تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
سخن موسس فقید
سخن موسس فقید
الذخر الفاخر
(الصفحة 235 )

الشأن في سائر الموارد التي يشكّ فيها في ثبوت حكم تكليفي، أو وضعي مترتّب عليه حكم تكليفي(1) . وكيف كان ولنذكر مدارك القاعدة وبيان خروجها من قاعدة اليد :

1 ـ مدارك القاعدة

وهي اُمور :

الأوّل : عدم وجود السبب لضمانه ، وذلك من جهة أنّ سبب الضمان الواقعي ـ أي المثل أو القيمة في غير الضمان المعاوضي والعقدي ـ اُمور كلّها ليس فيما إذا
تلف مال الغير في يد الأمين بدون تعدّ ولا تفريط ; لأنّ أحد أسباب الضمان
الواقعي هو الإتلاف لقاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» والمفروض في المقام هو التلف لا الإتلاف .

والسبب الثاني : هو اليد ، وأنّ اليد التي تكون موجبة للضمان إمّا هي اليد المعنونة بعنوان العارية كما قيل ، ومعلوم أنّ يد الأمين ليست يداً عارية ، وإمّا هي يد غير المأذونة من قبل المالك، أو من قبل الله تعالى، كما هو الصحيح ، وأيضاً معلوم أنّ يد الأمين إمّا مأذونة من قبل المالك، أو من قبل الله تعالى .

والسبب الثالث : التغرير ، ولا شكّ في أنّه لا تغرير من طرف الأمين للمالك بالنسبة إلى المال الذي في يده ، ولو كان فهو ضامن ، ولا يضرّ بعموم هذه القاعدة، وأجنبي عن المقام(2) .

الثاني : يظهر من الروايات الكثيرة الواردة في الموارد المختلفة من الاقتصار

  • (1) بلغة الفقيه 3 : 377 ، القواعد الفقهيّة للفاضل اللنكراني 1 : 27 ، القواعد الفقهيّة بين الأصالة والتوجيه : 217 ، القواعد الفقهيّة للنّدوي : 60 .
    (2) القواعد الفقهيّة للبجنوردي 2 : 9 ـ 10 .

(الصفحة 236 )

على الحكم بكون الرجل أميناً أو مؤتمناً ، الظاهر في مفروغية استتباع الأمانة لنفي الضمان(1) ، كصحيحة الحلبي ، عن الصادق (عليه السلام) قال : «صاحب الوديعة والبضاعة(2)مؤتمنان»(3) .

وأيضاً عنه ، عن الصادق (عليه السلام) عن رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرقه ، قال : «هو مؤتمن»(4) . بناءً على أن يكون العمل المستأجر عليه هو الحفظ . وفي رواية اُخرى عنه (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أُتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه، وقال : إنّما هو أمين(5) .

الثالث : من وجوه عدم ضمان الأمين هو الأخبار :

منها : ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : «ليس على المؤتمن ضمان»(6) .

ومثله ما في السنن الكبرى للبيهقي(7) .

ومنها : ما في مرسل أبان بن عثمان قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق ، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال : «ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً(8) ».

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « . . . إذا كان أميناً

  • (1) تفصيل الشريعة ، كتاب الإجارة : 377 .
    (2) البضاعة بالكسر قطعة من المال تعدّ للتجارة، المصباح المنير 1 : 51.
    (3) وسائل الشيعة 13 : 227 باب 4 من أبواب الوديعة ح1 .
    (4) تهذيب الأحكام 7 : 218 ح952 ، وسائل الشيعة 13 : 272 باب 29 من أبواب الإجارة ح3 .
    (5) الكافي 5 : 244 ح8 ، وسائل الشيعة 13 : 270 باب 28 من أبواب الإجارة ح1 .
    (6) مستدرك الوسائل 14 : 16 باب 4 من أبواب الوديعة ح4 .
    (7) السنن الكبرى 6 : 289 باب لا ضمان على مؤتمن .
    (8) وسائل الشيعة 13 : 227 باب 4 من أبواب الوديعة ح5 .

(الصفحة 237 )

فلاغرم عليه»(1) .

ومنها : الخبر المعروف . : ليس على الأمين إلاّ اليمين(2) .

ومنها : رواية عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لا  ضمان على مؤتمن(3) .

فإنّ الرواية الاُولى عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) واضحة الدلالة ، بل يمكن
أن يقال: إنّها نصّ على عدم ضمان الأمين ، وكذلك رواية أبان بن عثمان وصحيحة محمّد بن مسلم ، حيث إنّه (عليه السلام) نفى الغرم عنه; لكونه أميناً ، فيستفاد العموم من هذا التعليق لكلّ أمين ، سواء كان أميناً من طرف المالك، أو من قبل الشرع .

وأمّا الخبر المعروف الجاري على الألسنة إذا ثبت وجوده فدلالته واضحة ; لأنّ المراد من نفي غير اليمين هو الضمان(4) .

الرابع : الروايات التي دلّت على وجوب تصديق الأمين، والنهي عن اتّهامه :

منها : عن مسعدة بن صدقة ، عن الصادق (عليه السلام) قال : ليس لك أن تأتمن من خانك ، ولا تتّهم من ائتمنت(5) .

ومنها : موثّقة مسعدة بن زياد ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : «ليس لك أن تتّهم من قد أئتمنته . . .»(6) .

دلّت هاتان الروايتان بإطلاقهما على أنّ الأمين إذا أخبر من أحوال الأمانة

  • (1) الكافي 5 : 240 ح4 .
    (2) لم نقف على مصدره .
    (3) السنن الكبرى 6 : 289 باب لا ضمان على مؤتمن ، سنن الدارقطني 3 : 36 ح2938 .
    (4) القواعد الفقهيّة للبجنوردي 2 : 11 .
    (5 و 2) وسائل الشيعة 13 : 229 باب 4 من أبواب الوديعة ح9 ـ 10 .

(الصفحة 238 )

تكون الوظيفة الشرعيّة هو التصديق ، ولا يجوز لأحد اتّهام الأمين وتكذيبه(1) .

وعدّ بعض العامّة هذه القاعدة «الأمين يصدّق ما أمكن» من القواعد الفقهيّة(2) .

قال السيوطي : قاعدة : كلّ أمين من مرتهن، ووكيل، وشريك، ومقارض، ووليّ محجور ، وملتقط لم يتملّك ، وملتقط لقيط ، ومستأجر وأجير وغيرهم يصدَّق باليمين في التلف على حكم الأمانة إن لم يذكر سبباً، أو ذكر سبباً خفيّاً ، فإن ذكر سبباً ظاهراً غير معروف فلابدّ من إثباته ، أو عرف عمومه لم يحتجّ إلى يمين ، أو عرف دون عمومه صدِّق بيمينه(3) .

الخامس : السيرة العمليّة المستمرّة المتّصلة بعهد المعصومين (عليهم السلام) على قبول قول الأمين فيما أؤتمن عليه(4) .

السادس : أنّ الأمين المأذون من قبل المالك، أو من قبل الشارع لنفع المالك محسن إليه ، وقال تعالى : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيل}(5) . وحيث إنّ كلمة «سبيل» في الآية الشريفة نكرة واقعة في سياق النفي المفيد ، فكلّ سبيل منفيّ بالنسبة إلى المحسنين ، ولا شكّ أنّ كون الضمان على عهدة الأمين سبيل ، فبعد الفراغ عن كونه محسناً يكون الضمان منفيّاً عنه .

ولكن هذا الوجه لا يجري في جميع الاُمناء والمأذونين ، ففي مثل العارية وإن كان المستعير مأذوناً من قبل المالك، ولكن لا يعدّ محسناً إلى المالك، بل تصرّفه

  • (1) القواعد للمصطفوي : 87 ـ 88 .
    (2) القواعد الفقهيّة للنّدوي : 146 .
    (3) الأشباه والنظائر في الفروع : 279 .
    (4) مستمسك العروة الوثقى 13 : 147 ، مباني العروة الوثقى كتاب المزارعة : 392 .
    (5) التوبة : 91 .

(الصفحة 239 )

في مال المالك لأجل مصلحة نفسه لا المالك(1) .

2 ـ خروج اليد الأماني من قاعدة اليد

واعلم : أنّ القاعدة الأوّلية كون المقبوض باليد مضموناً مطلقاً خرج منها باب الأمانات فإنّها غير مضمونة ، لكن القدر المتيقّن من خروج الأمانة عن الضمان هي حالة بقاء الأمين على أمانته ، آتياً بما يلزم عليه الإتيان به ، تاركاً لما يجب عليه الاجتناب عنه في خصوص هذه الأمانة .

أمّا مع خروج الأمين عن هذا الحدّ ، وصدور التعدّي أو التفريط منه بالنسبة إلى ذلك المال ، سقط عن حدّ الأمانة ، وعن قاعدة تصديق الأمين ، ودخل في مورد قاعدة الإتلاف، ومن أتلف مال الغير فهو له ضامن، وقاعدة اليد .

فعدم التعدّي والتفريط مأخوذ في حقيقة الأمين ، والاستثناء في الطاعة مستدرك; لأنّه إذا صدر عنه التعدّي أو التفريط فهو خائن وليس بأمين ; لأنّ الأمانة مقابلة للخيانة ، ولا ريب أنّ التعدّي والتفريط خيانة ، فإذا خرج عنه فهو داخل في عموم دليل الضمان على القاعدة(2) .

ويدلّ على الضمان ـ سوى القواعد العامّة ـ روايات خاصّة في أبواب متفرّقة ، منها : ما عن الحلبي في رواية قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تكارى دابّة إلى مكان معلوم فنفقت الدابّة ، قال : إن كان جاز الشرط فهو ضامن ، وإن دخل وادياً لم يوثقها فهو ضامن ، وإن سقطت في بئر فهو ضامن; لأنّه لم يستوثق منها(3) . فهذه الرواية تدلّ على الضمان في صورتي التعدّي والتفريط معاً .

  • (1) القواعد الفقهيّة للبجنوردي 2 : 4 ـ 7 .
    (2) العناوين 2 : 446 ـ 447 ، القواعد الفقهيّة للبجنوردي 2 : 13 .
    (3) الكافي 5 : 290 ح3 .

