لأن يكون اُجرة للعمل الذي كان المقصود المنحصر منه طلب الاُجرة .

قال المحقّق الآشتياني: « إنّ المنشأ بعقد التمتّع ليس تمليك منفعة ... بداهة عدم كون عقده من العقود التمليكيّة، بل المنشأ به هي العلقة الزوجيّة بين شخصين ... وما ورد في بعض النصوص من تنزيل الإمام(عليه السلام)المرأة المتمتّع بها منزلة المستأجرة ...إنّما المراد منه التنزيل في خصوص بعض الآثار، كخروجها عن عقد الزوجيّة بانقضاء المدّة، كما تخرج المستأجرة بانقضائها، وكعدم استحقاقها للمهر أصلا فيما إذا امتنعت عن التمكين بالنسبة إلى تمام المدّة، وعدم استحقاقها لبعضه فيما اذا امتنعت عنه في بعضها كما لا تستحقّ المستأجرة الاُجرة فيما إذا لم تعمل العمل المستأجرة عليه.

كيف، لو كان المراد هو التنزيل في جميع الآثار لزم بطلان العقد فيما لو مات أحدهما في أثناء المدّة ورجوع المهر إلى الزوج بالنسبة الى ما بقي منها، وغير ذلك من أحكام الإجارة التي لم يلتزم بها أحد في المتعة»(1). ومثل هذا جاء في كلام المحقّق الرشتي(قدس سره)(2).

والجواب عن الرابع; أنّه يمكن أن يفرض محرميّة اُمّ الزوجة أيضاً من أغراض المتعة وقصدها العاقد .

وأمّا الجواب عن الخامس والسادس ; فإنّه لا معنى لجريان أصالة الصحّة

  • (1) كتاب الإجارة، للمحقق الآشتياني : 268 و269 .
    (2) كتاب الإجارة، للمحقق الرشتي : 346 .

صفحه 55

واستصحاب الحكم ا لسابق ; لأنّ هذا الفرد من المتعة عقد نكاح فتشمله
العمومات والإطلاقات، ولا معنى لأن نقول بانصراف الأدلّة عنها ; لأنّ ملاك الانصراف هو التشكيك في الصدق، ولا خفاء في صدق عنوان العقد والنكاح على عقد الصغيرة الرضيعة، بل هي وغيرها في إطلاق المتعة عليها سواء، فلماذا لاتشمله الإطلاقات .

وأمّا ما قاله (رحمه الله) بأنّه لابدّ من حمل العقود على العقود المعهودة في زمان الشارع ولم يثبت كون هذا العقد معهوداً ، فليس عليه أيضاً دليل بل على عدمه; لأنّه يلزم أن نقول بعدم جواز كثير من المعاملات التي لا تكون معهودة في زمانه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع إطلاق العقد عليها، مثل المعاملات التي يطّلع المشتري فيها على أوصاف المبيع مع الهاتف، أو بأن تكتب في الجرائد، ومثل أخذ المأكولات من مكان ووضع الفلوس فيه مع عدم وجود البائع، والتعامل بنقد البلدان الاُخرى غير نقد البلد الذي وقع فيه التعامل ، ومثل المعاملات المشتركة بين الدول أو الأشخاص مع البنوك بأقسامها الجديدة التي كانت شائعةً بين الناس ولم تكن شائعة في زمن الشارع(صلى الله عليه وآله وسلم).

والحاصل: أنّ المقتضي لصحّة هذا العقد موجود والمانع فيه مفقود، ولأجل ذلك قال بصحّته المشهور من الفقهاء من المتأخِّرين والمعاصرين، ولم يقل ببطلانه فيما نعلم إلاّ المحقّق القمّي والسيّد الاصفهاني (رحمه الله) .

ففي صراط النجاة للسيّد الخوئي(قدس سره) في سؤال الرقم 1127 ، سئل عنه في حالة العقد متعةً على الطفلة من أجل تحليل اُمّها، هل يكفي في المصلحة أخذ المهر أم لا ؟

وأجاب(قدس سره): «نعم يكفي» وتبعه تلميذه الشيخ الفقيه جواد التبريزي(1) .

  • (1) صراط النجاة للسيّد الخوئي مع تعليقات الشيخ جواد التبريزي ، ج2: 368.

صفحه 56

وقال بصحّته أيضاً السيّد الگلپايگاني(1) والشيخ الفقيه الفاضل اللنكراني(2) .

حرمة زوجة كلٍّ من الأب والإبن على الآخر

المسألة الثانية والثالثة: أنّه تحرم زوجة كلٍّ من الأب والابن على الآخر فصاعداً في الأوّل ونازلاً في الثاني تحريماً أبديّاً مطلقاً; أي سواء كانت الزوجة صغيرة أم كبيرة، نسباً كان أو رضاعاً ، دواماً كان العقد أم متعة ، تكونا مدخولين أم لم تكن كذلك. وهذا ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء(3)، بل لا يبعد أن يكون من ضروريّات الدين; فإنّه لم ينسب إلى أحد من المسلمين القول بجوازه ، بل لم ينسب جوازه إلى غير المسلمين عدا ما نسب إلى المجوس .

نعم ، كان الرجل يستحلّ زوجة أبيه في الجاهليّة، إلاّ أ نّه لم يكن بعنوان الدين .

وبالجملة: فالحكم لوضوحه لا يحتاج إلى الدليل، على أنّ الأدلّة من الكتاب والسنّة والإجماعات كثيرة جدّاً .

أمّا من الكتاب: فقوله ـ تعالى ـ : ( وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ )(4)

  • (1) مجمع المسائل 2 : 143 .
    (2) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 223 .
    (3) المقنعة : 502 ، النهاية للطوسي : 451 ، الكافي لأبي الصلاح : 286 ، غنية النزوع : 337 ، المراسم العلويّة : 151 ، السرائر 2 : 523 ، المهذّب للقاضي 2 : 182 ، شرائع الإسلام 2 : 287 ، المختصر النافع : 202 ، قواعد الأحكام 3 : 30 ، إرشاد الأذهان 2 : 21 ، جامع المقاصد 12 : 299 ، رياض المسائل 6 : 457 ، مسالك الأفهام 7 : 283 ، الروضة البهيّة 5 : 176 ، الحدائق الناضرة 23 : 447 ـ 448 ، جواهر الكلام 29 : 350 ، نهاية المرام 1 : 130 ، مستند الشيعة 16 : 300 ، مستمسك العروة الوثقى 14 : 178 ، مستند العروة الوثقى، كتاب النكاح 1 : 316 العروة الوثقى مع التعليقات 5 : 542 ، تحرير الوسيلة 2 : 263 القول في المصاهرة مسألة 1 ، تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 223 .
    (4) سورة النساء 4 : 22 .

صفحه 57

فإنّ ا لظاهر من النكاح لاسيّما إذا كان متعلّقاً للنهي هو مطلق التزويج الشامل لمجرّد
العقد أيضاً ، وقوله تعالى : ( وَحَلَـلـِلُ أَبْنَآلـِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَـبِكُمْ )(1) .

وأمّا من السنّة فالنصوص الواردة في المقام إن لم تكن متظافرة فلا أقلّ من أنّها كثيرة جدّاً .

منها : صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما(عليهما السلام) أنّه قال : «لو لم تحرم على الناس أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لقول الله ـ عزّوجلّـ : ( وَ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَ لاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَ جَهُو مِنم بَعْدِهِىأَبَدًا . . . )(2) حرمن على الحسن والحسين بقول الله ـ عزّوجلّ ـ : ( وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ ). ولايصلح للرجل أن ينكح امرأة جدّه(3) .

ومنها: موثّقة زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) في حديث : «وإذا تزوّج الرجل امرأة تزويجاً حلالاً فلا تحلّ تلك المرأة لأبيه ولا لابنه»(4) . وكذا خبر محمّد بن مسلم، وصحيحة الحلبي، ومعتبرة عمرو بن أبي المقدام(5)، إلى غيرها من النصوص الدالّة صريحاً في عدم الجواز(6) .

وأمّا الإجماع، فادّعاه في جامع المقاصد والرياض وغيرهما(7) .

وفي نهاية المرام : «هذه الأحكام مجمع عليها بين المسلمين، فلا حاجة إلى التشاغل بأدلّتها». وكذا في الجواهر ومستند الشيعة(8). وفي تفصيل الشريعة :

  • (1) سورة النساء 4 : 23 .
    (2) سورة الأحزاب 33 : 53 .
    (3) وسائل الشيعة 14 : 312 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح1 .
    (4) نفس المصدر والباب، ح2 .
    (5) نفس المصدر والباب، ح8 .
    (6) نفس المصدر والباب أحاديث 5 و6 و7 و9 و10 و11 .
    (7) جامع المقاصد 12 : 299 ، رياض المسائل 6 : 457 .
    (8) نهاية المرام 1 : 130 ، مستند الشيعة 16 : 300 ، جواهر الكلام 29 : 350 .

صفحه 58

«وهذه المسألة مسلّمةٌ»(1) .

والحاصل : أنّ هذا الحكم ممّا لا إشكال فيه إجماعاً وكتاباً وسنّةً، بل إنّ هذا من ضروريّات الإسلام، فكان ممّا اتّفق عليه المذاهب المختلفة من الخاصّة والعامّة(2)فلا  نطيل فيه الكلام .

  • (1) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 218 .
    (2) بدائع الصنائع 2 : 535 ، المبسوط للسرخسي 4 : 200 ـ 201 ، الكافي في فقه أحمد 3 : 28 ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5 : 113 ـ 114 .

صفحه 59

المبحث الرابع : عدم جواز وطء الزوجة قبل التسع

وفيه مطالب :

المطلب الأوّل : حرمة وطء الزوجة قبل التسع

لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يحرم وطء الزوجة الصغيرة قبل إكمال التسع; سواء كانت دائمة أو متمتِّعاً بها(1) . قال في تحرير الوسيلة : « لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين دواماً كان النكاح أو منقطعاً» (2). وكذا في تفصيل الشريعة(3) .

وتدلّ عليه اُمور :

الأوّل : الإجماع الذي ادّعاه السيوري(4) والمحدّث الكاشاني(5) والفاضل الاصفهاني(6) .

وقال في الجواهر : «لا يحلّ وطءُ الزوجة حتّى تبلغ تسع سنين إجماعاً بقسميه»(7) .

والظاهر أنّ هذا الإجماع لا يكون دليلاً مستقلاًّ بل يكون مدركها النصوص التي سنذكرها .

  • (1) جامع المقاصد 12 : 330 ، الحدائق الناضرة 23 : 607 ، مسالك الأفهام 7 : 67 ، نهاية المرام 1 : 60، كتاب النكاح، ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 74 .
    (2) تحرير الوسيلة 2 : 230 مسألة 12 .
    (3) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 23 .
    (4) التنقيح الرائع 3 : 25 .
    (5) مفاتيح الشرائع 2 : 290 .
    (6) كشف اللثام 7: 192.
    (7) جواهر الكلام 29 : 414 .

صفحه 60

الثاني : النصوص، وهي العمدة :

منها : صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قال : «إذا تزوّج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتّى يأتي لها تسع سنين»(1) .

ودلالتها ظاهرة .

ومنها : موثّقة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «لا يدخل بالجارية حتّى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين»(2) .

ومثلها معتبرة أبي بصير(3). وكلمة عشر سنين تحمل على الاستحباب; لأنّ الترديد في الحدّ أمر غير معقول، فلابدّ من حمل الثاني على الأفضليّة، كما قال به السيّد الخوئي(4) .

وفي الحدائق : «لعلّ المراد(5) بالترديد لاختلافهنّ في كبر الجثّة وصغرها وقوّة

  • (1) وسائل الشيعة 14 : 70 الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، ح1 .
    (2) نفس المصدر والباب، ح2 .
    (3) نفس المصدر والباب ح4 .
    (4) مستند العروة الوثقى، كتاب النكاح 1 : 152 .
    (5) لا يبعد صحّة ما ذهب إليه صاحب الحدائق، فإنّ الترديد في الاُمور غير التعبديّة ممكن من جهة التنويع بين الاُمور والمصاديق الواقعيّة. وبعبارة اُخرى: إذا كان الترديد راجعاً إلى التنويع فلا بأس به حتّى في كلام الإمام(عليه السلام). هذا، ولو سلّمنا عدم الترديد من الإمام(عليه السلام)، وقلنا بتعيين التسع من جهة كون هذا ملاكاً للبلوغ فيها، فالسؤال التي تذكر أنّه هل هذا الحدّ من الاُمور التعبديّة المولوية، أم لا، بل كان إرشاداً إلى حدّ يكون عادةً قابلا لإمكان الوطء؟ والظاهر الثاني، فإذا علمنا بعدم إمكان وطء الزوجة التي بلغت عشراً مثلا، فلا يقول أحد من الفقهاء بجواز وطئها حتى في البالغة الرشيدة التي لأجل مرض أو عارض لا تصلح للوطء.
    فالظاهر أنّ التسع يكون حدّاً عرفيّاً لهذا الأمر، والمتّبع في ذلك الرجوع إلى كلّ زوجة بحسب حالها، ولايخفى عليك عدم وجود الملازمة بين البلوغ الشرعي وإمكان الوطء. نعم، إذا قلنا بوجود الملازمة فالأمر يختلف عمّا قلناه، وكيف كان يحتاج هذا البحث إلى تأمّل قويّ. م ج ف.

صفحه 61

البنية وضعفها»(1) ولكن نقل الصدوق هذه الرواية بطريق موثّق، وفي ذيلها «وقال: أنا سمعته يقول: تسع أو عشر»(2) فالترديد من الراوي لا من الإمام .

قال في تفصيل الشريعة: « ومن الواضح أنّ الترديد ليس من الإمام(عليه السلام)، بل من الراوي »(3).

ومنها : خبر عمّار السجستاني قال: سمعت أباعبدالله(عليه السلام) يقول لمولىً له: انطلق فقل للقاضي: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «حدّ المرأة أن يدخل بها على زوجها إبنة تسع سنين»(4).

المطلب الثاني : حكم الدخول بالزوجة قبل التسع

اختلف الفقهاء في أنّه إذا دخل الزوج بالزوجة الصغيرة قبل التسع من غير أن  يكون إفضاءً لها ، على قولين :

الأوّل : أنّه تحرم بذلك مؤبّداً ، كما هو الظاهر من كلام الشيخ (رحمه الله) في التهذيب حيث قال: « ومن تزوّج بصبيّة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فُرِّق بينهما ولم  تحلّ له أبداً»(5) وكذا في النهاية(6). ونسب في نهاية المرام إلى الشيخين(7) .

واستدلّ عليه في التهذيب بما رواه يعقوب بن يزيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : « إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع

  • (1) الحدائق الناضرة 23 : 91 .
    (2) الخصال 2 : 420 .
    (3) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 24 .
    (4) وسائل الشيعة 14 : 70 الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، ح3 .
    (5) تهذيب الاحكام 7 : 311 .
    (6) النهاية للطوسي: 453.
    (7) نهاية المرام: 1 / 61.

صفحه 62

سنينُ فرّق بينهما ولم تحلّ له ابداً »(1)ودلالتها واضحة .

نقول: ظاهر قوله(عليه السلام) : « فُرِّق بينهما » هو التفرقة في الوطء فقط دون بينونة العقد وانفساخه بدون الطلاق ، كما قال في نكت النهاية(2) ، ولعلّ هذا هو المقصود منه في كلام الشيخ أيضاً.

قال في السرائر : « ومعنى قول الشيخ: «فرّق بينهما» أي في الوطء دون بينونة العقد وانفساخه; لإجماع أصحابنا على أنّ من دخل بامرأة ووطأها ولها دون تسع سنين، وأراد طلاقها طلّقها على كلّ حال، ولا عدّة عليها بعد الطلاق، فإذا كانت قد  بانت بوطئه لها قبل بلوغ التسع فلا حاجة إلى طلاقها»(3). وبه قال في المختلف(4)وكذا في التفصيل الشريعة(5).

ولا تنافي بين الحكمين: « بقاء العقد، وحرمة الوطء » وله نظائر في الفقه، مثل باب الظهار والإيلاء; فإنّه قبل الكفّارة والرجوع إلى الحاكم لا يحلّ له وطؤها بغير خلاف، وهي زوجته وعقدها باق ، مضافاً إلى أ نّ الرواية ضعيفة مرسلة، فلا يمكن الاستناد إليها في إثبات حكم المخالف للأصل .

القول الثاني : أنّه لا تحرم مؤبّداً إلاّ مع الإفضاء.

والإفضاء هو أن تصير مسلك البول ومسلك الحيض وهو مدخل الذكر واحداً، وهو المشهور بين الفقهاء، بل ظاهر الخلاف الإجماع عليه(6) .

و هذا الأمر خارج عن علم الفقه حتّى يُلزم الفقيه باستنباطها وصدور الرأي

  • (1) تهذيب الأحكام 7: 311 ح1292 ، وسائل الشيعة 14 : 381 الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح2.
    (2) النهاية ونكتها 2 : 292 .
    (3) السرائر لابن إدريس 2 : 530 مع تصرّف .
    (4) مختلف الشيعة 7 : 64 .
    (5) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 28 .
    (6) الخلاف 4 : 395 .

صفحه 63

فيها، بل إمّا أن ترجع إلى علم التشريح إن نظر إلى المعنى، وإمّا إلى علم اللغة إن نظر
إلى الوضع اللغوي، فالفقيه يأخذه من هذين العلمين ثمّ يرتّب عليه الحكم .

على كلّ حال، قال المحقّق (رحمه الله) : ولو لم يُفضها لم تحرم على الأصحّ(1) .

وهذا هو الأقوى، وهو قول أكثر الفقهاء، كالعلاّمة في بعض كتبه(2) ، وابن فهد(3) والفاضل الآبي(4) والسيوري(5) وصاحب الجواهر(6) والشيخ الأعظم(7) ، والشهيد(8) والمحقّق الثانيان(9)، والسيّد صاحب المدارك(10) وفخر المحقّقين(11). وكذا في كنز الفوائد(12).

وقال في تفصيل الشريعة : «  إذا وطئ الزوجة قبل إكمال التسع ولم يتحقّق الإفضاء لا يترتّب عليه إلاّ مجرّد الإثم »(13) .

وتدلّ عليه أصالة بقاء الزوجيّة السليمة عمّا يصلح للمعارضة، وعدم الدليل على التحريم، سوى مرسلة يعقوب بن يزيد التي استدلّ بها الشيخ كما تقدّم،وهي كما
ترى ضعيفة بالإرسال ولم تنجبر بعمل المشهور، فلا تنهض حجّةً في رفع اليد

  • (1) شرائع الإسلام 2 : 270 .
    (2) قواعد الأحكام 3: 33.
    (3) المهذّب البارع 3 : 211 و212 .
    (4) كشف الرموز 2 : 109 .
    (5) التنقيح الرائع 3 : 26 .
    (6) جواهر الكلام 29 : 418 .
    (7) كتاب النكاح ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 74 .
    (8) مسالك الأفهام 7 : 67 .
    (9) جامع المقاصد 12 : 330 .
    (10) نهاية المرام 1 : 61 .
    (11) إيضاح الفوائد 3 : 76 .
    (12) كنز الفوائد للسيّد الأعرجي 2 : 367 .
    (13) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 25 .

صفحه 64

عن الاُصول القطعيّة الثابتة من حصول الحلّية بعقد النكاح والأصل بقاؤها،
فلابدّ  من  حملها على صورة الإفضاء التي لا خلاف في كونها سبباً للتحريم المؤبّد مع بقاء الزوجيّة .

المطلب الثالث : عدم كون الإفضاء موجباً للبينونة

هل تبين الزوجة الصغيرة من الزوج بمجرّد الإفضاء، وينفسخ العقد ولا يحتاج إلى الطلاق، أو تبقى في حباله ولا تبين منه إلاّ بالطلاق ، فيه قولان .

الأوّل: ما ذهب إليه ابن حمزة(1) ، واختاره المحقّق الثاني، حيث قال : «وقول ابن حمزة ليس ببعيد»(2) ، وعلّل بأنّ التحريم المؤبّد ينافي النكاح بحيث لا ينسجم القول بالتحريم مع بقاء الزوجيّة ، ولأنّ التحريم المؤبّد يمنع النكاح سابقاً فيبطله لاحقاً، كالرضاع واللعان والقذف للزوجة الصمّـاء(3) .

وأورد عليه الشيخ الأعظم بأنّ انحصار ثمرة النكاح في حلّ الاستمتاع إنّما يوجب عدم جواز ابتداء النكاح على من يحرم مؤبّداً، ولا يوجب إبطال نكاح الثابت سابقاً(4) .

