تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
تازه های نشر 99
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
فراخوانی مقاله و اولویت های پژوهشی
سخن موسس فقید
سخن موسس فقید
الذخر الفاخر
(الصفحة 151 )

عملا بالظاهر من عدم العقد على ما دونه ، وأنّه الأصل في عوض الوطء المجرّد عنه كالشبهة . وفيه : أنّ الأصل مقدّم على الظاهر عند التعارض إلاّ فيما ندر ، وإنّما يكون عوضاً عن وطء مجرّد عن العقد ، أو في مواضع خاصّة ، انتهى(1) .

ثمّ قال في موضع آخر : ولو أوصى بحمل وإشارة إلى معيّن ، اشترط كونه موجوداً حال الوصيّة ، فإن ولدته لأقلّ من ستّة أشهر من حين الوصيّة علم أنّه كان موجوداً ; فإن ولدته لأكثر من أقصى مدّة الحمل من حين الوصيّة علم أنّه لم يكن موجوداً .

ولو ولدته فيما بين أقصى مدّة الحمل وأقلّه ، أمكن وجوده حال الوصيّة وعدمه .

وإن كانت الأَمَة خالية عن الفراش ، بأن فارقها الواطئ المباح وطؤه لها من حين الوصيّة حكم بوجوده ; عملا بالظاهر وأصالة عدم وطء غيره ، وإن كانت الأمة فراشاً بحيث يمكن تجدّده بعد الوصيّة لم يحكم بصحّتها; لأصالة عدم تقدّمه حالتها .

وما يقال ـ من أنّ الظاهر الغالب إنّما هو الولادة لتسعة أشهر تقريباً ، فما يولد قبلها يظهر كونه موجوداً وإن كان لها فراش ـ يندفع بأنّ الحكم السابق مرتّب على الأصل المقدّم على الظاهر عند التعارض إلاّ فيما شذّ»(2) .

قال السيّد العاملي : «ولو طالب المحال عليه المحيل بما قبضه المحتال ، فادّعى شغل ذمّته قدّم قول المحال عليه مع يمينه; عملا بأصل البراءة ، ولا تعارض له إلاّ الظاهر ، إذ الظاهر أنّه لولا اشتغال ذمّته لما أُحيل عليه ، والأصل مقدّم على الظاهر ،

  • (1) الروضة البهية 5 : 1 ـ 375 ـ 376 .
    (2) مسالك الأفهام 6 : 190 ـ 191 .

(الصفحة 152 )

وإنّما يتخلّف في مواضع نادرة»(1) .

قال صاحب الرياض في وصيّة الحمل : ويشترط في الصحّة زيادة على ما في العبارة : العلم بوجوده حال الوصيّة ، ويتحقّق بوضعه لدون ستّة أشهر منذ حين الوصيّة ، فيعلم بذلك كونه موجوداً حالتها ، أو بأقصى مدّة الحمل فما دون إذا لم يكن هناك زوج ولا مولى ، ولا يصحّ مع وجود أحدهما، لعدم العلم بوجوده عندها وأصالة عدمه ; لإمكان تجدّده بعدها .

وقيام الاحتمال ـ مع عدمهما بإمكان الشبهة والزنا ـ مندفع بندرة الأوّل ، وأصالة عدم إقدام المسلم على الثاني كغيره من المحرّمات .

ويشكل هذا لو كانت كافرة ، حيث تصحّ الوصيّة لحملها ، وربّما قيل على تقدير وجود الفراش باستحقاقه مع تولّده بين الغايتين : الدُّنيا والعليا ; عملا بالعادة الغالبة من الوضع لاتّصالها أو ما قاربها ، ومرجعه إلى ترجيح الظاهر على الأصل ، وهو خلاف الأصل(2) .

وقال الميرزا محمد التنكابني: قد يقع التعارض بين الأصل والظاهر، والأصحاب قد يقدّمون الظاهر على الأصل، وقد يقدّمون الأصل في أغلب الموارد على الظاهر، ومقتضى القاعدة تقديم الأصل على الظاهر; لأنّ الظاهر يفيد الظّن، والأصل عدم حجيّة الظنّ سيّما في الموضوعات الصرف(3).

قال المراغي : «في قاعدة الشكّ بعد الفراغ والتجاوز» أنّ الأصل في هذه القاعدة اُمور :

أحدها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  :

  • (1) مفتاح الكرامة 5 : 412 .
    (2) رياض المسائل : 6 / 236 .
    (3) تأسيسات در قواعد فقهي: 48 .

(الصفحة 153 )

رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : يمضي ، قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر؟ قال : يمضي ، قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال : يمضي ، قلت : شكّ في القراءة وقد ركع؟ قال : يمضي ، قلت : شكّ في الركوع وقد سجد؟ قال : يمضي على صلاته ، ثمّ قال : يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء(1) .

ثمّ قال : وسادسها : دلالة ظاهر حال المسلم ، فإنّ العبد إذا أراد أن يعمل عملا لا يترك شيئاً في محلّه .

ودعوى أنّه لعلّه يسهو عن ذلك وإنّما لا يتركه عمداً ، مدفوعة بأنّ الظاهر والأصل يقضيان بعدم السهو ، ومع عدمه فالظاهر عدم الترك .

فالظاهر وإن كان لا يعارض الأصل ـ كما قرّر في محلّه ـ لكنّه بعد الاعتضاد بالنصوص وبتعليل الروايات ـ كما عرفت ـ يقوم حجّة ; لأنّه كشف عن اتّباع هذا الظاهر الخاصّ ، فيكون ممّا دلّ الدليل على اعتباره حجّة شرعيّة ، فيقدّم على الأصل ، لا من الظواهر الخالية عن الدليل المبحوث عنه في مسألة تقدّم الظاهر على الأصل(2) .

وقال في موضع آخر : إنّما المراد هنا بالظاهر ما لم يقم دليل على اعتباره ، كالظنّ العادي والحاصل من الغلبة ونحو ذلك ، فالأصل مقدّم ; لأنّ الشيء الذي لا  يعتمد عليه بنفسه لو خلّي من دون معارض كيف يعتمد عليه في مقام المعارضة والدعوى(3) .

  • (1) تهذيب الأحكام 2 : 352 ح1459 .
    (2) العناوين 1 : 157 ـ 158 .
    (3) العناوين 2 : 597 و 600 .

(الصفحة 154 )

وقال المحقّق الثاني : ولم يثبت أنّ هذا الظنّ من القسم المعتبر(1) .

قال الشيخ الأنصاري في قاعدة الفراغ والتجاوز : إنّ المراد بمحلّ الفعل المشكوك في وجوده هو الموضع الذي لو اُتي به فيه لم يلزم منه اختلال في الترتيب المقرّر .

وبعبارة اُخرى : محلّ الشيء هي مرتبته المقرّرة بحكم العقل ، أو بوضع الشارع ، أو غيره ولو كان نفس المكلّف; من جهة اعتياده بإتيان ذلك المشكوك في ذلك المحلّ .

فمحلّ تكبيرة الإحرام قبل الشروع في الاستعاذة لأجل القراءة بحكم الشارع . . . ومحلّ غسل الجانب الأيسر أو بعضه في غسل الجنابة لمن اعتاد الموالاة فيه قبل تخلّل فصل يخلّ بما اعتاده من الموالاة .

هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه ، إلاّ الأخير; فإنّه ربّما يتخيّل (خ ل يحتمل) انصراف إطلاق الأخبار إلى غيره .

مع أنّ فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة . فمن اعتاد الصلاة في أوّل وقتها أو مع الجماعة ، فشكّ في فعلها بعد ذلك ، فلا يجب عليه الفعل . وكذا من اعتاد فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة، فرأى نفسه فيه، وشكّ في فعل الصلاة ، وكذا من اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتدّ به ، أو قبل دخول الوقت للتهيّؤ، فشك بعد ذلك في الوضوء . إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد التزام الفقيه بها .

نعم، ذكر جماعة من الأصحاب مسألة معتاد الموالاة في غسل الجنابة
إذا شكّ في الجزء الأخير، كالعلاّمة وولده والشهيدين والمحقّق الثاني(2)

  • (1) رسائل المحقّق الكركي 2 : 237 ـ 238 .
    (2) قواعد الأحكام 1 : 12 ، إيضاح الفوائد 1 : 42 ، جامع المقاصد 1 : 237 ـ 238 .

(الصفحة 155 )

وغيرهم قدّس الله أسرارهم(1) .

واستدلّ فخر الدين على مختاره في المسألة : بأنّ خرق العادة على خلاف الأصل(2) . ولكن لا يحضرني كلام منهم في غير هذا المقام ، فلابدّ من التتبّع والتأمّل .

والذي يقرب في نفسي عاجلا هو الالتفات إلى الشكّ ، وإن كان الظاهر من قوله (عليه السلام)  : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ»(3) ، أنّ هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الأصل ، فهو دائر مدار الظهور النوعي ولو كان من العادة . لكن العمل بعموم ما يستفاد من الرواية أيضاً مشكل ، فتأمّل . والأحوط ما ذكرنا(4) .

ويستفاد من كلام صاحب الجواهر أنّه أيضاً يقدّم الأصل على الظاهر ، حيث قال : لا دليل على اعتبار الظهور ورجحانه على الأصل أوّلا ، ومنع حجّيته بحيث يعارض الأصل ثانياً(5) .

وقال في موضع آخر : والظاهر إذا لم يكن عليه دليل شرعيّ لا يعارض الأصل، كما هو واضح(6) .

وقال أيضاً : المتّجه العمل بالأصل على كلّ حال ; لعدم ثبوت حجّية الظواهر المزبورة(7) .

واتّبعه في عدم حجّية الظاهر المزبور السيّد محمّد كاظم الطباطبائي صاحب

  • (1) كشف اللثام 1 : 77 ، جواهر الكلام 2 : 362 ـ 363 .
    (2) إيضاح الفوائد 1 : 43 .
    (3) وسائل الشيعة 1 : 332 باب 42 من أبواب الوضوء ح7 .
    (4) فرائد الاُصول 2 : 831 ـ 832 .
    (5) جواهر الكلام 23 : 177 .
    (6) جواهر الكلام 31 : 142 .
    (7) جواهر الكلام 43 : 22 .

(الصفحة 156 )

العروة وشيخنا الاُستاذ التبريزي(1) .

وقال السيّد بحر العلوم : إنّ الظاهر لا يلتفت إليه في مقابل الأصل(2) .

وقال الميرزا محمّد التنكابني: قد يقع التعارض بين الأصل والظاهر، وقد يقدّمون الأصل في أغلب الموارد على الظاهر، ومقتضى القاعدة تقديم الأصل على الظاهر; لأنّ الظاهر يفيد الظنّ، والأصل عدم حجّية الظنّ سيّما في الموضوعات الصرف(3).

وقال النراقي : فالعمل بالأصل ـ ولو مع وجود الظنّ على خلافه لمن لم يثبت عنده حجّيته هذا الظنّ ـ إجماعيّ ، ثمّ قال : إنّ العمل بالأصل في غير المعلومات قبل هذا الظنّ عين سيرة العلماء ، وهكذا بعد الظنّ(4) .

وقال محمّد حسين آل كاشف الغطاء : والعادة عند الإماميّة لا يعتبر بها ، ولا  تصلح لإثبات حكم شرعيّ(5) .

وممّن قدّم الأصل على الظاهر السيّد المجاهد صاحب المناهل ، حيث قال في نزاع المحيل والمحال عليه : لو أحال عليه ، فقبل الحوالة وأدّى ، ثمّ رجع على المحيل بما أدّاه مدّعياً براءة ذمّته من مال المحيل ، وادّعى المحيل اشتغال ذمّته ، وأنّه إنّما أحال
عليه من حيث كونه مشغول الذمّة بماله ، فالقول قول المحال عليه على المختار من صحّة الحوالة على البري ; من أنّ الأصل براءة ذمّة المحال عليه من الدَّين الذي ادّعاه المحيل عليه ، فيرجع على المحيل بما أدّاه .

  • (1) حاشية المكاسب للسيّد 2 : 3 ، إرشاد الطالب إلى تعليق المكاسب 4 : 19 .
    (2) بلغة الفقيه 3 : 147 .
    (3) تأسيسات در قواعد فقهي (مباني في القواعد الفقهيّة): 48.
    (4) عوائد الأيّام : 382 ـ 383 .
    (5) تحرير المجلة 1 : 31 .

(الصفحة 157 )

قد يقال : الأصل المذكور معارض بالظاهر; من أنّه لولا اشتغال ذمّة المحال عليه لما اُحيل عليه .