(الصفحة 240 )

خاتمة في صغريات باب الأمانة

البحث في هذا الفصل في تنقيح صغريات الباب ، وهي ثبوت الأمانة وتشخيص حقيقتها ، وإنّما يستفاد تحقّقها ممّا ورد في الأبواب المتفرّقة من الوديعة ، والعارية ، والمضاربة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والوكالة ، والأجير ، والمستأجر ، واللقطة ، والبضاعة ، والدلاّل ، ومالك الزكاة والخمس ، والرهانة ، والشركة وغير ذلك .

ونحن نذكر أوّلا في كلّ باب بعض كلمات الفقهاء من الخاصّة والعامّة ، ثمّ نذكر ثانياً الدليل على كون الباب من موارد الأمانة من الأدلّة الخاصّة، أو العامّة .

أ : المودَع

الوديعة : وهي عبارة عن إيداع ماله أو شيء آخر عند شخص لوثوقه به; لكي يستردّه فيما بعد .

قالوا : والمودَع مؤتمن على الوديعة ، وقوله مقبول فيها ، فإن ضاعت الوديعة لم يلزمه شيء، إلاّ أن يكون قد فرّط في حفظها أو تعدّى فيها ، فإن ادّعى المودَع التلف ـ سواء أسنده إلى سبب أو لا ; وسواء كان ظاهراً كالغرق والحرق ، أو خفيّاً كالسرقة ونحوها ـ وأنكر المالك ، كان القول قول المودَع مع يمينه من غير بيّنة وإن كان مدّعياً ومخالفاً للأصل ; لأنّه أمين في كلّ حال ، وتكليف الاُمناء بالبيّنة في دعوى التلف ينجرّ إلى فتور رغبة الناس عن قبول الوداع(1) . بل عن الصدوق

  • (1) المهذب لابن البرّاج 1 : 422 ـ 425 ، الكافي في الفقه : 231 ، جواهر الفقه : 103 ، شرائع الإسلام 2 : 167 ، مختلف الشيعة 6 : 31 ، الحدائق الناضرة 21 : 455 ، العناوين 2 : 612 ، جواهر الكلام 27 : 147 ـ 148 ، كفاية الأحكام : 134 ، المناهل : 133 .

(الصفحة 241 )

والشيخ وابن حمزة(1) : أنّه لا يمين عليه مطلقاً ـ سواء كان من مواضع التهمة أم لا ـ للمرسل في المقنع عن الصادق (عليه السلام)  : عن المودَع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال : نعم ، ولا يمين عليه(2) .

ويدلّ على الصغرى وأنّ الوديعة أمانة صحيحة الحلبي ، عن الصادق (عليه السلام) قال : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان(3) . وغير ذلك من الروايات .

أمّا الجمهور فقال بعضهم : والوديعة أمانة في يد المودَع ، فإن تلفت الوديعة من غير تفريط من المودَع فليس عليه فيها ضمان ، وهو قول أكثر الفقهاء ، وروي ذلك عن أبي بكر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأصحاب الرأي ، وشريح ، والنخعي ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد .

لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «من استُودع وديعة فلا ضمان عليه»(4) ; ولأنّه يحفظها للمالك فكانت يده كيَدِه ; ولأنّ حفظ الوديعة معروف وإحسان ، فلو ضمنت من غير عدوان زهد الناس في قبولها ، فيؤدّي إلى قطع المعروف .

ثمّ قال : إذا أودع رجل رجلا وديعة، وطالب المودِّع بردّ الوديعة ، وادّعى المستودع تلفها في يده ولم يذكر سبباً ، أو ذكر سبباً خفيّاً كالسرقة ، فالقول قول المستودع مع يمينه أنّها هلكت ، وهو بالإجماع ; لأنّه ائتمنه على ماله ، فليصدّقه ، ولا يلزم بيان السبب; لأنّه خفيّ ، ويتعذّر إقامة البيّنة عليه ، فيقبل قوله مع يمينه ، وإذا ذكر المستودع سبباً ظاهراً، كوقوع الحريق، أو غارة، أو سيل، لم يقبل قوله

  • (1) المقنع : 386 ، النهاية : 436 ، الوسيلة : 275 .
    (2) المقنع : 386 ، وسائل الشيعة 13 : 228 باب 4 من أبواب الوديعة ح7 .
    (3) وسائل الشيعة 13 : 227 باب 4 من أبواب الوديعة ح1 .
    (4) السنن الكبرى 6 : 289 ، باب لا ضمان على مؤتمن .

(الصفحة 242 )

حتّى يقيم البيّنة على حدوث هذه المتلفات ; لأنّ الأصل أن لا نهب ولا حريق(1) .

ب : المستعير

لا خلاف بين الأصحاب في أنّ العارية أمانة في يد المستعير لا تستعقب الضمان ، وعليه كلّ عارية تلفت عند المستعير بغير تفريط ولا عدوان فلا ضمان عليه ، إلاّ إذا اشترط الضمان ، أو كان المعار من الذهب والفضّة(2) . وبذلك تكاثرت الأخبار :

منها : ما في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تسرق؟ فقال : إذا كان أميناً فلا غرم عليه(3) .

ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن العارية؟ فقال : لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأموناً(4) .

ومنها : ما في صحيحة الحلبي ، عن الصادق (عليه السلام) قال : ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن»(5) . إلى غير ذلك من الروايات(6) .

فإذا اختلف المعير والمستعير وادّعى المستعير تلف العارية بلا تعدّ ولا  تفريط ،

  • (1) المهذب في فقه للشافعي 1 : 359 و 362 ، المجموع شرح المهذّب 14 : 349 ـ 350 و385 .
    (2) المقنع للصدوق : 386 ، المبسوط 3 : 49 ، شرائع الإسلام 2 : 174 ، القواعد والفوائد 2 : 272 ، إيضاح الفوائد 2 : 129 ، الحدائق الناضرة 21 : 504 ، جواهر الكلام 27 : 163 ، مفاتيح الشرائع 3 : 168 ، نضد القواعد الفقهيّة : 385 .
    (3) الكافي 5 : 240 ح4.
    (4) المصدر ح5.
    (5) تهذيب الأحكام 7 : 182 ح798 .
    (6) الكافي 5 : 239 باب ضمان العارية والوديعة ، تهذيب الأحكام 7 : 182 باب العارية ، وسائل الشيعة 13 : 235 باب 1 من أبواب العارية .

(الصفحة 243 )

وأنكر المالك، فالقول قول المستعير بيمينه عند المشهور ، وإن كان مدّعياً ومخالفاً للأصل ; لأنّه أمين فيقبل قوله على من ائتمنه(1) .

أمّا الجمهور فاختلفوا في كون العارية مضمونة أو أمانة ، على أقوال :

القول الأوّل : من قالت : إنّها في الأصل تعتبر أمانة في يد المستعير غيرمضمونة ما لم يتعدّ فيها المستعير، إلاّ أن يشترط ضمانها فيجب; لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لصفوان «بل عارية مضمونة»(2) ; وهو قول أبي حنيفة وقتادة والعنبري .

القول الثاني : العارية مضمونة وإن لم يتعدّ فيها المستعير، وقامت البيّنة على تلفها ، وهو قول الشافعي وأحد قولي مالك وقول الحنابلة .

القول الثالث : العارية مضمونة فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بيّنة ، ولا  يضمن فيما لا يغاب عليه ، ولا فيما قامت البيّنة على تلفه ، وهو مذهب مالك في المشهور وابن القاسم وأكثر أصحابه(3) .

وسبب الخلاف تعارض الآثار في ذلك ، وذلك أنّه ورد في الحديث أنّه قال عليه الصلاة والسلام لصفوان بن أُميّة : «بل عارية مضمونة مؤدّاة»(4) . وفي بعضها
«بل عارية مؤدّاة»(5) . وروي عنه قال : «ليس على المستعير ضمان» فمن رجع وأخذ بها أسقط الضمان عنه ، ومن أخذ بحديث صفوان بن اُميّة ألزمه الضمان ، ومن ذهب مذهب الجمع حمل هذا الضمان على ما يغاب عليه ، والحديث الآخر على

  • (1) المقنع : 386 ، الكافي في الفقه : 329 ، قواعد الأحكام 1 : 194 ، إيضاح الفوائد 2 : 134 ، جامع المقاصد 6 : 93 ، الحدائق الناضرة 21 : 524 ، فقه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) 4 : 217 ، المناهل : 133 .
    (2) السنن الكبرى 6 : 89 باب أنّ العارية مضمونة .
    (3) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2 : 312 ، المغني 5 : 354 ـ 356 ، المدخل الفقهي العام 2 : 862 ، المجموع 15 : 15 ـ 17 .
    (4) السنن الكبرى 6 : 89 باب العارية المضمونة .
    (5) السنن الكبرى 6 : 88 باب العارية مؤدّاة .

(الصفحة 244 )

ما لايغاب عليه(1) .

ج : المرتهِن

الرهينة وثيقة لدَين المرتهن(2) . والرهن أمانة في يد المرتهن، والمرتهن أمين لايضمنه لو تلف عنده، إلاّ بالتفريط أو التعدّي ، وهو المشهور ، بل ادّعى الشيخ وغيره(3) الإجماع عليه ، ومتى تلف الرهن كان للمرتهن أن يرجع على الراهن بدَينه ـ سواء كان دَينه أكثر من قيمة الرهن أو أقلّ منه ، وسواء كان هلاكه بأمر ظاهر مثل الغرق والحرق والنهب ، أو أمر خفيّ مثل التلصّص والسرقة والحفية أو الضياع ـ ; لأنّه أمانة ، فإن اتّهم المرتهن كان القول قوله مع يمينه(4) .

ويدلّ عليه جملة من الأخبار :

منها : ما رواه إسماعيل بن مسلم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : قال علي (عليه السلام) في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن فقال الراهن : هو بكذا وكذا ، وقال المرتهن : هو بأكثر : إنّه يصدّق المرتهن حتّى يحيط بالثمن; لأنّه أمين(5) .