الثاني: ـ وهو الأقوى ـ أنّه تبقى في حباله ولا تبين منه إلاّ بطلاق ، صرّح به ابن الجنيد كما في المختلف(5)، وهو ظاهر كلام المفيد أيضاً(6) ، وقال ابن إدريس: تحرم عليه مؤبّداً وكان مخيّراً بين إمساكها وتطليقها(7) .

  • (1) الوسيلة : 292 .
    (2 و 3) جامع المقاصد 12 : 332 .
    (4) كتاب النكاح، ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 428 .
    (5) مختلف الشيعة 7 : 64 .
    (6) المقنعة : 747 .
    (7) السرائر 2 : 530 .

صفحه 65

وتدلّ عليه أوّلاً : أصالة بقاء العقد الذي ثبت أوّلاً ، والتحريم لأمر عارض في«الإفضاء» لا يستلزم بطلان العقد .

وثانياً : النصوص الصريحة .

منها : صحيحة حمران عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، لأنّه قال في ذيلها «وإن  أمسكها ولم يُطلّقها حتّى تموت فلا شيء عليه»(1) .

حيث تدلّ على أنّ له إمساكها وتطليقها، وهو يقتضي بقاء النكاح، وأنّه بمجرّد الإفضاء لا ينفسخ العقد بل يحتاج إلى الطلاق .

ومنها : خبر بريد بن معاوية ، قال(عليه السلام) . . . : «وإن أمسكها ولم يطلّقها فلا  شيء عليه، إن شاء أمسك وإن شاء طلّق»(2) .

ويترتّب على القولين في المقام اُمور :

أ ـ لو مات أحد الزوجين توارثا على الثاني دون الأوّل .

ب ـ لا يجوز له التزويج باُختها على الثاني دون الأوّل .

ج ـ يحرم عليه الخامسة لو كانت رابعة على الثاني دون الأوّل .

المطلب الرابع : وجوب الدية بالإفضاء

يجب على الزوج إذا أفضى الزوجة الصغيرة، الدية; وهي دية النفس ، ففي الحرّة نصف دية الرَجُل .

قال الصدوق (رحمه الله) : «ولا تتزوّج(3) امرأة حتّى تبلغ تسع سنين، فإن تَزوَّجتَها

  • (1) وسائل الشيعة 14 : 380 الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح1 .
    (2) نفس المصدر والباب ح3 .
    (3) والظاهر أنّ مراده الدخول كما في النصوص .

صفحه 66

قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيبٌ فأنت ضامن»(1) ، والمراد بالضمان هو الدية كما سيأتي. وكذا في النهاية(2) .

وقال المفيد : «والرجل إذا جامع الصبيّة ولها دون تسع سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها»(3) .

وفي الجواهر : «فلا إشكال بل ولا خلاف معتدّ به في وجوب الدية بإفضاء الزوجة قبل بلوغها التسع ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه»(4).(5)

وتدلّ عليه النصوص المتضافرة، وهي على طائفتين :

الطائفة الاُولى: تدلّ على ثبوت الدية على الزوج :

منها : صحيحة حمران، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سئل عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك، فلمّا دخل بها اقتضّها(6) فأفضاها؟ فقال : « إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين اقتضّها; فإنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلّقها حتّى تموت فلا شيء عليه »(7)، وهي صريحة في ثبوت الدية . وأمّا ذيلها، فظاهر في أنّه إن وقع الصلح بينهما
بإمساكها إلى آخر عمرها فلا شيء عليه .

  • (1) المقنع : 309 .
    (2) النهاية للطوسي : 481 .
    (3) المقنعة : 747 .
    (4) جواهر الكلام 29 : 422 .
    (5) الخلاف 4 : 395 و ج5 : 257 .
    (6) «اقتض المرأة افترعها . . . ، والإسم القضّة بالكسر ، وأخذ قضّتها أي عُذرتها» لسان العرب 5 : 275 ، «والعُذرة: البكارة» المعجم الوسيط : 590 .
    (7) الفقيه 3 : 272 ح1294 ، وسائل الشيعة 14 : 380 الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح1 .

صفحه 67

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ قال: سألت
أباعبدالله(عليه السلام)... وسألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد ؟ فقال : «الدية كاملة»(1) . ودلالتها واضحة .

ومنها : صحيحة التي ذكرها الصدوق (رحمه الله)(2). وكذا خبر بريد بن معاوية المتقدِّمة(3) .

الطائفة الثانية: رواياتٌ تدلّ على ثبوت الضمان :

منها : صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «من وطئ امرأتَه قبل تسع سنين فأصابها عيبٌ فهو ضامِنٌ»(4) .

ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار، عن جعفر(عليه السلام) «أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول : من وطئ امرأة من قبل أن يتمّ لها تسع سنين فأعنف ضَمِنَ»(5) .

ومنها : خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(عليه السلام) قال : «لا  توطأ جارية لأقلّ من عشر سنين، فإن فعل فَعيِبَتْ فقد ضَمِنَ»(6) .

وفي الوسائل: «أقول : هذا محمول على استحباب التأخير، أو على الدخول في أوّل السنة العاشرة»(7) . والظاهر أنّ المراد بالعيب هو الإفضاء; فإنّه لا عيب هنا

  • (1) الكافي 7 : 313 ح11 ، تهذيب الأحكام 10 : 248 ح980 ، الفقيه 4 : 101 ح337 ، وسائل الشيعة 19 : 284 الباب 9 من أبواب ديات المنافع، ح1 .
    (2) وسائل الشيعة 19 : 251 الباب 26 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
    (3) وسائل الشيعة 14: 381 الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح3.
    (4) الخصال : 420 ح16 ، وسائل الشيعة 14 : 71 الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، ح5 و8 .
    (5) وسائل الشيعة 19 : 212 الباب 44 من أبواب موجبات الضمان، ح4 .
    (6) وسائل الشيعة 14 : 71 الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، ح7 .
    (7) وسائل الشيعة 14 : 71 الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، ح7 .

صفحه 68

سواه غالباً .

ومنها : خبر طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) قال : «من  تزوّج بكراً فدخل بها في أقلّ من تسع سنين فَعيِبَتْ ضَمِنَ»(1) .

ثمّ إنّ من ملاحظة تلك الصحاح المتقدّمة في الطائفة الاُولى يتّضح المراد من الضمان في نصوص الطائفة الثانية، وأنّه هو الدية الكاملة; فإنّ هذه النصوص تكون مفسّرة لها، وهو ظاهر كلام الشيخ في الخلاف; لأنّه في ذيله «كان عليه ضمانها بديتها»(2) .

وكذلك الضمان والأرش الواقعان في بعض كلمات الأصحاب يحملان على الدية(3) ، ولكن بإزاء هذه النصوص الصحيحة وغيرها معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام): «أنّ رجلاً أفضى امرأة فقوّمها قيمة الأمَة الصحيحة وقيمتها مفضاة، ثمّ نظر مابين ذلك فجعل من ديتها وأجبر الزوج على إمساكها»(4).

وهذه المعتبرة تدلّ على الضمان بمقدار اختلاف قيمتها صحيحة ومفضاة، فتكون معارضة للصحاح المتقدِّمة; حيث دلّت على ضمانه بالدية الكاملة، وهذه لا  تدلّ على الدية، بل على الأرش، واللاّزم حمل هذه الطائفة على التقيّة; لمخالفتها
للنصوص الكثيرة التي كانت أصحّ سنداً منها، وموافقتها لبعض العامّة كما ذكر ذلك

  • (1) وسائل الشيعة 14 : 71 الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، ح6 .
    (2) الخلاف 5 : 257 .
    (3) قال ابن حمزة : «فإن جامعها وأفضاها حرم عليه وطؤها أبداً ووجب عليه شيئان: الأرش والإنفاق عليها» . الوسيلة : 313 ، وقال الصدوق : «فإن تزوّجتها قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب فأنت ضامن»، المقنع : 309 . وكذا في النهاية للطوسي : 481 .
    (4) الوسائل 19 : 212 الباب 44 من أبواب موجبات الضمان، ح3 .

صفحه 69

في الاستبصار(1) . وأيضاً ظاهر معتبرة السكوني في الكبيرة; حيث قال: « افضى
امرأةً » والمرأة ظاهرة في البالغة .

المطلب الخامس: وجوب نفقتها على الزوج

يجب على الزوج إذا أفضى زوجته الصغيرة نفقتها ما دامت حيّةً .

قال ابن حمزة : «فإن جامعها وأفضاها حرم عليه وطؤها أبداً، ووجب عليه شيئان: الأرش والإنفاق عليها مدّة حياتها»(2) .

وبه قال ابن سعيد(3) . وهذا الحكم في الجملة محلّ وفاق، ولم ينقل فيه الخلاف عن أحد، وظاهر كلام الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه(4) .

ويدلّ على هذا الحكم أيضاً صحيح الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل تزوّج جارية فوقع بها فأفضاها؟ قال : «عليه الإجراء عليها ، ما دامت حيّة»(5) .

والمراد بالإجراء ، إجراء النفقة عليها . قال في تفصيل الشريعة: « الظاهر وجوب الإنفاق عليها وإن طلّقها، بل وإن تزوّجت بعد الطلاق لصحيحة الحلبي ... فإنّ مقتضى إطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب عدم الفرق بين صورة الطلاق وعدمه، وفي الصورة الاُولى بين ما إذا تزوّجت بعده أم لا، خصوصاً مع التعبير بـ « مادامت حيّة »(6) .

  • (1) الاستبصار 4 : 295 .
    (2) الوسيلة : 313 .
    (3) الجامع للشرائع : 428 .
    (4) الخلاف 4 : 395 .
    (5) وسائل الشيعة 19 : 212 الباب 44 من أبواب موجبات الضمان، ح2 .
    (6) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 28 .

صفحه 70

المطلب السادس : وجوب المهر لها

يجب على الزوج إذا أفضى زوجته الصغيرة المهر لها; لإطلاق ما دلّ علىوجوبه الشامل للمقام أيضاً .

واعلم أنّ المهر في المفضاة حكمه في غيرها، وإنّما تعرّض الفقهاء هُنا لئلاّ يتوهّم دخوله في الدية .

المطلب السابع: جواز وطئها لو اندمل الموضع

لو اندمل الموضع بعد الإفضاء وصلح للوطء يحتمل التحريم; للاستصحاب على القول بجريانه في الأحكام الكلّية الإلهيّة; لأنّه قد حُكِمَ بالتحريم للإفضاء، والأصل بقاؤه ، اختاره الفاضل المقداد(1) وصاحب الجواهر(2) .

ويحتمل عَودُ الحِلّ لزوال سبب التحريم فيزول مسبّبهُ ، حكاه في كشف اللثام قولاً في موضع منه وحَكَمَ بالحلّ في موضع آخر(3) . والظاهر أنّه ليس(4) ببعيد; لأنّه بعد الاندمال لا دليل على حرمته، وأيضاً قد تبدّل الموضوع فلا يجري الاستصحاب ، مضافاً إلى أ نّ جواز وطئها حقّ طبيعيّ لها، ولا دليل على حرمته إلاّ إفضاءُها، والفرض أنّه صارت صحيحة بعد اندمال الموضع فيجوز إلاّ أن يقال بأنّ جواز الوطء مخالف لإطلاق رواية يعقوب بن يزيد المتقدّمة(5). وقد تقّدم أنّها ضعيفة مرسلة، والله هو العالم بحكمه .

  • (1) التنقيح الرائع 3 : 27 .
    (2) جواهر الكلام 29 : 424 .
    (3) كشف اللثام 7 : 193 .
    (4) ولا يخفى أنّ الذهاب إلى الحرمة الأبديّة في صورة الإفضاء لا يلائم مع القول بجواز الوطء. م ج ف.
    (5) وسائل الشيعة: 14 / 381، الباب 34، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.

صفحه 71

آراء فقهاء أهل السنّة في جواز وطء الصغيرة قبل التسع

يستفاد من كلماتهم في باب النفقة والمهر والدية أنّه إذا كانت الزوجة صغيرة تطيق الوطء وتحمّلت الرجل يجوز وطؤها، ولنشير إلى شطر من كلماتهم .

أ ـ الحنفيّة

قال ابن عابدين : «تجب نفقة الزوجة على زوجها . . . ولو كانت صغيرة تطيق الوطء، فإنّ السمينة الضخمة تحتمل الجماع ولو كانت صغيرة السنّ»(1) .

وقال في باب المهر : «لأبي الصغيرة المطالبة بالمهر، وللزوج المطالبة بتسليمها إن تحمّلت الرجل»(2) .

فظاهر كلامه يدلّ على جواز وطء الصغيرة بشرط إطاقتها الوطء .

ب ـ المالكيّة

قالوا : ومن شرائط وجوب النفقة إطاقة الزوجة للوطء، ولا يشترط فيها البلوغ(3) .

وفي المدوّنة الكبرى : «قلت: أرأيت الصبيّة الصغيرة التي لم تحصن ومثلها

  • (1) الدرّ المختار 3 : 572 ـ 574 .
    (2) المصدر نفسه 3: 161 .
    (3) المغني 9 : 281 ـ 284 ، الكافي في فقه أحمد 3 : 228 ، كشف القناع 5 : 553 ، الإقناع 4 : 142 ، الإنصاف 9 : 394 ـ 377 .

صفحه 72

يجامع إذا تزوّجها فدخل بها وجامعها ، أيكون ذلك إحصاناً في قول مالك أم لا ؟ قال : نعم، تحصنه ولا يحصنها»(1) .

ج ـ الحنابلة

قال ابن قدامة المقدسي : «فإن كانت صغيرةً لاتحتمل الوطء فلا نفقة لها... قال الشافعي: لو قيل لها النفقة كان مذهباً... لأنّ تعذّر الوطء لم يكن بفعلها، فلم يمنع وجوب النفقة لها كالمرض»(2).

وقال الخرقي في باب وجوب النفقة : بل القدرة على ذلك ، أي على التمكين ، فإن كانت صغيرة لا تحتمل الوطء فلا نفقة لها(3) .

فالمفهوم من كلامه أنّه إذا أطاقت الوطء يجوز وإن كان قبل تسع سنين .

د ـ الشافعيّة

قال الشافعي : «إذا ملك الرجل عقدة المرأة يجامع مثلها، وإن لم تكن بالغةً فخلَت بينه وبين الدخول عليها، أو خُلّي أهلها فيما بينه وبين ذلك . . . وجب عليه نفقتها»(4) .

والحاصل : أنّ الحكم بوجوب النفقة على الزوجة الصغيرة دليل على جواز وطئها ; لأنّ وجوب النفقة عندهم مشروط بتمكين الزوجة، كما سيأتي البحث عنه قريباً .

  • (1) المدوّنة الكبرى 2 : 286 .
    (2) المغني 9 : 281 ، الشرح الكبير 9: 252 ـ 253.
    (3) المحرّر في الفقه 2 : 115 ، الإقناع 4 : 142 ، كشّاف القناع 5 : 552 ـ 553 .
    (4) الاُمّ 5 : 89 .

صفحه 73

المبحث الخامس : حكم نفقة الزوجة الصغيرة

منهج البحث :

للزوجين بالنسبة إلى وجوب النفقة وعدمه أربع حالات; لأنّهما إمّا أن يكونا كبيرين ، وإمّا أن يكونا صغيرين . وإمّا أن يكون الزوج كبيراً والزوجة صغيرة، وإمّا عكس ذلك .

أمّا الاُولى: فخارج عن مورد بحثنا الآن ; لأنّ المقصود من طرح هذا المبحث بيان المسائل التي ترتبط بنفقة الصغيرة .

وأمّا الثانية: فيظهر حكمها ممّا يأتي البحث في الحالة الثالثة والرابعة.

وأمّا الثالثة: وهي ما إذا كان الزوج كبيراً والزوجة صغيرة، فنقول: لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يشترط في وجوب نفقة الزوجة أن يكون العقد دائماً، فلا نفقة لذات العقد المنقطع إجماعاً بقسميه(1) . وهل يشترط في وجوب النفقة التمكين(2)الكامل وعدم النشوز حتّى لا يجب على الزوج نفقة زوجته الصغيرة; لعدم إمكان التمكين شرعاً في حقّها ، أو لا يشترط في وجوبها ذلك، بل يمكن أن يجب النفقة على الزوج ولو كانت الزوجة صغيرة ؟ قولان :

الأوّل : أنّ وجوب النفقة مشروط بتمكين الزوجة وعدم نشوزها.

الثاني : عقد النكاح بذاته يقتضي النفقة .

  • (1) جواهر الكلام 31 : 303 ، نهاية المرام 1 : 474 ، قواعد الأحكام 3 : 103 ، رياض المسائل 7 : 256 .
    (2) عرّفه المحقّق بأنّه التخلية بينها وبينه، بحيث لا تختصّ موضعاً ولا وقتاً، فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان، أو مكان دون مكان آخر ممّا يسوغ فيه الاستمتاع لم يحصل التمكين ، شرائع الإسلام 2 : 347 .

صفحه 74

كون وجوب النفقة ، مشروطاً بالتمكين الكامل

القول الأوّل: ما ذهب إليه المشهور ـ وهو الأقوى ـ أنّ وجوب نفقة الزوجة الكبيرة مشروط بالتمكين الكامل .

قال الشيخ (رحمه الله) في الخلاف : «إذا كان الزوج كبيراً والزوجة صغيرةً لا يجامع مثلها لا نفقة لها»(1) .

وفي المبسوط : «لأنّ النفقة في مقابلة التمكين من الاستمتاع»(2) .

وفي النهاية : «فإن امتنعت بعد استيفاء المهر كانت ناشزاً، ولم يكن لها عليه نفقة»(3) .

وقال سلاّر : «وإنّما تجب النفقة إذا مكّنت المرأة من نفسها، فإن امتنعت فلانفقة لها»(4) ، وبه قال القاضي ابن البرّاج(5) وابن حمزة(6) والكيدري(7) وابن سعيد الحلّي(8). واختاره الفاضلان(9) أيضاً بعد الترديد والإشكال .

قال في الجواهر ـ بعد نقل كلامهما ـ : «وظاهرهما أو صريحهما بعد التأمّل الجيّد في كلاهما أنّه لا كلام في اعتبار التمكين الذي هو ضدّ النشوز، ولا يتحقّق عدم النشوز إلاّ بالتمكين»(10) .

  • (1) الخلاف 5 : 113 .
    (2) المبسوط للطوسي 4 : 315 .
    (3) النهاية: 475.
    (4) المراسم العلوية : 156 .
    (5) المهذّب 2 : 347 .
    (6) الوسيلة : 285 .
    (7) إصباح الشيعة : 445 .
    (8) الجامع للشرائع : 487 .
    (9) شرائع الإسلام 2 : 347 ، قواعد الأحكام 3 : 103 .
    (10) جواهر الكلام 31 : 303 .

صفحه 75

وفي الرياض: «اشتراط التمكين هو المشهور بين الأصحاب، بل كاد أن يكون إجماعاً»(1) ،وهكذا في الروضة، حيث قال : «فلا نفقة للصغيرة التي لم تبلغ سنّاً يجوز الاستمتاع بها بالجماع على أشهر القولين، لفقد الشرط; وهو التمكين من الاستمتاع»(2).

وقال به أيضاً الشيخ الأعظم وأضاف «بأنّه تسقط النفقة بصغر الزوجة بحيث يحرم وطؤها»(3) .

وقال الإمام الخميني(قدس سره): « الظاهر أ نّه لا نفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها، خصوصاً إذا كان صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ »(4) .

وقال الشيخ الفقيه الفاضل اللنكراني بالتفصيل بين الصغيرة التي يمكن الالتذاذ والاستمتاع بها ولو باللمس والنظر، فتجب نفقتها. وبين ما إذا كانت صغيرةً جدّاً بحيث لا يترتّب على لمسها والنظر بها التذاذ أصلا، فلا تجب نفقتها(5) .

أدلّة اشتراط وجوب النفقة بالتمكين

ما استدلّ أو يمكن أن يستدلّ به لاشتراط وجوب النفقة بتمكين الزوجة للزوج اُمورٌ :

الأوّل : أنّ الله ـ تعالى ـ أمر بالمعاشرة بالمعروف : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )(6)

  • (1) رياض المسائل 7 : 256 .
    (2) الروضة البهيّة 5 : 465 .
    (3) كتاب النكاح ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 486 .
    (4) تحرير الوسيلة 2 : 298 فصل في النفقات، مسألة 4 .
    (5) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 573 .
    (6) سورة النساء 4: 19.