وفيه نظر : أمّا أوّلا : فللمنع من ظهور ذلك ، فإنّ الحوالة تقع عادة على مشغول الذمّة وبريئها، ولم يثبت أغلبية الأوّل . وأمّا ثانياً : فلأنّ الأصل اُولويّة الأصل من الظاهر حيث يقع التعارض بينهما، كما صرّح به في اللمعة(1)، والروضة هنا ، وخروج بعض الموارد لدليل لا يقدح في حجّية الأصل ، وإلاّ لسقط جميع الأُصول الشرعيّة فتأمّل(2) .

مؤيّدات هذا القول

ويؤيّد هذا القول بتقديم الأصل في موارد كثيرة ، التي عمل فيها بالأصل في الأبواب المختلفة، خصوصاً في باب الطهارة ، ولم يلتفت إلى القرائن الظاهرة ، وله صور كثيرة :

أ ـ باب الطهارة

فمنها : إذا تيقّن الطهارة أو النجاسة في ماء ، أو ثوب ، أو أرض ، أو بدن ، وشكّ في زوالها ، فانّه يبني على الأصل وإن دلّ الظاهر على خلافه ، كما لو وجد الثوب نظيفاً بيد من عادته التطهير إذا نظّف ونحوه ، إلاّ أن يتّفق مع ذلك خبر محتفّ بالقرائن الكثيرة ، الموجبة للعلم ، أو الظنّ المتاخم له ، فيقوى العمل به .

ومنها : ثياب من لا يتوقّى النجاسة من الأطفال ، والقصّابين ، ومدمني الخمر ، والكفّار ، فإنّ الظاهر نجاستها ، والأصل يقتضي طهارتها ، وقد رجّح الأصحاب

  • (1) الروضة البهية 4 : 146 ـ 147 ، وج 5 : 375 ـ 376 .
    (2) المناهل : 158 .

(الصفحة 158 )

هنا الأصل على الظاهر .

ومنها : إذا وجد كلباً خارجاً من بيت فيه إناء مكشوف ، ومعه أثر مباشرته له برطوبة ، فإنّه يعمل بالأصل وهو الطهارة وعدم مباشرته وإن كان الظاهر خلافه ، حتّى لو كان الإناء فيه مثل اللبن ممّا يظهر على العضو ، ووجد على فم الكلب أثره ، لم يحكم بالنجاسة ، على ما صرّح به جمع من الأصحاب .

ومنها : حكمهم بطهارة ثياب مدمني الخمر وسؤر الحائض المتّهمة، وطهارة أواني المشركين وما بأيديهم، وطهارة ما تناله أيدي الناس على اختلاف فرقهم وتباين آرائهم في الطهارات والنجاسات ، وطهارة ما لا يكاد ينفكّ من النجاسات ، كحافات البئر والحبل ، وحافّات العين وغيره; لأصالة الطهارة، ويقدّمون الأصل على الظاهر وإن كان الظاهر يقتضي النجاسة(1) .

فعن زكريّا بن إبراهيم قال : كنت نصرانيّاً فأسلمت فقلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : إنّ أهل بيتي على دين النصرانية فأكون معهم في بيت واحد وآكل من آنيتهم؟ فقال لي (عليه السلام)  : أيأكلون لحم الخنزير؟ قلت : لا ، قال : لا بأس(2) .

ومنها : لو ألقى ثوب مغسول من المني على محلّ نظيف ، ثمّ شكّ في زوال نجاسته فيحكم بنجاسته ، ولكن في طهارة المحلّ ونجاسته وجهان : الظاهر أنّه نجس ; والأصل طهارته ، ولكنّهم يقدّمون الأصل على الظاهر(3) .

ومنها : إذا خرج من الرجل بلل وظنّ أنّه منيّ ، ففي وجوب الغسل عليه وعدمه وجهان : الظاهر يقتضي الوجوب ، والأصل يقتضي عدمه . ولكن العمل

  • (1) رسائل المحقّق الكركي 2 : 237 ، كشف الأسرار في شرح الاستبصار 2: 200 .
    (2) وسائل الشيعة 2 : 1092 باب 72 من أبواب النجاسات ح1 .
    (3) جامع الشتات 2 : 385 .

(الصفحة 159 )

على الأصل(1) .

ومنها: ان رعف الرجل فامتخط فصار ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه، ولم يعلم أنه أصاب الماء الّذي في إنائه، ففي جواز الوضوء أو الشرب منه وجهان: ظاهر الحال يقتضي وصوله إلى الماء أيضاً، كما عن الشيخ(2)، والأصل يقتضي عدم وصوله إليه(3)، كما في الخبر(4) .

ب ـ باب الصيام

فمنها : إذا شكّ في طلوع الفجر في شهر رمضان ، فإنّه يباح له الأكل حتّى يستيقن الطلوع; لأنّ الأصل عدم الطلوع وإن ظنّ خلافه بالقرائن المحتملة لظهور خلافه .

ومنها : البناء على تمام الشهر ، لو لم يتمكّن من رؤية الهلال لغيم ونحوه ، حيث لا قائل بالرجوع إلى غيره من الأمارات ; وإلاّ كان من باب الخلاف في ترجيح أيّهما ، كما لو غمّت الشهور .

ج ـ باب العقود

فمنها : معاملة الظالمين ، ومن لا يتوقّى المحارم ، بحيث يظنّ تحريم ما بيده ، فإنّ الأصل الحلّ وإن كرهت معاملتهم(5) .

  • (1) كفاية الأحكام : 3 .
    (2) الاستبصار 1: 23 ح 12.
    (3) كشف الأسرار في شرح الاستبصار 2: 200 ـ 201 .
    (4) الاستبصار 1: 23 ح 12.
    (5) قواعد الأحكام 1 : 120 ، تمهيد القواعد : 304 ، جامع المقاصد 4 : 10 ـ 11 .

(الصفحة 160 )

ومنها : إذا ادّعى مدّع ـ فهو في غاية العدالة والورع مع فقد العصمة ـ بيعاً أو شراءً أو دَيناً أو غصباً ، وكان المدّعى عليه معهوداً بالتغلّب والظلم، فالإجماع قائم على تقديم الأصل على الظاهر(1) .

د ـ باب القضاء

فمنها : كلّما كان النزاع في الأقلّ والأكثر في باب العقود ـ كاختلاف البائع والمشتري في قدر العوضين ، والزوجين في مقدار المهر ، والمالك والأجير في مقدار الاُجرة ـ يقدّم قول منكر الزيادة مع يمينه(2) ، ولو كان قول مدّعي الزيادة موافقاً للظاهر ولثمن المثل أو مهر المثل أو اُجرة المثل .

وفي رواية صحيحة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل تزوّج امرأة فلم يدخل بها فادّعت أنّ صداقها مائة دينار ، وذكر الزوج أنّ صداقها خمسون ديناراً ، وليس لها بيّنة على ذلك ، قال : القول قول الزوج مع يمينه(3) .

ومنها : إذا ادّعت الزوجة ـ بعد طول بقائها مع الزوج ويساره ـ أنّه لم يوصلها النفقة الواجبة ، فقد قال الأصحاب : القول قولها ; لأنّ الأصل معها ، مع أنّ العادة والظاهر لا يحتمل ذلك .

ولو قيل بترجيح الظاهر كان وجهاً في المسألة ليس ذلك ببعيد ، إلاّ أنّ القائل به غير معلوم ، لكن بعضهم أشار إليه في تعريف المدّعي والمنكر، حيث إنّ معها الأصل ، ومعه الظاهر ، فهو مدّعي على الأوّل ، وهي على الثاني . وكذا على القول

  • (1) القواعد والفوائد 1 : 140 ـ 141 ، الأقطاب الفقهيّة على مذهب الإماميّة : 45 .
    (2) العناوين 2 : 608 .
    (3) وسائل الشيعة 15 : 28 باب 18 من أبواب المهور ح1 .

(الصفحة 161 )

بأنّه يخلّى وسكوته ، أو يترك لو ترك(1) .

القول الثالث : تقديم أصالة الطهارة على الظاهر

ولو سلّمنا عدم تقديم الأصل على الظاهر، لكنّا نقول في تقديمه على الظاهر في باب الطهارة والنجاسة والأحداث، إلاّ ما قام الدليل على خلافه ، كما يستفاد ذلك من كلمات جملة من الأعلام وظاهر الأدلّة ، بل يستفاد من إطلاق كلام ابن الجنيد(2)، وصريح ابن البرّاج أنّه يقدّم أصالة الطهارة على البيّنة . ولكن إنّا لانقول به، لأنّ الحكم بشهادة الشاهدين معلوم من الشرع، كما قال به الشيخ والعلاّمة(3) . ولذا قالوا بوجوب ردّ الماء على البائع إذا كان مبيعاً، وشهد عدلان بنجاسته ، فلو لم يقبل العدلان لم يجب ردّه(4) .

ولنذكر كلمات الفقهاء في ذلك :

سئل ابن البرّاج : إذا كان الماء في موضع ، وقصد المكلّف إلى الطهارة منه ، فأخبره إنسان بأنّه نجس ، هل يجوز له استعماله في ذلك ، أو قبول قول الغير المخبر له بنجاسته، أو لايجوز ذلك؟ الجواب: يجوز له استعماله، ولا يلزمه قبول قول المخبر له بنجاسته ; لأنّ المعلوم كون الماء على أصل الطهارة، إلاّ أن يعلم أنّ فيه نجاسة ، وبقول هذا المخبر لا يحصل العلم ، ولا دليل أيضاً يفضي إلى العلم بقبول قوله(5) .

وقال في موضع آخر : وإذا وجد ماء فأعلمه غيره بأنّه نجس لم يلزمه القبول

  • (1) تمهيد القواعد : 304 .
    (2) كشف الالتباس 1 : 117 .
    (3) المبسوط 1: 9 ، مختلف الشيعة 1 : 83 .
    (4) تذكرة الفقهاء 1 : 4 .
    (5) جواهر الفقه: 9 مسألة 8 .

(الصفحة 162 )

منه ، وجاز له استعماله ; لأنّ الماء على أصل الطهارة ما لم يعلم ملاقاة شيء من النجاسات له(1) .

وسئل عنه : إذا كان معه إناءان يعلم طهارتهما ، فشهد شاهدان بأنّ أحدهما نجس أو جميعهما ، هل يجب عليه قبول قولهما في ذلك، أو لا؟ قال في الجواب : لايجب عليه قبول قولهما ; لأنّ المعلوم كون الماء على أصل الطهارة ، إلاّ أن يعلم أنّ فيه نجاسة ، وبقول هذين المخبرين لا يحصل العلم(2) .

وسئل عنه أيضاً : إذا كان معه إناءان طاهران فشهد شاهدان : بأنّ النجاسة وقعت في واحد منهما بعينه ، وشهد آخران : بأنّ النجاسة وقعت في الآخر ، هل يلزمه قبول قولهما فيما شهدا به، أو لا؟ الجواب : لا يلزمه قبول شهادتهما فيما شهدا به ; لأنّ الماء عنده على أصل الطهارة على ما قدّمناه(3) .

قال فخر المحقّقين في مسألة الغُسل الارتماسي : لو شكّ بعد الارتماس في وصول الماء إلى جزء من الأجزاء وعدمه ، فهنا تعارض الأصل والظاهر ; إذ الظاهر والغالب يقتضي وصول الماء ، والأصل عدمه ، والأصحّ تقديم الأصل(4) .

قال الشهيد الثاني : إذا تيقّن الطهارة أو النجاسة في ماء ، أو ثوب ، أو أرض ، أو بدن ، وشكّ في زوالها ، فإنّه يبني على الأصل ، وإن دلّ الظاهر على خلافه ، كما لووجد الثوب نظيفاً بيد من عادته التطهير إذا نظّف ونحوه ; إلاّ أن يتّفق مع ذلك خبر محتفّ بالقرائن الكثيرة الموجبة للعلم ، أو الظنّ المتاخم له ، فيقوى العمل به .

ثمّ قال : وثياب من لا يتوقّى النجاسة من الأطفال ، والقصّابين ، ومدمني

  • (1) المهذب 1 : 30 .
    (2) جواهر الفقه : 9 .
    (3) جواهر الفقه : 9 .
    (4) إيضاح الفوائد 1 : 43 .

(الصفحة 163 )

الخمر ، والكفّار ، فإنّ الظاهر نجاستها ، والأصل يقتضي طهارتها ; وقد رجّح الأصحاب هنا الأصل على الظاهر .

ثمّ قال : إذا وجد كلباً خارجاً من بيت فيه إناء مكشوف ، ومعه أثر مباشرته له برطوبة ، فإنّه يعمل بالأصل ، وهو الطهارة ، وعدم مباشرته ، وإن كان الظاهر خلافه ، حتّى لو كان الإناء فيه مثل اللبن ممّا يظهر على العضو ، ووجد على فم الكلب أثره لم يحكم بالنجاسة ، على ما صرّح به جمع من الأصحاب(1) .