ومنها : صحيحة الحلبي في الرجل يرهن عند الرجل رهناً فيصيبه شيء، أو يضيع ، قال : يرجع بماله عليه(6) . وغير ذلك من الروايات(7) . ويحمل روايات

  • (1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2 : 312 .
    (2) شرائع الإسلام 2 : 75 ، قواعد الأحكام 1 : 158 .
    (3) المبسوط 2 : 246 ، الخلاف 3 : 245 ، مفاتيح الشرائع 3 : 139 .
    (4) المقنع : 386 ، المبسوط 2 : 246 ـ 247 ، شرائع الإسلام 2 : 80 ، إرشاد الأذهان 1 : 393 ، الدروس 3 : 405 درس 281 ، إيضاح الفوائد 2 : 45 ، مجمع الفائدة والبرهان 9 : 157 ، الحدائق الناضرة 20 : 234 ، جواهر الكلام 25 : 177 ، القواعد الفقهيّة للبجنوردي 6 : 33 ، تحرير الوسيلة ، كتاب الرهن ، مسألة 28 .
    (5) من لا يحضره الفقيه 3 : 197 ح895 ، وسائل الشيعة 13 : 138 باب 17 من أبواب الرهن ح4 .
    (6) تهذيب الأحكام 7 : 170 ح757 ، ومثله في من لايحضره الفقيه 3 : 198 ح900 عن الصادق (عليه السلام)  ، وسائل الشيعة 13: 126 باب 5 من أبواب الرهن ح 5 .
    (7) الكافي 5 : 234 باب الرهن ، من لا يحضره الفقيه 3 : 195 باب الرهن ، تهذيب الأحكام 7 : 168 باب الرهون ، وسائل الشيعة 13 : 125 باب 5 من أبواب الرهن .

(الصفحة 245 )

المخالف ما إذا فرّط المرتهن وقصّر وتلف في يده، كما حمله الشيخ وغيره(1) .

أمّا الجمهور فإنّهم اختلفوا في كون المرهون أمانة في يد المرتهن ; فقال قوم : الرهن أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعدّ منه فلا شيء عليه ، ولا يسقط بهلاكه شيء من دَينه ، وإن اختلف الراهن والمرتهن في التفريط وعدمه ، فالقول قول المرتهن مع يمينه وعدم الضمان عليه ، فإن كان تلفه بتعدٍّ أو تفريط في حفظه ضمنه .

يروى ذلك عن علي (عليه السلام)  ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وعطاء والزهري والأوزاعي وابن المنذر وجمهور أهل الحديث . احتجّوا بحديث سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «لا يغلق الرهن ، الرهن لصاحبه الذي رهنه ، له غُنمه وعليه غرمه»(2) أي له غلّته وخراجه، وعليه افتكاكه ومصيبته منه . ولخبر: الرهن من راهنه وله غنمه وعليه غرمه(3) ، هذا هو القول الأوّل.

القول الثاني : الرهن من المرتهن ومصيبته منه ، وأنّ المرهون يهلك مضموناً بالدَين ، وممّن قال بهذا القول أبو حنيفة وجمهور الكوفيّين ; لأنّه روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : «الرهن بما فيه»(4) .

القول الثالث : وفرّق قوم بين ما لا يغاب عليه ، مثل الحيوان والعقار ممّا
لايخفى هلاكه ، وبين ما يغاب عليه من العروض ، فقالوا : هو مؤتمن فيما لا يغاب عليه ، وضامن فيما يغاب عليه، إلاّ إذا شهد الشهود بهلاك ما يغاب عليه ، من غير

  • (1) تهذيب الأحكام 7 : 171 ذ ح 761 ، مجمع الفائدة والبرهان 9 : 159 ، جواهر الكلام 25 : 176 .
    (2) السنن الكبرى كتاب الرهن 6: 39.
    (3) المصدر: 39.
    (4) المصدر: 4.

(الصفحة 246 )

تضييع ولا تفريط فإنّه لا يضمن ، وممّن قال بهذا القول مالك(1) .

د : الوكيل

قالوا : الوكيل أمين لا يضمن ما تلف في يده من الموكّل، إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، ويده يد أمانة في حقّ الموكّل فلا يضمن . وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ، ولا يضمنه بتأخيره، إلاّ مع الطلب وإمكان الدفع .

إذا اختلف الموكّل والوكيل في التلف ، فادّعى الوكيل تلف المال الذي سلّمه الموكّل إليه ليتصرّف فيه، وأنكر الموكّل تلفه ، أو ادّعى تلف الثمن الذي قبضه بعدما أقرّ له الموكّل بالقبض، غير أنّه أنكر التلف ، فالقول قول الوكيل في ذلك; لأنّه أمين ، خلافاً للقاعدة ، حيث تقتضي كون الإثبات على الوكيل، إلاّ أنّنا قد خرجنا عنها; لوجود الدليل على تقديم قول الوكيل ; للسيرة العمليّة الفعليّة المتّصلة بعهد المعصومين (عليهم السلام)  .

حيث جرى بناء العقلاء من المتشرّعة وغيرهم على قبول قول الوكيل فيما هو وكيل فيه(2) ، قد ادّعى في الأمانة ما يتعذّر إقامة البيّنة عليه ، فكان القول قوله ، ولا فرق بين السبب الظاهر والخفيّ ، ويلوح من كلامهم: أنّه لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام(3) .

  • (1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2 : 277 ، المغني وشرح الكبير 4 : 410 ، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 4 : 281 ، بدايع الصنايع 5 : 224 .
    (2) مباني العروة الوثقى ، كتاب المزارعة : 391 ـ 392 مسألة 28 .
    (3) المبسوط 2 : 372 ، جواهر الفقه : 77 ـ 78 مسألة 287 ، شرائع الإسلام 2 : 203 و 205 ، تذكرة الفقهاء 2 : 137 ، قواعد الأحكام 1 : 261 ، إرشاد الأذهان 1 : 418 و 420 ، جامع المقاصد 8 : 318 و 261 ، الحدائق الناضرة 22 : 83 ، جواهر الكلام 27 : 431 ، العناوين 2 : 482 ، ملحقات العروة الوثقى 2 : 146 و 152 ـ 153 ، فقه الإمام جعفر الصادق 4 : 252 ، تحرير الوسيلة 2 : 48 مسألة 36 و 39 .

(الصفحة 247 )

وكذا إذا ادّعى على وكيله أنّه طالبه بردّ المال الذي له في يده، فامتنع من الردّ مع الإمكان فهو ضامن ، فأنكر الوكيل ذلك ، وقال : ما طالبتني بردّه، فلا ضمان عليّ ، كان القول قول الوكيل مع يمينه; لأنّه ادّعت عليه الخيانة والأصل أمانته(1) .

أمّا الجمهور فقالوا : الوكيل أمين ، ويده يد أمانة على المال الذي في يده ، وإذا اختلف الوكيل والموكّل في التلف فيقول الوكيل تلف مالك في يدي ، أو الثمن الذي قبضته ثمن متاعك تلف في يدي فيكذّبه الموكّل ، فالقول قول الوكيل مع يمينه; لأنّه أمين ، وهذا ممّا يتعذّر إقامة البيّنة عليه، فلا يكلّف ذلك كالمودع ، وقال الشافعي والقاضي: إلاّ أن يدّعي التلف بأمر ظاهر، كالحريق وشبهه، فعليه إقامة البيّنة على وجود هذا الأمر(2) .

هـ  : الرسول

والرسول أمين، والمال الذي في يد الرسول من جهة الرسالة في حكم الوديعة ، كالمال الذي قبضه الوكيل من جهة الوكالة ، فإذا تلف بلا تعدّ ولا تقصير فلا يلزم الضمان .

مثلا: لو أرسل أحد خادمه للصيرفي لإحضار ما يريد الصيرفي أن يقرضه إيّاه من النقود ، فقال الصيرفي : أعطيته إيّاه ، وقال الخادم : أخذته أيضاً
وأعطيته لمولاي ، يصدّق الخادم في حقّ براءة نفسه; لأنّه أمين ، ويقبل قوله في

  • (1) المبسوط 2 : 376 .
    (2) المهذب 1 : 358 ، بداية المجتهد 2 : 302 ، المغني 5 : 221 ، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 5 : 48 ، درر الحكام شرح مجلّة الأحكام 11 : 582 ـ 583 ، الكافي في فقه أهل المدينة : 395 .

(الصفحة 248 )

حقّ نفسه ، وإذا وقع التلف في يد الرسول بلا تعدّ ولا تقصير فلا يلزمه شيء(1) ، وأنّ قوله (صلى الله عليه وآله)  : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي(2) ربما يقال باختصاصه
باليد المعنونة بعنوان العادية ، أو باليد غير المأذونة من قبل المالك، أو من قبل الله ، ومعلوم أنّ يد الرسول ليست بيد عادية ولا غير مأذونة ، فلا تشمله قوله (صلى الله عليه وآله)  : على اليد . . .

وعلى فرض شموله، والدليل على التخصيص الروايات المتكثّرة(3) ، الواردة في عدم ضمان الأمين ، ومقتضى تعليق الحكم بعدم الغرامة في الجواب على كون الرجل أميناً ثبوت الحكم في جميع موارد ثبوت الأمانة ولو في غير مورد السؤال(4) .

وصحيحة زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت ، فقال : «ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان»(5) .

وقوله تعالى : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيل}(6) له معنى عامّ شامل لكلّ ما يكون بضرر المحسن وموجباً لمؤاخذته والأخذ به ، سواء كان عقاباً في الآخر ، أو أمراً ضرريّاً عليه في الدينا ، كضمانه وتغريمه وتعزيره(7) .

  • (1) درر الحكام شرح مجلّة الأحكام 11 : 586 مادة 1463 ، تحرير المجلّة 4 : 18 ، القواعد الفقهيّة بين الاصابة والتوجيه : 257 .
    (2) مستدرك الوسائل 17 : 88 باب 1 من أبواب الغصب ح4 ، السنن الكبرى كتاب الغصب 6 : 95 ، باب ردّ المغصوب إذا كان باقياً .
    (3) الكافي 5 : 240 ح4 ، وسائل الشيعة 13 : 228 باب 4 من كتاب الوديعة ح5 ، مستدرك الوسائل 14 : 16 باب 4 من أبواب الوديعة ح4 ، السنن الكبرى 6 : 289 باب لا ضمان على مؤتمن ، سنن الدارقطني 3 : 36 ح2938 .
    (4) القواعد الفقهيّة للفاضل اللنكراني 1 : 28 ـ 29 .
    (5) وسائل الشيعة 6 : 198 باب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة ح2 .
    (6) التوبة : 92 .
    (7) القواعد الفقهيّة للبجنوردي 4 : 8 ، وللفاضل اللنكراني 1 : 283 .