صفحه 76

والإمساك بالمعروف: ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف )(1)
وهما لاتقتضيان النفقة مع عدم التمكين عرفاً .

وفيه: أنّ الدليل لا ينحصر في هاتين الآيتين ; فإنّ مقتضى قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ )(2) وقوله : ( الرِّجَالُ قَوَّ مُونَ عَلَى النِّسَآءِ )(3) على البيان الذي تقدّم في ذيل القول الأوّل ، وهكذا، فإنّ مقتضى صحيح الفضيل(4) المتقدّم وجوبُ الإنفاق على الإطلاق .

الثاني : أ نّ المهر يجب بالعقد، وهو لا يوجب عوضين مختلفين .

الثالث : أ نّ النفقة مجهولة الجملة ، والعقد لا يوجب مالاً مجهولاً .

وقد أورد على هذين الوجهين في المسالك، بأنّ «عدم إيجاب العقد عوضين مختلفين، وعدم إيجابه مالاً مجهولاً مجرّد دعوى أو استبعادٌ قد دلّ الدليل على خلافهما ; فإنّ الآيات الدالّة على وجوب الإنفاق على الزوجة من غير تقييد تدلّ على أنّ العقد أوجب النفقة على ذلك الوجه، وأيّ مانع من إيجاب العقد أمرين مختلفين كما في شراء الدابّة والمملوك ؟ فإنّ العقد يوجب الثمن كالمهر ويوجب الإنفاق المجهول من غير شرط إجماعاً»(5) .

والحاصل : أنّه ليست النفقة من الأعواض الواجبة بالعقد ، وإنّما العقد أفاد كونها زوجةً له والشارع أثبت النفقة للزوجة .

الرابع : ما روي أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) تزوّج ودخل بعد سنتين، ولم ينفق إلاّ

  • (1) سورة الطلاق 65 : 2 .
    (2) سورة البقرة 2 : 233 .
    (3) سورة النساء 4 : 34 .
    (4) وسائل الشيعة 15 : 223 الباب 1 من أبواب النفقات، ح1 .
    (5) مسالك الأفهام 8 : 441 .

صفحه 77

بعد دخوله(1) .

وفيه: أنّه لم يثبت ذلك .

الخامس : ما روي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، أ نّه قال : «اتّقوا الله في النساء; فإنهنّ عوار عندكم، اتّخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، . . . ولهنّ عليكم رزقُهنّ وكسوتهنّ بالمعروف»(2) .

بتقريب: أنّ وجوب الإنفاق مشروط بكون الزوجة في اختيار الزوج كالعارية في يد المستعير; فإنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أوجب الإنفاق من الرزق والكسوة إذا كُنّ عند الرجل، وهو يدلّ على التمكين .

وفيه: أنّ السند ضعيف، فلا مجال لملاحظة الدلالة .

السادس : أنّ مقتضى الأصل البراءة عن وجوب النفقة ، وإنّما نخرج من مقتضى الأصل في صورة التمكين، فيبقى الباقي غير واجب ، وقد اعترف في كشف اللثام بضعف الأدلّة عدا الأصل، فقال : «وإن ضعفت أدلّته غير الأصل فهو يكفينا; فإنّ أدلّة الوجوب مجملة، فيقتصر من مدلولها على موضع اليقين»(3) .

ولكن قال في المسالك : «وأمّا أصالة البراءة فإنّما تكون حجّة مع عدم دليل ناقل عنه، لكنّه موجود هنا بالعمومات الدالّة على وجوب نفقة الأزواج، والأصل عدم التخصيص»(4) .

السابع : السيرة العملية ; لأنّ السيرة جارية على عدم الإنفاق في صورة عدم التمكين .

  • (1) المغني 9 : 282 ، الحاوي الكبير 15 : 29 .
    (2) السنن الكبرى 5 : 8 / و ج 11 / 156 ، سنن ابن ماجة 3 : 504، ح3074 .
    (3) كشف اللثام 7 : 558 .
    (4) مسالك الأفهام 8 : 442 .

صفحه 78

وفيه: أوّلاً : الإشكال في تحقّق السيرة من المتشرّعة كذلك .

وثانياً: على فرض تحقّقها يكون الإيراد في اتصالها إلى زمان المعصوم(عليه السلام) .

الثامن : أ نّ مقتضى أصالة احترام المال والعمل التي هي من أهمّ الاُصول النظامية العقلائيّة، أن يكون بذل المال بعوض مطلقاً إلاّ ما خرج بالدليل المعتبر، وهذا يشهد بأنّ الإنفاق من الزوج لابدّ أن يكون بإزاء استفادته منها، وبعد إلغاء الشارع عوضيّة سائر الاستفادات غير التمكين يتعيّن ذلك ، أشار إلى هذا الوجه السيّد السبزواري(1) .

وفيه: أنّه على فرض قبول جريان هذا الوجه بالنسبة إلى الزوجة الكبيرة لايجري بالنسبة إلى الزوجة الصغيرة، كما سيأتي إن شاء الله .

التاسع : الإجماع، كما ادّعاه في الجواهر والرياض(2) ومهذّب الأحكام(3) .

قال في الجواهر : «وكيف كان، فغاية ما ذكروه دليلاً لذلك ، أنّ اشتراط هذا الشرط معروف بين الأصحاب ، بل كاد يكون إجماعاً، مع أنّا لم نقف على مخالف فيه صريحاً ولا ظاهراً إلاّ ما ربما يستفاد من تردّد المصنّف واستشكال الفاضل في القواعد، وهو بمجرّده لا يوجب المخالفة مع تصريح الأوّل بأنّ اعتباره هو الأظهر بين الأصحاب بكلمة الجمع المفيد للعموم الظاهر في الإجماع، إلى آخر كلامه زيد في علوّ مقامه»(4) .

نقول :

مضافاً إلى مخالفة بعض الفقهاء الذين سنذكرهم قريباً ـ إنّ في تحقّق الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم(عليه السلام) تردّداً ; لأنّه قد استند المجمعون إلى الوجوه

  • (1) مهذّب الأحكام 25 : 290 .
    (2) رياض المسائل 7 : 256 ، جواهر الكلام 31 : 304 .
    (3) مهذّب الأحكام 25 : 288 .
    (4) جواهر الكلام 31 : 304 .

صفحه 79

التي ذكرناها وغيرها، فيكون الإجماع مدركيّاً .

مع أ نّه على فرض تحقّقه يكون دليلا لبّياً ، والقدر المتيقّن منه الزوجة الكبيرة، وأمّا الزوجة الصغيرة فلا تكون داخلة في معقد الإجماع (1).

العاشر : أ نّ اشتراط التمكين لوجوب النفقة كان مقتضى المرتكزات ;
لأنّ المغروس في أذهان العرفيّة ومنهم المتشرّعة هو شرطيّة التمكين لوجوب
النفقة .

وفيه: ما قلنا جواباً عن السيرة .

الحادي عشر: ـ وهو العمدة  ـ النصوص المشتملة على بيان حقّ الزوج على المرأة، وكون النشوز مسقطاً لوجوب النفقة :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «جاءت امرأة إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يارسول الله : ما حقّ الزوج على المرأة ؟ فقال لها : أن تطيعه ولا  تعصيه، ولا تصدّق من بيته إلاّ بإذنه، ولا تصوم تطوّعاً إلاّ بإذنه، ولا  تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه، وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتّى ترجع إلى بيتها. قالت : يارسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : من أعظم الناس حقّاً على  الرجل ؟ قال : والده ، قالت : فمن أعظم الناس حقّاً على المرأة ؟ قال : زوجها ، قالت : فمالي عليه من الحقّ مثل ما له عليَّ ؟ قال : لا ، ولا من كلّ مائة واحدة» الحديث(2) .

  • (1) إلاّ أن يقال بعدم القول بالفصل بين الكبيرة والصغيرة، فلا يتوهّم أنّ النفقة ثابتة بالتمكين في الكبيرة بخلاف الصغيرة; فإنّها ثابتة فيها بالعقد. هذا، مضافاً إلى أنّه إذا كان معقد الإجماع مطلقاً فلا وجه لأخذ القدر المتيقّن منه، فتدبّر. م ج ف.
    (2) وسائل الشيعة 14 : 112 الباب 79 من أبواب مقدّمات النكاح، ح1 .

صفحه 80

ومنها : خبر العزرمي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «جاءت امرأة إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت : يارسول الله ما حقّ الزوج على المرأة ؟ فقال : أكثر من ذلك ، قالت : فخبّرني عن شيء منه ، قال : ليس لها أن تصوم إلاّ بإذنه يعني تطوّعاً، ولا تخرج من بيتها بغير إذنه، وعليها أن تتطيّب بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتزيّن بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشيّة، وأكثر من ذلك حقوقه عليها»(1) .

ومثلهما خبر أبي بصير ومعتبرة علي بن جعفر(2) .

ومنها : صحيحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا صلّت المرأة خَمْسها وصامت شهرها وحجّت بيت ربّها وأطاعت زوجها وعرفت حقّ عليّ فلتدخل من أيّ أبواب الجنان شاءت»(3) .

وهذه النصوص وإن كانت خالية عن ذكر اعتبار ذلك في النفقة، إلاّ أنّه قد  يستفاد ذلك ممّا دلّ على نشوزها وسقوط نفقتها بخروجها من بيته بغير إذنه، كمعتبرة السكوني . عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتّى ترجع»(4) .

على هذا يكون النشوز مسقطاً باعتبار تفويته الشرط الذي هو وجوب طاعتها وعرض نفسها عليه وعدم خروجها من بيته بغير إذنه ; لأنّ المستفاد من هذه النصوص وغيرها اعتبار الطاعة التي يكون عدمها نشوزاً في وجوب الإنفاق، والتمكين لا يكاد ينفكّ عن عدم النشوز، لاتّحاد مصداق المراد من مفهوم

  • (1) نفس المصدر والباب، ح2 .
    (2) نفس المصدر والباب، ح3 و5 .
    (3) نفس المصدر والباب، ح4 .
    (4) نفس المصدر 15 : 230 الباب 6 من أبواب النفقات، ح1 .

صفحه 81

التمكين وعدم النشوز بالنسبة إلى وجوب الإنفاق .

قال الشهيد (رحمه الله) : «إن جعلنا النشوز مانعاً كان التمكين ملحوظاً في تحقّق معناه»(1) .

والإنصاف أنّ هذه النصوص مع دلالتها على اعتبار الطاعة للزوج التي يكون عدمها نشوزاً ـ وهو مرادف مع التمكين ـ الذي لا يجب معه النفقة ، لا تجري في الزوجة الصغيرة ; لأنّ وجوب التمكين وعدم النشوز، والطاعة للزوج يتوقّف على إمكانها، وبما أنّ الصغيرة لا يتمكّن منها شرعاً وعرفاً فلا معنى لجريانها في حقّها (2).

وبعبارة اُخرى : مضمون هذه النصوص منصرف عن الزوجة الصغيرة، ولم  تكن في مقام بيان حكم نفقتها نفياً أو إثباتاً .

والحاصل : أنّ الوجوه التي ذُكرت في اشتراط التمكين لوجوب نفقة الزوجة كلّها تنطبق على الزوجة الكبيرة ، فلا يثبت معها اشتراط التمكين في وجوب نفقة الصغيرة، وهو المطلوب .

اقتضاء عقد النكاح بذاته للنفقة

القول الثاني: أنّه يستفاد من كلمات بعض الفقهاء الآخرين أنّ عقد النكاح بذاته يقتضي النفقة مطلقاً، أي سواء كان تمكين الزوجة للزوج ممكناً، مثل أن تكون الزوجة كبيرة، أم لا، مثل الفرض الذي كان البحث فيه.

  • (1) مسالك الأفهام 8 : 440 .
    (2) والظاهر إمكان تحقّق النشوز بالنسبة إلى الصغيرة، كالخروج من البيت من دون إذنه، وهذا يظهر سيّما بملاحظة إطلاق قول النبي(صلى الله عليه وآله) في معتبرة السكوني، حيث قال: أيّما امرأة إلخ، ولا شكّ في أنّ هذا الإطلاق يشمل الصغيرة. م ج ف.

صفحه 82

قال ابن إدريس: «والأولى عندي أنّ على الكبير النفقة لزوجته الصغيرة، لعموم وجوب النفقة على الزوجة، ودخوله مع العلم بحالها، وهذه ليست ناشزة، والإجماع منعقد على وجوب نفقة الزوجات»(1).

وجعله الشيخ(قدس سره) قولاً ولم يصحّحه، حيث قال: «فإن كان كبيراً وهي صغيرة لا  يجامع مثلها، فهل عليه نفقتها أم لا؟

قيل فيه وجهان:

أحدهما: لها النفقة; لأنّ عقد النكاح يقتضي الإنفاق، فإذا تزوّج علم أنّه دخل على بصيرة من الإنفاق عليها»(2).

وقال العلاّمة(رحمه الله): «إنّما تجب النفقة بالعقد الدائم مع التمكين التامّ ـ إلى أن قال:ـ وهل تجب النفقة بالعقد بشرط عدم النشوز، أو بالتمكين؟ فيه إشكال»(3).

وقال المحدّث البحراني: إنّ المشهور لم يقيموا لتوقّف وجوب النفقة على التمكين دليلاً واضحاً ولا برهاناً لائحاً غير مجرّد الدعوى، مع ظهور الأدلّة على خلافه، فالأظهر هو القول المخالف للمشهور، وهو ترتّب وجوب النفقة على مجرّد الزوجيّة التي لا خلاف في حصولها بمجرّد العقد(4).

وفي نهاية المرام: «وربما قيل بوجوب النفقة بالعقد كالمهر»(5)، وهو ظاهر كلام ابن زهرة أيضاً(6).

وقال السيّد الخوئي(رحمه الله): «والمشهور أنّ وجوب النفقة مشروط بعدم النشوز،

  • (1) السرائر 2: 655.
    (2) المبسوط 4: 315.
    (3) قواعد الأحكام 3: 103.
    (4) الحدائق الناضرة 25: 99 ـ 100.
    (5) نهاية المرام 1: 474.
    (6) غنية النزوع: 352.

صفحه 83

وهو التمرّد على الزوج بمنعه عن حقوقه، أو بفعل المنفّرات له عنها وإن كان مثل سبّه وشتمه، وفيه إشكال»(1)، وتبعه في مباني منهاج الصالحين(2).

أدلّة هذا القول

وما يمكن أن يستدلّ به على وجوب النفقة بمجرّد العقد، وجوهٌ:

الأوّل: الآياتٌ

منها: قوله ـ تعالى ـ: ( وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )(3).

قال القرطبي: ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ) أي الزوج، والأظهر أنّها في الزوجات في حال بقاء النكاح; لأنّهنّ المستحقّات للنفقة والكسوة، وقوله ـ تعالى ـ: ( بِالْمَعْرُوفِ )، أي بالمتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط(4).

ومنها: قوله ـ تعالى ـ: ( الرِّجَالُ قَوَّ مُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَ لِهِمْ )(5).

قال الراوندي: «القوام على الغير هو المتكفِّل بأمره من نفقة وكسوة وغير ذلك»(6).

وقال السيوري: «أي لهم عليهنّ قيام الولاية والسياسة، وعلّل ذلك بأمرين:

أحدهما: موهبيٌّ من الله; وهو أنّ الله فضّل الرجال عليهنّ باُمور كثيرة: من كمال العقل، وحسن التدبير، ومزيد القوّة... وغير ذلك.

  • (1) منهاج الصالحين 2 : 287.
    (2) مباني منهاج الصالحين 10: 297.
    (3) سورة البقرة 2: 233.
    (4) الجامع لأحكام القرآن 3: 160 و 163.
    (5) سورة النساء 4: 34.
    (6) فقه القرآن 2: 116.

صفحه 84

وثانيهما: كسبيٌّ، وهو أنّهم ينفقون عليهنّ ويُعطوهنّ المهور... والباء في ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ ) وفي قوله: ( وَبِمَآ أَنفَقُواْ ) للسببيّة، و «ما» مصدريّة ـ أي بسبب تفضيل الله وبسبب إنفاقهم»(1).

ومنها: قوله ـ تعالى ـ: ( لِيُنفِقْ ذُو سَعَة مِّن سَعَتِهِى وَ مَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُو فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَـلـهُ اللَّهُ )(2).

فالظاهر منها أنّه يجب القيام بما تحتاج إليه المرأة من إطعام وكسوة وإدام وإسكان تبعاً لعادة أمثالها.

والحاصل: أنّ مقتضى الإطلاق المنعقد في هذه الآيات الكريمة عدم تقييد النفقة بالتمكين، فنفقة الزوجة الصغيرة واجبة على الزوج بمقتضى الزوجيّة المتحقّقة بالعقد.

الثاني: الأخبار:

منها: ما رواه الربعي بن عبدالله والفضيل بن يسار جميعاً ـ في الصحيح ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)، في قوله تعالى: ( وَ مَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُو فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَـلـهُ اللَّهُ )قال: «إن  أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، وإلاّ فرّق بينهما»(3).

ومنها: صحيحة أبي بصير ـ يعني المرادي ـ قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: «من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقّاً على الإمام أن يفرّق بينهما»(4).

  • (1) كنز العرفان في فقه القرآن 2: 211 ـ 212.
    (2) سورة الطلاق 65 : 7.
    (3) وسائل الشيعة 15: 223، الباب 1 من أبواب النفقات، ح 1.
    (4) نفس المصدر والباب، ح 2.

صفحه 85

ومنها: موثّقة إسحاق بن عمّار، أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن حقّ المرأة على زوجها؟ قال: «يشبع بطنها ويكسو جثّتها، وإن جهلت غفر لها» الحديث(1).

وكذا صحيحة جميل بن درّاج(2) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج(3) وما رواه في العلل والخصال(4).

فالمستفاد منها أنّ نفقة الزوجة على الزوج من غير تقييد بالتمكين، وإطلاقها يشمل صورة عدم إمكان التمكين والتي كانت زوجة صغيرة.

وبعبارة اُخرى: هذه الأخبار تدلّ على وجوب النفقة على مجرّد الزوجيّة التي لا خلاف في حصولها بانعقاد عقد النكاح.

وهكذا تدلّ عليه ما روي «أنّ هند امرأة أبي سفيان جاءت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقالت: إنّ أبا سفيان رجلٌ شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلاّ ما آخذ منه سرّاً وهو لا يعلم، فهل عَليّ في ذلك من شيء؟ فقال(صلى الله عليه وآله): «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»(5)، ودلالتها كالتي قبلها ظاهرة.

واُجيب عن هذه الأدلّة:

أوّلاً: بأنّها مخالفةٌ للإجماع المحكيّ، بل المقطوع به جدّاً كما ادّعاه في الرياض والجواهر(6).

وثانياً: نشكّ في شمول إطلاقات هذه الأدلّة لنفقة الزوجة الصغيرة إن لم يُدّع

  • (1) وسائل الشيعة 15: 223 الباب 1 من أبواب النفقات، ح 3.
    (2) نفس المصدر والباب، ح 4.
    (3) نفس المصدر 6: 165 الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، ح 1.
    (4) نفس المصدر والباب، ح 4.
    (5) صحيح البخاري 8: 147 الرقم 7180، كتاب الأحكام الباب 28 الجزء الثامن، صحيح مسلم 7: 4716 الرقم 1714، مسند أحمد 9: 286 الرقم 24172، سنن الدارمي 2: 110، سنن النسائي 8: 247.
    (6) رياض المسائل 7: 257، جواهر الكلام 31: 304.

صفحه 86

ظهورها أو إنصرافها إلى غير الزوجة الصغيرة.

بتعبير آخر: يمكن أن يُقال: هذه الأدلّة لا تكون في مقام بيان حكم نفقة الزوجة الصغيرة، ولا يشمل إطلاقها هذا الفرض، ولعلّه إلى ما ذكر نظر الأبدال من الفقهاء فادّعى عدم النصّ الظاهر في العموم في هذا المقام.

وثالثاً: يحتمل انصراف الأدلّة عن ذلك، وعدم تبادر الإنفاق من دون التمكين.

ورابعاً: الظاهر من الأمر بالمعاشرة بالمعروف(1) اختصاص هذا الأمر بالإنفاق بما تقتضيه العادة، وليس من مقتضياته وجوب الإنفاق إلاّ بعد التمكين كما هو المشاهد من أهل العرف والعادة; فإنّهم ينكحون ويتزوّجون من دون إنفاق إلى الزفاف، مع عدم اختلاف من الزوجين وأهلهما في المطالبة بالنفقة من طرف الزوجة وردّها من ناحية الزوج، وربما يؤخذ ذلك إجماعاً من المسلمين ويجعل مثله وفاقاً، بل وربما يلحق بالضرورة القطعيّة(2).