ومثله قال المحقّق الكركي(2) .

فإنّه (قدس سره)  : قدّم الأصل في باب الطهارة على الظاهر ، ونسب ذلك إلى الأصحاب .

وممّا يدلّ على ذلك موثّقة عمّار الساباطي ، عن الصادق (عليه السلام)  : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر ، فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك»(3) .

ورواية حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام) قال : ما اُبالي أبَوْلٌ أصابني أو ماء إذا لم أعلم(4) .

وصحيحة زرارة ، عن الباقر (عليه السلام) قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ، فعلمت أثره إلى أن اُصيب له من الماء ، فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئاً وصلّيت، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك ، قال : تعيد الصلاة وتغسله ، قلت : فإنّي لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه ، فلمّا صلّيت وجدته ، قال : تغسله وتعيد ، قلت : فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك، فنظرت فلم أر شيئاً ، ثمّ صلّيت فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد

  • (1) تمهيد القواعد : 303 ـ 304 .
    (2) رسائل المحقّق الكركي 2 : 237 .
    (3) تهذيب الأحكام 1 : 285 ح832 ، وسائل الشيعة 2 : 1054 باب 37 من أبواب النجاسات ح4 .
    (4) وسائل الشيعة 2 : 1054 باب 37 من أبواب النجاسات ح5 .

(الصفحة 164 )

الصلاة ، قلت : لِمَ ذلك؟ قال : لأنّك كنت على يقين من طهارتك، ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً(1) .

ويستفاد من التعليل «لأنّك كنت . . .»، وعدم الإعادة في صورة الظنّ، وجملة الاستدراك «وإنّما تنقضه بيقين آخر» في صحيحة(2) اُخرى لزرارة أنّ الظنّ في حكم الشكّ، إذن إن كنت على يقين من طهارتك، ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً .

ومثله في الأخبار غير عزيز يقف عليه المتتبّع .

وادّعى المحدّث البحراني الإجماع على ذلك ، وقال : لو شكّ في الطهارة مع تيقّن الحدث أو تيقّنها مع الشكّ فيه بنى على يقينه في الموضعين، إجماعاً نصّاً وفتوى .

واستثنوا صورة واحدة من هذه القاعدة ; وهو: ما إذا بال ولم يستبرىء، ثمّ خرج بلل مشتبه ، فإنّهم صرّحوا بوجوب الوضوء في الصورة المذكورة بلاخلاف(3) ، كما عن ابن إدريس دعوى عدم الخلاف عليه(4) .

قال الشيخ الأعظم : إنّ الخروج عن القاعدة المجمع عليها من عدم الخروج عن يقين الطهارة بمجرّد الشكّ مشكل(5) . فيستفاد من كلمات الفقهاء وظاهر الأدلّة(6)أنّ أصالة الطهارة مقدّم على الظاهر .

ويستفاد من كلمات بعض العامّة أيضاً أنّهم يقدّمون الأصل

  • (1) تهذيب الأحكام 1 : 421 ـ 422 ح1335 ، وسائل الشيعة 2 : 1053 باب 37 من أبواب النجاسات ح1 وص1063 باب 42 ح2 .
    (2) وسائل الشيعة 1 : 175 باب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح1 .
    (3) الحدائق الناضرة 2 : 396 .
    (4) السرائر 1 : 122 .
    (5) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 2 : 534 .
    (6) وسائل الشيعة 2 : 1093 ـ 1095 باب 73 و 74 من أبواب النجاسات .

(الصفحة 165 )

في باب الأحداث .

قال الرافعي : الشيء الذي لا يتيقّن نجاسته ، ولكنّ الغالب في مثله النجاسة ، يستصحب طهارته ، أم يؤخذ بنجاسته قولان : أحدهما : يستصحب طهارته تمسّكاً بالأصل المتيقّن إلى أن يزول بيقين بعده، كما في الإحداث . والثاني : يؤخذ [بنجاسته] عملا بالظنّ المستفاد من الغلبة بخلاف الإحداث ، فإنّ عروضها أكثر فخفّف الأمر فيها بطرح الظنّ كالشكّ ، ويشهد هذان القولان لقولي تعارض الأصل والظاهر(1) .

وبعضهم أيضاً يقدّمون الأصل في باب الطهارة والنجاسة والحدث .

قال ابن رجب : إذا تيقّن الطهارة أو النجاسة في ماء أو ثوب أو أرض أو بدن وشكّ في زوالها فإنّه يبني على الأصل إلى أن تيقّن زواله ، ولا يكتفي في ذلك بغلبة الظنّ ولا غيره ، وكذلك لو تيقّن حدثاً أو نجاسة وغلب على ظنّه زوالها فإنّه يبني على الأصل(2) .

القول الرابع : التفصيل في المسألة

ويستفاد من كلام المحقّق الرشتي أنّه لو كان الظهور قويّاً وتكون العادة جارية على مقتضاه عند العقلاء وأهل المداقّة، بحيث لو سألوا عن حكم الواقعة لأخبروا بموجبها ، ولم تكن عن تخمين وجزاف ومسامحة عند الناس يقدّم على الأصل ; لأنّه في قوّة المنصوص العلّة . وأمّا لو كان الظهور ناشئاً من استقرار مطلق العادة قدينشأ بمسامحاتهم وتوسعاتهم حتّى إذا سألوا العقلاء وأهل المداقّة لسكتوا ولم يخبروا بشيء ، فاللاّزم المداقّة في معرفة كون إخبارهم عن تحقيق أو تسامح .

  • (1) العزيز في شرح الوجيز 1 : 74 .
    (2) القواعد في الفقه الإسلامي : 369 قاعدة 159 .

(الصفحة 166 )

قال : إذا تداعى الزوجان متاع البيت ففيه أقوال ذكرها في المسالك ، منشأها اختلاف الأخبار والاعتبار :

أحدها : ما عن المبسوط(1): من العمل بمقتضى القاعدة ، فيحكم لمن له البيّنة، ومع عدمها فيد كلّ منهما على النصف ، من غير فرق بين ما يصلح لخصوص الرجال أو لخصوص المرأة أو لهما ، إلاّ أن يخصّ اليد بأحدهما ، كثياب البدن وما يجري مجراها في الاختصاص بأحدهما .

وثانيها : الفرق بين ما يصلح للرجال خاصّة ، فيحكم بها لهم ، وكذا ما يصلح للمرأة ; وبين ما يصلح لهما فيعمل فيه بمقتضى القاعدة كما ذكر . وهذا محكيّ عن الشيخ أيضاً في الخلاف(2) ، وهو الذي نسبه في الشرائع إلى الأشهر في الروايات والأظهر بين الأصحاب(3) .

وثالثها : أنّها للمرأة ويطالب الرجل بالبيّنة ، وهذا مصرّح به في غير واحدة من الروايات ، معلّلا بأنّه لو سئل من بين لابتيها ـ أي بين جبلي منى ـ لأخبروك أنّ الجهاز والمتاع يُهدى علانيةً من بيت المرأة إلى بيت الرجل ، فيعطى التي جاءت به(4) .

والعمل بهذه الرواية يقضي بالتفصيل بين البلدان والأقاليم ، والعمل في كلّ بلد بموجب ما جرت عليه عادته ، فقد يكون كما أخبر به الإمام (عليه السلام) من كون الجهاز والمتاع من المرأة ، وقد يكون بالعكس .

  • (1) المبسوط 8 : 257 .
    (2) الخلاف 6 : 352 .
    (3) شرائع الإسلام 4 : 119 ـ 120 .
    (4) الكافي 7 : 131 ح1 ، تهذيب الأحكام 6 : 297 ح829 ، وسائل الشيعة 17 : 523 ـ 524 باب 8 من أبواب ميراث الأزواج ح1 .

(الصفحة 167 )

ومحصّل التفصيل الذي يظهر من الرواية: أنّ العادة إن كانت جارية على زفّ المرأة مع المتاع من مالها إلى بيت الرجل حكم بمقتضى تلك العادة، وتجعل تلك ظهوراً متّبعاً شرعاً في صورة التنازع حاكماً على الأصل، بل اليد أيضاً ، إذ لو خلّي وطبعه حكم بها للرجل إذا كان مالكاً للدار ; لأنّ مالك الدار مع ما فيها داخل تحت يده ، فإذا كانت العادة على زفّ المرأة مع المتاع خرجنا بها عن حكم اليد; تقديماً للظهور على اليد .

ومن هنا يظهر أنّ الحكم كذلك في جميع موارد تعارض الأصل والظاهر ; لأنّه في قوّة المنصوص العلّة ، فكأنّه (عليه السلام) قال : إنّ ظاهر الحال مع المرأة فيقدّم قولها .

لكن العمل به مشكل ; لأنّ بناء الأصحاب إيقاف تقديم الظاهر على ورود الدليل عليه ، حتّى أنّهم حصروا مواضع تقديمه على غيره من الاُصول والطرق المعتبرة .

لكن لو كان الظهور مثل الظهور الذي حكم الإمام (عليه السلام) باعتباره في هذه الروايات لم يكن التعويل عليه مطلقاً بعيداً ، وميزانه أن تكون العادة جارية على مقتضاه ، بحيث لو سئل الناس عن حكم الواقعة لأخبروا بموجبها ، كما هو صريح كلامه (عليه السلام) ، لا مطلق الظهور الناشئ من استقرار مطلق العادة .

ثمّ إنّ أخبار الناس بموجبها قد ينشأ بمسامحاتهم وتوسّعاتهم وجزافاتهم في الأقوال والأخبار ، فيخبرون بموجبها عن تخمين وجزاف من غير تحقيق ، حتّى إذا سئل عقلاؤهم وأهل مداقّتهم لسكتوا ، أو لم يخبروا بشيء . وحينئذ فاللاّزم المداقّة في معرفة كون أخبارهم عن تحقيق أو تسامح(1) .

وبمثله اعتقد ابن أبي جمهور ، حيث قال : وقد يتعارض الأصل والظاهر ، وفي

  • (1) كتاب القضاء للمحقّق الرشتي 2 : 299 ـ 301 .

(الصفحة 168 )

ترجيح أحدهما وجهان : أقربهما مراعاة القوّة والضعف في أيّهما(1) .

مؤيّدات هذا القول

ويؤيّد هذا التفصيل ، تقديم الظاهر على الأصل في موارد كثيرة ، وهكذا تقديم الأصل على الظاهر، كما تقدّم في ذيل القولين الأوّلين ، بل الفاحص يجد الموارد الكثيرة من تعارض الأصل والظاهر في الفقه الإسلامي، كما يشرف على خلاف الفقهاء في تلك الموارد ، بل ربما يجد الخلاف في كلام فقيه واحد حيث يقدّم الأصل في مورد والظاهر في آخر، ولعلّ منشأ هذا الاختلاف يرجع إلى قوّة الظهور وضعفه . ويجدر بنا أن نشير إلى جملة من الموارد التي اختلف فيها الفقهاء في هذا الموضوع كيما يلاحظها القارئ فيزداد بها بصيرة .

أ ـ باب الطهارة

1 ـ غسالة الحمّام ، وهو الماء المنفصل عن المغتسلين فيه ، الذي لا يبلغ الكثرة حال الملاقاة . والمشهور بين الأصحاب الحكم بنجاسته ; عملا بالظاهر ، من باب مباشرة أكثر الناس له بنجاسة(2) . ومستنده مع ذلك رواية مرسلة ضعيفة السند عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) (3) .

وقيل : يرجّح الأصل ; لقوّته(4) ، مع معارضة تلك الرواية باُخرى مرسلة

  • (1) الأقطاب الفقهيّة على مذهب الإماميّة : 45 .
    (2) السرائر 1 : 90 ، المعتبر 1 : 92 ، المختصر النافع 1 : 29 ، إرشاد الأذهان 1 : 238 ، مفتاح الكرامة 1 : 97 ، القواعد والفوائد 1 : 137 ، رسائل المحقّق الكركي 2 : 237 .
    (3) الكافي 3 : 22 باب ماء الحمّام ح1 ، تهذيب الأحكام 1 : 373 ح1143 ، وسائل الشيعة 1 : 158 ـ159 ، باب 11 من أبواب الماء المضاف ح1 و4 .
    (4) منتهى المطلب 1 : 146 ـ 147 .

(الصفحة 169 )

مثلها عن الكاظم (عليه السلام) بنفي البأس عمّا يصيب الثوب منها(1) . وهذا هو الظاهر(2) .