(الصفحة 249 )

و : الدلاّل

والدلاّل أمين لا يضمن ما تلف في يده، إلاّ مع الإفراط أو التفريط ، وقوله مقبول في التلف ، ولعلّ ذلك مجمع عليه ، مع أنّ الأصل عدم التلف(1) .

وفي رواية عليّ بن محمّد القاساني قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث (عليه السلام) وأنا بالمدينة سنة إحدى وثلاثين ومائتين : جعلت فداك رجل أمر رجلا يشتري له متاعاً أو غير ذلك ، فاشتراه منه أو قطع عليه الطريق ، مِن مال مَنْ ذهب المتاع ، من مال الآمر أو مِن مال المأمور؟ فكتب سلام الله عليه : من مال الآمر(2) .

أمّا الجمهور فقال بعضهم : ويد الوكيل يد أمانة ، فإن تعدّى ضمن، كسائر الأُمناء، كلبس الدلاّلين للأمتعة التي تدفع إليهم ، وركوب الدوابّ أيضاً التي تدفع إليهم لبيعها ما لم يأذن في ذلك أو تجري به العادة ، ويعلم الدافع بجريان العادة بذلك فلايكون تعدّياً لكن يكون عارية ، فإن تلف بالاستعمال المأذون فيه حقيقة أو حكماً بأن جرت به العادة على ما مرّ فلا ضمان(3) .

ز : الشريك

كلّ واحد من الشريكين أمين ، يده يد أمانة على ما تحت يده، كالمستودع والوكيل لا يضمن ما تلف في يده، إلاّ بتعدّ أو تفريط ، يقبل قوله في الخسران والتلف مع اليمين ، كالمستودع إذا ادّعى التلف ، سواء أسند التلف إلى سبب ظاهر

  • (1) إرشاد الأذهان 1 : 384 ، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 2 : 148 ، مجمع الفائدة والبرهان 8 : 540 ، العناوين 2 : 482 عنوان 65 .
    (2) الكافي 5 : 314 ح44 ، تهذيب الأحكام 7 : 225 ح985 ، وسائل الشيعة 12 : 393 باب 19 من أبواب أحكام العقود ح1 .
    (3) حاشية نور الدين شبر آملي لكتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج مع هامشها 5 : 48 .

(الصفحة 250 )

كالحرق والغرق ، أو خفيّ كالسرقة ; لأنّه أمين ووكيل .

نعم ، لو تعدّى المتصرّف ما حدّ له ضمن; لقاعدة اليد وغيرها .

إذا كان مال الشركة في يد أحد الشركاء ، وادّعى التلف ، فالقول قوله بيمينه ; لأنّه أمين ، وليس على الأمين إلاّ اليمين(1) .

أمّا الجمهور فقالوا : والشريك أمين فيما في يده من مال شريكه ، فيتصرّف بلا  ضرر ، ثمّ إنّ يد كلّ واحد من الشريكين يد أمانة كالمودع والوكيل ، مع أنّ الشريك يملك أمراً زائداً لا يملكه المودع وهو التصرّف ، وأيّهما ادّعى خيانة صاحبه فعليه البيّنة ، وأيّهما زعم أنّ المال قد تلف فهو أمين وعليه اليمين ، ولا يضمن إلاّ مع التعدّي ; لأنّه نائب عنه في الحفظ والتصرّف ، فكان الهالك في يده كالهالك في يده وبه قال الجمهور ، فقال الشافعي : فإن ادّعى الهلاك، فإن كان سبب ظاهر لم يقبل حتّى يقيم البيّنة عليه ، وإن كان السبب غير ظاهر فالقول قوله مع يمينه من غير بيّنة(2) .

ح : العامل في المضاربة

لا خلاف ولا إشكال في أنّ المضارب أمين ، فلا يضمن حينئذ ما يتلف إلاّ عن تفريط أو خيانة ، وقول المقارض مقبول في التلف; لأنّه أمين وذو يد
على المال بإذن المالك ، من غير فرق عندنا بين دعواه التلف بأمر ظاهر

  • (1) المبسوط 4 : 372 ، جواهر الفقه : 75 ، شرائع الإسلام 2 : 131 ، تذكرة الفقهاء 2 : 225 ، إرشاد الأذهان 1 : 433 ، غاية المراد في شرح نكتب الإرشاد 2 : 351 ، جامع المقاصد 8 : 27 ، مجمع الفائدة والبرهان 10 : 202 ، جواهر الكلام 26 : 306 ـ 308 ، العناوين 2 : 612 ، المناهل : 189 .
    (2) المهذب 1 : 347 ، المجموع شرح المهذّب 14 : 331 ـ 332 ، بدائع الصنائع 5 : 96 و 106 ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2 : 255 ، المغني 5 : 129 .

(الصفحة 251 )

يمكن إقامة البيّنة عليه أو خفيّ .

فإذا اختلف المالك والعامل، فادّعى عامل المضاربة التلف، وأنكر المالك التلف فالقول قول المضارب ، أو ادّعى العامل الخسارة في رأس المال، وأنكر المالك فالقول قول العامل المضارب ; لأنّه أمين ما في يده كالوكيل(1) . فلا يضمن على ما يستفاد من جملة من النصوص الواردة في الضمان ، بل والنصوص الواردة في خصوص المضاربة ، حيث علّقه الضمان على المخالفة والتعدّي ، فيكون مفهومها عدم ضمان العامل عند تلف مال المضاربة، من غير تعدّ أو تفريط(2) .

أمّا الجمهور فقالوا : إنّ العامل في مال المضاربة والقراض مؤتمن ; لأنّه متصرّف في مال غيره بإذنه لا يختصّ بنفعه ، فكان أميناً كالوكيل ، فإن تلف المال في يده من غير تفريط لم يضمن ; لأنّه نائب عن ربّ المال في التصرّف فلم يضمن من غير تفريط، كالمودع .

وإن اختلف العامل ورب المال في تلف المال ، فادّعاه العامل وأنكر ربّ المال ، فالقول قول العامل; لأنّه أمين . وللشافعي فيه قول بالتفصيل
فقد مضى في الشركة(3) .

ط : العامل في البضاعة

من دفع مالا إلى غيره للتجارة تارةً : على أن يكون الربح بينهما وهي مضاربة . واُخرى : على أن يكون تمامه للعامل ، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصد .

  • (1) المقنعة : 633 ، المبسوط 3 : 174 ، شرائع الإسلام 2 : 142 ، قواعد الأحكام 1 : 251 ، تذكرة الفقهاء 2 : 245 ، إرشاد الأذهان 1 : 435 ، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد وحاشية الإرشاد 2 : 362 ، جامع المقاصد 8 : 164 و 165 ، مجمع الفائدة والبرهان 10 : 250 ، الحدائق الناضرة :21 240 ، جواهر الكلام 26 : 378 ـ 379 ، مفاتيح الشرائع 3 : 94 ، العروة الوثقى 5 : 238 مسألة 51.
    (2) مباني العروة الوثقى ، كتاب المضاربة : 169 ـ 177 .
    (3) المغني 5 : 196 ، المهذّب 1 : 388 ـ 389 ، المجموع شرح المهذّب 15 : 267 ، بداية المجتهد 2 : 236 .

(الصفحة 252 )

وثالثة : على أن يكون تمامه للمالك ، ويسمّى عندهم بإسم البضاعة ، ورابعةً : لايشترطان شيئاً ، وعلى هذا أيضاً يكون تمام الربح للمالك ، فهو داخل في عنوان البضاعة وعليها يستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله، إلاّ أن يشترط عدمه ، أو يكون العامل قاصداً للتبرّع(1) .

قال بعض الأعلام : العامل أمين لا يضمن ما يتلف إلاّ عن تفريط أو تعدّي ، وقوله مقبول في التلف; لأمانته ، سواء في المضاربة كما في النصوص(2) ، أو البضاعة كما في الخبر(3) . وهي رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أَعَلى صاحبه ضمان؟ قال : «ليس عليه غرام بعد أن يكون الرجل أميناً»(4) ، وصحيحة الحلبي ، عن الصادق (عليه السلام) قال : «صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان»(5) .

قال بعض المالكيّة : سبيل البضاعة سبيل الوديعة لا ضمان على قابضها، إلاّ أن يتعدّى أو يخالف ما أُمر به فيضمن ، والمبضع معه وكيل، فقد مضى في باب الوكالة من حكمها ما يغني عن ذكره في هذا الباب(6) .

ي : العامل في المزارعة

قالوا : إذاادّعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمن عقد المزارعة

  • (1) التنقيح الرائع 2 : 213 ، مجمع الفائدة والبرهان 10 : 226 ، جواهر الكلام 26 : 336 ، العروة الوثقى 5 : 146 ، مباني العروة الوثقى ، كتاب المضاربة : 12 ـ 13 .
    (2) الكافي 5 : 240 ح4 ، التهذيب 7 : 184 ح812 ، وسائل الشيعة 13 : 185 باب 3 من أبواب المضاربة ح3 .
    (3) رسائل المحقّق الكركي 3 : 93 ، التنقيح الرائع 4 : 273 ، مقاتيح الشرائع 3 : 94 .
    (4) وسائل الشيعة 13 : 185 باب 3 من أحكام المضاربة ح3 .
    (5) وسائل الشيعة 13 : 227 باب 4 من أبواب الوديعة ح1 .
    (6) الكافي في فقه أهل المدينة : 405 .

(الصفحة 253 )

من بعض الشروط ، أو ادّعى عليه تقصيره في العمل على وجه يضرّ بالزرع ، وأنكر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه ، فالقول قوله; لأنّه مؤتمن في عمله . وكذا لو ادّعى عليه التقصير في حفظ الحاصل بعد ظهوره وأنكر(1) .

خلافاً للقاعدة حيث تقتضي كون الإثبات على العامل ، والقول قول المالك; لمطابقة قوله للأصل ، إذ الأصل عدم فعل الشرط ، وعدم فعل تمام ما يلزم العامل الذي هو معنى التقصير ، إلاّ أنّنا قد خرجنا عنها; لوجود الدليل على تقديم قول العامل، لأنّه مؤتمن في عمله ، وعدم مطالبته بالإثبات ما لم يثبت خلافه ; وللسيرة العملية المتّصلة بعهد المعصومين (عليهم السلام) على قبول قول الأمين فيما أؤتمن عليه(2) .