وخامساً: أنّه خلاف الأصل; لأنّ الأصل الأوّلي براءة ذمّة الزوج من
وجوب نفقة زوجته، خرج منه الإنفاق حال التمكين بالإجماع، فيبقى الباقي
تحت الأصل(3).

نقول: الأقرب بملاحظة ما ذكرنا من الأدلّة أن يقال: إنّ العقد بذاته يقتضي وجوب النفقة، والنشوز وعدم التمكين مانع عنه اذا كانت الزوجة دخيلة في ذلك، وبما أنّ في مسألتنا هذه لا موضوع للنشوز وعدم التمكين; لعدم إمكانه شرعاً وعرفاً، ولا يتّصور المانع، فيكون العقد سبباً منحصراً لوجوب النفقة، ولعلّه لأجل ذلك تردّد في الشرائع في توقّف النفقة على التمكين فقط، حيث قال: «وفي وجوب

  • (1) سورة النساء 4: الآية 19 (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
    (2) رياض المسائل 7: 257، جواهر الكلام 31: 304.
    (3) الروضة البهيّة 5: 467.

صفحه 87

النفقة بالعقد أو بالتمكين تردّد»(1). وقال الشهيد الثاني في شرحه: «ولاريب في أنّ
للنفقة تعلّقاً بالعقد والتمكين جميعاً»(2). وقال المحدّث البحراني: إنّ المشهور لم  يقيموا لتوقّف وجوب النفقة على التمكين دليلاً واضحاً(3). وهكذا استشكل العلاّمة(4)والسيّدالخوئي(5)(رحمهما الله) على القول باشتراط وجوب النفقة على التمكين.

والشاهد على ما قلنا بأنّ عدم التمكين مانع ، هو وجوب النفقة مع عدم إمكان التمكين من قبل الزوجة شرعاً; مثل أن تكون في أيّام حيضها أو سفرها للحجّ وغيره، أو وقت الإحرام والصوم; وهكذا النساء العجائز وشبه ذلك(6). هذا أوّلاً.

وثانياً: أنّه قام الإجماع والسيرة على عدم وجوب الإنفاق في صورة عدم التمكين، ولو نوقش فيهما، فالأدلّة الاُخرى ـ التي تقدّم ذكرها تدلّ على توقّف وجوب النفقة على التمكين ـ تامّة.

  • (1) شرائع الإسلام 2: 347.
    (2) مسالك الأفهام 8: 440.
    (3) الحدائق الناضرة 25: 99.
    (4) قواعد الأحكام 3: 103.
    (5) منهاج الصالحين 2: 287.
    (6) ولا يخفى أنّ من يقول بشرطيّة التمكين لا يعتقد بالتمكين مطلقاً وفي جميع الحالات والأزمنة، بل يقول بأنّه مع إمكان التمكين وتحقّقه في الجملة ـ بمعنى عدم وجود المانع الشرعي ـ تجب النفقة. والتحقيق في المقام أنّه لا دليل واضح على كون النفقة ثابتاً بالعقد; فإنّ الثابت به إنّما هو المهر فقط، ولذا لو وقع الطلاق بعد مضيّ مدّة قليلة من العقد، لكان اللاّزم دفع المهر فقط دون النفقة، فيظهر أنّ موضوع النفقة بعد العقد إنّما هوالمعاشرة مع الزوجة، ومن المعلوم أنّ مجرّد المعاشرة ليس دخيلاً في ذلك، بل اللاّزم هو المعاشرة بالمعروف التي يكون التمكين من أركانها، فتبيّن أنّه لادليل على ثبوت النفقة بالعقد. مضافاً الى ثبوت الإجماع على كون النفقة ثابتة بالتمكين لا بمجرّد العقد، مع أنّ النشوز لا يناسب إلاّ مع كون التمكين شرطاً للنفقة.
    وبعبارة اُخرى: لا مناسبة بين كون العقد سبباً للنفقة من طرف، وبين كون النشوز مانعاً عنها من طرف آخر ، وإنّما المناسبة فيما إذا كان التمكين شرطاً لها . ثمّ إنّ الآيات والأخبار المطلقة الدالّة على ثبوت النفقة بمجرّد الزوجيّة تقيّد بصورة التمكين، ومع عدمه من أيّ جهة كانت لا نفقة لها، والله العالم  . م ج ف.

صفحه 88

إذن نقول: إنّ الأدلّة التي تدلّ على وجوب النفقة مطلقاً تُقيَّدُ بالأخبار الدالّة على اشتراط التمكين، إلاّ أنّ التمكين الكامل الذي هو شرط لوجوب النفقة إنّما هو ممّن له أهليّة ذلك، ويمكن فرض التمكين وعدم النشوز في حقّها; وهي الزوجة الكبيرة، فوجوب نفقتها مشروط بتمكينها في مقابل الزوج، والنصوص التي وردت بأنّ المرأة إذا خرجت من البيت بدون إذن الزوج لا نفقة لها ولعنتها الملائكة... ناظرة إلى هذه. وأمّا الزوجة الصغيرة التي لا تتمكّن من التمكين شرعاً وعرفاً، فأدلّة وجوب النفقة بالنسبة إليها مطلقةٌ، والنكاح بذاته يقتضي وجوب نفقتها فنحكم بوجوبها.

مضافاً إلى أنّ الزوج أقدم على هذا النكاح مع علمه بالحال وعدم إمكان التمكين من الزوجة، فيلزم بأداء النفقة مستنداً إلى قاعدة الإقدام أيضاً، ولعلّه لأجل ما ذكرنا قال بعض الفقهاء بوجوب نفقة الزوجة الصغيرة، والله هو العالم بحكمه.

عدم وجوب النفقة على الزوج الصغير

الحالة الرابعة: أن تكون الزوجة كبيرةً والزوج صغيراً، فللفقهاء في هذا الفرض أيضاً قولان:

الأوّل: عدم وجوب النفقة.

الثاني: وجوبها.

أمّا القول الأوّل: فذهب إليه الشيخ في الخلاف، حيث قال: «إذا كانت الزوجة كبيرة والزوج صغيراً لا نفقة لها وإن بذلت التمكين»(1)، وتبعه في السرائر(2).

وفي المبسوط: «فأمّا إن كانت كبيرة وهو طفل فبذلت نفسها ومكّنت

  • (1) الخلاف 5: 113.
    (2) السرائر 2: 655.

صفحه 89

من الاستمتاع، فهل لها نفقة أم لا؟ على قولين:

أحدهما: لا نفقة لها; لأنّ التمكين ليس بحاصل، ولا إمكان الاستمتاع، وهو الذي يقوى في نفسي.

والثاني: ـ وهو الصحيح عندهم ـ أنّ عليه النفقة; لأنّها تجب في مقابلة التمكين من الاستمتاع، وقد فعلت، وإنّما تعذّر القبض من جهته»(1).

واختاره القاضي ابن البرّاج(2) ويحيى بن سعيد(3). واعترف بذلك أيضاً في كشف اللثام(4) والرياض(5) ونهاية المرام(6). وبه قال في تحرير الوسيلة(7).

أدلّة هذا القول

وما استدلّ أو يمكن أن يستدلّ به لهذا القول وجوهٌ :

الأوّل : منع تحقّق التمكين مع عدم التمكّن ; فإنّ التمكين شرطه الإمكان، وإلاّ لم  يتحقّق ، ولأنّ الامتناع من جهة الفاعل أقوى من جهة القابل، فبانتفاء التمكّن ينتفي التمكين(8) .

الثاني : الشكّ في شمول أدلّة وجوب نفقة الزوجة لذلك ، ضرورة ظهورها باعتبار أنّها خطابات وتكاليف لغير الصغير ولا يمكن صرفها إليه ، وصرفها

  • (1) المبسوط للطوسي 4: 316.
    (2) المهذّب 2: 347.
    (3) الجامع للشرائع: 489.
    (4) كشف اللثام 7: 562.
    (5) رياض المسائل 7: 259.
    (6) نهاية المرام 1: 475.
    (7) تحرير الوسيلة 2: 298 مسألة 4.
    (8) كشف اللثام 7: 562.

صفحه 90

إلى الوليّ مدفوعٌ بالأصل(1) .

الثالث : البراءة من النفقة ولا مخرج عنه(2) .

الرابع : أنّه من المرتكزات في أذهان العرف أنّ الإنفاق في مقابل الاستمتاعات، وحيث إنّ الاستمتاع هنا متعذّر من قبل الزوج لصغره، فلا يجب الإنفاق عليه .

والجواب عن الأوّل: أنّا قد استفدنا من الأدلّة السابقة أنّ العقد بذاته يقتضي النفقة، وعدم التمكين والنشوز مانع عنها ، وفي مسألتنا هذه لا مانع من التمكين ، لأنّ عدم التمكّن; من ناحية الزوج لا يكون مانعاً من قبلها، ألا ترى أنّه إذا كان الزوج كبيراً ومكّنت الزوجة نفسها له، ولكن هو لا يقدر على الاستمتاع منها ، لم يقل أحد بأنّه لايجب عليه النفقة; بدليل عدم قدرته على الاستمتاع(3)، ففي مانحن فيه أيضاً كذلك ، يعني إذا أنكح الوليّ الصغير ، والحال هذه معناه أنّه أقدم على قبول نفقة زوجة طفله .

وأمّا عن الثاني: فإنّ الخطاب إلى الوليّ ; لأنّ في المقام الوليّ أقدم على هذا مع  علمه بالحال، فالتكليف متوجّه إليه ولا يعقل أن نقول: النكاح صحيح، ولا يجوز لهذه المرأة أن تزوّج نفسها بغيره ولا تكون مستحقّة للنفقة ; لأنّ هذا ضرر على الزوجة(4)، فيرفعه دليل لا ضرر الذي كان حاكماً على الأدلّة .

  • (1) جواهر الكلام 31 : 311 .
    (2) نهاية المرام 1 : 475 .
    (3) يمكن أن يقال بأنّ حقيقة التمكين متوقّفة على الزوجة فقط; بمعنى بذل نفسها للزوج وإن لم يتمكّن الزوج، وعلى هذا فلا مانع من أن يقال بلزوم النفقة في هذا الفرض من طرف، والذهاب إلى أنّ مجرّد العقد ليس سبباً لوجوب النفقة من طرف آخر، فتدبّر. م ج ف.
    (4) والرافع للضرر هو المهر. م ج .

صفحه 91

والجواب عن الثالث : أ نّ المخرج هو النكاح الصحيح (1). بتعبير أوضح: أصالة البراءة حجّة مع عدم دليل ناقل، لكنّه موجود هنا بالعمومات الدالّة على وجوب نفقة الأزواج، والأصل عدم التخصيص(2) .

والجواب عن الرابع: أنّ هذا أوّل الكلام، وإثباته على مدّعيه، وعلى فرض وجوده لا دليل على حجيّته ، فالأقوى وجوب نفقة الزوجة الكبيرة التي لا تمتنع من تمكين نفسها، على الزوج الصغير (أي على وليّه) وإن كان هو لا يتمكّن من التمكين، وسنذكر دليله قربياً .

وجوب نفقة الزوجة على الزوج الصغير

القول الثاني: ـ وهو الحقّ ـ أنّه يجب على الزوج الصغير نفقة زوجته الكبيرة; بأن يؤدّي وليّه من مال الصغير أو من مال نفسه .

قال المحقّق : «أمّا لو كانت كبيرة وزوّجها صغيراً قال الشيخ (رحمه الله) : لا نفقة لها، وفيه إشكال منشؤه تحقّق التمكين من طرفها، والأشبه وجوب الإنفاق»(3) .

وقال العلاّمة : «وأمّا الزوجة الكبيرة; فإنّ لها النفقة إذا كانت ممكِّنةً من نفسها، وبذلت التمكين عند الحاكم وإن كان الزوج صغيراً; لوجود المقتضي السالم عن المعارض; فإنّ المقتضي ـ وهو التمكين المستند إلى العقد الصحيح ـ ثابت هنا، والمانع ـ وهو الصِّغر ـ لا يصلح للمانعيّة، كما في نفقة الأقارب وهي أضعف، وإذا لم يمنع مع ضعف السبب فأولى أن لا يمنع مع قوّته»(4) .

  • (1) وهو عين المدّعى ومصادرة إلى المطلوب. م ج ف.
    (2) الحدائق الناضرة 25 : 102 .
    (3) شرائع الإسلام 2 : 348 .
    (4) مختلف الشيعة 7 : 321 .

صفحه 92

وتبعه الصيمري(1). وقال الشهيد الثاني (رحمه الله): «فالقول بالوجوب أقوى; لأنّ
الشارع رتّب إيجاب النفقة على أسباب، فإذا حصلت وجب أن يثبت الوجوب، والمعلوم منه العقد مع بذل المرأة نفسها، أو مع عدم المنع»(2) .

واختار هذا القول الشيخ الأعظم(3). ودليله يعلم ممّا سبق في القول الأوّل فلانعيده.

آراء فقهاء أهل السنّة في نفقة الزوجة الصغيرة

أ ـ المالكيّة:

وهم يشترطون في وجوب النفقة شرائط: التمكين ، وبلوغ الزوج ، وإطاقة الزوجة للوطء(4) .

قال ابن شاس : إذا زوّجت صغيرة من بالغ فلها النفقة إن كان مثلها يوطأ ودَعَتهُ للدخول . وإن كان لا يوطأ مثلها فلا نفقة عليه .

وأمّا عكسه; بأن زوّجت بالغة من صغير فلا نفقة لها حتّى يبلغ الزوج; لأنّه يشترط في وجوب النفقة بلوغ الزوج ، وإن زوّجت صغيرة من صغير فلا نفقة لها حتّى يبلغ الزوج وتطيق هي للوطء(5) .

ب ـ الحنابلة :

اشترطوا أيضاً في وجوب النفقة ثلاثة شرائط :

الأوّل : أن تكون الزوجة كبيرة واستكملت تسع سنين فأكثر .

  • (1) غاية المرام 3 : 182 .
    (2) مسالك الأفهام 8 : 444 .
    (3) كتاب النكاح ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 486 .
    (4) عقد الجواهر الثمينة 2: 292.
    (5) عقد الجواهر الثمينة 2: 310 و 297. حاشية الدسوقي 2: 508 ، شرح الزرقاني 4 : 244 ، مواهب الجليل 5 : 541 .

صفحه 93

الثاني : أن يمكن وطء مثلها .

الثالث : أن تبذل التمكين التامّ من نفسها لزوجها .

على هذا إذا كانت المرأة كبيرةً ويمكن الاستمتاع بها، فمكّنت من نفسها، أو بذلت تسليمها ولم تمنع نفسها ولا منعها أولياؤها، فعلى زوجها الصبيّ نفقتها; لأنّه سلّمت نفسهاتسليماًصحيحاً فوجبت لهاالنفقة كمالوكان الزوج كبيراً،ولأنّ الاستمتاع بها ممكن وإنّما تعذّر من جهة الزوج، فعلى هذا يجبر الوليّ على نفقتها من مال الصبيّ ; لأنّ النفقة على الصبيّ، وإنّما الوليّ ينوب عنه في أداء الواجبات عليه(1) .

ج ـ الشافعيّة :

اشترطوا في وجوب النفقة على الزوج أيضاً تسليم الزوجة نفسهاإليه وتمكينها له تمكيناً تامّاً من الاستمتاع، وليكن مستنداً إلى عقد صحيح(2) .

قال الماوردي : إنّ النفقة تجب باجتماع العقد والتمكين . . . ولم يخل الزوجين من أربعة أحوال :

أحدها: أن يكون الاستمتاع ممكناً من جهتهما جميعاً، فيكون الزوج ممّن يطأ والزوجة ممّن توطأ، فهذا خارج من محلّ كلامنا .

الحال الثانية : أن يكون الاستمتاع ممكناً من جهة الزوج لبلوغه، وغير ممكن من جهة الزوجة لصِغرها، ففي وجوب نفقتها، عليه قولان :

الأوّل : لها النفقة; لأنّ المانع من الاستمتاع بها في الصغر كالمانع منه بالمرض، ونفقة المريضة واجبة، كذلك الصغيرة ، ولأنّه قد تزوّجها عالماً بأنّه لا  استمتاع فيها، فصار كالعاقد مع علمه بالعيوب، فلزم فيها حكم السلامة منها .

  • (1) المغني 9 : 281 و282 و284 ، الشرح الكبير 9: 252، الكافي في فقه أحمد 3 : 227 ، المبدع 7 : 154 ، كشّاف القناع 5 : 552 ، الإقناع 5 : 142 ، الإنصاف 9 : 376 و377 ، المحرّر في الفقه 2 : 115 .
    (2) الاُمّ 5 : 89 و 107 ، مختصر المزني : 231 ، مغني المحتاج 3 : 435 ، المجموع شرح المهذّب 19 : 340 .

صفحه 94

والقول الثاني: أنّه لا نفقة لها، نصّ عليه الشافعي، واختاره المزني، واستدلاّ بأمرين:

أحدهما : أنّ فقد الاستمتاع بالصغر أغلظ من تعذّره بالنشوز في الكبر; لإمكانه في حال النشوز، وتعذّره في حال الصغر، فكان إلحاقه بالنشوز في سقوط النفقة أحقّ.

والثاني: أنّ النفقة مستحقّة في مقابلة التمكين من الاستمتاع، فصارت بدلاً في مقابلة مبدل، وفوات المبدل موجب لسقوط البدل .

الحال الثالثة : أن يكون الاستمتاع من الزوجة ممكناً لكبرها، ومتعذِّراً من جهة الزوج لصغره، وفيها أيضاً قولان . .

والحال الرابعة: أن يتعذّر الاستمتاع من جهتهما لصغرهما، وفيها أيضاً قولان(1) كما في الحالة السابقة .

د ـ الحنفيّة :

يشترط في وجوب النفقة عندهم تسليم المرأة نفسها إلى الزوج، بأن تخلّي بين نفسها وبين زوجها برفع المانع من وطئها والاستمتاع بها حقيقة ، ويتفرّع على هذا أنّه إذا كانت الزوجة صغيرة يجامع مثلها فهي كالبالغة في النفقة، وإن كانت لايجامع مثلها فلانفقة لها; لأنّ شرط الوجوب تسليم النفس، ولايتحقّق التسليم في صغره حيث لا يجامع مثلها ، فلا نفقة لها إذا كانا صغيرين ، وإن كان الزوج صغيراً والمرأة كبيرة فلها النفقة لوجود التسليم منها ، ولكن إذا كان الزوج صغيراً لا مال له لم يؤخذ الأب بنفقة زوجته إلاّ أن يكون ضمنها;لأنّ استحقاق النفقة على الزوج(2) .

  • (1) الحاوي الكبير 15: 30 ـ 33 مع تصرّف.
    (2) ردّالمختار لابن عابدين 3: 574، المبسوط للسرخسي 5: 187 دارالمعرفة، بيروت ، تحفة الفقهاء 2: 158، بدائع الصنائع للكاساني3:423،دارإحياءالتراث العربي،الهداية2:321،البناية في شرح الهداية5:498 و499.

صفحه 95

المبحث السادس : حكم عدة الصغيرة في الطلاق

اختلف الفقهاء في أنّ الصبيّة التي لم تبلغ تسع سنين إذا دخل بها الزوج اشتباهاً أو فعل ذلك محرّماً، وكذا في اليائسة ، هل عليهما عدّة الطلاق أم لا ؟

وكذا في صورة الفسخ ووطء الشبهة الموجبين للعدّة في غير هذا الموضع على قولين :

قال السيّد المرتضى(1) وابن زهرة(2) وابن شهرآشوب(3): إنّه تجب على الصغيرة العدّة في فرض المسألة .

واحتجّ السيّد المرتضى (رحمه الله) بقوله ـ تعالى ـ : ( وَ الَّــِى يَـلـِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآلـِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـثَةُ أَشْهُر وَ الَّــِى لَمْ يَحِضْنَ )(4) .

قال : «وهذا صريح في أنّ الآيسات من المحيض واللاّئي لم يبلغن عدّتهنّ الأشهر على كلّ حال ».

ثمّ أورد على نفسه بأنّ في الآية شرطاً; وهو قوله ـ تعالى ـ : ( إِنِ ارْتَبْتُمْ )وهو منتف عنهما .