2 ـ طين الطريق إذا غلب على الظنّ نجاسته ، فإنّ الظاهر يشهد بها ، والأصل يقتضي الطهارة ، والمشهور الحكم بطهارته وهو الأقوى(3) . لكن ذهب العلاّمة في النهاية(4) إلى العمل بالظنّ الغالب هنا; عملا بالظاهر(5) .

3 ـ إذا خرج من بيت الخلاء من كان عادته الاستنجاء ، ثمّ شكّ في أنّه استنجى أم لا ، فيه وجهان : إذ الظاهر غالباً أنّه يستنجي والأصل عدمه، فيتعارض الأصل والظاهر ، وقال بعضهم : يقدّم الأصل(6) وهو الأقوى .

4 ـ قال بعض الفقهاء : ثمّ إنّه لا إشكال عند الأصحاب على الظاهر في إجراء أحكام الشهيد على كلّ من وجد فيه أثر القتل من المسلمين ، أمّا من لم يوجد فيه ذلك فعن الشيخ وتبعه الفاضلان(7) أنّه كذلك عملا بظاهر الحال ; لعدم انحصار القتل بما ظهر أثره ، وعن ابن الجنيد عدمه ، ولعلّه لأصالة وجوب تغسيل الأموات مع الشكّ في تحقّق الشرط هنا ، وهو لا يخلو من قوّة ، فتأمّل(8) .

5 ـ إذا أعار المسلم ثوبه لذمّيٍّ يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير، ثمّ ردّه
عليه ، فهو جاهل بأنّ مثل هذا الثوب الذي هو مظنّة النجاسة، هل هو ممّا يجب

  • (1) الكافي 3 : 23 ، باب ماء الحمّام ح4 ، من لا يحضره الفقيه 1 : 10 ح17 .
    (2) تمهيد القواعد : 309 ـ 310 .
    (3) تذكرة الفقهاء 1 :10 ، منتهى المطلب 3 : 292 ، القواعد والفوائد 1 :138 ، رسائل المحقّق الكركي 2 : 237 .
    (4) نهاية الأحكام 1 : 386 .
    (5) تمهيد القواعد : 310 .
    (6) مسالك الأفهام 4 : 220 ، التنقيح في شرح عروة الوثقى 3 : 422 ـ 423 .
    (7) المبسوط 1 : 182 ، الخلاف 1 : 711 ـ 712 ، شرائع الإسلام 1 : 37 ، مختلف الشيعة 1 : 241 ، إرشاد الأذهان 1 : 232 .
    (8) الحدائق الناضرة 3 : 418 ، جواهر الكلام 4 : 93 .

(الصفحة 170 )

التنزّه عنه في الصلاة وغيرها ممّا يشترط فيه الطهارة، أو لا(1)؟ فيقع التعارض بين الظاهر بأنّه نجس، وبين أصالة الطهارة ، فيقدّم الأصل على الظاهر إن قلنا: إنّ المراد
من العلم في موثّقة عمّار ، عن الصادق (عليه السلام)  : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر ، فإذا علمت فقد قذر»(2) القطع واليقين، كما هو منقول عن ابني البرّاج وإدريس(3). فيقدّم الظاهر على الأصل إن قلنا: إنّ المراد من العلم أعمّ من اليقين والظنّ مطلقاً مستند إلى سبب شرعي أم لا، كما هو منقول عن أبي الصلاح(4) . والحقّ مع القول الأوّل .

6 ـ إذا وجد المني في الثوب المختصّ به ثمّ شكّ في كون المني له أو لغيره ، أو
أنّ هذا المني المعلوم كونه منه من جنابة سابقة تطهّر لها ، أو من جنابة حادثة ، ففيه وجهان : الوجه الأوّل : كونه سبباً شرعيّاً ظاهريّاً للجنابة ، فيجب عليه الغسل، كما عليه المحقّق الكركي ومشهور المتأخّرين منه(5) . الوجه الثاني : أنّ الأصل الطهارة، وعدم الخروج عن يقين الطهارة بمجرّد الشكّ ، كما عليه الشيخ الأنصاري والفاضل اللنكرانى(6) .

7 ـ لو شكّ بعد الغسل الارتماسي في وصول الماء إلى عضو من الأعضاء وجزء من الأجزاء ، ففي وجوب الالتفات إليه وعدمه وجهان : وجه عدم الالتفات أنّ

  • (1) الحدائق الناضرة 1 : 135 .
    (2) وسائل الشيعة 2 : 1054 باب 37 من أبواب النجاسات ح4 .
    (3) المهذّب 1 : 30 ، السرائر 1 : 179 ـ 180 .
    (4) الكافي في الفقه : 140 ، الحدائق الناضرة 1 : 137 .
    (5) رسائل المحقّق الكركي 1 : 89 ، نهاية الأحكام 1 : 101 ، كشف الالتباس 1 : 187 ، الشرح الصغير في شرح المختصر النافع 1 : 29 .
    (6) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 2 : 531 ـ 534 ، تفصيل الشريعة، كتاب الطهارة، غسل الجنابة ـ التيمّم ـ المطهرات: 29 ـ 35 .

(الصفحة 171 )

الظاهر والغالب وصول الماء إلى جميع الأجزاء والأعضاء مع الارتماس وعدم الحائل . ووجه الالتفات أنّ الحدث متيقّن والرافع مشكوك فيه والأصل عدمه ، فهنا تعارض الأصل والظاهر ، وتوقّف العلاّمة في القواعد(1) ، وقدّم ابنه ـ في الإيضاح في شرح القواعد ـ الأصل(2) .

8 ـ إذا كان معه إناءان ، وفي أحدهما نجاسة لا يعلمه بعينه ، يجب الاجتناب عن كليهما ، وإن أخبره عدل أنّ النجس واحد بعينه ، هل يجوز له استعماله، أم لا؟ وجهان : من أنّ الأصل لا يجوز ; لأنّ المعلوم نجاسة أحدهما لا بعينه، فيستصحب، كما قال به بعض(3) ، ومن أنّ الظاهر وغلبة الظنّ الجواز .

9 ـ إذا كان الماء في موضع وقصد المكلّف إلى الطهارة منه ، فأخبره إنسان بأنّه نجس ، في جواز استعماله في ذلك ، أو قبول قول الغير المخبر له بنجاسته وجهان : من أصالة الطهارة في الماء فيجوز، كما قال به بعض(4) ، ومن أنّ الظاهر يحصل الظنّ بقوله فلا يجوز .

10 ـ إذا كان الماء مستعملا في الطهارة من الجنابة ـ يعني الماء القليل المنفصل عن أعضاء الطهارة ـ وفي جواز استعماله بعد ذلك في الطهارة وجهان ، اختلف أصحابنا فيه من أنّ الظاهر المخالطة للنجاسة وللشكّ في حصول الطهارة ، كما قال به قوم(5) ، ومن أنّ الأصل جوازه كما قال به قوم آخرون(6) .

  • (1) قواعد الأحكام 1 : 12 .
    (2) إيضاح الفوائد 1 : 43 .
    (3) جواهر الفقه : 9 .
    (4) جواهر الفقه : 9 .
    (5) المقنعة : 64 ، المبسوط 1 : 11 ، الخلاف كتاب الطهارة 1 : 172 ـ 173 مسألة 126 الوسيلة : 74 ، شرائع الإسلام 1 : 16 ، جواهر الفقه : 8 .
    (6) الناصريات : 77 مسألة 6 ، قواعد الأحكام 1 : 5 ، جامع المقاصد 1 : 127 ، تحرير الوسيلة 1:13، تفصيل الشريعة، كتاب الطهارة، المياه: 199 مسألة 23 .

(الصفحة 172 )

11 ـ إذا شكّ في الطهارة بعد البول والحدث من كان عادته الطهارة والوضوء بعد الحدث ففيه وجهان; إذ الظاهر غالباً أنّه مع الوضوء ، والاصل و هو استصحاب الحدث عدمه ، فيتعارض الأصل والظاهر ، ولكنّ الأقوى تقديم الأصل(1) .

12 ـ عفي عن الدم في الثوب والبدن عمّا نقص عن سعة الدرهم لصحيحة عبدالله بن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) (2) ، وفي طرد الحكم فيما خالطه مائع آخر بالعفو عمّا دونه وجهان : الوجه الأوّل عدم الاطّراد; لأنّه نجس ليس بدمه فوجب إزالته بالأصل السالم عن المعارض ، كما قال به العلاّمة في المنتهى(3) والشهيد في البيان(4)  و امام الخمينى في تحرير الوسيلة(5) و الفاضل اللنكراني في تفصيل الشريعة(6).

الوجه الثاني : الاطّراد وعدم وجوب إزالته، لأنّ النجاسة من الدم فكان الحكم له وهو ظاهر ، وعلّلوه بأنّ المتنجّس بشيء ، أضعف حكماً منه، وإذا ثبت العفو في القوي فالضعيف أولى بأن يثبت فيه ، ولا أقلّ من مساواة هذا المتنجّس لما تنجّس به، فيثبت في الفرع ما يثبت في الأصل(7) .

  • (1) فرائد الاُصول 2 : 831 .
    (2) تهذيب الأحكام 1 : 255 ح740 .
    (3) منتهى المطلب 3 : 256 .
    (4) البيان : 41 .
    (5) تحرير الوسيلة 1: 112 .
    (6) تفصيل الشريعة، كتاب الطهارة، النجاسات و احكامها: 463 .
    (7) ذكرى الشيعة 1 : 138 ، معالم الدين وملاذ المجتهدين 2 : 609 .

(الصفحة 173 )

ب ـ باب الصلاة وغيرها من العبادات

1 ـ لو سمع مصلّياً يلحن في صلاته ، أو يترك آية ، أو كلمة ، وكان المصلّي من أهل المعرفة بالقراءة ، بحيث يظهر أنّه ما فعل ذلك إلاّ سهواً، ففي وجوب تنبيهه عليه وجهان : من أصالة عدم معرفته بذلك على الوجه المجزي فيجب تعليمه ، ودلالة ظاهر حاله على كونه قد ترك ذلك سهواً ، والحال أنّه غير مبطل للصلاة ، فلا يجب، كما لا يجب تنبيهه على السهو وإن استحب معتضداً بأصالة البراءة من وجوب تنبيهه ، وهذا هو الأظهر .

ولو احتمل في حقّه الجهل بذلك وجب تعليمه ; لتطابق الأصل والظاهر ، أو عدم معارضة غير الأصل له ، فيعمل عليه مع احتمال عدم الوجوب أيضاً; نظراً إلى الاحتمال مع أصالة البراءة(1) .

2 ـ في كراهة الصلاة في البِيَع والكنائس قولان : القول الأوّل : عدم الكراهة ، كما قال به المفيد والشيخ والعلاّمة والشيخ الأنصاري(2) ; لأنّ الأصل عدم التكليف وانتفاء الكراهة . والقول الثاني : الكراهة ، كما قال به ابن البرّاج وسلاّر وابن إدريس(3); لعدم انفكاكهما عن النجاسة غالباً .

3 ـ إذا ظنّ النجاسة في الثوب ثمّ صلّى، فهل يفسد صلاته أم لا؟ فالظاهر فسدت صلاته، كما قال به أبو الصلاح الحلبي: بأنّ العمل بالظنّ واجب كالعلم ، فإنّ جزئيات الأحكام الشرعيّة أكثرها ظنّية(4) .

والأصل براءة الذمّة وعدم نجاسة المحلّ بالظنّ ، فالثوب على أصل الطهارة

  • (1) تمهيد القواعد : 310 ـ 311 .
    (2) المقنعة : 151 ، النهاية : 100 ، مختلف الشيعة 2 : 124 ، كتاب الصلاة 1 : 206 .
    (3) المهذّب 1 : 75 ـ 76 ، المراسم : 65 ، السرائر 1 : 270 .
    (4) الكافي في الفقه : 140 .

(الصفحة 174 )

وليس لغلبة الظنّ هنا حكم ، كما قال ابن إدريس(1) ، وقال العلاّمة : ونحن
في ذلك من المتوقّفين(2) .

والحقّ مع ابن إدريس; لما في صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :
قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره . . . فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك، فنظرت فلم أرَ شيئاً، ثمّ صلّيت فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة . . .(3) .

4 ـ لو شكّ في إسلام إمام الجمعة وعدمه، ففي انعقاد الجمعة وعدمه قولان ، قال العلاّمة : لم تنعقد الجمعة; لأنّ ظهور العدالة شرط وهو منتف مع الشكّ(4) . وقال بعض العامّة : تصحّ; عملا بالظاهر من أنّه لا يتقدّم للإمامة إلاّ مسلم(5) .

5 ـ من اعتاد الصلاة في أوّل وقتها ، فشكّ بعد ذلك في فعلها، فهل يجب عليه إتيانها؟ فيه وجهان : الظاهر والعادة إتيانها في أوّل وقتها ، والأصل عدم إتيانها فيجب عليه إتيانها ، والأصل مقدّم عند بعض وهو الأقوى (6).