أمّا الجمهور فإنّهم اختلفوا في جواز المزارعة وعدمه ، فقال البعض : وهي جائزة(3) . وقال بعض آخر : لا تجوز المزارعة على بياض لا شجر فيه ، فأمّا إذا كانت الأرض بين النخل لا يمكن سقي الأرض إلاّ بسقيها نظرت ، فإن كان النخيل كثيراً، أو البياض قليلا جاز أن تساقيه على النخل وتزارعه على الأرض ; لما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  : من كانت له أرض فليزرعها، ولايكرها بثلث ولا بربع ولا  بطعام مسمّى(4) .

قال الماوردي : المزارعة على ضربين : ضرب : أجمع الفقهاء على فساده . وضرب : اختلفوا فيه . فأمّا الضرب الذي أجمعوا على فساده ، فهو أن تكون حصّة كلّ واحد منهما من زرع الأرض مفردة عن حصّة صاحبه ، مثل أن يقول : قدزارعتك على هذه الأرض على أنّ ما نبت من الماذيانات كان لي ، ومانبت على

  • (1) العروة الوثقى 5: 344، العناوين 2 : 482 .
    (2) مستمسك العروة الوثقى 13 : 147 ، مباني العروة الوثقى كتاب المزارعة : 392 .
    (3) المغني 5 : 581 ، المجموع شرح المهذب 15 : 302 .
    (4) المهذّب 1 : 393 ـ 394 ، الحاوي الكبير 9 : 169 ـ 170 .

(الصفحة 254 )

السواقي والجداول كان لك .

وأمّا الضرب الذي اختلف الفقهاء فيه فهو أن يزارعه على أرضه ليكون العمل على الأجير والأرض لربها ، والبذر منها أو من أحدهما بحسب شرطهما ، على أنّ ما أخرج تعالى من زرع كان بينهما على سهم معلوم من نصف، أو ثلث، أو ربع ، فهذه هي المخابرة والمزارعة التي اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة مذاهب :

أحدها : أنّها باطلة ، وهو مذهب الشافعي ، ومالك، وأبو حنيفة .

ثانيها : إنّها جائزة ، وبه قال من الصحابة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)  ، وعمّار بن ياسر ، وعبدالله بن مسعود و . . .

ثالثها : أنّه إن شرط البذر على صاحب الأرض لم يجز ، وإن شرطه على الزارع جاز ، وهو مذهب أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه(1) .

يا : العامل في المساقاة

والعامل أمين فيقبل قوله في التلف وعدم الخيانة ، وعدم التفريط مع اليمين ، ولو ادّعى المالك على العامل سرقة، أو اتلافاً، أو خيانة ، أو ادّعى عليه أنّ التلف كان بتفريطه، قدّم قول العامل; لأنّه أمين ونائب المالك في حفظ ماله، كعامل القراض(2) .

أمّا الجمهور فقالوا : والعامل أمين والقول قوله فيما يدّعي من هلاك، وما يدّعى عليه من خيانة ; لأنّ ربّ المال ائتمنه بدفع مال إليه فهو كالمضارب ، فإن ادّعى

  • (1) الحاوي الكبير 9 : 287 ـ 288 .
    (2) قواعد الأحكام 1 : 241 ، إرشاد الأذهان 1 : 430 ، جامع المقاصد 7 : 385 ، الحدائق الناضرة 21 : 383 ، مستمسك العروة الوثقى 13 : 229 ، مباني العروة الوثقى ، كتاب المساقاة : 80 ، العناوين 2 : 482 ، العروة الوثقى مع تعليقات للشيخ الفقيه الفاضل اللنكرانى 2: 633 .

(الصفحة 255 )

ربّ المال على العامل الخيانة أو السرقة في الثمار ، فإنّ دعواه لا تقبل حتّى يبيّن فيها ماكان العامل ، ويحرّر الدعوى ، فإذا حرّرها وأنكر العامل، فالقول قول العامل مع يمينه(1) .

يب : العامل على الزكاة

ومن الأصناف المستحقّين للزكاة: العاملون عليها، بنصّ الكتاب { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا . . .}(2).

وهم عمّال الصدقات; أي السّاعون في تحصيلها وتحصينها بأخذ وكتابة وحساب وحفظ ونحو ذلك ، وعلى الإمام أن يبعث الساعي في كلّ عام إلى أرباب الأموال لجباية الصدقات ، والساعي أمين إذا تلفت الزكاة في يده بغير تفريط لم يضمن إجماعاً ; لأنّ قبضه أمانة(3) .

ويدلّ على كونه أميناً قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في صحيحة بريد بن معاوية الطويلة ، الواردة في آداب المصدق : وكن حافظاً لما ائتمنتك عليه . . . فإذا قبضته فلا توكل به إلاّ ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً . . . .(4) .

يج : العامل في الجعالة

الجعالة لغةً : مال يجعل على عمل ، وشرعاً: صيغة دالّة على الإذن في عمل

  • (1) المغني 5 : 574 ، المهذّب 1 : 393 ، المجموع شرح المهذّب 15 : 295 .
    (2) التوبة : 60 .
    (3) المبسوط 1 : 244 ، تذكرة الفقهاء 1 : 236 ، مدارك الأحكام 5 : 208 و 211 ، مصباح الفقيه : 94 للهمداني .
    (4) الكافي 3 : 531 ـ 532 ح1 ، تهذيب الأحكام 4 : 96 ح274 ، وسائل الشيعة 6 : 88 باب 14 من أبواب زكاة الانعام ح1 .

(الصفحة 256 )

بعوض ، مثل من خاط هذا الثوب فله كذا .

قال الشهيد : العامل أمين وخبر السكوني وغياث ، عن علي (عليه السلام) يدلّ عليه(1) .

قال العلاّمة : الأقوى أنّ يد العامل على ما يحصل في يده إلى أن يردّه يد أمانة، ولم أقف فيه على شيء ، لكن النظر يقتضي ذلك; لأصالة البراءة . . . ويد العامل
كيد الوكيل(2) .

فروى السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه في رجل أخذ عبداً آبقاً، فكان معه، ثمّ هرب منه ، قال : يحلف بالله الذي لا إله إلاّ هو ماسلبه ثيابه، ولا شيئاً ممّا كان عليه، ولا باعه، ولا داهن في إرساله ، فإن حلف برأ من الضمان(3) .

فروى غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في رجل أخذ آبقاً فأبق منه : ليس عليه شيء(4) .

أمّا الجمهور فقال بعضهم : يد العامل على ما يقع في يده إلى أن يردّه يد أمانة ، فإن خلاّه بتفريط ضمن; لتقصيره(5) .

يد : الأجير

قد يكون محلّ الإجارة عمل عامل ; وقد يكون منفعة عين .

أمّا الأوّل: يكون الأجير أجيراً خاصّاً ; وهو الذي يستأجره مدّة معيّنة لايجوز له العمل لغير المستأجر، إلاّ بإذنه ; وقد يكون مشتركاً ، وهو الذي يستأجر

  • (1) الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة 3 : 100 درس 218 .
    (2) تذكرة الفقهاء 2 : 289 .
    (3 و 3) وسائل الشيعة 16 : 53 ـ 54 باب 49 من أبواب العتق ح1 و3 .
    (5) مغني المحتاج 2 : 435 .

(الصفحة 257 )

بعمل مجرّد عن المدّة .

أمّا الأجير المشترك، فقد نسب إلى المشهور : في أنّ العين التي تدفع إلى الأجير ليعمل فيها كالخيّاط، أو القصّار، أوالصائغ، أو الملاّح، أو المكاري، أو القصّاب، أو الجمّال، أو الحائك، أو الطبّاخ، أو الخبّاز ونحوها، أمانة عنده ، فلو تلفت تحت يده من غير تفريط أو تعدّ لا ضمان عليه .

كما أنّه لا خلاف ولا إشكال في ضمانه مع التعدّي أو التفريط ، مثل أن يكون
ثوباً فاستعمله ، أو بتسليم العين إلى غيره بغير إذنه، أو أفسده بالصبغ، أو القصارة، أو الخياطة، أو ذبح القصّاب الحيوان على غير الوجه الشرعي .

وإنّما الكلام فيما إذا لم يعلم الحال فادّعى العامل التلف من غير تعدّ ، وأنكر المالك إمّا أصل التلف ، أو الاستناد إلى عدم التعدّي ، فوقع بينهما التنازع والترافع ، قدّم قول العامل مع اليمين ، وهو خيرة النهاية في أوّل كلامه ، والخلاف والمبسوط والمراسم والكافي في الفقه والمهذّب والوسيلة والسرائر والشرائع والجواهر والعروة ومستندها وتحرير الوسيلة(1) .

ونسب صاحب الجواهر إلى التذكرة والتحرير والقواعد والإرشاد والمختلف والتنقيح وإيضاح النافع وجامع المقاصد والرياض ، بل عن السرائر إلى أكثر المحصّلين ، وأنّه الأظهر في المذهب وعليه العمل ، بل عن ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه ، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارهم(2) .

  • (1) النهاية : 447 ، الخلاف 3 : 501 ، المبسوط 3 : 241 ، المراسم : 196 ، الكافي في الفقه : 347 ، المهذّب 1 : 489 ـ 490 ، الوسيلة : 267 ، السرائر 2 : 470 ، شرائع الإسلام 2 : 182 و 189 ، جواهر الكلام 27 : 342 ـ 344 ، العروة الوثقى 5: 121 كتاب الإجارة مسألة 5 من مسائل التنازع ، مستند العروة الوثقى كتاب الإجارة : 429 ـ 430 ، تحرير الوسيلة ، كتاب الإجارة 1 : 536 المسألة 39 .
    (2) جواهر الكلام 27 : 342 .

(الصفحة 258 )

لو كنّا نحن والروايات العامّة ولم ترد في المقام رواية خاصّة لم يكن شكّ في أنّ المكلّف بالإثبات إنّما هو المالك ، إذ دلّت جملة من الروايات; بأنّه مؤتمن ولا ضمان على الأمين، كما في رواية خالد بن الحجّال (الحجّاج) قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الملاّح أُحمِّله الطعام ثمّ أقبضه منه فينقص فقال : إن كان مأموناً فلا تضمّنه(1) .