ثمّ أجاب بأنّ الشرط لا ينفع أصحابنا ، لأنّه غير مطابق لما يشترطونه ، وإنّما يكون نافعاً لهم لو قال ـ تعالى ـ : «إن كان مثلهنّ لاتحيض في اليائسات وفي اللاّئي لم  يبلغن المحيض إذا كان مثلهنّ تحيض» وإذا لم يقل ـ تعالى ـ ذلك وقال:

  • (1) الانتصار : 334 .
    (2) غنية  النزوع: 382 .
    (3) متشابه القرآن ومختلفه 2 : 200 .
    (4) سورة الطلاق 65 : 4 .

صفحه 96

( إِنِ ارْتَبْتُمْ )، وهو غير الشرط الذي يشرطه أصحابنا، فلا منفعة لهم به .

وليس يخلو قوله ـ تعالى ـ : ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) من أن يراد به ما قاله جمهور المفسِّرين وأهل العلم بالتأويل من أنّه ـ تعالى ـ أراد به : إن كنتم مرتابين في عدّة هؤلاء النساء غير عالمين بمبلغها . ووجه المصير إلى هذا التأويل ما روي في سبب نزول هذه الآية أنّ اُبيّ بن كعب قال : يارسول الله إنّ عدداً من عدّة النساء لم تذكر في الكتاب : الصغار والكبار وأولات الأحمال، فأنزل الله : ( وَ الَّــِى يَـلـِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ـ إلى قوله : ـ وَ أُوْلَـتُ الاَْحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ )(1) .

فكان سبب نزول هذه الآية الارتياب الذي ذكرناه . لا الارتياب بأنّها آيسةٌ أو غير آيسة; لأنّه ـ تعالى ـ قد قطع في الآية على اليائس من المحيض ، والمشكوك في حالها، والمرتاب في أنّها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة .

ويدلّ ـ أيضاً على أنّ المراد الارتياب في العدّة ومبلغها ـ قوله : ( إِنِ ارْتَبْتُمْ )فإنّ المرجع في وقوع الحيض منها أو ارتفاعه إليها; وهي المصدّقة على ما تخبر به فيه، فإذا أخبرت بأنّ حيضها قد ارتفع قطع عليه، ولا معنى للارتياب مع ذلك، حيث إنّ المرجع فيه إليهنّ، فلو كانت الريبة في الآية منصرفة إلى اليأس من المحيض لكان حقّه أن يقول : «إن ارتبتنّ»; لأنّ المرجع إليهنّ فيه، فلمّا قال : ( إِنِ ارْتَبْتُمْ )فخاطب الرجال دون النساء، عُلِم أنّه يريد الارتياب في العدّة ومبلغها(2) .

وقال ابن زهرة : «يجب أن تعتدّ بالشهور، وهو اختيار المرتضى(رضي الله عنه)، وبه قال جميع المخالفين، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، وأيضاً قوله ـ تعالى ـ : ( وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ . . . ) وهذا نصّ ، وقوله ـ تعالى ـ : ( إِنِ ارْتَبْتُمْ )، معناه على ما

  • (1) السنن الكبرى للبيهقي 11 / 371 دار الفكر بيروت ، وج 7 : 414 دار صادر بيروت .
    (2) الانتصار : 334 ـ 335 مع تصرّف .

صفحه 97

ذكره جمهور المفسِّرين : إن كنتم مرتابين في عدّة هؤلاء النساء، وغير عالمين
بمقدارها»(1) .

جواب العلاّمة والشهيد عن استدلال السيّد المرتضى

وأجاب عنه العلاّمة والشهيد الثاني رحمهما الله : «بأنّه لا دلالة في الآية على ماذكره السيّد(رحمه الله) لاشتراطها بالريبة، وهي عائدة إلى اليأس من المحيض وعدم المحيض، والقطع في علمه تعالى لا يستلزم انتفاء الريبة عندنا ; لأنّه تعالى علاّم الغيوب . . .

وسبب النزول لا يجب أن يكون عامّاً في الجميع، فجاز أن يقع السؤال عن الصغار والكبار الذين لم يحضن أو أيسن، مع أنّ مثلهنّ يحضن; فإنّه لا يمكن الحوالة في عدّتهنّ على الأقراء، فوجب السؤال ، وصرف الريبة إلى العدّة والعلم بقدرها غير مناسب; لأنّ الأحكام الشرعيّة قبل ورود الشرع بها غير معلوم، فلايكون التعليم في هذه الصورة مشروطاً بالريبة دون غيرها; لعدم الأولويّة(2) ، إذ بيان الأحكام في القرآن الكريم لا يقيّد بالجهل في شيء من الأحكام .

وأضاف الشهيد الثاني أنّه لو كان المراد ما ذكر السيّد (رحمه الله) لقال : «إن جهلتم» ولم يقل ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ); لأنّ سبب النزول كما ذكر يوجب ذلك; فإنّ أُبيّ بن كعب لم يشكّ في عدّتهنّ وإنّما جهل حكمه، وإنّما أتى بالضمير مذكّراً لكون الخطاب مع الرجال; لقوله ـ تعالى ـ : ( وَ الَّــِى يَـلـِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآلـِكُمْ ) ولأنّ النساء يرجعن في معرفة أحكامهنّ إلى رجالهنّ أو إلى العلماء فكان الخطاب لهم لا للنساء .

  • (1) غنية النزوع : 382 .
    (2) مختلف الشيعة 7: 466.

صفحه 98

والحقّ أنّ الآية محتملة الأمرين، والاستناد إلى الآية الكريمة في الحكم غير بيّن وإن كانت الدلالة على مذهب المرتضى أوضح ، والاعتماد في الحكم المشهور على الروايات الكثيرة المعتبرة الأسناد ، ووجوب الجمع بينها، وبين الآية يعيّن المصير إلى ما ذكروه في الجواب ـ وإن كان خلاف الظاهر ـ مراعاةً للجمع(1) .

نقول :

يحتمل في معنى الآية ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) وجهان ;

الأوّل : ما ذكره السيّد المرتضى(قدس سره) من أنّ المراد بالارتياب الجهل في عدّة هؤلاء النساء وعدم العلم بمبلغها .

الثاني : أن يكون الارتياب في أنّها يائسة أو غير يائسة ، فيكون المراد من قوله ـ تعالى ـ : ( وَ الَّــِى يَـلـِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ . . . ) أي إذا يئسن من المحيض وحصلت لها صفة الآيسات، وهو انقطاع الحيض بحسب الظاهر، ولم يتحقّق كونه لكبر ، ووصولها إلى حدّ اليأس منه أو لعارض، فحصل الشكّ في ذلك، فيجب عليهن العدّة بثلاثة أشهر .

قال في مجمع البيان : «( وَ الَّــِى يَـلـِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآلـِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ )فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهنّ أم لعارض، فعدتهنّ ثلاثة أشهر، وهنّ اللواتي أمثالهنّ يحضن; لأنّهنّ لو كُنَّ في سنّ من لا تحيض لم يكن للارتياب معنى ، وهذا هو المرويّ عن أئمّتنا(عليهم السلام)»(2). وقريب من هذا في الكشّاف(3) .

وقال الشيخ في معنى قوله ـ تعالى ـ : ( وَ الَّــِى يَـلـِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآلـِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ ): «فشرط في إيجاب العدّة ثلاثة أشهر إن ارتابت ، والريبة

  • (1) مسالك الأفهام 9 : 234 .
    (2) مجمع البيان 10 : 39 .
    (3) الكشّاف 4 : 557 .

صفحه 99

لاتكون إلاّ فيمن تحيض مثلها . وأمّا من لا تحيض مثلها فلا ريبة عليها»(1) .

وفي فقه القرآن للراوندي : «قوله ـ تعالى ـ : ( وَ الَّــِى يَـلـِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ . . . )محمول على الآيسة من المحيض وفي سنّها من تحيض، وفي التي لم تحض وفي سنّها من تحيض; لأنّ الله ـ تعالى ـ شرط فيه ذلك وقيّده بالريبة»(2) .

وفي تفصيل الشريعة «إنّ المراد من هذه الجملة الشريفة «إن أرتبتم» هو أنّ هذا القيد يدلّ على عدم ترتّب الحكم على مطلق اليائسة، بل على اليائسة المرتابة، وهى الّتي تشكّ في أنّها بلغت سنّ اليأس أم لا؟ وفي الحقيقة تشكّ في أنّ عدم الحيض، هل يكون مستنداً إلى اليأس، أو يكون لعارض من مرض أو غيره. وعليه: فمن بلغت سنّ اليأس مشخّصاً لا يكون حكمها مذكوراً في الآية الشريفة، وهكذا بالإضافة إلى قوله ـ تعالى ـ : ( وَ الَّــِى لَمْ يَحِضْنَ ); فإنّ الظاهر ثبوت هذا القيد فيهنّ، وأنّ المراد ثبوت الريبة فيهنّ; بمعنى أنّ المرأة الّتي لم تر الدّم، ولكن شكّت في أنّ عدم رؤيتها هل لأجل عدم البلوغ بسنّ الحيض، أو مستند إلى عارض آخر، تكون مورداً للحكم في الآية. وأمّا المرأة غير المرتابة، وغير البالغة سنّ الحيض فلا  تعرّض في الآية لحكمها.»(3)

فالأقوى في معنى قوله ـ تعالى ـ : ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) أن يقال : إنّ الارتياب في اليأس من المحيض وعدم المحيض، لا الارتياب في حكم هؤلاء النساء ; لأنّه ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على ذلك، مثل:

صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: وسألته عن قول الله ـ عزّوجلّ ـ : ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) ما الريبة ؟ فقال : «ما زاد على شهر فهو ريبةٌ ، فلتعتدّ ثلاثة أشهر ،

  • (1) الخلاف للطوسي 5 : 53 .
    (2) فقه القرآن 2 : 154 .
    (3) تفصيل الشريعه، كتاب الطلاق والمواريث: 100.

صفحه 100

ولتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض، فعدّتها ثلاث حيض»(1) .

قال الشيخ : «الوجه فيه: أنّه إن تأخّر الدم عن عادتها أقلّ من الشهر فليس لريبة الحبل ، بل ربما كان لعلّة فلتعتدّ بالأقراء، فإن تأخّر الدّم شهراً فإنّه يجوز أن  يكون للحمل، فتعتدّ ثلاثة أشهر ما لم تر فيها دماً»(2) .

وفي معناها صحيحة محمّد بن مسلم; لأنّ فيها «والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنّها لم تيأس»(3) .

وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : أمران أيّهما سبق بانت منه المطلّقة ، المسترابة . . .(4) ومعنى المسترابة كما في الفقيه(5) المرأة التي تستريب الحيض .

فالظاهر أنّ المقصود من الارتياب في الآية ، الارتياب بأنّها يائسة أو غير يائسة، لا الارتياب في العدّة ، ولا أقلّ أنّ الآية تحتمل الأمرين، فلا يمكن الاستدلال بها على ما ذهب إليه السيّد المرتضى (رحمه الله) .

الروايات التي تدلّ على مذهب السيّد المرتضى وأتباعه

إنّ أهمّ الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها لمذهب السيّد المرتضى وأتباعه ما يلي :

1 ـ رواية أبي بصير قال : «عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر، والتي

  • (1 و 2) وسائل الشيعة 15 : 412 الباب 4 من أبواب العدد، ذ ح7 .
    (3) نفس المصدر والباب، ح1 .
    (4) نفس المصدر والباب، ح5 .
    (5) الفقيه 3 : 332، ح 1609.

صفحه 101

قد  قعدت من المحيض ثلاثة أشهر»(1) . ودلالتها واضحة .

2 ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «عدّة المرأة التي لا تحيض ، والمستحاضة التي لا تطهر ، والجارية التي قد يئست ولم تدرك الحيض ثلاثة أشهر، والتي يستقيم حيضهاثلاث حيض، متى ما حاضتها فقد حلّت للأزواج»(2).

وفي رواية محمّد بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: في الجارية التي لم تدرك الحيض : قال: «يطلّقها زوجُها بالشهور» الحديث(3) .

قال العلاّمة : «رواية أبي بصير ضعيفة السند; لأنّ ابن سماعة وابن جبلة وعلي ابن أبي حمزة كلّهم منحرفون عن الحقّ، وأبو بصير لم يسندها إلى إمام، ومع ذلك فهي محمولة على ما إذا كانتا في سنّ من تحيض»(4) .

وقال الشيخ (رحمه الله) بعد ذكر هذا الخبر : «فهذا الخبر نحمله على من تكون مثلها تحيض; لأنّ الله ـ تعالى ـ شرط ذلك وقيّده بمن يرتاب بحالها . قال الله ـ تعالى ـ : ( وَ الَّــِى يَـلـِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآلـِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـثَةُ أَشْهُر وَ الَّــِى لَمْ يَحِضْنَ  ) فشرط في إيجاب العدّة ثلاثة أشهر أن تكون مرتابة .

وكذلك كان التقدير في قوله ـ تعالى ـ : ( وَ الَّــِى لَمْ يَحِضْنَ ) أي فعدّتهنّ ثلاثة أشهر، وهذا أولى ممّا قاله ابن سماعة; لأنّه قال : تجب العدّة على هؤلاء كلّهنّ، وإنّما تسقط عن الإماء العدّة; لأنّ هذا تخصيص منه في الإماء بغير دليل . والذي ذكرناه مذهب معاوية بن حكيم من متقدِّمي فقهاء أصحابنا وجميع فقهائنا المتأخِّرين، وهو مطابق لظاهر القرآن»(5) .

  • (1) وسائل الشيعة 15 : 407 الباب 2 من أبواب العدد، ح6 .
    (2) نفس المصدر والباب، ح8 .
    (3) نفس المصدر والباب، ح 7 .
    (4) مختلف الشيعة 7 : 466 .
    (5) تهذيب الأحكام 8 : 138 .

صفحه 102

وقال المحقّق الأردبيلي : «ورواية أبي بصير ضعيفة، وصحيحة الحلبي تحمل على ما حمله الشيخ عليه رواية أبي بصير كما تقدّم .

على أنّ الصحيحة مشتملة على حكم المستحاضة، والقائل به غير ظاهر .

وعلى أنّ عدّة المسترابة ثلاثة حيض، مع أنّ عدّتها أحد الأمرين: إمّا ثلاثة أشهر أو ثلاثة أطهار، وفي متنها أيضاً شيء»(1) .

ويؤيّد حمل الشيخ رواية محمّد بن حكيم عن العبد الصالح(عليه السلام) قال : قلت له: المرأة الشابّة التي لا تحيض ومثلها يحمل ، طلّقها زوجها ، قال : «عدّتها ثلاثة أشهر»(2) .

وقال الشيخ الفقيه الفاضل اللنكراني: « ويمكن حمل ما تضمّن العدّة هنا على التقيّة; لموافقها لمذهب العامّة، وعلى الاستحباب »(3) .

إيضاحٌ :

لم يحتجّ السيّد بهذه الأخبار; لأنّه لا يعتبر الأخبار الصحيحة الواردة بطريق الآحاد، فكيف بمثل هذه الأخبار، ولذا استند إلى الآية فقط .

نعم، هذه الروايات موافقة لمذهبه لا أنّها تدخل في حجّته .

عدم وجوب العدّة على الزوجة الصغيرة

القول الثاني: ـ وهو الأقوى ـ ما قال المشهور من أنّه لا تجب على الصغيرة العدّة في فرض المسألة .

  • (1) زبدة البيان 2 : 751 و 752 .
    (2) وسائل الشيعة 15 : 412 أبواب العدد الباب 4، ح8 .
    (3) تفصيل الشريعة، كتاب الطلاق والمواريث : 95 .

صفحه 103

قال الشيخ (رحمه الله) : «ومَن طلّق صبيّة لم تبلغ المحيض وقد كان دخل بها فعدّتها
ثلاثة أشهر إن كانت في سنّ من تحيض; وهي أن تبلغ تسع سنين، وإن صغرت عن ذلك لم يكن عليها عدّةٌ من طلاق»(1) .

ذهب إلى هذا القول أكثر الأصحاب، منهم: المفيد(2) والصدوق(3) وسلاّر(4)وأبو الصلاح الحلبي(5) وابن البرّاج(6) وابن حمزة(7) وابن إدريس(8) ومن تأخّر(9)عنهم، وبه قال أيضاً جماعة من المتأخِّرين(10) ومتأخِّري المتأخِّرين(11) وبعض أعلام العصر(12) .

قال في تحرير الوسيلة: « لا عدّة على من لم يدخل بها ولا على الصغيرة; وهي من لم تكمل التسع وإن دخل بها، ولا على اليائسة; سواء بانت في ذلك كلّه بطلاق أو فسخ أو هبة مدّة أو انقضائها »(13) .

  • (1) تهذيب الأحكام 8 : 137 ، الخلاف 5 : 53 ، المبسوط للطوسي 5 : 239 .
    (2) المقنعة : 533 .
    (3) المقنع : 345 .
    (4) المراسم العلويّة : 167 .
    (5) الكافي : 312 .
    (6) المهذّب 2 : 315 .
    (7) الوسيلة : 325 .
    (8) السرائر 2: 733.
    (9) شرائع الإسلام 3 : 35 ، المختصر النافع : 225 ، مختلف الشيعة 7 : 463 ، قواعد الأحكام 3 : 138 .
    (10) الجامع للشرائع : 470 ، إرشاد الأذهان 2 : 47 ، إيضاح الفوائد 3 : 337 ، المهذّب البارع 3 : 488 ، كشف الرموز 2 : 225 ، غاية المرام 3 : 237 ، مسالك الأفهام 9 : 230 .
    (11) نهاية المرام 2 : 88 ، رياض المسائل 7 : 367 ، كشف اللثام 8 : 92 ، كنز الفوائد 2 : 591 ، الحدائق الناضرة 25 : 431 ، جواهر الكلام 32 : 232 .
    (12) العروة الوثقى مع تعليقات عدّة من الفقهاء 6 : 84 ، وسيلة النجاة وتعليقته 2 : 286 ، منهاج الصالحين للسيّد الخوئي 2: 297، مهذّب الأحكام 26: 75.
    (13) تحرير الوسيلة 2 : 318 مسألة 1 .

صفحه 104

وفي تفصيل الشريعة: « لا عدّة عليها ـ أي على الصغيرة ـ وإن دخل بها مع الجواز أو بدونه»(1) .

أدلّة عدم ثبوت العدّة للصغيرة

قد استدلّ لعدم ثبوت العدّة للصغيرة باُمور :

الأوّل : الإجماع كما ادّعاه في الرياض(2) .

وفيه : أنّه ـ مع مخالفة السيّد المرتضى ومن تبعه ـ لا يمكن الجزم بتحقّق الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم(عليه السلام) ، مضافاً إلى أ نّه محتمل المدركيّة، فلايكون دليلاً مستقلاًّ في المسألة .

الثاني : الأصل ، وفيه: أنّه مع وجود الدليل لا يجري الأصل .

الثالث : ـ وهو العمدة ـ النصوص المستفيضة، بل كما قال في الرياض والجواهر: كادت تكون متواترة :

منها : معتبرة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «ثلاث تتزوّجن على كلّ حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض . قال : قلت : وما حدّها ؟ قال : إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين، والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض . قلت : وما حدّها ؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة»(3) .

ومنها: الصحيحة الثانية لعبد الرحمن بن الحجّاج أو موثّقته(4) .

قال في الوسائل : والظاهر تعدّد الروايتين، والرواية الثانية مخصوصة بالقرشيّة

  • (1) تفصيل الشريعة، كتاب الطلاق والمواريث  : 94 .
    (2) رياض المسائل 7 : 367 .
    (3) وسائل الشيعة 15 : 406، الباب 2 من أبواب العدد، ح4 .
    (4 ، 2) نفس المصدر الباب 3 من أبواب العدد، ح5 .

صفحه 105

والنبطيّة، والرواية الاُولى مخصوصة بغيرهما(1) .

ومنها: معتبرة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «التي لا تحبل مثلها لا  عدّة عليها »(2).

قال الشيخ الحرّ العاملي (رحمه الله) في ذيلها: «هذا يدلّ على حكم الصغيرة أيضاً، وهو ظاهر».

ومنها : صحيحة زرارة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الصبيّة التي لا يحيض مثلها، والتي قد يئست من المحيض ، قال : «ليس عليهما عدّة وإن دخل بهما»(3) .

ومنها : ما رواه في الفقيه عن جميل أنّه قال في الرجل يطلّق الصبية التي لم  تبلغ ولا تحمل مثلها، وقد كان دخل بها، والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع طمثها ولا تلد مثلها . فقال : «ليس عليهما عدّة»(4) .

قال المحدّث البحراني : «يكون الخبر صحيحاً»(5) .