6 ـ من اعتاد فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة ، فرأى نفسه فيه ، وشكّ بعد ذلك في فعل الصلاة ، فهل يجب عليه إتيانها؟ فيه وجهان : الظاهر والعادة إتيانها ، والأصل عدم إتيانها وهو الصحيح(7) .

7 ـ لو قارب المسافر بلده ، وتعمّد ترك الدخول إليها للترخّص ، ولبث في قرى متقاربة، مدّة ففي خروجه عن صدق اسم المسافر عليه وعدمه وجهان :

الوجه الأوّل : أنّ ظاهر النظر يقتضي عدم الترخّص; لعدم صدق المسافر عليه

  • (1) السرائر 1 : 179 ـ 180 .
    (2) مختلف الشيعة 1 : 323 .
    (3) وسائل الشيعة 2 : 1053 باب 37 من أبواب النجاسات ح1 .
    (4) تذكرة الفقهاء 4 : 24 .
    (5) المغني والشرح الكبير 2 : 34 .
    (6 و 4) فرائد الاُصول 2 : 831 .

(الصفحة 175 )

عرفاً، أو الشكّ فيه . الوجه الثاني : نشك في كونه مسافراً فيستصحب(1) .

8 ـ وفي قصر الصلاة أو إتمامها للقاطن بنفسه، أو بعياله في مكان واحد لا ملك له فيه سنين متعدّدة لا بقصد الوطنية وجهان : الوجه الأوّل : الإتمام; لعدم صدق المسافر عليه عرفاً، واندراجه في الحاضر بديهة لوروده إلى موضع رحله ومقرّ أهله ومحلّ اُنسه ، وهو بحكم الوطن . الوجه الثاني : القصر; لأنّه لا منزل ولا وطن له فيقصّر للأصل(2) .

9 ـ لا ريب في توقّف القصر على العلم ببلوغ المقصد مسافة ولو بالشياع المفيد للنفس الاطمئنان الذي يجري مجرى اليقين الخالص . وفي احتمال الاكتفاء به وبالعدل الواحد وإن لم يفد ذلك ، بل كان مفاده الظنّ القوي وجهان : من أنّه مناط العمل في كثير من العبادات ، ومن أصالة عدمه(3) .

10 ـ وما يوجد في المسجد الحرام أو بعض المساجد أو المشاهد المشرّفة من النِعال في طول الزمان ومالكها مجهول، ففيه وجهان : من ظاهر الحال أنّهم أعرضوا عنها وأنّها كالتالف، فيجوز أخذها وتملّكها ، ومن أنّ الأصل عدم إعراضهم عنها .

11 ـ إذا حدث له التردّد في التوطّن في المكان ـ بعدما اتّخذها وطناً ; سواء كان وطنه الأصلي ومسقط رأسه ، أو المستجد وهو المكان الذي اتّخذه مسكناً ومقرّاً له دائماً ـ من إعراض عمليّ ، ففي بقاء الحكم وجهان : من أنّ الأصل البقاء . وظاهر الحال عدم البقاء بعد الإعراض(4) .

  • (1) ذكرى الشيعة 4 : 312 ، جواهر الكلام 14 : 202 .
    (2) جواهر الكلام 14 : 202 .
    (3) ذكرى الشيعة 4 : 312 ـ 313 ، جواهر الكلام 14 : 204 ، العروة الوثقى 3 : 417 مسألة 4 .
    (4) العروة الوثقى 3 : 472 مسألة 1 من أحكام الوطن ، منهاج الصالحين للسيّد الخوئي 1 : 260 مسألة 431 ، العروة الوثقى مع تعليقات للشيخ الفقيه الفاضل اللنكراني 1: 707 .

(الصفحة 176 )

12 ـ قال العلاّمة في القواعد : ولو حفر كافر أرضاً فوصل إلى معدن، ثمّ فتحها المسلمون ، ففي صيرورته غنيمة أو للمسلمين إشكال(1) .

وقال في التذكرة والتحرير(2) : إنّه لا يكون غنيمة، بل يكون على أصل الإباحة ; لأنّه لا يعلم هل قصد الجاهل التملّك فيغنم، أو لا فيبقى على أصل الإباحة؟

قال المحقّق الثاني : وهو ضعيف ; لأنّ الذي لا يكون إلاّ للتملّك بحسب الغالب كاف في حصول الملك ، ولا يعتبر العلم بنيّة التملّك وإن شرطناها عملا بالظاهر ، وإلاّ لكان الحافر للمعدن إلى أن يبلغه لا يختصّ به; لعدم العلم بكونه نوى التملّك ، فلا يمنع من إرادة الأخذ ، وهو باطل ، والظاهر أنّه غنيمة(3) .

13 ـ لو ادّعى الرجل الضعيف الفقر ، وكان له أصل مال وادّعى تلفه ، فإن عرف صدقه أو كذبه عُومل بما عرف منه ، وإن جهل الأمران ، ففي جواز إعطائه من مال الزكاة وعدمه وجهان : الوجه الأوّل: لايجوز; لأصالة بقاء المال . والوجه الثاني يجوز; لظاهر الحال .

14 ـ يعلم الشهر برؤية الهلال ، ولو غمت الشهور ، فقيل : يعمل في كلّ شهر بالأصل وهو التمام ، فيعدّ كلّ ما اشتبه ثلاثين(4) .

وقيل : يرجع إلى العدد ، وهو عدّ خمسة أيّام من هلال السنة الماضية ، وليصوم يوم الخامس ، كما لو أهلّ في الماضي يوم الأحد ، فيكون أوّل شهر رمضان الثاني

  • (1) قواعد الأحكام 1 : 222 .
    (2) تذكرة الفقهاء 2 : 404 ، تحرير الأحكام 2 : 132 .
    (3) جامع المقاصد 7 : 50 ـ 51 .
    (4) شرائع الإسلام 1 : 200 .

(الصفحة 177 )

يوم الخميس، وبه رواية عمران الزعفراني عن الصادق (عليه السلام)  (1). أو عدّ شهر تامّاً وشهر ناقصاً ; عملا بالظاهر وموافقتها للعادات من نقصان بعض الشهر وتمام بعض(2) .

15 ـ لو ترك الحاج طواف النساء متعمّداً وجب عليه الرجوع إلى مكّة والإتيان به لتحلّ له النساء ، فإن تعذّر استناب ، فإذا طاف له النائب حلّت له النساء إذا علم بذلك، كما صرّح به ابن إدريس(3) .

ولو واعده في وقت بعينه ، فهل تحلّ له النساء أم لا؟ فيه وجهان ، إذ يتعارض الأصل والظاهر ، فقال بعضهم : حلّهنّ ; عملا بالظاهر(4) ، وقال بعض آخر بعدم الجواز حتّى يعلم إتيان النائب(5) .

16 ـ إذا بنى الرجل في أرضه مدرسة علميّة ومضى عليها سنوات ، والطلاّب يشتغلون فيها للدرس والبحث ، ثمّ توفّي ولم يبق له كتاب يدلّ على أنّها موقوفة ، وادّعى الورثة أنّها ملك شخصي له ونحن وارثوه، ونحبّ أن نخرّبها ونبني عليها بناءً حديثاً ، ففي قبول ادّعائهم وعدمه وجهان : من أنّ الأصل عدم وقفيّتها فيرث وهو الأقوى . ومن أنّ ظاهر الحال كونها موقوفة فلا يرث .

17 ـ إذا علم بتعلّق الزكاة بماله، وبعد مضيّ السنة أو السنتين، وبعد التصرّف في النصاب بإتلاف ونحوه شكّ في أنّه أخرجها فيه على وفق عادته المستقرّة بإخراج الزكاة عند وجوبه والتصرّف في النصاب بعد ذلك، أو سَها عنها؟ فيه وجهان، بل

  • (1) الكافي 4 : 82 ح1 ، تهذيب الأحكام 4: 497 .
    (2) المبسوط 1 : 268 ، قواعد الأحكام 1 : 69 ، جامع المقاصد 3 : 93 ، تمهيد القواعد : 311 .
    (3) السرائر 1 : 604 .
    (4) الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة 1 : 458 درس 115 .
    (5) السرائر 1 : 604 ، جامع المقاصد 3 : 259 .

(الصفحة 178 )

قولان:

أحدهما: وجوب الإخراج; للاستصحاب، وعليه جمع من محشّي العروة كالحائري والحكيم والخونساري والگلپايگاني والجواهري.

الثاني: عدم الوجوب; لظاهر الحال والعادة، وعليه جمع آخر من المحشّين كالنائيني والاصفهاني والبروجردي(1) والفاضل اللنكراني(2).

قال البروجردي: نعم لو كانت عادته إخراجها أوّل حلولها مثلاً، وشكّ في أنّه أخرجها فيه أو سَها عنها لم يبعد الحكم بالمضيّ على إشكال فيه. وتبعه الفاضل اللنكراني.

ج ـ باب العقود

1 ـ لو اختلف المتعاقدان ببيع وغيره في بعض شرائط صحّته ، كما لو ادّعى البائع أنّه كان صبيّاً أو غير مأذون له أو غير ذلك ، وأنكر المشتري ، فالقول قول المشتري على الأقوى; عملا بظاهر حال المسلم من إيقاعه على وجه الصحّة ، وإن كان الأصل عدم اجتماع الشرائط ، وكذا القول في الإيقاعات . ويمكن ردّه إلى تعارض الأصلين(3) .

2 ـ إذا أسلم الزوجان قبل الدخول ، وقال الزوج : أسلمنا معاً ، فنحن على نكاحنا ، وقالت الزوجة : بل على التعاقب ، فلا نكاح ، فوجهان :

أحدهما : القول قول الزوج ; لأنّ الأصل بقاء الزوجيّة وعدم الانفساخ بالإسلام حتّى يتحقّق الموجب ، وهو بتحقّق الإسلام متعاقباً والأصل عدمه ;

  • (1) العروة الوثقى مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام 4: 163.
    (2) العروة الوثقى مع تعليقات المرجع الديني الفاضل اللنكراني 2: 147.
    (3) القواعد والفوائد 1 : 138 ـ 139 ، تمهيد القواعد : 312 ، جامع الشتات 2 : 384 .

(الصفحة 179 )

لأصالة عدم تقدّم كلّ منهما ، فيلزم الاقتران ، كما قال به بعض الأعاظم كالمقدس الأردبيلي .

والثاني : القول قول الزوجة ; لأنّ الظاهر معها ، إذ وقوع إسلامهما معاً في آن واحد نادر ; والظاهر خلافه(1) .

3 ـ لو اختلف الزوجان في قدر المهر مع اتّفاقهما على التسمية ، وما يدّعي الزوج أقلّ من مهر المثل ، وما تدّعي الزوجة موافق لمهر المثل ، فالأصل عدم الزيادة ، والظاهر مهر المثل ، فيتعارض الأصل مع الظاهر، واحتمل العلاّمة في القواعد(2) تقديم قول من يدّعي مهر المثل; عملا بالظاهر من عدم العقد على ما دونه ، وأنّه الأصل في عوض الوطء المجرّد عنه كالشبهة ، وقال الشهيدان : إنّ الأصل مقدّم على الظاهر(3) .

4 ـ اختلاف الزوجين في أصل المهر ، ولا بيّنة ، فإنّ الأصل يقتضي براءة ذمّته ممّا زاد عمّا يعترف به ، والظاهر يشهد لها بمهر المثل(4) . وفي ترجيح أيّهما خلاف ، فالمشهور تقدّم قول الزوج(5) .

وقال بعضهم : الأقوى عندي التفصيل ، فإن كان النزاع قبل الدخول فالقول قوله ; لأصالة عدم التسمية وبراءة ذمّته ، وإن كان بعده يعارض ما ذكر، مع أصالة ثبوت عوض للبضع المحترم ، وأنّ عدم التسمية يوجب مهر المثل مع الدخول ، والأصل عدم سقوطه ، والظاهر يشهد به أيضاً ، فيرجّح قولها في مهر المثل

  • (1) تمهيد القواعد : 313 ، مجمع الفائدة والبرهان 12 : 115 .
    (2) قواعد الأحكام 2 : 44 .
    (3) الروضة البهيّة 5 : 375 ـ 376 .
    (4) مسالك الأفهام 8 : 291 ـ 292 .
    (5) المختصر النافع : 216 ، نهاية المرام 1 : 409 ـ 410 ، اللمعة الدمشقيّة : 117 ، الروضة البهيّة 5 : 377 .

(الصفحة 180 )

بيمينها(1) . ويمكن ردّ هذه المسألة إلى تعارض الأصلين مع شهادة الظاهر لأحدهما(2) .