وقال في رواية اُخرى : إن كان مأموناً فليس عليه شيء(2) . وغير ذلك ، ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك صحيحة معاوية بن عمّار ، عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن الصبّاغ والقصّار؟ قال : ليس يضمنان(3) . وخبر بكر بن حبيب قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : أعطيت جبّة إلى القصّار فذهبت بزعمه قال : إن اتهمته فاستحلفه ، وإن لم تتّهمه فليس عليه شيء(4) . وخبر آخر عنه أيضاً(5) . إلى غير ذلك من الروايات .

نعم، هنا أخبار مخالفة لهذه الأحاديث المذكورة ، وأفتى المفيد والسيّد المرتضى(6) على طبقها ، وحكما بضمان القصّار والخيّاط والصبّاغ وأشباههم من الصنّاع .

ولكن حمل أخبار المخالف على التفريط والتعدّي، وعلى ما إذا أفسدوا بأيديهم ، بل في بعضها إيماء إلى ذلك ، وحينئذ تكون خارجة عمّا نحن فيه(7) . أو يحمل على التقيّة(8) .

  • (1) تهذيب الأحكام 7 : 217 ح947 وص 218 ح951 .
    (2) تهذيب الأحكام 7 : 217 ح947 وص 218 ح951 .
    (3 ـ 3 ـ 4) تهذيب الأحكام 7 : 220 ـ 221 ح964 و 966 و 967 .
    (6) المقنعة : 643 ، الانتصار : 225 .
    (7) مختلف الشيعة 6 : 121 .
    (8) جواهر الكلام 27 : 344 .

(الصفحة 259 )

أمّا الأجير الخاصّ للعمل; الذي استأجر فيه وتلف العين عنده من غير تفريط وتعدّ لم يضمنه بلا إشكال ولا خلاف ، وهو موضع وفاق منّا ; للأصل بعد فرض أنّ إثبات يده بحقّ(1) . وتدلّ عليه روايات :

منها : صحيحة ابن مسكان ، عن الصادق (عليه السلام) في الحمّال يكسر الذي حمل أو يهريقه ، قال : إن كان مأموناً فليس عليه شيء ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن(2) .

أمّا الجمهور; فإنّهم قالوا : الإجراء نوعان : أجير مشترك ، وأجير منفرد ، فالأجير المنفرد يكون عمله في يد المستأجر ، أو لمن استأجره لعمل كرجل أحضر صانعاً إلى منزله ليخيط له ثوباً ; أمّا الأجير المشترك: فهو الأجير الذي يستقلّ بعمله في حانوته ، ويكون عمله لعدد من المستأجرين، كالقصّار الذي يقصر لكلّ مستأجر . اختلف الفقهاء في ضمان أجير المشترك وعدمه على أقوال :

القول الأوّل : الصنّاع كلّهم ضامنون ما جنوا وما لم يجنوا ، قالوا : وكان عمر يضمن من الصنّاع ما كان يعمل بيده، وهو مذهب كثير من التابعين وقتادة وشريح وإبراهيم ومكحول وابن أبي ليلى والشافعي في أحد قوليه وأشهب .

القول الثاني : ولا ضمان على صانع أصلا إلاّ ما ثبت أنّه تعدّى فيه أو أضاعه ، والقول في كلّ ذلك قوله مع يمينه ، وهو مذهب الظاهريّة ، وأبو حنيفة ، والشافعي في أحد قوليه وزفر وأبي ثور وأحمد وإسحاق والمزني وأبي سليمان وابن شبرمة وعطاء .

  • (1) المبسوط 3: 241 ـ 243، شرائع الإسلام 2 : 188 ، جواهر الكلام 27 : 335 ، منهاج الصالحين 2 : 90 مسألة 419 .
    (2) تهذيب الأحكام 7 : 216 ح944 .

(الصفحة 260 )

القول الثالث : يضمن الأجير المشترك وهو العام; وهو ما يستأجر على الأعمال، ولا يضمن الخاصّ; وهو الذي استؤجر لمدّة ، وهو قول أبي يوسف ومحمّد ابن الحسن الشيباني .

القول الرابع : يضمن الصانع ما غاب عليه إلاّ أن يقيم بيّنة أنّه تلف من غير فعله فلا يضمن ، ولا يضمن ما ظهر أصلا ، إلاّ أن تقوم عليه بيّنة بأنّه تعدّى ، وهو قول مالك بن أنس .

وأمّا الأجير الخاص ـ الذي يقع العقد عليه في مدّة معلومة يستحقّ المستأجر نفعه في جميعها ـ لا يضمن عند الجمهور إلاّ ما ثبت أنّه تعدّي . واستثنى مالك حامل الطعام والطحّان ، وقال شريح ومكحول بالضمان(1) .

يه : المستأجر

أمّا الثاني : وهو ما يكون محلّ الإجارة منفعة عين ; قال أصحابنا : إنّ العين المستأجرة أمانة مالكيّة في يد المستأجر في مدّة الإجارة لا يضمن، إلاّ بالتعدّي، أو التفريط بترك ما يجب عليه فعله مثل حفظها، وسقيها، وعلفها، وغير ذلك على سبيل جري العادة ، أو بفعل ما لا يجوز له ، مثل أن يحملها أكثر ممّا استأجر له ، أو تجاوز عن المسافة المشترطة ونحوها(2) .

  • (1) المهذّب 1 : 408 ، المجموع شرح المهذّب 15 : 426 ـ 429 ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2 : 231ـ 232 ، المغني 6 : 118 و120 ، المحلى بالآثار 7 : 28 ـ 31 مسألة 1325 ، موسوعة الفقه الإسلامي 2 : 300 و309 .
    (2) المبسوط 3 : 244 ، المهذب 1 : 479 ، إرشاد الأذهان 1 : 425 ، مجمع الفائدة والبرهان 10 : 68 ، العناوين 2 : 612 ، القواعد الفقهيّة 7 : 70 ـ 71 ، تحرير الوسيلة ، كتاب الإجارة مسألة 39 ، منهاج الصالحين 2 : 90 مسألة 418 ، تفصيل الشريعة، كتاب الاجارة: 380 .

(الصفحة 261 )

والمستأجر أمين وليس يده يد ضمان وغصب ليضمن بكلّ تلف ، وعلى كلّ حال إذا تلف العين عنده لا يضمن ; للأصل ; ولأنّه متصرّف بإذن المالك ; وللروايات :

منها : صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث : «ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابّة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة»(1) .

أمّا الجمهور فقالوا : يد المستأجر على العين المستأجرة يد أمانة اتفاقاً بين المذاهب، ما دام لم يتجاوز حقّه في الانتفاع بها بمقتضى العقد ، وما شرط فيه ولم يخرج في انتفاعه عن المعروف بالعرف ، وعلى ذلك إذا تلفت العين في يده في هذه الحال بلا تعدّ ولا تقصير في المحافظة عليها فلا ضمان عليه ، أمّا إذا تعدّى أو قصّر في المحافظة عليها; فإنّه يكون ضامناً(2) .

يو : الوليّ

الوليّ كالأب والجدّ له والوصي والحاكم وأمينه ، ووكيل أحدهم . قالوا : الولاية في مال الطفل والمجنون للأب والجدّ للأب ، فإن لم يكونا فللوصيّ ، فإن لم يكن فللحاكم بلا خلاف في شيء من ذلك(3) .

لو اختلف الوليّ ، كالأب والجدّ والحاكم وأمينه ، مع الطفل عند بلوغه ورشده ، فادّعى الوليّ تلف المال ، أو تلف الثمن الذي قبضه ، أو ادّعى الإنفاق

  • (1) وسائل الشيعة 13 : 281 باب 32 من أبواب الإجارة ح1 .
    (2) موسوعة الفقه الإسلامي 2 : 276 ، المغني 6 : 117 ، المهذّب 1 : 408 ، المجموع شرح المهذّب 15 : 420 .
    (3) المبسوط 2 : 372 ، شرائع الإسلام 2 : 102 ـ 103 ، قواعد الأحكام 1 : 168 ، جامع المقاصد 5 : 187 ، جواهر الكلام 26 : 101 ـ 103 .

(الصفحة 262 )

بالمعروف على الصبيّ أو ماله ، والبيع للمصلحة ، والقرض لها ، والتلف من غيرتفريط ، وكذّبه عند بلوغه ورشده ، قدّم قول الوليّ; لأنّه أمين شرعي قبض المال لمصلحة غيره .

وربما كان صادقاً في دعواه ، وتعذّر عليه إقامة البيّنة فأفضى الحال إلى الغرم الموجب لامتناع الناس من الدخول في الأمانات مع شدّة الحاجة إليها(1) .

أمّا الجمهور فإنّهم اتّفقوا في ولاية الأب والوصيّ والحاكم على الصبيّ ، واختلفوا في ولاية الجدّ عليه ، فقال الشافعيّة والحنفيّة بولاية الجدّ على الصبيّ ، وقال الحنابلة والمالكيّة بعدم ولايته عليه . فكيف كان قالوا : إذا بلغ الصبيّ أو الصبيّة وزال الحجر عنهما ، فادّعى الوليّ الإنفاق عليه أو تلف ماله فالقول قوله ; لأنّه أمين عليه فقبل قوله، كالمودع(2) .

يز : الوصيّ

لا شكّ في أنّ الوصيّ أمين والمال الذي في يده أمانة ، فلو تلف في يده لا يضمن، إلاّ بتفريط أو تعدّ ، ويقبل قول الوصيّ في الإنفاق بالمعروف والمأمور به شرعاً الخالي من الإسراف ، فإذا اختلف الوصيّ والطفل بعد كماله في قدر الإنفاق ، فادّعى الوصيّ الإنفاق عليه وأنكره اليتيم، قدّم قول الوصي مع يمينه فيما لا يتضمّن إسرافاً ، عملا بالظاهر ; لأنّه أمين ، ويتعذّر إقامة البيّنة على كلّ ما ينفقه

  • (1) المبسوط 2 : 163 ، شرائع الإسلام 2 : 205 ، جواهر الفقه : 78 ، قواعد الأحكام 2 : 169 و261 ، إيضاح الفوائد 2 : 54 ، جامع المقاصد 8 : 318 ، العناوين 2 : 482 ، وسيلة النجاة 2 : 101 ، تحرير الوسيلة 2 : 13 .
    (2) المهذّب 1 : 328 ـ 330 ، المجموع شرح المهذّب 14 : 121 ، البناية في شرح الهداية 10 : 207 ، عقد الجواهر الثمينة 2 : 630 ، شرح الزرقاني 3 : 297 ـ 299 ، ردّ المحتار على الدرّ المختار 9 : 255 ، الكافي في فقه الحنبلي 2 : 107 .