ورواه في الكافي(6) والسرائر(7) مع اختلاف يسير، والصدوق (رحمه الله) عبّر عنه بلفظ : «أنّه قال في الرجل »، وبالنظر إلى هذه القرائن يكون الخبر صحيحاً .

وقال المحقّق الأردبيلي : «ولا يضرّ إرسال مثل جميل في مثلها» . وقال في الفقيه(8) : «وفي رواية جميل أنّه قال في الرجل إلى آخر الرواية، وكأنّه نقل بلا  واسطة عن أبي عبدالله(عليه السلام)»(9) .

  • (2) نفس المصدر والباب، ح2.
    (3) نفس المصدر والباب، ح3 .
    (4) الفقيه 3 : 331، ح1606 .
    (5) الحدائق الناضرة 25 : 432 .
    (6) الكافي 6 : 84، ح1 ، وسائل الشيعة 15 : 406، الباب 2 من أبواب العدد، ح3 .
    (7) السرائر 3 : 567 .
    (8) الفقيه 3 : 331 .
    (9) زبدة البيان 2 : 750 .

صفحه 106

ومثلها المرسلة الثانية لجميل بن درّاج رواها في التهذيب(1) ويؤيّده أنّ المقتضي للاعتداد زال ، فتزول العدّة ; لأنّ العدّة إنّما شُرِّعت لاستعلام فراغ الرحم من الحمل غالباً، وهذه الحكمة منتفية هنا قطعاً، فلا وجه لوجوب العدّة، ويشعر بهذه الحكمة رواية محمّد بن مسلم المتقدِّمة .

وأيضاً أنّ غير المدخول بها لا عدّة عليها إجماعاً، فكذا الصغيرة; إذ الدخول هنا لا اعتبار به(2) .

وجوب عدّة الوفاة على الزوجة الصغيرة

ماسبق ذكره كان في عدّة الطلاق ، وأمّا عدّة الوفاة فلا خلاف بين الفقهاء(3) في أنّ الحرّة الحائل المتوفّى عنها زوجها تعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيّام، صغيرة كانت أو كبيرة،مدخولاً بها أو غير مدخول بها،دائمة أو متمتّعاًبها،بالغاً كان الزوج أو غيره.

ويدلّ على ذلك أوّلاً: قوله تعالى : ( وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَ عَشْراً )(4) فإنّها بإطلاقها شاملة لجميع ما ذكرنا . قال في تفصيل الشريعة: « ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الموارد المذكورة حتى بالنسبة إلى الزوجة غير المدخول بها، التي لا عدّة لها في الطلاق، كما أ نّه لا فرق بين

  • (1) تهذيب الأحكام 8: 66، ح219، وسائل الشيعة 15: 405 الباب 2 من أبواب العدد، ح2.
    (2) المهذب البارع 3 : 488 ، مسالك الأفهام 9 : 231 ، غاية المرام 3 : 237 ، كنز العرفان 2 : 360 .
    (3) المقنعة : 534 ، الخلاف 5 : 58 ، الجامع للشرائع : 471 ، شرائع الإسلام 3 : 38 ، المختصر النافع : 225 ، قواعد الأحكام 3 : 142 ، إرشاد الأذهان 2 : 48 ، تحرير الأحكام 4 : 153 ، رياض المسائل 7 : 377 ، مسالك الأفهام 9 : 271 ، جواهر الكلام 32 : 274 ، الحدائق الناضرة 25 : 391 ، منهاج الصالحين للسيّد الخوئي 2 : 297 ، تحرير الوسيلة 2 : 318 ، تفصيل الشريعة، كتاب الطلاق والمواريث : 145 ـ 146 .
    (4) سورة البقرة 2 : 234 .

صفحه 107

أن يكون الزوج كبيراً أو صغيراً»(1) .

وثانياً : الأخبار الواردة في المقام، وهي مستفيضة، بل كادت تكون متواترة .

منها : صحيح الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، أنّه قال في المتوفّى عنها زوجها إذا لم  يدخل بها : «إن كان فرض لها مهراً فلها مهرها الذي فرض لها، ولها الميراث، وعدّتها أربعة أشهر وعشراً كعدّة التي دخل بها، وإن لم يكن فرض لها مهراً فلا مهر لها، وعليها العدّة ولها الميراث»(2) .

ومنها: مرسلة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن علي بن الحسين(عليهما السلام) قال في المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها : «إنّ لها نصف الصداق، ولها الميراث وعليها العدّة»(3) .

ومنها: صحيحة زرارة قال: سألت أباجعفر(عليه السلام) عن رجل تزوّج جارية لم تدرك لا يجامع مثلها ، أوْ تزوّج رتقاء ، فاُدخلت عليه ، فطلّقها ساعة اُدخلت عليه ؟ قال : «هاتان ينظر إليهنّ من يوثق به من النساء ، فإن كنّ كما دخلن عليه فإنّ لها نصف الصداق، الذي فرض لها، ولا عدّة عليهنّ منه. قال : فإن مات الزوج عنهنّ قبل أن يطلّق فإنّ لها الميراث ونصف الصداق، وعليهنّ العدّة أربعة أشهر وعشراً»(4) . وكذا الأخبار المعتبرة الاُخرى(5) .

فالنصوص مع كثرتها وصحّة أسنادها، بعضها صريح في الصغيرة، وبعضها

  • (1) تفصيل الشريعة، كتاب الطلاق والمواريث : 145 .
    (2) وسائل الشيعة 15 : 76 أبواب المهور الباب 58، ح22 .
    (3) نفس المصدر والباب، ح5 .
    (4) وسائل الشيعة 15: 70، أبواب المهور، الباب 57، ح1.
    (5) وسائل الشيعة 15 : 62 أبواب المهور الباب 51، ح4 ، وص71 الباب 58، ح1، 3، 4، 6، 12، 20، 22 و23 و  ص462 أبواب العدد الباب 35 ح1 ـ 3 ، و ج17 : 529 أبواب ميراث الأزواج ، الباب 12 ح1 .

صفحه 108

مطلق يشمل كلّ امرأة صغيرةً كانت أو كبيرة ، دخل بها أو لم يدخل بها، بالغاً كان
الزوج أو غيره(1) ، وحيث إنّ الصغيرة لا تكليف عليها على نحو الإلزام ، فالحكم يتوجّه إلى الولّي، وهو الذي يأمر الصغيرة برعاية مسائل العدّة كما هو ظاهر .

هذا، وفي ذيل رواية الشيخ في التهذيب عن محمّد بن عمر الساباطي قال : وسألته عن المتوفّى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها ؟ قال : «لا عدّة عليها هما سواء»(2) ، فهذه تدلّ على عدم ثبوت العدّة على الصغيرة .

ولكن يمكن الجواب عنها ، كما قال الشهيد الثاني (رحمه الله) : «وأمّا ما رُوي في شواذّ أخبارنا من عدم وجوب العدّة على غير المدخول بها فهو ـ مع ضعف سنده ـ معارض بما هو أجود سنداً وأوفق لظاهر القرآن وإجماع المسلمين»(3) .

وتبعه سبطه السيّد العاملي(4) وصاحب الجواهر(5) .

وقال المحدّث البحراني : «والأظهر عندي أنّها محمولة على التقيّة، كما يشير إليه ما رواه الشيخ (رحمه الله) في التهذيبين عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن  رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها، أعليها عدّة ؟ قال : لا . قلت له : المتوفّى عنها زوجها قبل أن يدخل بها، أعليها عدّة ؟ قال : أمسك عن هذا(6) .

وكذا موثّقة عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في المتوفّى عنها زوجها ولم  يدخل بها، وفي آخرها قلت : والعدّة؟ قال : «كفّ عن هذا»(7) .

  • (1) رياض المسائل 7 : 376 .
    (2) تهذيب الأحكام 8: 144، ح 497; وسائل الشيعة 15 : 462 أبواب العدد الباب 35، ح4 .
    (3) مسالك الأفهام 9 : 272 .
    (4) نهاية المرام 2 : 99 .
    (5) جواهر الكلام 32 : 274 .
    (6) تهذيب الأحكام 8 : 144، الاستبصار 3: 339، وسائل الشيعة 15 : 463 أبواب العدد الباب 35، ح5 .
    (7) وسائل الشيعة 15 : 74 أبواب المهور الباب 58، ح11 .

صفحه 109

ولا ريب أنّ أمره(عليه السلام) للسائل بالكفّ والإمساك في هذين الخبرين لا وجه له إلاّ التقيّة(1) .

وقوّى في الجواهر وجوب عدّة الوفاة للصغيرة كالكبيرة، بأنّه فرق بين عدّة الطلاق، وعدّة الوفاة التي هي في الحقيقة لإظهار التحزّن والتفجّع على الزوج والاحترام لفراشه، ولذلك اعتبرت بالأشهر وأمر فيها بالحداد، بخلاف عدّة الطلاق المعتبر فيها الأقراء أوّلاً وبالذات(2) .

رأي فقهاء أهل السنّة في عدّة الصغيرة

ذهب جمهور فقهاء العامّة إلى أنّ عدّة الزوجة الصغيرة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام; لقوله ـ تعالى ـ : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَ عَشْراً )(3) .

قال ابن شاس : «المتوفّى عنها زوجها عليها عدّة الوفاة... وإن كانت حائلاً، فتعتدّ الحرّة بأربعة أشهر وعشرة أيّام ; سواء كانت مدخولاً بها أو غير مدخول بها، صغيرةً أو كبيرةً، حرّةً أو أمَةً، مؤمنةً أو كافرة»(4) ، وكذا في أسهل المدارك(5) ، والمجموع شرح المهذّب(6) والبناية في شرح الهداية(7) وكثير من كتبهم(8) .

  • (1) الحدائق الناضرة 25 : 461 مع تصرّف ما .
    (2) جواهر الكلام 32 : 274 .
    (3) سورة البقرة 2 : 234 .
    (4) عقد الجواهر الثمينة 2 : 267 . مع تصرّف ما.
    (5) أسهل المدارك 2 : 31 .
    (6) المجموع 19 : 233 .
    (7) البناية في شرح الهداية 5 : 410 .
    (8) المغني 9: 106، الشرح الكبير 9: 88، بداية المجتهد 2: 95 ، بدائع الصنائع 3 : 304 ، المبسوط للسرخسي 6 : 51 و52 ، مغني المحتاج 3 : 395 ، النتف في الفتاوي : 211 ، الهداية شرح بداية المبتدي : 308 .

صفحه 110

وجوب الحداد على الزوجة الصغيرة

المشهور بين الفقهاء أنّه يجب على الزوجة الصغيرة ـ كالكبيرة ـ الحداد ، وهو لغةً(1) المنع، وشرعاً «ترك ما فيه زينة من الثياب ، والإدهان المقصود بها الزينة والتطيّب فيها أو في البدن، والتكحيل بالأسود أو بغيره ممّا فيه زينةٌ بلونه أو بغيره »(2) .

وفي تفصيل الشريعة: « والمراد منه ترك كلّ ما يعدّ زينة، واُريد به التزيّن للزوج . . . ومن المعلوم اختلاف ذلك بحسب الأشخاص من جهة السنّ، ومن جهة الغنى والفقر، ومن جهة الشرف وغيره، وبحسب الأزمان والأمكنة . . . وأمّا مثل تنظيف البدن... وتزيين الأولاد فلا مانع منه »(3) .

قال الشيخ : «المتوفّى زوجها إذا كانت صغيرة عليها الحداد بلا خلاف ، وينبغي لوليّها أن يجنّبها ما يجب على الكبيرة اجتنابه من الحداد»(4) .

وتبعه ابن البرّاج(5) والمحقّق(6) . وظاهر المسالك أنّ هذا الحكم اتّفاقيّ، حيث
لم  يشر إلى خلاف فيه(7) . وقال في الجواهر: «فيستوي ذلك في الصغيرة، والكبيرة والمسلمة والذمّية، كما صرّح به غير واحد، بل ظاهر المسالك المفروغيّة منه، بل عن الشيخ في الخلاف نفي الخلاف فيه»(8) .

  • (1) المصباح المنير : 124 .
    (2) جواهر الكلام 32 : 276 .
    (3) تفصيل الشريعة، كتاب الطلاق والمواريث : 154 ـ 155 .
    (4) الخلاف 5 : 73 ، المبسوط للطوسي 5 : 265 .
    (5) المهذّب 2 : 739 .
    (6) شرائع الإسلام 3 : 38 .
    (7) مسالك الأفهام 9 : 278 .
    (8) جواهر الكلام 32 : 281 .

صفحه 111

وذهب إلى هذا القول الشافعي(1) وابن قدامة(2) وبعض الآخر من فقهاء أهل السنة(3) أيضاً .

ويدلّ على ذلك الإجماع الذي ادّعاه في الجواهر(4) والرياض(5) والمسالك(6). وهكذا إطلاق النصوص المعتبرة :

منها : صحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن المتوفّى عنها زوجها ؟ قال : «لا تكتحل للزينة ولا تطيب، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولاتبيت عن بيتها، وتقضي الحقوق، وتمتشط بغسلة، وتحجّ وإن كان في عدّتها»(7) .

ومنها : خبر أبي العبّاس قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : المتوفّى عنها زوجها قال : «لا تكتحل لزينة، ولا تطيب، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً»(8) .

ولكن استشكل فيه ابن إدريس، حيث قال: «ولي في الصغيرة نظر; لأنّ لزوم الحداد حكم شرعيّ وتكليف سمعيّ ، والتكاليف لا تتوجّه إلاّ إلى العقلاء»(9).

وفي المختلف : «وقول ابن إدريس: لا بأس به ; لأنّ الحداد هو ترك ما يحصل به الجمال والزينة، ولبس الثياب المزعفرات والملوّنات التي تدعو النفس إليها
وتميل الطباع نحوها، وهو إنّما يؤثّر في البالغ دون الصبيّة غالباً»(10) . وقوّاه في

  • (1) الاُمّ 5 : 232 ، المجموع 19 : 269 ، المبسوط للسرخسي 6 : 60 .
    (2) المغني 9 : 166 ، الشرح الكبير 9: 146.
    (3) الكافي في فقه الإمام أحمد 3 : 210 .
    (4) جواهر الكلام 32 : 276 .
    (5) رياض المسائل 7 : 378 .
    (6) مسالك الأفهام 9: 276.
    (7) وسائل الشيعة 15 : 450 ، الباب 29 من أبواب العدد، ح2 .
    (8) نفس المصدر والباب، ح3 .
    (9) السرائر 2 : 739 .
    (10) مختلف الشيعة 7 : 477 .

صفحه 112

الحدائق(1) وكشف اللثام(2) والجامع للشرائع(3). وأفتى به السيّد الخوئي(4). واختاره أبو حنيفة(5) . ومال إليه في الرياض(6) .

وقال في تحرير الوسيلة: في المسألة قولان ، أشهرهما الوجوب، بمعنى وجوبه على وليّ الصغيرة والمجنونة، فيجنّبهما عن التزيين مادامتا في العدة ، وفيه تأمّل وإن كان أحوط (7) .

وأورد علي ابن ادريس في الجواهر بقوله : «لا يخفى على من رزقه الله فهم اللسان مساواة الأمر بالحداد; للأمر بالاعتداد الذي لا خلاف بين المسلمين ـ فضلاً عن المؤمنين ـ في جريانه على الصغيرة ، على معنى تكليف الوليّ بالتربّص بها
فيجري مثله في الحداد، ولا حاجة إلى الإشارة في النصوص إلى خصوص ذلك; ضرورة معلوميّة توجّه التكليف إلى الأولياء في كلّ ما يراد عدم وجوده في الخارج، نحو ما سمعته في مسّ الطفل والمجنون كتابة القرآن ، وبالجملة: فالمراد التربُّص بها هذه المدّة مجرّدةً عن الزينة، وهو معنى يشمل الصغير والكبير»(8) .

والإنصاف أنّ ما اختاره ابن إدريس ومن تبعه في مقابل قول المشهور وجيه(9)،

  • (1) الحدائق الناضرة 25 : 474 .
    (2) كشف اللثام 8 : 119.
    (3) الجامع للشرائع : 472 .
    (4) منهاج الصالحين 2 : 299 .
    (5) بدائع الصنائع 3 : 331 ، المجموع شرح المهذّب 19 : 269 ، المبسوط للسرخسي 6 : 60 .
    (6) رياض المسائل 7 : 379 .
    (7) تحرير الوسيلة 2 : 322 مسألة 6 .
    (8) جواهر الكلام 32 : 281 .
    (9) الإنصاف أنّه لا وجاهة لما ذهب إليه ابن إدريس، ولا مجال هنا للاستدلال برفع القلم; فإنّه بعد صحّة تزويج الصغيرة يترتّب عليه آثاره من قبيل الاعتداد للوفاة، ومن الواضح وجود الملازمة الشرعيّة بين الحداد وعدّة الوفاة، كما أنّه لا مجال للاستدلال برفع القلم بالنسبة إلى نفي الاعتداد.
    وبالجملة: حديث الرفع دالّ على النفي بالنسبة إلى التكاليف الابتدائية، أمّا بالنسبة إلى الموضوعات التي قد أحدثها الصبيّ أو الصبيّة فلا دلالة فيه، وبما أنّ المقام من قبيل الثاني فلا يشمله الحديث، كما أنّه إذا أحرمت الصبية فتجب عليه الاجتناب عن المحرّمات إجماعاً، فتدبّر. م ج ف.

صفحه 113

لرفع القلم عن الصغيرة، ولأجل هذا تنصرف النصوص عنها، ولا يجب على الوليّ أن يكلّفها على الحداد; لأنّ ماهيّة حكم وجوب الحداد على نحو تتوجّه بالمرأة فقط ولا تشمل الصبيّة، كما يشعر إليها بعض النصوص(1) ، وقياس هذا بوجوب حفظ الطفل والمجنون عن مسّ كتابة القرآن مع الفارق .

وعلى فرض الشكّ يدفع عن الوليّ بالأصل، وينتج عدم وجوب شيء عليه ، إلاّ أن يتمّ الإجماع في المسألة وهو مشكل; لمخالفة بعض الفقهاء وذهابهم على عدم وجوب الحداد على الصغيرة، فلا يكون القول بوجوبه عليها كاشفاً عن رأي المعصوم(عليه السلام) .

  • (1) سنن أبي داود 2 : 502 ح2304 ، سنن البيهقي 7 : 439ـ 440 .

صفحه 114

المبحث السابع : عدم الولاية على الطلاق

قد تقدّم أنّ للأب والجدّ وغيرهما ولاية على تزويج الصغار ، وهنا سؤال; وهو أنّه هل كان للوليّ الولاية على الطلاق كالنكاح أم لا ؟

قد صرّح الفقهاء بعدم الولاية على الطلاق، بل كان هذا إجماعيّاً بينهم; سواء كان الوليّ أباً أو جدّاً أو غيرهما ، فلو طلّق وليّه عنه لم يصحّ .

قال الشيخ (رحمه الله) : «والغلام إذا طلّق وكان ممّن يحسن الطلاق وقد أتى عليه عشر سنين فصاعداً جاز طلاقه، وكذلك عتقه وصدقته ووصيّته . . . ولا يجوز لوليّه أن  يُطلّق عنه، اللّهمّ إلاّ أن يكون قد بلغ وكان فاسد العقل; فإنّه والحال على ماذكرناه جاز طلاق الوليّ عنه»(1).

وبه قال في المهذّب(2) والسرائر(3) . واختاره الفاضلان(4) وابنا سعيد(5)وحمزة(6) والكيدري(7) والفاضل المقداد(8) والشهيدان(9). وبه قال أيضاً جماعة من المتأخِّرين(10) .

  • (1) النهاية للطوسي: 518 .
    (2) المهذّب لابن البرّاج 2 : 288 .
    (3) السرائر 2 : 672 ـ 673 .
    (4) شرائع الإسلام 3 : 12، المختصر النافع : 221 ، قواعد الأحكام 3 : 121 ، إرشاد الأذهان 2 : 42 .
    (5) الجامع للشرائع : 466 .
    (6) الوسيلة : 323 .
    (7) إصباح الشيعة : 453 .
    (8) التنقيح الرائع 3 : 294 .
    (9) اللمعة الدمشقيّة: 123 ، مسالك الأفهام 9: 11.
    (10) نهاية المرام 2 : 8 ، مفاتيح الشرائع 2 : 313 ، رياض المسائل 7 : 285 ، الحدائق الناضرة 25 : 153 ، كفاية الفقه 2 : 317 ، تحرير الوسيلة 2 : 309 ، تفصيل الشريعة، كتاب الطلاق والمواريث : 14 .