5 ـ لو ادّعى زوجيّة امرأة، وادّعت اُختها عليه الزوجيّة، ولم يكن لها بيّنة مع دخوله بالمدّعية ، يمكن أن يقال هنا تعارض الأصل والظاهر ; لأنّ الدخول ظاهر في الزوجيّة، والأصل عدم الزوجيّة فيرجّح بعضهم(3) الأصل، وبعضهم الظاهر(4) .

6 ـ إذا بقي من المجبوب بقيّة يمكنه الوطء بها سقط خيارها ، فإن ادّعت عدم إمكانه، وأنكر ، احتمل تقديم قوله; عملا بأصالة سلامة العقد ، وتقديم قولها; عملا بالظاهر ، إذ الظاهر عجز المقطوع ذكره . . . ولأنّ أصل السلامة زال، والرجوع إلى اعتباره بالصغر والكبر لا إليهما(5) .

7 ـ لا شكّ أنّ الرضاع في نشر الحرمة كالنسب ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(6) وهنا بحث، وهو: هل يكتفى بالحمل في نشر الحرمة باللبن، أو يعتبر فيه الولادة؟ وجهان، بل قولان ، نسب ثانيهما إلى الأكثر ، وبناءً على الاكتفاء بالحمل إذا طلّق الرجل زوجته، أو مات عنها ولها منه لبن وتزوّجت بآخر وحملت منه مع استمرار اللبن وعدم حدوث زيادة فيه، فهو منسوب إلى الفحل الأوّل للأصل ، حيث لم يعلم تجدّد ناقل عنه ، ولو حدثت فيه زيادة يمكن استنادها إلى الحمل، فهل هو للفحل الأوّل أو للفحلين؟

  • (1) تمهيد القواعد : 312 ، الروضة البهيّة 5 : 375 ـ 376 ، قواعد الأحكام 2 : 44 ، جامع الشتات 2 : 384 ـ 385 ، رياض المسائل 7 : 179 ـ 180 ، تحرير الوسيلة 2: 268، تفصيل الشريعة، كتاب النكاح: 447 ـ 450 .
    (2) تمهيد القواعد : 312 .
    (3) الروضة البهيّة 5 : 127 ـ 129 ، رياض المسائل 6 : 347 ، اللمعة الدمشقيّة : 110 .
    (4) التنقيح الرائع 3 : 14 .
    (5) تحرير الأحكام 2 : 30 .
    (6) وسائل الشيعة 14 : 280 باب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح1 .

(الصفحة 181 )

الأصل كونه للأوّل ، والظاهر أنّه لهما، فيتعارض الأصل والظاهر ، ونقل الشهيد عن الشافعي في أحد قوليه إنّه قال : إن زاد بعد أربعين يوماً من الحمل الثاني فهو لهما; عملا بالظاهر ، من أنّ الزيادة لسبب الحمل الثاني ، فيكون اللبن للزوجين . ثمّ قال الشهيد : وهذا قول موجّه على القول بالاكتفاء بالحمل وإن كان العمل على الأوّل(1) .

وقال بعض آخر :إنّ الظاهر لايلتفت إليه في مقابل الأصل حتّى على القول بالاكتفاء بالحمل(2) .

8 ـ إذا اختلف الزوجان في الإنفاق ، فقالت : لم ينفق عليَّ ، وادّعى هو الإنفاق ، فإن كان قبل التمكين فلا فائدة إذ لا يجب لها شيء، وإن كان بعده وكانت تحت قبضه احتمل تقديم قولها; عملا بالأصل ، وتقديم قوله; عملا بالظاهر من شاهد الحال من أنّه أنفق عليها في مدّة تسليمها نفسها ، ولا فرق بين أن يكون الزوج حاضراً أو غائباً(3) .

قال الشيخ في الخلاف : إذا اختلفا بعد تسليم نفسها في قبض المهر أو النفقة ،
فالذي رواه أصحابنا : إنّ القول قول الزوج ، وعليها البيّنة(4) ، وقال في موضع آخر : القول قولها مع اليمين في الصداق(5)، وهو اختيار ابن إدريس(6) . وقال العلاّمة وهو المعتمد، لأنّها منكرة ، فعليها اليمين مع عدم البيّنة(7) .

  • (1) مسالك الأفهام 7 : 211 ، الأُمّ 5 : 33 ، المغني 9 : 209 .
    (2) بلغة الفقيه 3 : 146 ـ 147 .
    (3) تحرير الأحكام 2 : 49 ، فقه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، 6 : 125 ، تفصيل الشريعة، كتاب النكاح: 599 .
    (4) الخلاف كتاب النفقات 5 : 116 ، مسألة 12 .
    (5) الخلاف 4 : 385 مسألة 27 .
    (6) السرائر 2 : 655 ـ 656 .
    (7) مختلف الشيعة 7 : 190 .

(الصفحة 182 )

9 ـ لو توافق الزوجان على المهر واختلفا في قبض الصداق ، فقال الزوج : قد أقبضتك المهر ، وقالت : ما قبضته ، لم يخل من أحد أمرين : إمّا أن يكون قبل الزفاف أو بعده ، فإن كان قبل الزفاف وقبل تسليم نفسها إليه فالقول قولها ; لأنّ الأصل أنّها ما قبضت ، هذا بلا خلاف . وإن كان الخلاف بعد أن أسلمت وحصلت في منزله وتحت قبضه ، وكانت العادة جارية بأنّها لا تمكِّن من الدخول إلاّ بعد أن تستوفي المهر كالعادة القديمة .

فهنا تعارض بين الأصل والظاهر، فالقول قولها عند بعضهم(1); لأصالة عدمه، واستصحاب اشتغال ذمّته .

وقال بعضهم(2) : القول قول الزوج; لأنّ الظاهر يشهد له، وأنّها تدّعي خلاف الظاهر وخلاف العادات . والمروي تقديم قول الزوج(3) . وإن لم يكن العادة جارية في تقديم المهر على الزفاف فالقول قول الزوجة(4) .

10 ـ لو غاب شخص وانقطعت أخباره ولم يعلم حياته وموته، وقد تجاوز التسعين من عمره ، فهل نحكم بموته بحكم الغلبة، حيث إنّ الغالب على البشر لا يعمّرون أكثر من تسعين، كما هو مشرب القوم (أهل السنّة)، أو نحكم بحياته بحكم استصحاب حياته حتّى يحصل اليقين والقطع بموته ؟ أمّا لو لم يحصل اليقين

  • (1) الخلاف ، كتاب النفقات 5 : 116 ، المبسوط 4 : 301 ، شرائع الإسلام 2 : 333 ، قواعد الأحكام 2 : 44 ، مختلف الشيعة 7 : 321 ـ 322 ، إيضاح الفوائد 3 : 242 ، الروضة البهية 5 : 378 ، كتاب النكاح للشيخ الأنصاري 20 : 282 ، مناهج المتّقين : 375 ، مهذّب الأحكام 25 : 181 ، تحرير الوسيلة 2: 269، تفصيل الشريعة، كتاب النكاح: 452 .
    (2) المبسوط ، كتاب النفقات 6 : 16 ، الخلاف كتاب الصداق 4 : 385 ، القواعد والفوائد 1 : 152 ، كشف اللثام 2 : 93 ، جواهر الكلام 31 : 133 و 139 ، الفقه 67 : 200 .
    (3) وسائل الشيعة 15 : 15 باب 8 من أبواب المهور ح6 و8 .
    (4) القواعد والفوائد 1 : 152 .

(الصفحة 183 )

فلا معوّل على الغلبة، كما قال به بعض(1) .

11 ـ من ركب البحر في مركب معلوم إلى البصرة مثلا ، ثمّ يعرض غرق في البحر ، ويعلم بالشياع أو القرائن بأن تلقى إلى بعض السواحل بعض ألواح المركب وآلاته ، أو بعض الغرقى ، ويسلم البعض ويفقد البعض ، والذي يقتضيه الظاهر حصول الهلاك ، والذي يقتضيه الأصل الحياة .

فهل يرجّح ظاهره مع قوّة أمارته ، أو الأصل مع ضعف أمارته؟ وجهان : أحدهما : يقدّم الأصل ، فإنّها إذا رفعت أمرها إلى الحاكم أجّلها أربع سنين للبحث عنه ، وبه قال أصحابنا ظاهره عدم الفرق بين شهدت القرائن بموت أو غيره(2)، كما في صحيحة بريد بن معاوية قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المفقود كيف يصنع بامرأته؟ قال : ما سكتت عنه وصبرت يخلّي عنها فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين . . .(3) ، والثاني يقدّم الظاهر .

12 ـ إذا اختلف الزوجان في أصل المهر بعد الدخول ; بأن ادّعت الزوجة عليه المهر ، فقال : لا مهر لك عندي ، من غير أن يتعرّضا المقدار أو التسمية وعدمها ، ففي
تقديم قول الزوج أو الزوجة وجهان ; الأصل يقتضي تقديم قول الزوج; لبراءة ذمّته من المهر ، وهو اختيار المحقّق والشهيد(4) ، والظاهر والعرف يقتضي تقديم قول الزوجة ; لأنّ طبع الدخول والاستمتاع يقتضي العوض ، فالاستمتاع وادّعاء عدم الاستحقاق لا يجتمعان في نظر العرف ، وهو اختيار العلاّمة في الإرشاد(5)

  • (1) تحرير المجلّة 1 : 33 .
    (2) رسائل المحقّق الكركي 2 : 236 ـ 238 .
    (3) الكافي 6 : 147 باب المفقود ح2 .
    (4) شرائع الإسلام 2 : 333 ، الروضة البهية 5 : 377 .
    (5) إرشاد الأذهان 2: 16.

(الصفحة 184 )

والتحرير(1) والقواعد(2) والمحقّق السبزواري(3)، وغيرهم(4) .

13 ـ إذا اتّفق الزوجان على وقوع عقد نكاح بينهما في وقتين ، واختلفا في كون الثاني تأسيساً أو تأكيداً ، فقال الزوج : كان تكراراً على وجه الاحتياط في تصحيحه ، أو لقصده اشتهاره ، وادّعت المرأة: أنّ كلاًّ منهما عقد شرعيّ مستقلّ لاتكرار، ومفهوم كلامها حصول فرقة بينهما بسبب من الأسباب ، ثمّ عقد عليها، قال البعض(5) : القول قول الزوجة; لأنّ الأصل من العقد أنّه إذا وقع صحيحاً . ويمكن أن يقال : إنّ القول قول الزوج; للقرائن سابقاً ولاحقاً على التزويج سرّاً ، وبآخر جهراً ، ولو كان هذا رائجاً في موضع النزاع تكون قرينة مفيدة للاطمئنان(6) .

14 ـ إذا ادّعى الزوج الرجوع في الطلاق ، وأنكرت الزوجة ، فإن كان النزاع بعد انقضاء العدّة فلا إشكال في تقديم قولها مع عدم البيّنة ، وإن كان في أثناء العدّة قبل انقضائها، فيحتمل تقديم قولها أيضاً; لأنّها منكرة ـ وقوله موافق لأصل عدم
رجوعه ـ وهو مدّع فعليه البيّنة، وعليها اليمين ، ويحتمل تقديم قوله; لأنّ أمر الرجوع بيده ، فهو وإن كان مدّعياً إلاّ أنّه حيث يقدر على إنشاء الرجوع يصحّ إقراره به(7) ، وهو ظاهر .

  • (1) تحرير الأحكام 2 : 32 .
    (2) قواعد الأحكام 2 : 44 .
    (3) كفاية الأحكام : 185 .
    (4) جامع الشتات 2 : 385 ، نظام النكاح 2 : 280 ، تحرير الوسيلة 2: 269، تفصيل الشريعة، كتاب النكاح: 449 ـ 450 .
    (5) المبسوط 4 : 291 ، مسالك الأفهام 8 : 304 .
    (6) نظام النكاح 2 : 287 .
    (7) العروة الوثقى ـ ملحقات ـ 3 : 195 مسألة 5 .

(الصفحة 185 )

15 ـ لو كان الغالب في معاملات شخص الفساد ، فلو صدرت منه معاملة نشكّ في الصحّة والفساد فيها ، الغلبة الشخصيّة تقتضي فساد المعاملة ، وهذا مشرب القوم ، وحمل فعل المسلم يقتضي حمله على الصحّة . قال البعض : والمرجع في مثله أصالة الصحّة المستندة إلى وجوب حمل فعل المسلم على الصحيح مطلقاً(1) .

16 ـ لو اتّفق الراهن والمرتهن على الإذن في قبض الرهن ، واختلفا في وقوع القبض، تعارض الأصل والظاهر ، ويمكن ترجيح صاحب اليد(2) .