(الصفحة 263 )

من قليل وكثير(1) .

وأمانيّته : إمّا أمانيّة شرعيّة مأذونة من قبل الله ; باعتبار أنّ المجعول من قبل الحاكم مجعول من قبل الله كسائر الأولياء ، وإمّا أمانيّة مالكيّة ، والمالك الميّت جعله وليّاً حين كونه مالكاً ، فيكون الوصيّ مأذوناً من قبل المالك الموصي ، وعلى كلا التقديرين لا ضمان ما لم يفرّط، ولم يغيّر الوصيّة عن وجهها . نعم ، وردت روايات في ضمان الوصيّ(2)، ولكن كلّها فيما إذا غيّر الوصيّ الوصيّة عن وجهها(3) .

أمّا الجمهور فقالوا : والوصيّ أمين فلا ضمان على الوصيّ فيما نزل به من الآفات من غير سببه ، فإذا بلغ الصبيّ واختلف هو والوصيّ في النفقة ، فقال الوصيّ : أنفقت عليك ، وقال الصبيّ : لم تنفق عليّ ، فالقول قول الوصيّ; لأنّه أمين . فإن اختلفا في قدر النفقة ، فقال الوصيّ : أنفقت عليك في كلّ سنة مائة دينار ; وقال الصبيّ : بل أنفقت عليّ خمسين ديناراً ، فإن كان ما يدّعيه الوصيّ النفقة بالمعروف فالقول قوله; لأنّه أمين ، وإلاّ فعليه الضمان; لأنّه فرّط في الزيادة(4) .

يح : المتولّي

والمراد به من ينظر في شؤون المال الموقوف ، من حفظه عن الخراب ، وعمارة

  • (1) المبسوط 2 : 372 ، شرائع الإسلام 2 : 205 ، قواعد الأحكام 1 : 361 ، جامع المقاصد 8 : 317 ، جواهر الفقه : 77 مسألة285 ، جواهرالكلام 27 :433 ، العناوين 2 :482 ، تحرير الوسيلة 2: 92 و 94 مسألة 48 و 58، تفصيل الشريعة، كتاب الوصيّة: 189 و 199 .
    (2) وسائل الشيعة 13 : 419 ، باب أنّ الوصي إذا كانت في حقّ فغيّرها فهو ضامن .
    (3) القواعد الفقهيّة للبجنوردي 6 : 354 .
    (4) المهذّب 1 : 464 ، الكافي في فقه أهل المدينة : 549 ، الإنصاف 5 : 308 ، عقد الجواهر الثمينة 3 : 433 ، المجموع 12 : 437 .

(الصفحة 264 )

ما انهدم منه ، وإجارته وتحصيل مال الإجارة نقداً وجنساً ، وجمع غلّته وتقسيمه على الموقوف عليهم ، وإيصال حقّ كلّ واحد منهم إليهم ، وغير ذلك ممّا هو وظيفة المتولّي عند العرف . إذا تلف عين الموقوفة ، أو منافعها ، أو مال الإجارة عند المتولّي بدون تعدٍّ ولا تفريط لا ضمان على المتولّي; لأنّه أمين ; ولأنّ قاعدة «على اليد» إنّما هي في اليد غير المأذونة ، واليد المأذونة خارجة عن مفادها إمّا تخصيصاً، أو تخصّصاً ، وحيث إنّ يد المتولّي مأذونة فلا ضمان، إلاّ بالتعدّي والتفريط ; لخروجها بهما عن كونها أمانياً(1) .

أمّا الجمهور، فقال بعضهم : إذا آجر الواقف، أو قيّمه، أو وصيّه، أو أمينه ثمّ قال : قبضت الغلّة فضاعت، أو فرّقتها على الموقوف عليهم ، وأنكروا ، فالقول له مع يمينه . . . إلاّ أن يدّعى أمراً يكذّبه الظاهر ، فحينئذ تزول الأمانة وتظهر الخيانة ، فلا  يصدّق(2) .

يط : يد المالك على الخمس والزكاة

يد المالك على الخمس والزكاة أمانة شرعيّة ، فلو تلف الزكاة بعد الوجوب وعدم إمكان أدائه إلى المصارف الشرعيّة لم يضمن ، أمّا لو تلفت بعد الوجوب وإمكان الأداء ضمن وإن لم يفرط في التلف ، فعن التذكرة : أنّ عليه علمائنا أجمع ; لأنّ الإهمال مع التمكّن تفريط يوجب الضمان عند التلف مطلقاً(3) .

  • (1) القواعد الفقهيّة للبجنوردي 7 : 70 ـ 71 .
    (2) رد المحتار على الدرّ المختار 6 : 670 .
    (3) جواهر الفقه : 30 ، شرائع الإسلام 1 : 165 ، تذكرة الفقهاء 1 : 211 ، 225 ، البيان للشهيد : 200 ، كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : 67 ، بلغة الفقيه 3 : 379 ، مدارك الأحكام 5 : 43 ، مصباح الفقيه : 33 ، تفصيل الشريعة، كتاب الخمس: 273 .

(الصفحة 265 )

وفي رواية صحيحة عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم ، فضاعت هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ; لأنّها قد خرجت من يده(1) .

أمّا الجمهور فقال بعضهم : فإذا وقع النزاع بين الساعي وربّ المال ، وذلك كأن يدّعي صاحب المال أنّه بادر بالزكاة في أثناء الحول ، أو أنّه دفع الزكاة لساع آخر ، أو أنّه أبدل النصاب في أثناء الحول لئلاّ تتعلّق به الزكاة ، أو يكلّف بأدائها ، واتّهمه الساعي في دعواه ، يقدّم قول ربّ المال مع اليمين(2) .

ك : الملتقط

قالوا : اللقطة في مدّة التعريف وقبل الحول أمانة شرعيّة ، فإنّ اللاقط مأذون من قبل الله في حفظ ذلك المال وإيصاله إلى المالك ، فإن جاء صاحبها وهي على حالها أخذها ; فإن كانت ناقصة أخذها ناقصة، وإن كانت زائدة أخذها مع الزيادة ، فإن كانت تالفة فهي من ضمان صاحبها ، فلا يضمنها الملتقط إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، ويصدّق في عدم التفريط مع اليمين . وكذا بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة لمالكها ، وإن اختار الملكيّة فقد ضمنها ، فإن جاء صاحبها قبل أن يتصرّف فيها بعد اختياره كان أحقّ بها ، وإن كان بعد التصرّف كان
له المثل، أو القيمة(3) .

  • (1) وسائل الشيعة 6 : 198 باب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة ح1 .
    (2) الوسيط في المذهب للغزالي 7 : 426 .
    (3) المبسوط 2 : 372 وج3 : 323 ، قواعد الأحكام 1 : 194 ، الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة 3 : 77 درس 214 ، إيضاح الفوائد 2 : 152 ، العناوين 2 : 482 ، تحرير الوسيلة كتاب اللقطة 2 : 230 ، مسألة 25 ، القواعد الفقهيّة للبجنوردي 6 : 354 وج 7 : 76 ، وللفاضل اللنكراني 1 : 28 ، نضد القواعد الفقهيّة : 384 .

(الصفحة 266 )

أمّا الجمهور فقالوا : إنّ اللقطة في الحول أمانة في يد الملتقط ، إن تلفت بغيرتفريط أو نقصت فلا ضمان عليه كالوديعة ، والقول قوله في تلفها دون يمين، إلاّ أن يتّهم ، وإن أتلفها الملتقط أو تلفت بتفريط ضمنها ، وإن تلفت بعد الحول وحكموا بملكه لها بمضيّ حول التعريف ثبت في ذمّته مثلها أو قيمتها إلاّ عند داود ، سواء فرّط في حفظها أو لم يفرّط .

وأمّا من قال لا تملكه اللقطة بحال ، أو قال لا يملكها حتّى يتملّكها لم يضمنه إيّاها حتّى يتملّكها ، وحكمها قبل تملّكه إيّاها حكمها قبل مضيّ حول التعريف(1) .

كا : المحسن

إنّ الفعل الذي صدر من المحسن لا يوجب الضمان وإن كان ذلك الفعل في حدّ نفسه سبباً وموجباً للضمان ، مثلا لو كان حيواناً جائعاً صاحبه غائب، وليس هناك من يعلفه ، فأخذه وعلفه فصار سبباً لتلفه من باب الاتّفاق فلا ضمان على المحسن ، أو أدخله في اصطبله لحفظه عن البرد أو السبع ، ثمّ وقع عليه البناء وتلف فليس عليه سبيل ; لأنّه محسن.

أو إذا رأى مال الغير في معرض التلف ، كما إذا ذهب به السيل، أو أطارته الريح، فأخذه بقصد حفظه وإيصاله إلى مالكه; ليتمكّن من التصرّف فيه والاستفادة منه ، فحفظه في محلّ معدّ للحفظ عرفاً ، ولكنّه على خلاف الانتظار سرق، أو خرب السقف مثلا فتلف المال ، فالحكم بضمانه في هذه الصورة، وأخذ المثل، أو القيمة منه قبيح عند العقل والشرع .

  • (1) المغني 6 : 339 ـ 340 ، المهذّب 1 : 431 ، بداية المجتهد 2 : 307 .

(الصفحة 267 )

إذ من جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة الإحسان ، ومن جملة مدرك هذه القاعدة قوله ـ تعالى ـ : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيل}(1) . والآية وإن كانت واردة في مورد قعود العاجزين عن الجهاد، ولكن العبرة بعموم الآية من حيث المفاد لفظاً ، ولا اعتبار بخصوصيّة المورد .

فنقول : أمّا كلمة «المحسنين» فهو جمع معرّف باللاّم يفيد العموم ، وأمّا «الإحسان» هو صدور الجميل من قول، أو فعل بالنسبة إلى غيره ، وذلك قد يكون لجلب المنفعة لذلك الذي يريد الإحسان إليه ، وقد يكون لدفع المضرّة عنه ، فكلاهما إحسان .