صفحه 115

أدلّة عدم جواز طلاق الوليّ عن الصبيّ

واستدلّوا على هذا الحكم بوجوه :

الأوّل : الإجماع الذي ادّعاه الشيخ في الخلاف(1) ، وادّعاه أيضاً الفاضل الاصفهاني(2) والسيّد صاحب المدارك(3) وصاحب الجواهر(4) وحكاه في الرياض(5) عن جماعة .

الثاني : استصحاب بقاء الزوجيّة إذا طلّقها الوليّ ، كما أشار إليه في كشف اللثام(6) والجواهر(7) والخلاف(8) والرياض(9) .

الثالث : أنّه لم تثبت الملازمة بين صحّة النكاح وصحّة الطلاق، فإذا جاز لولىّ الصغير تزويجه فلا يلازم جواز صحّة الطلاق عنه، كما في تفصيل الشريعة(10) .

الرابع : وهو العمدة ، النصوص :

منها : النبوي المقبول بين الفريقين ، الذي قال(صلى الله عليه وآله وسلم) : «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(11) وأشار إليه المحقّق في الشرائع، حيث قال : «لاختصاص الطلاق

  • (1) الخلاف 4 : 442 المسألة 29 .
    (2) كشف اللثام 8 : 7 .
    (3) نهاية المرام 2 : 8 .
    (4) جواهر الكلام 32 : 5 ـ 6 .
    (5) رياض المسائل 7 : 285 .
    (6) كشف اللثام 8 : 6 .
    (7) جواهر الكلام 32 : 5 ـ 6 .
    (8) الخلاف 4 : 442 مسألة 29 .
    (9) رياض المسائل 7 : 285 .
    (10) تفصيل الشريعة، كتاب الطلاق والمواريث : 15 .
    (11) سنن ابن ماجة 3 : 469 ح2081 ، سنن الدارقطني 4 : 24ـ 25 ح3946ـ 3948، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 360 ، كنز العمّال 9 : 640 ح27770 .

صفحه 116

بمالك البضع»(1) .

وقال في المسالك : أشار بهذا التعليل إلى الرواية عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «الطلاق بيد من أخذ بالساق». والمبتدأ منحصر في خبره، وهو يقتضي انحصار وقوع الطلاق المعتبر في الزوج المستحقّ للوصف(2) .

وفي الجواهر : «ويدلّ بمقتضى الحصر على اختصاص الطلاق بمالك البضع على وجه ينافي الطلاق بالولاية، دون الوكالة التي هي في الحقيقة طلاق من المالك عرفاً»(3) .

ومنها : رواية فضل بن عبد الملك ـ وعبّر عنها السيّد صاحب المدارك(4)بالصحيحة ـ قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير ؟ قال : لابأس . قلت : يجوز طلاق الأب ؟ قال : لا . الحديث(5) .

ومنها : موثّقة عبيد بن زرارة(6)، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الصبيّ

  • (1) شرائع الإسلام 3 : 12 .
    (2) مسالك الأفهام 9 : 11 .
    (3) جواهر الكلام 32 :5 ـ 6 .
    (4) نهاية المرام 2: 8 . واعلم أنّه(قدس سره) لا يعمل إلاّ بالأحاديث الصحيحة، ولم يكن في السند من يغمض عنه إلاّ عبدالله بن محمّد، والظاهر هو عبدالله بن محمّد بن عيسى أخو أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، بقرينة الراوي والمروي عنه وبحسب طبقته، ولم يوثّقه الرجاليّون، إلاّ أنّه سمعت عن الاُستاذ آية الله الزنجاني دام ظلّه أنّه معتبر، ولعلّه لكثرة رواية الأجلاّء عنه، وقال الوحيد في التعليقة: وروى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى، ولم يستثن روايته، وفيه إشعار بالاعتماد عليه، بل لايبعد الحكم بوثاقته. منهج المقال (الرجال الكبير): 72، الطبعة الحجرية.
    (5) وسائل الشيعة 15 : 326 الباب 33 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح1 .
    (6) ربما يتوهّم أنّ في سندها إشكال من جهة قاسم بن عروة حيث إنّه لا توثيق له في الرجال ولكنّه موثّق من جهات : 1 ـ إنّ الشيخ المفيد (رحمه الله) وثّقه في كتاب المسائل الصاغانيّة ، « سلسلة موثّقات الشيخ المفيد 3 : 71 » ، 2ـ وكثرة رواية الأجلاّء عنه كابن أبي عمير وابن فضّال والبرقي وحسين بن سعيد وعبّاس بن معروف وغيرهم ، 3ـ ورواية ابن أبي عمير والبزنطي عنه .

صفحه 117

يزوّج الصبيّة هل يتوارثان ؟ قال : إن كان أبواهما هما اللذان زوّجاهما فنعم .
قلنا : يجوز طلاق الأب ؟ قال : لا . ورواها الشيخ بطريق صحيح، والصدوق بطريق معتبر إلى قوله: فنعم، وزاد: قال القاسم ، فإذا كان أبواهما حيّين فنعم. وكذا رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره(1) .

ومنها : صحيحة الحلبي قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الغلام له عشر سنين فيزوّجه أبوه في صغره، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين ؟ قال : فقال : «أمّا تزويجه فهو صحيح ، وأمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتّى يدرك، فيعلم أنّه كان قد طلّق، فإن أقرّ بذلك وأمضاه فهي واحدة بائنة، وهو خاطب من الخطّاب، وإن  أنكر ذلك وأبى أن يمضيه فهي امرأته» الحديث(2) .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) لأنّ في ذيلها : قلت له : فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صِغَره ؟ قال : « لا »(3) .

آراء فقهاء أهل السنّة في هذه المسألة

المشهور بينهم أيضاً أنّه لا ولاية للأولياء أباً كان أو غيره على الطلاق ، ولو  طلّق وليّ الصبيّ امرأته لم يصحّ ، فنذكر فيما يلي شطراً من كلماتهم :

أ ـ الحنفية

في المبسوط للسرخسي : «وخلع الصبيّ وطلاقه باطلٌ ; لأنّه ليس له قصد معتبر شرعاً، خصوصاً فيما يضرّه . . . ثمّ قال : وكذلك فعل أبيه عليه في الطلاق

  • (1) الكافي 7: 132 ح3، تهذيب الأحكام 9: 382 ح1365، الفقيه 4: 227 ح720، نوادر ابن عيسى: 135 ح350، وسائل الشيعة 15: 326 الباب 33 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح2، وج26: 220، أبواب ميراث الأزواج ب11 ح3.
    (2) وسائل الشيعة 17 : 528 الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، ح4 .
    (3) وسائل الشيعة 14 : 208 ـ 209 الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح8 .

صفحه 118

باطل ; لأنّ الولاية إنّما تثبت على الصبيّ لمعنى النظر له ولتحقّق الحاجة إليه ، وذلك
لا يتحقّق في الطلاق والعتاق»(1) وأشار إلى هذا المعنى أيضاً في ردّ المحتار(2) .

ب ـ الشافعيّة

في المهذّب : «ولا يجوز للأب أن يطلّق امرأة الابن الصغير بعوض وغير عوض»(3)، وكذلك في شرحه(4) .

وقال الماوردي : «لا يجوز لوليّ الصبيّ والمجنون من أب ولا غيره أن يطلّق عنه ولا يخالع، فإن طلّق لم يقع طلاقه ولم يصحّ خلعه . . .

ثمّ قال : دليلنا قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : الطلاق لمن أخذ بالسّاق(5) . معناه إنّما يملك الطلاق من ملك الأخذ بالسّاق; يعني البضع ، والوليّ لا يملك البضع فلم يملك الطلاق، ولأنّ كلّ من لم يملك البضع لم يملك بنفسه الطلاق، كالأجنبي . . .»(6) .

ج ـ المالكيّة

أنّهم قائلون بصحّة طلاق الوليّ إذا كان بعوض، وعدم جوازه إذا طلّق عنه بغير عوض .

قال ابن شاس : «أركان الخلع أربعة: العاقدان والعوضان . الأوّل: الموجب، وشرطه أن يكون مكلّفاً زوجاً، أو من اُقيم مقامه ، كالأب في غير البالغ من بنيه إذا أخذ له شيئاً . . .»(7) وكذا في شرح الكبير(8) .

  • (1) المبسوط للسرخسي 6 : 178 .
    (2) حاشية ردّ المحتار لابن عابدين 3 : 230 .
    (3) المهذّب في فقه الإمام الشافعي 2 : 71 .
    (4) المجموع شرح المهذّب للنووي 18 : 139 .
    (5) تقدّم تخريجه في ص 113.
    (6) الحاوي الكبير 12 : 379 .
    (7) عقد الجواهر الثمينة 2 : 141 .
    (8) حاشية الدسوقي 2 : 365 .

صفحه 119

وفي بداية المجتهد : «وقال مالك : يخالع الأب على ابنته الصغيرة كما
ينكحها، وكذلك على ابنه الصغير; لأنّه عنده يطلّق عليه ، والخلاف في الابن الصغير. قال الشافعي وأبو حنيفة : لا يجوز; لأنّه لا يطلّق عليه عندهم، والله أعلم»(1) .

واستدلّ في الحاوي الكبير لهذا القول : «بأنّ طلاقه بعوض كالبيع بغير عوض ، كالهبة، ولوليّه أن يبيع ماله وليس له أن يهبه»(2) .

د ـ الحنابلة

في مذهبهم أيضاً قولان:

أحدهما: يملك الوليّ ; أي يملك تطليق زوجة الصغير الذي تحت ولايته ، وهو قول عطاء وقتادة، لأنّ ابن عمر طلّق على ابن له معتوه. رواه أحمد .

وعن عبدالله بن عمرو أنّ المعتوه إذا عبث بأهله طلّق عليه وليّه  . . . ولأنّه يصحّ أن يزوّجه فيصحّ أن يطلّق عليه إذا لم يكن متّهماً، كالحاكم يفسخ للإعسار ويزوّج الصغير .

والقول الآخر: لا يملك ذلك، وهو قول أبي حنيفة والشافعي ; لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)قال : الطلاق لمن أخذ بالسّاق . . . ولأنّه إسقاط لحقّه، فلم يملكه كالإبراء من الدين وإسقاط القصاص، ولأنّ طريقة الشهوة، فلم يدخل في الولاية(3) .

وقال النووي : «لا يجوز أن يخلع البنت الصغيرة من زوجها بعوض من مالها; لأنّه في خلعها يسقط حقّها من المهر والنفقة والاستمتاع»(4) .

  • (1) بداية المجتهد 2 : 68 .
    (2) الحاوي الكبير 12 : 379 .
    (3) المغني 8 : 221 .
    (4) المجموع شرح المهذّب 18 : 139 .

صفحه 120

فرع

بعدما تحقّق أنّه ليس للولي أن يطلّق زوجة الصغير الذي تحت ولايته ، لابدّ من ذكر فرع يناسب هذا المقام، وهو: ـ كما في المناهل ـ أنّه إذا عَقَدَ الوليّ من الأب والجدّ له على امرأة بكراً كانت أو ثيّباً لولده الصغير الذي لم يبلغ، وزوّجها منه على وجه الانقطاع والتمتّع إلى مدّة معيّنة ، ولايةً عنه وملاحظةً لمصلحته ، فلا إشكال في صحّة هذا العقد ، وهل يجوز ويصحّ لهذا الوليّ أن يهب للزوجة المتمتّع بها بعض المدّة المفروضة في أثنائها قبل بلوغ الصغير ولاية عنه ، حيث يرى مصلحته في ذلك أم لا ؟ فيكون الإبراء وهبة المدّة كالطلاق في عدم جوازه من الوليّ .

ـ إلى أن قال : ـ لم أجد إلى الآن أحداً من أصحابنا المتقدِّمين ولا من المتأخِّرين ولا من متأخِّريهم تعرّض لهذه المسألة من الجواز والعدم»(1) .

والمسألة ذات وجهين : من عموم أدلّة الولاية المقتضى لشمولها هذا المورد ، ومن أنّ الحكمة المقتضية لمشروعيّة ولاية الوليّ في الجملة يقتضي العموم قطعاً، والخروج في الطلاق لا ينافيه ; لأنّه بسبب ورود دليل خاصّ . وأيضاً لاتّحاد طريق المسألتين; فإنّ طريق جواز تصرّفه في المال هو الطريق في جواز تصرّفه في اُموره .

هذه الوجوه تستدعي أنّه يجوز للوليّ أن يهب للزوجة المتمتّع بها المدّة المفروضة في أثنائها .

ولكن في قبال هذه الوجوه: أنّ الأصل عدم ثبوت ولاية الوليّ في إبراء المدّة ، كما لم تثبت في الطلاق، وأنّ الأصل بقاء الزوجيّة وعدم حصول التفريق بين الزوجين بمجرّد هبة الوليّ للمدّة .

وبالجملة: ولاية الوليّ على خلاف الأصل، فيلزم فيه الاقتصار على ما قام

  • (1) المناهل : 552 .

صفحه 121

دليل من الأدلّة الأربعة على ثبوتها ، والوجوه التي تدلّ على ولاية الوليّ لم يثبت
شمولها لمحلّ البحث .

قال في كشف الغطاء : «من ثبت له ولايةٌ فلابدّ فيها من الاقتصار على المورد المتيقّن والشروط المقرّرة»(1) .

وقال في المناهل: «والمسألة في غاية الإشكال، فلا ينبغي فيها ترك الاحتياط ، وأضاف أنّ القول الأوّل هو الأقرب.

وقد حكي هذا القول عن الميرزا المهدي المشهدي والشيخ جعفر النجفي، واختاره الفاضل القمّي صاحب القوانين، محتجّاً عليه بأنّ الأصل في الوليّ صحّة تصرّفاته إلاّ ما قام الدليل على المنع، ومستنده في هذا الأصل هو الاستقراء، ومن المعلوم صحّة تصرّفاته في كثير من الاُمور، كالبيع والشراء والإكساء والإسكان والزرع والضرع والإجارة والمضاربة والأخذ بالشفعة والرهن وتعليم الصنائع والعلم والآداب والنكاح، واستيفاء الحقوق مثل القصاص والديات وقطع الدعاوى(2).

وقال السيّد الخوئي : «هل يجوز لوليّ الصبيّ أن يهب المتمتّع بها المدّة ؟ قولان : أظهرهما الجواز»(3) .

نقول : الأقرب ـ كما قال صاحب المناهل ـ القول الأوّل، للوجوه التي ذكرها وإن كان مقتضى الاحتياط هو القول الثاني، والله هو العالم.

تنبيه

في آخر الكلام يلزم أن نشير إلى أنّه يكون للأب والجدّ والوصيّ منهما

  • (1) كشف الغطاء 1: 209.
    (2) هذا ما يستفاد من مطاوي كلام المناهل بطوله : 552 وما بعدها.
    (3) منهاج الصالحين 2 : 292 .

صفحه 122

والحاكم أنواع أُخر من الولاية على النفس، كولايتهم على تأديب الصغار وعلى إحرامهم في الحجّ وغيرها سنذكرها في الأبواب التي تناسب البحث عنها، والتي سنعقدها للتحقيق في الأحكام المذكورة إن شاء الله تعالى .

صفحه 123

الفصل الثامن
في النظر إلى الصبيّ والصبيّة ولمسهما وتقبيلهما

تمهيد

لا خلاف في أنّه لا يجوز للرجل لمس الأجنبيّة ولا النظر إليها، واستثنى جماعة الوجه والكفّين ، ولا للمرأة لمس الأجنبيّ والنظر إليه سواء كان بشهوة أم لا؟ وسواء كان مع خوف الفتنة أو الأمن منها(1) .

  • (1) ويدلّ على حرمة النظر ـ مضافاً إلى الإجماع بل الضرورة من المذهب والدين ـ قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ . . .) سورة النور 24 : 30 و31 ، وكذا النصوص الكثيرة : مثل ما رواه عليّ بن عقبة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرةً طويلة» .
    وكذا ما روى عنه وعن أبيه(عليهما السلام) قالا : «ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينين النظر» ، الحديث وغيرهما .
    وسائل الشيعة 14 : 138 الباب 104 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ح1 و2 .
    وما روى عن طريق أهل السنّة أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «إنّ الله كتب على ابن آدم حظّه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنّي وتشتهي والفرج يصدّق ذلك كلّه ويكذّبه ». صحيح البخاري 7 : 168 ح6243 ، صحيح مسلم 4 : 1624 ح2657 ، وسنن أبي داود 2 : 422 ح2152 .

صفحه 124

وأمّا حكم نظر الرجل للصبيّة والصبيّ ولمسهما وتقبيلهما، وهكذا نظر الصبيّ المميّز للصّبية ولمسها وتقبيلها وبالعكس، وكذا نظر المرأة الصبيّ والصبيّة ولمسهما وتقبيلهما ؟ فعقدنا هذا الفصل للتحقيق فيها، (وفيه مباحث) :

صفحه 125

المبحث الأوّل : النظر إلى جسد الصبيّة والصبيّ وعورتهما

أ ـ النظر إلى الصبيّة

الظاهر أنّه لا خلاف في جواز نظر الرجل إلى الصبيّة الصغيرة التي ليست في مظنّة الشهوة إذا لم يكن بتلذّذ وشهوة وخوف الفتنة .

قال العلاّمة في التذكرة : «الصبيّة الصغيرة التي ليست في مظنّة الشهوة يجوز للرجل النظر إليها ; لأنّ داعي الشهوة منفيّ بالنسبة إليها ، ولا فرق بين حدّ العورة وغيره، لكن لا يجوز النظر إلى فرجها .

وأمّا إن كانت في مظنّة الشهوة فلا يجوز النظر إليها»(1) . وكذا في التحرير(2)والإيضاح(3) .

وقال المحقّق الثاني : «إن كانت صبيّة صغيرة لم تبلغ مبلغاً تكون في مظنّة الشهوة، يجوز النظر إليها ; لانتفاء داعي الشهوة الذي هو مناط التحريم ، وتجويز تغسيل الأجنبي بنت ثلاث سنين مجرّدة ينبّه لذلك»(4) .

وتبعه في المسالك(5). وكذا في الرياض(6) والحدائق(7) . وذهب إليه أيضاً

  • (1) تذكرة الفقهاء 2 : 574، الطبعة الحجريّة .
    (2) تحرير الأحكام الشرعيّة 3: 421.
    (3) إيضاح الفوائد 3 : 8 .
    (4) جامع المقاصد 12 : 33 .
    (5) مسالك الأفهام 7 : 49 .
    (6) رياض المسائل 6 : 371 .
    (7) الحدائق الناضرة 23 : 64 .

صفحه 126

في الجواهر(1) وتفصيل الشريعة(2) وغيرها(3) .

وقال الشيخ الأعظم : «ثمّ إنّ جواز النظر إلى الصبيّة مشروط بعدم الوصفين، أعني التلذّذ والريبة ويحرم معهما، ومع مظنّتهما يكره»(4) .

أدلّة جواز النظر إلى الصغيرة

ويمكن أن يستدلّ لإثبات هذا الحكم باُمور :

الأوّل : عدم وجود المقتضي(5) للحرمة ; لأنّ قوله ـ سبحانه ـ : ( وَلايُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ . . . ) الآية(6) مختصّ بالبالغات، حيث إنّ التكليف لا يشمل غير البالغ(7)، فلايجب على الصبيّة التستّر ، ومن هنا يجوز النظر إليها باعتبار أنّ حرمة النظر إلى المرأة إنّما استفيدت(8) من وجوب التستّر عليها ; لأنّ التستّر
لا موضوعية له ، وإنّما هو مقدّمة لعدم النظر إليها ، وحيث إنّ وجوب التستّر

  • (1) جواهر الكلام 29 : 82 ـ 85 .
    (2) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 44 و 46 .
    (3) مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 1: 87 ـ 89 ، مستمسك العروة الوثقى 14: 38، مهذّب الأحكام 24: 47 ، تحرير الوسيلة 2 : 232 مسألة 24.
    (4) كتاب النكاح ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 59 .
    (5) يمكن أن يقال: إنّ المقتضي للحرمة إطلاق قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) إلاّ أن يدّعى الانصراف إلى المنظورة التي تكون بالغة، وهو ليس ببعيد. م ج ف.
    (6) سورة النور (24) : 31 .
    (7) نعم، ولكنّ الكلام في تكليف البالغ بالنسبة إلى الصغيرة. م ج ف.
    (8) والظاهر أنّ الملازمة ثابتة بين وجوب التستّر وحرمة النظر لا في عكسهما، فلا يصحّ أن يقال: إذا كان التستّر غير واجب فالنظر أيضاً جايز بالملازمة، ولعلّه لأجل هذا تمسّك الشيخ الأنصاري بعدم القول بالفصل لا  بالملازمة، والفرق بينهما واضح، كما أنّه أفتى أو احتاط بعض بجواز الكشف في الرجل مع عدم جواز نظر الأجنبيّة إليه فراجع. م ج ف.