17 ـ هل يعتبر في صيغ العقود عدم اللحن من حيث الهيئة والإعراب بناءً على اشتراط العربيّة؟ وجهان : من أنّ دليل اعتبار العربيّة هو لزوم الاقتصار على المتيقّن من أسباب النقل ، والأصل عدم النقل ، فإن قال بدل بِعتك : بَعتك بفتح الباء لم يصح، كما قال به البعض(3) ; ومن أنّ الظاهر الصحّة; لعدم معنى الصحيح عرفاً إلاّ البيع ، كما حكي عن فخر المحقّقين(4) .

18 ـ هل يعتبر ـ بناءً على اشتراط العربيّة في صيغ العقود ـ كون المتكلِّم عالماً تفصيلا بمعنى الإيجاب والقبول وجميع مشتقّاتهما ; بأن يكون فارقاً بين معنى «بعت» و«أبيع» و«أنا بائع» أو يكفي مجرّد علمه بأنّ هذا اللفظ يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع؟ وجهان : الظاهر هو الأوّل ; لأنّ عربيّة الكلام ، ليست باقتضاء نفس الكلام، بل بقصد المتكلّم منه المعنى الذي وضع له عند العرب ، فلا يقال : إنّه تكلّم وأدّى المطلب على طبق لسان العرب، إلاّ إذا ميّز بين معنى «بعت» و«أبيع»

  • (1) تحرير المجلّة 1 : 33 .
    (2) الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة 3 : 386 درس 275 .
    (3) المكاسب 3 : 135 من التراث .
    (4) مفتاح الكرامة 4 : 163 ، المكاسب 3 : 136 .

(الصفحة 186 )

و«أوجدت البيع» وغيرها(1) . والأصل عدم اعتباره .

19 ـ إذا قال : أحلتك عليه ، فقبض . فقال المحيل : قصدت الوكالة ، وقال المحتال : إنّما أحلتني بما عليك ، فالأصل يقتضي براءة ذمّة المحيل من حقّ عليه للمحتال ، والظاهر مع المحتال ; لأنّ ظاهر لفظ الحوالة إرادة معناها ، لا معنى الوكالة ، وإن جاز إطلاقها عليها ، من حيث إنّ الوكالة من العقود الجائزة ، يكفي فيها ما دلّ على الإذن فيما وكّل فيه ، ولفظ الحوالة صالح له .

وقد اختلف في تقديم قول أيّهما ، والمشهور تقديم قول المحيل ، لأنّه أعرف بقصده .

20 ـ لو أدّى المحال عليه فطلب الرجوع بما أدّاه على المحيل لإنكاره (المحال عليه) الدَّين، وزعمه أنّ الحوالة على البري بناءً على جواز الحوالة عليه ، وادّعاه (الدَّين) المحيل ، تعارض الأصل ـ وهو براءة ذمّة المحال عليه من دَين المحيلـ والظاهر ; وهو كونه مشغول الذمّة ، إذ الظاهر أنّه لولا اشتغال ذمّته لما اُحيل عليه ، والأوّل ـ وهو الأصل ـ أرجح من الثاني ، حيث يتعارضان غالباً فيحلف المحال عليه على أنّه بري من دَين المحيل، ويرجع عليه بما غرم(2) .

21 ـ لو أوصى بحمل، فجاءت به لأقلّ من ستّة أشهر ، صحّت الوصيّة به . ولو كان لعشرة أشهر من حين الوصيّة لم تصحّ ، وإن جاءت لمدّة بين الستّة والعشرة وكانت خالية من مولى وزوج، حكم به للموصى له ، وإن كان لها زوج أو مولى ، فالمسألة حينئذ من باب تعارض الأصل والظاهر ، إذ الظاهر الغالب إنّما هو الولادة لتسعة أشهر تقريباً ، فما يولد قبلها يظهر كونه موجوداً ، والأصل عدم كونه

  • (1) المكاسب 3 : 137 من التراث .
    (2) شرائع الإسلام 2 : 113 ، تذكرة الفقهاء 2 : 107 ، الروضة البهيّة 4 : 146 ـ 147 ، المناهل : 157 ـ 158 ، جواهر الكلام 26 : 172 ـ 173 .

(الصفحة 187 )

موجوداً ،فيتعارض بين الأصلوالظاهر .فيقدّم بعضهم الأصل(1)وبعضهم الظاهر(2) .

22 ـ لو طلب من شخص أن يعمل له عملاً فعمل، فإن كان العمل ممّا له أُجرة بالعادة ولم يقصد العامل التبرّع بعمله، وكان ممّن عادته أن يستأجر لذلك، كالغسّال والقصّار، فله اُجرة مثل عمله; لأصالة احترام عمل المسلم الذي لم يظهر من فاعله التبرّع(3).

أمّا لو طلب من شخص أن يعمل له عملاً فعمل، ولكن لم يعهد نوعاً أخذ الاُجرة عليه، ولم تتحقّق عادةً على ذلك، بل كانت العادة جارية على إيجاده مجّاناً بعنوان الوديعة وبقصد الإحسان، ولم يكن العامل ممّن كان عادته أن يستأجر لذلك ـ كحفظ متاع الغير أو عمل المرأة في البيت ـ ولم يكن أيضاً متبرّعاً في عمله، بل ادّعى أنّه لم يكن متبرّعاً، فهل يستحقّ اُجرة مثل عمله أم لا؟

قولان: القول الأوّل: يستحقّ لو كان العمل متقوّماً عرفاً، وهو لصاحب الجواهر(4) والشيخ الفقيه الفاضل اللنكراني. القول الثاني: عدم استحقاق الاُجرة وهو للمحقّق والعلاّمة والمحقّق الثاني(5).

قال شيخنا الفقيه الفاضل اللنكراني: وحينئذ لابدّ من ملاحظة أنّ جريان العادة هل يكفي في عدم الالتفات إلى دعوى مدّعي الاُجرة في مقام الإثبات، بعدما
كان مستحقّاً لها ثبوتاً، إذا كان قصده على خلاف العادة، ولم يتحقّق منه التبرّع

  • (1) المبسوط 4 : 12 ، قواعد الأحكام 1 : 298 ، شرائع الإسلام 2 : 249 ـ 250 ، إيضاح الفوائد 2 : 481 ، مسالك الأفهام 6 : 190 ـ 192 ، جامع المقاصد 10 : 43 ، الروضة 5 : 25 ، رياض المسائل 6 : 236 .
    (2) مفتاح الكرامة 9 : 396 .
    (3) مسالك الأفهام 5: 229، جواهر الكلام 27: 335.
    (4) جواهر الكلام 27: 337.
    (5) شرائع الإسلام 2: 188، قواعد الأحكام 1: 235، إرشاد الأذهان 1: 425، جامع المقاصد 7: 282.

(الصفحة 188 )

والإحسان واقعاً، كما هو مختار الشرائع(1)، أو أنّه حيث يكون قول العامل موافقاً للأصل، حيث أنّ الأصل عدم قصد التبرّع والإحسان، ولا تعارضه أصالة عدم قصد العوض; لأنّ الاستحقاق لا يتوقّف على قصد العوض، بل عدم قصد التبرّع كاف في ثبوت الاستحقاق، يكون قوله متقدّماً وملتفتاً إليه، كما ربما يحتمل؟

وجهان مبنيّان على أنّ قرينة العادة هل توجب ظهور حال العامل في اقترانه بقصد التبرّع، حتّى يكون ذاك الظهور حاكماً على الأصل، ويكون قوله مخالفاً للظاهر لا يلتفت إليه، أو أنّها لا تبلغ تلك المرتبة الموجبة للظهور، فتصل النوبة إلى الأصل، ويكون قوله موافقاً له، ملتفتاً إليه؟

فمبنى قول الشرائع هو الوجه الأوّل، ومبنى الاحتمال الثاني هو الوجه الثاني، وهو الأظهر فتدبّر(2).

د ـ باب القضاء والحدود

1 ـ إذا تزوّج رجل امرأةً، ثمّ سكنا بيتاً لأب الزوجة سنوات، ولم يذكرا أنّه مجّاناً أو إجارة، ثمّ اختلف الزوجان ، فرجع أب الزوجة إلى الزوج بالإجارة، فادّعى الزوج مجّاناً، ففي تقديم قول أحدهما وجهان: احتمل تصديق قول الزوج بيمينه; لاتّفاقهما على إباحة المنفعة ، والأصل براءة الذمّة عن ضمان الاُجرة ، وتصديق المالك بيمينه ; لأنّ مقتضى الأصل في اليد الضمان فيحلف على نفي المجّانيّة ويثبت له الأقل من اُجرة المثل والمدّعى(3) . والظاهر هو الثاني; لقاعدة احترام مال

  • (1) شرائع الإسلام 2: 188.
    (2) تفصيل الشريعة، كتاب الإجارة ذيل المسألة 36.
    (3) قواعد الأحكام 1 : 193 ـ 194 ، إيضاح الفوائد 2 : 133 ـ 134 .

(الصفحة 189 )

المسلم وهي المنفعة التي استوفاها، وهو المشهور(1) .

2 ـ إذا تنازع المؤجر والمستأجر في شيء من الدار المستأجرة أو غيرها كالدكّان والخان والبستان ، فإن كان منقولا، كالأثاث والآلات فهو للمستأجر مع يمينه للظاهر والأصل ، أمّا الظاهر هو جريان العادة بخلوّ الدار المستأجرة من الأقمشة ; أمّا الأصل هو تأخّر حدوثه . فلا كلام حينئذ .

وإن كان من غير المنقول، كالباب المثبّت لإحدى القباب أو للسطح أو لبيت الخلاء، وكذا الميزاب والمسمار المثبّت في الجدار والسلّم المثبّت ونحو ذلك ، ففي كونه للمالك أو للمستأجر وجهان، بل قولان : الوجه الأوّل هو للمؤجر مع يمينه; لأنّ يده عليه(2) ; ولظاهر الحال .

الوجه الثاني هو للمستأجر مع يمينه ; لأنّ للمستأجر يداً فعليّة على الدار وجميع ما فيها ، ومن الظاهر أنّ اليد الفعليّة أقوى من اليد المالكية ; ولأنّ الأصل تأخّر حدوثه(3) .

3 ـ إذا تنازع الزوجان في متاع البيت مع بقاء الزوجيّة أو بعد زوالها ، أو تنازع وارثاهما أو وارث أحدهما مع الآخر ; سواء كان البيت لهما أو لأحدهما أو للغير ، فإن كانت هناك بيّنة لأحدهما فلا إشكال ، فيقضى له ، وإلاّ ففي المسألة أقوال :

الأوّل : أنّ ما يصلح للرجال للرجل ، وما يصلح للنساء للمرأة، وما يصلح لهما يقسّم بينهما بعد التحالف أو النكول ، وهو المحكيّ عن النهاية والخلاف ، واختاره ابني إدريس وحمزة والمحقّق(4) ، و لعلّه المشهور(5) وفي السرائر(6) والخلاف(7)

  • (1) العروة الوثقى ـ ملحقات ـ 3 : 173 ـ 174 مسألة 8 و 10 .
    (2) قواعد الأحكام 2 : 223 ، إيضاح الفوائد 4 : 381 ، مفتاح الكرامة 10 : 236 ، كشف اللثام 2 : 356 .
    (3) العروة الوثقى ـ ملحقات ـ 3 : 164 مسألة 2 .
    (4) النهاية : 351 ، الخلاف 6 : 352 ، السرائر 2 : 194 ، الوسيلة : 227 ، المختصر النافع : 285 .
    (5) تفصيل الشريعة، كتاب القضاء و الشهادات: 290 و 295 .
    (6) السرائر، 2: 194 .
    (7) الخلاف 6: 354 .

(الصفحة 190 )

الإجماع عليه ، وتدلّ عليه رواية رُفاعة النخّاس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طلّق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فادّعت أنّ المتاع لها ، وادّعى الرجل أنّ المتاع له ، كان له ما للرجال ولها ما للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما(1) . وغيرها من الروايات(2) .

ولأنّ الظاهر أنّ من صلح له شيء فهو له ، وأمّا ما يصلح لهما فيدهما عليه فيقسّم بينهما; لعدم المرجّح . قال السيّد اليزدي: وهو الأقوى(3) .

الثاني : أنّ الجميع للمرأة، إلاّ ما أقام الرجل عليه البيّنة ، وهو المحكي عن الاستبصار(4) والكافي(5) للكليني ، وعن شرح المفاتيح مستنداً إلى صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : المتاع متاع المرأة إلاّ أن يقيم الرجل البيّنة ، قد علم من بين لابتيها ـ يعني بين جبلي منى ـ إنّ المرأة تزفّ إلى بيت زوجها بمتاع ـ ونحن يومئذ بمنى ـ(6) .