فمن الأوّل : ما إذا كان الإحسان باعتبار جلب المنفعة ، فمواردها كثيرة :

منها : الأفعال الكثيرة التي تصدر من الأولياء لإيصال النفع إلى المولّين عليهم ، فاتّفق ترتّب الضرر على تلك الأفعال ، فلا ضمان لهم ; لأنّهم محسنون في تلك الأفعال إليهم ، مثلا لو تصرّف الحاكم في مال المولّى عليه لإيصال النفع إليه ، كما أنّه اشتغل في قناة له بالحفر والاصلاح لازدياد الماء، فصار سبباً لانهدام القناة فلا ضمان عليه .

أو حبس الجدّ طعام الصغير ومتاعه ولم يبعه إلتماس زيادة الثمن ، فنزل السعر أو فسد الطعام والمتاع ، فلا ضمان عليه; لأنّه محسن في تأخير البيع .

ومن الثاني : فيما إذا كان الإحسان باعتبار دفع المضرّة ، كما لو رأى اشتعال النار في لباسه، بحيث لا طريق إلى حفظ نفس ذلك الشخص عن الاحتراق، إلاّ بتمزيق ألبسته فمزّقها ، فحيث إنّه محسن إليه في هذا الفعل فلا يضمن، وهكذا . . .

والسبيل المنفي حيث إنّه نكرة واقعة في سياق النفي يفيد العموم، ونفي كلّ

  • (1) التوية : 92 .

(الصفحة 268 )

مايصدق عليه أنّه سبيل عن كلّ من هو محسن ; سواء كان عقاباً في الآخرة ، أو أمراً ضررياً عليه في الدنيا، كضمانه، وتغريمه، وتغريره(1) .

وتكون العين في يد من وضع يده عليها حسبة أمانة شرعيّة ، وحصول الإذن من المالك الحقيقي في الاستيلاء عليها حسبة ، وحينئذ يلحقها حكم غيرها من الأمانات الشرعيّة في عدم الضمان(2) .

تقديم الظاهر على الأصل بتنقيح المناط

لقائل أن يقول: يصحّ سراية الحكم بتقديم الظاهر على الأصل; من باب الأمانات واللوث في سائر أبواب تعارض الأصل والظاهر ـ من غير الموارد التي دلّ الدليل على تقديم الأصل على الظاهر ـ بتنقيح المناط، وعدم خصوصيّة الموردين; لاشتراكهم بالأمانات واللوث في الظهور والعلّة والجامع.

أقول: وقبل الجواب في ذلك نذكر مقدّمة ترتبط بالجواب; وهي: القياس في الاصطلاح عبارة عن تعدية الحكم من موضوع إلى موضوع آخر; بسبب مشاركته ومماثلته له في علّة ذلك الحكم، فيطلق على الموضوع الأوّل الأصل والمقيس عليه، وعلى الثاني الفرع والمقيس، وعلى الجهة التي بها يحكم بتعدية الحكم الملاك المشترك والجامع.

ثمّ إنّ العلّة المشتركة إن كانت مظنونة ظنّاً يطلق عليه القياس المستنبط علّته، كما إذا ورد الخمر حرام، وحصل لنا الظنّ بأنّ العلّة في حرمتها هي الإسكار

  • (1) القواعد الفقهيّة للبجنوردي 4 : 10 ـ 18 ، وللفاضل اللنكراني 1 : 283 .
    (2) نضد القواعد : 498 ، جواهر الكلام 38 : 230 ، القواعد في الفقه الإسلامي لابن رجب الحنبلي : 220 قاعدة 90 .

(الصفحة 269 )

الموجود في النبيذ والعصير مثلاً، يكون تعدية حكم الحرمة من الخمر إلى النبيذ والعصير من قبيل هذا القياس الباطل عندنا.

وإن كانت معلومة، فتارةً: مصرّحاً بها في الكلام من إجماع، أو كتاب، أو سنّة فهو القياس المنصوص علّته، مثل ما إذا ورد لا تشرب الخمر; لأنّه مسكر، أو ورد لا تبع الحنطة بالحنطة مع التفاضل; لأنّها مكيل، يكون تعدية الحكم من الخمر إلى النبيذ المسكر، أو من الحنطة إلى العدس قياساً منصوص العلّة صحيحاً عندنا على المشهور(1).

بل قد يقال: إنّه ليس بقياس في الاصطلاح(2). بل من باب تفريع الفروع على الاُصول الثابتة عنهم(3) (عليهم السلام) ، كما في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: «إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول وعليكم أن تفرّعوا»(4).

و اُخرى: لم يصرّح في الكلام، ولكنّها معلومة عند المستدلّ، فحينئذ جريان حكم المقيس عليه في المقيس كان من باب تنقيح المناط القطعي(5).

فلنرجع بالجواب: و نقول: إنّ المقيس عليه في مبحثنا هي الأمانات واللوث، والمقيس هي سائر موارد تعارض الأصل والظاهر، والعلّة لثبوت الحكم في المقيس عليه منصوصة بالنصّ و الإجماع ـ في اللوث حفظاً لدماء المسلمين، كما في بعض الروايات(6)، وفي الأمانات هو الأمين بما هو أمين(7) ـ من غير أن تكون العلّة

  • (1) اصطلاحات الاُصول: 226 ـ 227 .
    (2) قوانين الاُصول 2: 83 .
    (3) كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال: 111.
    (4) السرائر 3: 575، وسائل الشيعة 18: 41 باب 6 من أبواب صفات القاضي ح51.
    (5) قوانين الاُصول 2: 85 .
    (6) الكافي 7: 360 باب القسامة.
    (7) الكافي 5: 240 ح4 ـ 5.

(الصفحة 270 )

ظهوراً حتّى يسري الحكم من الأصل إلى الفرع، ومن المقيس عليه إلى المقيس. وعلى التنزّل وفرض أن لاتكون العلّة منصوصة، فمن أين علمت أنّ العلّة في تقديم قول الأمين في الأمانات والمدّعي في اللوث هي الظهور، إذ كما يمكن أن تكون العلّة هي الظهور، يمكن أن تكون العلّة هي الأمانة وغيرها من المحتملات؟ وإذا تنزّلنا، فأكثر ما يحصل منه الظنّ، و{إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْـًا}ً(1)، إذ لا يعرف ملاك وتعليل الحكم في المقيس عليه والأصل إلاّ من طريق السماع من مبلّغ الأحكام (صلى الله عليه وآله)  ; لأنّه أمر توقيفي.

نعم، نفس وجود الملاك في ذاته مع قطع النظر عن كونه ملاكاً وعلّة فقد يعرف من طريق الحسّ ونحوه بالوجدان كالإسكار، ولكن لا ربط لذلك بمعرفة كونه هو الملاك في التحريم، فإنّه ليس من الوجدانيات.

وعلى هذا فلا تحصل الملازمة بين حكم الأصل وحكم الفرع; لاحتمال أن يكون الحكم في الأصل معلّلاً عند الله بعلّة اُخرى غير ما ظنّه القايس، أو احتمال أنّ هناك وصفاً آخر ينضمّ إلى ما ظنّه المستدلّ علّة; بأن يكون المجموع منهما هو العلّة للحكم، أو احتمال أن يكون القائس قد أضاف شيئاً أجنبيّاً إلى العلّة الحقيقيّة، لم يكن له دخل في الحكم في المقيس عليه، أو غير ذلك من الاحتمالات، وكلّ هذه الاحتمالات لابدّ من دفعها ليحصل لنا العلم بالنتيجة، ولا يدفعها إلاّ الأدلّة السمعيّة الواردة عن الشارع(2)، فإذن يكون جريان الحكم من الأصل على الفرع من باب قياس مستنبط العلّة، فهو باطل.

  • (1) يونس: 36.
    (2) أصول الفقه 2: 187 ـ 189.

(الصفحة 271 )

إن قيل: من الممكن تحصيل العلم بالعلّة والملاك بطريق برهان السبر والتقسيم; وهو عبارة عن عدّ جميع الاحتمالات والأوصاف الممكنة بالاستقراء، ثمّ يقام الدليل القاطع بسلب العلّية عن كلّ واحد واحد حتّى ينحصر الأمر والعلّة في المدّعي، فيسري الحكم من الأصل إلى الفرع بتنقيح المناط، مثلاً حرمة الربا في البُرّ إمّا أن تكون معلّلة بالطعم، أو بالقوت، أو بالكيل، والكلّ باطل ما عدا الكيل فيتعيّن التعليل به.

قلنا: نعم تحصيل العلم بهذا البرهان في العقليّات كثير، لكنّها في الشرعيّات لا  يكاد يوجد، إذ من شرط برهان السبر والتقسيم ليكون برهاناً حقيقيّاً، أن تحصر المحتملات حصراً عقليّاً من طريق القسمة الثنائيّة التي تردّد بين النفي والإثبات، ولكن ما يذكر من الاحتمالات في تعليل الحكم الشرعي لا تعدّ كما مضى، وإذا كان الأمر كذلك فكلّ ما يفرضه من الاحتمالات يجوز أن يكون وراءها احتمالات لم يتصوّرها القائس أصلاً.

وعلى كلّ حال فلا يمكن أن يستنتج من مثل السبر والتقسيم هنا أكثر من الاحتمال أو الظنّ، فلم ينقّح العلّة في المقيس عليه حتّى يسري الحكم في المقيس(1).

مع أنّ الحكم في المقيس عليه على خلاف القاعدة; فإنّ مقتضى القاعدة البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر، فخرج عن القاعدة بالدليل في باب الأمانات واللوث، فيبقى الباقي تحت القاعدة.

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ حكم تقديم الظاهر على الأصل مختصّ بباب الأمانات واللوث وسائر الموارد التي دلّ الدليل الخاصّ على تقديمه، وباقي الموارد تجري

  • (1) قوانين الاُصول 2: 85 ـ 86 ، أصول الفقه 2: 189 ـ 190.

(الصفحة 272 )

الأقوال الماضية فيها.

هذا ما تيسّر لنا تحريره في المقام، واستقراؤه واستقصاؤه من كلمات الأعلام في فترة من الأيّام ومدّة من الأعوام، مع ما أضفنا عليه ممّا لم تسطّره الأقلام، ولم تلتفت إليه الأفهام، والحمد لله الملك العلاّم .

إبراهيم البهشتي الدامغاني