صفحه 127

غير ثابت على الصبيّة فلا بأس بالنظر إليها(1) .

الثاني : الأصل ، قال الشيخ الأعظم : «لو كانت المنظورة غير بالغة فيجوز للرجل النظر إليها; للأصل»(2) .

الثالث : السيرة العمليّة القطعيّة المتّصلة ظاهراً بزمن المعصوم(عليه السلام)(3) .

الرابع : طوائف من الروايات:

منها : ما ورد في تغسيل الرجل والمرأة الصغيرة والصغير ، كرواية أبي النمير الذي رواها المشايخ الثلاثة ـ قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : حدّثني عن الصبيّ إلى كم تغسّله النساء؟ فقال : «إلى ثلاث سنين»(4) .

ورواية عمّار الساباطي، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، أنّه سئل عن الصبيّ تغسّله امرأةٌ ؟ فقال : «إنّما يغسّل الصبيان النساء». وعن الصبيّة تموت ولا تصاب امرأة تغسّلها ؟ قال : «يغسّلها رجل أولى الناس بها»(5) .

وضعف سندهما منجبرٌ بالشهرة بين الأصحاب، بل بالإجماع الذي ادّعاه في التذكرة(6) والمنتهى(7) والنهاية(8) .

وفي الجواهر : «بل الإجماع عليه محصّل فضلاً عن المنقول»(9) .

  • (1) مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 1 : 87 ـ 88 ، مستند الشيعة 16 : 34 ، مهذّب الأحكام 24 : 47 .
    (2) كتاب النكاح ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 58 .
    (3) مهذّب الأحكام 24 : 47 ، تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 44 .
    (4) وسائل الشيعة 2 : 712 الباب 23 من أبواب غسل الميّت، ح1 .
    (5) وسائل الشيعة 2 : 713 الباب 23 من أبواب غسل الميّت، ح2 .
    (6) تذكرة الفقهاء 1 : 367 .
    (7) منتهى المطلب 1 : 436، الطبعة الحجريّة .
    (8) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2 : 231 .
    (9) جواهر الكلام 4 : 76 .

صفحه 128

ويشهد له التتبّع في كلمات الفقهاء، إذ لم يوجد خلافٌ بين أصحابنا المتقدِّمين والمتأخِّرين .

ومنها: وما ورد في عدم وجوب القناع على الصغيرة، وجواز تكشّف المرأة عند الصبيّ :

1 ـ كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «لا يصلح للجارية إذا حاضت إلاّ أن تختمر(1) إلاّ أن لا تجده»(2) .

حيث إنّ مفهوم الشرط يدلّ على عدم وجوب الاختمار قبل البلوغ، فلا بأس بالنظر إليها ; لأنّ وجوب التستّر عليها مقدّمة لعدم النظر إليها، فإذا لم يجب التستّر جاز النظر; للتلازم عرفاً بين عدم وجوب التستّر، وجواز النظر بالإضافة إلى المناط.

2 ـ صحيحة عبد الرحمن الحجّاج قال : سألت أبا إبراهيم(عليه السلام) عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطّي رأسها ممّن ليس بينها وبينه محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنّع رأسها للصلاة؟ قال : «لا تغطّي رأسها حتّى تحرم عليها الصلاة»(3) .

يعني حتّى تحيض ; فإنّها تدلّ بوضوح على عدم وجوب التستّر عليها ، وجواز إبدائها لشعرها ما لم تحض، وبثبوت ذلك يثبت جواز النظر إليها بالملازمة العرفيّة كما تقدّم(4) .

  • (1) «واختمرت المرأة : أي لبست خمارها وغطّت رأسها » مجمع البحرين 1 : 553 مادّة خمر. وكذا في لسان العرب 2 : 314 خمر .
    وقال في مجمع البيان 7 : 316: «والخمر : المقانع جمع خمار، وهو غطاء رأس المرأة» وكذا في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12 : 230 .
    (2) وسائل الشيعة 14 : 168 ، الباب 126 من أبواب مقدّمات النكاح، ح1 .
    (3) نفس المصدر والباب، ص169 ح2 .
    (4) مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 1 : 87 ـ 88 .

صفحه 129

قال في المستمسك : «والصحيحة وإن كانت ظاهرة في جواز تكشّف الصبيّة
للبالغ، لكنّها تدلّ بالملازمة العرفيّة على جواز نظره إليها»(1) .

3 ـ صحيحة البزنطي، عن الرضا(عليه السلام) قال : «يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ، ولا تغطّي المرأة شعرها منه حتّى يحتلم»(2) .

4 ـ صحيحته الاُخرى عن الرضا(عليه السلام) قال : لا تغطّي المرأة رأسها من الغلام حتّى يبلغ الغلام»(3) .

قال الشيخ الأعظم : «وهاتان الروايتان وإن دلّتا على جواز تكشّف المرأة عند الصبيّ، إلاّ أنّهما تدلاّن على جواز نظر الرجل إلى الصبيّة، بعدم القول بالفصل»(4) .

والحاصل : أنّه إذا لم يكن نظر الرجل إلى الصغيرة بتلذّذ وشهوة وريبة، ولم  يكن خوف افتتان ، يجوز ذلك ولا خلاف فيه .

وظاهر بعضها أنّه يجوز النظر إليها قبل البلوغ، كما استظهره في العروة والتعليقات عليها(5) .

ولكن قال السيّد أبو الحسن الاصفهاني في الوسيلة بالاحتياط الوجوبي، بأنّه يقتصر على مواضع لم تجر العادة على سترها بالألبسة المتعارفة، مثل الوجه والكفّين وشعر الرأس والذراعين والقدمين ، لا مثل الفخذ والأليين والظهر والصدر ، والثديين (6).

  • (1) مستمسك العروة الوثقى 14 : 39 .
    (2) وسائل الشيعة 14 : 169 الباب 126 من أبواب مقدّمات النكاح، ح3 .
    (3) نفس المصدر والباب ح4 .
    (4) كتاب النكاح، ضمن تراث الشيخ الأعظم 20 : 59 .
    (5) العروة الوثقى مع تعليقات عدّة من الفقهاء 5 : 497 .
    (6) وسيلة النجاة 2 : 233 .

صفحه 130

وقال في تحريرها: «الأحوط والأولى ذلك، ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها»(1) . وكذا في تفصيل الشريعة، وزاد أنّه « وإن نوقش بل قيل : بعدم صدق العورة المضافة إلى المؤمن والمؤمنة والرجل والمرأة قبل تحقّق البلوغ »(2). وهذا الاحتياط حسن .

عدم جواز النظر إلى الصغيرة مع تلذّذ وشهوة

ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا يجوز للرجل النظر إلى الصبيّة مع الشهوة والتلذّذ، ويدلّ عليه ما ذكر في تفسير قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ . . . )(3) من أنّ مقتضى هذه الآية وكذا قوله ـ تعالى ـ : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ )(4) هو حرمة جميع الاستمتاعات الجنسيّة على الإطلاق بالنسبة إلى غير الزوجة والمملوكة ، فيستفاد منها أنّه لا يجوز للرجل الاستمتاع والتلذّذ بالنظر إلى الصبيّة(5) .(6)

وكذا يشمله إطلاق النصوص الكثيرة التي تدلّ على حرمة النظر إلى الأجنبية، مثل ما رواه علي بن عقبة ـ في المعتبر ـ عن أبيه، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سمعته يقول : «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت

  • (1) تحرير الوسيلة 2 : 232 .
    (2) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 45 .
    (3) سورة النور 24 : 30 .
    (4) سورة المؤمنون 23 : 5 .
    (5) مباني العروة الوثقى ، كتاب النكاح 1 : 90 .
    (6) والإنصاف عدم تماميّة الاستدلال بهذه الآيات الشريفة، كما أنّ الاستدلال بالإطلاق الآتي غير تامّ، والحقّ أن يقال: إنّ المتيقّن من جواز النظر إلى الصغيرة هو النظر مع عدم التلذّذ والريبة، مضافاً إلى أنّ المستفاد من مذاقّ الشرع ذلك. م ج ف.

صفحه 131

حسرة طويلة»(1) وغيره(2) .

مضافاً إلى أ نّ ملاك الحرمة ـ وهو المفسدة وخوف الوقوع في الفتنة وابتلاء الناظر بما هو أشدّ كالزنا وغيره ـ موجود في النظر إلى الصغيرة إذا نظر إليها بتلذّذ وشهوة، ولا فرق بين الكبيرة والصغيرة في هذا .

ب : نظر المرأة إلى الصغير

الظاهر أنّه يجوز أن تنظر المرأة إلى الصبيّ الغير المميّز; للأصل، واختصاص أدلّة المنع بغير الأطفال بمقتضى التبادر .

وأمّا النظر إلى الصبيّ الذي يكون في سنّ التمييز ومظنّة الشهوة، فمع الالتذاذ لايجوز، والدليل عليه ما تقدّم في حرمة النظر للرجل إلى الصبيّة إن كان مع شهوة والتذاذ ; لوحدة الملاك حيث لا تفاوت بينهما .

قال في وسيلة النجاة : «يجوز للمرأة النظر إلى الصبيّ المميّز ما لم يبلغ، ولا  يجب عليها التستّر عنه ما لم يبلغ مبلغاً يترتّب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة»(3) .

وفي تحريرها : «على الأقوى في الترتّب الفعلي وعلى الأحوط في غيره»(4) .

وفي المستمسك : «إنّ صحيحة البجلي وإن كانت واردةً في الصبيّة، لكن يتعدّى منها إلى الصبيّ بالأولويّة ، فيجوز نظر المرأة إلى الصبيّ قبل البلوغ»(5) .

  • (1) وسائل الشيعة 14 : 138 الباب 104 من أبواب مقدّمات النكاح، ح1.
    (2) نفس المصدر ح2 و4 و5 .
    (3) وسيلة النجاة 2 : 235 .
    (4) تحرير الوسيلة 2 : 233 .
    (5) مستمسك العروة الوثقى 14 : 39 .

صفحه 132

وفي تفصيل الشريعة: « إذا ترتّب عليه ـ  أي على نظر المرأة إلى الصبيّ المميّز  ـ الثوران، فإن كان الترتّب فعليّاً فلا شبهة في عدم الجواز. وأمّا إذا لم يكن الترتّب فعليّاً، بل كان النظر منهما موجباً للثوران بالقوّة، فمقتضى الاحتياط . . . الترك، والوجه فيه رعاية مذاق الشرع ، حيث إنّ الشارع لا يرضى بذلك بعد كون المنظور إليه أجنبيّاً وإن كان صبيّاً »(1) (2).

ج : نظر الصبيّ إلى المرأة الأجنبيّة

الصبيّ إمّا يكون مميّزاً وإمّا غير مميّز ، فإن كان الناظر صبيّاً غير مميِّز فلا بأس أن ينظر إلى المرأة; بمعنى أنّه لم يحرم عليها التكشّف له.

قال في التذكرة : «الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء لا حجاب منه ، لقوله ـ تعالى ـ : ( ...أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ )(3) .

وبالجملة: إذا لم يبلغ مبلغاً يحكي ما يرى فحضوره كغيبته، ويجوز له التكشّف من كلّ وجه»(4) ، ولا يجب على الوليّ منعه منه .

وبه قال المحقّق والشهيد الثانيان(5) والفاضل الهندي(6) والمحدّث البحراني(7).

  • (1) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 47 .
    (2) يمكن أن يقال: إنّه إن كان الملاك في الحرمة التلذّذ، فلا فرق بين المميّز وغيره، وعلى هذا فلا مجال لأخذ ثوران الشهوة وعدمه، كما لا مجال للتفصيل بين الترتّب الفعلي وغيره، والله العالم. م ج ف.
    (3) سورة النور 24 : 31 .
    (4) تذكرة الفقهاء 2 : 573 ـ 574 ، الطبعة الحجريّة .
    (5) جامع المقاصد 12 : 35 ، مسالك الأفهام 7 : 49 .
    (6) كشف اللثام 7 : 30 .
    (7) الحدائق الناضرة 23: 64.

صفحه 133

وكذا في الرياض(1) والجواهر(2) والعروة مع التعليقات(3) والوسيلة(4) وتحريرها(5) ،
وكذا في تفصيل الشريعة(6) .

وأمّا إن كان مميِّزاً ، فإن كان فيه ثوران شهوة وتشوّق، فهو كالبالغ في النظر ، فيجب على الوليّ منعه منه ، وعلى الأجنبيّة التستّر عنه ، وبه قطع العلاّمة في التذكرة(7) ، واختاره المحقّق والشهيد الثانيان(8) ، وقوّاه في كشف اللثام(9)والحدائق(10) والجواهر(11). ولكن أطلق في القواعد(12) والتحرير(13) .

والحكم بعدم الجواز مبنيّ على أنّ ما علم مبغوضيّة وقوعه في الخارج من الشارع المقدّس على كلّ تقدير، بحيث لا يفرق الحال بين أن يكون مرتكبه بالغاً، أو غير بالغ، كالزنا وشرب الخمر واللواط ونحوها ، فيجب على المكلّفين المنع
من تحقّقه، وسدّ الطريق إليه، وقطع السبيل على فاعله قولاً وفعلاً ، وعلى هذا
فحيث إنّ من غير البعيد كون ما نحن فيه من هذا القبيل ولو بلحاظ انتهاء ذلك شيئاً فشيئاً إلى ما هو أعظم منه، باعتبار أنّ ذلك يوجب الاعتياد، ونتيجته الابتلاء به أو

  • (1) رياض المسائل 6 : 371 .
    (2) جواهر الكلام 29 : 84 .
    (3) العروة الوثقى مع تعليقات عدّة من الفقهاء 5 : 497 .
    (4) وسيلة النجاة 2 : 233 .
    (5) تحرير الوسيلة 2 : 232، مسألة 24 .
    (6) تفصيل الشريعة، كتاب النكاح : 43 .
    (7) تذكرة الفقهاء 2 : 574، الطبعة الحجريّة .
    (8) جامع المقاصد 12 : 35 ، مسالك الأفهام 7 : 49 .
    (9) كشف اللثام 7: 30.
    (10) الحدائق الناضرة 23 : 64 .
    (11) جواهر الكلام 29 : 84 .
    (12) قواعد الأحكام 3 : 7 .
    (13) تحرير الأحكام الشرعيّة 3 : 420 .

صفحه 134

بما هو أشدّ منه بعد البلوغ ، يجب على المرأة قطع السبيل على الصبيّ، وعدم السماح له بذلك، وهو لا يتحقّق عادةً إلاّ بالستر ، فيجب عليها ذلك(1) .(2)

وإن كان الصبيّ مع كونه مميّزاً لم يكن فيه ثوران شهوة وتشوّق، ففي جواز نظره إلى الأجنبيّة ـ بمعنى أنّه لا يجب على الوليّ منعه منه ولا يجب عليها الاحتجاب منه ـ قولان :

أحدهما : الجواز كما استقربه في التذكرة حيث قال : فالأقرب جواز نظره كما ينظر الرجل إلى محارمه ، كما أنّ له الدخول من غير استئذان إلاّ في الأوقات الثلاثة(3) ، التي هي مظنّة التبذّل والتكشّف ، وذلك قبل صلاة الفجر ، وعند الظهيرة، وبعد صلاة العشاء ، قال ـ سبحانه ـ : ( لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ  يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّات مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْرات )(4) .

ثانيهما : المنع; لعموم قوله ـ تعالى ـ : ( ...أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ )(5) .

ففي فقه القرآن للراوندي : «يعني الصغار الذين لم يراهقوا»(6) .

وقال في الكشّاف : «لم يظهروا، إمّا من ظهر على الشيء إذا اطّلع عليه; أي

  • (1) مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 1 : 89 .
    (2) ونتيجة هذا الاستدلال أنّ التستّر في مفروض الكلام ليس واجباً نفسيّاً على المرأة، بل وجوبه من باب المقدّمة، فتدخل في بحث مقدّمة الواجب. وأيضاً يتوقّف هذا الوجوب المقدّمي على تسليم كون ترك الحرام واجباً، مع أنّ الظاهر عدم التزام القائل به، فراجع وتدبّر. م ج ف.
    (3) تذكرة الفقهاء 2 : 574، الطبعة الحجريّة .
    (4) سورة النور 24 : 58 .
    (5) سورة النور 24 : 31 .
    (6) فقه القرآن للراوندي 2 : 129 .

صفحه 135

لا  يعرفون ما العورة ولا يميّزون بينها وبين غيرها . وإمّا من ظهر على فلان إذا قوى
عليه . . . أي لم يبلغوا أوان القدرة على الوطء»(1) .

وكذا في زبدة البيان(2) . ومثل ذلك أيضاً في أحكام القرآن للجصّاص(3) .

وقال في تفسير الكبير : «الظهور على الشيء على وجهين : الأوّل : العلم به .

الثاني : الغلبة له والصولة عليه .

فعلى الوجه الأوّل يكون المعنى أو الطفل الذين لم يظهروا; أي لم يتصوّروا على عورات النساء ولم يدروا ما هي لصغرهم ، وعلى الوجه الثاني : الطفل الذين لم  يبلغوا أن يطيقوا إتيان النساء»(4) .

وبالجملة:(5) معنى لم يظهروا أي لم يميّزوا بينها وبين غيرها ، فيدخل غيره في النهي عن إبداء الزينة له، ولا أقلّ للجهل بكون المميّز هو المقصود في المقام من الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، فيدخل في عموم النهي عن الكشف له، ويجب التستّر منه .

نفى البأس عن هذا القول في التذكرة، بل لعلّه اختاره(6) .

وذهب إليه أيضاً المحقّق والشهيد الثانيان(7) ، واستقربه في كشف اللثام(8) .

  • (1) الكشّاف 3 : 232 .
    (2) زبدة البيان : 689 .
    (3) أحكام القرآن للجصّاص 3 : 464 .
    (4) التفسير الكبير 8 : 367 .
    (5) يمكن أن يقال: إنّ الاحتمال الثاني غير مناسب مع لفظ العورات، بل المناسب له هو الاحتمال الأوّل، وعلى هذا فيكون المميّز خارجاً. م ج ف.
    (6) تذكرة الفقهاء 2 : 574، الطبعة الحجريّة .
    (7) جامع المقاصد 12 : 36 ، مسالك الأفهام 7 : 49 .
    (8) كشف اللثام 7 : 30 .

صفحه 136

وقال في الرياض : «أحوطهما المنع فيمنعه الوليّ عنه»(1) ، وقوّاه في المسالك(2) .

وقال المحدّث البحراني : فالمسألة بالنظر إلى ما ذكره محلّ إشكال وتوقّف، إلاّ أنّه يمكن أن يُرجِّح الجواز بأنّه الأوفق ، بمقتضى الأصل حتّى يقوم دليل التحريم .

وما رواه الصدوق في الفقيه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد  بن أبي نصر، عن الرضا(عليه السلام) قال : يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ، ولا  تغطّي المرأة شعرها منه حتّى يحتلم(3) .

وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن أحمد بن أبي نصر، عن الرضا(عليه السلام)قال : لا تغطّي المرأة رأسها من الغلام حتّى يبلغ الحلم(4) .

والتقريب فيهما تلازم جواز كشفها الرأس له وجواز نظره لها، إذ لو حرّم عليه النظر لها لحرم عليها التكشّف له ، والخبران مطلقان بالنسبة إلى من يحصل منه التلذّذ وغيره ، ومع عدم تقييدهما بما ذكروه ، من استثناء النظر الذي يترتّب عليه التلذّذ ، فالدلالة على الفرد الآخر لا معارض لها ، وبه يظهر صحّة القول بالجواز في المسألة»(5) .

نقول: ولعلّ كلامه(قدس سره) هو الأظهر; لإطلاق الصحيحتين، ولعموم رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم(6) ، إلاّ أ نّ الاحتياط حسن ، باعتبار أ نّ ذلك يوجب الاعتياد والابتلاء به أو بما هو أشدّ منه ، فلا ينبغي تركه .

  • (1) رياض المسائل 6 : 371 .
    (2) مسالك الأفهام 7: 49.
    (3) الفقيه 3 : 276 ح3 ، وسائل الشيعة 14 : 169 الباب 126، من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ح3 .
    (4) قرب الإسناد : 170 ، وسائل الشيعة 14 : 169 الباب 126، من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ح4.
    (5) الحدائق الناضرة 23 : 65 .
    (6) وسائل الشيعة 1 : 32 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات، ح11 .