الثالث : أنّ ما يصلح للرجل له ، وما يصلح لهما أو للنساء لها ، نسب إلى الصدوق في الفقيه(7) . ومستنده صحيحة عبد الرحمن المذكورة وغيرها .

الرابع : الرجوع في ذلك إلى العرف العام أو الخاص في الاختصاص بأحدهما ،

  • (1) تهذيب الأحكام 6 : 294 ح818 ، من لا يحضره الفقيه 3 : 65 ح215 .
    (2) الاستبصار 3 : 67 ح151 .
    (3) العروة الوثقى ـ ملحقات ـ 3 : 143 مسألة 15 .
    (4) الاستبصار 3 : 68 ذح 153 .
    (5) الكافي 7 : 131 ح1 .
    (6) تهذيب الأحكام 6 : 297 ح829 .
    (7) من لا يحضره الفقيه 3 : 65 ح 216 .

(الصفحة 191 )

فإن وجد عمل به ، وإن فقد أو اضطرب كان بينهما نصفين ، كما عن المختلف وتبعه الشهيدان(1) وجماعة من المتأخّرين ; لأنّ عادة الشرع في باب الدعاوى بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ذلك ، وبه يحصل الجمع بين الأخبار مع موافقة الاُصول وهو الأقوى .

ويؤيّده استشهاد الإمام (عليه السلام) بالعرف ، حيث قال ـ في الحديث المتقدّم ـ «قدعلم من بين لابتيها» .

الخامس : أنّهما فيه سواء مطلقاً من غير فرق بين المختصّات والمشتركات ، فيحلف كلّ منهما حينئذ لصاحبه، كما في سائر الدعاوى ، وقال به القواعد والإرشاد والإيضاح والتنقيح(2) .

4 ـ إذا دُعِيَ الخيّاط في دار غيره إلى الخياطة ، فتنازعا في الإبرة والمقصّ في يده ، ففي كون الحكم في ذلك للخيّاط، أو صاحب الدار وجهان : من قضاء العادة بأنّ الخيّاط يستصحب ذلك معه إذا دعي إلى الخياطة في غير منزله فهما له ، كما قال به العلاّمة وفخر المحقّقين والفاضل الهندي والسيّد العاملي(3) . ومن أنّ الأصل عدم كونهما له فهو لصاحب الدار .

5 ـ قال الشيخ والعلاّمة : إذا تنازع رجلان جداراً متّصلا ببناء أحدهما اتّصالا لا يمكن إحداثه بعد البناء ، كما لو كان لأحدهما عقد أزَج(4)، أو بناء قبّة، أو كان متّصلا ببناء ملكه في سمكة(5) وحدّه وعلوّه ، وبناؤه يخالف بناء جاره ، قدّم قوله مع

  • (1) مختلف الشيعة 8 : 409 ، الروضة البهية 3 : 105 ـ 106 ، كفاية الأحكام : 278 .
    (2) قواعد الأحكام 2 : 223 ، إرشاد الأذهان 2 : 151 ، إيضاح الفوائد 4 : 380 ـ 381 ، التنقيح الرائع 4 : 277 ـ 278 .
    (3) قواعد الأحكام 2 : 223 ، إيضاح الفوائد 4 : 381 ، كشف اللثام 2 : 356 ، مفتاح الكرامة 10 : 236ـ 237 .
    (4) الأزَج : بيت يبنى طولا . لسان العرب 2 : 208 .
    (5) السمك : السقف ، وقيل : هو من أعلى البيت إلى أسفله . لسان العرب 10 : 444 .

(الصفحة 192 )

اليمين ، وعلى خصمه البيّنة; لأنّ الظاهر أنّه له(1) . وإن كان الأصل عدم كونه له .

6 ـ إذا اختلفا في صحّة معاملة واقعة بينهما وفسادها ، فادّعى أحدهما الفساد بدعوى عدم أهليّة أحدهما ، كأن قال : بعتك وأنا صبيّ، أو وأنت صبيّ وأنكر الآخر ، أو ادّعى عدم صلاحيّة أحد العوضين للعوضيّة ، كما إذا قال بعتك خمراً ، أو بخمر ، وقال الآخر : بل خلاًّ أو بخلّ ، فالمشهور تقديم قول مدّعي الصحّة; لحمل فعل المسلم على الصحّة(2) ، واحتمل العلاّمة(3) تقديم قول مخالف الصحّة; لأصالة البقاء ، واستشكل السبزواري على القول المشهور(4) .

7 ـ إذا تنازع البائع والمشتري في عيب المتاع بعد القبض ، قال المشتري : هذا العيب كان عند البائع فلي ردّه ، وأنكر البائع ، وشاهد الحال الذي يفيد الظنّ لا القطع مع المشتري ، ففي تقديم قول البائع أو المشتري وجهان ، بل قولان :

أحدهما : تقديم قول البائع مع اليمين، وبه قال الشهيدان(5) ، والمحقّق الثاني(6)والمقدّس الأردبيلي(7) وصاحب الجواهر(8) .

ثانيهما : تقديم قول المشتري مع اليمين ، ويستفاد هذا القول من إطلاق كلام المحقّق(9) والعلاّمة(10) .

  • (1) المبسوط 2 : 295 ـ 296 ، مختلف الشيعة 6 : 187 ـ 188 .
    (2) جامع المقاصد 4 : 451 ـ 452 ، جامع الشتات 2 : 384 ، العروة الوثقى ـ ملحقات ـ 3 : 179 مسألة 13 .
    (3) قواعد الأحكام 1 : 155 .
    (4) كفاية الأحكام : 97 .
    (5) الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة 3 : 288 ، حاشية الإرشاد المطبوع مع غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 2 : 110 .
    (6) جامع المقاصد 4 : 355 .
    (7) مجمع الفائدة والبرهان 8 : 437 .
    (8) جواهر الكلام 23 : 286 .
    (9) شرائع الإسلام 2 : 32 .
    (10) قواعد الأحكام 1 : 147 ، إرشاد الأذهان 1 : 377 .

(الصفحة 193 )

8 ـ لو قذف مجهول النسب وادّعى رقَّه ، وأنكر المقذوف ، فهل يحدّ؟ فيه قولان ; لأنّ الأصل عدم لزوم الحدّ ، والأغلب على الناس الحرّية ، فكانت أظهر . ويمكن ردّه إلى تعارض الأصلين ، بناءاً على أنّ الأصل في الناس الحرّية ، ويكون الظاهر عاضداً له . وقال بعضهم : هذا هو الأقوى ، ولكن يعزّر القاذف مطلقاً(1) .

9 ـ لو أقرّ ممّا يوجب الرجم، ثمّ أنكر ، سقط الرجم عنه للنص(2) . أمّا لو أقرّ بحدّ ممّا يوجب القتل، كالزنا بذات المحرم أو كرهاً ، ففي سقوط القتل وعدمه قولان : من تشارك القتل والرجم في المقتضى وهو الإنكار ; لما بني على التخفيف (3)، ومن عدم النصّ عليه وبطلان القياس بالرجم; للاستصحاب وبقاء وجوب تنفيذ الحدّ بعد الإقرار عند الشكّ في زواله، وهو الأقوى (4).

10 ـ وفي قبول دعوى الصبيّ الحربيّ الذي ظاهره البلوغ بالنبات : الاستنبات بالعلاج ، ولم يكن عن بلوغ ليلحق بالذراري في عدم القتل وجهان ; لأنّ النبات ظاهر في البلوغ اعتبره الشارع أمارة عليه، فهو مقدّم على الأصل فيه ، فهو مدعّ لمخالفة قوله له; ولأنّ الأصل عدم الإنبات، وأنّ النبات الذي هو أمارة على البلوغ إنّما هو النبات بنفسه لا مطلقاً ، وحيث احتمل كونه غيره أوجب دعواه الشبهة الدارئة للقتل، فيقدّم الأصل(5) .

11 ـ لو أتت بولد أقلّ من ستّة أشهر أو لسنة، ففي إلحاقه وجهان : لأصالة

  • (1) تمهيد القواعد : 316 ، القواعد والفوائد 1 : 138 .
    (2) وسائل الشيعة 18 : 319 ـ 320 باب 12 من أبواب مقدّمات الحدود ح1 و2 .
    (3) الوسيلة: 410، رياض المسائل 10: 27، جواهر الكلام 41: 292، تفصيل الشريعة، كتاب الحدود: 108 .
    (4) الروضة البهية 9 : 138 ـ 139 .
    (5) بلغة الفقيه 3 : 381 .

(الصفحة 194 )

عدم الزنا والوطء بالشبهة، كما قال به الشهيد(1) ، ولظاهر الحال .

هـ ـ أبوابٌ متفرّقة

1 ـ لو وجد الجلد في يد مستحلّ الميتة بالدبغ ، ففيه صور ثلاث :

الاُولى : أن يخبر بأنّه ميتة فيجتنب; لاعتضاده بالأصل من عدم الذكاة .

الثانية : أن يخبر بأنّه مذكّى ، فالأقرب القبول ; لأنّه الأغلب ، ولكونه ذا يد عليه ، فيقبل قوله فيه، كما يقبل في تطهير الثوب النجس .

الثالثة : أن يسكت ، ففي الحمل على الأغلب من التذكية ، أو على الأصل من عدمها وجهان : فالأصل يقتضي عدم تذكيتها ، والظاهر يقتضيها ، والمشهور الأوّل(2) وقال بعض الأعلام : والأصحّ الثاني(3) .

2 ـ ما لو ادّعى اللقطة مدّع ، وعرّفها بأوصاف تخفى على غير مالكها غالباً ، وغلب على ظنّ اللاقط أنّه صادق ، فالظاهر يقتضيه. والأصل يقتضي عدمه ، وفي تقديم أيّهما قولان ، أشهرهما جواز دفعها إليه حينئذ وإن لم يجب(4) ، ومنعه ابن إدريس; للأصل(5) .

3 ـ لو أقرّ لحمل ، فولد لأقصى الحمل فما دون إلى ستّة أشهر ، وكانت المرأة خالية من زوج أو مولى ، فإنّ الظاهر وجوده حال الإقرار ، والأصل يقتضي عدمه . وقد اختلف الأصحاب وغيرهم في تقديم أيّهما على الآخر ، والمشهور تقديم

  • (1) القواعد والفوائد 1 : 373 .
    (2) ذكرى الشيعة 3 : 29 ، تمهيد القواعد : 311 .
    (3) الحدائق الناضرة 7 : 53 .
    (4) تمهيد القواعد : 314 .
    (5) السرائر 2 : 111 .

(الصفحة 195 )

الظاهر .

4 ـ لو قال المقرّ : له عليّ شيء أو حقّ ، وفسّرهما بردّ السلام ، والعيادة ، وتسميت العاطس ، فإنّ الأصل يقتضي براءة ذمّته من غير ذلك ، والظاهر يشهد بخلافه ; لأنّ مثل ذلك لا يعدّ حقّاً وشيئاً في معرض الإقرار، والعرف يأباه .

وقد اختلف في تقديم أيّهما ، وقال بعضهم(1) : يقدّم الثاني ; لما ذكر; ولأنّ المتبادر منه الحقّ الذي يثبت في الذمّة بقرينة «عليّ» وهذه الأشياء لا تثبت في الذمّة .

وما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) «للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً . . . يسمّت عطسته . . . ويردّ سلامه»(2) مع تسليم سنده ، لا يقتضي استقراره في الذمّة .

وفرّق بعضهم : بين الشيء والحقّ ، فقبل تفسيره بهذه الاُمور في الثاني دون الأوّل; نظراً إلى ظاهر الخبر .

5 ـ لو أقرّ المحتمل للبلوغ أو باع أو نكح أو طلّق، ثمّ ادّعى الصبيّ قيل : لا يمين عليه ، ولو كان التداعي بعد البلوغ، ففي تقديم قوله عملا بالأصل ، أو قول الآخر عملا بالظاهر من الصحّة وجهان(3) .

6 ـ إذا شكّ في عدالة شخص ، وكانت حالته السابقة الفسق ، ولكن حَسُنَ ظاهرُه ، ففي قبول شهادته وجواز الاقتداء به وجهان : من استصحاب فسقه فلا تقبل شهادته . ومن ظاهر الحال في أنّ حسن الظاهر يوجب الظنّ وطريق للعدالة ، فإنّ الظنّ بالعدالة كاف في الحكم بكون الشخص عادلا ، كما قال به عدّة

  • (1) تمهيد القواعد : 313 ـ 314 .
    (2) وسائل الشيعة 8 : 550 باب 122 من أبواب أحكام العشرة ح24 .
    (3) الدروس الشرعيّة 3 : 127 درس 222 .